الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، ونشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الذي أمرنا بحفظ اللسان؟
عباد الله:
إن ربنا ورسوله ﷺ قد جاء عنهما الأمر بحفظ اللسان، هذا العضو السريع الحركة، أسرع الأعضاء حركة وأنشطها، لا يكل ولا يمل من كثرة الاستعمال، قال الله في كتابه العزيز: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌسورة ق 18. فكل ما خرج منه يُكتب ويُرصد، ويُحفظ ويُجمع؛ لينشر يوم الدين، وقال النبي ﷺ: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت.[رواه البخاري 6018 ومسلم 47].
وجاء سفيان بن عبد الله الثقفي إلى النبي ﷺ يقول له سائلاً: "يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: هذا [رواه الترمذي 2410]. أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. وقال ﷺ: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده[رواه البخاري 10 ومسلم 41]. وقال للصحابي: فكف لسانك إلا من خير[رواه الحاكم في المستدرك 2861]. وقال لمن سأله ما النجاة؟ قال: املك عليك لسانك[رواه الترمذي 2406]. رواه الترمذي وحسنه، وفي حديث معاذ المشهور قال له النبي ﷺ بعد أن أوصاه: ألا أخبرك بملاك ذلك كله، كف هذا وأشار إلى لسانه، قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، قال: وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم[رواه الترمذي 2616]. رواه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح. ألا أخبرك بملاك ذلك؛ أي ما يحكم الأمور ويعين على تقويتها، أخذ ﷺ بلسانه وأشار إلى هذا العضو وقال قولاً بعد الفعل كف، أي: امنع هذا، هذه الإشارة والقول تدل على اهتمام الشارع بحفظ هذا العضو، وقدم عليك على قوله هذا إشارة للاهتمام بهذا الأمر، فلم يقل أمسك هذا عليك، وإنما قال أمسك عليك هذا، وهذه الإشارة في اللغة تكون لمزيد من التعيين، أو التحقير؛ لأن الناس كثير ما يتساهلون به، ولم يكتفِ ﷺبالقول وإنما أخذ بلسانه بالفعل؛ ليدل بقوله وفعله على هذا الأمر، بياناً لصعوبة ضبط اللسان، ومعنى الحديث لا تتكلم بما لا يعنيك كما ورد في الحديث الآخر من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه[رواه الترمذي 2317]. ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، وكثرة الكلام لها مفاسد لا تُحصى، وقال الصحابي: وإنا لمؤاخذون، أي: معاقبون ومحاسبون بما نتكلم به، أي: على جميع الكلام الخارج، لأن معاذاً لا يخفى عليه أن بعض الكلام يحسب للإنسان، فقال له: وهل يكب ويلقي الناس ويسقطهم ويصرعهم على وجوههم أو على مناخرهم -وهي أول ما يصل إلى الأرض إذا سقط الإنسان على وجهه- إلا حصائد ألسنتهم، وفي هذا بلاغة نبوية عظيمة، فإنه شبه ما يتكلم به الإنسان بالزرع المحصود، شبهه بالمنجل، فكما أن المنجل الذي يُحصد به الزرع يقطع ولا يميز بين الرطب واليابس، والجيد والرديء، فكذلك لسان بعض الناس يتكلم بكل نوع من الكلام حسناً وقبيحاً مثل المنجل، يحصد كل ما يأتي عليه، لا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم، من الكفر، والقذف، والشتم، والغيبة، والنميمة، والبهتان، فعليك يا عبد الله بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان، ومن صمت نجا، والإسلام في السلامة من اللسان، كما قال النبي ﷺ: المسلم من سلم المسلمون من لسانه[رواه البخاري 10 ومسلم 41].خص اللسان بالذكر؛ لأنه يعبر عما في النفس، وهو أمضى من اليد، ولذلك قدمه على اليد، في قوله من لسانه ويده؛ لأن اللسان يؤثر ويقول في الماضين، والموجودين، والحادثين بعد، وأما اليد فيمن هو أمامها، ولذلك كان التأكيد عليه، وتقديمه في هذا الحديث.
سلاح ذو حدين
إن اللسان وسيلة لتحصيل العذاب أو الرحمة، اشتكى سعد بن عبادة من مرض فأتاه النبي ﷺ يعوده، مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله فقال: قد قضى قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي ﷺ، فلما رأى القوم بكاء النبي ﷺ بكوا، فقال: ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا-وأشار إلى لسانه- أو يرحم، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه[رواه البخاري 1304]. رواه البخاري. يعذب بهذا، إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، مما يقولونه بألسنتهم، وقال: يعذب بهذا، أي: يعذب الله بهذا اللسان إذا قال سوءاً، أو يرحم، يعني يرحم الله بهذا اللسان إن قال خيراً، ولذلك كان اللسان من الأعضاء التي تزني، فقال ﷺ: وزنا اللسان المنطق[رواه البخاري 6243]. قال بعض العلماء: وسمى النطق زنا؛ لأنه يدعو إلى الزنا الحقيقي، ألا ترى أن امرأة العزيز قالت بلسانها: هيت لك، وهكذا ما قبل الزنا دعوة من الطرفين، من أحد الطرفين أو كلاهما إلى الفاحشة، ولأن مسألة الإشغال قضية تربوية مهمة من أسباب علاج اللسان، والمحافظة عليه، أن تشغله بطاعة الله حتى لا يجد وقتاً لمعصية الله، ولذلك أوصى النبي ﷺ الرجل فقال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله[رواه الترمذي 3375]. فزيادة على الأجر الذي يحصله بالذكر فإنه يمنع اللسان من المعصية لاشتغاله بالطاعة، وقضية الإشغال هذه تربوية عظيمة ينبغي الاهتمام لها، وقد شجع النبي ﷺ على هذا المبدأ بقوله: كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده[رواه البخاري 6406]. رواه البخاري، هذه الخفة والسهولة على اللسان تكون يوم القيامة في الميزان جسماً ثقيلاً؛ لأن الأعمال تصبح أجساماً يوم القيامة كما دلت على ذلك النصوص، كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان.
واجب اللسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ومن واجبات اللسان إنكار المنكر، كما جاء في الحديث الصحيح: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فغير وجعل الخطبة قبل الصلاة لكي يجبر الناس على الاستماع؛ لأنهم صاروا ينصرفون، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة؛ بياناً للسنة وللحكم الشرعي، وأمراً بالمعروف ونهياَ عن المنكر، فقال: -أي الأمير- قد تُرك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله ﷺ يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان[رواه مسلم 49]. رواه مسلم رحمه الله. وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل[رواه مسلم 50]. رواه مسلم. واتخاذ اللسان آلة للمنافحة عن الحق، والرد على أهل الباطل، واحتساب الأجر بهذا العمل، في بيان الدين، ونفي تحريف الغالين عنه، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، من أعظم العبادات عند الله أن تنافح عن دينه يا عبد الله، وأن تستخدم لسانك للذب عما يقوله أعداء الإسلام، وأصحاب الترهات، الذين يريدون تشويه الإسلام، وتغيير أحكامه، والعبث بحلاله وحرامه، كما يفعل الكثيرون اليوم، عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال: اهجوا قريشاً فإنه أشد عليها من رشق بالنبل فأرسل إلى ابن رواحه فقال: اهجهم فهجاهم فلم يرضِ فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه -يعني أخرجه من فمه- فجعل يحركه -كما يخرج المقاتل سيفه استعداداً للمبارزة والمنازلة في المعركة- ثم أدلع لسانه فجعل يحركه فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم، فقال رسول الله ﷺ: لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريشاً بأنسابها وإن لي فيهم نسباً حتى يلخص لك نسبي، فأتاه حسان، أي: أتى أبا بكر، ثم رجع فقال: يا رسول الله قد لخص لي نسبك، والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعر من العجين، قالت عائشة: فسمعت رسول الله ﷺ يقول لحسان: إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله وقالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: هجاهم حسان فشفا واشتفى وقال في شعره ذلك :
هجوت محمداً براً حنيفاً | وعند الله في ذاك الجزاء |
هجوت محمداً فأجبت عنه | وعند الله في ذاك الجزاء |
هجوت محمداً براً حنيفاً | رسول الله شيمته الوفاء |
فإن أبي ووالده وعرضي | لعرض محمد منكم وقاء |
إلى أن قال في آخره شعره رضي الله تعالى عنه:
فمن يهجو رسول الله منكم | ويمدحه وينصره سواء |
وجبريل رسول الله فينا | وروح القدس ليس له كفاء |
[رواه مسلم 2490]. رواه مسلم رحمه الله في صحيحه. وكما أن الشريعة أمرت باستعمال اللسان في الذب عن الدين، وهجاء الأعداء، وتوضيح الأحكام، وبيان هذه الشريعة، كذلك فقد نهت عن كل ما يسخط الرب بهذا اللسان، كالسب، والاستهزاء، والغيبة، والنميمة، والشتيمة، والتنقص، ونحو ذلك من آفات اللسان، وكذلك يدخل فيه التكلف والتفاصح مباهاة، كما جاء عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال: إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة[رواه الترمذي 2853]. رواه الترمذي وحسنه. ومعنى البليغ، أي: المبالغ والمتكلف للفصاحة من الرجال، أي" من بينهم؛ لأن الغالب فيهم الذي يتخلل بلسانه، أي: يأكل بلسانه، أو يدير لسانه حول أسنانه مبالغة في إظهاره وبيانه، كما تتخلل البقرة، أي: بلسانها، فيتشدق بالكلام بلسانه، ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفاً، وخص البقرة؛ لأن جميع البهائم تأكل النبات بأسنانها، وهي أي: البقرة تجمعه بلسانها، وأما من كانت بلاغته خلقية غير متكلفة فغير مبغوض، وكذلك من أراد أن يتعلم العربية الفصيحة ويطبقها دون إرادة المباهاة فليس بمذموم.
عباد الله: ولأجل خطورة هذا اللسان، كان الدعاء من النبي ﷺ وهو خارج لصلاة الفجر: اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نورا واجعل في سمعي نورا واجعل في بصري نورا [رواه مسلم 763]. الحديث رواه مسلم رحمه الله. اللهم هبنا لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وأعنا على نصرة دينك بألسنتنا يا رب العالمين، اللهم اجعل قوّالين بالحق ومن العاملين به، إنك على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وافسحوا لإخوانكم يفسح الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان على المتقين بل العدوان على الظالمين، وأشهد ألا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن نبيه محمداً رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من اقتفى أثره وسنته إلى يوم الدين.
اللسان أشد فتكاً من السلاح
عباد الله: إن الدوافع إلى الخطأ باللسان كثيرة جداً، وهو سلاح سريع الطلقات، لا تنفذ الطلقات منه، ولذلك فإنه جد خطير، وقد يكون للإنسان باعث على غيبة، أو سب، أو شتم، من نزغات الشيطان، ولذلك فلا بد من أن ينتبه غاية الانتباه للسانه، وأن يفهم أن الطريق وعر لحبس هذا اللسان، الذي ينطق بالمخاطر، إن اللسان سلاح سريع الطلقات، لا تنفذ الطلقات منه، ولذلك فإنه جد خطير، فقد يكون للإنسان باعث على غيبة، أو سب، أو شتم، من نزغات الشيطان، ولذلك فلا بد من أن ينتبه غاية الانتباه للسانه، وأن يفهم أن الطريق وعر لحبس هذا اللسان، الذي ينطق بالمخاطر.
والنبي ﷺ لما أوصى المسلم بقوله: املك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك[رواه الترمذي 2406]. فإنه ﷺ أراد أن ينبهنا إلى خطر اللسان، ووجوب حفظه، وإمساكه، والتفكر في الكلام قبل النطق به، وإن الإنسان ينبغي أن يكون أحفظ للسانه منه لموضع قدميه، فإن الناس إذا مشوا في الطريق لا زالت أبصارهم على الطريق خشية أن تزل الأقدام في حفرة، فيكون من ذلك هلاك وأذى، ولكنهم قلما يتبصرون في الكلام وعواقبه قبل أن ينطقوه بألسنتهم، يا عبد الله: لو كان هناك في مجلس -أنت تكلمت فيه بكثير وقليل- إنسان ممسك بجهاز تسجيل، يسجل كل كلام تقوله، ثم نبهك إنسان أثناء كلامك بأن هناك مسجل يعمل، ورجل يشتغل بالتسجيل، فماذا عساك أن تفعل؟ ستتوقف عن الكلام فوراً، وخصوصاً إذا كان فيه أمر خطير، وتقوم من فورك إلى صاحب المسجل تطالبه بتسليمك الشريط، أو العمل على مسح ذلك الكلام، فكيف إذا كان يا عبد الله إذا كان هناك ملكان يسجلان ويكتبان كل ما تعمل، ولا تستطيع أن تطالبهما بشيء، وتغفل عن ذلك المسجل الذي يسجل عليك كل كلمة وكل حرف؛ لأن الله قال: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ سورة ق 18. والراجح إن شاء الله من أقوال العلماء: أن الملكين يسجلان كل شيء يقوله الإنسان فقد يقول خيراً يؤجر عليه، وقد يقول شراً يأثم عليه، وقد يقول مباحاً لا له ولا عليه، فينسخ الله ما يشاء ويثبت عنده الكلام الذي قاله العبد له، والكلام الذي قاله العبد عليه.
عباد الله: لو أن إنساناً موقفاً على قدر يغلي، كلما قال كلمة سوء أُمسك برأسه فَغُطّ في ذلك القدر، فماذا عساه أن يقول ويتكلم؟ وكل كلمة يقولها من شر يغمس وجهه في هذا القدر الذي يغلي، فاربط هذا بحديث: هل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم[رواه الترمذي 2616]. و إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفا ًفي النار[رواه الترمذي 2314]. فلذلك ينبغي إعلان الاستنفار التام لأجل حفظ هذا اللسان، ولذلك فإن هذا اللسان في الحقيقة هذا اللسان معبر عن جميع الجوارح، فإذا جعلت يا عبد الله عبارة "أمسك عليك لسانك" في لوحة على جدار تذكرك، أو على هاتف، مما يقول به الرجال والنساء أموراً كثيرة، فاجعلها في قلبك قبل أن تجعلها أمام ناظريك، وصية النبي ﷺ أمسك عليك لسانك إنها حكمة بليغة منه ﷺ أمسك عليك لسانك وعلى الإنسان أن يتقي زوال رصيد الحسنات، والنقص منه، بخطايا اللسان، فنحن دائماً نراجع أرصدتنا في المصارف، كم نقص منها؟ وهاتوا كشف الحساب؟ وأين ذهب هذا المبلغ؟ ومتى أنفقنا هذا المبلغ؟ وهل هذا المبلغ دقيق أم لا؟ وصحيح أم لا؟ خشية أن ينفذ الرصيد، نتعاهد أرصدتنا قبل أن تنفد، ألا تعاهدنا أرصدة الحسنات قبل أن تنفذ بهذه الكلمات التي نطلقها، وقد أخبر النبي ﷺ عن المفلس، أنه يأتي يوم القيامة بحسنات كثيرة، ولكنه يأتي وقد شتم هذا، فهذا من أدواء اللسان الذي تنفذ به الأرصدة، وتنتهي، بل ربما كان عليه شر أيضاً.
احفظ لسانك أيها الإنسان
عباد الله: لو أن لك ولداً يا عبد الله يعمل بتصرفات تحرجك عند جيرانك، حتى يقولوا لك أمسك ولدك لقد صار فضيحة لك، لقد عمل أعمالاً أحرجتك كثيرا، فإن إمساك اللسان أهم من إمساك الولد؛ فإنه يوقع الإنسان في مواقف محرجة كثيرة.
احفظ لسانك أيها الإنسان | لا يلدغنك إنه ثعبان |
كم في المقابر من قتيل لسانه | كانت تهاب لقائه الشجعان |
أيها المسلمون، أيها الأخوة: لنتدبر في أحوالنا يا عبد الله، أنت تأخذ فاتورة الهاتف وتنظر في المكالمات، وتتحفظ عند المكالمات الخارجية، أو في استعمال الصفر، لماذا؟ لأنه يكلف كثيراً، ولذلك إذا تكلمت في مخابرة خارجية فإنك تقلل الكلام، وتحاول الاختصار ما أمكن، لماذا؟ لأن الكلام يكلف كثيراً، فكيف إذا كانت التكلفة أعلى وأغلى في الآخرة، قال مالك بن دينار رحمه الله: "لو أن الملكين الذين يكتبان أعمالكم يتقاضيان أثمان الصحف التي ينسخان فيها أعمالكم، لو أن الملائكة التي تكتب الأعمال تأخذ منكم ثمن الصحائف، وأجرة الكتابة، لو أن الملائكة التي تكتب أعمالكم تقاضيكم، فتأخذ منكم ثمن الصحف، وأجرة الكتابة، إذاً لأمستكم عن الكلام خشية النفقة، فكيف لا نمسك عن الكلام خشية المعاصي، الثمن صدقاتنا وحسناتنا، إذا لم ننتبه لذلك فإذاً لا بد أن نراعي -أيها الأخوة- مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ سورة ق 18. وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ سورة الانفطار 10-11. وينبغي ألا تكون هذه الألفاظ عقبة في طريق دخولنا الجنة.
نسأل الله أن يحفظ علينا ألسنتنا، اللهم أشغل ألسنتنا بذكرك يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من المستغفرين، اللهم اجعلنا من الذاكرين لك كثيراً، اللهم اجعل في ألسنتنا نوراً، وفي أسماعنا نوراً، وفي أبصارنا نوراً، وفي قلوبنا نوراً يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين المجاهدين، وأعل كلمة الدين، واخذل الكافرين.