الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران:102. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء:1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا سورة الأحزاب:70-71،
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
من مظاهر فصل الشتاء
أيها المسلمون: إن من نعم الله علينا تجدد الفصول، وانتقال الناس من حال إلى حال، ولو أن الناس استمروا على نمط واحد وجو واحد لسادهم الملل، وعمتهم الكآبة، والله ينوع علينا أفضاله ونعمه لنعبده جميعاً في جميع الأحوال، ونلجأ إليه سبحانه بالعبودية، فنوحده بما منَّ به علينا.
ولا شك -أيها الإخوة- أن بعضاً من مظاهر الحياة تختلف لدى الناس في فصل الشتاء، عما كانت عليه في فصل الصيف، وبعض هذه الأمور فيها شيء من الإيجابية، كما تلاحظ أخي المسلم أحياناً عندما يقل السفور شيئاً ما عما كان عليه في فصل الصيف، ولولا البرودة لما حجبت كثير من النساء شيئاً من الأجساد، ولكن الله أجبر بعضهن على شيء من هذا بما سلط من أمر البرد، وتجد بعض المناظر على الشواطئ من التحلل والفساد تخف أحياناً في فصل الشتاء مما سلط الله عليهم من سيف البرد.
ونحن المسلمين ينبغي أن نكون أصحاب عبادة صيفاً وشتاءاً، وننتهز الشتاء لأمور، فمن ذلك مثلاً: الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة[رواه أحمد (18480)]، فيسهل الصوم فيه، وهكذا ينبغي أن تكون نظرة المسلم في اجتهاده في عبادة الله صيفاً وشتاءاً.
المكث على الشاشات في الشتاء
أيها المسلمون: وإن من المظاهر التي نلمحها في هذا الفصل عكوف كثير من الناس في بيوتهم في الليل نظراً لبرودة الجو، لكن هل يزداد الترابط الأسري في فصل الشتاء، وهل يحل في البيوت نوع من الاهتمام والتربية الإسلامية لأهل البيت، هذا ما نطمح إليه ونرجوه، ونحث إخواننا عليه دائماً، ونقول: إذا كنتم صرتم تمكثون فترة أطول في البيت فانتهزوا هذا المكث لإصلاح البيوت، وإذا كانت كثير من الأوقات تُهدر في الذهاب يميناً وشمالاً، فلا أقل من أن تبذل أيها المسلم جزءاً من الوقت بالاهتمام بنفسك، ولكننا نرى بدلاً من ذلك عند الكثير تسمراً حول الشاشات، ومتابعة للبرامج، نظراً لهذا الوقت الطويل الذي يمر والإنسان في بيته، ولما لهذه الشاشات من الخطورة، وأنواع البرامج من الآثار السيئة كان حرياً بالمسلم أن يحذر منها، وأن ينتبه لهذا الخطر الداهم.
أيها المسلمون: إن هجمة أعداء الله شرقاً وغربا قد تمثلت وتجسدت في أمور كثيرة، ولا شك أن منها هذه الموجات التي تصارع في الهواء وصولاً إلى الأجهزة في بيوت المسلمين، وصارت المسألة الآن تعتمد على مراقبة الله أكثر من أي شيء آخر؛ لأن هذه الوسائل الحديثة قد تمتلك اختراق الأجهزة والبيوت لتصل إلى عقول وأفئدة هؤلاء الذين يشاهدون، فيحدث منها من تسمم الأفكار، وانتقاض العقائد، وقلب الحقائق، وتزييف التاريخ، والإقناع بالمنكر، أمور كثيرة جداً، ولكن كم من المسلمين يعرف؟ وكم من المسلمين يعي؟ وكم من المسلمين يدرك حجم هذا الخطر؟.
إننا وفي هذه الأيام نعيد إلى الذكرى وإلى الأذهان شيئاً من خطورة ما يُعرض في هذه الشاشات، خصوصاً وأن التقدم التقني سيجلب أشياء كثيرة جداً في المستقبل، فما هو الضمان لحماية عقول المسلمين؟ يصعب أن تكون هناك مراقبة شاملة لهذه الأمواج، خصوصاً وأن الذين يقذفونها إلينا متقدمون علينا كثيراً في وسائل التقنية وغيرها، فليس إلا مراقبة الله هي الضمانة الوحيدة الموجودة اليوم، والتي تكفي فعلاً إذا كان عند المسلم نصيب وافر منها.
وشهد شاهد من أهلها
ونسوق إليكم أيها الإخوة في هذه العجالة شيئاً مما قاله بعض الكفرة لا بعض المسلمين من خطورة هذه الأشياء، ودورها وفعاليتها في الأسر، وإملاء الأفكار، وإفساد الواقع، وتغيير النفوس، قال أحد خبراء الكفرة، ويدعا جيري ماندر، وكان يعمل مدير دعاية وعلاقات عامة خمسة عشر عاماً، في كتاب يدعو لإلغاء الشاشات، ويقول: تعلمت أنه من الممكن أن أخاطب عقول الناس مباشرة كساحر من عالم آخر لأترك انطباعات من شأنها أن تقود هؤلاء إلى القيام بأعمال لم يكونوا ليفكروا بالقيام بها، وبعد أن لاحظت ما لهذه الوسائل من تأثير حرفي في هذا العالم تحول هذا الشعور عندي إلى رعب حقيقي.
والخطورة أيها الإخوة في تحول الناس إلى مستهلكين فقط، ليس عندهم القدرة على التنقيح والنقد والتمييز على ضوء الشريعة.
ويقول هذا الرجل مبيناً أثر عملية غسيل المخ التي تقوم بها الأفلام والبرامج: إن الصور تتحرك على الشاشة بطريقة أسرع من أن يتمكن المشاهد لانتقادها، ومناقشة ما فيها من المعلومات، فهي تشبه عملية التنويم المغناطيسي بطريقة الارتباك التي تقوم على أن يعطى للشخص الذي تريد التأثير فيه أشياء كثيرة يتعامل معها في نفس الوقت لدرجة أنه لا يجد فرصة لعمل أي شيء، والانتقال السريع من شيء إلى شيء، ومن مؤثر إلى آخر، فتبدأ عوارض الانهيار، ويكون مستعداً بعدها لتقبل أي شيء.
كثير من المسلمين الذين يشاهدون ما يعرض عليهم من الشرق والغرب هل هم يملكون القدرة على الانتقاء والتمييز؟ أو أنهم لا يجدون الفرصة حتى لو كان عندهم شيء من المقدر على النقد، لا يجدون الفرصة لانتقاد ما يظهر أمامهم لأنهم مستهلكون فقط.
يقول: والمشاهد يترك الأمور تجري دون تعرض منه؛ لأنه لا يملك شيئاً لإيقاف الصور، والأكثر من هذا أنه يجب عليه أن يمهِّد السبل للتركيز على الصور بوضوح لمتابعة ما يعرض، حتى أن مجرد التفكير يؤدي إلى عملية تشويش كبيرة، يعني: حتى لو فكر المشاهد، لو أراد أن يفكر في النقد لما يرى فستسبب هذه المحاولة تشويشاً كبيراً لقدرته على الرؤية والمتابعة، وبالنتيجة سيضطر للرؤية والمتابعة، ولن يجد فرصة للنقد ولا للتمحيص، فهل يستطيع المسلم أن يدافع عن عقله وتراثه وهو لا يستطيع أن يوجه سؤالاً أو استفساراً ما دام المرسل يقبع داخل أسوار قلعته الحصينة، وهذه الأمواج تبث عبر الأثير من الفضاء الخارجي؟!
يقول هذا الرجل الكافر: وبهذه الصورة صارت أدمغة الناس مستعدة بسخاء للتشكل وفق ما يعرض دون اعتراض يذكر، وهذا الجهاز الآسر، الذي لا يستطيع المشاهد الإفلات من جاذبيته؛ لأنه يبعث فيه رغبة جامحة في متابعة الصور، وملاحقة الحركات، بل يخلف في المشاهد حسرة بسبب سرعة انتقال الصور وتغيرها قبل أن تتملاها عينه، ويستسلم كثير من الناس لأسر هذا الجهاز، لقد دخل جميع المحلات، ورافق المسافرين حتى أصبح الرفيق الدائم، وطاب للكثيرين أن يتناولوا طعامهم أمام الشاشة ليساعدهم على ازدراد الطعام والتهام أكبر كمية دون أن يشعروا كم أكلوا وشربوا، وحتى الأمهات يستخدمن هذه الطريقة في إطعام الولد المستعصي عن الأكل عندما يستسلم لرؤية المعروض على الشاشة.
ويقول هذا الرجل: والأسلوب الذي تقدم به البرامج هو الذي يشد إلى المتابعة، وكم من برنامج فقير المحتوى دني الأفكار أخذ بمجامع المشاهدين بسبب ما حُشد له من الأساليب الخادعة التي تصرف إليها الذهن مبهوراً مأسوراً.
ويقول رجل آخر من الكفرة -جاك إيدلسون-: يا له من أمر غريب، من كثرة المشاهدة أصاب بالملل، ولكنني أبقى متسمراً أمام الجهاز، إنني أكره ما أشاهد، وأشعر بعدم الاهتمام الكلي، ولكنني أستمر في المشاهدة، كل ذلك بسبب المؤثرات والجواذب الفنية الماهرة، من انتقال الصور فجأة، أو تقريبها وتبعديها، أو الصوت المصاحب، أو ظهور كلمات على الشاشة، أو ارتفاع مفاجئ للموسيقى، أو تبطيء وتسريع، كلها حركات إنتاجية ماهرة لجذب الانتباه، وكل مرة تحاول إراحة انتباهك، تشدك حادثة، تعيدك مرة أخرى، فلا تستطيع التقاط الأنفاس.
ويقول أحد المنتجين الغربيين: إن عملنا يكمن في قطع المشاهد الميتة واللحظات المملة التي لا تحقق غرضنا، ثم نقوم بضغط القطع المتبقية في مونتاج واحد من الإثارة الصورية المستمرة، ومن جهة أخرى فإن تزين الممثلين والمقدمين بأحسن ما عندهم -أمام الكاميرة-، من الثياب والكلام والحركات، ليقدموا وجهاً معيناً للشخصيات والأحداث، لا شك أنه نوع من النفاق الاجتماعي؛ لإظهار الواقع في أحسن صورة، فيحدث هناك نوع من الانفصام الشخصي لدى المشاهد في شدة الفرق بينما يشاهده وبين الواقع الحقيقي.
وهذه الأفلام والبرامج فيها أضرار كثيرة جداً، من ضمنها الاستغراق في الخيال، والابتعاد عن الحقيقة، إذا كان الله يقول: وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاًسورة الإسراء:37، فإن هذه الشاشة تجعل الإنسان يطير في الهواء، ويمشي فوق الماء، ويخترق الجبال، ويسير بأسرع من السحاب، وتصوره يخترق كل حجاب، ويبني قلعة في لحظة، ويجعلها قاعاً صففاً في طرفة عين، لا تقف في وجهه السدود، ولا تحد من حركاته الحدود، وتبدو آثار هذه اللاواقعية المؤسفة كثيراً في عقول أطفالنا، الذين يشاهدون هذه الأفلام الكرتونية التي تصور إمكانات خارقة لأشخاص هم في الحقيقة رسوم على الورق المقوى، يلقي بنفسه من ارتفاعات إلى قاع البحر فلا يتضرر، وبحربة صغيرة يقتل حوتاً كبيراً، ويحمل جداراً ليلقيه على خصومه، إن هذا التضخيم، والبعد عن الحقيقة، ودفع الناس للاستغراق في الخيال، هؤلاء الأطفال الذين يتضررون كثيراً؛ لأن منحى التفكير في عقولهم يأخذ اتجاه اللاواقعية، المعروض من خلال هذه الأفلام، وكثير من الأطفال يظنون أن هؤلاء أشخاص موجودين فعلاً، وأنهم أحياء، فتنموا في أذهانهم الخيالات الكاذبة، وهذا النموذج المصغر عند الأطفال، يحدث عند الكبار في أمور كثيرة، فعندما تُعرض مثلاً صور مدن مشهورة كباريس ولندن على سبيل المثال تُعرض الصور لأجمل المواقع، وأكثرها نظاماً وتألقاً وجاذبية، فيثبت في مخيلة المشاهد أحسن القصور، وتصور حسن جداً يهفو بنفسه للسفر للمشاهدة، وكم يفاجأ عندما يذهب إلا هناك فيرى المتناقضات العجيبة، فمخمور ملقى على حافة الطريق، ومجرمين يتدارسون الوجوه الغريبة لاقتناص ما يمكن بالحيلة أو الإكراه، إلى الهبيين الذين يؤذونك برائحة أسوأ من رائحة حظائر البهائم، إلى الشذوذ الجنسي المقرف، إلى سؤار الكلاب الذي يملأ الأرصفة، كل ذلك لم يحمله الجهاز إليك في مبدأ الأمر، فتصورته بخلاف ما هو عليه حقيقة، أما أثره على نسائنا فحدث ولا حرج، عصابات النساء، وغير ذلك، التعرف على الرجال الأجانب، أفلام الحب والغرام، الدعاية لأدوات المكياج التي تكلف الزوج أشياء باهضة، والألبسة والموضات، وعروض الأزياء الفاضحة، وأمور كثيرة جداً تدفع بالمرأة المسلمة على الأقل إلى محاولة التشبه بالمرأة الكافرة في لباسها وكلامها، وتحررها، فتطالب المرأة بأن تسوق سيارة، وتدخل نادٍ رياضي لتمارس ما تشاء، وتسافر مع من تشاء، وتكشف الحجاب فترميه، وتقلعه لتتخلص من هذه العبودية التي صوروها لها أنها عبودية.
أيها الإخوة: إذا كان العقلاء من الكفرة قد وصل بهم التفكير إلى هذه الحافة التي يذهب مجتمعهم إليها بفعل أضرار هذا الجهاز، أفلا يكون حرياً بالمسلمين أن يفكروا فعلاً فيما يسوقون إليه بيوتهم وأسرهم من وراء استعراض هذه الأمور الكثيرة.
وإليكم نتفاً من مقال قرأته في مجلة يدل على بعض عقلانية هؤلاء الندرة من الكفار عل أن يكون فيها عبرة، وتكون من قبيل قوله تعالى: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَاسورة يوسف:26، يقول المقال بعنوان: "احموا أولادكم من التلفزيون": ذات ليلة من شهر أغسطس عام 1990 جلست ملايين العائلات الأمريكية أمام أجهزة التلفزة لمشاهدة استعراض للمغنية مادونا تناقلته شبكة إتش بي مباشرة، ونظراً إلى شهرة مادونا التي طبقت الآفاق، والحملة الدعائية التي سبقت الاستعراض الذي بث خلال عطلة الأسبوع في فترة مسائية، تشهد أكبر نسبة من الحضور، فقد تسنى لملايين الأطفال مشاهدته، ظهرت مادونا أمام ملايين المتفرجين، وهي تردد كلمات بذيئة طالما منعت في بعض المحطات، وارتمت في مشهد آخر على سرير وأخذت تتلوى وتتلفظ بكلمات فاحشة، إننا نعيش في عصر يتقبل الكبيرة والصغيرة، لذا فإن المحتوى الضحل للاستعراض الذي تعمد الابتذال لم يكن مستغرباً، كما أن اللغة المستعملة في ذاتها لا تختلف عما نسمعه في الأفلام، أما المستغرَب -هذا الكلام كله لرجل كافر- فهو أن قلة ضئيلة من الأولياء اتصلت بشبكة التلفزة للاحتجاج على عرض هذا البرنامج، وأفاد ناطق باسم الشبكة أن عدد الشكاوى لم يخرج على المألوف، وأن استعراض مادونا، هو البرنامج الترفيهي الأصيل الأسمى منزلة في تاريخ الشبكة، لذلك يبدو جلياً أن الأولياء في البلد فقدوا الأمل نهائياً في إمكان مراقبة ما يشاهده أولادهم على شاشات التلفزة، والحقيقة أني لا أتكلم عن مادونا بالذات، صحيح أني لا أجد متعة في حركاتها المدروسة وغير المحتشمة إلا أنها حرة في أن تجمع المال بالطريقة التي تحلو لها -وهذا يبين لك شيئاً من الفروق في عرض المسلم للقضية وعرض الكافر، فهذا رجل مبدؤه لا يجد فيه حرجاً من أن تجمع المال بأي طريقة تشاء-، ولكن هؤلاء الذين يحاولون الإغراء، ونشر الأفكار التمردية يبدو أنهم ينجحون دائماً في أوساط الشباب، وكذلك نجحت مادونا في تسويق سلعتها، لكن المقلق في الأمر أن سلعتها ظهرت في المنازل في يوم عطلة، وفي وقت يشهد زحمة المتفرجين، والشعب لم يكترث للأمر، كان المسؤولون عن شبكات التلفزة فيما مضى يدققون في أصغر تفاصيل البرامج المعروضة، خصوصاً تلك التي يشاهدها الأطفال غير أن البلاد تعاني اليوم اضمحلالاً شديدً في القيم الأخلاقية لدى المشاهدين بحيث أن مثل هذه المشاهد الفاضحة باتت تعرض على ملايين العائلات من دون أن تثير موجة صغرى من الاحتجاج، فماذا عن دعوة الأولياء إلى إطفاء جهاز التلفزة إن لم يعجبهم البرنامج، إنها دعوة مفيدة لكن جولة مدونا الأولى من المشاهد الفاضحة لم يسبقها أي تحذير، ولئن زعم القيمون على الشبكة أن البث مباشر، فالحقيقة أن الاستعراض سجل قبل ساعات، وبالتالي كانت الشبكة على علم بمضمونه، ومع ذلك بثته كما هو من دون أن تسبقه بأي تنبيه، ويقول أحد المسؤولين فيها بافتخار: كان قرارنا ابداعياً، و"إتش بي أو" واحدة من شبكات الكيبول غير الملزمة بالقيود المفروضة على الشبكات الأخرى، غير أن هذه الحقيقة لا تهم الأولاد الذين نشؤوا وفي منازلهم تلفاز يلتقط محطة كهذه، فهذه الشبكة ليست بالنسبة إلى هؤلاء سوى محطة تعرض برامج شائقة، سوف تصل إلى مسامع الأطفال ألفاظ أسوأ من ألفاظ مادونا، أو لعلها وصلت، كما أن بث استعراض مادونا أو ما يشبهه لم يعد يثير جدلاً خاصاً بل ما يثير الجدل هو التساؤل العلني حول صلاح بثه، والقول: إن عرضه على أطفال الأمة عمل خاطئ؛ لأن من يتبنى وجه النظر هذه يخالف العالم، لكنني مع ذلك أقول إنه عمل خاطئ وخاطئ جداً. القال والمتكلم والكاتب: بوج جرين. من أحد أعداد مجلة ريدر دايجست.
هذا الرجل الكافر وصل وهو يفكر بنوع من العقلانية إلى خطر هذه الكلمات على عقول أطفالهم، ولكن نحن المسلمين، أصحاب المبادئ، أصحاب القيم، أصحاب الدين، أهل القرآن، أهل الحديث، نحن أصحاب القيم والفضائل، أين ذهبت عقولنا ونحن نسمح لأولادنا وأسرنا بأن يتنقلوا بين هذه المحطات كيف شاؤوا، ويتفرجون كيف شاؤوا، ماذا سيحدث لعقول أطفالك وبناتك ونساء بيتك بعد فترة من الزمن وهم يتفرجون ويستمعون ويشاهدون، لا شك أنه المسخ الأكيد للشخصية الإسلامية في نفوسهم، وسنرى ونرى أنماطاً من الجريمة والشذوذ الجنسي وغيره يتفشى نتيجة رؤية أفلام الفيديو، والتطلع إلى الشاشات.
وإن هذا التطور المذهل للبث في العالم بهذه الأمواج التي تتزاحم وتتعارك في الغلاف الجوي، وهذا التطوير والتحديث للأجهزة التي يمكن أن يستوعب الجهاز الواحد في المستقبل مائتي قناة، وحتى القرصنة الإذاعية وقرصنة الأمواج قد تجعل للهواة مقدرة على التوجه برسائلهم للهو والعبث بأوقات الناس وأعصابهم في المستقبل، كما يقول هذا الرجل الكافر أيضاً: وهذا التقدم الذي جعل العالم كله أمام شاشة واحدة ليعرف في مختلف الأمكنة ما يحدث.
إنهم مسؤولون
نحن المسلمين أيها الإخوة حقيق علينا أن نفكر بخطورة وجدية تامة للآثار التي تتركها مشاهدة هذه الشاشات في عقول أولادنا وبناتنا، فهل سنبقى تحت تأثير شبكة عالمية من الأفاكين والمضللين، من المغضوب عليهم والضالين؟ أم أننا سنتخذ إجراءات مع أسرنا وأولادنا بعد هذه الهجمة المباشرة التي ستزيد اضطراماً وسعاراً في المستقبل؟
حقيق علينا أن نفكر بخطورة وجدية تامة للآثار التي تتركها مشاهدة هذه الشاشات في عقول أولادنا وبناتنا، فهل سنبقى تحت تأثير شبكة عالمية من الأفاكين والمضللين، من المغضوب عليهم والضالين؟ أم أننا سنتخذ إجراءات مع أسرنا وأولادنا بعد هذه الهجمة المباشرة التي ستزيد اضطراماً وسعاراً في المستقبل؟
ما هي الإجراءات التي ستتخذها في بيتك للحماية والوقاية وأنت تعلم أيها الأب أنك مسؤول وموقوف بين يدي الله يوم القيامة؟ إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع[رواه النسائي الكبرى (9174)]، فماذا ستقول لله يوم القيامة؟ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَسورة المطففين:6، كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌسورة المدثر:38،وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَسورة الزخرف:44، فماذا ستقول أيها الأب؟ فكر في هذا السؤال كثيراً، وأعد للإجابة في ذلك الموقف إعداداً عظيماً، فإن الخطب عظيم والله، وأنت تسمح للسموم بالتدفق إلى عقول أفراد أسرتك، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَسورة الصافات:24-27.
أيها المسلمون: شيئاً من الحكمة والعقل، لينجو الأولاد وتنجو الأسرة من هذه الأضرار الشنيعة، ونحن لم نذكر أكثر من عرض بعض أقوال الكفرة مع تعليقات خفيفة، وإلا فإن الأضرار أكثر بكثير جداً من أن نحيط بها في هذه العجالة، لكنها دعوة في هذا الوقت، فصل الشتاء، الذي يجد فيه الكثير من الناس وقتاً في الليل يتفرجون فيه، دعوة إسلامية، ودعوة إلى مراقبة الله ، ودعوة إلى تحمل المسؤولية.
اللهم إنا نسألك أن تلهمنا رشدنا، وأن تقينا شر أنفسنا، وأن تجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، هو القائم على كل نفس بما كسبت، وهو الكبير المتعال، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، لا إله إلا هو ربكم ورب آبائكم الأولين، بديع السماوات والأرض ذو العرش العظيم، خلقنا فأحسن خلقنا، وأرسل إلينا رسوله، وأنزل علينا كتابه، فقامت الحجة على العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد السراج المنير، والبشير النذير الذي تحمل أمانة ربه فأداها وبلغ الرسالة، وتحمل الأذى في سبيل الدعوة، وجاهد لينصح الأمة ويحذرها، فما ترك خيراً إلا دلنا عليه، ولا شراً إلا حذرنا منه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.
اللهم احشرنا في زمرته، وارزقنا شفاعته، وأوردنا حوضه، واجعلنا منه في الجنة قريبين يا رب العالمين.
هل يشكُّ عاقل بعد اليوم في تحريم كثير من الأشياء التي كان يشك في تحريمها في الماضي؟ وهل يُقبِل كثير من الناس على إخراج كل وسيلة مفسدة من البيت؟ ليت قومي يعلمون، ليت قومي يعلمون.
أحكام المسح على الخفين
وأما بالنسبة لقواعد سريعة وأحكام عابرة في مسألة المسح على الخفين التي يحتاج إليها الكثيرون في فصل الشتاء، فنقول ما يلي:
أولاً: المسح على الخفين رخصة من الله ، والله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، وهذا دليل على يسر الدين، ونعمة ربنا علينا ، وعلى ذلك لو أن إنساناً مسلماً يتوضأ ويغسل قدميه كل يوم مثلاً في الظهر، ويلبس الجوربين، ويمسح عليهما إلى اليوم التالي سائر مدة المسح، ثم يخلعهما ويغسل قدميه مع الوضوء الكامل، ويلبسهما، ويمسح عليهما إلى ثاني يوم، وهكذا كل يوم يفعل ذلك، لا يغسل قدميه إلا مرة واحدة مع وضوء كامل فقط، لو ظل شهوراً وسنيناً يعمل ذلك لا يؤاخذ؛ لأن هذه رخصة من الله ولا حرج عليه في فعلها، فلا تتحرج من استخدام هذه الرخصة ما دمت تستخدمها بالطرق الشرعية أي وقت استمررت فيه على ذلك.
ثانياً: ويشترط لبس الجوربين أو الخفين على طهارة؛ لحديثه ﷺ: دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين[رواه البخاري (206)]، فتشترط طهارة كاملة فيها غسل القدمين للبس الجورب عليهما، والمسح عليه بعد ذلك.
ثالثاً: والأحوط أن لا يغسل اليُمنى ثم يلبس، ويغسل اليسرى ثم يلبس؛ لأنه لا يكون قد أدخلهما طاهرتين، وإنما يغسلهما كلتاهما بعد أن ينتهي من غسل القدمين يبدأ بلبس الجوربين.
رابعاً: لا يشترط النية، فلو أن إنساناً توضأ وضوءاً كاملاً ثم لبس الجوربين لا بنية المسح عليهما، ثم أراد بعد ذلك أن يمسح فليس عليه حرج في المسح.
خامساً: يجب إتمام لبسهما على طهارة، فلو أحدث قبل إتمام اللبس لم يجز مسحه.
سادساً: إذا لبس جوربين فوق الجوربين الأوليين لشدة البرد مثلاً، فالحكم للجوربين الذَين بدأ عليهما بالمسح، فلو بدأ على التحتانيين وجب أن يكمل المسح على التحتانيين، ولو بدأ بالمسح على الفوقانيين وجب أن يكمل المسح على الفوقانيين.
وإذا لبس الحذاء على الجورب، أو النعل على الجورب جاز المسح عليه، يعاملهما كلهما كشيء واحد، لكنه إذا فسخ نعليه ودخل المسجد وقد مسح على النعلين والجوربين، فلا يجوز له بعد ذلك أن يمسح عليهما؛ لأنه قد فسح النعل أو الحذاء، ويلزمه إعادة الوضوء كاملاً مع لبس الجوربين إذا أراد المسح على الجوربين، أو يلبس الحذاء فوق الجوربين إذا أراد المسح على الحذاء.
والعمامة التي يجوز المسح عليها ما كانت مثل عمائم العرب ملتفة تحت الحنك ومحكمة، وعلى ذلك لا يصلح المسح على الغترة، أو هذا الشماغ والطاقية؛ لأنها لا توافق صفة العمائم الأولى.
وخمار المرأة إذا كان مشدوداً من تحت حنكها جاز المسح عليه.
ومدة المسح كما روى الإمام مسلم رحمه الله: "أن النبي ﷺ جعل ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم" [رواه مسلم (276)]، أربعاً وعشرين ساعة، والصحيح أن مدة المسح تبدأ من أول مسح بعد الحدث، وإذا انقضت مدة المسح لا يبطل الوضوء على الصحيح.
وكذلك لو خلع الجوربين، وهو لا يزال على طهارة لا ينتقض وضوؤه بمجرد خلع الجوربين على الراجح من أقوال أهل العلم؛ لأن نواقض الوضوء في الدين معروفة، وليس منها خلع الجوربين، ولكن إذا خلعهما لا يجوز إعادة لبسهما للمسح إلا على طهارة كاملة بغسل القدمين جديدة.
والجورب المخرق يجوز المسح عليه إن شاء الله، ما دام اسمه جورباً يتماسك على القدم، ولو اكتشفت خرقاً يجوز لك أن تمسح عليه، ولا يصبح مسحك باطلاً، وكذلك إذا شرعت في خلع الجورب، فإذا انكشف أكثر القدم بطل المسح عليه، لم يجز لك أن تمسح عليه، وكذلك فإنه يجزئ المسح على كل ما يُطلق عليه جورب.
والسنة مسح ظاهر القدم، وليس الدين بالرأي فلا تمسح باطن القدم، تضع يديك المبللة على الأصابع، وتمسح من أول القدم إلى آخرها، وكيفما فعلت المسح بيديك جائز، فإن مسحت كلتاهما باليمين جاز، أو كلتاهما بالشمال جاز، أو اليمنى باليسرى، أو اليسرى باليمنى جاز ذلك أيضاً.
ولا يجب إكمال اليوم والليلة، فلو مسح مرة واحدة لصلاة واحدة، ثم فسخ فلا بأس، بعض الناس يعتقد أنه لا بد من إتمام كل المدة، كل الأربع وعشرين ساعة يمسح، لو مسحت لفرضين وخلعت الجوربين لا بأس بذلك، وبعضهم يعتقد أن أكثر عدد صلوات يصليها في المسح خمساً، بينما قد يكون أكثر بحساب الأربع وعشرين ساعة، ولا يشترط لبس الجوربين بعد غسل القدمين مباشرة، فلو غسل القدمين، ولم يحدث، ولبس الجوربين بعد ساعة أو ساعتين يجوز له أن يمسح عليهما.
ولو انحرف الجورب أثناء لبسه واستعماله والمشي به، فصار الباطن الظاهر أو الظاهر الباطن أو على جنب لا يتأثر المسح، ولك أن تمسح عليه، والحمد لله رب العالمين.
هذا ما تيسر ذكره من الأحكام التي يحتاج إليها الإخوان في هذا الفصل البارد، نسأل الله أن يفقهنا في ديننا، وأن يقينا شر أنفسنا.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد تعز فيه أهل طاعتك، وتذل فيه أهل معصيتك.
اللهم إنا نسألك عوداً حميداً إلى الدين، ونصراً قريباً للإسلام والمسلمين، وعوداً سريعاً لأراضي المسلمين المغصوبة المنهوبة يا رب العالمين.
اللهم ألف قلوب المسلمين على الحق والتقوى، واجمعهم على التوحيد وكلمة العروة الوثقى.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءوَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.