الخميس 19 رمضان 1445 هـ :: 28 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

تسكين الفزع وتطمين الخائف


عناصر المادة
الخطبة الأولى
نعمة الأمن
هديه ﷺ في تسكين الفزع، وتطمين الخائف
هدي القرآن في تطمين الخائف
من أسباب تسكين الفزع
الخطبة الثانية
زلزال اليابان والاعتبار منه

الخطبة الأولى

00:00:08

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

نعمة الأمن

00:00:49

عباد الله: من نعم الله علينا أنه جعل لنا ما نسكن به، ونسكن إليه، وقد علم تعالى أن السكن النفسي والطمأنينة من أعظم ما تحتاجه نفوس العباد، فقال وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًاسورة النحل:80، وقال سبحانه: وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًاسورة الأنعام:96 وقال : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَاسورة الروم:21.

ولما صارت الكربة للمسلمين في بدر وهم يرون العدو أمامهم أضعافاً قال تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِسورة الأنفال:11، وهكذا أنزل الله الأمنة بالنوم الذي ألقاه على عباده.

السكينة، والطمأنينة، واستقرار النفس، وزوال الخوف، وحلول الأمن؛ من أعظم النعم، وهي ما يحتاجه العباد جداً.

هديه ﷺ في تسكين الفزع، وتطمين الخائف

00:02:08

والنبي ﷺ كان حريصاً على إذهاب الخوف، وتسكين الفزع، وتطمين الخائف، ولذلك لما دخل الصديق معه الغار، وصار الكفار فوقهم، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآهما، فخاف الصديق على النبيﷺ قبل أن يخاف على نفسه، فقال ﷺ مطمئناً له: ما ظنك باثنين الله ثالثهما ،[رواه البخاري3653 ومسلم2381]، والله قال لنبيه ﷺ في كتابه يتلو عليه تلك القصة: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِسورة التوبة:40.

هدي القرآن في تطمين الخائف

00:03:06

أيها المسلمون: إن رب العالمين طمأن الأنبياء، فقال لموسى لما نبأه بالرسالة في الوادي المبارك عند الشجرة: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ۝ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ۝ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى ۝ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىسورة طه:17- 20 فماذا حصل؟ اضطرب موسى وخاف، فقال الله له: خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىسورة طه:21، لا تخف فهذا أمر مقرون بالخبر: سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى، نهى عن الخوف، وأمر بضده وهو الأمن، فلتأمن يا موسى ولا تخف، ولما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم حتى خيِّل للناس سحر التخييل، وأنها أفاعي، خاف موسى أن يكفر الناس، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى ۝ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىسورة طـه:67- 68، وهذا نهي عن الخوف مع بيان المنزلة، فأنت مؤيد وأنت الأعلى بالإيمان، وأنت الأعلى بمعية الرحمن، وأنت الأعلى بما أيدك الله به من المعجزات، وقال لما ولى موسى مدبراً ولم يعقب في قصة إرساله بالوادي المقدس: لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَسورة النمل:10أي: يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين.

وهكذا فعلت الملائكة لما دخلوا على داود، وهم يقدرون على الدخول؛ ولو كان هناك حراس وحجاب، ففزع منهم: إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْسورة ص:22.

وهكذا قال جبريل لمريم وقد فزعت منه لما رأت رجلاً أجنبياً يقف أمامها: قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّاسورة مريم:18، إن كنت تخاف الله فانصرف، فقال: إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّاسورة مريم:19،  وهكذا كان التطمين مقترناً بالبشارة.

وأيضاً: نجد هذا التطمين مقترناً بمعية الله: لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَاسورة التوبة:40، ولما وصل موسى إلى مدين طريداً، وحيداً، حافياً، خائفاً، جائعاً، قال له الرجل الصالح: لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَسورة القصص:25، والله قال للصحابة:وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُواسورة آل عمران:139.

وهكذا ولو نظرنا في قصة موسى لرأينا للخوف عدة مواضع، ابتداء من ولادته، وعندما كان الطاغية فرعون يرسل هؤلاء الذباحين بالأشفار ليذبحوا الصغار عند الولادة: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَسورة القصص:7، نهى عن الخوف ونهى عن الحزن، نهيان بعد أمرين: أرضيعه وألقيه، والنهيان: ولا تخافي ولا تحزني، والبشارتان: إنا رادوه إليك سليماً لتقر عينك به، وجاعلوه من المرسلين ليكون نبياً لله تعالى.

ولما خرج موسى من مدين بعد قتل ذلك القبطي خرج منها خائفاً يترقب، أي: يتلفت خشية أن يدركه القوم فيقتلوه: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَسورة القصص:20، دعا ربه وقال: رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَسورة القصص:21.

وهكذا طمأنه صاحب مدين أول ما وصل إليه طريداً، وخائفاً، وحافياً، وجائعاً، قال لما قص عليه القصص وخبره الخبر: لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَسورة القصص:25هدئ روعك فقد نجاك الله منهم، ووصلت هنا ولا سلطان لهم علينا.

وازدادت طمأنينته حينما أرشده الله تعالى لما يفعله أمام فرعون: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِسورة القصص:32،أي: ليذهب عنك الخوف ضم يدك إلى جناحك، إلى جيبك، والجناح إلى الجسم، وهكذا يضع يده على قلبه ويضم جناحه إليه ويده ليذهب عنه الفزع. قال مجاهد: "كل من فزع فضم جناحه إلى يده ذهب عنه الروع"، قال ابن كثير: "وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء فإنه يزول عنه ما يجده، أو يخف إن شاء الله".

ولما تبعهم فرعون خاف أصحاب موسى: فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ۝ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِسورة الشعراء:61- 62.

وهكذا -أيها الإخوة- من منة الله علينا أن جعل لنا سكناً نفسياً، وفي البيت، والليل، والزوجة، وقص الله علينا من قصص الأنبياء ما يهدئ مخاوفنا، ويسكن فزعنا، ويطمئن نفوسنا، وهكذا وجدنا معية الله، وتأييده، والبشارة بالخير مما يسكن النفوس.

من أسباب تسكين الفزع

00:09:43

ومما يسكنها: تقوى الله، والحرص على العبادة وقت الفتنة؛ ولذلك قال سبحانه:فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَسورة الأعراف:35، فإذا أردت يا عبد الله أن يزول عنك الخوف فاتقي ربك وأصلح فيما بينك وبينه، وما بينك وبين الناس، وأصلح بين الناس أنفسهم في الخصومات والمنازعات.

وذكر الله من أعظم ما يطمئن النفوس: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُسورة الرعد:28،فهذا ذكره يذهب المخاوف كلها، ولا شيء أنفع للخائف من ذكر ربه .

بل من العجيب أيها المسلمون أن هناك صلاة اسمها صلاة الخوف، حتى مع أدائها يذكر الله، فالصلاة عموماً تهدئ الفزع، وتسكن النفس، كان ﷺ إذا حزبه أمر صلى، وإذا صار أمام العدو، وخشي المسلمون إذا أدوا الصلاة أن يفاجئهم العدو، فشرعت لهم صلاة على هيئة وكيفية مختلفة عن العادة، ومع ذلك قال تعالى في صلاة الخوف: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْسورة النساء:103فذكر الله يسكن القلب القلق، ويطمئن النفس الخائفة، وذكر الله تصبير وتثبيت.

ومعنى السكينة، هذا له علاقة وثيقة جداً بالموضوع؛ ولذلك نجد أن السكينة تكررت في كتاب الله في ستة مواضع: وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْسورة البقرة:248،وقال : ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَسورة التوبة:26، وقال سبحانه: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَاسورة التوبة:40، وقال سبحانه في قصة الأحزاب: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًاسورة الفتح:4، وقال أيضاً في الحديبية لما جمعت قريش ما جمعت: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًاسورة الفتح:18، وقال سبحانه: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَسورة الفتح:26.

كان شيخ الإسلام رحمه الله يقول فيمن ضاقت به الأمور، واضطربت نفسه، واشتد عليه عدوه، أن قراءة آيات السكينة تذهب ما به من الكرب. وحلق الذكر من فوائدها أن السكينة تنزل على حلق القرآن والسنة ذكر الله تعالى.

والعدل والتوحيد يديم الأمن والسكينة، والناس يحتاجون إلى الأمن باستمرار، ولولا الأمن ما ذهبوا إلى جمعة، ولا جماعة، ولولا الأمن ما ذهبوا إلى معاش وعمل.

وهكذا السعي في الأرض بعد عبادة الله تعالى يلزم له السكينة والأمن؛ ولذلك ذكر لنا تعالى ما الذي يحقق الأمن فقال: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُسورة الأنعام:82، أي: لم يلبسوا إيمانهم بشرك، لا شرك أكبر، ولا شرك أصغر، ولا شرك خفي، فلا يطلب من غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله، مثل: يا فلان اشف مريضي، يا فلان أدركني، يا فلان الغوث، بل قل: يا الله أغثني، يا الله اشف مريضي.

ولا تقول أبداً: لولا الله وفلان، ما شاء الله وشئت، الله لي في السماء وأنت لي في الأرض، فلا تسوي بين المخلوق والخالق أبداً، وأيضاً: لا ترائي ولا تقصد بعملك في العبادة دنيا؛ لأن هذا شرك بالله ، والشرك درجاته متفاوتة، فمن الذي له الأمن؟ الذي لا يشرك بالله.

فأخبرنا ربنا عن أسباب تحصيل الأمن والسكينة، و نهانا أن نخاف من المخلوقين وأمرنا أن نخاف منه:فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِسورة آل عمران:175، والذي يحسم مادة الخوف هو التسليم لله .

عباد الله: يقلق الناس، ويخافون من الأحداث التي تجري في هذه الأيام، ولكن في الحقيقة الذي يتوكل على الله يؤمنه ، ونحن بأمس الحاجة اليوم أن نؤمن أنفسنا وأهلينا، وأن نأمن في بلادنا وأوطاننا، وأن نكون في طمأنينة قلب، وراحة نفسية؛ ولذلك فإن التوكل على الله بقول: حسبنا الله ونعم الوكيل مما يحقق ذلك، ولن يكون هناك إن شاء الله إلا الخير، ولن يحدث لهذه البلاد، وهؤلاء العباد إذا استمسكوا بالله إلا الطمأنينة، وإلا الأمن، فلا خوف على من آمن، ولا خوف على من صدق اللجوء إلى الله، ولا خوف على من وحد الله واتقاه.

نسأل الله أن يجعلنا آمنين مطمئنين، ونسأله أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، ونسأله أن يجعل عيشنا رغداً وحياتنا سعداً، إنه هو السميع العليم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:16:35

الحمد لله، سبحان الله، والله أكبر، ولا إله إلا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيله، دعا إلى الله ولم يشرك به أحداً، أصلي وأسلم على محمد بن عبد الله خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، الحبيب والشفيع صاحب اللواء المحمود، والحوض المورود، وذلك المقام عند رب العالمين، اللهم صل وسلم، وبارك على عبدك، ونبيك محمد، وعلى آله، وذريته الطيبين، وأزواجه، وخلفائه الميامين، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: ينبغي على المسلم مهما رأى ما حوله أن يكون على علم وحكمة وبصيرة، وأن يكون له اتصال وثيق بكتاب ربه ؛ لأن الاعتصام بالكتاب طمأنينة عظيمة، وكذلك يلتزم بما أمر الله به، فهو لا يكون مقوياً لإرسال شائعات، ولا يثير فزعاً وبلبلة برسائل الجوالات، وإنما يحافظ على سكينته، وعلى طمأنينة إخوانه وبلده: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِهذا حال المنافقين، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْسورة النساء:83.

ومشهور في السيرة: أن النبي ﷺ لما بلغه غدر بني قريظة أرسل سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج، وعبد الله بن رواحة، وخوات بن جبير، وقال لهم كلاماً معناه: فإن كان حقاً - أي غدر بني قريظة- فالحنوا لي لحناً أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد المسلمين [الروض الأنف 6/205]، وهذه قاعدة عظيمة لا تفتوا في أعضاد المسلمين، فينبغي أن يبقى أهل الإسلام دائماً في سكينة، وطمأنينة، وأمن، إنها نعمة عظيمة، ألم يقل لنا نبينا ﷺ: من أصبح منكم آمناً في سربهأي: في نفسه، وأهله، وعياله، معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا[رواه الترمذي2346وحسنه الألباني في الجامع الصغير6042]، وأيضاً: من أسباب الأمن اتباع الهدى، والالتزام بالأحكام الشرعية، فنحل الحلال، ونحرم الحرام: فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَسورة البقرة:38.

وكذلك فإن النبي ﷺ قد علمنا أمراً عظيماً عندما خرج إلى سبب الضجة التي صارت مرة بالمدينة، والصوت العظيم المرعب على فرس عري لأبي طلحة، وتحقق الأمر، وأنه ليس هناك ما يخيف ورجع، يقول للناس: لن تراعوا لن تراعوا[رواه البخاري3066]هكذا حال المسلم يطمئن من حوله.

وكذلك فإن شكر النعم مجلبة عظيمة للأمن: وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَسورة النحل:112، فإذا أردنا لباس الأمن، والكفاية، فلا بد أن نشكر النعمة، ويكون شكرها بأن ننسبها إلى المنعم لا إلى غيره، وأن نستعملها في طاعته، ولا نستعملها في معصيته، نثبت النعمة للمنعم، فتقول: الحمد لله أنعم علي، أعطاني، آتاني، فتح عليَّ، كفاني، آواني، رزقني، وفقني، ولا تقل: بعبقريتي، وذكائي، وجهدي، ولي، وعندي، وأنا، ولكن قل: بربي، وهكذا يكون شكر النعمة هو الذي يجلب الأمن.

إذا أردنا لباس الأمن، والكفاية، فلا بد أن نشكر النعمة، ويكون شكرها بأن ننسبها إلى المنعم لا إلى غيره، وأن نستعملها في طاعته، ولا نستعملها في معصيته، نثبت النعمة للمنعم، فتقول: الحمد لله أنعم علي، أعطاني، آتاني، فتح عليَّ، كفاني، آواني، رزقني، وفقني، ولا تقل: بعبقريتي، وذكائي، وجهدي، ولي، وعندي، وأنا، ولكن قل: بربي، وهكذا يكون شكر النعمة هو الذي يجلب الأمن.

وتحكيم شرع الله شيء عظيم في جلب الأمن، وإقامة الحدود الشرعية من أعظم ما يجلب الأمن.

أيها المسلمون: لكم إن شاء الله ميزة، وبشارة بقربكم من حرم الله، وهذا شيء قدري كوني، بقربكم مكان عظيم، فالأمن مرتبط به ارتباطاً وثيقاً: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًاسورة البقرة:126وفي الآية الأخرى:اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًاسورة إبراهيم:35 الأولى قبل أن ينشأ البلد، والثانية بعدما نشأ البلد، فإبراهيم كان يتردد على البلد، قال الله: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًاسورة آل عمران:97، وقال الله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْسورة العنكبوت:67، وقال سبحانه:فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ۝ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍسورة قريش:4،وقال سبحانه: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ۝ وَطُورِ سِينِينَ ۝ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِسورة التين:1-3، وهكذا يا عباد الله لكم بشرى، وميزة بقربكم من حرم الله الذي جعله آمناً، فأمنوه كما هو آمن قدراً، فاحفظوا الأمن فيه.

ونسأل الله أن يجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وأن يديم نعمته علينا أجمعين، ونسأله أن ينزل علينا السكينة، وأن يربط على قلوبنا، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن تديم علينا نعمتك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد والنجاة يوم المعاد، اللهم اغفر لنا يوم يقوم الأشهاد، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعل عيشنا رغداً وارزقنا السعادة في الدنيا والآخرة، اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.

زلزال اليابان والاعتبار منه

00:24:37

يا عباد الله: أنتم تقفون على أرض مستقرة، وهذه نعمة، فالزلزال ضرب اليوم اليابان، تسونامي أغرق كثيراً من تلك البلاد، مات أناس، وهلكت صناعات، ودمرت منشآت، ثمانية وثمانية من عشرة، هزها ، فاحمد ربك يا عبد الله على نعمة أرض مستقرة، تعيش فيها، قرب حرم الله هذا الذي بجانبك، ارع حقه، وعظم شأنه، واغشه واعتمر فإن الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب.

عباد الله: لنتذكر العودة إلى الله، والقدوم عليه، وأن هناك يوماً لا بد فيه من لقاء الله.

اللهم أحسن وقوفنا بين يديك، ولا تؤاخذنا يوم العرض عليك، آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور واغفر لنا يا عزيز يا غفور.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه البخاري3653 ومسلم2381
2 - الروض الأنف 6/205
3 - رواه الترمذي2346وحسنه الألباني في الجامع الصغير6042
4 - رواه البخاري3066