الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
آتى الله تعالى نبيه سليمان ملكاً عظيماً
فإن في قصص الأنبياء لعبر، ولذلك قصها الله علينا في كتابه، وأورد من أخبارهم ما فيه موعظة وذكرى للمؤمنين، وإن الاعتبار بما في قصص الأنبياء امتثال لأمر الله تعالى الذي أمرنا أن نتدبر في آياته، وأن نأخذ من هذه القصص العبر والذكرى، وقد قص الله علينا خبر نبيٍ كريم، آتاه ملكاً عظيماً لم يؤته لأحد قبله، ولن يؤتيَه لأحد بعده، ألا وهو سليمان الذي قال:رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِيسورة ص: من الآية 35، فاستجاب الله له وسخر له ما سخر من عباده من الجن، والإنس، والطير، وسائر المخلوقات، وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَالنمل: 17، إنهم جموع هائلة، يدبرون الأمر لسليمان، ويُرد آخرهم على أولهم من قبل وزعة وقادة، وهذا يبين أهمية الترتيب والتنظيم، وأن الوَزَعة هم الذين يكفون الجموع، وهم الذين ينظمون الأمور، وهذا الجيش العظيم لسليمان كان لنشر الإسلام في الأرض؛ لأنه سخر ما آتاه الله من الإمكانات في خدمة الدين، وهكذا ينبغي على كل مسلم آتاه الله منصباً، أو مالاً، آتاه الله موهبة، أو قدرة أن يسخرها لخدمة دينه.
سليمان تفقد الطير فهل تفقدنا رعيتنا؟
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَالنمل: من الآية 20، وهذا يدل على أهمية تفقد الأتباع والجنود، وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَالنمل: من الآية 20، فإذا تفقد الطير فقد تفقد الإنس والجن الذين معه، يا ليتنا نتفقد أولادنا في صلاة الفجر كما تفقد سليمان جنوده الكثيرين، وأولادنا معدودون.
إذا كان الهدهد لم يغب عن سليمان ، فكيف يغيب أولادنا، وهم قلة بالنسبة إلى جنود سليمان عن أعيينا؟.
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَالنمل: من الآية 20، إنه اكتشف غيابه، هذا الهدهد طائر صغير لكنه لم يخف على ذلك النبي الملك الكريم، ولم تخطئه عينه، وهذا يدل على كمال تنظيمه، وتفقده، وتدبيره لجنوده، مع أن الله سخر له من الجن والإنس والطير والرياح، لكن ذلك كله ينبغي أن لا يشغله عن تفقد جنوده: ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته[ رواه البخاري برقم (893)، ومسلم برقم (1829) ]، فما معنى الراعي يا عباد الله؟ قال العلماء:"الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم إصلاح ما قام عليه"[ عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني (6/190) ]، فإذا تولى شيئاً فهو لا يزال يتفقده؛ لأنه مؤتمن عليه، لا يزال يحافظ عليه؛ لأنها مسؤولية سيسأل عنها، ولذلك فإن كون الأب راع في البيت، يعني القيام بمسؤوليات كثيرة من التفقد، هل ينقصهم شيء في دينهم أولاً، ثم في دنياهم؟ هل ينقصهم شيء من مراعاة لأحوالهم؟ مرض أحدهم، احتاج إلى نفقة، يتفقدهم: هل يطبقون حديث النبي ﷺ: وفرق بينهم في المضاجع[ رواه أبو داود برقم (495)، وحسنه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح (1/126) رقم (572) ]؟ هل يعدل بينهم، ولا يظلم أحداً، ولا يقدم ولداً على ولد؟ يتفقد، والتفقد هنا -يا عباد الله- حس مهم عند المؤمن.
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَالنمل: 20 ، كيف يغيب عني بدون إذن؟ إذاً الجندي الذي يتغيب بغير إذن، والمعركة يمكن أن تقوم في أي وقت يستحق أن يقابل بعقاب، لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُالنمل: من الآية 21 ، لكن هذا الاندفاع من سليمان كان بحكمة، فترك مجالاً للعذر، فالغائب قد يكون معه حجة؛ ولذلك قال: أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍالنمل: من الآية 21 ، فإذا جاءني بحجة تبين عذره في غيابه؛ فإنني لن أعذبه، ولن أذبحه، وهكذا يكون أمر القائد، فهو يحزم، ولكنه يقيم العذر للغائب، بلا حزم تنفلت الأمور، وبلا إقامة العذر يقع الظلم.
لا يعلم الغيب إلا الله
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍالنمل: من الآية 22 ، هذا الهدهد لم يتأخر في العودة، ثم جاء ليُلقي على سليمان بعبارة مدوية ربما أنسته ما حصل من غياب الهدهد، وتأخره، فقد قال الهدهد لسليمان: أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِالنمل: من الآية 22 ، أنت النبي الملك الذي عندك الجنود، والجن والإنس أحطت -أنا الطائر الصغير- بما لم تحط به، يا لها من عبارة عجيبة، والله تعالى يعلم عباده الدروس، وربما يأخذ القوي الدرس من الضعيف، والكبير يأخذ الدرس من الصغير، والغني يأخذ الدرس من الفقير، والصحيح يأخذ الدرس من المريض: أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍالنمل: من الآية 22 ، أنت في فلسطين في بلاد الشام، وجئتك من اليمن، من عاصمتهم سبأ، المسافة تقارب ألفي كيلو متر، ومع ذلك فقد سافر الهدهد ليأتي بالخبر، ورجع بأمر الله تعالى سريعاً: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍالنمل: من الآية 22 ، إنه درس عظيم في نقل الأخبار للقائد، إنه درس عظيم في تعريف القائمين بالأمر ما هي الأحوال ليقيموا تلك الأحوال ويصلحوها، وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍالنمل: من الآية 22 ، لا أشك، ولا أحدثك بظن، وإنما هو يقين.
إنه عجب، وهذا فيه بيان أن الأنبياء لا يعلمون الغيب: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُسـبأ: من الآية 14 ، فلا الجن، ولا الشياطين يعلمون الغيب، بل لم يعلموا الحاضر أن سليمان مات إلا بعد مدة، ثم هؤلاء الدجالين في القنوات الفضائية يدَّعون علم الغيب، ويقولون: سيحدث كذا، وتارة يربطونها بالأبراج، وتارة يربطونها بالنجوم، ولا يعلم الغيب إلا الله ، قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُالنمل: من الآية 65 ، لا يعلم ما في السموات والأرض إلا الله،وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ هود: من الآية 123 ، وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَالأنعام: من الآية 59 ، ، وهؤلاء يدَّعون ما يدعون اليوم، وبعضهم يتلاعب بالناس، فيقول أمامك طريق، وكل واحد أمامه طريق، تصادفك مشكلة، وكل واحد تصادفه مشكلة، تعترضك صعوبة، وتتغلب عليها وكثير من الناس تعترضهم صعوبات، ويتغلبون عليها، يكيد لك كائد، ونحو ذلك من الكلام المعسول الذي يخدعون به ضعاف العقول.
عباد الله: سليمان بكل ما آتاه لم يكن يدري في تلك اللحظة عما يوجد في اليمن، عما يوجد في سبأ، ثم يدَّعي من يدَّعي بأنه يعلم الغيب! تباً لأولئك المدَّعين، وادِّعاء علم الغيب، وما في المستقبل كفر يخرج عن الملة.
النبأ اليقين
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْالنمل: من الآية 23 ، بعد البراعة في الدفاع عن النفس، وعرض العذر قدم له تقريراً موجزاً لكن فيه كل المعلومات: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْالنمل: من الآية 23 ، تملك تلك القبيلة، وتلك البلد: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍالنمل: من الآية 23 ، المال السلاح الجنود الحصون، وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌالنمل: من الآية 23 ، فكرسي ملكها هائل ضخم، هكذا قدم التقرير الموجز لسليمان دون حشو، ولا إطالة، دون إن يكون هنالك ظنون وأوهام، دون إضافة توقعات، وتخرصات، وإنما قدم حقائق، وهكذا ينبغي أن تقدم الأخبار، فكم من التضليل يحدث اليوم في تقديم الأخبار، وما يأتونك به من وكالات الأنباء العالمية، ومما هو جدير بالذكر، ثم تُدَسُّ السموم في وسط تلك الأنباء.
هل خلا التقرير من ذكر عقيدة الذي أورد التقرير؛ لأن بعض الناس يقولون اليوم: إذا كتبت تقريراً فلا دخل له بالدين، ولا تورد دينك في الموضوع، ولا تعلق على التقرير بشيء من عقيدتك، هذا تقرير علمي بحت، وهذا خطأ وضلال مبين، فالمسلم كيف يفصل دينه وعقيدته عن بحثه، فكل باحث في حقل من الحقول سواء كان اقتصادياً، أو جيولوجياً، أو فلكياً، أو طبياً؛ فلابد أن يبين أحكام الشريعة.
إذا مر على شيء فيه مخالفة شرعية واضحة يثبته، وهكذا من يدرس الاقتصاد يبين أحكام الربا، وربما توجد أمثلة في بعض المواد فيها مخالفات شرعية لابد من تبيينها، ولا يقال هذه علوم مجردة لا دخل لدين فيها، وانظر إلى هذا التقرير الذي رفعه هذا الجندي إلى سليمان : وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْالنمل: من الآية 24 ، جعلها في أعينهم حسنة، والشيطان إذا جعل الشيء في عين الإنسان حسناً، فلماذا يغيره الإنسان؟ وهذا هو التضليل، وهذا هو الإصرار على الباطل، لماذا يغير الإنسان الشيء إذا كان يراه حسناً؟ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناًفاطر: من الآية 8 ، زين لهم الشيطان أعمالهم؛ فهم يرون العُري تقدماً، يرونه تقدماً، ويرون الربا هذا مكسباً، ويرون ترك الحجاب أيضاً، ومخالفة أمر الله تعالى تحضراً، ويرون من أنواع المحرمات مدنية، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِالنمل: من الآية 24 صدهم عن دين الله، صدهم عن طريق الحق بالبهرجة، بالتزييف، بالتزيين.
ثم إن الهدهد قد أتبع ذلك الخبر ببيان عقيدته، وعرض الخبر على التوحيد؛ فجاءت النتيجة، أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِالنمل: من الآية 25 ، هلا سجدوا لرب العالمين، يستحق السجود الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِالنمل: من الآية 25 ، كل خبيئة في السموات والأرض يعلمها ويخرجها، بذور النباتات، وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍالأنعام: من الآية 59 كل مخبوء وراء ستار الغيب يعلمه سبحانه.
هذا الهدهد بيَّن التوحيد: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَالنمل: 25 ، واسع العلم سبحانه هو الذي يسجد له: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِالنمل: 26 ، هذه هي العقيدة، هذا هو التوحيد الذي يجب بيانه، والحرص عليه، ومهما أوتي المخلوق من قوة، فإن له نقصاً.
جاء إلى ابن عباس رجل من الخوارج، وكان كثير الاعتراض عليه، فقال: "يا ابن عباس غُلبت اليوم، قال: ولمه؟ قال: إنك -يعني يا ابن عباس- تخبر عن الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض" عنده قدرة على رؤية الماء في باطن الأرض، "وإن الصبي ليضع له الحبة في الفخ، ويحثو على الفخ تراباً، فيجيء الهدهد ليأخذها؛ فيصيده الصبي" يقع في الفخ، فكأنه يقول: إذا كان يرى الماء في باطن الأرض، فكيف فاتت عليه الحبة التي نصبها؟ التي وضعها الصبي في الفخ الذي نصبه له؟ فقال ابن عباس:"لولا أن يذهب هذا، فيقول: رددت على ابن عباس لما أجبت، فقال له: مجيباً ويحك؛ إنه إذا نزل القدر عمي البصر، وذهب الحذر، فقال له الخارجي: والله لا أجادلك في شيء من القرآن"[ تفسير ابن كثير (3/360) ] .
قل للطبيب تخطفته يد الردى | من يا طبيب بطبه أرداك |
هذا الطبيب يكافح الأمراض ثم يموت، فهل يعني أن وجود قدرة على العلاج أن ذلك المعالج لا يمرض؟ لا، وإذا كان الإنسان عنده قدرات هائلة في التركيز، في التفكير، في الرؤية، لا يعني أنه لا يغيب عنه شيء، سبحان الذي لا يغيب عنه شيء.
حسن تصرف نبي الله سليمان وحكمة ملكة سبأ
وهنالك قال سليمان للهدهد: سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَالنمل: من الآية 27 ، قبل أن يباغت مملكة سبأ أراد أن يتأكد، وهكذا العاقل بالقرارات المصيرية والكبيرة، فماذا فعل سليمان ؟ لقد أعطى الهدهد رسالة، وأمره بأربعة أوامر:اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَاالنمل: من الآية 28 واحد، فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْالنمل: من الآية 28 اثنين، ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْالنمل: من الآية 28 ، ثلاثة، فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَالنمل: من الآية 28 أربعة، احمل الكتاب إليهم، توجه به من فلسطين إلى اليمن، فألقه إليهم، إلى ملكتهم، ثم تولى عنهم، وتأخر، وتربص، وابتعد قليلاً، وانظر ماذا يرجعون؟ وماذا سيكون رد فعلهم على الخطاب؟ قال ابن كثير رحمه الله:"فحمله الهدهد، وذهب إلى بلادهم، فجاء إلى قصر بلقيس، إلى الخلوة التي كانت تختلي فيها بنفسها، فألقاه إليها، فسقط بين يديها، ثم تولى ناحية أدباً، فتحيرت مما رأت، وهالها ذلك"[ بتصرف يسير من تفسير ابن كثير (3/263) ]، فماذا فعلت؟ جمعت قومها، قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُالنمل: من الآية 29 ؛ المرأة مهما بلغت ما تستقل بنفسها: و لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة[ رواه البخاري برقم (4425) ]، وبعض الناس يظنون أن المرأة وحيدة لها القدرة على إدارة الممالك، والواقع يكذبهم؛ فإن المرأة التي تتولى ولاية في بعض البلدان يكون لها من المستشارين الرجال ما لا يكاد يحصى.
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُالنمل: من الآية 29 رجعت إلى المستشارين، والكبراء، والرؤساء، ومن عندها من وجهاء الناس: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌالنمل: من الآية 29 من أكبر ملوك الأرض، من سليمان، مختوم بخاتمه، مكتوب في أوله: وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَالنمل: من الآية 30 -31 ، مختصر القضية، "بسم الله الرحمن الرحيم، لا تعلوا عليّ، وأتوني مسلمين" ، هذا هو المطلوب، ولذلك فقد ضم الكتاب من القوة والوجازة أمراً عجباً، مفتتح بالبسملة الدالة على وحدانية الله، ثم النهي عن التكبر الذي هو أبو الرذائل، ثم الأمر بالإسلام الذي فيه أمهات الفضائل، وهكذا دعاهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وهكذا كانت دعوة الأنبياء جميعاً إلى الإسلام: وَأْتُونِي مُسْلِمِينَالنمل: من الآية 31 .
يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِيالنمل: من الآية 32 هكذا قالت ما رأيكم؟ ودل على عقلها قولها: مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِالنمل: من الآية 32 ، حتى تشاركوني الرأي، حتى تكونوا شهداء على القرار؛ لأنني لا أستقل به، والإنسان مهما كان عنده عقل وخبره، فإنه لا يزال يحتاج إلى الاستشارة، يحتاج إلى أخذ الآراء، حتى النبي ﷺ قيل له: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِآل عمران: من الآية 159 ، وهنالك قالوا: نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍالنمل: من الآية 33 لا ينقصنا شيء، وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍالنمل: من الآية 33 ، وإذا أردت القتال؛ فنحن مستعدون، ولكن الْأَمْرُ إِلَيْكِالنمل: من الآية 33 اجتمعوا عليها، فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَالنمل: من الآية 33 ، فأظهروا القوة البدنية، وقوة السلاح، وطاعتهم لملكتهم إذا أرادت السلم والمصالحة.
وهنا آثرت أن تأتي سليمان وتهادنه، وتحمل له الهدية إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَاالنمل: من الآية 34 ، وهذا الظالمون منهم، وأما أئمة العدل فإن الله تعالى قد جعلهم فوق كثير من الناس يوم القيامة، كما قال ﷺ في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل[ رواه البخاري برقم (6806) بلفظه، ومسلم برقم (1031) ]، فهم قسمان ذكرت قسماً منهم، وماذا يفعلون؟ إذا دخلوا بلدة أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةًالنمل: من الآية 34 بالقتل، أو بالأسر، أو بالمعاملة المهينة، وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍالنمل: من الآية 35 ، وهذه هي المصانعة والمهادنة، وهذا من حسن تدبيرها، جس النبض بهدية أولاً، فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَالنمل: من الآية 35 ، والهدية تجلب المحبة.
هدايا الناس بعضهم لبعض | تولد في قلوبهم الوصال |
وتزرع في القلوب هوى ووداً | وتكسوهم إذا حضروا جمالا |
ولذلك إذا وقع بينك وبين شخص خصومة، شحناء، عداوة؛ فأردت أن تزيلها، وأن تستجلب قلبه، فما أحسن الهدية.
الهدية تذهب وحر الصدر، الهدية فيها استجلاب القلوب، ولذلك دفع العاقل بها الخصومة والعداوة، فهي داخلة في قوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُفصلت: من الآية 34 ، فيمكن أن تدفع بالهدية، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌفصلت: من الآية 34 .
اللهم إنا نسألك أن تثبتنا بالأمن والإيمان يا رب العالمين، واغفر لنا يا رحيم يا رحمن، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الأمين، مصطفاه من خلقه، وأمينه على وحيه، جعله الله شافعاً مشفعاً يوم الدين، اللهم اجعلنا من أهل شفاعته، اللهم اجعلنا ممن يريدون حوضه، اللهم اجعلنا من أتباعه في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى أزواجه وذريته، وخلفائه الميامين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حكم قبول هدية الكافر
عباد الله: ما حكم قبول هدية الكافر؟ الجواب: يجوز إذا لم تكن فيها مهانة للإسلام، ولا رشوة؛ لأن سليمان لو قبل الهدية، وسكت عنهم، وأبقاهم على الشرك من أجل الهدية، ولم يحاربهم لأجل الهدية؛ فهي رشوة عظيمة، ولذلك ماذا حصل؟فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَالنمل: من الآية 36 جاءه الرسول بالهدية؛ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍالنمل: من الآية 36 هل أنا أقبل رشوة؟ هل أحتاج إليها؟ هل تظنون أنني محتاج إلى مال؟أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَالنمل: من الآية 36 أنا لا أفرح بهديتكم؛ عندي أضعاف أضعاف هذا، قد آتاني الله من كل شيء، ولو سكت عنكم بهذه المصانعة لكانت رشوة، ولكان حراماً، أنتم أهل دنيا تظنون أن المال يُسكت، وأن من أُعطيَ مالاً يتغاضى: بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَالنمل: من الآية 36 ؛ لأنكم من أهل الدنيا، ولذلك ردها.
فلو ترتب على الهدية معصية، لو ترتب على الهدية تنازل عن حق، لو ترتب على الهدية إهانة لأهل الإسلام فإنها ترد بلا ريب ارْجِعْ إِلَيْهِمْالنمل: من الآية 37 ، وارجع بالهدية، فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَاالنمل: من الآية 37 ، ولا طاقة، وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةًالنمل: من الآية 37 مهانون مدحورون، وَهُمْ صَاغِرُونَالنمل: من الآية 37 ، فأظهر العزم على الجهاد في سبيل الله، وقتال المشركين أعداء الله، فجمع بين رد الهدية والإنذار بالحرب، ووصف جنوده وصفاً مخيفاً، وهدد أولئك القوم بالإخراج من أرضهم مهانين إذا لم يسلموا.
إسلام مكلة سبأ
ولذلك لما رجع الرسول، وأخبر تلك الملكة بما عند سليمان من القوة عرفت أنه لابد من الاستسلام، وأنه ليس لها بسليمان من طاقة، وهنا لما علم سليمان بأنها ستقدم عليه هي وقومها أراد أن يكون لها شيء تراه تستسلم به لله، وليس فقط تستسلم لسليمان، فلم يكن قصد سليمان إذلال ملوك الأرض فقط، إنما يريد تعبيدهم لله لا أن يعبدهم له هو: قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُالنمل: من الآية 38 لمن حوله: أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَالنمل: من الآية 38 ، والله سخر له الجن، وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍسورة ص: 37 ، ويَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُسـبأ: من الآية 13 ، وهذا تسليط عظيم ما سَلَّط الله أحداً على الجن والشياطين كما سلط سليمان ، قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّالنمل: من الآية 39 ، وهو القوي المارد: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَالنمل: من الآية 39 قبل أن تقوم من مجلسك، وهذه المسافة أربعة أشهر سيراً بالدواب -شهران ذهاباً، وشهران إياباً- مستعد هذا العفريت أن يقطعها، ويأتي بالعرش على ثقله قبل أن يقوم سليمان من مقامه، وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌالنمل: من الآية 39 الله له مخلوقات عجيبة لها قدرات عجيبة، وهذه من قدرات الجن، والملائكة عندهم قدرات أعجب وأعجب، والملائكة أقوى من الجن، وجبريل قلع القرية -قرية قوم لوط- بطرف جناحه.
الملائكة عذبت الذين كفروا، ولما عرض هذا العفريت على سليمان ذلك العرض قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِالنمل: من الآية 40 ، وكثير من المفسرين على أنه أحد الصالحين كان يعرف اسم الله الأعظم، لم يُذْكَر لنا اسمه، ولا هويته؛ لأن ذلك لا يفيدنا، ولو كان يفيدنا لذكره لنا ربنا، لكن المهم أن نتمعن في قدرة الله التي آتاها للعباد، والإيمان ماذا يمكن أن يفعل، وكرامات الأولياء معلومة في الكتاب والسنة، قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْالنمل: من الآية 40 تفتح عينيك وتغمضهما قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَالنمل: من الآية 40 ، عجباً لهذه السرعة! وقد فعل ذلك حقاً، فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُالنمل: من الآية 40 ، خرج العرش من الجدران، والأبواب، والقصر، وفي الهواء، وانتقل بهذه السرعة العجيبة، فأين الذين يتباهون اليوم بالسرعات الخارقة، والمركبات الفضائية، والقوى المختلفة، والليزر، فقد جعل الله من آلاف السنين من عنده قدرات أكثر منهم، أن العلم الحديث حتى الآن لا يستطيع أن يخرج عرشاً ضخماً من قصر عبر الجدران، والأبواب، وينقله بهذه السرعة من اليمن إلى فلسطين في لمح البصر، فلماذا يبتاهى أهل الحضارة، ويتكبرون بما وصلوا إليه من تقدم؟ وقد حصل في البشرية فيما سبق أكثر مما عندهم، وليس بعجب أن يكون عند بعض المتقدمين أكثر مما عند بعض المتأخرين، والله قال عن عاد مقارنة بقريش: مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْالأنعام من الآية 6 ، الله مكنهم في الأرض، مكَّن عاداً أكثر مما مكن قريش، وجعل لعاد وثمود قوة ليست عند قريش.
عباد الله: النتيجة إذا آتى الله الإنسان قدرة وقوة ما هو المطلوب؟ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّيالنمل: من الآية 40 أن يعترف لله؛ لِيَبْلُوَنِيالنمل: من الآية 40 ابتلاء، لماذا؟ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُالنمل: من الآية 40 ، والذي يشكر ماذا له؟ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌالنمل: من الآية 40 ، والله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو الواحد القهار، ونُصِب العرش، وجُعِل عليه تغييرٌ، قال سليمان : نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ[ النمل: من الآية 41 تغيير معالم، وليس تغييراً كلياً، فلما سألت، وقد جاءت: أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟النمل: من الآية 42 ما قالت هو، ولا قالت ليس هو، وإنما قالت: كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَالنمل: من الآية 42 ، وهكذا كانت الفطنة والنباهة منها، وكانت المفاجأة -أيضاً- لما رأت عرشها الذي تركته خلفها رأته أمامها لتستسلم تماماً، وتعلم الآن أن القضية ليست قضية بشرية؛ لأن هذا لا يقدر عليه إلا الله، ولولا أن آتى الله سليمان هذه القوة ما قدر على جلبه، وجُعل لها الصرح الممرد من قوارير -من الزجاج-، قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَالنمل: من الآية 44 ، والماء العظيم، وهذا الزجاج الشفاف فوقه، كشفت عن ساقيها ظناً أن ثيابها ستبتل، فـقِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌالنمل: من الآية 44 أملس مِنْ قَوَارِيرَالنمل: من الآية 44 ، من زجاج؛ فلا حاجة لرفع الثياب، فاستسلمت تماماً، وعرفت الآن قدرة الله تعالى، فقالت عند ذلك مستسلمة قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سليمان لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَالنمل: من الآية 44 ، ظلمت نفسها بماذا؟ بالشرك إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌلقمان: من الآية 13 ، وهكذا -يا عباد الله- ينبغي علينا أن نستسلم لله الواحد القهار، وأن نعود إلى ربنا سبحانه، وأن نتوب إليه، وأن نعلم قدرته، وأنه القوي على كل شيء قدير، وأنه مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء.
إنه درس عظيم في الدعوة إلى الله، إنه درس عظيم في تسخير الإمكانات لنشر دين الله، إنه درس عظيم في العزة أمام الكفار، وعدم الرضا بتقديم التنازلات والتساهلات، وإنما الإصرار على الحق، والثبات عليه، وهذا الذي يجعل الطرف الآخر يُعجب بما عندك من الحق، ويستسلم له.
اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا، ولا مفتونين، اللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عن من سواك، نسألك رزقاً حسناً، وعافية في الدنيا والآخرة، أصلح نياتنا وذرياتنا، واجعل عيشنا طيباً يا سميع الدعاء، نعوذ بك من الغلاء والوباء، اللهم إنا نعوذ بك من الذلة والقلة، والعيلة والمسكنة، نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، اللهم إنا نسألك حسن النية، وصلاح الذرية، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، اجعل سعينا مشكوراً، وذنبنا مغفوراً، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، اغفر لنا أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم اغفر لوالدينا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.