الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
مراعاة المشاعر من القيم التي حثت الشريعة عليها
عباد الله: لقد شرع الله لنا ديناً قيماً، قيماً في العقيدة؛ عقيدة التوحيد، وفي العبادة التي نعبد الله -تعالى- بها، وفي المعاملات والأخلاق التي يخالق بها بعضنا بعضاً.
وتجد نصوص القرآن والسنة متضافرة في الأمر بالتلطف وحسن المعاملة ولين الجانب للآخرين، يقول سبحانه آمراً عباده بانتقاء الألفاظ عند الكلام مع الناس: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً البقرة: من الآية83 وفي موضع آخر يحثهم -سبحانه- على اختيار الأحسن من الكلام فيقول: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فلم يأمر بالحسن فقط ، وإنما قال الأحسن، وهي مرتبة أسمى من الحسن، وهذا الأمر بالإحسان في المعاملة يشمل الأقوال والأفعال، ولا يختلف اثنان في أثر هذه المعاملة الحميدة على الآخرين، فهي تجمع القلوب على الإنسان، وتجذب إليه نفوس الناس.
يوسف يراعي مشاعر أخوته
ويوسف لما جاءه إخوته بعد أن ولاه الله -تعالى- الأمور، وصاروا في قبضته وبين يديه، وجلب أبويه إليه، قال: أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ يوسف: من الآية100ولم يقل: من الجب؛ لئلا يحرج إخوته الذين ألقوه فيه، مع أن إلقاءه في الجب أخطر من وضعه في السجن؛ وذلك لأن الإلقاء في الجب تعريض للموت والهلاك. وقال: مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي يوسف: من الآية100ولم يقل: من بعد أن فعلوا بي كذا وكذا، فألقى الملامة على الشيطان ونسبها إليه، ولم ينسبها لإخوته، وإن كانوا هم من باشر ذلك الأمر؛ كل ذلك مراعاة لهم. وقال: وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ يوسف: من الآية100يعني: من البادية، ولم يقل: وجاء بكم من المجاعة والنصب ونحو ذلك؛ لئلا يظهر منته عليهم في وجوههم، وكل ذلك من أخلاق الأنبياء في انتقاء الكلام، فهي ثمرات وأطايب تنتقى.
من نصوص الشريعة في الحث على هذه الخصلة
وكذلك فإن الشرع قد نهانا أن يتناجى اثنان دون الثالث، إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الثالث؛ من أجل أن ذلك يحزنه[رواه البخاري برقم (5816)، ومسلم برقم (4053)] فقد يظن أنهما يتآمران عليه، أو يكون في هذا شيء من الاحتقار له كونه دون مستوى الكلام؛ ولذلك لم يشركانه فيه ونحو هذا، وهذا الحكم يشمل خمسة دون السادس، وتسعة دون العاشر، بل كلما زاد عدد المنفردين بالكلام عن واحد في المجلس كان ذلك أشد في الحكم والإيذاء وبالتالي النهي، ويدخل في هذا أن يتكلم اثنان بلغة أجنبية لا يفهمها الثالث، وليس في المجلس أحد آخر، فهذا في حكم التناجي وهو من الشيطان لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا المجادلة: من الآية10، فمراعاة لشعور هذا الثالث لا يتناجى اثنان دونه.
وهكذا جاء النهي عن إقامة الرجل للرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، كما جاء من حديث ابن عمر أن النبي ﷺ قال: لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه، ثم يجلس فيه[رواه البخاري برقم (5798)، ومسلم بلفظ: لا يقيمن أحدكم الرجل...برقم (4043)]؛ مراعاة لشعور من سبق إلى المكان، لكونه صاحب حق بسبقه، ولذلك فإن في إقامته إيذاء، وهذا يشمل إن قام من مكانه لحاجة يسيرة كما إذا ترك مكانه مثلاً يوم الجمعة ليتوضأ أو ليقضي غرضاً يسيراً فإنه لا يجوز أخذ مكانه، فإن طال الغياب سقط الحق، والسابق بعد ذلك إلى المكان أحق به، والمشروع في مثل هذه الحالة التفاسح في المجلس أو المكان عملاً بقوله ﷺ: ولكن أفسحوا[رواه أحمد برقم : (8108)، قال الأرنؤوط: إسناده حسن]. وأيضاً: فقد جاء النهي عن الدخول بين اثنين إلا بإذنهما قال ﷺ: لا يحل للرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما [رواه الترمذي برقم (2676)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7656)]؛ مراعاة لمشاعرهما فقد يكون بينهما من الخصوصية ما يؤذيهما إذا دخل أحد بينهما.
عباد الله: إن إكرام ذي الشيبة المسلم من الإسلام، وفي هذا مراعاة لمشاعر هذا المسن، وأن ضعفه مجبور من إخوانه بتوقيره واحترامه ممن هو دونه، إن إكرام ذي الشيبة المسلم من الإسلام، وفي هذا مراعاة لمشاعر هذا المسن، وأن ضعفه مجبور من إخوانه بتوقيره واحترامه ممن هو دونه، قال ﷺ: ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا[رواه الترمذي برقم (1842)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5445)]، ومن مظاهر هذا التوقير ما ورد في السنة: كبر، كبر [رواه البخاري برقم (2937)، ومسلم برقم (3160)] ففي الكلام يقدم الكبير، وفي المناولة يقدم الكبير، وهكذا، ولذلك إذا استوت المزايا بين المتقدمين للإمامة، فإنهم في النهاية يلجؤون إلى فاصل السن: فأكبرهم سناً [رواه الترمذي برقم (218)، وصححه الألباني في سنن الترمذي برقم (235)]. عباد الله
جاء رجل من أصحاب النبي ﷺ إلى النبي ﷺ بصيد صاده له، والنبي ﷺ محرم، فلم يأخذه منه ورده عليه، فوجد الرجل في نفسه، فقال ﷺ: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم [رواه البخاري برقم (2937)، ومسلم برقم (3160)]، فالمحرم لا يجوز له أن يصيد، ولا يجوز له أن يأكل ما صيد لأجله.
فالشاهد من القصة: أن النبي ﷺ لما رد الهدية ولم يكن من عادته ردها، بين السبب؛ كل ذلك جبراً لنفسية الشخص، ومراعاة لشعوره.
مراعاة المقامات والأحوال من الدين حتى حال الإنكار
مراعاة المقامات والأحوال من الدين، ومن هذا الباب: فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا الأحزاب: من الآية53؛ حتى لا يؤذى أصحاب البيت بطول مكث الضيوف عندهم، وهذا الآية نزلت في بناء النبي ﷺ بزينب، وذلك أنه لما أطعمهم جلس بعض القوم بعد العشاء، فتهيأ النبي ﷺ للقيام؛ ليشعرهم بإرادته مغادرتهم، فلم يفطنوا ولم يقوموا، فتهيأ للقيام مرة أخرى فلم يفطنوا ولم يقوموا، فنزل قول الله : إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ الأحزاب: من الآية53. ومن مراعاة حال صاحب المنزل ومقامه أن الإنسان لا يتصدر في مجلسه إلا بإذنه، ولا يتقدمه في الإمامة أيضاً إلا بإذنه كما قال ﷺ: لا يقعد على تكرمته إلا بإذنه، ولا يؤم الرجل في سلطانه إلا بإذنه[رواه مسلم برقم (1078)]، فهو الذي يكون إماماً إذا كان أهلاً للإمامة، ولو كان بعض الزوار أفضل أو أحفظ إلا إذا أذن لهم.
وكذلك فقد جاء في حق الضيافة أنها ثلاثة أيام، فما كان بعد ذلك فهو صدقة، قال في الحديث: ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه [رواه البخاري برقم (5670)]، فلا يجوز أن يبقى بعد الثلاثة ويضيق على أخيه.
ونجد أن هذه المراعاة للنفوس حتى في حال إنكار المنكر، كما إذا كان الرجل من أهل الجفاء والجهل فإنه يراعى في حال نصحه جهله، ولكن لا يترك تعليمه، فلما جاء ذلك الأعرابي فبال في طرف المسجد، فقام الصحابة يوبخونه أمرهم النبي ﷺ بتركه، ماذا قال له بعد ذلك؟: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، وإنما هي لذكر الله ، والصلاة، وقراءة القرآن[رواه مسلم برقم (429)]، لما فقه الأعرابي بعد ذلك وتعلم، وجلس بين الصحابة وروى القصة قال في القصة: "فلم يؤنب ولم يسب"[رواه ابن ماجه برقم (522)، قال الألباني: حسن صحيح] الأمر في الظاهر منكر عظيم، لكنه ﷺ لم يترك المنكر، بل تعامل معه بالحكمة فوعظ الرجل وعلمه ونبهه بالأسلوب المناسب له، ولك أن تتصور لو هاجم الصحابة هذا الأعرابي حال بوله، لأدى ذلك إلى منكر أكبر، بانتشار البول في مكان أوسع إذا هرب وترك مكانه، فالمقصود أن المنكر لا يترك، ولكن يعالج بالأسلوب الأمثل الذي لا يؤدي إلى إحداث منكر أكبر منه.
ومن اللطائف التي كانت لسلفنا في مراعاة الناس عندما يتركون أمراً واجباً أو مستحباً: أن رجلاً عطس في مجلس ابن المبارك -رحمه الله-، وابن المبارك من أئمة العلم والزهد والفقه والجهاد والصدقات والفقه، فلم يحمد الله، فقال له عبد الله بن المبارك:"ماذا يقول الرجل إذا عطس؟. فقال: الحمد لله. قال: يرحمك الله"[حلية الأولياء (8/170)]. .
مراعاة مشاعر أصحاب العاهات
وقد جاء في الحديث: لا تحدوا النظر إلى المجذومين[رواه ابن ماجه برقم (3533)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7269)] مراعاة لحاله ونفسيته فقد يتأذى من إحداد النظر إليه، فينبغي صرف النظر وعدم تكراره، وعندما شرح العلماء الذكر الذي يقال في رؤية المبتلى: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً[رواه الترمذي برقم (3354)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (555)] قالوا: إنه لا يجهر به، ويخفيه عن المبتلى؛ لئلا يتأذى من ذلك، وذكروا حالة يجهر فيها وهو: إذا مر بمبتلى في الدين -مجاهر بالمعصية-، فإنه يجهر به أمامه؛ زجراً له وردعاً وتأثيراً.
وقد نهانا النبي ﷺ عن الضحك مما يخرج من الإنسان، يعني: من هذه الريح، وأرشد من حدث له في صلاته شيء أن يأخذ بأنفه ثم لينصرف، جاء في الحديث: إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه، ثم لينصرف [رواه أبو داود برقم (940)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (286)]؛ كل ذلك مراعاة للنفوس.
مراعاة النبي ﷺ للمشاعر
ومن عجائب المراعاة للأطفال ونفسياتهم أن النبي ﷺ سجد مرة في الصلاة سجدة أطال فيها، فقلق بعض الصحابة فرفع رأسه فإذا النبيﷺ ساجد وفوقه حفيده، فلما انصرفوا من الصلاة قال بعض الصحابة للنبيﷺ: حدث شيء، أوحي إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله؛ حتى يقضي حاجته[رواه النسائي برقم (1129)، وصححه الألباني]، وتتعدى مراعاته لمشاعر الطفل إلى أمه أيضاً وذلك قوله ﷺ لأصحابه: إني لأدخل في الصلاة وأريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه عليه[رواه البخاري برقم (668)، ومسلم برقم (723)]، فهو يريد أن يطيل الصلاة، فيسمع صراخ طفل باكياً، فيقصّر النبي ﷺ من صلاته؛ مما يعلم من وجد أمه عليه، وعاطفتها، ورحمتها له، وهذا من مراعاته ﷺ للأم وطفلها.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في شريعتك من المتفقهين، وبسنة نبيك من الآخذين، أحينا عليها يا أرحم الراحمين، وأمتنا عليها يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً يليق بجلاله وعظمته، وأشهد أن لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله، وذريته الطيبين، وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أشهد أنه رسول الله حقاً، والداعي إلى سبيله صدقاً، فصلوات الله عليه وسلامه التامين الأكملين.. أما بعد:
مشاعر لا بد أن تراعى
عباد الله: إن من المراعاة المطلوبة مراعاة مشاعر أصحاب المهن النازلة، ومنهم المستخدمون، قال ﷺ: إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين، فإنه ولي علاجه[رواه البخاري برقم (2370)] يعني: علاج الطعام في الطبخ، وفي رواية: فإنه ولي حره ودخانه [رواه البخاري برقم (5039)]، فهذا الطباخ وهذا الخادم الذي تولى صنع الطعام، وعالج إصلاحه، ربما تهفو نفسه إلى الأكل منه وتتوق إلى ذلك، فإن أمكن أن يجلسه معه على مائدة واحدة فذاك، وإلا فيقدم له منه مراعاة لحاله.
وحتى الذي يقام عليه الحد يراعى حاله، فقد جيء للنبي ﷺ برجل سَكِر فأمر بجلده، -وهذا حد الله لا بد منه، ومعلوم ما في إقامة حدود الله من بركة عظيمة، ومجلبة للخير، وإن رغم أنف الحاقدين من الغربيين والشرقيين- قال ﷺ: حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً [رواه ابن ماجه برقم (2529)، قال الألباني: حسن لغيره "صحيح الترغيب والترهيب"]، لكن هذا الرجل الذي جيء به لما قام بعض الصحابة لجلده قال: "أخزاه الله" [رواه البخاري برقم (6283)]، وفي حديث آخر: "لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به.." [رواه البخاري برقم (6282)]، فنهاهم النبي ﷺ عن ذلك، وأخبر أن الحدود كفارة لأهلها، فإذا كان الحد تطهيراً، فلماذا يسب المحدود ويشتم؟، وحتى في حديث جلد الأمة الزانية، أمر بجلدها يعني: سيدها يجلدها، ولكن قال: ولا يثرب [رواه البخاري برقم (2008)، ومسلم برقم (3215)] يعنى: لا يقرع ويوبخ.
ومن اللطائف التي ذكرها أهل العلم في قضية تعليل النهي في حديث: لا تسبوا الأموات، ما أوردوه في علة النهي من تكملة الرواية التي جاءت: فتؤذوا الأحياء، [رواه الترمذي برقم (1905)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم(7312)]، فربما يكون الميت يستحق السب، لما فيه من البلايا والطامات، لكن ينبغي السكوت عن ذكر مساوئه والنيل منه، وذلك لأنه قد أفضى إلى ربه، والله حسيبه ويتولاه هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ لأجل قريبه الحي لا تسبوا الأموات، فتؤذوا الأحياء. وانظر إلى مراعاة الشرع لمشاعر البنت أو المرأة عند الزواج، قال: لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟" [رواه البخاري برقم (4741) ومسلم برقم (2543)] كانت البكر لها خدر في زمن النبي ﷺ وحتى في زمن العرب، وهذا الخدر داخل الغرفة، داخل البيت، فهي لا تخرج أصلاً، أو يقل خروجها، فلما قال لهم: لا تنكح البكر حتى تستأذن . قالوا: يا رسول الله كيف أذنها؟" هي غير متعودة على الكلام أبداً أمام الأجانب، قال: أن تسكت، فراعى حياءها، واكتفى بالسكوت في الموافقة، ولو أرادت الاعتراض لتكلمت، هذا من تربيتهم للبكر في ذلك الوقت.
وقد يتألم المسلم وهو يرى ماذا يحدث اليوم في مدارس البنات وفي الكليات من الجراءة على الله، وقلة الحياء!، وهذا بسبب الانفتاح الذي أضر بالدين والخلق، وأتى على الحشمة والعفاف فجرّد بعض بناتنا منه، ولذلك لا بد من العودة بتربية البنات إلى نهج السلف الأول، وأن يكون هنالك صيانة بالغة للحياء، ومحافظة على عفاف بنات المسلمين، قبل أن ينخرط العقد، ويصعب الردم، ويتسع الخرق على الراقع.
مراعاة أحوال الناس في تطبيق السنن
وأيضاً فإن من المراعاة للمشاعر ما يكون من مراعاة المأمومين لحال إمامهم في عدم الاعتراض عليه إذا طبق بهم السنة، وقد لا يكون عند بعضهم علم بها، وهو عليه أن يراعي أحوالهم عند قيامه بأعمال الصلاة، وأحياناً تكون الموازنة فيها صعوبة، فمثلاً: يراعي حال الداخل وقت ركوعه فهو يطيل شيئاً ما ليدرك الداخل الركعة؛ مراعاة له، ولا يزيد في الإطالة؛ مراعاة لحال المأمومين.
وينبغي للإمام أيضاً أن يراعي في تطبيقه للسنة المأمومين؛ والبعض قد يطيل في موضع ليس من السنة الإطالة فيه أصلاً مثل أن يستمر في دعاء التراويح أكثر من أربعين دقيقة، ومعلوم أن هذا ليس من السنة في شيء، فلم يرد في السنة دعاء التراويح بهذا الطول، بل إن بعض أهل العلم لا يرى أصلاً الدعاء في كل ركعة وتر، وربما أرشد بعض أهل العلم إلى تركه أحياناً؛ قالوا: ليعلم الناس أن الدعاء في ركعة الوتر ليس واجباً. قالت عجوز: صليت وراء إمام أطال في الدعاء جداً، فصار يدعو، وأنا أدعو أن يفرغ، بسبب المشقة الحاصلة.
فالمهم والخلاصة أن هذا الباب -وهو مراعاة أحوال الناس بعضهم لبعض- من الدين، ومن الخلق العظيم، فينبغي المحافظة على ذلك، وهو من كمال شريعتنا.
مراعاة أحوال الناس بعضهم لبعض- من الدين، ومن الخلق العظيم، فينبغي المحافظة على ذلك، وهو من كمال شريعتنا.
نسأل الله أن يجعلنا أجمعين من المغفور لهم، اللهم لا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي مشكور، وتجارة لا تبور، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اللهم إنا نسألك رحمة تلم بها شعثنا، وتجمع بها على الحق كلمتنا، وتقضي بها ديوننا، وترحم بها موتانا، وتبرئ بها مرضانا، وتهدي بها ضالنا، وترد بها غائبنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، اغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا وأخواتنا من المسلمين والمسلمات يا أرحم الراحمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.