الأحد 3 ربيع الآخر 1446 هـ :: 6 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

حق النبي ﷺ


عناصر المادة
الخطبة الأولى
حب الصحابة للنبي الكريم
تعظيم الصحابة للنبي الكريم
إجلال وتبجيل
الخوف عليه والشوق إليه
رضي الله عنهم
الخطبة الثانية
واجبنا تجاه النبي الكريم

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ سورة آل عمران:102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء:1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب:70-71،
أما بعد:

حب الصحابة للنبي الكريم

00:01:15

فإننا أمام الهجمة على نبينا محمد ﷺ من أعداء الدين -من اليهود والنصارى، والمنافقين والعلمانيين- لا يسعنا -أيها الأخوة- إلا أن نذكر أنفسنا بحق نبينا علينا، وأن نتذكر باستمرار كيف كانت حاله ﷺ مع أصحابه؟ كيف كان أصحابه ينصرونه؟ كيف كان الصحابة يعظمون النبي ﷺ؟ كيف كان حقه عظيماً، ومنزلته عالية عندهم ﷺ؟ فهلموا إلى شيء من النصوص والقصص التي وردت في الأحاديث الصحيحة عن معاملة الصحابة للنبي ﷺ لنعرف كيف ينبغي أن يعامل؟ كيف ينبغي أن يوقر؟ كيف ينبغي أن يعظم ﷺ؟.

وهذا أيضاً له علاقة -أيها الإخوة- ببدعة المولد النبوي التي يقوم بها بعض المسلمين في هذه الأيام، نريد أن نعرف كيف هي المحبة الصحيحة؟ نريد أن نعرف الطريقة الوسط، نريد أن نعرف حقه علينا، كما أن هؤلاء الشانئين الذين سبوه وشتموه، ورسموا تلك الصور الساخرة كذلك هنالك أمة من الناس يغلون به، ويعملون البدع زاعمين تعظيمه، هلموا إلى شيء من النصوص التي تبين لنا كيف عامل الصحابة النبي ﷺ.

عن أنس قال: "خرج رسول الله ﷺ إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع" وهم يحفرون في يوم بارد دفاعاً عن الله ورسوله ودينه، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع، قال:  اللهم إن العيش عيش الآخر، فاغفر للأنصار والمهاجرة، فقالوا مجيبين له:

نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً

" [رواه البخاري (2834)]رواه البخاري.

وعن أنس أن "رسول الله ﷺ أُفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش" من المهاجرين، "فلما رهقوه" لما أحاط به المشركون، "قال: من يردهم عنا، وله الجنة؟ أو هو رفيقي في الجنة؟ فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضاً، فقال: من يردهم عنا وله الجنة؟ أو هو رفيقي في الجنة؟ فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة" كلهم هذا معنى قولهم: نفيدك بأنفسنا، فداءك لك نفسي وأمي وأبي، طبقوها عملياً، فدوه بأنفسهم، قتل سبعة أمامه ﷺ، "فقال رسول الله ﷺ: ما أنصفنا أصحابنا" [رواه مسلم (1789)]رواه مسلم.

وعن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة قال: "وفدت وفود إلى معاوية، وذلك في رمضان، فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام، فكان أبو هريرة ممن يكثر أن يدعونا إلى رحله، فقلت: أنا أصنع طعاماً، فأدعوهم إلى رحلي، فأمرت بطعام يصنع، ثم لقيت أبا هريرة من العشي، فقلت: الدعوة عندي الليلة، فقال: سبقتني؟ قلت: نعم، فدعوتهم، فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟" القصص تنقل إلى الأجيال التالية ليبقى الحب محفوظاً، ثم ذكر فتح مكة، فقال: "أقبل رسول الله ﷺ حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنِّبتين، وبعث خالداً على المجنِّبة الأخرى من الجيش، وبعث أبا عبيدة على الحُسَّر، فأخذوا بطن الوادي، ورسول الله ﷺ في كتيبة، قال: فنظر فرآني، قال: أبو هريرة، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: لا يأتيني إلا أنصاريُّ، أو قال: اهتف لي بالأنصار، قال: فأطافوا به، ووبشت قريش أوباشاً لها وأتباعاً، فقالوا: نقدم هؤلاء" يقاتلون "فإن كان لهم شي كنا معهم، فإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا" ورضخنا للأمر الواقع، "فقال رسول الله ﷺ: ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم؟ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى، ثم قال: حتى توافوني بالصفا " يعني: أطبقوا عليهم، أجهزوا عليهم، "قال: فانطلقنا، فما شاء أحد منا أن يقتل أحداً إلا قتله، وما أحد منهم يوجه إلينا شيئاً" أخافهم الله فقتل هؤلاء الأوباش، قال: "فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله، أبيحت خضراء قريش" لا قريش بعد اليوم، "ثم قال ﷺ: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، فقالت الأنصار" وهذا موضع الشاهد "فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرة" سيتركنا الآن نرجع إلى المدينة وحدنا، ويجلس في بلده، وقد فتحها، قال أبو هريرة: "وجاء الوحي، وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد منا يرفع طرفه إلى رسول الله ﷺحتى ينقضي الوحي، فلما انقضى الوحي، قال رسول الله ﷺ: يا معشر الأنصار؟قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: قلتم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته قالوا: قد كان ذلك" حصل، "قال: كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم، والممات مماتكم، فأقبلوا إليه يبكون، ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الظن بالله وبرسوله، فقال ﷺ: إن الله ورسوله يصدقانكم، ويعذرانكم" [رواه مسلم (1780)]، فهكذا إذن خشي الأنصار أن النبي ﷺ يتركهم.

وفي رواية: " إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم، قالوا: والله ما قلنا إلا الظن بالله ورسوله، قال: فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم" [رواه أحمد (10565)].

تعظيم الصحابة للنبي الكريم

00:10:43

كيف كانت لهجتهم في خطابه؟ كيف كانت لهجتهم في سؤاله؟ روى مسلم في صحيح عن أبي سعيد الخدري، أخبره أن "وفد عبد القيس لما أتوا النبي ﷺ قالوا: يا نبي الله، جعلنا الله فداءك، ماذا يصلح لنا من الأشربة؟ فقال: لا تشربوا في النقير قالوا: يا نبي الله، جعلنا الله فداءك، أوتدري ما النقير؟ قال: نعم، الجذع ينقر وسطه" [رواه مسلم (18)]الحديث، يسألون بقولهم: "جعلنا الله فداءك".

وعن عبد الله بن مسعود قال: "كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير" من قلة الرواحل والدواب كل ثلاثة على بعير، يمشي واحد، ويركب اثنان جزء من الطريق، وهكذا بالدور تعاقبون كل ثلاثة على بعير، "كان أبو لبابة، وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله ﷺ، وكانت عقبة رسول الله ﷺ" جاء الدور عليه ليمشي ﷺ، "فقالا: نحن نمشي عنك" يا رسول الله، نحن نمشي عنك، أنت اركب نحن نمشي عنك، "فقال: ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما" [رواه أحمد (3891)].

كيف كانوا يفعلون في المعارك في دفاعهم عنه؟ وقد تقدمت قصة، وهذه أخرى، عن أنس قال: "كان أبو طلحة يرمي بين يدي رسول الله ﷺ، وكان رسول الله ﷺ يرفع رأسه من خلفه لينظر إلى مواقع نبله" أين وقعت نبل أبي طلحة الرامي؟ أين وقعت؟ "قال فتطاول أبو طلحة" مد ظهره ورأسه "فتطاول أبو طلحة بصدره يقي به رسول الله ﷺ، وقال: يا رسول الله، نحري دون نحرك" [رواه أحمد (11613)].

وعن أنس قال: "لما كان يوم أحد، وأبو طلحة بين يدي النبي ﷺ مجوب عليه بحجفة" يقيه بالترس "وكان أبو طلحة رجلاً رامياً شديد النزع، وكسر يومئذ قوسين أو ثلاثة، قال: فكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل، فيقول ﷺ: انثرها لأبي طلحة قال: ويشرف نبي الله ﷺ ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي لا تشرف؛ يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك"، "ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة إما مرتين، وإما ثلاثاً" [رواه البخاري (4064)]من النعاس الذي ألقاه الله على المؤمنين طمأنينة وأمناً، "وكان أبو طلحة يسوق نفسه بين يدي رسول الله ﷺ، ويقول: إني جلد يا رسول الله، فوجهني في حوائجك، ومرني بما شئت" [رواه أحمد (13644)]رواه أحمد.

كيف كانوا يتبركون بآثاره ﷺ، والتبرك بها مشروع لما كانت موجودة، والآن لا يعلم له أثر عليه الصلاة والسلام باق، لا من شعرة، ولا من سيف، ولا من جبة، ولذلك لا يجوز التبرك بأي شيء الآن، على عهد ﷺوهو الرجل المبارك- كان التبرك به من علامات الإيمان.

عن أنس قال: "رأيت رسول الله ﷺ والحلاق يحلقه، وأطاف به أصحابه ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل" [رواه مسلم (2325)].

وكذلك لما جاء النبي ﷺ المدينة كيف استقبلوه؟ أحاطوا به من كل جانب، وقالوا له ولصاحبه: "اركبا آمنين مطمئنين، قال: فركب نبي الله ﷺ وأبو بكر، وحفوا حولهما بالسلاح، فقيل بالمدينة: جاء نبي الله" هذه كلمة تكفي لإخراج الناس من البيوت: "جاء نبي الله، فاستشرفوا نبي الله ﷺ ينظرون إليه، ويقولون: جاء نبي الله" خرج الناس من البيوت، لما استقر في نفوسهم الإيمان به ومحبته خرجوا يقولون: جاء نبي الله، خرجت البشارات، وجاءت من كل جانب، والناس في غاية الفرح يقولون ولداناً صبياناً، صغاراً وكباراً: جاء نبي الله، جاء نبي الله، أحاطوا به، وخرجوا إليه ﷺ، ثم نزل عند أبي أيوب، فقال أبو أيوب: "يا نبي الله، هذه داري، وهذا بابي، قال: فانطلق، فهيئ لنا مقيلاً قال: فذهب، فهيأ لهما مقيلاً، ثم جاء، فقال: يا نبي الله، قد هيأت لكما مقيلاً، فقوما على بركة الله" [رواه أحمد (12793)].

نزل النبي ﷺ على أبي أيوب، كان في الأسفل، وأبو أيوب في العلو، فانتبه أبو أيوب ذات ليلة، فقال: "نمشي فوق رأس رسول الله ﷺ؟!" فتحول أبو أيوب وأهله إلى جانب الدور الثاني، إلى الجانب، فتحولوا، "فباتوا في جانب" فلما أصبحا ذكرا ذلك للنبي ﷺ، فقال النبي ﷺ: السفل أرفقبي الناس يأتون إلي، أستقبل الناس، السفل أرفق، أفضل، فقال أبو أيوب: "لا أعلو سقيفة أنت تحتها"، لا أعلو سقيفة أنت تحتها، فتحول أبو أيوب في السفل، والنبي ﷺ في العلو، فكان يصنع طعام النبي ﷺ، فيبعث إليه، "فلما رد إليه" أي الطبق بعدما يأكل ﷺ "سأل عن مواضع أصابع النبي ﷺ" فيتِّبع أثر أصابع النبي ﷺ، فيأكل من حيث أثر أصابعه. [رواه مسلم (2053)]رواه أحمد ومسلم.

ماذا قالوا له لما أراد أن يبني المسجد، واختار أرضاً ليتيمين؟ جاء إلى المكان الذي اختاره عليه الصلاة والسلام، فأرسل إلى ملأ من بني النجار، فقال: يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم  أريد هذا البستان، "قالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله"، لا نأخذ منك شيئاً، "لا نطلب ثمنه إلا إلى الله" [رواه البخاري (428)]رواه البخاري.

إجلال وتبجيل

00:19:24

كيف كانوا يحترمونه، ويوقرونه مما جعل الهيبة له ﷺ في قلوب أعدائه؟ جاء عروة قبل أن يسلم إلى النبي ﷺ في الحديبية، وكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي ﷺ، ومعه السيف، ومعه المغفر، وكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي ﷺ ضرب يده بنصل السيف، لا تصل يد هذا الرجل الذي كان مشركاً للحية النبي ﷺ، وقال: "أخر يدك عن لحية رسول الله ﷺ"، ثم إن عروة جعل يرمق النبي ﷺ بعينه، قال: "فوالله ما تنخم رسول الله ﷺ نخامة إلا في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه" على وضوئه يقتتلون! "وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له"، رأى عروة الصورة، فرجع إلى أصحابه المشركين فقال: "أي قومي، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكاً" يعني: لم أر ملكاً "قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً ﷺ؛ إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له" [رواه البخاري (2734)]رواه البخاري.

وماذا قال عمرو بن العاص، وهو على فراش الموت؟ بكى طويلاً، وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بشرك رسول الله ﷺ بكذا؟ أما بشرك رسول الله ﷺ بكذا؟ كما هي السنة في تحسين الظن للميت عند حضور أجله، قال: فأقبل بوجهه -عمرو بن العاص - فقال: "إن أفضل ما نعد" أي: لهذا الموقف "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، إني كنت على أطباق ثلاث، لقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله ﷺ مني، ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي" بعد موقعة الحديبية "أتيت النبي ﷺ، فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: مالك يا عمرو؟قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يغفر لي" مواقف سابقة في عداوته للدين، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبلهقال عمرو، وهو موضع الشاهد: "وما كان أحد أحب إلي من رسول الله ﷺ، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها" الحديث [رواه مسلم (121)]رواه مسلم.

الخوف عليه والشوق إليه

00:24:31

كيف كانوا في حراسته والمحافظة عليه ﷺ؟ يتفقدونه في الليل، عن أبي موسى أن النبي ﷺ "كان يحرسه أصحابه، فقمت ذات ليلة، فلم أره في منامه" لم أره في مكان نومه "فأخذني ما قدم، وما حدث" ركبه الهم من كل جانب لهذا الصحابي، النبي ﷺ مفقود، "فذهبت أنظر، فإذا أنا بمعاذ قد لقي الذي لقيت، فسمعنا صوتاً مثل هزيز الرحا، فوقفا على مكانهما، فجاء النبي ﷺ من قبل الصوت، فقال: هل تدرون أين كنت؟ وفيم كنت؟ أتاني آت من ربي ، فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، فقالا: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنا في شفاعتك، قال: أنتم ومن مات لا يشرك بالله شيئاً في شفاعتي" [رواه أحمد (19121)]رواه أحمد.

وفي رواية أيضاً عن أبي موسى قال: "غزونا مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره، قال: فعرس بنا رسول الله ﷺ، فانتهيت بعض الليل إلى مناخ رسول الله ﷺ أطلبه فلم أجده، فخرجت بارزاً أطلبه، وإذا رجلاً من أصحاب رسول الله ﷺ يطلب ما أطلب، قال: فبينا نحن كذلك إذ اتجه إلينا رسول الله ﷺ، فقلنا: يا رسول الله، أنت بأرض حرب، ولا نأمن عليك، فلولا إذ بدت لك الحاجة قلت لبعض أصحابك فقام معك" للحراسة والمرافقة، "فقال رسول الله ﷺ: إني سمعت هزيز كهزيز الرحى، وأتاني آتٍ من ربي ، فخيرني..." الحديث، وذكر الشفاعة، "فقالا: يا رسول الله، ادع الله تعالى أن يجعلنا من أهل شفاعتك، قال: فدعا لهما، ثم إنهما نبها أصحاب رسول الله ﷺ، وأخبراهم بقول رسول الله ﷺ"؛ ليشترك الجميع في الخير "قال: فجعلوا يأتونه، ويقولون: يا رسول الله، ادع الله تعالى أن يجعلنا من أهل شفاعتك، فيدعو لهم، فلما أضب عليه القوم وكثروا قال رسول الله ﷺ: إنها لمن مات، وهو يشهد أن لا إله إلا الله" [رواه أحمد (19225)].

كيف كانوا يمشون معه؟ عن أم الحصين قالت: "حججت مع النبي ﷺ حجة الوداع، فرأيت أسامة بن زيد وبلالاً، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي ﷺ، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة" [رواه أحمد (26715)]رواه أحمد.

إذا تذكروا فراقه ﷺ ماذا كانوا يفعلون؟ روى أحمد رحمه الله أن معاذاً لما بعثه النبي ﷺ خرج إلى اليمن، ومعه النبي ﷺ يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله ﷺ يمشي ليوصيه وهو خارج، هذا المسافر، "فلما فرغ قال: يا معاذ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري، فبكى معاذ بن جبل جشعاً لفراق رسول الله ﷺ" [رواه أحمد (21547) ].

لما مات ﷺ كما قال أنس: أظلم من المدينة كل شيء، وما أصيب الناس بمصيبة -وإلى الآن، وإلى قيام الساعة- بمثل المصيبة بموت النبي ﷺ.

رضي الله عنهم

00:29:01

من أجل ذلك رضي الله عن الصحابة؛ لأنهم آزروه، عزَّروه، نصروه، ووقروه، وحموه، وكانوا معه، وصدقوه، وشايعوه ﷺ، نقلوا دينه، نقلوا سنته، حاربوا في سبيل الله لنشر دينه من بعده، ما تركوا الجهاد ولا السيف، فانتشر الإسلام في العالم بهم -صحابة النبي ﷺ، لذلك حتى المسيء منهم مغفور له إن شاء الله، ويدل على ذلك هذا الحديث العجيب، عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي ﷺ وكان في مكة-، "فقال: يا رسول الله، هل لك في حصن حصين ومنعة؟ قال: حصن كان لدوس في الجاهلية"، ودوس استجابوا للدعوة، استجابوا للطفيل، الطفيل يعرض على النبي ﷺ أن يأتي إلى حصن حصين ومنعة، فأبى ذلك النبي ﷺ للذي ادخر الله للأنصار؛ لأن الله كان يعدها لأهل المدينة، أعدها للأنصار، والنبي ﷺ لم يكن ليتحرك إلا بأمر من ربه، "فلما هاجر النبي ﷺهاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة"، وسكنوا فيها، "فمرض" هذا الرجل الدوسي، مرض المهاجر إلى الرسول ﷺ، "فجزع"، فأخطأ ، ارتكب خطأً كبيراً، "فأخذ مشاقص" هذا الرجل -ولعله حديث عهد بالإسلام- جاء مهاجراً، ولم يكن عندهم بعد مزيد علم وفقه؛ لأجل أنهم كانوا بعيدين عن النبي ﷺ، جاء أهل دوس، ومعهم أبو هريرة ما كانوا تعلموا شيئاً كثيراً، جاؤوا إلى النبي ﷺ، أول ما نزل الرجل أصيب بهذا المرض جزع، ولم يتحمل، "فأخذ مشاقص" هذا السن العريض النصل الحاد "فقطع بها براجمه" معاقد الأصابع "فشخبت يداه حتى مات"، مات يعني ماذا؟ يعني انتحاراً، "فرآه الطفيل بن عمرو في منامه"، فرآه "وهيأته حسنة، ورآه مغطياً يديه، فقال له: ما صنع بك ربك، فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه ﷺ" غفر لي هذا الذنب العظيم، "غفر لي بهجرتي إلى نبيه ﷺ، فقال: مالي أراك مغطياً يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت"، لكن يبقى الانتحار له عاقبة، "لن نصلح منك ما أفسدت" أنت أفسدت يديك "لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: وليديه فاغفر" [رواه مسلم (116)] يطلب من الله تعالى المغفرة ليدي هذا الرجل، روى الحديث الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه.

نسأل الله أن يرضى عنهم، اللهم اجعلنا من أتباع رسولك ﷺ، ومن المنافحين عنه، وعن سنته، اللهم اجعلنا من محبيه وأتباعه يا رب العالمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:33:20

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن الله ولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا هو رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً رسوله ﷺ الصادق الوعد الأمين، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وأزواجه وذريته، وآل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

واجبنا تجاه النبي الكريم

00:34:05

عباد الله: والآن في هذا الزمان وجدنا والنبي ﷺ ميت، فماذا نفعل؟ ماذا نفعل؟ ماذا نفعل لكي نقوم بحقه؟ ماذا يجب علينا؟ أولاً: الإيمان به ﷺ، وبرسالته، عندما يقول الواحد منا: أشهد أن محمداً رسول الله، لا بد أن يعني ذلك بقلبه. ثانياً: الشوق إليه ﷺ، الاشتياق إلى لُقياه، ولذلك أخبر ﷺ عن قوم يأتون في آخر الزمان يود الواحد منهم لو أنه فقد أهله وماله بمقابل -بثمن- أن يرى النبي ﷺ، ولو فقد أهله وماله، عن عائشة قالت: "جاء رجل إلى النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله، إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإن لأكون في البيت فأذكرك؛ فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك

ماذا يجب علينا؟

أولاً: الإيمان به ﷺ، وبرسالته، عندما يقول الواحد منا: أشهد أن محمداً رسول الله، لا بد أن يعني ذلك بقلبه.

ثانياً: الشوق إليه ﷺ، الاشتياق إلى لُقياه، ولذلك أخبر ﷺ عن قوم يأتون في آخر الزمان يود الواحد منهم لو أنه فقد أهله وماله بمقابل -بثمن- أن يرى النبي ﷺ، ولو فقد أهله وماله، عن عائشة قالت: "جاء رجل إلى النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله، إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإن لأكون في البيت فأذكرك؛ فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك، فلم يرد عليه النبي ﷺ شيئاً حتى نزل جبريل بهذه الآية: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ"، وهذه التي كان يريدها الرجل "مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ۝ ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ سورة النساء:69-70" [رواه الطبراني في الأوسط (477)].

الشوق إلى لقيا النبي ﷺ، ولذلك كان بلال يقول لزوجته لما قالت: "يا ويلاه" وبلال يحتضر، "قال: غداً نلقى الأحبة، محمداً وصحبه"؛ لأن لقاء الأرواح بعد الموت ثابت، يلقى أهل الإيمان بعضهم بعضاً.

يجب علينا احترامه ﷺ، يجب علينا توقيره، يجب علينا الدفاع عنه وعن سنته ﷺ، يجب علينا تعظيم قدره، رعاية حرمة جنابه، سماع حديثه، الحرص على الدليل من حديثه ﷺ، محبة الحديث النبوي، محبة السنة، تطبيق السنة في كل شيء، في المظهر والمخبر، تطبيق السنة في اللحية والثوب والسواك، مظهراً وغير ذلك، وفي القلب أيضاً إجلالاً لله، وتوقيراً للدين، وعملاً به، وتسليماً للسنة، وانقياداً للسنة، واتباعاً للسنة، التسليم: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَيا محمد ﷺ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًاسورة النساء:65، لا بد أن نسلم تماماً، لا اعتراض على حديث واحد صحيح، لا نعترض عليه بعقولنا، لا نقدم عقولنا عليه، لا نقول: كيف هذا؟ ولا يمكن، ومستحيل، ومخالف للعقل.

وكلما ذُكر نصلي عليه ﷺ، ونصلي عليه بالذات في يوم الجمعة؛ لأن الصلاة عليه عظيمة في هذا اليوم، ولا نكتب: صلعم، ولا: (ص) بين قوسين، ونكتب ﷺ كاملة، وننطق بها بكامل حروفها، لا نرفع صوتنا فوق حديثه إذا قرء حديثه في مجلس.

حصب عمر رجلاً، فالتفت الرجل، فقال: ائتني بهذين الرجلين، جاء بهما، قال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً؛ ترفعان الصوت في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، وانظر إليهم الآن يتدافعون ويتصايحون، إذا جاء موعد حضور النساء إلى الروضة.

نود لو أننا فدينا النبي ﷺ بأنفسنا وآبائنا وأولادنا، نحكم شريعته وسنته، لا نغلو به، ولا نعمل البدع، ولا الموالد؛ لأنه ﷺ لا يحبها، ولم يفعلها، ولا أقرها، ولا فعلها أصحابه، ولا نسلك سبيل أهل البدع، ولا نستغيث به بعد موته، ولا نناديه فيه قبره، ولا نتمسح بشباك قبره، وإنما نقف عند دينه، عند سنته، عند الأحكام التي جاء بها، إذا كنا نعظم رسول الله حقاً.

وعندما يكتب اليهود ويسخرون أو غيرهم من الكفرة والمجرمين يجب أن تغلي الدماء في نفوسنا، في أجسادنا غيرة على النبي ﷺ، وهكذا دائماً دأب المسلم إن كان صادقاً.

اللهم اجعلنا من أهل شفاعته، اللهم اجعلنا من أهل سنته، اللهم اجعلنا من المحكمين لشريعته، اللهم اجعلنا من الصادقين في محبته، اللهم اجعلنا من المقيمين لدينه، اللهم اجعلنا من المجاهدين في سبيل إحياء شريعته ونشرها في العالمين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه البخاري (2834)
2 - رواه مسلم (1789)
3 - رواه مسلم (1780)
4 - رواه أحمد (10565)
5 - رواه مسلم (18)
6 - رواه أحمد (3891)
7 - رواه أحمد (11613)
8 - رواه البخاري (4064)
9 - رواه أحمد (13644)
10 - رواه مسلم (2325)
11 - رواه أحمد (12793)
12 - رواه مسلم (2053)
13 - رواه البخاري (428)
14 - رواه البخاري (2734)
15 - رواه مسلم (121)
16 - رواه أحمد (19121)
17 - رواه أحمد (19225)
18 - رواه أحمد (26715)
19 - رواه أحمد (21547)
20 - رواه مسلم (116) 
21 - رواه الطبراني في الأوسط (477)