الخطبة الأولى
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
محاسبة النفس فيما مضى
فهذا عام من العمر قد تصرم، وانتهت تلك السنة ودخلت السنة الجديدة، والعمر يمضي والعبد يسير إلى ربه مرحلة بعد مرحلة، حتى يقدم على الله ، انقضت سنة من عمر الإنسان في نفسه وانقضت سنة من تاريخ المسلمين بمجملهم، وذهبت تلك السنة بأتراحها وأفراحها، تلك السنة التي فقدنا فيها ثلة من العلماء والدعاة إلى الله ، تلك السنة التي كانت عجيبة في توالي موت العلماء، وحتى آخر أيامها، ومضت تلك السنة بما فيها من الآلام التي يتجرعها المسلمون في أصقاع الأرض، وجهاد المسلمين قائم، وكيد العدو يتواصل، وهكذا النقص يحصل في المسلمين، لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه[رواه ابن حبان5952]. كما جاء في الحديث، وهذا على الجملة، وفي العموم، وإلا فقد تأتي سنة بعد سنة الجديدة أحسن من التي قبلها، ولكن في الجملة تحذير إلى المسلمين من أن الأمر من نقص إلى آخر، فاستدركوا أنفسكم، وقد شهدنا في نهاية السنة الميلادية، وبداية السنة التي بعدها ميزانيات متوالية للشركات، وكسوف حسابات من الأرباح والخسائر، فماذا تعني لنا إذن هذه السنة بمجيئها؟
إنها تعني أول ما تعني أيها الإخوة المحاسبة على ما مضى، والالتفات إلى ما بقي، الإيمان قائد، والعمل سائق والنفس حرون، فإن فتر السائق ضلت عن الطريق، وإن فتر القائد حرنت واستعصت، فإذا اجتمعا استقامت، والنفس إذا أطمعت طمعت، وإذا فوض الأمر إليها أساءت، وإذا حملت على أمر الله حملاً صلحت، وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ سورة يوسف٥٢. قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَاسورة الشمس ٩- ١٠. ومن هنا كان لا بد من المحاسبة، ما هي المحاسبة؟ أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر عنه من أفعال في نهاره، فإن كان محموداً أمضاه، واتبعه وأتبعه بما شاكله، وإن كان مذموماً استدركه وانتهى عن مثله، وهكذا يقطع رحلته من مرحلة إلى مرحلة، إنها اطلاع على عيب النفس ونقائصها ومثالبها، لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون أشد لها مقتاً.
أركان المحاسبة
إن التعرف على حق الله تعالى وفضله ونعمه من أركان المحاسبة، وتطهير النفس وإصلاحها واحدة بواحدة، والتدقيق من أركانها كذلك، رحم الله عبداً قال لنفسه: ألست صاحبة كذا، ألست صاحبت كذا، ألست فعلت كذا، ألست اقترفت كذا، ثم زمها وخطمها وألزمها كتاب الله تعالى، فجعل كتاب الله قائداً لنفسه.
المحاسبة توقظ الضمير في داخل النفس، وتنمي في الذات الشعور بالمسؤولية، وتجعل ميزانك دقيقاً في وزن أعمالك بحسب الشرع، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍسورة الحشر١٨، وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ سورة القيامة٢.تلوم نفسها، إن عملت خيراً هلا ازددت، وإن عملت شراً قالت: ليتني لم أفعل، لا يلقى المؤمن إلا وهو يعاتب نفسه، ماذا أردت بكلمتي تلك، ماذا أردت بأكلتي، ماذا أردت بشربتي، ماذا أردت بفعلتي، ماذا كان وراء تصرفي، وأما الفاجر يمضي قدماً لا يعاتب نفسه، ولا يقف معها وقفة واحدة، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ سورة الاعراف٢٠٠ ولذلك فإن الإعداد ليوم المعاد مهم.
قال عمر: وتزينوا للعرض الأكبر يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ سورة الحاقة١٨.
المؤمن قوام على نفسه، يحاسبها لله، وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة، لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه.
إن مشكلتنا أيها الإخوة: الاسترسال والمضي على ما الأمر عليه، لا نصحح، لا نراجع، لا ندقق، لا نقارن بالصواب، ولا نتفكر في العيوب، ولذلك لا يحدث عندنا رقي، ولا تطور، ولا تحسن في حال أنفسنا، لماذا ينحدر بعض الناس من سيئ إلى أسوأ؟ حال كثيرين في عصر الفتن الذي نعيش فيه، الانفتاح على الشهوات والمصائب من منظور ومسموع ومقروء، ومسافر إليه، إن القضية بسبب الانحدار؛ لأننا نسلم قياد أنفسنا لأهوائنا، ولا نحاسبها على ما تفعل، لقد كان العلماء يحذرون من قضية الخطرات، وخطورتها على النفس؛ لأن مبادئ المعاصي والانحرافات تبدأ بخواطر، الخواطر تتحول إلى أفكار، الأفكار تتحول إلى إرادات، الإرادات تتحول إلى عزم وتصميم ثم الوقوع في الفعل، فمن المحاسبة أن نبدأ من البداية، من الخطرات، إذا خطر ببالك دافع للشر تعوذت بالله من الشيطان، ومن كانت نفسه كالرحى يلقى فيها البعر فلا تفت ولا تطحن إلا بعراً، ومن كانت نفسه طاحونة يلقى فيها الحب النافع والقمح الجيد طحنت دقيقاً نافعاً، وهكذا نفس الإنسان كالرحى تطحن بما فيها من الخواطر والأفكار، فإذا كانت خواطرك يا أخي جيدة طيبة في مرضات الله خرجت النتائج في النهاية طيبة جيدة مرضية لله، فلنحاسب أنفسنا إذن من أول الأمر، في هذه الخطرات، وننتقل معها مرحلة مرحلة حتى يخرج ذلك عملاً صافياً مباركاً يرضى عنه الله.
كيف تكون المحاسبة؟
الوسوسة بالمنكر أو بالمحرم إذا لم تعالج من البداية تتفاقم، والإنسان عندما يكون له هم معين، وإرادة بشيء معين، وعنده عزيمة وتصميم يصل، وهكذا فعل العلماء فوصلوا إلى المنازل العظيمة بتلك الطريقة، نحاسب أنفسنا إذا حصل العمل على أمور ثلاثة: المحاسبة قبل العمل: لماذا أريد أن أعمله؟ وعند العمل: كيف أقوم به وأعمله ولوجه من؟، وثالثاً: بعد العمل على التقصير فيه وشهود منة الله عليك لو كان عملاً طيباً، بأنه لو لم يوفقك الله إليه ما عملته ولا قدرت عليه، لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن كل عمل عمله، لم وكيف [رواه الترمذي في معناه2417]، لم عملته، لله أو لغيره؟ وكيف عملته، على سنة أو بدعة؟ فأعدوا الجواب لسؤال: لم؟ وسؤال: كيف؟. ونحاسب أنفسنا كذلك على التقصير في الطاعات، في الصلوات والطهارات، والجمع والجماعات، وغير ذلك من الأعمال، نحاسب أنفسنا على المعاصي التي ارتكبناها، ونشهد غضب الرب، وكذلك نحاسب الجاهلة الظالمة التي أوردتنا هذه المهالك، ونحاسب أنفسنا على أمر كان تركه أحسن، وعلى فعل لم نفعله كان فعله أحسن، وعلى مباح انغمسنا فيه أعاقنا عن السير إلى الدار الآخرة، والناس عندهم قضية الواجبات فيها وضوح، وقضية المحرمات فيها وضوح، وقضية المباحات فيها لبس كثير، والزهد أن تزهد فيما لا ينفعك في الآخرة، فهذه المباحات لو كانت من جنس تسلية النفس والترويح عنها للقيام إلى عبادة جديدة وعمل صالح آخر فهذا طيب؛ ولذلك كان ابن عباس يجعل بعض الوقت لتناشد أشعار العرب في مجلسه حتى إذا انتقلوا إلى تفسير أو حديث أو مادة جديدة بعد مواد سبقت تكون النفس في حال نشاط وإقبال، يروح بالمباح حيناً قصيراً لينتقل إلى شيء مفيد آخر، فإذا كان الترويح بشيء مثل هذا بين عملين صالحين لتنشيط النفس بالمباح، ولا يطول فهذا طيب، إذا كان الانشغال بالمباح لتقوية صلة بالزوجة وبث مزيداً من الدفء في العلاقة فهذا أمر طيب وعمل صالح، ملاعبة الرجل أهله، وإذا كان عمل المباح لأجل إشباع غريزة اللعب عند الطفل فهذا عمل صالح، فأنت قد تقول: ليس في جعل النبي ﷺ نفسه مثل الدابة يركبها الولد الصغير، أو يخرج له لسانه فيرى الطفل حمرة لسانه فيهش ويبهش لذلك ويسر، قد تقول: ليس في ذلك عبادة واضحة من صلاة أو صيام أو ذكر أو دعاء أو تلاوة ونحو ذلك، لكن لما كان المباح لأجل هذا الولد – وملاعبة الرجل أهله وولده من الدين – وكل لهو باطل إلا أربعة [رواه سعيد بن منصور في معناه2454]. وذكر منها هذا، إذن علمنا بأن هذا النوع من المباح أمر طيب يؤجر عليه الإنسان، أما إذا كان الانشغال بالمباح يقطع عن الدار الآخرة، ويذهب الوقت سبهللاً ليس فيه فائدة، فإذن هذا المباح ينبغي الزهد فيه والتورع عنه، فكيف بقوم جعلوا المباحات والترويح والترفيه هي الأساس في حياتهم، وجعلوا أوقات الصلوات هي ما تبقى مما يربطهم بالدار الآخرة.
انظروا يا عباد الله: ماذا حصل لنا من جراء قضية الترفيه والترويح واللعب، بإثارة وسائلها وشغفنا بها وانجرافنا إليها، ماذا حصل؟ قطعنا ذلك عن الله والدار الآخرة في كثير من الأوقات، ولذلك فإن المحاسبة مهمة؛ لأجل عدم ضياع العمر في المباحات هذه. "بخ، بخ، لتتقين الله أو ليعذبنك"، هكذا كان واقع السلف في محاسبتهم أنفسهم، كم فات من الأجر، يحاسبون أنفسهم على هذا، ومن أصول المحاسبة التجارية أن تنظر ما فاتك من الأرباح أيها التاجر، فنحن لا ننظر، وهذه قضية مهمة جداً، فنحن لا ننظر كم فاتنا من الأرباح عندما انشغلنا بالمباح عن الطاعات والعبادات، لا ننظر ولا نهتم بما فاتنا من الربح في شغل أوقاتنا بالمباحات هذه المبثوثة يميناً وشمالاً، فكيف إذا كان الشغل بالمحرمات.
السنة الجديدة، والأشهر الحرم
عباد الله: هذا عامكم قد تصرم، ودخل عامكم الجديد، وقال النبي ﷺ: الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم هذه متوالية ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان [رواه البخاري3197]، ما معنى: الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض؟ معناه أنهم في الجاهلية كانوا يتمسكون بتحريم هذه الأشهر، وكان يشق عليهم تأخير القتال ثلاثة أشهر متوالية، يخالفون طباع العرب في الاعتداءات والقتال، فماذا كان يفعلون؟ إذا احتاجوا إلى القتال وقام الرغبة الجهنمية فيه أخروا تحريم المحرم، صبروا على ذي القعدة وذي الحجة، وذي الحجة فيه الحج، ولكن المحرم لا يصبرون عن القتال فيه، طبيعتهم العدوانية، فماذا يفعلون بالمحرم؟ أخروا تأخير المحرم إلى الشهر الذي بعده وهو صفر، فيجعلون التحريم في صفر ومحرم مباح، يبيحونه، وهكذا يفعلون سنة بعد سنة، يؤخرون ويقدمون حتى اختلط الأمر ولم تعد العرب ما هي الأربعة الأشهر المحرمة عند الله، فلما حج النبيﷺ حجة الوداع كان قدر الله أن تتطابق هذه الأشهر الأربعة في تلك السنة ذي القعدة وذي الحجة ومحرم، تتطابق مع الأشهر الحقيقية، مع الحقيقي الذي حكم الله به في تحريم هذه الأشهر الثلاثة المتوالية ورجب رابعها، فاستدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض.
وقال الله في كتابه العزيز: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا سورة التوبة37. وهكذا أوصانا ربنا بالأشهر الحرم أن لا نعصيه فيها، وأن نرعاها حق رعايتها، فأخبر أن السنة عنده اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم، قال : فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ سورة التوبة36.فارعوا رحمكم الله هذا الشهر حق رعايته، ولا تظلموا فيه أنفسكم، لا بالشرك ولا بالبدعة، ولا بالمعصية، ولا بغبن النفس في شغلها بالمباحات عن العبادات والطاعات.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا أخياراً أبراراً، اللهم اجعلنا عباداً ولا تجعلنا فجاراً، اللهم اعتق رقابنا من النار، واجعل هذا العام عام خير لنا وللإسلام والمسلمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفوره إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أشهد أن لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وسبحانه الله وبحمده بكرة وأصيلاً، وأشهد أن محمداً رسول الله الرحمة المهداة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واتبع هداه.
أحكام صيام شهر محرم، وصيام عاشوراء خصوصا
عباد الله: قال النبي ﷺ: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل[رواه مسلم1163].رواه مسلم. هذا الحديث صريح بأن أفضل الشهور أن يصام بعد رمضان هو هذا الشهر الذي نحن فيه، وقد ذكر العلماء في النقل عن النبي ﷺ في الإكثار من الصيام في شعبان، وعدم نقل الإكثار منه في المحرم جوابين: أحدهما: أنه إنما علم بفضله في آخر حياته، وخصوصاً أنه أعلمهم في حجة الوداع أن شهر المحرم في تلك السنة في عام الوداع طابق، المحرم الذي سيأتي بعد حجة الوداع يطابق المحرم الحقيقي عند الله الذي حرمه يوم خلق السماوات والأرض ثم لعبت فيه العرب بجوابين أحدهما: أنه إنما علم بفضله في آخر حياته، وثانيهما: لعله كان لما يعرض له فيه من الأعذار من سفر الجهاد وغيره، أو المرض ونحوه، وعلى أية حال لقد ذكر لنا القاعدة: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، أضافه الله إلى نفسه تعظيماً، شهر الله المحرم، فينبغي أن نعظم ما عظمه الله، والله يفضل من الأماكن والأزمان ما يريد ، وهذا التفضيل حق له لا يجوز لأحد أن يبتدع بدعة باعتقاد فضل في زمن معين أو مكان معين لم يرد الشرع به.
ويوم عاشوراء من الأيام العظيمة، نجا الله فيه موسى ومن معه، وكان آية من آيات الله، ضرب موسى البحر بأمر الله فانفلق فكان كل فلق كالجبل العظيم، وأنجى الله المؤمنين وأهلك الكافرين، وغرَّق فرعون وقومه المجرمين، فكانت تلك آية، والنبي ﷺ حرص على انتزاع كل فضيلة من غير المسلمين فلم يبق لهم شيئاً؛ ولذلك قال لليهود لما أخبروه: نحن أحق وأولى بموسى منكم[رواه مسلم1130].فأمر بصيام عاشوراء، وأمر بصيام يوم قبله وهو التاسع، ومن أبرز الأسباب لذلك مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر.
ويقول كثير من الناس: متى هو؟ وكيف نعرفه إذا لم تعلن رؤية أو يثبت شيء؟ فنقول: نحن نسير على الأصل، ما هو الأصل؟ الأصل أننا إذا لم يثبت لدينا بداية محرم بعد تسع وعشرين يوماً من ذي الحجة، ماذا نفعل؟ نتم عدة ذي الحجة ثلاثين يوماً، هذا هو الأصل، ثم نبدأ بعد ذلك بمحرم، فإذا ثبتت بداية محرم بعد تسع وعشرين يوماً من ذي الحجة، عرفنا أن تلك بداية محرم، وأن ذي الحجة ناقص، وإذا لم نعلم نبقى على الأصل وهو إكمال ذي الحجة، ونسير عليه، وبعض العلماء كالإمام أحمد رحمه الله قال: إذا اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام ليتيقن صوم التاسع والعاشر، فإذا أراد أن يحتاط لعاشوراء، صام مثلاً هذه السنة الجمعة والسبت؛ لأن عاشوراء سيكون واحداً منهما ولا شك، وإذا أراد الاحتياط لتاسوعاء وعاشوراء وقال: أريد أن أصيبهما جزماً، فليصم ثلاثة أيام الخميس والجمعة والسبت، إذا أراد أن يحتاط لعاشوراء صام الجمعة والسبت؛ لأن عاشوراء أحدهما، إن كان ذي الحجة تسعة وعشرين كان عاشوراء الجمعة، وإن كان ذي الحجة ثلاثين كان عاشوراء السبت مثلاً، وإذا أراد أن يحتاط لصيام تاسوعاء وعاشوراء صام الخميس والجمعة والسبت؛ لأن تاسوعاء وعاشوراء لا بد أن يكونا في هذه الأيام الثلاثة.
ومن قال: لا أصوم إلا يوماً واحداً، ولم يثبت أن ذي الحجة تسعاً وعشرين، أكملنا ذي الحجة ثلاثين، وقلنا: صم السبت، ولا حرج في صومه وإفراده؛ لأنه لم يقصد السبت، وإنما قصد عاشوراء، فلا ينطبق عليه النهي الوارد في الحديث: لا تصوموا يوم السبت [رواه أبو داود2421]. فهو لم يتقصده على أنه سبت، وإنما أراد به عاشوراء، إن ذلك اليوم أيها الإخوة يكفر أموراً عظيمة، كما ذكر النبي ﷺ في فضله: أن صيام يوم عاشوراء يكفر الله به سنة[رواه الترمذي752]. إذن المسألة تستحق الاهتمام، وعلينا بالتوبة من الكبائر، وتكفر الأعمال الصالحة الصغائر بما يشاء الله ، ولا يغتر العبد بالصيام ويقول: محوت سنة، فما يدري لعل عمله قد رد عليه، ولنبتعد عن البدع في هذا اليوم، فإن بعض المبتدعة يظهرون فيه الحزن، ثم يقابلهم ناس من المبتدعة فيظهرون فيه مزيداً من الفرح والتوسعة على العيال، ولم يرد ذلك في حديث صحيح.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
أخبار الجهاد والمجاهدين في الشيشان
وإننا نفتتح هذا العام ونحمد الله على أن جعل أخبار إخواننا في الشيشان في انتصارات متوالية، ونحمد الله تعالى أن جعل الروس في ذل وصغار، وتتوالى عليهم العمليات، ويقتل جنودهم وضباطهم، وتحرق قوافلهم، ويغار عليهم من الجنود المسلمين والمجاهدين في سبيل الله ، حتى لم يكد يعلم الروس من أين يؤتون في ليل أو نهار، والحقيقة أن الجهاد للمسلمين عز، وعندما تصبح عند المسلمين قدرة على الانتقام يرتفع الرأس عالياً في السماء، فعندما قام ذلك العقيد الروسي العفن بأخذ شابة مسلمة من الحرائر الشيشانيات ثم اغتصبها ثم وضع يديه على رقبتها وخنقها حتى قتلها ثم رماها تحت سيور الدبابات، وكانت تلك الفعلة الشنيعة، فأراد المسلمون الانتقام فطلبوا تسليم ذلك العقيد الروسي، وإلا سيقتلون ثمانياً أو تسعاً من أولئك الكفرة، فلما لم يجدوا جواباً، قتلوهم بالسيف، وكان ذلك مما أقض روسيا من طولها إلى عرضها، عندما استطاع المسلمون الانتقام، وفي هذا درس أن العزة بالجهاد.
اللهم أيقظ في قلوب المسلمين الحمية للجهاد، اللهم وارزقهم النصر على الأعداء، اللهم إنا نعوذ بك من الاستسلام، ونعوذ بك من الذل والهوان، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، احفظ بلادنا وبلاد المسلمين يا رب العالمين.
وقوموا إلى صلاتكم.