الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

صور من البيوع المحرمة 2


عناصر المادة
الخطبة الأولى
صور محرمة من بيع التقسيط
حكم البيع بدون بيان العيب
لا تبع ما ليس عندك
بيع وشراء العملات
يشتري ليبيع للآخرين
بيع الحرام حرام
الخطبة الثانية
أحكام تتعلق بالبنوك
بيع وشراء الذهب

الخطبة الأولى

00:00:04

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران:102. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء:1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب:70-71.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

صور محرمة من بيع التقسيط

00:01:06

لقد تكلمنا في الخطبة الماضية عن موضوع الربا، وأنه حرام، وأن وضع الأموال في البنوك، أو شراء شهادات الاستثمار من البنوك بنسب ثابتة معلومة هو عين الربا الذي يعرفه كل مسلم، عامة المسلمين يعرفون أنه من الربا، صغاراً وكباراً، بنص كتاب الله، وأحاديث رسول الله ﷺ، ولذلك فلا عبرة بأي قائل يقول بخلاف ذلك، سواء كان كبيراً أم صغيراً، غنياً أو فقيراً، فإن كتاب الله حكم بيننا، لا يجوز أن يتلاعب به المتلاعبون.

ولقد سألني بعض الإخوان أن أتحدث عن بعض الصور غير الجائزة في البيع، أو التي تتعلق بأمور ربوية، وأنا أعرض لكم طائفة من أنواع البيوع التي اشتهرت بين الناس مع الكلام على حكمها، مستنداً إلى ذلك بالأدلة من كتاب الله، وأحاديث رسول الله ﷺ بما وضحه أهل العلم من العلماء الثقات، وغالب هذه الأنواع التي سأذكرها كلها قد وجهت إلى اللجنة الدائمة للإفتاء، أو إلى أحد الثقات من العلماء فأجاب عنها.

يسأل كثير من المسلمين عن حكم بيع التقسيط، وهو أن يشتري سلعة بأقساط إلى أجل، فإن البيع بهذا -كما صدرت الفتوى عن اللجنة الدائمة للإفتاء- أن البيع إلى أجل معلوم جائز إذا اشتمل البيع على الشروط المعتبرة، وكذلك التقسيط في الثمن لا حرج فيه إذا كانت الأقساط معروفة، والآجال معلومة، والدليل: قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُسورة البقرة:282، فإذا تحدد الأجل: متى يجب عليه التسديد؟ نهاية المدة، فهذا من الشروط، ولقول النبي ﷺ: من أسلف في شيء ففي كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم[رواه البخاري (2241)، ومسلم (1604)]، ولقصة بريرة الثابتة في الصحيحين: "أنها اشترت نفسها من سادتها بتسع أواق في كل عام أوقية"[رواه البخاري (2729)، ومسلم (1504)] اشترت نفسها ممن يملكها بتسع أواق، في كل عام أوقية، هذا هو بيع التقسيط، ولم ينكر ذلك النبي ﷺ بل أقره، ولم ينه عنه، ولا فرق في ذلك بين كون الثمن مماثلاً لما تباع به السلعة نقداً، أو أكثر من ذلك، فإذا كان الأجل معلوماً، والأقساط معلومة، وقيمة كل قسط معلومة، يعني: الثمن النهائي معلوم، والأجل معلوم، فإن البيع جائز إذا توافرت فيه بقيت الشروط الشرعية، ولكن من الأمور التي ينبغي الحذر منها أن ينصرف البائع والمشتري، ولما يحددا نوع البيع الذي سيتبايعان به، فلو قال له: أبيعك هذه السيارة بأربعين ألفاً نقداً، أو بخمسين ألفاً بالتقسيط إلى سنة، ولم يحددا نوع البيع، فقال المشتري: قبلت، وانصرف على أنه مخير بأي نوع بدون أن يحدد النوع: هل هو نقد أو تقسيط؟ فإن البيع غير جائز، فلا بد أن يحدد عند البيع: هل يريد أن يشتري نقداً أو يشتري تقسيطاً؟ لا يجوز أن يتركا مجلس العقد ولما يعينا نوع البيع الذي يريد كل منهما أن يتبايع به.

وكذلك لو قال له: بعتك أحد هاتين السيارتين بثلاثين ألفاً، اشتريت هذه، أو هذه بثلاثين ألفاً، ولم يحددا أية واحدة منهما التي وقع عليها البيع، فإن البيع كذلك غير جائز؛ لأن السلعة مجهولة، ولا بد عند البيع من تعيين السلعة، لا يجوز أن يقول: بعتك واحدة من هاتين السيارتين، لا بد أن يحدد: أي سيارة؟

وكذلك عندما لا يختار نوع من البيع: هل هو نقد أو تقسيط؟ فإن الثمن يكون غير معلوم، وعندما يكون الثمن مجهولاً؛ فإن البيع يكون باطلاً.

وكذلك فإذا قال له: أبيعك داري على أن تبيعني دارك، أو أبيعك داري على أن تزوجني ابنتك بمهر كذا، فإنه غير جائز؛ لأن رسول الله ﷺ نهى عن بيعتين في بيعة، ومن هذا النوع أن يقول له: أبيعك السيارة بعشرة آلاف على أن تبيعني إياها بعد سنة بمبلغ كذا، فهذا أيضاً غير جائز؛ لأنها بيعتين في بيعة، وقد نهى رسول اللهﷺ عن بيعتين في بيعة، فلا يجوز أن تشترط عليه عند البيع أن يبيعك الشيء الآخر، سواء السلعة نفسها، أو سلعة أخرى، أو أن يزوجك ابنته مثلاً، فلا يجوز الربط بين هذه الأمور في عقد واحد، بل يجب أن يكون كل عقد منفصلاً عن الآخر.

ومن الأمور التي تحدث في بيع التقسيط، وهي غير جائزة أن يشتري منه بأقساط إلى أجل، ثم يبيعها على نفس البائع الأول بثمن أقل، هذا بيع العينة الذي نهى رسول الله ﷺ عنه، وأخبره بأنه حرام لا يجوز، فلو أن إنسان اشترى من الوكالة سيارة بالتقسيط بخمسين ألفاً إلى سنة بالأقساط، أو إلى سنتين، لا يجوز أن يأخذها، ويبيعها على نفس الوكالة نقداً الآن، لا يجوز، هذا بيع العينة، يأخذها نقداً بخمسين ألفاً ثم يبيعها على نفس البائع بأربعين ألفاً مثلاً، حرام لا يجوز، بيع العينة، لكن لو أخذها من المعرض، واستلمها من الوكالة، ثم ذهب بها إلى مكان آخر: إلى الحراج، إلى معرض، إلى صديق له، وباعها عليه نقداً فلا بأس بذلك، يبقى عليه التقسيط، دين يدفعه للوكالة، والسيارة يبيعها بعد أن استلمها إلى من شاء، لكن غير الطرف الأول الذي اشترى منه، أنت تبيعها، أنا أشتريها منك نقداً، ويكون هذا المشتري من جهة الوكالة؛ فإن هذا غير جائز، لكن لو باعها على طرف آخر لا على علاقة له بالبيع الأول فلا بأس بذلك، وهو حلال إن شاء الله.

حكم البيع بدون بيان العيب

00:08:43

وكذلك من المنكرات التي تقع في بيع السيارات: أن يعلم البائع أن السيارة فيها العيب الفلاني، وفيها الخلل الفلاني، ثم يبيعها على مشتر دون أن يبين له العيب الذي في السيارة، هذا حرام، لا يجوز، وهو آثم، والدليل قوله ﷺ: من غشنا فليس منا[رواه مسلم (101)]، ولا يُعفيه أن يقول له: أبيعك كومة حديد، كومة حديد بكم تشتري؟ أو يقول له: خذها إلى أي ورشة، أو إلى أي مكان وافحصها، لا يُعفيه؛ لأن المشتري قد لا يعلم العيب، وقد لا يكتشف الذي في الورشة العيب من أول وهلة؛ لأن بعض العيوب لا تظهر إلا عند الاستعمال على فترة طويلة؛ ولذلك لا يجوز أن يقول: خذها كومة حديد، أو خذها وافحصها، وأنا لا أقول لك فيها شيء، لا بد أن يبين له العيب إذا كان يعلم العيب، لا بد أن يبين، والدليل: قوله ﷺ: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما[رواه البخاري (2110)، ومسلم (1532)]؛ ولذلك يسأل قائل فيقول: أنا بعت سيارتي، وكان فيها عيوب لم أبينها للمشتري، ماذا أفعل؟ أنا أريد أن أتوب إلى الله.

نقول له: عليك أن تتوب إلى الله توبة صادقة، وألا تعود إلى هذا العمل مرة أخرى، وتندم عليه، وتستغفر ربك، وتتوب إليه، ثم تذهب إلى من بعت السيارة عليه، وتستسمح منه، وتستبيحه، وتقول له: أنا مستعد أن أرجع لك مقدار العيب الذي كتمته عنك، أرجع لك ثمن العيب الذي كتمته عنك، فإن اصطلح معك على أي شيء سواء سامحك، أو أخذ منك قيمة العيب الذي كتمته عنه، أو رجعتم في البيع، وفسختموه؛ فإن ذلك من تمام توبتك، وأنت مأجور على عملك إن شاء الله، ولو اختصما، فالقاضي بينهما.

لا تبع ما ليس عندك

00:11:13

ومن البيوع المحرمة أيضاً: أن يشتري البضاعة، ويبيعها، وهي لا زالت في مكانها من التاجر الأول، كأن يعرف إنسان أن شخصاً يحتاج إلى كفرات سيارات، فيرفع سماعة الهاتف على صديق له يعلم أن عنده كفرات، فيقول له: تبيعني الكفرات التي عندك بمبلغ كذا؟ فيقول: نعم بعتك، انعقد البيع، ما حكمه؟ صحيح، ثم يرفع السماعة على الشخص الثاني الذي يعلم أنه يحتاج الكفرات، فيقول له: عندي لك كفرات، تشتريها مني بكذا؟ فيقول: نعم أشتريها منك، فيقول: إذن اذهب فحملها من المكان الفلاني، من مكان التاجر الأول، أو تعال إلي بعد فترة، وخذها مني، ما حكم البيع الثاني؟ لا يجوز، الدليل: قوله ﷺ: لا تبع ما ليس عندك [رواه الترمذي (1232)]، وهذا الشخص باع الطرف الثاني بضاعة ليست عنده؛ لأنها لا زالت في مستودعات التاجر الأول، ودليل آخر: عن زيد بن ثابت عن النبي ﷺ: "أنه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" [رواه أبو داود (3499)]، فلا بد إذا أردت أن تبيع الطرف الثاني أن تتصل بالطرف الأول، وتشتري منه السلعة، ثم تخرجها من مخازنه، وتدخلها مخزنك أنت، أو بيتك، وتقبضها إليك، ثم ترفع السماعة، وتبيع على التاجر الثاني، أما أن تبيع على شخص آخر، والبضاعة قد اشتريتها، ولا زالت عند التاجر الأول لم تقبضها، فالبيع غير صحيح: لا تبع ما ليس عندك[رواه الترمذي (1232)]، فإن قلت لي: إن ملايين الناس يفعلون هذا، أقول لك: فكان ماذا؟ وماذا يعني؟ الحكم الشرعي على رؤوس الجميع، وإن اتفق أهل الأرض على بيع تعاملوا به، وهذا البيع حرام، فهو لا يزال حراماً، طلعت أو نزلت، ذهبت شرقاً أو غرباً؛ فالبيع حرام؛ ولذلك لو ذهب إنسان إلى السوق، فاشترى سلعة من شخص -في أرض السوق-، ثم أراد أن يبيعها، قال أهل العلم: ينقلها إلى بقعة أخرى، ولو كانت قريبة، يأخذها، ويضعها في مكان آخر، ثم إذا أراد أن يبيعها يبيعها، دلالة على أنه قبضها، وأخذها، واستلمها، ثم بعد ذلك يبيعها.

بيع وشراء العملات

00:13:59

هذا سؤال أجابت عنه هيئة كبار العلماء عن حكم بيع وشراء العملات، فأجابت بما ملخصه: إن بيع وشراء العملات جائز، فإذا كانت العملات من نفس النوع؛ فإنه لا بد من التماثل والتقابض، إذا كانت ريالات لا بد أن يعطيه ريالات، ويأخذ ريالات في نفس المجلس، تماثل وتقابض، ولو كانت العملات من أنواع مختلفة -كمن يريد أن يشتري دولاراً بريال-، فإنه يجوز له أن يشتري كيف شاء، دولار بأربعة ريالات، بثلاثة ريالات، بأربعة ريالات إلا ربع جائز؛ لأنها نوعين مختلفين من النقد، من العملات، ولكن لا بد أن يتم الاستلام والتسليم في مجلس العقد، لو قال: هات المائة دولار، وغداً أعطيك ثلاثمائة وخمسة وسبعين ريال؛ فالبيع غير صحيح؛ لأنه لم يسلم الثمن في مجلس العقد، لا بد أن يستلم يداً بيد؛ ولذلك أيها الإخوة بلغني أن من التعاملات المتحايلة على الربا: أن يقول البنك لتاجر: عندك دولارات؟ أنا أشتري منك دولارات، كم عندك مليون دولار؟ أنا أشتري منك مليون دولار، هات المليون دولار، وضعها عندي، وأسلمك ثمنها أربعة ملايين ريال، ولكن بعد ستة أشهر، يريد البنك أن يتحايل ليقول: ما رابينا نحن بعنا واشترينا، ولكن يلعبون على من؟! يخدعون من؟! ملك الملوك، الله يخادعونه كما يخادعون الصبيان، طفل صغير تلعب عليه، والله يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُسورة غافر:19، ويعلم بأنها حيلة للربا، فلا بد إذا أردت أن تبيع عملة أن تقبض وتسلم في نفس المجلس، لا تتأخر لحظة واحدة.

وهذا سؤال وجِّه للجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم التجارة بالعملات في بعض البلاد فيما يعرف بالسوق السوداء؟

فكان الجواب: يجوز شراء العملة بعملة أخرى من غير جنسها، ولو تفاوت السعر يداً بيد، ولا يمنع من ذلك المخالفة للقوانين الوضعية، فلو كانت قوانيناً وضعية، وليس فيها مصلحة للمسلمين، فإن هذه القوانين الوضعية لا تمنع بيع العملات، ولو فيما يعرف بالسوق السوداء، وليسموه ما يسموه، فإذا كان بيعاً وشراء يداً بيد تقابض؛ فإن ذلك جائز، وهذه الفتوى برقم ألفين وعشرة، ونشرت في مجلة الدعوة السعودية في عدد رقم ثمانمائة وأربعة وأربعين.

يشتري ليبيع للآخرين

00:17:15

وهناك نوع آخر من البيوع، وهو أن يشتري سيارة عن طريق وكالة، أن يشتري سيارة وكالة "أ" عن طريق وكالة "ب"، فما هو الحكم؟

فنقول: إذا كانت الوكالة "ب" عندها السيارة المطلوبة قد استلمتها من الوكالة "أ" ووضعتها عندها في مستودعاتها، ثم أنت أتيت، واشتريتها من الوكالة "ب" فلا حرج، لكن أن تأتي الوكالة "ب"، وتبيعك سيارة عند الوكالة "أ" فلا يجوز، لا بد أن يستلموها، ثم يبيعوك إياها نقداً أو تقسيطاً، لا بد أن يستلموها، الدليل: لا تبع ما ليس عندك[رواه الترمذي (1232)].

وكذلك من الحيل على الربا: أن يأتي شخص عنده سيولة، ويعلم بأن صاحباً له يحتاج سيارة، فيقول: تعال معي إلى المعرض أو الوكالة، انتقي السيارة التي تعجبك، فتنتقي السيارة التي تعجبك، فيقول لك: أنا أشتريها الآن من مالي، ثمنها أربعين ألف أدفعها للمعرض أو الوكالة، أشتريها باسمك، ثم أنت تعطيني بالتقسيط، أو بعد سنة تعطيني خمسين ألفاً.

الجواب: أن البيع حرام، وأنه وسيلة إلى الربا، بل هو عين الربا، كأنه أقرضك الأربعين ألفاً بخمسين ألف، ذهب معك إلى الوكالة اشترى لك السيارة التي تعجبك، اشتراها باسمك أنت، يعني: كأنه أقرضك الأربعين ألفاً، ثم قال: ردها علي خمسين ألفاً، فهذا حرام، لكن أن يشتريها باسمه هو من الوكالة، هو يعلم أنك تحتاج سيارة، فيشتريها باسمه هو، ويقبضها، ويأخذ مفتاحها، ويخرجها من الوكالة، ثم يقول: يا صاحبي أنت تريد سيارة، هذه السيارة تريد أن تشتري مني بخمسين ألف إلى أجل أقساط أبيعك، هذا لا حرج فيه؛ لأنه قد أخذها، وقبضها، واشتراها، وأنت لست ملزماً بها، أنت لو قلت: أنا لا أريد أشتري السيارة؛ غيرت رأيي، خلاص ليس هناك إلزام، في هذه الحالة يجوز البيع.

أيها الإخوة: هذه المسائل منتشرة بين الناس بكثرة، ولكن الناس أكثرهم لا يعلمون، أكثرهم لا يفقهون، أكثرهم لا يخافون الله؛ ولذلك ليس عنده أي حرج من أي بيع أو شراء ما دام فيه ربح، لا يسأل، لا يستفتي، لا يتفقه في الدين، لا يراعي الله في بيعه، قد يكون ربا! حراماً! غير مهم؛ ما دام فيه مكسب، جيب هات، هذا هو همهم، أن يكسبوا، لا يبالون من حرام، أم من حلال.

بيع الحرام حرام

00:20:15

واعلموا بأن بيع الأمور الأشياء المحرمة لا يجوز، كأشرطة الأغاني، وأشرطة الفيديو المحرمة، أو آلات اللهو واللعب كالكمنجة والعود، والمزمار والطبل، كل هذا حرام بيعه لا يجوز، والله إذا حرم شيئاً -والله حرم المعازف- حرم ثمنه، فلا يجوز بيعها، وكل أولئك الذين يتاجرون بهذه الأشياء آثمون عند ربهم، يأكلون سحتاً في بطونهم، إنما يصلون به من نار جهنم يوم القيامة إذا لم يتوبوا إلى الله، ويعفو الله عنهم.

كذلك التاجر الذي يبيع مواد غذائية، وهو يعلم أن اللحم الذي يبيعه ليس مذبوحاً، وإنما هو مصعوقاً، يعلم يقيناً، أو أن فيه شوائب خنزيرية، أو لحم كلاب، أو حمير، ثم يبيعها، لا يجوز، حرام؛ لأن هذا الشيء حرام عند رب العالمين، حرمه الله، ولو قال: أنا أبيع هذه الأشياء على غير مسلمين، يأكلون لحم الكلاب والقطط والحمير، نقول: لا يجوز، إن الله حرم أكله، فيحرم بيعه.

ومن هذا الباب بيع الدم، الذي قال أهل العلم، جمهور العلماء على أن الدم نجس؛ ولذلك حرموا بيعه، لا يجوز بيع الدم، لكن في حالة الضرورة ماذا نفعل؟ في فتوى اللجنة الدائمة: الدم أصلاً نجس، ولا يجوز التداوي به إلا إذا خشي على نفسه الهلاك، فيجوز، مثل ماذا؟ مثل الميتة، أنت في صحراء انقطعت، أوشكت على الهلاك، كدت أن تموت، وجدت ميتة، ما حكم الميتة؟ حرام، ما حكم الأكل منها؟ حرام، لكن للضرورة إذا كدت أن تموت تأكل ما يبقي على حياتك، ويسد رمقك، وكذلك هنا، الأصل أن الدم نجس، الأصل إذن لا يجوز التداوي به، لكن لو خشينا عليه الموت، فيجوز عند ذلك، وفي الفتوى المذكورة: بل ربما يجب إبقاءً على حياة الشخص، وأما أخذ العوض على ذلك، أخذ العوض على الدم، فلا يجوز؛ لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فإن تعذر حصوله على الدم بلا عوض، محتاج لا بد أن يشتري، جاز له أن يشتري، ويدفع الثمن للضرورة، لكن الذي يبيع الدم هو الذي يأثم، ولا يجوز له أن يأخذ الثمن، فالمشتري للضرورة يجوز أن يشتري، ولكن الذي يبيع حرام عليه أن يأخذ الثمن.

وكذلك لو أن إنساناً يذهب للتبرع بالدم لأجل المال، يذهب لأجل المال، فلا يجوز، ولكن إذا تبرعنا يجب أن نتبرع لله؛ لإنقاذ حياة إخواننا المسلمين، هذا الأصل، ولا نكون ممن يبيع جزءاً من جسده، هذا فيه مشابهة لليهود، ولطبائع اليهود، يبيعون أجزاء من أجسادهم بمال يأخذونه، كلا، فاذهب وتبرع، يحتاج إليه المسلمون، لكن لا تأخذ عليه عوضاً، ولا ثمناً، وقال : وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْسورة الأعراف:157.

الخطبة الثانية

00:23:56

الحمد لله رب العالمين، وصلوات الله وسلامه على المبعوث رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، أرسله الله ليبين لنا ما أنزل إلينا من ربنا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ﷺ.

ويسأل بعض الإخوان عن العربون، ما حكم أن يأخذ البائع العربون إذا لم يتم البيع؟

فأجابت اللجنة الدائمة: لا حرج في أخذ العربون في أصح قولي العلماء، إذا اتفق البائع والمشتري على ذلك، ولم يتم البيع، لو قال له: أريد أن أشتري منك، وهذا عربون، واتفقا على أنه إذا لم يتم البيع أن البائع هو الذي له العربون، فما داما قد اتفقا؛ فيجوز للبائع إذن إذا لم يتم البيع أن يأخذ العربون له.

أحكام تتعلق بالبنوك

00:24:54

سأل كثير من الإخوان عن حكم وضع النقود في البنوك، وهذه مسألة مهمة لكثرة الحاجة إليها، والحمد لله إن أهل العلم قد بينوا هذه المسألة، ونختصرها لكم، فنقول: الأصل عدم جواز وضع النقود في البنوك، الدليل: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِسورة المائدة:2، وأنت عندما تضع النقود عندهم تساعدهم في إقراضها، أو الإقراض منها بالربا لأشخاص آخرين، وتدعهم، ولكن الله رحيم، والشريعة لا تقول لك: لا تضعها في البنك، ولو سرقت أو ضاعت؛ ولذلك أفتى علماؤنا بجواز وضع النقود في البنوك للضرورة حتى لا تسرق، أو تضيع مثلاً، وقالوا: يختار أقل البنوك تعاملاً بالحرام؛ لأنها كلها فيها حرام، فيختار أقلها تعاملاً بالحرام، حسب اجتهاده هو، قد نختلف أنا وأنت: أي البنكين أبعد عن الحرام؟ لا بأس، تجتهد في وضع نقودك في أبعد الأمكنة عن الحرام، فماذا تفعل بالفائدة؟ سيسجلون لك فائدة ماذا تفعل بالفائدة؟

يقول الشيخ عبد العزيز حفظه الله: "ولا يجوز اشتراط فائدة حتى ولو كان سينفقها في الخير"، لا يجوز أن تقول لهم، أنت إنسان تقي لا تريد أن تأخذ الفوائد، لكن تقول: أشترط عليهم فوائد حتى أعطيها للفقراء، لا يجوز، لا يجوز أن تشترط؛ لأن الشرط حرام أصلاً، والغاية لا تبرر الوسيلة.

ويقول الشيخ: "فإن دُفعت إليه الفائدة من غير شرط، ولا اتفاق؛ فلا بأس بأخذها" لا له، ولكن ليعطيها للفقراء، "فإن دفعت إليه الفائدة من غير شرط؛ فلا بأس بأخذها لصرفها في المشاريع الخيرية كمساعدة الفقراء والغرماء المديونين، ونحو ذلك، لا ليتملكها، أو لينتفع بها"، وربما، ملخص الفتوى: وربما كان الأفضل أخذها وعدم تركها للكفار يستفيدون منها.

وأما شراء أسهم البنوك فإنه حرام، الدليل: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِسورة المائدة:2، وأنت عندما تشتري أسهم البنوك فإنك تكون مساهماً ومشاركاً في عمليات البنك التي منها الربا الواضح.

فإن قلت لي: ماذا أفعل بأسهم النبوك التي لدي؟ أقول لك: ليس لك إلا رأس مالك، تبيعها وتبيع على البنك الأحوط لا تبيع على مسلم آخر، وتأخذ رأس مالك، وتتخلص من الباقي، وأما أسهم الشركات، فكانت الفتوى فيها: أن الشركة إذا كان عملها مباح كصناعة أو زراعة مثلاً؛ فيجوز المساهمة فيها، لكن إذا اكتشفت أنها تتعامل بالربا؛ فلا يجوز لك أن تساهم؛ لأن بعض الشركات لا يخاف أربابها من رب العالمين، يضعون النقود في البنوك؛ لأن بعض أصحاب الشركات ممن لا يخافون الله يضعون أموال الشركة في البنوك، ويأخذون الربا، ويوزعون منه أرباحاً على المساهمين، فإذا اكتشفت ذلك فبع الأسهم، ولا تشترك معهم.

والعمل في البنوك حرام، الدليل: لعن رسول الله آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه[رواه مسلم (1598)]، والحارس في البنك حرام -كما أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء-، والدليل: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِسورة المائدة:2، وهو بحارسته يتعاون معهم على الإثم والعدوان.

وسأل إنسان أهل العلم: إنني أشتغل في قسم محاسبة في إحدى الشركات، وهذه الشركة تقترض من البنك بالربا، وأنا آخذ هذا المستند البنكي وأسجله في دفتر مديونيات الشركة، فما حكم عملي؟

فكان الجواب: أنه حرام لا يجوز؛ لأنك فعلاً تكتب الربا: لعن رسول الله آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه[رواه مسلم (1598)].

وجاء سؤال إلى اللجنة الدائمة للإفتاء: عن رجل يقول: عملت في البنك سبعة أشهر، ثم أخبرني أحد زملائي أنه حرام، وأخبرني بالدليل أنه حرام، فتركت البنك، والتحقت بالخطوط السعودية، فما حكم الرواتب عن السبعة الأشهر الماضية؟

فأجابت: بما معناه، وملخصه: إذا لم يكن يعلم أنه حرام أصلاً، اشتغل عن جهل في البنك، ثم أتاه إنسان، فقال له: يا أخي حرام الدليل كذا، فلا حرج عليه فيما أخذ؛ لأنه لم يكن يعلم في الرواتب السابقة، ولا يجب عليه التصدق بها، لو تصدق أحسن، لكن لا يجب عليه، هذا بخلاف من يعلم سلفاً أن العمل في البنك حرام وهو يعمل فيه.

وأما تحويل الأموال عن طريق البنوك، فكانت الإجابة فيها: إذا دعت الضرورة إلى التحويل عن طريق البنوك الربوية، فلا حرج إن شاء الله؛ لقوله سبحانه: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِسورة الأنعام:119، ولا شك أن التحويل عن طريقها من الضرورات العامة في هذا العصر، والمال الذي يأخذونه على التحويل ليس فائدة ربوية، وإنما هو أجرة التحويل.

ثم تقول الفتوى: وإن تمكن من التحويل عن طريق مباح غير البنك لم يجز التحويل عن طريق البنوك الربوية.

بيع وشراء الذهب

00:30:49

وأما مسألة بيع وشراء الذهب، فإنه يحدث فيها كذلك من المخالفات الشرعية أشياء كثيرة: فمن هذه المخالفات: أن يأخذ الذهب، ويقول له: أسدد لك غداً، لا يجوز: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة...، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد[رواه مسلم (1587)]، تعطيه ذهباً خمسة غرام تأخذ خمسة غرام في نفس المجلس، تأخذ ذهباً، تعطيه قيمتها بالمال بالريالات في نفس المجلس، لا يجوز أن تقول: أعطيك بعد غدٍ.

وكذلك سأل بعضهم: إنسان أخذ مني مصاغ بألف ريال، وليس معه، فقلت له: حرام؛ لا بد أن تعطيني الألف الآن، فقال المشتري للبائع: سلفني ألف ريال من الخزينة، فلما سلفه قال: خذ هذه، هذا هو الثمن.

فكان الجواب: لا يجوز إلا نقداً، فإن قال: سلفني، لا يجوز؛ لأنه احتيال على الربا، وجمع بين سلف وبيع، ولا يجوز الجمع بين سلف وبيع في عقد واحد.

وكذلك لا يجوز بيع الذهب القديم بالذهب الجديد مع إعطاء الفرق، كما سبق أن بينا، وإنما تبيعه الذهب القديم، تستلم الثمن، ثم تشتري ذهباً جديداً منه، أو من غيره بدون اشتراط.

فإن قلت لي: ما هو الفرق؟ أقول لك: اذهب إلى دكاكين الذهب، وعندما تقول له: سأبيعك القديم، وآخذ الثمن، ثم أشتري منك، أو من غيرك، سيكون شراؤه منك غير، عندما تقول له: خذ القديم، وسأشتري منك جديداً، لتعلم أن هناك فرقاً بينهما.

الخلاصة: الحالات كثيرة جداً، والأسئلة لا تنتهي، وحياتنا معقدة، وقد تداخلت الأمور فيها تداخلاً كبيراً، عليكم بسؤال أهل العلم، وقد نقلت إليكم طائفة من فتاويهم مقرونة بالأدلة.

اللهم إنا نسألك أن تطهر أموالنا من الحرام، وأن تجعل مكاسبنا وأموالنا حلالاً، اللهم اجعل ما يدخل بيوتنا حلالاً، اللهم اجعل ما نغذي به أجسادنا وأبناءنا حلالاً، وباعد بيننا وبين الحرام، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك.

ونحن نفرح، وقد أذن الله بعقاب المفسدين في الأرض، ويسر من اقتص منهم على أفعالهم الشنيعة في العبث بأمن البيت الحرام، فنحمد الله على هذا التيسير لما يسر به منة وفضلاً منه بالضرب على أيدي أولئك العابثين المفسدين، اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم من أراد العبث بأمن هذا البلد، وأمن المسلمين فاقمعه، واقطع يده، واقطع دابره، اللهم اجعلنا في أمن في بيوتنا وشوارعنا وأسواقنا، اللهم ونجنا من عذابك.

1 - رواه البخاري (2241)، ومسلم (1604)
2 - رواه البخاري (2729)، ومسلم (1504) 
3 - رواه مسلم (101)
4 - رواه البخاري (2110)، ومسلم (1532)
5 - رواه الترمذي (1232)
6 - رواه أبو داود (3499)
7 - رواه الترمذي (1232)
8 - رواه الترمذي (1232)
9 - رواه مسلم (1598)
10 - رواه مسلم (1598)
11 - رواه مسلم (1587)
  • محمد

    جزى الله الشيخ خيرا وجزى الله القائمين على الموقع خيرا

  • جايز الغيداني

    جزاكم الله خير