الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[سورة النساء1].يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[سورة الأحزاب71].
أما بعد:
فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
مفهوم العلاقة الزوجية، والقصد من ذلك
إن في قول الله : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ؛ وهي آدم وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا؛ وهي حواء التي خلقت من ضلع آدم وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءفي هذه البشرية الذين خلقوا من نسل آدم وحواء جعل الله بين الجنسين رابطاً وهو النكاح، شرعه ورضيه ، وجعله وسيلة للاتصال بين النساء والرجال في العلاقة، في العلاقة في الفراش، وفي غير ذلك، وكان في هذا العقد الشرعي والصلة وما ينتج عن العلاقة سكينة قلبية وطمأنينة نفسية للطرفين، ومودة، ورحمة ناشئة عن هذا النكاح الشرعي الذي أراده الله تعالى وشرعه لعباده، ورضيه، والله أعلم منا بما يصلح لنا، وبما يصلحنا، ولذلك فإننا نسلّم لما شرعه .
ومن حكمته، ورحمته في هذا الشرع؛ أنه جعل ، ورضي بأن يكون النكاح أمراً سهلا ميسرا في إبرامه، وعقده فهو إيجاب من ولي الزوجة، وقبول من الزوج، فيقول: زوجتك، ويقول الآخر: رضيت، أو قبلت، ويشهد الشاهدان المسلمان، فعند ذلك إذا رضيت المرأة كان العقد شرعياً ما دامت الموانع منتفية، والقضية كما ترون سهلة، وميسورة، ياعباد الله: ولكن الناس ظلموا أنفسهم، فمنهم من أبى أن تكون العلاقة داخل هذا الإطار الشرعي فجعلوها خارجه، ومنهم من عقد القضية، وجعل فيها اشتراطات كثيرة، خرجت عن اسم الشريعة،
وما أراده الله من تيسير هذه المسالة لكي تكون الشهوة متوجهة في طريق مباح مفيد بناء، فحصلت العلاقات خارج نطاق الزواج كثيرة، وانتشرت، وخصوصاً في هذا الزمان، وصار قدوات الناس الكفرة، وخصوصاً في الغرب من الذين يمثلون في هوليوود وغيرها؛ تنشر أخبارهم في الجرائد علناً بإنجاب أولاد من خارج النكاح، ويلاحظ أن هذه القضية كثرت في الآونة الأخيرة، وخصوصاً في الصفحة الأخيرة من أي جريدة؛ فإنك تقرأ عملياً عن بعض سير هؤلاء الزانيات والزواني، إنجاب أولاد من غير نكاح، وأن الولد، أو البنت الفلانية؟، أو الابن الفلاني من ثمرة العلاقة مع الممثل الفلاني، أو المغني الفلاني، أو لاعب التنس الفلاني، ونحو ذلك.
يقرأ المراهقون والمراهقات هذه الأخبار، ويبنى في نفوسهم تدريجياً من حيث نشعر، أو لا نشعر أن هذه قضية عادية، ومسألة طبيعية أن يحدث إنجاب خارج الزواج، ولا شك أن هذا في دين الله دياثة، وأنه فسق وفجور، وأنه عفونة لا ترتضيها النفس الأبية، ولا النظيفة، ولا صاحب الفطرة السليمة، ولكن الكفرة من اليهود والنصارى يعملون علي زعزعة البناء الأسري، وعلى زعزعة الشرع في نفوس الناس من خلال بث هذه الأخبار، وتلقفها من هم قدوات الناس؟ من هم الذين تكتب عنهم الأخبار؟ من هم الذين تتناقل سيرهم؟ من هم الذين تسلط عليهم الأضواء؟ من هم أصحاب الدخول المرتفعة؟ من هم الذين يكرمون بالجوائز وغيرها؟ هؤلاء: الزناة والزواني، والفجرة والفاجرات، تسلط عليهم الأضواء فيكثر عندهم إذاً، يكثر عندهم ولادات خارج عقد النكاح، والمسلم الحر الأبي، والمسلم الحر الأبي النظيف، صاحب الفطرة السليمة؛ ينفر من هذا، ويشتد الأذى على سمعه، وبصره، وهو يقرأ مثل هذه الترهات، ويتطلع إلى حال نظيفة يعم المجتمع الإسلامي، وجودها في هذا النكاح الذي شرعه الله .
أحكام المهر، والتقارب بين أعمار الزوجين
وينظر المسلم إلى يسر الشريعة في المهر؛ ولو كان المهر دالاً على كرامة لرأيت بنت الرسول ﷺ أعلى النساء مهرا في العالم، ولكنه لم يكن كذلك، ولرأيت زوجات النبي ﷺ أعلى النساء مهراً في الأمة، ولكنه لم يكن كذلك، وإنما على ثنتي عشرة أوقية، على شيء ميسر كانت القدوة في هذا بالنسبة للعالم للمسلمين كان أمراً سهلاً ميسورا، ولم يكن حتى فارق السن من الحواجز التي تمنع النكاح، والنبي ﷺ تزوج عائشة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، وهي بنت تسع سنين فالكبر لا يضر، ولا حرج أن تكون المرأة أكبر، ولا حرج أن يكون الزوج أكبر، كما انه ﷺ هو نفسه تزوج خديجة وهي بنت أربعين، وهو ابن خمس وعشرين، قبل أن يوحى إليه، أي أنها كانت تكبره بخمس عشرة سنة، وهذا فيه رد على كثير من الذين يتكلمون منفرين من التفاوت بين سن الزوجين يعرضون ذلك كأنه خطأ لا يجوز أن يقع، إذا رضيت الفتاة، ورضي الزوج؛ فلماذا المعارضة إذا رضيت البنت بهذا؟ إذا رضيت من غير ضغط عليها ولا شن حملات ولا، ولا إكراه فإنه لا بأس بذلك تقاربت الأسنان تساوت زادت عليه بسنة، أو سنتين نقصت عنه بخمس أو عشر المسألة في هذا شرعاً سهلة ميسورة ما دام الرضا قائما، ما دام الرضا قائماً.
ياعباد الله: لكن الحالة المذمومة مثلاً: أن يأتي ولي البنت لا تريد شيخاً فانياً، وتكره الزواج منه، فيعسفها ويرغمها ويكرهها على الزواج بمن هذا حاله؛ لأجل دريهمات يأخذها هو في جيبه ويتاجر بابنته، فهذا قد اختل فيه شرط أساسي في الشرع، وهو رضا الفتاة، فلا يجوز للولي أن يفعل ذلك، وحرام عليه أن يغصب ابنته على رجل لا تريده، ولكن كان الشاهد في الكلام الماضي أننا لا يجوز أن نضع العوائق بأيدينا وأنفسنا في طريق الزواج فنهول القضية بالكتابات والناس يتأثرون بالمقالات الصحفية والأحاديث المتلفزة وغير ذلك فنحن أحياناً نقع عوائق ونشترط شروط ونقول لا بد أن يكون الفرق كذا، ولا بد أن يحدث التساوي بكذا ونحو ذلك مما ليس بالشرع، مما ليس بالشرع.
التباعد في النكاح، وتأثير الوراثة، والكشف الطبي قبل الزواج
ومسألة أخرى أيضاً وهي: قضية التباعد في النكاح، مسألة التباعد في النكاح ليست مشترطة شرعاً، وللوراثة تأثير، ولا ريب، ولذلك قال النبي ﷺللرجل: ابنك هذا لعله نزعه عرق[رواه البخاري6847، ومسلم1500]. لما اشتكى إليه بأنه قد جاءه ورزق بغلام أسود، وهو ابيض فكيف يكون هذا؟ فقال: لعله نزعه عرق، فهذا يدل على تأثير الوراثة، ولا ريب في ذلك، ولكن هل معنى هذا منع الزواج من القريب، والقريبة؟ النبي ﷺ تزوج، تزوج زينب، ومعروف قربها منه، فإذن هل يقال للناس لا تتزوجوا من بنات أعمامكم، ولا من بنات عماتكم، ولا من بنات أخوالكم، ولا من بنات خالاتكم؟ هل يقال لهم هذا؟ أبداً يمكن أن يقال؛ إذا ابتعدت أحسن، إذا ابتعدت يكون أبعد عن الأمراض الوراثية، نعم، ولكن إحداث عائق في الزواج، والتركيز في المقالات على أن الزواج من الأقارب غلط، وأنه كارثة، ومصيبة هو في الحقيقة تحريم لما أباح الله، تحريم لما أحله الله، والواقع يكذبه فكم من شخص تزوج ابنة عمه، أو ابنة خاله، وكان الأولاد أصحاء ليس فيهم شيء، المسالة مسالة نسب، فالشاهد أن لا نمنع، ونحرم ما أباح الله، ومن أراد أن يبعد فليبعد، ومن تيسر له الزواج من قريبة فليفعل، والمسألة في هذا واسعة.
وأمر ثالث: وهو قضية الكشف الطبي في الزواج، يريد بعض الناس من خلال الدعوة إلى هذه القضية أن تشترط شرطاً، وأن يمتنع النكاح إلا بعد الكشف، وهذا فرض شيء على الناس لم تفرضه الشريعة عليهم، وإلزامهم بما لا يلزمهم الدين به فرق بين أن تقول: لو كشفت أحسن، لو كشفت أفضل بحيث لو كان هناك شيء يستدرك مبكراً مثلاً: وبين أن تقول: يلزم كل من أراد الزواج يلزم، يلزم ويجب الكشف هذا الإيجاب والإلزام ليس له محل شرعاً وليس عليه دليل شرعي ولذلك فتاوى أهل العلم حتى المعاصرين في عدم جواز إيجابه على الناس مهما ظهر لهم من المصالح الطبية للناس قضية الإلزام والإجبار والاشتراط شيء ومسالة التحبيذ، وأن تكون القضية فيها نوع أفضلية هذه قضية أخرى، ولكن تصور لو أوجبنا فرقاً معيناً في السن، وأوجبنا شيئا معيناً في الفحوصات، وأوجبنا شيئا معيناً في زواج الأقارب، وأوجبنا، وأوجبنا، ماذا نفعل بأنفسنا؟ زيادة قيود لم تأت في الشريعة، والنتيجة تصعيب الزواج مع أن الشريعة تريد تيسيره تريد تيسيره فيقول قائل: فماذا عن العقم إذاً؟ نقول: ابتلاء من الله ، وهو على نوعين: نوع عارض له أسباب يمكن علاجه، وتحمل المرأة بإذن الله، ونوع لا يمكن علاجه أبدا، فهذا شخص خلقه الله عقيماً مهما عولج لا ينفع فيه العلاج، وقد قال الله: وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًاسورة الشورى50. فعليه أن يصبر، ويستسلم لأمر الله يأخذ بالأسباب الدنيوية في العلاج المشروعة، المباحة، وليست المحرمة.
حكم استئجار الأرحام، والاستنساخ، وحكم تأخير البنت عن الزواج
ليست القضية أن يأتي بولد من أي سبيل من أي طريق، وربما لا يكون منه، أو من الزوجة، وهنا تظل البشرية، وتنحرف، وتأتي عملية استئجار الأرحام، وأخذ بويضة من امرأة وزرعها في غيرها، وربما أخذ حيوان منوي من شخص آخر غير الزوج تفعل الأفاعيل، ويعبث في خلق الله، وتتبع البشرية خطوات الشيطان الذي تعهد أخذ العهد على نفسه أن يضلهم، وأن يغويهم، وان يأمرهم فليفتكن آذان الأنعام، وأن يأمرهم ويدلهم على ما يغيرون به خلق الله، فهكذا يعمدون إلى هذه الوسائل التي زعموها تقدماً طبياً، وكشفاً علمياً، وفتحاً حضارياً؛ فيعبثون بخلق الله .
وظهرت قضية الاستنساخ شاهداً على ذلك على عبث البشرية بخلق الله وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِسورة النساء119. ففرق إذاً بين من يبحث عن علاج للعقم بطريق شرعي ليس فيه محذور؛ من مثل ما هو موجود في استئجار الأرحام، والاستنساخ ونحوه، وبين من يفسد هذا الإفساد، ويقع نهباً لعيادات علاج العقم التي تعالج بالحق وبالباطل، وربما لا يحترزون من اختلاط الأنابيب في مختبراتهم.
وعائق آخر، ومسالة أخرى: قضية دراسة البنت تخطب الفتاة فيكون الجواب لا، لماذا؟ البنت تريد إكمال الدراسة، هل هذا الجواب شرعي؟ إذا كان المتقدم صاحب دين، وخلق، هل رده لأجل تكميل دراسة الفتاة رد شرعي؟ الشريعة تحبذه، الشريعة تحمده، الجواب: كلا والله، ولما سئل شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله عن عادة منتشرة، وهي رفض الفتاة، أو والدها من يخطبها؛ لأجل أن تكمل تعليمها فما هي النصيحة؟ وربما بلغت بعض الفتيات الثلاثين، أو أكثر بسبب ذلك، فقال رحمه الله تعالى: نصيحتي لجميع الشباب، والفتيات البدار بالزواج، والمسارعة إليه إذا تيسرت أسبابه لقول النبي ﷺ: يا معشر الشباب منكم الباءة فليتزوج؛ فانه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء[رواه البخاري5065، ومسلم1400]. متفق على صحته وقوله ﷺ: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير[رواه الترمذي1084]. أخرجه الترمذي بسند حسن.
وقوله ﷺ: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة[رواه أحمد13569].خرجه الإمام احمد، صححه ابن حبان. ولما في ذلك من المصالح الكثيرة التي نبه عليها النبي ﷺ من غض البصر، وحفظ الفرج، وتكثير الأمة، والسلامة من فساد كبير، وعواقب، وخيمة إذاً الذين يردون الثقة الدين صاحب الدين، والخلق لأجل دراسة الفتاة خلاف أمر النبي ﷺ الذي قال: إذا أتاكم من ترضون فزوجوه إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه لا تقول: البنت تريد أن تكمل الدراسة، والفلسفات هذه التي رمت ببناتنا عبر هذه الاتصالات في الانترنت وغيرها، التي رمتهن في الأسواق تحت عجلات عربات الفساد التي حطمت الفضيلة، وانتهكت الأعراض بسببها، نضع عوائق من المهور، وتزويج البنت الكبرى قبل الصغرى، وقضية الأقارب، والفحص الطبي، ومسألة الدراسة ونحو ذلك، وعجلة الفساد تمشي، والزواج معطل، لماذا؟ هل هذا ما أمرت به الشريعة؟ هل هذا الذي جاء به الدين الحنيف؟ أين العقول؟ أين تقوى الله؟ أين مراقبته ؟ أين الخوف من اليوم الأخر؟ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًاسورة المزمل18.فرق بين هذا الرفض للتزويج ثم تندم البنت، ويندم أهلها بعد فوات الأوان، وبين أن يوصى هذا الرجل بأن يكمل دراسة زوجته، بل لو اشترط عليه في العقد فهو جائز، والأفضل عدم الاشتراط فإن قالوا: نريد أن نشترط عليه إكمال تدريسها، نريد أن نشترط عليه أن تعمل موظفة، نريد أن نشترط عليه أن تكمل دراستها العليا، نريد أن نشترط عليه إبقاءها في الوظيفة، هذا جائز شرعاً لكن الأفضل عدمه لأجل عدم إيقاعه في الحرج، والتضييق عليه، ولربما تقتضي مصلحة العائلة، هو وهي وأولادهما في المستقبل عدم إكمال التدريس الدراسة، أو الوظيفة، وعندما تصبح قضية الدراسة، والوظيفة هي الأساس؛ يضحى لأجلها بقضية الزواج، عندما تضطرب الأولويات لدينا؛ تحدث مشكلات اجتماعية خطيرة، ولذلك أيها الإخوة: صارت الفتاة في كثير من الأحيان تدخل في الزواج في الحياة الزوجية وليس عندها نجاح الحياة الزوجية، هي الأساس عند قضية إكمال الدراسة هي الأساس، والوظيفة هي الأساس، والبقاء في الوظيفة هي الأساس، فإذا حصل تعارض بين مصلحة الزواج، ومصلحة الوظيفة، والدراسة؛ تضحي مباشرة بمصلحة الزواج، وتطلب الطلاق، ويحدث الخلع وانهيار الأسرة لماذا؟ لأنه صار هناك موديل جديد عند البنات أن الهدف الأصلي، والأساسي، والأكبر هو قضية الدراسة، والوظيفة، وليس قضية استمرار الحياة الزوجية، ولذلك ما أن يحدث التعارض؛ إلا ويقع الطلاق، طبيعي، نحن الذين فعلنا العوائق بأيدينا، ونحن الذين قررناها، وكرسناها، وكبرناها، وعظمناها، وشددنا عليها، والأب والأم يتوالون في توصية البنت بهذه القضية؛ أن هذه أهم شيء، ولو طلقك، ورماك ماذا ستفعلين؟ إلى آخره...
إذا كنت قد انتقيت شاباً صالحاً يغلب على ظنك أن الحياة معه ستستمر، فلماذا إذاً هذا الإصرار العجيب على القضية الذي يرسخ في نفس البنت أن تضحي بكل شيء حتى بالزوج؟ وحتى بالأولاد؟ وحتى بالأسرة؟ وحتى بهذا الصرح الذي شيد بالنكاح تضحي به لأجل دراسة، أو وظيفة؟ هل الله خلق المرأة أصلا لقضية الدراسة؟ أو الوظيفة؟ أو خلقها لتكون سكناً لزوجها؟ وحصناً يأوي إليه؟ وخلقها سبحانه لرعاية، وتربية؟ خلقها حضناً دافئاً لهؤلاء الأولاد، وسكناً زوجياً يعف الزوج.
عباد الله: مرة أخرى نضع العوائق بأيدينا ثم نقول: لماذا يكثر الطلاق، لماذا يتأخر سن الزواج، لماذا؟ ولماذا؟ هذا مما كسبته أيدينا.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الذين يرون الحق ويتبعونه، أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا اله إلا الله، الحي القيوم، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، خلق الذكر والأنثى، وجعل سعي الناس شتا، وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، والبشير، والنذير، والسراج المنير، حبيبنا، وإمامنا صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه أجمعين، اللهم صل عليه، وعلى أصحابه، وخلفائه، وأزواجه، وذريته الطيبين الطاهرين.
عباد الله:
حكم العزل، واستعمال موانع الحمل
وتأتي قضية العزل، ومنع الحمل ليكون أيضاً مشجعة على عدم الاستمرار في الزواج، ولتكون مما يسهل موضوع الانفصال، ويريد عدد من الناس استعمال الموانع بعد الزواج مباشرة، تارة بزعمهم، بزعمه أنه يريد استمتاعاً في أول الحياة الزوجية بدون منغصات فالأولاد منغصات عنده، وتارة يقول حتى أجرب وأرى هل سأستمر مع هذه المرأة أم لا فربما يكون وجود الولد دافعاً للاستمرار، وعدم وجوده مسهلاً للطلاق، ولذلك فإن الإنسان المسلم ينظر فيما جاءت به الشريعة فالله قال: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْسورة البقرة187. فسرها عدد من أهل العلم ابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْيعني الولد بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْولما رجع جابر مع النبي ﷺ من سفر، أوصاه ﷺ إذا قدم: إذا قدمت فاعمل عملاً كيساً[رواه أحمد15026]. فجاء إلى زوجته فقال: أمرني النبي ﷺ أن أعمل عملاً كيساً، فقالت: دونك، فبات معها قال شراح الحديث انه فهم انه ﷺ أمره بقوله: أن يعمل عملاً كيساً أي أن يطلب الولد وقضية: تكاثروا فاني مباهٍ بكم الأمم، وقضية: تزوجوا الودود الولود[رواه أحمد13569] الولد من الرابط بين الزوجين يصعب الانفصال، ويجعل الزوج يتحمل والزوجة تتحمل؛ لأجل الاستمرار، وبذلك يكون الولد رحمة، وقضية العزل الراجح جوازها إذا أذنت الزوجة، وهو أن ينسع فينزل خارج، واستعمال الموانع لا بد فيه من شروط غير العزل من الحبوب وغيرها، إن ذلك يختلف باختلاف أحوال النساء، ولا بد أن يكون غير ذي ضرر على المرأة، ولا بد أن يكون برضا الزوجين جميعاً فلا يجوز أن يجبرها على تعاطي الموانع، ولا يجوز أن تتعاطاها من وراء ظهره دون علمه، وسواء كان العزل، أو الموانع الأخرى مستعملة فإنها لا تمنع قدر الله ، ولذلك جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: إن لي جارية هي خادمتنا، وسانيتنا في النخل، فهذه أمة الرجل أمة يطأها؛ لأنها أمة عنده، لكن هي الخادمة، وهي التي تسقي في النخل كذلك فيكره أن تحمل هذه الأمة قال: وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل فقال: اعزل عنها إن شئت فانه سيأتيها ما قدر لها [رواه مسلم1439]. سواء عزلت أم لم تعزل فسيأتيها ما قدر لها رواه مسلم، وأحمد، وأبو داوود، ورواه أبو سعيد كذلك قال: خرجنا مع رسول لله ﷺ في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبياً فأرادوا النساء، واشتد عليهم البعد، واشتدت عليهم الغربة، وأحبوا العزل فسألوا عن ذلك النبي ﷺ فقال: ما عليكم أن لا تفعلوا، أي لا حرج عليكم أن لا تفعلوا ذلك: فإن الله قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة[رواه الطبراني2166]. وبالتالي فإنه لو قدر الله أن الولد سيأتي فسيأتي برغم العوازل، وكم من امرأة حملت فوق اللولب، وكم من امرأة حملت رغم الحبوب، وكم من امرأة حملت رغم العزل، وهكذا، والمقصود: أن تتوفر الشروط الشرعية لاستعمال ذلك، فالعزل شرطه: أن توافق المرأة الحرة، والموانع الأخرى كما تقدم من الشروط.
عباد الله: المقصود من الحديث كله القضاء على العوائق التي تحول بين الشاب والفتاة، وبين الزواج الشرعي وتذليل العقبات، وعدم اختراع، وتضخيم العوائق التي تؤدي إلى منع ذلك الزواج، أو تؤخره إلى وقت غير محمود بعد أن يكون كل من الطرفين قد مر بتجارب مريرة، وحياة شقية ثم يتزوج بعد الثلاثين.
ونسأل الله أن يصلح أحوالنا، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه، وأن يسلك بنا صراطه المستقيم، وأن يرزقنا السعادة في الدنيا والآخرة إنه سميع مجيب.
معاناة المسلمين في فلسطين
ونتحدث عن الأولاد والبنات، ونفوسنا لا زالت مع إخواننا المستضعفين في أرجاء الأرض، وعلى رأسهم إخواننا في فلسطين الذين يعانون ولا يزالون لأبشع أنواع التحقير والتعذيب حتى البنات المسلمات الحرائر العفيفات التي يأخذهن اليهود المحققون ويعرضوهن لصعقات الكهرباء، والماء البارد، والتعرية، وتقييد البنت المسلمة في فلسطين العفيفة إلى سرير داخل الزنزانة تبقى في سجن انفرادي اثني عشر يوماً تتعرض خلاله لأبشع أنواع التعذيب ويقف الجنود اليهود خارج الزنزانة يطلقون السباب، والشتائم المهينة للنفس، والعرض ويطلقون التهديدات المستمرة بأنهم سيغتصبونها جماعياً، وهكذا الأطفال أيضاً الذين أخذوا، أخذوا قبل الفجر من بيوتهم وعصبت عيونهم وكبلوا بالسلاسل المحكمة وانهال الجنود بالضرب على جميع أجزاء أجسادهم وكذلك إذا الولد الذي كان يرمي بالحجارة يهان ويذل في المعتقلات الإسرائيلية، ومثال على ذلك يوضع رأس الطفل في كرسي المرحاض ويفتح مياه الخزان، خزان المرحاض على رأسه داخل المرحاض هذا نموذج فقط من النماذج التي يمارسها اليهود ضد الأطفال، أما الكبار فلهم عندهم شأن آخر، لم ينقل هذا الكلام مسلم يقال متعصب للفلسطينيين، ولكن الذي نقله من عاينه وشاهده من بعض المحققين الكفرة الذين ذهبوا لمعاينة أوضاع سجناء المسلمين داخل الأرض المحتلة ونحن مع تمزق قلوبنا ألماً لما يلاقيه إخواننا نطلب من ربنا المغفرة على استحياء من تقصيرنا في نصرة إخواننا ونقول: اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وتقصيرنا في نصرة إخواننا،
اللهم ثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم إنا نسألك النصر للمؤمنين في كل الأرض يارب العالمين، اللهم أذل اليهود عاجلاً يارب العالمين، اللهم اجعل باسهم بينهم، واجعل تدبيرهم في تدميرهم، اللهم اجعل أمرهم إلى سفال، وشانهم إلى زوال، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم طهر بيت المقدس من رجس اليهود، اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، والنجاة يوم المعاد، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الأتقياء الأنقياء يارب العالمين، اللهم أدم المودة بين المسلمين وزوجاتهم، اللهم وأصلح ذرياتهم وبيوتهم يا سميع الدعاء، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.