الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
جاء رمضان
وجاء رمضان يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْسورة البقرة183. ويشعر المؤمن بأنه مكرم بهذا النداء الإلهي، الذي يأتي في كتاب الله منادياً الجموع يَا أَيُّهَا الَّذِينَ بتلك الصفة العظيمة آمَنُواْ خير يؤمر به عظيم، إن الصيام بالامتناع عن الشهوات يحتاج إلى إيمان، إن الصيام في شدة الحر يحتاج إلى إيمان، إن مقاومة رغبات النفس تحتاج إلى إيمان، إن الالتزام بالأحكام، والأوقات التي في الصيام تحتاج إلى إيمان، إن خوف الله بالغيب فلا يأكل حتى ولو لم يبصره أحد يحتاج إلى إيمان، إن اجتماع الأمة على هذه العبادة، والتزام الأمة بالصيام إذا رؤي الهلال، وعدم شذوذ بعضها عن بعض يحتاج إلى إيمان، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ وعقل يعني: فهم معاني الصيام، والتفاعل مع ذلك يحتاج إلى إيمان، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ مبني للمجهول، من الذي كتبه؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ الذي فرضه: هو الله كُتِبَ عَلَيْكُمُ فإذن: نحن موضع الحكم، والحكم مفروض علينا، ونحن مخاطبون به، عليكم يا أيتها الأمة، عليكم يا أيها المؤمنون، عليكم يا عباد الله، كتب عليكم من الله، فهو الذي يفرض ما يشاء، ويحكم ما يشاء ، فهل أنتم الوحيدون في العالم الذين كتب عليكم هذا الحكم؟ هل الصيام عبادة جديدة لم تعرف إلا في هذه الشريعة؟ قال تعالى: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ إذن: نحن إخوة الإيمان تجمعنا، ونحن السائرون في دروب الوحي، نحن في طريق واحد - طريق التوحيد – وإن تنوعت الشرائع عند الأنبياء، لكن الجميع عندهم صيام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ فإذن أنتم، والمؤمنون السابقون في طريق واحد، والعبادة مشتركة كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ليس شيئاً جديداً، وإن كانت أحكام الصيام في هذه الشريعة أكمل، لكن مبدأ الصيام كان مشتركاً، فأنت يا عبد الله تقوم بعبادة الآن قام بها أنبياء، ومؤمنون كثر من قبل، أنت تشترك معهم في عبادة عظيمة لله كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ليسهل علينا الأمر، وأن الناس إذا اشتركوا في شيء سهل عليهم القيام به.
ما الحكمة من الصيام
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لماذا؟ وما هي الحكمة؟ وما هو الهدف؟ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ تخافون الله، تتكون عندكم الخشية لله، يصبح عندكم معيار التقوى قائماً في النفوس، حتى يجعل الصيام منكم أناساً يخافون الله في الغيب والشهادة، يقفون عند حدود الله، يفعلون الواجبات، ليس فقط الصيام، ويتركون المحرمات، ليس فقط الأكل والشرب في النهار لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ في كل شيء، إن هذا الصيام سيؤهلكم لتكونوا من المتقين، ستدخلون مدرسة في تسع وعشرين، أو ثلاثين يوماً متتالية، في دورة إيمانية عظيمة، تؤهلكم للخروج منها وأنتم من المتقين، إذا أحسنتم القيام بهذه العبادة لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَفليست القضية إذن الهدف الأعلى منها الصحة، حفظ الصحة مثلاً، وليس من الأهداف الدنيوية الأخرى، وإنما المسألة أعلى من ذلك (التقوى) لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ستحصل لكم فوائد كثيرة أخرى، صحية، واجتماعية، ونفسية، بل حتى سياسية؛ لأن العالم يشهد المسلمين في عباداتهم، كما يشهدهم في حجهم، ويشهدهم في صيامهم، أنتم الآن بهذه العبادة تجمعون قوة أمام العالم؛ لأن العالم سيسمع عن هذه العبادة، وعن هؤلاء الناس الذين يلتزمون بهذه الأحكام التزاماً جماعياً على مستوى الأمة، سيتحدث العالم عنكم، لكن أولاً التقوى، التقوى يا عباد الله، وإصلاح العلاقة فيما بينكم وبين الله .
هذه العبادة العظيمة: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ لا تلبث أن تنقضي، ليست سنيناً، ولا شهوراً، وإنما شهر واحد في السنة، فلذلك لا تستطيلوها، ولا تملوها، إنها راحلة بسرعة أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ.
أحكام أهل الأعذار في الصيام
فإذا كان الإنسان من أهل الأعذار فماذا يفعل؟ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍسورة البقرة184. الصيام يسبب له المرض، أو يزيد المرض، أو يؤخر البرء، فله أن يفطر، ثم يصوم بعد ذلك إذا زال المرض، ويقضي، وإذا كان مزمناً فله فدية، وكذلك السفر، فهذه الأعذار، وكذلك المرضع، والحامل، والحائض، والنفساء، وكبير السن الذي لا يطيقه، كل صاحب عذر جعل الله له مخرجاً، وجعل له بدلاً، إن الله وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة، وعن الحبلى، والمرضع الصوم، وهكذا إذا صارت المشقة فوق العادة، تأتي الرخصة حينئذٍ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍسورة البقرة184. كان الصوم اختيارياً في وقت من الأوقات، قبل أن يفرض كان اختيارياً، ثم جاء فرضه بعد ذلك، وأكد تكرار ذكر أهل الأعذار، أن حكمهم باقٍ في العذر بعد فرض الصيام، حتى لا يظن ظان أن الصيام لما كان اختيارياً، ثم نسخ أن العذر قد نسخ أيضاً، ولذلك كرره ليبين أن الحكم وإن تغير من الاستحباب إلى الوجوب إلا أن العذر باقٍ، ولذلك إذا استعرضت الآيات يا عبد الله، ستلاحظ تكرار ذكر أهل الأعذار، فهذه الفائدة من ذلك، كان فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ سورة البقرة184. ثم جاء النسخ بالوجوب، وهكذا صار إلزامياً.
عباد الله: بلاغة القرآن عظيمة، فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ سورة البقرة184. عدة من أيام أخر، كم حكماً تحوي؟ وكم تبين؟ وأن صفة القضاء بهذه الطريقة.
هل الصيام تعطيش، وتجويع، ومنع من الشهوات، لمجرد الإيلام والحرمان؟ لا، لا يا عباد الله لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْسورة الحج37. الله لا يستفيد شيئاً من عباداتنا، لا يستفيد شيئاً من صيامنا، وتجويعنا، وتعطيشنا، ولكن لأجلنا نحن، لأجل هذا الصيام يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَسورة البقرة185. تأمل هذه كيف جاءت، ونحن نصوم في شدة الحر الآن، وأنت تسمع يا عبد الله قوله: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ولو أراد العسر لأوجبه في السفر، وفي المرض، وعلى الحامل، وعلى الكبير، ولكن يريد بنا اليسر، إذن وهذه المشقة؟ هذه المشقة تطاق في العادة، لو كانت لا تطاق لسقط الصيام وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَسورة البقرة185. بالقضاء لمن لم يستطع فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.
وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْهذا التكبير عند انتهاء الصيام، وتكبروه على العبادة، وعلى الهداية إليها وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ سورة البقرة185. يتصور بعض الناس أن شكر النعمة إذا جاءه مال، أو ولد، فمن الذي يتصور شكر النعمة إذا جاء فرض الصيام، وجاء موسم العبادة، وتمكن منها وهو بصحته؟ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
دخول شهر رمضان برؤية الهلال
وعندما يقول ربنا: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُسورة البقرة185. نعلم بأن المسألة مسألة رؤية؛ لأن هذه لغة العرب، شهد، يشاهد، شاهد، لا بد من الرؤية، ما يسمى شاهِد، وشهد، وشاهَد، إلا إذا كان صاحب رؤية، يشهد ماذا؟ الهلال، ليست شهادة علمية يؤديها في المحكمة، أو شهادة على شيء، لا فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فكيف سيشهده؟ إذا رأى هلاله، ومن هنا يتبين أن الحكم يتعلق برؤية الهلال، لا بالحسابات فَمَن شَهِدَ هذه المشاهدة التي تكون بالعين، وهذه الشريعة الصالحة لكل زمان، ومكان فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته[رواه البخاري1909]. وقد علم الله أن البشر منهم الحضري، والقروي، والبدوي، والعامي، والمثقف، والقارئ، والأمي، ولذلك جعل لهم شرعاً يناسب كل الأحوال، فمهما كانت حالهم يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّسورة البقرة189. في عباداتهم، وعِدَدِ نسائهم، ومعاملاتهم، هذه الأهلة جعلها الله لأجل ذلك.
دخول العبادات القلبية في الصيام
وتأمل كيف تدخل العبادات القلبية في هذا الصيام وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌسورة البقرة186. والله فوق سماواته على عرشه، فما هو القرب؟ قرب المعية، معية الإجابة، معية النصرة، معية العلم قَرِيبٌ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِسورة ق16.يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُسورة غافر19. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ارتباط الدعاء بالصيام فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِسورة البقرة186. فالله كريم، ولما قال: أُجِيبُ يعني: يجيب، فإما أن يعطي مباشرة، وإما أن يؤخر، فيزداد الداعي إلحاحاً، وأجراً، وإما أن يكون المدعو به ليس من مصلحة الداعي، فلا يستجيب له فيه؛ لأن الداعي لا يعلم الغيب، ولا يعلم مآلات الأمور، فالله تعالى لا يستجيب له في هذا، ولكن؛ لأنه قال: أُجِيبُ لا بد أن يعطيه مقابل عدم الاستجابة، في هذا الموضوع المعين خيراً آخر لم يسأله العبد، أو يمنع عنه شراً لم يستعذ منه العبد، وربما لم يخطر له ببال.
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ إذا انتفت الموانع، أكل الحرام، الدعاء، والاعتداء فيه أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءسورة الأنعام41. وهو يتعبدنا بالصيام، ويتعبدنا بالدعاء، ويتعبدنا بالاستجابة له، ولهذا قال: فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي يستسلموا لأمري، ينقادوا لشرعي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَسورة البقرة186. ويهتدون لأحسن المسالك يَرْشُدُونَ لأحسن التصرفات، يبلغون الرشد، يبلغون النضج، يبلغون هذا الرقي العظيم يَرْشُدُونَ الرشد: كلمة عظيمة لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.
أحكام معاشرة النساء في أيام الصيام
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْسورة البقرة 187. كان الواحد من المسلمين إذا بدأ الصيام ثم أفطر، ثم نام، لم يجز له بعد قيامه من النوم، أن يأكل، أو يشرب، أو يجامع، حتى لو قام قبل الفجر، فحصل ما حصل، فأنزل الله التخفيف، أنزل الله التخفيف، وقال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْسواءً نمت، أو لم تنم، فإن طيلة الليل وقت للإتيان أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ وهذا يعني: أن الشرع لا يريد أن يطمس الشهوة بالكلية، وليس شرع وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ سورة الحديد27. وإنما شرع يراعي الشهوات، حتى من تزوج حديثاً عنده الليل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ ذكرنا بالحقوق الزوجية في آيات الصيام، وهذه مناسبة أن يذكر بعضنا بعضاً بها؛ لأنه في آيات الصيام قال: هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ سورة البقرة187. تستر عليها، وتستر عليك هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ لا يستغني أحد من الطرفين عن الآخر؛ لأن اللباس يحميك، وأنت لا تستغني عن الحماية هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّكما أن اللباس يحفظ من الحر والبرد، فكذلك النساء والرجال، الأزواج والزوجات، الزوجة تحفظ زوجها من الحرام، والزوج يحفظ زوجته من الحرام هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّواللباس يواري العورة - يستر- ويحفظ الأسرار، وكذلك الزوج والزوجة بينهما حفظ الأسرار، فتأمل كم من المعاني في هذه الألفاظ اليسيرة هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّوما في هذه الكلمات من توصيف العلاقات، التي ينبغي أن تكون بين الأزواج والزوجات، في هذه الأحكام المنزلة من رب البريات.
يا عباد الله، يا أيها الناس:
شرع عظيم يحفظ العلاقة بين الخالق والمخلوق، وبين المخلوق والمخلوقهُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ سورة البقرة187.بما يحصل من المخالفات تَخْتانُونَ يعني: تخونون، خيانة النفس معصيتها لربها، فالآن ماذا حصل؟ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْومحا الذنوب فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ هل رأيتم العلاقة بين الصيام وتحديد النسل؟ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ في الليل: وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْيعني: الولد، ولذلك لا تحديد في الإسلام، وإنما ابتغاء ما كتب الله، ولا تدري ما حملت به امرأتك أي خيراً لك فيه وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر نزلت لاحقاً لتوضيح غموض حصل عند بعض الناس في الفهم، فجاءت هذه الكلمات المحددة مِنَ الْفَجْر الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ إذن ما حكم الإمساك قبل أذان الفجر بعشر دقائق؟ بدعة، إمساك، فجر، هذه خانة الإمساك بدعة، لماذا؟ لأن الله قال: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِمِنَ الْفَجْرسورة البقرة187.
وإننا نطمئن إخواننا بحمد الله: أن ما هو موجود في التقويم، من وقت صلاة الفجر صحيح، بشهادة علماء كبار، قد ظهروا إلى الفلاة، وتتبعوا انفجار الفجر، سمي الفجر فجراً: لأنه ينفجر، فجأة ينفجر، وينتشر بسرعة – الفجر الصادق- فإذن وقت صلاتكم الفجر، وإمساككم هو صحيح إن شاء الله، وكون يوجد دقيقة، أو دقيقتين، أو ثلاث، في الأمور التقديرية الحسابية طبيعي، خصوصاً في عملية انفجار الفجر، أما ما يقال من أن الفارق 17 دقيقة، أو20 دقيقة، أو نصف ساعة، فغير صحيح، كما أخبرنا بذلك العلماء الثقات، الذين اختبروا الفجر حقيقة، ومن أكل، أو شرب ظاناً بقاء الليل، ثم تبين له طلوع الفجر، فصيامه صحيح، وهو مغفور له خطؤه.
اللهم إنا نسألك أن تتقبل منا صيامنا، وأن تتوب علينا، وأن تجعلنا من المتقين، وأن توفقنا لحفظ حدودك يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو، وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، أكبره وأسبحه، ولا أشرك به أحداً، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، الرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير، اللهم صل وسلم وبارك على عبد ونبيك محمد إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، والشافع المشفع يوم الدين، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى ذريته الطيبين، آله وخلفائه الميامين، وأزواجه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
الاعتكاف وبعض أحكامه
عباد الله: تكامل العبادات في الإسلام عظيم، في آيات الصيام وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ سورة البقرة187. فذكرنا بهذه العبادة وهي: الانقطاع عن الدنيا، والتفرغ لعبادة الله، ولا تكون إلا في بيت من بيوت الله، وهي المساجد، وأعظمها المسجد الحرام، هذا الاعتكاف الذي قال بعض العلماء: أقله يوم وليلة، وقال بعضهم: ليلة، وقال بعضهم: لا حد لأقله، وفهم بعضهم من إيراد هذه الآية -آية الاعتكاف أثناء الصيام- أن الصيام للاعتكاف شرط، وقال بعضهم: هو مستحب، أي: الصيام مع الاعتكاف، وهذا الحبس للنفس في الطاعة يؤدي إلى تربية عظيمة.
ثم قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا حدود الله، الحدود ما معناها؟ إذا كنت خارج الحدود فالمقصود بالحدود المحرمات، فيقال لك: ممنوع الدخول، وإذا كنت داخل الحدود فالمقصود بها الواجبات، فيقال لك: ممنوع المغادرة والترك تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ ما المقصود بحدود الله؟ هذه الواجبات التي أوجبها فلا ترك لها، وهذه المحرمات التي حدها فلا اقتراب منها؛ لأنه قال: فَلاَ تَقْرَبُوهَا ما قال: فلا تقتحموها، فإذن اجعل بينك وبين الحرام مسافة وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَىسورة الإسراء32. أي شيء يقرب إلى الزنا، صور، كلام وَلاَ تَقْرَبُواْ هذه الحكمة الإلهية، قال هنا: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا لا تعتدوها كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ، إي والله لقد بين لنا ربنا لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَسورة البقرة187. وأعاد التذكير بذلك.
الموسم العظيم وكيد الأعداء لأبناء المسلمين فيه
هذا الموسم العظيم، موسم الصيام، موسم الدعاء، موسم الاعتكاف، هذا الصيام العظيم موسم التقوى، هذا الصيام العظيم موسم الرشد، والنضج؛ لأنه هذه الكلمات قد جاءت في ثنايا هذه الآيات، ولذلك لا بد من حفظ الصيام ما دام قرنه بالتقوى، الأشياء التي تخرق الصيام كثيرة، كذب، تزوير، زور، غيبة، نميمة، اعتداء، ظلم، أكل مال بغير حق، كل ذلك يخرق الصيام، نظر إلى شيء محرم، سماع شيء محرم، ولما علم أعداء الله، ما لهذا الصيام من الفوائد العظيمة على الأمة، حاولوا بشتى الوسائل أن يقطعوا طريق الناس، فقطعوا الطرق في رمضان، فأنتجوا المسلسلات، وقاموا بهذه الأعمال؛ لصرف الناس عن هذه العبادة، وجعلهم ينشغلون عن الدعاء، وعن القيام، وعن الصلاة، وعن الذكر، وعن ارتباط القلب بالله، فقطعوا الطريق على كثير من الناس في هذا الصيام، ترويج عجيب، وليس فقط قضية إثارة شهوات، بل إلقاء شبهات، وليست فقط قضية إلقاء شبهات كما في هذه المسلسلات كما هو معهود، والطعن في الدين وأهله، والقضاء الشرعي، وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما أيضاً تشويه التاريخ الإسلامي.
يا عباد الله يا أيها المسلمون:
التعليق على مسلسل عمر بن الخطاب
هل تعلمون أنه سيشرح لكم سيرة عمر بن الخطاب في المسلسل رجل نصراني، سيمثل دوره، وقد تأكدنا من ذلك، وآخر باطني من الطائفة الحاقدة التي تذبح المسلمين في سوريا، سيمثل دور رجل كبير من أكابر الصحابة، فهل عجزنا عن الإطلاع على سيرة عمر، إلا من خلال رجل نصراني يجسد دوره لنا، وأي شخصية عمرية التي سيعرضون؟ شخصية عمر القوي في أمر الله، صاحب الدرة، المنافح، المكافح، الذي دافع الشبهات، وأغلق أبواب الفتن عن المسلمين، ونادى بالحجاب، وتمنى منع الخمر، وفعل، وفعل، أم شخصية أخرى سيصيغونها؟ ولذلك يا عبد الله يا مسلم: 1400 سنة الأمة تعرف تاريخ أبطالها، وكبارها بأي طريق؟ بالخطب، بالدروس، بالكتب، تقرأ التاريخ، فلذلك لا بد أن نعرف حجم المؤامرة على رمضان، وعلى الإسلام، وعلى تاريخ الإسلام، والله لا يريدون خيراً بهذا الدين.
اللهم إنا نسألك لإخواننا في الشام عاجل الفرج يا رب العالمين، اللهم أطعم جائعهم، واكس عاريهم، اللهم ارحم ميتهم، واشف مريضهم، وأبرئ جريحهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم إنك تعلم ما نزل بالشام وأهلها من الضر وأنت أرحم الراحمين، فاكشف ما نزل بهم من ضر يا رحيم، اللهم إنا نسألك لهم العون، ولإخواننا في بورما وسائر الأرض، كن معهم ولا تكن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، ويسر أمورهم، واجمع على الحق كلمتهم، وثبت أقدامهم، وقوِّ سواعدهم، وسدد رميهم، وانصرهم على القوم الكافرين، اللهم اقصم ظهور الجبارين، اللهم عليك بالطغاة في الشام، اللهم اقصم ظهورهم، اللهم عليك بالطغاة في سائر الأرض، اللهم عجل منيتهم، فرق شملهم، وشتت جمعهم، واجعل دائرة السوء عليهم، وائتهم من حيث لا يحتسبون، اللهم خالف بين كلمتهم، وألق الرعب في قلوبهم، اللهم شتتهم ودمرهم، اللهم اجعلهم لمن خلفهم آية، واجعلهم عظة وعبرة يا رب العالمين، اللهم طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، وأراقوا دماء إخواننا، وهدموا دورهم وشردوهم، اللهم إننا نسألك في شهرنا هذا، في جمعتنا هذه، في بيتك هذا، في هذا الجمع يا رب العالمين أن تعجل الفرج للمسلمين، أن تعجل الفرج للمسلمين، أن تعجل الفرج للمسلمين، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين، اللهم إنك تغيث الملهوفين، وهؤلاء عبادك كثر الظلم عليهم، ارفع الظلم والبأس عنهم، أنت رحيم بهم، إلى من نشتكي؟ لا نشتكي إلا إليك، فارفع الشكوى وأزل البلوى، وارزقنا التقوى يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا أجمعين، ولا تفرق هذا الجمع إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي مشكور، تقبل الصيام والقيام، اغفر لنا ولوالدينا، ولأهلنا وذرياتنا، اللهم أحسن نياتنا، اللهم اجمع شملنا على الحق، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واجعل بلدنا هذا آمناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم اجعلها بلاداً عامرة بذكرك، محكمة لشرعك، يا رب العالمين، احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا وأسفل منا، ووسع لنا في دورنا، وبارك لنا في أرزاقنا، اللهم اقض عنا ديوننا، اللهم اجمع شملنا على الحق المبين يا أرحم الراحمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.