السبت 22 جمادى الأولى 1446 هـ :: 23 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

عاهد لا انقطاع عن الطاعات


عناصر المادة
الخطبة الأولى
الثبات على الطاعات بعد رمضان
ثمرات المداومة على الطاعات
الخطبة الثانية
مداومة السلف على الطاعات
فضل صيام الست من شوال
أحداث وعبر
الجمع للمطر

الخطبة الأولى

00:00:08

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

الحمد لله الذي جعل في تعاقب الليل والنهار عبرة وذكرى، الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا الفرقان:62،  وأيامنا تركض وتتعاقب فينا العشيات والأبكار، والناقد بصير، والعقبة كأود، وكلنا نسير إلى الله في تقلب الأيام، وكر اللحظات، ليس لنا وقوف إلا في دار الجزاء، وقد تصرم موسم الخير وانقضى، وفي النفوس حسرة على انقضاء الشهر.

الثبات على الطاعات بعد رمضان

00:01:15

فما أسرعها من أيام، وما أمضاها من لحظات! شاهدات بما فيها من الباقيات الصالحات، كل في كتاب مستطر، انقضى موسم الخير، ونعوذ بالله من الحور بعد الكور، والنقصان بعد الزيادة، ورب الشهور واحد وهو الذي قال لنا: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًاالنحل:92.

فهل رأيتم؟ لو أن امرأة تغزل فلما تكامل الغزل وصارت تلك القطعة من الصوف الجميلة، فإذا بها تنسل خيطانها، وتكر ذلك الخيط لتفسد كل ما نسجته، وتعيده كما كان خيطاناً متفرقة، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًاالنحل:92، بعد القوة صارت متفرقة.

فهل نحن نريد أن نرجع من الطاعات إلى شيء من عصيان الله ؟ هل الانفلات بعد تلك الأيام والليالي التي كانت عامرة بالصيام والقيام والدعوات، والأذكار والصلوات والتوبات، وأعمال الخير وإطعام الطعام والصدقات، مرة أخرى إلى عكس ذلك؟ كلا -يا عباد الله-.

نعم، إن الإنسان لا يكون بعد رمضان مثلما كان في رمضان من الطاعة؛ لكن الخشية ترك واجب أو فعل محرم.

إن لله عباداً فطنا لم يستوحشوا من قلة السالكين بعد رمضان، وعرفوا الهدي النبوي في المداومة على الأعمال الصالحة، وقد عاهدوا الله عهداً لا يغيروه، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ الأحزاب:23

كان أصحاب النبي ﷺ سادات الأولياء يخافون من التغيير نحو النقص، يخافون على أنفسهم أن يكونوا ممن يذاد عن الحوض، ويقال عنهم يوم الدين: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك [البخاري:4625، و مسلم:(2297)] وجاء عن عمر أنه لما رأى تقلل أبي عبيدة من متاع الدنيا، بكى وقال: "غيرنا إلا أبا عبيدة"، وعبد الرحمن بن عوف لما قدم له إفطاره، وكان صائماً، فتذكر أخاه مصعب بن عمير، وكيف قتل في أحد، بعد أن كان في مكة غنياً مدللاً، لم يجدوا له في أحد ما يكفن به إلا بردة إن غطي بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت بها رجلاه بدى رأسه، فبكى بكاء طويلاً، وأمر برفع الطعام[البخاري:1276].

إن للعمل بعد الشهر في قبوله علامات: منها أن يكون الحال بعد الشهر خيراً مما كان قبله، ومن علامات الرد والحرمان أن يكون بعد الشهر أسوأ مما كان قبله.

عباد الله: إذا كان بعض الناس قد خطط للفساد والترحال فيه في رمضان وفي عشره الأواخر فكيف سيكون الحال عند الانقضاء، المؤمن وقف لله تعالى، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُالحجر:99، قال الحسن -رحمه الله- "والله ما المؤمن بالذي يعمل شهراً أو شهرين أو عاماً أو عامين، والله ما جعل الله لعمل المؤمن أجل دون الموت".

وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان رسول الله ﷺ يقول: أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل[رواه مسلم2818]، ومن الهدي النبوي ما ذكرته لنا أمنا -رضي الله عنها- فقالت: "كان رسول الله ﷺ إذا عمل عملاً أثبته[مسلم:746]،  هذه المداومة على الأعمال الصالحة يستمر بها العبد على الطاعة فلا ينقطع، ولا يكون كالشهاب العابر باليل يضيء ثم ينطفئ، ولكن استمرار في العبادة، نعم ليس مثل الاجتهاد في رمضان لكن ليس هناك انقطاع، لا يترك واجبات ولا يقع في المحرمات،  والله لما وصف المؤمنين بأنهم: كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَالذاريات:17 وبأنهم: فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَالمؤمنون:2، عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَالمؤمنون:3 ،ولِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَالمؤمنون:5، وبأنهم ينفقون؛ كان ذلك الوصف ملازماً لهم طيلة السنة، ليس في شهر دون شهر.

ثمرات المداومة على الطاعات

00:07:15

وللمداومة على الأعمال الصالحة ثمار عظيمة فمنها: دوام اتصال القلب بالله: فيعطى القلب قوة وثبات، وتعلق بربه، إنه ليس قريباً من الله في شهر، بعيداً عنه طيلة السنة، كلا، إنه يقترب من ربه باستمرار، يكون أقرب إليه في مواسم الطاعات العظيمة، نعم، لكنه لا يبعد عن ربه في بقية الشهور، إن هذا الاتصال الدائم بين العبد والرب يعطي العبد حيوية في قلبه، وانتعاشاً وثباتاً، إنه يجنبه السقطات والانتكاسات والتراجعات والتقهقرات.

وثانياً: إن هذه المداومة على الأعمال الصالحة سبب لمحبة الله للعبد: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ البقرة:222، قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: إن الله يحب التوابين: من ذنوبهم على الدوام، ويحب المتطهرين عن الآثام.

وتأمل في معنى الحديث القدسي: وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فهذا يتقرب بالنوافل بعد الفرائض، وكلمة ما يزال تدل على الاستمرارية، وما هي النتيجة؟ حتى أحبه، فإذا أحبه ماذا سيكون بعد ذلك؟ يجنبه الحرام من المسموعات والمرئيات، أحببته، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها ورجله التي يمشي بها.

إن المداومة على الأعمال الصالحة تسبب إجابة الدعوة: قال: وإن سألني لأعطينه إن المداومة على الأعمال الصالحة تجنب الشرور: ولئن استعاذني لأعيذنه[البخاري:6502] .

وكذلك خامساً: سبب للنجاة من الشدائد: وقد قال ﷺ للغليم ابن عباس -رضي الله عنهما-: ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن فقلت بلى: فقال احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة[أحمد :2803]، من الناس من لا يعبد الله، ولا يعرفه إلا عند الكربات، ولذلك قال: من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء[الترمذي:3382].

ألم تعلم أن نبي الله يونس صاحب الحوت ذا النون قد أخرجه الله من الظلمات: ظلمة بطن الحوت، وظلمت الليل، وظلمت البحر في أسفله، عندما نادى بصوت تعرفه الملائكة، إنه ليس صوتاً غريباً عليها لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَالأنبياء:87 فنجاه الله، لم يجعل الحوت يعضه بأسنانه، ويقضمه ويقطعه أشلاء، وإنما التقمه التقاماً، وهذا من حفظ الله، وفي بطنه حفظه الله فلم يختنق، وهكذا، فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ ۝ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَالصافات:143-144، لولا أنه كان من المسبحين قبل دخول بطن الحوت، كان صاحب أعمال صالحة، فشفعت له عندما التقمه الحوت، عندما ألقي في البحر نجاه الله تعالى، وصار الحوت ليونس كالغواصة يحفظه الله بها من الأسماك المفترسة، والغرق في البحر، إنها نجاة عجيبة لرجل كريم صبور نبي عظيم، كان يسبح الله؛ ولذلك فإن الله نجاه لما جاءت الشدة.

وسادساً: إن المداومة على الأعمال الصالحة تنهى صاحبها عن الفواحش: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ العنكبوت:45.

جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق، قال: إنه سينهاه ما يقول[أحمد:9778]، لا يمكن أن يستمر على هذا الحال -قيام ليل وسرقة- لابد إذا استمر في قيام الليل إن ينهاه في النهاية عن السرقة؛ لأن الصلاة إذا استوفيت بالأركان والواجبات والخشوع تنهى عن الفحشاء والمنكر لابد.

ثم إن المداومة عليها سبب لمحو الخطايا: أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً ما تقول: ذلك يبقي من درنه؟ قالوا: لا يبقي من درنه شيئاً، لا يبقي شيئاً من الوسخ، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا[البخاري:528،ومسلم:667].

وهكذا تكون الأعمال الصالحة أيضاً سبباً لحسن الخاتمة: لأن الله رحيم بعبده، فإذا كان يعمل له طيلة حياته وفقه لعمل صالح يميته عليه، يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِإبراهيم:27،  ويوقى مصارع السوء، عليكم باصطناع المعروف فإنه يمنع مصارع السوء[قضاء الحوائج لابن أبي الدنيا:6]، حديث صحيح عن النبي ﷺ.

وكذلك فإنه سبب لتيسير الحساب وتجاوز رب البريات عن العباد: إذا كان الإنسان عنده عمل صالح يواظب عليه نفعه يوم الدين، جاء رجل إلى الله تعالى، قدم عليه بعد الموت، قال: ما عملت من الخير ما عملت؟ قال: ما عملت من الخير إلا إني كنت رجل ذا مال، فكنت أطالب به الناس، فكنت أقبل الميسور، وأتجاوز عن المعسور، فقال: تجاوزوا عن عبدي[مسلم:1560].

وأيضاً فإن في ظل العرش يوم القيامة مجالاً متاحاً لأصحاب المداومات على الأعمال الصالحات: ألم تر أنه في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل الذي يعدل باستمرار، والشاب الذي نشأ في عبادة ربه، نشأ سنين متطاولة، ورجل قلبه معلق في المساجد، فهو دائماً يشتاق إلى المساجد ليست بصلاة واحدة، باستمرار، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه[البخاري:660، مسلم :1031]،  إذاً العهد مستمر بينهما على المحبة في الله من يوم أن تعارفا إلى يوم أن تفرقا بموت أو ضعن، وهذه المحبة في الله العمل الصالح العظيم قائم بينهما ومستمر.

وأيضاً فإن المداومة على العمل الصالح تنتج لك براءتان عظيمتان من النفاق ومن النار: كما في الذي يصلي أربعين يوماً، إنها مائتا ؟ من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولىمتى يدركها؟ إذا كان قائماً في الصف حينما يكبر الإمام للإحرام، فيكبر بعده مباشرة كتبت له براءتان : براءة من النار وبراءة من النفاق[الترمذي:241].

ثم إن في المداومة على الأعمال الصالحة ميزة عظيمة جداً أن العبد يؤجر في أحيان ولو لم يعمل كيف؟ قال ﷺ: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحا[البخاري:2996] أليس عندما كان مقيماً كان مستمر في العمل الصالح؟ أليس عندما كان في صحة وعافية كان مستمراً في العمل الصالح؟ ولذلك لما مرض ما عاد يستطيع القيام بهذا العمل الصالح، أو سافر يكتب له مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً دائماً، كان يحضر الدرس العلمي في البلد سافر! يكتب له كل يوم في السفر أجر حضور حلقة العلم والدرس، كان مقيماً على صلاة الجماعة في المسجد سافر في طريق السفر يصلي وحده، يصلي في محطة يكتب له مثلما كان يعمل، وهكذا إذا مرض وقعد عن بر كان يعمله، والذي أصيب بشلل رباعي، فمضى في بقية حياته طريح الفراش، كيف كان عمله قبل أن يكتب عليه هذا الحادث الذي أودى به في هذا السرير؟ يكتب له مثلما كان يعمل صحيحاً مقيما.

ثم إن دخول الجنة هو مثوى المديمين على الأعمال الصالحة: من أنفق زوجين في سبيل الله نُوديَ من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاةيعني النوافل بعد الفرائض المداومة عليها  دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان أهل الصدقة دعي من باب الصدقة فقال أبو بكر : "بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة" -لا خوف عليه- "فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟" قال: نعم وأرجوا أن تكون منهم. متفق عليه [البخاري:1897، مسلم:1027].

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فقبضنا إليك غير مفتونين، ثبتنا على الحق حتى نلقاك يا سميع الدعاء.  أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:18:17

الحمد لله، أحمده، وأستعينه، وأستغفره، وأثني عليه، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

مداومة السلف على الطاعات

00:18:38 

عباد الله: إن السلف -رحمهم الله- ضربوا أروع الأمثلة في المحافظة على الأعمال الصالحة، لما علّم النبي ﷺ علي ابن أبي طالب أذكار قبل النوم تقوي البدن وتقوي القلب، "سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين تمام المائة قبل النوم، قيل لعلي لما قال: ما تركته منذ سمعته من رسول الله ﷺ: ولا يوم صفين؟ قال: ولا يوم صفين" [البخاري:6318].  كيف يكون قائد المعركة ليلة المعركة مشغول البال تماماً بما سيلقى، وما يخطط، وماذا سيعمل؟ لأنها مسألة الموت والملاقاة، فإذاً ما ترك علي الأذكار، ولا ليلة تلك المعركة.

عبد الله بن عمرو بن العاص لما جاء النبي ﷺ أنه يريد أن يصوم النهار ويقوم الليل، قال: لا تطيق ذلك، له لنفسه عليه حقاً، ولجسده ولضيفه ولأهله، أعط كل ذي حق حقه، قال: صم يوماً وأفطر يومين، قال: دعني أستمتع بقوتي، ومن شبابي إني أطيق أكثر من ذلك صم يوماً وأفطر يوماً إني أطيق أكثر من ذلك فأخبره أن هذا صيام داود وأنه: لا أفضل من ذلك [مسلم:1159] .

عبدالله بن عمرو العاص تقدمت به السن، وصار شيخاً كبيراً، وهن وضعف لكن كره أن يفارق الدنيا على غير ما فارق عليه رسول الله ﷺ، فكان لو اضطر للإفطار نوافل، يفطر أياماً ثم يصوم بعددها، فإذا ضعف في فترة فأفطر أسبوعاً، صام بعده أسبوعا؛ً لكي لا ينزل على المعدل الذي فارق النبي ﷺ عليه، وهكذا كان هؤلاء العباد الزهاد.

أبو هريرة يقتسم- الليل أثلاثاً هو وزوجته وابنه.

الحسن بن صالح يقتسم الليل هو وأمه وأخوه، يقوم الثلث الأول، يوقظ أمه تقوم الثلث الثاني، توقظ ابنها الآخر يقوم الثالث يوقظهم لصلاة الفجر، لما ماتت الأم اقتسما الليل قسمين.

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يصلي في الليلة الركعات الكثيرة جداً، كان بعض الفقراء يأتيهم رزق في الليل عند الأبواب، طعام وثياب، يطرق الباب يفتحون لا يجدون أحداً في الظلمة، لكن يجدون طعاماً، لما مات علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رحمه الله- انقطع الذي كان يأتيهم بالليل، فعرفوا أنه هو الذي كان يأتيهم.

أناس يواصلون على العطاء في الليل والنهار، ويختبؤون بالليل للإخلاص يتدثرون بظلامه،  بعض العباد ما فاتته تكبيرة الإحرام أربعين سنة، وبعضهم ما فاته الصف الأول ستين سنة، وبعضهم كان يزحف كما يزحف البعير من الضعف بعد قيام الليل، وآخرون كان يخادع الواحد منهم زوجته؛ لينسل من الفراش لظنه أنها نامت، ليقوم بالليل، وآخر تقول له ابنته: يا أبتي لم لا تنام؟ يقول: إن أباكي يخاف عذاب البيات، إن بين النفختين نوم طويل.

قال الولد لأمه -جيران منصور بن المعتمر-: يا أمي أين الجذع الذي كان على سطح دار جارنا منصور؟ قالت: "ليس بجذع إنه منصور، وقد مات"، لكن من طول القيام كان الولد في الليل يظنه جذع شجرة، بل كانت بعض الطيور تحط على بعضهم وهو ساجد تظنه جماداً.

وقال أحد السلف لولده: "يا بني لا تعصِ الله في هذه الحجرة، فإني ختمت القرآن فيها ثمانية عشرة ألف ختمة"، فانظر إلى هذه المداومة على هذه الختمات وهذه القراءات.

لما حضر خيثمة الموت، جاءت امرأته جلست بين يديه فبكت. قال: "ما يبكيكِ الموت؟ لا بد منه"، قالت المرأة: "الرجال بعدك عليّ حرام"، كأنها تريد أن تطمأنه أنها لا تتزوج بأحد بعده ولا بأخيه، قال خيثمة: ما كل هذا أردت منك، إنما كنت أخاف -رجلاً واحداً- أخي فلان كان فاسقاً يتناول الشراب فكرهت أن يشرب في بيتي الشراب بعد إذ القرآن كان يتلى فيه كل ثلاث".

ومن شيوخنا المعاصرين أرباب المداومة على الصالحات والطاعات والدروس، كما كان الشيخ العثيمين -رحمه الله- قرابة خمسين سنة لم ينقطع عن درسه إلا لمرض أو سفر، لا ينقطعون عن نفع الخلق، ومن الراحلين الشيخ الزامل والسلمان يراجعان القرآن معاً كل يوم بعد الفجر سبعاً وثلاثين سنة.

فضل صيام الست من شوال

00:24:34

عباد الله: المداومة المداومة، والمرابطة المرابطة، إنه لا بد أن تكون الصلة بالله مستمرة، ومن باب المداومة وعدم الانقطاع عن الصالحات، شرع الله لنا سنة بعدية لرمضان، كما كان شعبان السنة القبلية، وهو صيام ست من شوال، إنه يعدل صيام شهرين، كما أن رمضان بعشرة أشهر، وهذا بشهرين، فكأننا صمنا السنة، من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر[مسلم:1164].

جعل الله الحسنة بعشر أمثالها.

وصوم ستة أيام من شوال بعد رمضان هل يعدل صيام السنة أجر فريضة أو أجر نافلة؟

فذهب كثير من العلماء: إلى أن صوم ستة أيام من شوال بعد رمضان يعدل صيام رمضان فرضاً؛ لأن أجر الفرض غير أجر النافلة، وإلا فإن مضاعفة الأجر ثابت حتى في صيام النافلة؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها في الحالات المتعددة يجبر النقص بعد الفريضة، فقد قال ﷺ: يقول ربنا لملائكته -وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن انتقص منها شيئاً قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم[رواه أبو داود864].

ومنها الصيام والزكاة، وهكذا إنا لا نضيع أجر المحسنين إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًاالكهف:30 ولا بأس بصيامها متتابعة أو متفرقة، وكلما بادر كان أفضل، لقوله تعالى: فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِالبقرة:148.

وصيام القضاء غير صيام الست، هذا قضاء رمضان، وهذه ستة شوال النافلة، فلا يقوم هذا مقام هذا، وإذا أراد الأجر المذكور في الحديث فعليه أن يتبعه، أي بعد تمامه والانتهاء منه، فيتم ما عليه من رمضان قضاء- إذا كان كالحائض والحامل- ثم بعد ذلك تشرع في صيام الست، ولا بأس لو انتهى شوال ولم تنتهِ من القضاء أن تكمل؛ فالله يعلم نيتها، وأنها كانت حريصة على صيام الست، ولو صامتها في ذي القعدة، أو كما قال مالك -رحمه الله-: "تقضى في عشر ذي الحجة، أو في تسع ذي الحجة"، ولو صادفت صيام الست الإثنين والخميس أو أيام البيض فإن له الأجرين جميعاً، فإنه يكتب له الأجران جميعاً، وفضل الله عظيم، كما أجابنا عن ذلك الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله- قال: "يرجى له ذلك، لأنه يصدق أنه صام الست، كما يصدق أنه صام البيض، وفضل الله واسع.

أحداث وعبر

00:28:19

عباد الله: إن في كر الأحداث عبراً عجيبة، وإننا نعجب أشد العجب من ذلك الخبر الذي سمعناه عن ذلك الرجل الذي قتل أباه غدراً، وهو نائم برشاش لأنه لم يكن يعطيه ما يريده من المال.

أيقتل الأب وكان سبب وجود الولد؟ أيقتل غيلة لا يستطيع الدفاع عن نفسه؟ أيقتل ويسحب ويرمى ويدفن في صحراء؟ أين البر؟ أنظروا إلى هذه الجريمة الشنيعة؟ كيف يكون العقوق؟ وإلى أي حال يمكن أن يؤدي؟ وإلى أي حال وصل الأمر ببعض الناس؟ نسأل الله السلامة والعافية.

ثم تلك العائلة الذين داهمهم السيل في الوادي، فصعدوا إلى سطح السيارة، والماء يصعد ورائهم، وهكذا يرتفع شيئاً فشيئاً، إلى أن يبلغ أقدامهم وركبهم، ونساء وأولاداً وهم يذكرون الله ويهللون ويتشهدون حتى ألجمهم الماء، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًاالأحزاب:38، فيا هنيًا من جاءته المنية وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، والغرق شهيد.

الجمع للمطر

00:30:05

وعند نزول الأمطار يشرع الجمع في المطر إذا كان يبل الأرض والثياب، وقد يكون خفيفاً متقطعاً ليس بمؤذٍ فلا يجمع الصلاتين، ولكن المطر المؤذي للماشي الذي يبل الأرض والثياب يصح الجمع فيه بين الظهر والعصر دون قصر، وبين المغرب والعشاء في البلد.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يخافك ويتقيك، أسعدنا بطاعتك، ولا تشقنا بمعصيتك، اجعلنا نخشاك كأنا نراك، وأسعدنا بتقواك، اللهم ثبت قلوبنا بالحق يا رب العالمين، واربط عليها بالإيمان يا أرحم الراحمين، اللهم أجعلنا ممن يعدلون ويخشونك بالغيب يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ما أسرفنا وما قصرنا، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا زللنا في رمضان، وأن تتم علينا الأجر يا رحمن، اللهم إنا نسألك الأمن لبلادنا وبلاد المسلمين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة الصافات:180ـ181.

1 - البخاري:4625، و مسلم:(2297) 
2 - البخاري:1276
3 - رواه مسلم2818
4 - مسلم:746
5 - البخاري:6502
6 - أحمد :2803
7 - الترمذي:3382
8 - أحمد:9778
9 - البخاري:528،ومسلم:667
10 - قضاء الحوائج لابن أبي الدنيا:6
11 - مسلم:1560
12 - البخاري:660، مسلم :1031
13 - الترمذي:241
14 - البخاري:2996 
15 - البخاري:1897، مسلم:1027
16 - البخاري:6318
17 - مسلم:1159
18 - مسلم:1164
19 - رواه أبو داود864