السبت 22 جمادى الأولى 1446 هـ :: 23 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أين المحافظة على الأعراض؟


عناصر المادة
الخطبة الأولى
حفظ العرض من مقاصد الشريعة
مفاسد تضييع العرض
إجراءات لحفظ النسل والنسب
الخطبة الثانية
حكم الإجهاض في الشريعة
كلكم راع

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

حفظ العرض من مقاصد الشريعة

00:00:31

فإن من حق هذه الشريعة علينا -يا عباد الله- أن نفهمها، ومن فهْمِها معرفة مقاصدها، ومن مقاصدها حفظ الضرورات التي جاءت بها الشريعة لصلاح الناس في معاشهم ومعادهم، حفظ الضرورات الخمس وهي: الدين والنفس، والعقل والمال والنسب التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فُقدت لم تستقم مصالح الدنيا بل صارت إلى فساد وتهارج، وكذلك تفوت الحياة الأخروية بفوات النجاة والنعيم، وحصول الخسران المبين، نتيجة اختلال حفظ هذه الضرورات، لقد ذكرها ربنا وأشار إليها كما في آيات الوصايا العشر، وهي ثلاث آيات في سورة الأنعام المبدوءة بقوله تعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ سورة الأنعام:151، ثم قال سبحانه: وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّسورة الأنعام:151، ثم قال سبحانه: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِسورة الأنعام:152، هذه الآيات فيها إشارة إلى العناية بالضروريات، ففي حفظ الدين قوله أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًاسورة الأنعام:151، وفي قوله: وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ سورة الأنعام:153، وحفظ النفس في قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ سورة الأنعام:151، وفي قوله: وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّسورة الأنعام:151، وحفظ النسل في قوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَسورة الأنعام:151، وفي حفظ المال قوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُسورة الأنعام:152، وفي قوله: وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ سورة الأنعام:152.

وحفظ العقل لا يمكن أن تقوم الأمور الأخرى إلا به، فلا يقوم بها فاسد العقل، فحصلت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ سورة الأنعام:151، وقد جاءت آيات أخرى فيها ذكر هذه الضرورات التي لا بد من حفظها، وأشارت الشريعة إلى ذلك في أحكام كثيرة في القرآن والسنة، ونريد أن نستعرض شيئاً مما جاءت به الشريعة في حفظ النسل، أو حفظ النسب.

مفاسد تضييع العرض

00:03:42

إن هذه المسألة مسألة خطيرة جداً؛ لأن البضع -وهو الفرج- مقصود حفظه في الشريعة؛ لأن في التزاحم عليه اختلاط الأنساب، وتلطيخ الفراش، وانقطاع تعاهد الأولاد، والتوثب على الفروج والتغلب، وهذه مجلبة للفساد والتقاتل؛ ولذلك جاءت الشريعة بحفظ الفرج، وحفظ النسل، جاءت الشريعة بحفظهما لأجل أهميتهما، وما يترتب على حفظهما من المصالح العظيمة، وما يترتب على الإخلال بحفظهما من المفاسد العظيمة، وحفظ النسب مكمل لحفظ النسل؛ لأن حفظ النسل يؤدي إلى بقاء الكيان الإنساني، وحفظ النسب يؤدي إلى الاهتمام بالإنسان، فكل منهما مكمل للآخر.

ومن المفاسد التي تحصل بعدم حفظهما:

أولاً: انتهاك الأعراض، وما يجر ذلك من التقاتل.

وثانياً: اختلاط الأنساب.

وثالثاً: قطع النسل.

ورابعاً: انتشار الفساد الخُلقي.

وخامساً: نزول المصائب، وحلول الكوارث والمحن.

ولو لم يرد في سوء إهمال حفظ النسل إلا قوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاًسورة الإسراء:32 لكان ذلك كافياً، كيف لا وقد قرنه بالشرك والقتل في قوله وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَسورة الفرقان:68، وأوجب الرجم في الزاني المحصن، وهو الموت.

وميز حد الزنا عموماً بثلاثة أمور:

أولاً: القتل فيه بأبشع القتلات، إذ لا توجد قتلة في حد شرعي أشنع من قتل إنسان بالحجارة، حجراً بحجر حتى يموت، جمعاً للعقوبة على البدن بالجَلد أو الرَّجم، وعلى القلب بتغريب الزاني عن وطنه سنة كما جاء في السنة.

والثاني: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه بحيث تمنعهم عن إقامة الحد.

والثالث: أنه أمر أن يكون تطبيق الحد بمشهد من المؤمنين، فلا يكون في خلوة بحيث لا يراهما أحد، لماذا هذه الفضيحة؟ للمبالغة في الزجر عن هذا الفعل.

وليس المقصود بحفظ الفرج في الشريعة حفظه من الزنا فقط، بل حفظه من أي شيء غير سوي، وأي انحراف كاللواط والسِّحاق والاستمناء، وغير ذلك من الأمور التي لا يرضاها خلق مستقيم، ولا فطرة سليمة.

قال ابن القيم رحمه الله: فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين -أي الزنا واللواط-، ولهما خاصية في تبعيد القلب عن الله ، فإنهما من أعظم الخبائث، وقال: "ومفسدة الزنا مناقضة لصلاح العالم، فليس بعد مفسدة القتل أعظم من مفسدته، ولذلك شُرع فيه القتل على أشنع الوجوه وأفحشها وأصعبها، ولو بلغ العبد أن امرأته قُتلت كان أسهل عليه من أن يبلغها أنها زنت..." إلى أن قال رحمه الله: "وظهور الزنا من أمارات خراب العالم، وهو من أشراط الساعة"، وما من أمة يظهر فيها الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله، وهذا آت ولا ريب على تلك الأمم التي شاعت فيها الفاحشة من رأسها إلى أخمص قدميها، والتفكك والتفتت والتقاتل حال بهم ولا ريب، كيف وقد استمرؤوه، وظهر فيهم في الكبير والصغير؟.

إجراءات لحفظ النسل والنسب

00:08:40

وقد شرعت الشريعة الإسلامية إجراءات متعددة لحفظ النسل، وحفظ الفرج، وحفظ النسب، ومن ذلك تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية، إجراءات احترازية قبل وقوع الجريمة، وإجراءات معها، وإجراءات بعدها، وتحريم الخلوة بالأجنبية، وتحريم الزنا، وتحريم اللواط، وفي المقابل شرع النكاح، وتحريم كل ما يؤدي إلى وقوع الفاحشة، وحفظ النسل من الركائز الأساسية في الحياة، ومن أسباب عمارة الأرض، وفيه تكمن قوة الأمم، وبه تكون مرهوبة الجانب، والإسلام قد عني بحماية النسل، ودعا إلى تكثيره من وجهين:

الأول: الحث على ما يحصل به استمرار النسل وبقاؤه وتكاثره.

والثاني: منع ما يقطع النسل بالكلية، أو يقلله، أو يعدمه بعد وجوده.

فأما بالنسبة للأول فقد جاءت الشريعة لتحقيقه بالحث على النكاح، والترغيب فيه، وجاءت النصوص الشرعية بذلك، قال وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَسورة النساء:3، وهذا ولا شك أمر ترغيب في قوله: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء، وكذلك قال ﷺ: تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة[رواه أبو داود (2050)] الولود من عرف عنها كثرة الولد، إن كانت ثيباً بسابقتها، وإن كانت بكراً فمن حال أقاربها كأمها وعماتها وخالاتها.

وقد حث النبي ﷺ على نكاح الأبكار، ومن أسباب ذلك قال: فإنهن أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً [رواه ابن ماجه (1861)]، ومعنى:أنتق أرحاماً أي: أكثر أولاداً؛ لأنها شابة ونشيطة، وقوية على المواصلة في الإنجاب، وقال ﷺ: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج [رواه البخاري (5065)، ومسلم (1400)]، وقد ذكر العلماء حالات يجب فيها النكاح، ومنها إذا وقع في الحرام أو كاد أن يقع فيه، أو خشي على نفسه العنت يجب عليه النكاح، فانظر إلى هذه الشريعة التي حثت على النكاح، ونكاح الولود بالذات، وأباحت التعدد، كل ذلك لأجل المحافظة على استمرار النسل، والله خلق البشرية وهو أعلم بما يصلحها.

ثم للمحافظة على النسل، وعدم ذهابه، أو تقليله منعت الشريعة ترك النكاح، ومنع الحمل بالكلية، والإجهاض بعد حدوث الحمل، ويترك الإنسان النكاح لأسباب كثيرة منها:

أولاً: التبتل، وزعم الانقطاع للعبادة.

وثانياً: عدم القدرة البدنية أو المالية.

وثالثاً: لأن عنده طريق أخرى يسلكها لتصريف شهوته بالحرام.

فأما بالنسبة للأولى فإن النبي ﷺ أعدها بدعة، والذي قال من الصحابة: لا أتزوج النساء، قال له مجيباً: من رغب عن سنتي فليس مني[رواه البخاري (5063)، ومسلم (1401)]، ورد النبي ﷺ على عثمان بن مظعون لما استأذنه في التبتل والاختصاء قال الراوي: "ولو أذن لنا لاختصينا"، فنهت الشريعة إذن عن قطع سبيل الإنجاب ووسيلته وآلته لتحقيق تكثير النسل، قال ابن حجر رحمه الله: والحكمة في منعهم من الاختصاء أرادة تكثير النسل ليستمر جهاد الكفار، وإلا لو أذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه، فينقطع النسل، فيقل المسلمون بانقطاعه، ويكثر الكفار، فهذا خلاف المقصود من البعثة المحمدية.

إذا رأيت شاباً قادراً على الزواج تأخرت به السن، ولم يتزوج، وهو قادر ليس هناك مانع، فما هو السبب؟ لا يمنعه إلا عجز عن الوطء، وهذا عيب، أو فجور؛ ولذلك تأخر به النكاح.

وقد أنكر السلف على من ترك النكاح، وقال طاووس لرجل: لتنكحن، أو لأقولن لك ما قال عمر، ماذا قال عمر؟ ما يمنعك من النكاح إلا عجز، أو فجور، إذا رأيت شاباً قادراً على الزواج تأخرت به السن، ولم يتزوج، وهو قادر ليس هناك مانع، فما هو السبب؟ لا يمنعه إلا عجز عن الوطء، وهذا عيب، أو فجور؛ ولذلك تأخر به النكاح.

وقال الإمام أحمد: ليست العُزبة من أمر الإسلام في شيء، والنكاح أفضل من التخلي للنوافل كما ذكر أهل العلم رحمهم الله، والنبي ﷺ قد تزوج، وعدد، وفعل ذلك أصحابه، ولا يشتغل النبي ﷺ وأصحابه إلا بالأفضل، ولا تجتمع الصحابة على ترك الأفضل والاشتغال بالأدنى.

يا عباد الله: إن ترك النكاح ليس من أمر الإسلام، وأما تركه لعدم القدرة البدنية، فقال بعض العلماء بوجاهته، كما إذا كان به مرض ولا شهوة له، أو كبير السن طاعن لا همة له في النكاح ولا حاجة، فلو تركه فلا يعاتب على ذلك، وأما المال فإن الله قال: إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ سورة النور:32، فليسع الشاب فإن الله معه، وأما ترك النكاح بسبب وجود طريق محرمة أخرى لتصريف الشهوة كالزنا واللواط، وسائر الشذوذات التي انتشرت في هذا العصر، فمعروف حكم ذلك، والحدود التي جاءت للشريعة بشأنه.

ومما جاءت الشريعة به من الإجراءات لحفظ النسل منعُ منعِ الحمل، منعُ منعِ الحمل لدى المرأة، أو ما يضعف الشهوة أو يقطعها بالكلية لدى الرجل والمرأة، فأما إن كان منع الحمل كلياً، أو تعاطي دواء يقطع الشهوة بالكلية؛ فإنه ممنوع عند العلماء، ولا شك في ذلك، لا يجوز تعاطي ما يمنع الشهوة بالكلية، أو أن تتعاطى المرأة ما يمنع الحمل بالكلية، أو أن يتعاطى الرجل ذلك، كاستئصال الحبل المنوي -وهي عمليات حاصلة في الغرب والشرق-، واستئصال الرحم، وربط المبايض، وما شابه ذلك، عمليات يقام بها في الشرق والغرب، وقال بعض العلماء بجواز تعاطي ما يسكِّن الشهوة إذا خشي على نفسه الحرام لكن لا يجوز أن يتعاطى ما يضره أولاً، ولا ما يؤدي إلى قطعها بالكلية.

وقد سارت في بلاد المسلمين الدعوة إلى تحديد النسل، وأدرك أعداء الإسلام خطورته وأثره الفعال في تقليل أفراد الأمة الإسلامية، وتوهين قواها، وجعلها لقمة سائغة، وفريسة سهلة يفترسونها متى أرادوا، وكيف أرادوا؛ فأخذوا ينادون بضرورة تحديد النسل في كثير من البلاد الإسلامية؛ بحجة قلة الموارد فيها، وبحجة التخوف من الانفجار السكاني، وجندوا لهذه الفكرة أناساً من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ويذودون عن هذه الدعوة، ويرفعون اللافتات المتعددة، والمظاهر البراقة، وجندت المكتبات والكتب، والأبحاث الطبية المزيفة، وكل وسيلة مقروءة، أو مسموعة، أو مرئية، وأنشئت لأجلها المؤسسات والجمعيات، ورصدت لها الأموال الطائلة، والمساعدات الهائلة، وكذلك سُنت القوانين لمنع تعدي النسل لعدد معين في عدد من البلدان الإسلامية، في الوقت الذي ينادي فيه علماء الغرب بالخطر الداهم على مجتمعاتهم، ويقولون: في روسيا في بعض المدن عدد الوفيات أكثر من عدد المواليد، ماذا سيعني ذلك في المستقبل؟ قلة عددهم، وبالتالي ضعف قوتهم، فإن العامل البشري هو العامل الأول في سائر القوى والموازين، وانظر ماذا أدى إليه الحال في الصين من منع إنجاب أكثر من طفل واحد، والعائلة تريد ذكراً فإذا كان المولود أنثى -والقانون لا يسمح إلا بولد واحد- أقدم على قتلها؛ فوجد الوأد، وقتل البنت والأنثى في الصين كثيراً في هذه الأيام.

إن قضية تحديد النسل هي مؤامرة دينية، مؤامرة على الدين لها أبعادها الخطيرة، والتنقيص من عدد المواليد لا يخدم إلا مصلحة أعداء الإسلام، ولا شك أن لهم دوافع في ترويج هذه المسألة بيننا، بل إنهم عملوا على تصدير ما يسبب العقم إلى بلاد المسلمين، يهوداً ونصارى، صدَّروه إلى بلاد المسلمين، وكذلك فإن بعض أطبائهم قد ثبت أنهم كانوا يقتلون مواليد المسلمين في المستشفيات، وبعض ممرضاتهم وممرضيهم كذلك وُجِدوا مضبوطين بالتلبس في قتل أجنة المسلمين، والطبيب ينصح المرأة بعدم الحمل، أو ينصحها بالإجهاض إذا حملت، وروجت الوسائل المعينة على الإجهاض، وفتحت عيادات لأجل ذلك، وسهلت القضية في الوصول إليها.

قضية تحديد النسل هي مؤامرة دينية، مؤامرة على الدين لها أبعادها الخطيرة، والتنقيص من عدد المواليد لا يخدم إلا مصلحة أعداء الإسلام، ولا شك أن لهم دوافع في ترويج هذه المسألة بيننا، بل إنهم عملوا على تصدير ما يسبب العقم إلى بلاد المسلمين.

فإذا قال قائل: هل يوجد في الشريعة ما يبرر منع الإنجاب مؤقتاً للحاجة؟

فالجواب: نعم، لا شك أن الشريعة تراعي الحاجات، والعزل جائز كما دل عليه حديث: "كنا نعزل على عهد رسول الله ﷺ، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فلم ينهنا" [رواه مسلم (1440)]، وجاء في رواية لمسلم: "أن ناساً سألوا رسول الله ﷺ، فقال: ذلك الوأد الخفي" [رواه مسلم (1442)]، ومن هنا تفاوتت أنظار العلماء في حكمه، فقال عدد منهم بكراهيته؛ لأن فيه تقليل النسل، وقطع اللذة عن الموطوءة، وقد حث النبي ﷺ على مراعاة أسباب التكاثر، ولكن إذا دعت الحاجة في ظروف معينة ما مصلحته راجحة في تأخير الإنجاب للمولود القادم كخوف على الأم من الهلاك بالحمل، أو خوف على الولد من مسلم طبيب ثقة أو أكثر ليتأكد الإنسان فإنه في هذه الحالة لا بأس من تعاطي ما يؤخر الإنجاب لسنتين حتى يكون هناك كفاية من الوقت لتربية الولد الحاضر، والاستعداد لاستقبال المولود القادم، والله تعالى قال: حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَسورة البقرة:233، ويشترط في مانع الحمل ثلاثة شروط:

أولاً: أذن الزوجين، فلا يجوز للزوج أن يجبرها، ولا يجوز لها أن تتعاطاه سراً من خلفه.

وثانياً: ألا يكون منعاً دائماً.

وثالثاً: ألا يكون ضاراً.

وكثيراً من هذه اللوالب والحبوب ضارة بشهادة عقلاء الأطباء.

اللهم إنا نسألك الفقه في الدين، واتباع سنة سيد المرسلين، وأن تختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:22:11

الحمد لله الكبير المتعال، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له إليه المرجع والمآل، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى صحبه والآل.

حكم الإجهاض في الشريعة

00:22:29

عباد الله: لقد جاءت هذه الشريعة من الإجراءات في ضمن ما جاءت به لحفظ النسل في تشريعات بشأن الإجهاض، وعنيت الشريعة بالجنين في بطن أمه عناية فائقة؛ لأن ذلك الجنين هو الطريق إلى إيجاد النسل، ولو لم يراع حال الأجنة في بطون أمهاتها للزم من ذلك فساد النسل وضياعه، وقد حكم النبي ﷺ بدية الجنين على من قتل جنين امرأة في بطنها، وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة : "أن امرأتين من هذيل رمت أحداهما الأخرى، فطرحت جنينها، فقضى فيها رسول الله ﷺ بغرة عبد أو أمة"، فإذاً عبد أو أمة أو ما يقابلهما من المال كعشرة آلاف ريال ونحوها، دية إسقاط الجنين عمداً، وكذلك قضى عمر رضي الله تعالى عنه بهذا القضاء، قال ابن قدامة رحمه الله في شرح قول الخرقي رحمه الله: وإذا شربت الحامل دواء فألقت جنيناً؛ فعليها غرة لا ترث منها شيئاً، وتعتق رقبة، فتعتق رقبة إذا تعاطت دواءاً قتل الجنين وأسقطه، وتسلم عبداً أو أمة، أو قيمتهما إلى ورثة الجنين دون أن تأخذ منها شيئاً.

ولا يجوز إسقاط الحمل بعد نفخ الروح إطلاقاً عند جميع العلماء؛ لأنه قتل نفس محرمة، لا يجوز ذلك مطلقاً، وفي جواز إسقاطه قبل نفخ الروح تفاصيل في كلام أهل العلم، وأما الإجهاض فإن له آثاراً سلبية كثيرة، ومنها ما ذكره بعض أطباء الكفار قال أحدهم: للإجهاض على النسل ثلاثة أضرار:

أولاً: هلاك عدد غير معلوم من أفراد البشرية قبل أن يخرجوا إلى نور الحياة.

وثانياً: ذهاب عدد غير يسير من الأمهات ضحية الموت أثناء عملية الإجهاض.

وثالثاً: حدوث مؤثرات مرضية للمرأة لا يستهان بعددها تؤدي إلى عدم الإنجاب مستقبلاً.

هذه بعض الإجراءات الشرعية التي جاءت بها الشريعة لحفظ النسل، وحفظ النسب.

نسأل الله أن يطهرنا من كل فاحشة، وأن يتوب علينا من كل ذنب، وأن يحفظنا، ويحفظ بيوتنا من سائر الأمراض، ونسأله أن يجعلنا ممن يقيم الملة الحنيفية.

كلكم راع

00:25:21

عباد الله: إن جانباً عظيماً من المسؤولية يقع على أولياء الأمور في تعهد بناتهم وأولادهم، فإن كثيراً من الأولاد يساقون إلى الفاحشة ذكوراً وإناثاً بهذه المثيرات والغرائز التي تعرض على العالمين مما يأتينا من الكفار، وممن هم من جلدتنا من أبناء المسلمين؛ ولذلك كان لزاماً على كل أب أن يقوم على تعهد بناته وأبنائه، ولزاماً على كل زوج أن يقوم على تعهد زوجته، وإلا فالخراب والدمار.

قال لي أحد الإخوة: مررت بمجمع تجاري في الساعة الواحدة ليلاً، فرأيت منظراً عجيباً، ثلاثة أولاد يقفون في الشارع، بنت عمرها سنتين ونصف تقريباً، وولد عمره أربع سنوات، وولد آخر عمره سبع سنين، فأكملت طريقي، ثم عدت من نفس الشارع في قرابة الساعة الثالثة إلا ربع قبل الفجر، فوجدت المنظر ذاته، البنت الصغيرة جالسة على الرصيف، وهكذا حال الأولاد، فاستغربت، وتعجبت لهذا المنظر، وهؤلاء الأولاد في هذه الساعة المتأخرة من الليل قبل الفجر، فأوقفت سيارتي، ونزلت إليهم، فقلت: مالكم واقفين في هذه الساعة؟ وما سبب حضوركم في هذا المكان؟ ورأيت البنت الصغيرة في عينيها عبرة ودمعة، وكذلك في عيون إخوانها، فأجابني الولد الكبير بعد السؤال والنقاش: إن أمنا قد خرجت بنا في ليموزين إلى هذا السوق الذي فيه مكان للألعاب، ووضعتنا فيه، وقالت: سأعود إليكم الساعة الواحدة، ثم مضت مع شخص أقول هو خالي، ولكنني لم أره من قبل، لكنه كان يقول: إنه خالي، ثم تحدث الطفل عن مأساته، وعن مأساة إخوانه، والدمعة تترقرق، والعبرة تختنق، والصوت يتهدج، وانتهت القضية بأن أوصلهم إلى بيتهم، ولكن هذه الأم المجرمة التي تلقي بفلذات كبدها إذا كان لها فلذات في هذا الوقت إلى الساعة المتأخرة في الليل لتذهب مع رجل أجنبي تعرفت عليه في استقبال المستشفى!

أيها الإخوة: أين الزوج؟ أين العائلة؟ أين الأسرة؟ أين الحماية؟ ضياع الأولاد! انتشار الفواحش! شيوع الأمراض! جلب نقمة الرب على المجتمع! أين العقول؟! أين الغيرة؟! لماذا هكذا نفلت الأسرة؟ لماذا يذهب الزوج بعيداً عن زوجته؟ لا رقابة، تفلت الأمور للمرأة للخروج كيف تشاء، والليموزينات تعمل في نقل البغايا، عجباً عجباً لنا، كيف وصلنا إلى هذه الحال؟! هل من توبة؟! هل من عودة؟! هل من قيام بالمسئولية يا عباد الله؟! كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته[رواه البخاري (893)]، وأنت موقوف بين يدي الرب، سائلك عن أولادك ذكوراً وإناثاً، وعن زوجتك، إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع [رواه النسائي في الكبرى (9174)].

اللهم إنا نسألك الرأفة واللطف بنا يا رب العالمين، اللهم اللطف بنا يا أرحم الراحمين، لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم انشر رحمتك على العباد، واقمع أهل الزيغ والفساد.

1 - رواه أبو داود (2050) 
2 - رواه ابن ماجه (1861)
3 - رواه البخاري (5065)، ومسلم (1400)
4 - رواه البخاري (5063)، ومسلم (1401)
5 - رواه مسلم (1440)
6 - رواه مسلم (1442)
7 - رواه البخاري (893)
8 - رواه النسائي في الكبرى (9174)