الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أهمية الزكاة
أيها الإخوة: إن من المناسب في هذه المرحلة من هذا الشهر العظيم، أن نتكلم عن فريضة من فرائض الله جل وعلا، وركن من أركان الإسلام وهو ركن الزكاة.
وأنتم أيها الإخوة: تعلمون بما للزكاة من أهمية عظيمة في الإسلام، وكيف أن رسول الله ﷺ لما كان يعلم الناس الذين يدخلون في الإسلام الجدد، كان يعلمهم أركان الإسلام واحدة واحدة، فكان يعلمهم هذا الركن العظيم، وكان يوصي معاذ وسائر رؤساء بعوثه ﷺ إلى الأقوام الآخرين بأن يهمتوا بهذا الركن العظيم من أركان الدين، فكان يقول لمعاذ: فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم بأن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم.
أيها الإخوة: تعلمون بما للزكاة من أهمية عظيمة في الإسلام، وكيف أن رسول الله ﷺ لما كان يعلم الناس الذين يدخلون في الإسلام الجدد، كان يعلمهم أركان الإسلام واحدة واحدة، فكان يعلمهم هذا الركن العظيم، وكان يوصي معاذ وسائر رؤساء بعوثه ﷺ إلى الأقوام الآخرين بأن يهمتوا بهذا الركن العظيم من أركان الدين، فكان يقول لمعاذ: فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم بأن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم.
وليست المشكلة أيها الإخوة: في هذه الأيام بين المسلمين في تبيين فرضية الزكاة ومكانتها في الإسلام، فإن عامة المسلمين يعرفون هذا، ولكن المشكلة اليوم في قضية الزكاة تتركز في عدة أمور، فمن الأمور مثلاً: أن بعض الناس في مثل هذه الظروف يبدأ البخل والشح يدب في نفسه، فيمنع فريضة الله ، أو يخرج قسماً منها ويبخل في القسم الآخر، وكم سمعنا عن أناس من الأغنياء إذا ما حسب زكاة ماله فوجدها كبيرة تخلى عن إخراجها، وبخل بها.
وصنف آخر أيها الإخوة قد يخرجون الزكاة، ولكنهم لا يضعونها في المواضع التي أمر الله بوضعها، إما إيماناً منهم أو تقصيراً، وإما لأنه لم يجد السبيل الذي يمكنه في وضعها في المواضع التي أمر الله بها.
ونحن أيها الإخوة: سنتطرق في هذه الخطبة عن بعض هذه الأشياء وسيكون التفصيل في الأحكام بعد الخطبة إن شاء الله تعالى.
عقوبة من يمنع زكاة أمواله
يقول الله : وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌسورة آل عمران180.
سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، روى الإمام البخاري في صحيحه عن رسول الله ﷺ في تفسير هذه الآية: أنه قال: من أتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له شجاعاً أقرع، ومعنى شجاعاً أقرع يعني حية عظيمة قد سقط شعر رأسها من كثرة السم الذي فيها، له زبيبتان هذا الشجاع الأقرع ثعبان عظيم له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يطوقه هذا الثعبان العظيم، يطوق البخيل بالزكاة يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه يعني: شدقية، الشدقين أطراف الفم يأخذ بهما، ويقول: أنا مالك، أنا كنزك، أنا مالك وأنا كنزك[رواه البخاري4565]. ويظل هذا الرجل في عذاب لا يعلم مداه إلا الله مع هذا الثعبان العظيم، وليست أيها الإخوة هذه القضية خرافة من الخرافات، أو قصصاً خيالية، وإنما هي أحاديث صحيحة عن رسول الله ﷺ، كما رواها البخاري في هذا الحديث.
وقال الله تعالى في محكم تنزيله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ سورة التوبة34-35.
وقال ﷺ في تفسير هذه الآية الثانية التي قرأناها: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى به جنبه وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد[رواه الإمام مسلم987]. رواه الإمام مسلم في صحيحه.
ليست هذه النار يا إخواني كنار الدنيا، بل إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً، إذ أن هذه النار التي في الدنيا هي واحد على سبعين من نار الآخرة، وكذلك يا إخواني ليس الكوي في طرف معين من أطراف الجسم، بل إنه يكوى من كل ناحية، يكوى من الأمام في جبهته، ومن الخلف في ظهره، وعن اليمين وعن الشمال في جنبيه، حتى يصل الحر إلى جوفه، حتى تصل حرارة جهنم إلى جوفه، ثم أنه يا إخواني لا تترك هذه حتى تبرد، وتزول حرارتها بل إنها كلما بردت أعيدت فأحميت حتى يذوق النكال والعذاب، ثم إن هذه النار أيها الإخوة ليست في يوم، ولا في شهر، ولا في سنة، وإنما هي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. هذا العذاب يكون يوم القيامة، ويوم القيامة ماذا يكون الوضع، كم يكون بالنسبة لأيامنا؟ خمسين ألف سنة، فهل يطيق أحد منكم رحمكم الله أن يتحمل هذا العذاب؟
وكذلك -أيها الإخوة- أوضح رسول الله ﷺ بأن صاحب الإبل، وصاحب البقر، وصاحب الغنم، إذا لم يؤد زكاتها فإنه يبطح يوم القيامة فتمر عليه بأظلافها وقرونها فتطأه وطأً حتى يحس بألم العذاب، وكذلك ورد في الحديث الصحيح، بأن هذه الدنانير والدراهم التي بخل بها، يوم القيامة يحمى عليها، فتوضع على حلمة الثدي، على رأس الثدي فتغوص حتى تخرج من بين كتفيه، كل هذا عذاب للذين يهملون في أداء الزكوات.
حكم انتقاء الرديء لإخراجه زكاة
وأيضاً أيها الإخوة بالنسبة إلى الصنف الثاني من الناس الذين يخرجون بعضها فإنهم معرضون أيضاً لهذا الوعيد الشديد، وبعض الناس كذلك يبخل بما عنده من الأصناف الحسنة، فيخرج أردأ ما لديه في الزكاة، هذا الرجل خالف قول الله تعالى: وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِسورة البقرة267. الخبيث الرديء، يعني بعض الناس يخرج زكاة رديئة، من أردأ الأموال التي عنده، بحيث أنه لو أعطيها هو، لو أعطي هذا المال الذي أخرجه أعطيه في يوم من الأيام لم يقبله إلا عن كراهية نفس، وعن غمط لحقه، وقسراً عليه، وقد تجبره الظروف فيأخذه، وإلا لما أخذه، وهذا معنى قول الله تعالى: وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ، مثل ذلك أيها الإخوة مثل الذي يكون عنده مثلاً مزرعة أو بستان من النخيل ويكون في هذا النخيل عدة أنواع من التمور: تمر جيد، وتمر متوسط، وتمر رديء مثلاً، فتجده إذا جاء يؤدي زكاة هذا التمر تجده يخرج من النوع الرديء أو النوع المتوسط، ويترك النوع الجيد ليبيعه هو في السوق لا يخرج منه شيئاً، مع أن الصحيح أنه يجب عليه إخراج زكاة كل نوع من هذه الأنواع.
المراد والقصد من وجوب الزكاة
وكذلك يجب على المسلم أن يتفطن ويفهم المراد من الزكاة، وأن هذا المراد أيها الإخوة على ثلاثة أضرب، أولاً: الابتلاء بإخراج المحبوب، فإن المال من أعز الأشياء على النفس، وكون الله يفرض عليك أن تخرج منه زكاة فإن في هذا تحدياً لشهواتك ورغباتك، وهذا سيكون على حساب الأشياء التي تحبها، فيكون إخراج الزكاة نوع من الابتلاء في الحقيقة؛ لأنه عزيز على النفس، فلا بد من الصبر، وحسن البلاء عند هذا الابتلاء، وثاني: أن الله يريد أن يطهر أنفسنا من البخل والشح؛ ولذلك قال الله لنبيه ﷺ: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَاسورة التوبة103. فإذن هذه الزكاة إخراجها يطهر النفس من الشح والبخل، الشيء الثالث أيها الإخوة: أن في إخراج الزكاة شكر لنعمة المال التي أنعم الله بها عليك، كل نعمة أُنعم بها عليك يجب أن تؤدي شكرها، ما هو شكر نعمة المال؟ إخراج زكاته والصدقة منه.
وكذلك فإن في إخراج الزكاة استجلاب للبركة، والزيادة والخلف، كما قال الله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَسورة سبأ39. وقال ﷺ في الحديث القدسي عن ربه : يا ابن آدم أنفق ننفق عليك[رواه مسلم993]. حديث صحيح.
آداب الزكاة
ومن آداب الزكاة أيها الإخوة أن لا يؤخرها عن وقتها؛ لأن الفقير والمحتاج هو في أمس الحاجة إليها، وفي تأخيرها عن وقتها إضاعة لحقه وشدة عليه، وكذلك أن يقدم فقراء أهله على فقراء الناس الآخرين، ممن لا تلزمه نفقتهم؛ لأن الزكاة والصدقة على ذوي الأرحام صدقة وصلة، فيها أجران: أجر الزكاة، وأجر صلة الرحم، وكذلك أن يتحرى بها أهل الدين، فلا يجوز إخراجها لتارك الصلاة بالكلية مثلاً، أو لمن يسب الدين ويستهزئ به، أو للكافر عموماً لا يجوز إعطاؤه ولا قرش واحد من الزكاة، وإنما يبتغي بها أهل الدين الذين أوامر الله ونواهيه، فلا ينتهكون النواهي، ويلتزمون بالأوامر، يعطي الأدين من الناس، يعطي الأشد التزاماً من الناس، كذلك من آداب الزكاة، أن لا يبطلها بالمن والأذى؛ لأن الله نهى المؤمنين عن إبطال صدقاتهم بالمن والأذى، لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ رياء وسمعه، وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِسورة البقرة264. بل إنه يعطي الفقير بانشراح ولطف، حتى كأن الفقير هو الذي ينعم على الغني بأخذ الزكاة، يعني ينبغي أن تصل الحالة بالمعطي لدرجة يشعر عند إعطائه للفقير بأن الفقير هو الذي تفضل عليه وأنعم عليه بأخذ هذه الزكاة منه، وفتح باب الأجر له، ومثل هذا الشعور هو الذي يمنع الغطرسة، والكبر والتفاخر والتعالي عند إعطائها للفقير، وهو الذي يمنع إذلال الفقير كذلك، إذ أن بعض الناس يذلون الفقراء عند إعطاء الزكاة، ويشعرونهم بالخيبة والمرارة وهو يأخذ منه الزكاة، وكذلك لا يجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها، فهي حق الله تعالى، وكذلك لا يجوز جلب المنفعة أو دفع المضرة عند إعطاء الزكاة، يعني ينوي عند دفع الزكاة أن يمنع عنه الضرر فقط، فبعض التجار مثلاً يعطون الزكاة لا طاعة لله تعالى، ولا استسلاماً لأمره، بل إنه إذا لم يعط الزكاة فلم يحصل على جهات تخول له إرساء مناقصة عليه مثلاً، هذه الزكاة التي تعطى أيها الإخوة من أين لها الأجر من الله ، وهو إنما أعطاها لجلب منفعة دنيوية، أو دفع مضرة دنيوية، ولذلك ينبغي للموسرين والتجار أن يصححوا نياتهم عند دفع الزكاة، وأن يدفعها إذا دفعها، أن يدفعها ونيته خالصة أنها لله ، لا لتحصيل غرض دنيوي، لا شهادة من الشهادات، ولا أن ترسي عليه مناقصة من المناقصات، أو يحصل منفعة، أو يمدحه الناس، لا، أن يكون غرضه بها وجه الله تعالى.
وكذلك لا يجوز له أن يقي ببقية ماله أو يدفع بها مذمة عنه، مثلما يفعل بعض الناس إذا أعطى إنساناً ديناً بنية الدين لا بنية الزكاة ثم بعد فترة من الفترات لما حال الحول على هذا الدين قرر بأن يجعل الزكاة، جزءاً الزكاة هذا الدين الذي قدمه سابقاً، فيقول في نفسه: أنا أعطيت فلان ألف ريال دين مثلاً، زكاتي هذا العام ثلاثة آلاف، هذا الدين أخصمه من الزكاة، فيبقى الباقي علي ألفين. هذا لا يجوز، إن الدين لا يسقط من الزكاة، يبقى الدين عند صاحب الدين حتى يرجعه إليه، كما سيمر معنا بعد الصلاة إن شاء الله بالتفصيل كيفية زكاة الديون.
وكان السلف أيها الإخوة يستشعرون معنى أن يأخذ الفقير شيء، ويستشعرون المعنى الذي سبق وأن قدمناه بأنه يشعر بأن الفقير هو الذي أنعم عليه بأخذ الزكاة، أو بأخذ الصدقة، أو بأكل الطعام، فهذا الربيع بن خثيم اشتهى في يوم من الأيام حلوى تصنع له، فلما صنعت دعا بالفقراء فأكلوا، أكلوا الحلوى كلها، فقال له أهله: أتعبتنا ولم تأكل، أتعبتنا، جعلتنا نصنعها ونتعب فيها ثم ما ذقت منها شيئاً، فقال لهم: وهل أكل غيري؟ من الذي أكل، أنا الذي أكلت في الحقيقة، أنا الذي أخذت أجرها عند الله إن أخلصت فيها، وهل أكل غيري.
نسأل الله أيها الإخوة أن يوفقنا لتطهير نفوسنا من الشح والبخل، ولإخراج هذه الفريضة كما يرضى عنها ربنا، وصلى الله على نبينا محمد.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، الحكيم العليم، الذي ختم آية المستحقين بقوله: عَلِيمٌ حَكِيمٌ، ختم آية إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ سورة التوبة60. ختمها بقوله بوصف نفسه بأنه عليم حكيم، يعلم مصالح العباد وما يدور في أنفسهم، ويعلم حقيقة من يستحقها، وهو حكيم فيمن صرف إليهم هذه الأصناف، في الأصناف الذين قضى لهم بهذه الزكاة، فإن بعض الناس قد يظن بأن من مصارف الزكاة شيء وليس منه، وعندما تخبره بأنه ليس من المصارف يجادلك، فمثلاً ليس من مصارف الزكاة بناء المساجد أو طباعة الكتب الإسلامية مثلاً، هذا ليس من مصارف الزكاة، ولا فرش المساجد، ولا الإنفاق عليها، وإنما لها باب آخر من أموال المسلمين، الصدقات التي يخرجونها بطيب نفس ويأجرهم الله عليها، فعندما تناقش أحدهم يقول لك: هذا الباب طيب من أبواب الخير، لماذا لا أعطي فيه الزكاة؟ نقول لك: يا أخي إن الله لما فرض هذه الفرائض وأعطى الناس الأصناف وعينهم، قال الله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ سورة التوبة60. إذن حدد الله المصارف فلا شأن للعقل في الاعتداء على هذا التحديد أبداً، فإنه قد يصل إلى درجة من الشرك والعياذ بالله.
الأصناف التي يجب صرف الزكاة إليهم
وقال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُون َسورة المائدة50. فالفقراء والمساكين يعطون من الزكاة ما يكفيهم، ويكفي عائلتهم لمدة سنة كاملة حتى يأتي حول الزكاة مرة أخرى، يعني يجوز أن يعطون نفقة سنة كاملة، هؤلاء الفقراء والمساكين، حتى يأتي زمن الزكاة الأخرى، والفقير أيها الإخوة معروف، تعريف الفقير في اللغة والشرع، وكذلك المسكين الذي لا يجد حاجته، ويعطى الفقير لزواج يحتاج إليه، إذا خشي على نفسه الزنا، حتى ولو كان يستطيع أن يعيش لنفسه من غير زواج، كما يقول العلماء: ولطالب العلم الفقير يعطى ما يكفي لشراء كتب يحتاج إليها، ويعطى كذلك من له راتب لا يكفيه وعائلته من الزكاة ما يكمل كفايته، يعني واحد عنده عشرة أنفس في البيت راتبه مثلاً ألفين ريال في الشهر، لا تكفيه، ينظر في كفايته مثلاً، ثلاثة آلاف وخمسمائة مثلاً فيكمل الباقي له ألف وخمسمائة ريال في اثنا عشر تعطى هذه البقية الباقية التي تكمل بها النفقة لهذا الرجل، بحيث لا يكون من أهل التبذير والإسراف، وإلا تعطى لمن هم من أهل الثقة من أقربائه ينفقون عليه، وعلى أولئك، وكذلك من كان له كفاية فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة وإن سألها، وإنما ينصح، فإن سألت يا أخي كيف أعرف الفقير من غير الفقير، وهذه الأيام اختلطت الأمور، وما عدت تميز، أو قد يكون حال البلد فيها غنىً كثير، بحيث لا تستطيع الوصول إلى فقير، فمن سأل وأخلص في السؤال دل على المقصود، ومن رغب في الاستدلال فهنالك جماعة من الطيبين مثل جماعة البر مثلاً، أو غيرها من الجمعيات من الثقات في هذا البلد يعرفون الفقراء، فيكفي أن تدفعها إليهم، ومن شاء أن يسأل أعطيناه أسماء بعض هؤلاء الناس.
النصاب في الزكاة
وكذلك أيها الإخوة حدد الله أنصبة لهذه الأموال التي تخرج فيها الزكاة، فهذه الأموال التي بين أيدينا الأوراق النقدية، حكمها حكم الذهب والفضة، فيجب فيها من المال ما يبلغ نصابه من الفضة كما سنبينه بعد الصلاة إن شاء الله، ففيه اثنين ونصف في المائة كما تعلمون.
حدد الله أنصبة لهذه الأموال التي تخرج فيها الزكاة، فهذه الأموال التي بين أيدينا الأوراق النقدية، حكمها حكم الذهب والفضة، فيجب فيها من المال ما يبلغ نصابه من الفضة كما سنبينه بعد الصلاة إن شاء الله، ففيه اثنين ونصف في المائة كما تعلمون.
أما بالنسبة لزكاة الزرع والخارج من الأرض فإنه قدر بهذه الأيام بما زنته 612 كيلو غراماً من البر الجيد، يعني لو وزنت براً جيداً فصار وزنه 612 كيلو فإذا بلغ الثمار والحبوب هذا الوزن تجب فيها الزكاة.
والإبل والبقر والغنم لها أنصبة يطول المقام لو ذكرناها، ينبغي لمن كان عنده من هذه الأصناف أن يسأل عنها، كذلك حلي النساء، من الأشياء التي تجب فيها الزكاة على القول الصحيح من أقوال أهل العلم، ولو لم يكن فيها إلا حديث رسول الله ﷺ الذي رأى في يد امرأة من الصحابة صكتين من ذهب، فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، فقالت: أيسرك أن يطوقك الله بهما سوارين من نار يوم القيامة، فقالت: هما لله ورسوله [رواه النسائي2479]. لو لم يكن فيها إلا هذا الحديث لكفى أيضاً.
ولا استطراد الآن معكم في هذه الأحكام، وموعدنا بعد الخطبة إن شاء الله، وسنعرض بحول الله وقوته لمسائل مهمة جداً في الزكاة، قد تخفى على الناس في كيفية الإخراج وبالأنواع المخرج منها، وكيف تؤدي، وصلوا على نبيكم محمدﷺ في هذا اليوم العظيم يوم الجمعة، في هذا الشهر العظيم شهر رمضان، فإن الله قد فرض الصلاة عليه، ومن لم يصل عليه، ﷺ فقد خطئ طريق الجنة كما أخبر عن ذلك رسولكم ﷺ.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءوَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.