الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
نعمة البصيرة
عباد الله: إن من نعم الله العظيمة على العبد أن يرزقه البصيرة، هذه البصيرة التي هي بصر بالشيء وخبرة، وعلم به وفطنة، وإدراك له ونظر فيه، هذه البصيرة المعرفة والتحقق والحجة واليقين والبرهان، هذه البصيرة هي نور القلب، فإذا قال في الدعاء: اللهم اجعل في قلبي نوراً، فإن هذا النور في القلب هو البصيرة، هو للأرواح كالماء للأرض اليابسة، وهو للقلوب كالضياء للبصر، هذه البصيرة يا عباد الله نور يقذفه الله تعالى في قلب العبد فيرزقه بصيرة في الأسماء والصفات، في أسمائه وصفاته، وفي أمره ونهيه، وفي وعده ووعيده، جاءت في كتاب ربنا في قوله: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ سورة يوسف108، البصيرة في الدين التي من عرفها ورزقها وذاقها فإنه يسير في حياته على هدى من ربه، لا تختلط عليه الأمور، ولا تتشابه، يعرف الحق، أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ سورة الملك22، هذه البصيرة هي المذكورة في قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ، يعني: مثل نوره في قلب عبده المؤمن، كَمِشْكَاةٍ، هذه الفتيلة التي توقد داخل الزجاجة تسمى مصباحاً، قال الله : مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍفِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ، هذه الفتيلة التي توقد مصباح داخل زجاجة، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّأي: في لمعانها ووضوحها وإنارتها، مشع كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍيستمد زيته مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌبدون إشعال، يكاد زيتها لصفائه ينير من غير إيقاد، فكيف إذا أوقدت، إذا أوقد المصباح الذي يستمد من هذا الزيت، نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌسورة النور35، إذن هذه هي البصيرة في صفائها، وفي إنارتها، وفي سلامتها، وفي فائدتها، تبعد عن العبد سوء الفهم سواءً سوء الفهم عن ربه، فبعض الناس يسيء الظن بالله، وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاسورة الأحزاب10، ولكن إذا كانت له بصيرة كان ظنه بالله حسناً، ومعرفته بالله طيبة، وكان فهمه للحلال والحرام صحيحاً، جيداً، كان عنده فقه في الأحكام، في المقابل من حرم البصيرة ذكر ربنا في الآية بعدها مثلاً له أيضاً فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا، هذا محروم البصيرة، هذا مطموس البصيرة، هذا الذي أظلم قلبه وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍسورة النور39-40، ومن يضلل الله فلا هادي له، وبعض الناس لا يرى الحق حقاً ولا يرى الباطل باطلاً، ولا يرى المعروف معروفاً، ولا يرى المنكر منكراً؛ لأن بصيرته قد طمست فيرى الحرام حلالاً، والحلال حراماً، والمنكر معروفاً، وهكذا يرى الحق باطلاًً والباطل حقاً، قد انعكست فطرته، وانطمست بصيرته، فماذا تملك له، فتراهم يجادلون في المجالس في الأحكام التي أنزلها الله، وتراهم يطعنون في الحق وأهله، أين البصيرة؟ لا بصيرة، والنور الذي يودعه الله في قلوب أوليائه، فيجعلوا هذا النور لهم هادياً يمشون به في الناس، فيعاملونهم بالحق، يجعل الله لهم نوراً في الآخرة، من جراء ذلك النور فيبصرون الطريق على الصراط، ولا شك أنه يتفاوت، والله خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل.
البصيرة في الدعوة
عباد الله: قوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍسورة يوسف108، يعني: على علم ويقين، ليس على شك ولا على شبهة، ولا على اضطراب، والله قد ذكر لنا الازدياد من العلم؛ لأن هذا الذي يكون البصائر.
البصيرة أعلى درجات العلم، والبصيرة في الدعوة على سبيل المثال المذكورة في الآية:
- أن يكون الداعي إلى الله على بصيرة بما يدعو عالماً به.
- وعلى بصيرة بحال المدعو إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أجابوا فاخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات فإن هم أطاعوا [رواه البخاري1395 ومسلم29].
- وثالثاً: البصيرة بوسائل الدعوة وكيفيتها.
كيف تتكون البصيرة؟
عباد الله: هذه البصيرة لها مقومات، كيف تأتي البصيرة، كيف تتكون البصيرة؟ بأمور منها: التدبر والتفكر والتأمل؛ ولذلك حظيت هذه العبادة باهتمام، وكان في كتاب الله لها نصيب عظيم، وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِسورة آل عمران191،أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَسورة محمد24، وهكذا ينظرون، نظر القلب هذا يأتي بالبصيرة، وكذلك فإن البصيرة تأتي بالتأني والتريث والتمهل، وقد بعث النبي ﷺ علياً قاضياً على اليمن فماذا أوصاه؟ قال له لما سأله علي: تبعثني إلى قوم وأنا حدث السن ولا علم لي بالقضاء؟ قال له: ثبتك الله وسددك، إذا جاءك الخصمان فلا تقضي للأول حتى تسمع من الآخر فإنه أجدر أن يبين لك القضاء[رواه أحمد1281]رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح.
ثم إن البصيرة بالتدبر والتفكر تؤدي إلى ربط الأسباب بالمقدمات والنتائج بالأسس التي انطلقت منها، لما جاء أعرابي إلى النبي ﷺ يشتكي يقول: إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، أنا أبيض وهي بيضاء، قال: وإني أنكرته، فقال له رسول الله ﷺ: هل لك من إبل؟ ، وهذا شيء يعرفه الأعراب، قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ الذي فيه سواد ليس بصافٍ، قال: إن فيها لورقاً، فعلاً، قال: فأنى ترى ذلك جاءها؟قال: يا رسول الله عرق نزعها، قال: ولعل هذا عرق نزعه.[رواه البخاري7314 ومسلم1500]رواه البخاري ومسلم، وفعلاً وجد أن لذلك الولد جدة كبيرة كانت أمة سوداء، إذن هذا من البصيرة أن تعرف أسباب الأمور والتحليل والربط، وكذلك التوغل في فهم المراد شيئاً فشيئاً.
أيها الناس: إنكم تقرؤون هذه الآية، يقول أبو بكر الصديق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْسورة المائدة105، يعني: تفهمونها على غير حقيقة ما أريد منها، فتقول: ما دام نحن اهتدينا ما علينا، ولو ما أمرنا ولا نهينا، ولا دعونا، قال أبو بكر: إني سمعت النبي ﷺ يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه[رواه الترمذي2168]، إذن: لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْسورة المائدة105 لا تحاسبون على أعمالهم، إذا دعوتموهم وأصروا لا يضركم، لا تحاسبون على أعمالهم، عليك البلاغ وعلى الله الحساب، ولا تزر وازرة وزر أخرى، أما أن تقول: ما دمت مهتدياً فما لي وللناس ولا آمر ولا أنهى، ولا أدعو فهذا خطأ في الفهم بلا شك، وكذلك فإن البصيرة تتكون أيضاً بالاختبار والامتحان، ابتلاء الأشياء ووضعها على المحك، شهد رجل عند عمر ، فقال له عمر: إني لست أعرفك ولا يضرك أني لا أعرفك، فأتني بمن يعرفك، يزكيك، فقال رجل: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين، قال: بأي شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة، عدل ثقة، قال: هو جارك الأدنى تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال: فعاملك بالدرهم والدينار الذي يستدل بهما على الورع؟ قال: لا، ما باع ولا اشترى معي ولا استأجر، قال: فصاحَبَك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: فلست تعرفه، ثم قال للرجل: ائتني بمن يعرفك.
بم تستجلب البصيرة
تستجلب البصيرة يا عباد الله بالعبادة ولا شك، العبادة تأتي بالبصيرة، بالصلاة، وتلاوة القرآن، والأذكار، والدعاء، وعبادة القلب، وتقوى الله، والخوف منه، ومحبته، ورجاؤه، يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناًسورة الأنفال29، الفرقان هو البصيرة، هو من نتائج البصيرة، تفرق به بين الأشياء، وكذلك العلم النافع والعمل الصالح يأتي بالبصيرة، وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِسورة ص45، أولي الأيدي يعني: القوة في العبادة، إذا صاموا صاموا وصبروا، إذا قاموا الليل قاموا، وليس كالذي يستسلم من أول ركعتين في صلاة التراويح وينسحب، هذا ليس من أهل الأيدي، هؤلاء أولو الأيدي، أصحاب القوة في العبادة والجلد في العبادة، والأبصارالبصيرة، الفقه في الدين، العلم، تأتي البصيرة أيضاً بالتضرع والإلحاح إلى الله، أن يكشف لك الأمور، النبي ﷺ في مقامه العظيم كان يقول: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم[رواه مسلم770].
واستماع القرآن، ورؤية أهل الإيمان، وحضور مجالس الصالحين، ومخالطة أهل العلم، وكثرة سؤالهم واستفتائهم، ومعرفة أحوال محمد ﷺ في سيرته، وهدي أصحابه. النظر في آيات القرآن، والتفكر في السماوات والأرض وما خلق الله، كل ذلك من أسباب رزق البصيرة.
اللهم ارزقنا بصيرة يا أرحم الراحمين، اجعلنا من أهل الأيدي والأبصار، اللهم إنا نسألك نور القرآن أن تقذفه في قلوبنا يا رحمان، اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا، وشفاء ما فيها وجلاء الأحزان والهموم والغموم يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، خلق فسوى وقدر فهدى، أكبره ولا أشرك به أحداً، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله البشير والنذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته الطيبين وأزواجه وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، والشافع المشفع يوم الدين، صل اللهم عليه وبارك يا أرحم الراحمين.
أهمية البصيرة
عباد الله: هذه البصيرة مهمة جداً في عالم تتلاطم فيه أمواج الشبهات اليوم، وتتعارك فيه أيضاً موجات الشبهات، عالم فيه تلبيس وتظليل، ذهاب كثير من العلم، رحل كثير من العلماء، هناك كلام كثير وبركة قليلة، هناك طرح كالزبد، لكن الذي ينفع الناس ليس كل هذا الذي يطرح، يحتاج العبد إلى بصيرة، نعم هو مطالب بالرجوع إلى أهل العلم، ومطالب بالاستفتاء، ومطالب بقراءة الكتاب العزيز ومعرفة تفسير القرآن، وقراءة السنة ومعرفة شروح الأحاديث، هذه مهمة جداً، تفسير القرآن وشروح الأحاديث وسؤال أهل العلم، البصيرة التي تنشأ من هذا تساعدنا في تمييز الأمور، الآن اختلط الحق بالباطل عند كثير من الناس، وأيضاً قضية معرفة الحلال من الحرام، مكاسب كثيرة بيوع كثيرة، أنواع من العقود، ثم لا يعرف ما هو الحق وما هو الباطل، ما هو الحلال وما هو الحرام، نحتاج إلى بصيرة، صاحب البصيرة حتى لو لم يكن عنده كثير علم يميز، فإذا رأى لباساً على امرأة فيه ألوان تخرج به، قد لا يعرف الأدلة بالتفصيل، لكنه بقلبه يعرف أن هذا الذي على هذه المرأة ليس هو الحجاب الذي أمر الله به؛ لأن الحجاب المفترض أن يستر المرأة، لا أن يجذب إليها الأنظار، تمر به مسألة مالية مسابقات على الهاتف يسحبون من الرصيد نتيجة المشاركة في المسابقة، والمكالمة لها قيمة، لتدخل في المسابقة قد تفوز وقد لا تفوز، وخمسة وسبعة وعشرة، والدقائق تضاعف، قد لا يكون عنده علم تفصيلي، لكن بقلبه بالبصيرة يقول: هذا ليس موافقاً لشرع الله، هذا قد يكون من القمار والميسر، فلأسأل ولأبحث، صفقة من الصفقات كذلك، ضميره ونفسه تقول له: ليس هكذا، لا عن وسوسة، فبعض الناس عندهم وسوسة يشك في الحلال الصرف، بعض الناس يرتاب في الحلال البيّن، موسوس، لكن هذا صاحب بصيرة لا تمر الأمور عنده هكذا، يتوقف وينظر، ويتدبر ويتأمل، ويتفكر، عنده بصيرة تشعره بأشياء، والبصيرة هذه تقوى وتضعف بحسب حال العبد وصلته بالله، وعلمه بكتاب الله وسنة رسول الله، وعبادته لله، وطاعته وذكره.
أشياء تطمس البصيرة
هل هناك أشياء تطمس البصيرة؟
نعم، المعصية وخصوصاً النظر في الحرام، قال الله عن قوم لوط: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَسورة الحجر72، فما وقعوا فيه من الفواحش سبب لهم سكرة، جعلهم يعمهون فيها، ضلالة، وعمى طمس.
سكران سكر هوىً وسكرى مدامة | فمتى يفيق من به سكران |
أي: الخمر.
كذلك العشق يطمس البصيرة، تعلق الشباب بالفتيات، والفتيات بالشباب، من أعظم أسباب طمس البصيرة، العشق ضد وعكس تماماً البصيرة، لا يمكن، مثل نوره كمشكاة، يقذف نوراً في قلب عبد يعشق ويتيه وهو مولع ومتيم بغير الله، متعلق بغير الله؟!
البعد عن الكتاب والسنة، الدخول في الفلسفة، التي من دخل فيها غرق، وبعضهم تاب في آخر العمر، وقال:
نهاية إقدام العقول عقال | وغاية سعي العالمين ضلال |
وأرواحنا في وحشة من جسومنا | وحاصل دنيانا أذىً ووبال |
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا | سوى أن جمعنا قيل وقال |
وهكذا، الكلام الذي ما فيه آية ولا حديث خف منه.
البصيرة تثبت الإنسان
عباد الله: البصيرة تثبت الإنسان، أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ سورة محمد14البينة هي البصيرة، الذي ما عنده بصيرة في القبر يقول: آه، ها ها، لا أدري، لا أدري، لا أدري، ما يثبت أمام سؤال الملكين.
الشاب من أهل المدينة النبوية الذي في آخر الزمان يخرج للدجال مقاوماً له، ويقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله ﷺ حديثه، فيقول الدجال لمن معه: أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكون في الأمر، فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه، طبعاً بإذن الله، فيقول حين يحييه الشاب: والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم، أنا اليوم يعني بلغت في البصيرة القمة أنك أنت الدجال، وبعد الحدث الأخير هذا الذي صنعته.
البصيرة تؤدي إلى التوفيق في التصرف، تؤدي إلى أنك تضع الأشياء في مواضعها، تؤدي إلى الحكمة، تؤدي إلى الفراسة، قد لا يكون عندك اطلاع على سيرة فلان وتاريخه، لكن يمكن بالبصيرة أن تتفرس ما يصلح، ولذلك قال ابن مسعود : أفرس الناس ثلاثة: ابنة شعيب لما قالت لأبيها في موسى اسْتَأْجِرْهُسورة القصص26، وأبو بكر في عمر حين استخلفه، وامرأة فرعون حين قالت: قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُسورة القصص9، وقد نفعها الله به نفعاً عظيماً.
وأما العمى عن البصيرة يسقط العبد به في البدعة، ويقع في الأخطاء وفي المخالفات، البصيرة تجعل المفتي عندما يسأل يجيب على نور من الله، وقد يكون أمراً جائزاً لا يقوله للشخص؛ لأنه سيعمل به بشكل خاطئ، كما جاء لمالك رحمه الله رجل قال: الوضوء مرة مرة يغني؟ فعلاً الوضوء مرة يغني، لكن السنة ثلاث، نظر مالك للرجل فرأى أنه من العامة الذين حالهم ليس من الذين يحسنون العبادات، فقال مالك: لا، لا يغني؛ لأنه خشي أن هذا الرجل إذا ذهب يعمل بها، أنه لا يسبغ الوضوء ولا يحسن الوضوء ويبقى أجزاء من الجلد ما مسها الماء، فمالك قال: لا. ليس لأنه في الأصل لا يجوز، بل يجوز، ولكن لأن هذا الرجل لا يناسبه هذا القول، حاله لا يناسب هذا القول، وهكذا.
اللهم إنا نسألك أن ترينا الحق حقاً وترزقنا اتباعه، وأن ترينا الباطل باطلاً وترزقنا اجتنابه، علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا علماً يا رب العالمين، فقهنا في ديننا، أحيينا على السنة، وأمتنا عليها يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وكلمة الحق في الغضب والرضا، القصد في الغنى والفقر، ونسألك نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك الكريم يا أرحم الراحمين، اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، واغفر لنا أجمعين، وانصر المستضعفين، وارحم أهل الشام وسائر المسلمين في الأرض يا رب العالمين، اللهم كن معهم ولا تكن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، وأعنهم ولا تعن عليهم، اللهم اقصم ظهور الجبابرة الطغاة المجرمين، واجعل بأسك عليهم يا رب العالمين، وأقر أعيننا بيوم قريب تعز فيه الإسلام والمسلمين، عجل فرج المسلمين يا رحيم يا كريم يا أكرم الأكرمين، اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، ارزقنا يا رزاق وتب علينا يا تواب واغفر لنا يا غفور، استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واقض ديوننا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، واهد ضالاً، يا أكرم الأكرمين آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
-
بن عمر
شكرا لفضيلة الشيخ محمد صالح على هدا الدرس المفيد .عشت البصيرة والحمد لله .شكرا لكم.
-
محمد فوزي
من اخلص لله اخلص الله له بصيرته اذا اردت الحياه فاطع من وهبها لك