الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

ماذا قالوا عند الموت؟ 2


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أسباب سوء الخاتمة
طواغيت يحتضرون
سلاطين يحتضرون
سوء خاتمة أهل البدع
الخطبة الثانية
احتضار الظلمة والمجرمين
شتان بين الخاتمتين

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أسباب سوء الخاتمة

00:00:28

عباد الله، أيها الإخوة: تحدثنا في الخطبة الماضية عن أقوال الصالحين عند الموت، وبعض العبارات والأعمال التي قاموا بها لما حضرتهم المنية، وأقبلوا على الله، ومسلسل المنون يتتابع، ونذكر في هذه الخطبة الجانب المقابل في سوء الخاتمة، وأقوال من ختم لهم بسوء عندما حضرتهم الوفاة.

اعلموا رحمكم الله تعالى أن الصالحين يتخوفون من سوء الخاتمة، ويخشون أن يبدو لهم عند الموت ما لم يكونوا يحتسبون، وأنهم يوقنون أن الأعمال بالخواتيم، وأن العبد يبعث على ما مات عليه كما أخبر النبي ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم [رواه مسلم (5126)]، والخاتمة السيئة لا تكون لمن استقام ظاهره، وصلح باطنه، وإنما تكون لمن كان له فساد في العقل، وإصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت، فيختم لهؤلاء بخاتمة سيئة، وقد تبدو تلك الخاتمة من بعض من حضرهم الموت، ولهذا أسباب، فمن ذلك فساد الاعتقاد، وهو أخطرها على الإطلاق، فيتكشف في حال السكرات بطلان ما اعتقده، ولهذا يقول تعالى: وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَسورة الزمر:47، وقال : قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ۝ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًاسورة الكهف:103-104، فخاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد ربما لا يطلع عليها الناس، فتظهر عند وفاته، يظهر المخبوء.

قال عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله: حضرت رجلاً عند الموت يلقن: "لا إله إلا الله"، "لا إله إلا الله"، فقال في آخر ما قال: هو كافر بها، ومات على ذلك، قال: فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمر، فكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب، فإنها هي التي أوقعته.

ولذلك فإن الإصرار على المعاصي -وهو سبب ثاني لسوء الخاتمة- يجعل إلفها في قلب صاحبها، وإذا كان ميله إليها أكثر حضرته عند الوفاة ربما، فغلبت عليه، فهلك، فهذه شهوة المعصية تصير حجاباً بين صاحبها وبين ربه، وتكون سبباً في شقائه في آخر عمره، ويُعرف ذلك بمثال: وهو أن الإنسان لا شك أنه يرى في منامه من الأحوال التي ألفها طول عمرها، حتى إن الذي قضى عمره في العلم يرى من الأحوال المتعلقة بالعلم والعلماء، والذي قضى عمره في الخياطة يرى من الأحوال المتعلقة بالخياطة، والذي اشتغل بالتجارة إدمانه عليها يومياً، وانشغال ذهنه بها يجعله يراها في نومه، وقد أخبر النبي ﷺ  عن نوع من أنواع الرؤى -أي رأى الشيء-، يهم الرجل في نهاره؛ فيراه في نومه، والموت وإن كان فوق النوم لكن سكراته، وما يتقدمه من الغشي قريب من النوم، فطول الإلف بالمعاصي يقتضي تذكرها عند الموت، وعودها في القلب، فإذا قبضت روح العاصي في تلك الحال يختم له بالسوء، حتى قال مجاهد رحمه الله: ما من ميت يموت إلا مُثِّل له جلساؤه الذين كان يجالسهم، فهذه خطورة اعتياد المعصية، والإدمان عليها، وضعف الإيمان الذي يجعل الإنسان واقعاً في المعاصي.

وسوء الخاتمة على رتبتين إما أن يغلب على القلب عند سكرات الموت وظهور أهواله شك أو جحود؛ فتقبض الروح على تلك الحال، فتكون حجاباً بينه وبين الله أبداً، وذلك يقتضي العذاب المخلد، والرتبة الثانية أن يغلب على القلب عند الموت حب أمر من الأمور التي كان يقارفها صاحبها وهو حي؛ فتظهر عند وفاته، فربما تكون سبباً في عذابه.

قال ابن كثير رحمه الله: والمقصود أن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة، قال الله تعالى: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًاسورة الفرقان:29، وسوء الخاتمة لا يقع فيها من صلح ظاهره وصلح باطنه مع الله، وصدق في أقواله وأعماله، فهذا لم يُسمع به، وإنما يقع سوء الخاتمة لمن فسد باطنه اعتقاداً، وظاهره عملاً، ولمن له جرأة على الكبائر، وإقدام على الجرائم، وقد يظهر من المحتضر ما يدل على سوء خاتمة مثل النكول عن نطق الشهادتين، ورفض ذلك، والتحدث بالسيئات والمحرمات، وإظهار التعلق بها.

طواغيت يحتضرون

00:07:27

وإن من أمثلة سوء الخاتمة التي ذُكرت لنا في القرآن العظيم ما حصل عند هلاك الطاغية فرعون، لما قاده الله بقدرته مع جنوده الكفرة لإتِّباع موسى وقومه، فدخلوا وراءهم في البحر، بعدما هاب فرعون الدخول وهمَّ بالرجوع، ولكن هيهات ولات حين مناص، نفذ القدر، واستجيبت الدعوة، ولم يملك من نفسه إلا الدخول، فتجلد لأمرائه، وأظهر الشدة والجرأة، وقال: ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا، فاقتحموا كلهم عن آخرهم، فلما توسطوا في البحر، وتكاملوا فيه أمر الله القدير البحر أن يرتطم عليهم، فلم ينج منهم أحد، فجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم، وتراكمت فوق فرعون، وغشيته سكرات الموت، فقال وهو على تلك الحال: آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَسورة يونس:90، فآمن حيث لا ينفعه الإيمان، ولهذا قال الله: آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَسورة يونس:91، ولما شك بعض بنو إسرائيل في موته أمر الله البحر أن يلقيه جسداً سوياً بلا روح: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُإذا نزل الموت لا تفيد التوبة، إذا غرغر العبد أُغلق باب التوبة، حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۝ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ۝ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَسورة يونس:90-92، وجعل جبريل يدس من زبد البحر في فم فرعون مخافة أن تدركه رحمة الله تعالى، فلم يتمكن من الشهادة قبل نزول الموت، ولم يعرف التوحيد، ويقر به، ويظهر ذلك عليه إلا بعد نزول الموت، فلم ينفعه ذلك.

وقد حدثنا كتب التاريخ الإسلامي عن نماذج من الطواغيت، وماذا فعل الله بهم بعد تجبرهم، ومن ذلك الذي كان يسمى بعضد الدولة، ذكر ابن كثير رحمه الله قصته في البداية والنهاية: خرج مرة إلى بستان له، فقال: أود لو جاء المطر، فنزل المطر، والله يمهل، وفتنة كانت لهذا الرجل، فنزل المطر، فأنشأ يقول:

ليس شرب الراح إلا في المطر وغذاء من جوارٍ في السحر
غانيات سالبات للنهى ناعمات في تضاعيف الوتر

غناء ووتر، وأوتار وأغاني.

راقصات زاهرات نجل رافلات في أفانين الحبر
مطربات غنجات لحن رافضات الهمِّ آمال الفكر
مبرزات الكأس من مطلعها مسقيات الخمر من فاق البشر
عضد الدولة وابن ركنها مالك الأملاك غلاب القدر
سهل الله إليه نصره في ملوك الأرض ما دام القمر
وأراه الخير في أولاده ولباس الملك فيهم بالغُرر

قال ابن كثير رحمه الله: قبحه الله، وقبح شعره، وقبح أولاده؛ فإنه اجترأ في أبياته هذه، فلم يفلح بعدها، فيقال: إن بدأ أخذه كان حين قوله: "غلاب القدر" أخذه الله فأهلكه، فتمثل عند موته بأبيات، وانظروا الفرق بين هذه الأبيات والتي قبلها، وفيها كلمة: "الرنق" وهو التراب العالق في الماء.

تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرنق
ولا تأمن الدهر إني ائتمنته فلم يبق لي حالاً ولم يرع لي حقاً
قتلت صناديد الرجال فلم أدع عدواً ولم أُمهل على ظنه خلقاً
وأخليت دار الملك من كل بازل وشتتهم غرباً ومزقتهم شرقاً
فلما بلغت النجم عزاً ورفعة ودانت رقاب الخلق أجمع لي رقاً
رماني الردى سهما فأخمد جمرتي فها أنا ذا في حفرتي عاجلاً ملقى
فأفسدت دنياي وديني سفاهة فمن ذا الذي مثلي بمصرعه أشقى
فيا ليت شعري بعد موتي ما أرى إلى رحمة الله أم ناره ألقى

فهكذا حصل من هذا الذي قال عن نفسه: "مالك الأملاك غلاب القدر"، قال: "فها أنا ذا في حفرتي عاجلاً ملقى"، وجعل يكرر هذه الأبيات، ثم جعل يكرر قوله تعالى: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ ۝ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْسورة الحاقة:28-29، مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ ۝ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْسورة الحاقة:28-29حتى مات.

سلاطين يحتضرون

00:13:53

وهكذا كان لأصحاب السلطان وقفات عند الموت كما حصل لبعض الخلفاء، لما احتضر سمع غسالاً يغسل الثياب، فقال: ما هذا؟ قالوا: غسَّال، قال: يا ليتني كنت غسَّالاً أكسب ما أعيش به يوماً بيوم، ولم أر الخلافة، ثم قال:

لعمري لقد عمرت في الملك برهة ودانت لي الدنيا بوقع البواتر
وأعطيت حمر المال والحكم والنهى ولي سلمت كل الملوك الجبابر
فأضحى الذي قد كان مما يسرني كحلم مضى في المزمنات الغوابر
فيا ليتني لم أعن بالملك ليلة ولم أسع في لذات عيش النواظر

وقيل لبعض هؤلاء من أصحاب السلطان في مرض الموت: كيف تجدك؟ فقال: أجدني كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْسورة الأنعام:94.

وقال سعيد بن عبد العزيز: لما احتُضر عبد الملك أمر بفتح أبواب من قصره، فلما فتحت سمع بالوادي، فقال: ما هذا؟ قالوا: قصَّار، فقال: يا ليتني كنت قصَّاراً أعيش من عمل يدي، فلما بلغ سعيد بن المسيب قوله قال: الحمد لله الذي جعلهم عند موتهم يفرون إلينا، ولا نفر إليهم، ولما حضره الموت جعل يندم ويندب، ويضرب بيده على رأسه ويقول: وددت أني اكتسبت قوتي يوماً بيوم، واشتغلت بعبادة ربي وطاعته، ولما حضرته الوفاة دعا بنيه فوصاهم، ثم قال: الحمد لله الذي لا يسأل أحداً من خلقه صغيراً أو كبيراً.

ويروى أنه قال: ارفعوني، فرفعوه حتى شم الهواء، ثم قال: يا دنيا ما أطيبك إن طويلك لقصير، وإن كثيرك لحقير، وإن كنا بك لفي غرور. ذكر القصة ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية.

أين ما بنوا من القصور؟ خلوها والتحقوا بالقبور، أين ما غرسوا من الزرع؟ تركوه وولوا حيث لا رجع، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُسورة سبأ:54.

ولما حضرت أحد السلاطين الوفاة جعل يقول: حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَسورة الأنعام:44، وجعل يقول: لو علمت أن عمري قصير ما فعلت، وجعل يقول: ذهبت الحيل فلا حيلة.

سوء خاتمة أهل البدع

00:16:59

وأما أهل البدعة فإنه يحضرهم من السوء عند موتهم ما الله به عليم، وهذه قصة فيها عبرة لأحد هؤلاء الذي كان يسمى: إسماعيل بن محمد بن أبي يزيد أبو هاشم الحميري الملقب بالسيد، كان من الشعراء المشهورين، ولكنه كان باطنياً خبيثاً، ومبتدعاً غثيثاً، من أهل الرفض، والكفر المحض، وكان ممن يشرب الخمر، ويقول بالرجعة، أي بعد الموت سيكون الرجوع إلى الدنيا، ثم موت ورجوع، ثم موت ورجوع، وهكذا يعتقد هؤلاء، قال يوماً لرجل من أهل السنة: أقرضني ديناراً، ولك عندي مائة دينار إذا رجعنا إلى الدنيا، فقال له الرجل: إني أخشى أن تعود كلباً أو خنزيراً، فيذهب ديناري، وكان قبَّحه الله يسب الصحابة في شعره، قال الأصمعي: ولولا ذلك ما قدمت عليه أحداً في طبقته، ولما حضرته الوفاة اسود وجهه عند الموت، وأصابه كرب شديد جداً، ولما مات لم يدفنوه لسبه الصحابة ، وهكذا يكون هؤلاء، أهل الكفر، وأهل البدعة عند الموت في أشنع موقف وأسوئه، نسأل الله السلامة والعافية.

اللهم ثبتنا عند الممات، اللهم اجعل ميتتنا على الإيمان يا رحمن.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:18:52

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الحي الذي لا يموت، الحمد لله مالك الملك، الحمد لله ذي الجلال والإكرام، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، ، ملك الخلق وخلقهم ، مالك الملك كل ملك زائل إلا ملكه ، وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

احتضار الظلمة والمجرمين

00:19:48

أيها الإخوة: لقد كان للظلمة مع الموت موعد، والله يمهل ولا يهمل، ولما قتل الحجاج سعيد بن جبير دعا عليه، فلم يلبث بعده إلا نحواً من أربعين يوماً، فكان إذا نام يراه في منامه آخذاً بمجامع ثوبه يقول: يا عدو الله، لم قتلتني؟ فيقول: ما لي ولسعيد بن جبير! مالي ولسعيد بن جبير!.

وهكذا أخبر بعض من حضره أنهم سمعوه يقول: مالي ولسعيد بن جبير! عند وفاته قبحه الله.

وأما أصحاب الدنيا المنشغلون بالأموال، فإنهم للموت معهم موعداً أيضاً، فإن كانوا قد اشتغلوا بالمال عن عبادة الله، وألهتهم الدنيا عن طاعة الله، فإن سوء الخاتمة نذير شديد.

قال ثابت البناني رحمه الله: كان رجل عاملاً للعمال، فجمع ماله، فجعله في سارية، فلما حضرته الوفاة أمر به، فنثر بين يديه، فجعل يقول: يا ليتها كانت بعراً، يا ليتها كانت كانت بعراً، يا ليتها كانت بعراً.

وقيل لأحد المحتضرين: قل: "لا إله إلا الله"، فجعل يقول: الدار الفلانية أصلحوا فيها كذا، والجنان الفلاني اعملوا فيها كذا.

وذكر ابن القيم رحمه الله عن أحد التجار أن أحد قرابته احتضر وهو عنده، فجعلوا يلقنونه: "لا إله إلا الله"، وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، هذا مشترى جيد، هذا كذا، حتى قضى نحبه.

وسمع بعض المحتضرين عند احتضاره يلطم على وجهه، ويقول: يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِسورة الزمر:56.

وقال أحدهم عند احتضاره: سخرت بي الدنيا حتى ذهبت أيامي.

وقيل لآخر عند موته: قل: "لا إله إلا الله"، فقال: آه آه، لا أستطيع أن أقولها.

وكان رجلاً يجالس شُرَّاب الخمر، فلما حضرته الوفاة جاءه إنسان يلقنه الشهادة، فقال له: اشرب واسقني، اشرب واسقني، ثم مات.

وذكر ابن القيم رحمه الله أن رجلاً حضرته الوفاة، فقيل له: قل: "لا إله إلا الله"، فجعل يهذي بالغناء.

وقال: قيل لأحد المحتضرين: قل: "لا إله إلا الله"، فقال: وما يغني عني! وما أعرف أني صليت لله صلاة! ولم يقلها.

صحب رجلاً الأخيار فترة من الزمن، فصلح أمره، وظهر ذلك في مظهره وثوبه ولحيته، ولكن في يوم من الأيام صحب الأشرار لينفثوا سمومهم في عقله وقلبه، وليدعوه إلى كل شر ورذيلة، وليغرسوا في قلبه بغض الصالحين ومجالسهم، وأخرجوه معهم إلى رحلة برية، وفي أثناء الطريق انقلبت بهم السيارة وماتوا جميعاً، وحضر الناس ليشاهدوا الحادث، وإذا بهم يعرفون هذا الرجل بعد موته قد حلق لحيته التي أطلقها مدة من الزمن، وأسبل ثوبه الذي قصره فترة من الوقت، ووجدوا بجواره كأس الخمر بعد معاقرته له، لقد مات وهو مخمور بها، ولقي الله وهو سكران، كم من دمعة قطرت على هذه الخاتمة السيئة، فهل من قلوب واعية، وآذان صاغية.

شتان بين الخاتمتين

00:24:06

يقول أحد الأشخاص: في أثناء عملنا توقفت أنا وزميلي على جانب الطريق نتجاذب أطراف الحديث، وفجأة سمعنا صوت ارتطام قوي أدرنا أبصارنا، فإذا بها سيارة مرتطمة بأخرى كانت قادمة من الاتجاه المقابل، هببنا مسرعين لمكان الحادث لإنقاذ المصابين، حادث لا يكاد يوصف، شخصان في السيارة في حالة خطيرة، أخرجناهما من السيارة، ووضعناهما ممدودين، أسرعنا لإخراج صاحب السيارة الثانية الذي وجدناه قد فارق الحياة، عدنا للشخصين فإذا هما في حال الاحتضار، هب زميلي يلقنهما الشهادة، قولوا: "لا إله إلا الله"، لكن ألسنتهما ارتفعت بالغناء، يرددان أغنية كانا يستمعان إليها قبل الحادث، أرهبني الموقف، وهالني الأمر، وكان زميلي على عكسي يعرف أحوال الموت، وأخذ يعيد عليهما الشهادة، فما استطاعا نطقها، بل أخذا يغنيان، ومن حضر من الناس يسمعهما ليشهدوا عليهما يوم الفضائح، واستمرا على ذلك حتى ماتا، وما استطاعا أن ينطقها بلا إله إلا الله.

قصص سوء الخاتمة لأهل الغناء كثيرة حتى أن بعضهم عند الغرغرة ربما لعن الدين، وتبرأ من الصلاة.

يقول أحدهم في المقابل: حضرت إنساناً يحتضر في حادث سيارة، وحملناه معنا، وقمنا بالاتصال بالمستشفى وجدناه شاباً في مقتبل العمر، صاحب دين وتقوى، يبدو ذلك من مظهره، وقمنا بإسعافه وحملناه، وإذا بنا نسمعه يهمهم ولا نفقه ما يقول، أرخينا مسامعنا، فوجدناه يقرأ القرآن بصوت ندي، كأنه ليس مصاباً، واستمر في قراءته، ثم رفع أصبعه السبابة يتشهد، وسكت الصوت بعد ذلك ليختمها بكلمة التوحيد، واتصل أحد الموظفين في المستشفى بمنزل المتوفى كان المتحدث أخوه، قال عنه: إنه يذهب كل يوم اثنين لزيارة جدته الوحيدة في القرية، وكان يتفقد الأرامل والأيتام والمساكين، كانت القرية تعرفه، فهو يُحضر لهم الكتب النافعة، والأشرطة الدينية، وكان يذهب وسيارته مملوءة بالأرز والسكر لتوزيعها على المحتاجين، وحتى حلوى الأطفال لم يكن ينساها، كان يرد على من يُثنيه عن فعل الخير، ويقول: إنني أستفيد من طول الطريق بحفظ القرآن ومراجعته، وسماع الأشرطة والمحاضرات، وهكذا كانت هذه الخاتمة الحسنة.

أيها الناس: إن في الواقع لعبراً والله، وإننا حين نسمع الأخبار لا بد أن نربط بين الأحداث وبين ما جاء في القرآن والسنة، وأن نعتبر بما ورد. وهذا الهالك جونير جون -جون كيندي الابن-، قامت أمريكا من أجل رجل فاجر خبيث، رووا مغامراته في الفسق والفجور حتى بعد موته مع كبار المومسات والمغنيات الفاجرات، والممثلات الساقطات، والعارضات السافلات، ماذا كانت نهايته، وكيف سقطت طائرته تهوي، لقد خر هذا المشرك بالله من السماء، فتخطفه السمك، وهوت به طائرته في البحر العميق في مكان سحيق، أخرجوه فأحرقوه، أليس خذلاناً؟ أنفقوا من أجل البحث عنه أموالاً طائلة، ثم أخرجوه فأحرقوه، وفي البحر ذروه، والله قادر على جمعه، قال الله تعالى: وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌسورة الشورى:29، أنفقوا عليه لإخراجه وإحراقه.

الحمد لله الذي جعل في الإسلام تكريماً للمسلم بدفنه: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ۝ أَحْيَاء وَأَمْوَاتًاسورة المرسلات:25-26، على ظهرها نعيش، وفي باطنها المستودع والبيت، بيت فوق، وبيت تحت، وإلى الله المرجع والمصير، والعبرة بالنهاية، والأعمال بالخواتيم.

اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وأحسن أعمارنا آخرها يا رب العالمين، أحينا مسلمين، وأمتنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.

اللهم أحيينا بالتقوى، وارزقنا بالتسمك بالعروة الوثقى، اللهم أحي قلوبنا بذكرك، اللهم أحي قلوبنا بذكرك.

اللهم لا تجعلنا من الغافلين، اللهم ردنا إلى الحق رداً جميلاً، ارزقنا فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.

اللهم آمنا في ديارنا وأوطاننا، واجعل بلدنا هذا بلداً آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه مسلم (5126)