الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

ألفاظ العامة المخالفة للشريعة


عناصر المادة
الخطبة الأولى
خطورة اللسان
من الألفاظ المخالفة للشريعة
الإسلام متميز حتى في الألفاظ
وفي دعاء البعض ألفاظ خاطئة
الخطبة الثانية
اللفظ الفاسد يصحح وإن لم يُعتقد معناه
أخطاء في النطق تسبب ألفاظ مخالفة للشريعة

الخطبة الأولى

00:00:08

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران:102، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًالنساء:1، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً الأحزاب:70-71.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

خطورة اللسان

00:01:28

إخواني في الله: لقد جاء الإسلام بحفظ اللسان، ونهى القرآن عن أشياء ذميمة، مما تتحرك به ألسنة الناس لفحشها وكبرها عند الله ، وأمر اللسان من الأمور الخطيرة؛ لأنه أسرع الأعضاء حركة وأسهلها، فإنه لا شيء أسرع حركة، ولا أسهل حركة من اللسان، ولذلك كان الزلل بهذا العضو وهذه الجارحة من الجوارح من أعظم الزلل وأكبره عند الله ، ولذلك كان رسول الله ﷺ عندما علَّم معاذاً رضي الله تعالى عنه حديثاً جليلاً فيه وصايا جامعة، قال له في آخر الحديث: وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم [رواه الترمذي (2616)]، فجعل رسول الله ﷺ أكبر الأسباب التي تكب الناس في النار، وترميهم فيها هو حصائد هذه الألسنة، ونتائج الكلام، وقال ﷺ مهدداً ومتوعداً في الحديث الصحيح الذي رواه مالك رحمه الله، والإمام أحمد عن بلال بن الحارث مرفوعاً: وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى، ما يظن أن تبلغ ما بلغت -أي: لا يقدر خطورتها، ولا يظن أنها ستبلغ به عذاباً شديداً- يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة  [رواه أحمد (15425)]، بسبب هذه الكلمة، وأيضاً فإن المسألة أخطر من ذلك، وقد يبين رسول الله ﷺ هذه الخطورة بقوله في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً: إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً، يهوي بها سبعين خريفاً في النار[رواه الترمذي (2314)]، فهو -أي المتكلم- لا يرى بها بأساً يظن أنه لا شيء فيها، ولكنها في الحقيقة تهوي به سبعين خريفاً في نار جهنم، ولذلك كان لا بد من المحافظة على هذا اللسان، وجعل المجال الذي يُستعمل فيه مجال خير والإصلاح، والدعوة إلى الله، وطلب العلم، وذكر الله .

من الألفاظ المخالفة للشريعة

00:04:25

وفي هذا المقام نتكلم عن قضية مهمة، وهذه القضية أنكم لو تأملتم معي في ألفاظ العامة اليوم من الأمثال ونحوها، لوجدت أن في ألفاظ العامة وأمثالهم أموراً مستشنعة، وبشعة، وبعضها يخالف العقيدة، ويمسها مساساً سيئاً، وبعض هذه الأشياء ورد فيها النهي الصريح، وبعضها إذا تأملت فيها عرفت مصدر الخطر، وعظم الأمر، ونحن نضرب بعض الأمثلة مما يتداوله العامة اليوم في كلامهم من الأمور المخالفة للعقيدة، أو للأدب الإسلامي على الأقل، فيقول رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح:  لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم في مسألته؛ إنه يفعل ما يشاء [رواه البخاري (7477)، ومسلم (2679)]، ولذلك ما يفعله بعض الناس من قولهم: اللهم اغفر لي إن شاء الله، أو إن شئت، فهذا لا يجوز.

وكذلك بعض الناس يقول عند الحلف، أو إذا أراد أن يعزم على نفسه في مسألة يقول: أنا بريء من الإسلام إن فعلت كذا، أو يقول: ترى أنا يهودي لو فعلت كذا، أو أنا نصراني، أو كافر إن فعلت كذا؛ يريد أن يمنع نفسه من الوقوع في هذا الأمر بعزم وقوة، وهذا خطير جداً، فإن رسول الله ﷺ يقول في الحديث الصحيح الذي رواه النسائي عن بريدة من قال: إني بريء من الإسلام -على أمر من الأمور-، فإن كان كاذباً فهو كما قال -أي بريء من الإسلام-، وإن كان صادقاً لم يعد إلى الإسلام سالماً  [رواه النسائي (3772)]سيناله شيء من الخدش في العقيدة الذي سببه هذا الكلام؛ ولذلك ينبغي إذا أراد الإنسان أن يعزم في مسألةٍ من الأمور، أو يبين للناس بأنه لم يفعل هذا الكلام، فإنه لا يستخدم مثل هذه الألفاظ البشعة المخالفة للعقيدة، كونك ترفض أن تعمل أمراً من الأمور لا يعني ذلك أن تعرض نفسك للخروج من الدين، أو تقول: بأنك يهودي أو نصراني؛ فهذه من المسميات التي تطلق على الأمم الكافرة.

وبعض الناس في حلفهم يحلف بغير الله تعالى، فتجد أن بعضهم يحلف بالأمانة مثلاً، ويقول: والأمانة لا أفعل كذا، أو واحد يحلِّف الآخر يقول: بأمانتك حصل كذا وكذا، أو بالأمانة حصل كذا وكذا... إلخ، ورسول الله ﷺ يقول في الحديث الصحيح: من حلف بالأمانة فليس منا[رواه أبو داود (3253)]، وبعضهم يقول: بذمتك ما حصل كذا وكذا، أو بذمتي ما حصل كذا، أو وحياة أبي ما حصل كذا، أو وحياتي، وحياتك ما حصل كذا.. إلخ، أو يقسم بشرفه، هذه كلها من الأمور المحرمة: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك [رواه الترمذي (1535)]كما قال الصادق المصدوق ﷺ، وبعضهم يحلف بالنبي، فيقول: والنبي أعطني الشيء الفلاني، والنبي ما حصل كذا، فهذا أيضاً حرام لا يجوز، حتى ولو كان المحلوف به نبي الله ﷺ؛ لأننا مع احترامنا لرسول الله ﷺ فإننا لا نرفعه فوق منـزلته التي أنزله الله إياها.

بعض الناس يقول في عباراته أشياء من الشرك، كقوله مثلاً: لولا فلان ما حصل كذا! لولا الله وفلان ما حصل كذا! وهذا خطأ، وإنما الصحيح أن يقول: لولا الله ثم فلان، وبعضهم يقول: أنا بالله وبك، أو أنا في جوار الله وجوارك، أو أنا في وجه الله ووجهك، كما يقع من البعض، أو يقول: أنا في حسب الله وحسبك، أو يقول: أنا متوكل على الله وعليك، أو أنا معتمد على الله وعليك، هذا كله محرم، لا بد أن يقول: أنا معتمد على الله ثم عليك، أو يقول: أنا متوكل على الله ثم عليك في فعل القضية الفلانية، وكذلك لما جاء أحد الصحابة إلى الرسول ﷺ، فقال له: "ما شاء الله وشئت، قال: جعلتني لله عدلاً؟! أجعلتني لله شريكاً، أساويت مشيئتي بمشيئة الله بل ما شاء الله وحده" [روه أحمد (2557)].

ويقع كثير من الناس في عبارات فيها سب الدهر، يقول مثلاً: يا خيبة الدهر، ويقول ﷺ: لا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر[رواه البخاري (6182)، ومسلم (2246)]، وبعض الناس يقول: الله يلعن الساعة التي صار فيها كذا وكذا، ويلعن السنة التي صار فيها كذا وكذا، هذه ساعة سيئة التي حصل فيها كذا وكذا، هذا زمن تعيس الذي حصل فيه كذا وكذا، وهذا يؤدي كله إلى سب الدهر، والله تعالى هو خالق الدهر، فسبُّك للساعة أو اليوم، أو السنة أو الدهر أو الزمان، وهذا السب يرجع إلى من؟! يرجع إلى الله الخالق لهذا الدهر، وهذه الساعة، وهذه السنة، لذلك لا بد من الحذر حذراً شديداً في هذا الأمر.

وبعض الناس يستغيثون في عباراتهم بالمخلوقين، فيقول مثلاً: بجاه النبي اللهم افعل كذا، أو يسأل الناس يقول: بجاه النبي لا بد أن تتغدى عندي، وهذا السؤال بجاه النبي ﷺ وهو أحد المخلوقين، بل هو أعظم المخلوقين قاطبةً- منافٍ للسؤال بالله ، فإن الله تعالى يقول: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأعراف:180، وقال: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا الأعراف:180 فلو أردت أن تدعو لا تقل: بحق الولي الفلاني، بحق النبي، بجاه النبي، وإنما قل: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد، اللهم إني أسألك بأنك أنت الله المنان... إلى آخره، تقول هذه الأسماء الحسنى التي وردت لله في القرآن والسنة: بأنك على كل شيء قدير، اللهم إني أسألك بأنك رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ارحمني، إنك أنت الغفار اغفر لي، وهكذا، تسأل الله بأسمائه الحسنى، أما أن تسأل بأسماء المخلوقين، أو بحق النبي الفلاني، أو الولي الفلاني، أو كما يفعل بعض الجهلة يستغيثون بغير الله، أو بعضهم يستغيث بالجن، ويقع هذا في بعض القبائل، وبعض الأماكن أنه يقول: يا جن، افعلوا به كذا وكذا، أو يا جن، خذوه، أو يصرخ في الوادي خذوه، يقصد عدواً صارت بينه وبينه مشكلة، فيقول: يا جن، افعلوا به كذا، هذا كله من الأمور المحرمة التي لا تجوز.

ويقع في ألفاظ بعض العامة مغالاة في المخلوقين، ورفعهم فوق منـزلتهم رفعاً لا يجوز مطلقاً في الشريعة الإسلامية؛ كتسييد بعض الناس، أو كتسييد أي واحد من الناس، كقولهم: سيدي فلان، أو يا سيدي فلان، وهذا حرام لا يجوز، وأعظمه عندما يكون نداءً للمنافق أو الكافر، أو الفاجر أو المبتدع، أو العاصي الفاسق بقولك له: يا سيدي، هذا حرام أيضاً لا يجوز: لا تقولوا للمنافق: سيد؛ فإنه إن يك سيداً فقد أسخطتم ربكم[رواه أبو داود (4977)]، ولذلك ما يقع عند بعض الناس من الكتابة على الرسائل، أو الخطابات، السيد فلان، أو في الفواتير التجارية: السادة شركة كذا وكذا، هذا أيضاً منهي عنه، وإنما تقول: المكرم كذا، الأخ كذا، حضرة فلان كذا، ولا تغال، ولا تطلق ألقاب المدح على من ليس بأهل، كأن تخاطب الفاسق بهذه الأشياء، ولذلك ينبغي أن نبتعد عن هذه الألفاظ.

الإسلام متميز حتى في الألفاظ

00:14:07

وردَّ الإسلام تحيات الجاهلية وتهنئاتها، وتسمياتها ومسمياتها وعاداتها؛ لأن الإسلام يحرص على تميُّز المسلم، وابتعاده عن مشابهة الكفرة وأحوال الجاهلية؛ فمن عقيدة الإسلام التميز عن سائر ألوان البدع والكفر والجاهليات، فالإسلام يحرص على أن يبرز المسلم بين الناس بروزاً صحيحاً لا لبس فيه من شرك ولا بدعة، ويحرص الإسلام على أن المسلم يكون متميزاً بأخلاقه وعقيدته، وشكله ومظهره عن سائر أمم الكفر وفرق الضلال، ولذلك نهى الإسلام عن التشبه بالنصارى، ونهى عن التشبه بالكفار، ونهى عن التشبه بالأعاجم، ومن ضمن هذه الأشياء نهيه عن تحية المسلمين بعضهم لبعض بتحيات الجاهلية، فلذلك نهى ﷺ المسلم أن يقول لأخيه: "أنعم صباحاً"، أو "أنعمت صباحاً" [رواه أبو داود (5227)]، وما شابه هذا من الألفاظ؛ لأنها من تحيات الجاهلية، وإنما يقول الإنسان المسلم: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أو يقول: مرحباً وأهلاً، كما قال ﷺ لفاطمة رضي الله عنها: مرحباً بابنتي[رواه البخاري (3624)، ومسلم (2450)] إلى آخر ذلك من الألفاظ الحسنة الطيبة التي لا يعلم اختصاص الكفار بها، فمتى علم اختصاص الكفار بهذه الأنواع فلا يجوز حتى وإن كانت حسنة في ظاهرها، ولذلك نهى الإسلام عن أن يهنئ الناس المتزوج بقولهم: بالرفاء والبنين، كما يحدث اليوم، وتطبع هذه الكلمة على بطاقات التهنئة، ودعوات الأعراس، فإنهم يقولون: بالرفاء والبنين، أو بالرفاه والبنين -بعضهم-، ورسول الله ﷺ نهى في الحديث الصحيح عن هذا النوع من التهنئة، لماذا؟ أما كلمة الرفاء: فإنها تعني الالتحام والمقاربة والوئام، وهذه لا إشكال فيها، فتدعو للمتزوجين بالمقاربة والوئام والتوافق، ولكن الإشكال في قولهم: بالبنين، لماذا؟ لأن العرب كانت تكره البنات، وكانوا يئدون البنات وهن أحياء، وكانوا ينسبون البنات لله : وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ النحل:58، ولذلك إذا جاء أحدهم البنت تمنى موتها، وإذا جاء لجاره بنت تمنى له أن تموت البنت، وهكذا؛ فلذلك كانوا يقولون في تهنئتهم بالزواج: بالرفاء والبنين، أي: الذكور، وألا يجيئك إناث، ولذلك حُرِّم هذا القول في الإسلام، ونُهيَ عنه، وإنما تقول مهنئاً للمتزوج أو المتزوجة: بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير، وكم يود الإنسان المسلم إذا فتح بطاقة من هذه البطاقات، أو تهنئة من هذه التهنئات بدلاً من أن يجد بالرفاه، والبنين أو بالرفاء والبنين كما هي تهنئة الجاهلية، يجد مثلاً:  بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير [رواه الترمذي (1091)]، لا بد أن نتميز عن الكفار وأهل الجاهلية في ألفاظنا وعباراتنا، وتحياتنا وتهنئة بعضنا لبعض.

وفي دعاء البعض ألفاظ خاطئة

00:17:58

من ألفاظ العامة الدعاء بطول العمر والبقاء، فتجد أحدهم يقول: أطال الله بقاءك، أو أطال عمرك، أو أدام الله أيامك، أو عشت ألف سنة.. وهكذا، هذا اللفظ مكروه، ولما سئل الإمام أحمد عن الدعاء بطول العمر؟ كرهه، وقال: إنه أمر قد فُرغ منه، أي: أن عمر هذا الرجل قد كتب وهو في بطن أمه، كتب هذا العمر وانتهى، وفُرغ منه قبل أن يلد الرجل، فما فائدة أن تقول: أطال بقاءك، أو أطال عمرك، أو دامت أيامك، أو عشت كذا آلاف السنين.. إلى آخر ذلك من الأشياء المستحيلة، أو يقول بعضهم في جواب على كلمة حياك الله، يقول: أبقاك الله، وكلمة أبقاك الله كلمة مكروهة، لماذا؟ لأنه لا بقاء إلا لله، كل الناس سيموتون ويفنون: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۝ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِالرحمن:26-27، ولذلك يكره أن تقول: أبقاك الله، أو أدامك الله؛ لأن الله لن يديم أحداً، ولن يبقي أحداً، كل الناس سيموتون، فلننتبه لهذه الألفاظ المشكلة، أو المكروهة، أو المحرمة، وتحذير الناس منها، وكذلك ما يفعل البعض في تعازيهم عندما يقولون: البقية في حياتك! يقول الشخص للآخر معزياً: البقية في حياتك، هذه لفظة منكرة، لو كان هناك بقية هل مات الرجل؟ لو كان هناك بقية في عمر الرجل الذي مات هل كان سيموت؟ لا، ولذلك عندما تقول: البقية في حياتك، وهذه العبارة قد يقصد بها بقية عمر ذلك الرجل الذي انقطع، فيكون المعنى: بقيته في حياتك أنت، وهذه لفظة منكرة مستبشعة، فلا يقول شخص لآخر: البقية في حياتك، فأما إن قصد: بقية الخير، وبقية البركة، فهذا لا إشكال فيه، ولكن كثير من الناس إنما يقصدون بهذه اللفظة بقية عمر الميت في حياتك أنت، وهذه مسألة غير جائزة، والدعاء فيها غير صحيح.

ويقع في ألفاظ العامة كذلك رجاؤهم وتعلقهم بغير الله ، فتجد أحدهم في لحظة الحرج، ولحظة الشدة، واللحظة التي يكون فيها في خطر محقق، يقول للآخر: أرجوك رجاءً حاراً، رجاءً خاصاً، كذا وكذا من ألفاظ الترجي ألا تفعل لي كذا، وافعل كذا، بينما من المفروض أن يتوجه في هذه الحالة إلى الله تعالى؛ هو الذي يرجى وحده ؛ لإزالة الضر، وكشف الكربة، وإزالة الخطر، وهذه اللفظة "أرجوك" ليست محرمة إن لم يرجوه في عمل لا يقدر عليه إلا الله، إذا قال: أرجوك يا دكتور أن تشفي مريضي، هذا حرام وشرك لا يجوز؛ لأن الله هو الذي يشفي، أما لو قلت مثلاً: أرجوك يا فلان أن تذهب بهذه الحاجة إلى جيراننا، هذا لا إشكال فيه، لكن الرجاء الذي يكون في مجال، أو في قضية لا يقدر عليها إلا الله، هذا شرك بالله تعالى لا يجوز، ولهذا تجد بعض الأمهات الفارغات قلوبهن من الإيمان والتوحيد، وبعض الآباء الذين استزلهم الشيطان، إذا ذهبوا بولدهم وحالته خطيرة إلى الطبيب، يقول له: يا دكتور، أرجوك أنقذ الولد، فمن الذي ينقذ الولد؟ ومن الذي يشفي الولد؟!.

أيها الإخوة: يقع في ألفاظنا وعباراتنا تساهلات شنيعة تؤدي إلى قضايا خطيرة إذا اعتقدها الإنسان تخرجه من الملة، ونحن عندما نقول هذه التحذيرات لا نقول: إن كل من تلفظ بها كافر، لا، حتى لو كانت العبارة نفسها كفر، لماذا؟ لأن كثيراً من القائلين لا يقصدون المعنى، لا يعتقد بقلبه أن الطبيب هو الذي يملك الشفاء من دون الله، بل يعتقد أن الله يشفي، ولكن هذه الأخطاء لا يسكت عنها مع ذلك، كون الناس الآن يقعون فيها بغير قصد، أو بنية حسنة لا يعني أن نقول لهم: لا بأس استمروا على هذه الألفاظ! لا؛ لا بد أن نحذر ونصحح هذه الألفاظ، حتى لو ما قصدنا المعنى لا بد أن تكون ألفاظنا صحيحة، ولا تكون ألفاظنا شركية، أو موهمة، أو فيها اشتباه، ولا بد أن تكون ألفاظاً واضحة دالة على التوحيد.

وفقنا الله وإياكم لقول الحق وعمل الحق، وأن نكون من أهل الحق، وصلى الله على نبينا محمد.

الخطبة الثانية

00:21:42

الحمد لله، لا إله إلا هو وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله سيد الأبرار صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

اللفظ الفاسد يصحح وإن لم يُعتقد معناه

00:21:55

ويقع في ألفاظ بعض العامة قوله: شاءت الظروف، أو شاءت الأقدار، فتجده يقول: ثم شاءت الظروف أن يحدث كذا وكذا، وشاءت الظروف أن أجد فلاناً في مكتبه، وهكذا، وهذا أيضاً من الأشياء المخالفة للتوحيد، فإنك لا بد أن تقول في كلامك: وشاء الله أن أجد فلاناً في مكانه، وشاء الله أن يقف لي على الطريق فلان الفلاني، وشاء الله أن يحدث كذا وكذا، فتنسب المشيئة إلى من؟ إلى الله وحده .

ويقع في ألفاظ بعض الناس المثقفين عبارات كفرية مثل قول بعضهم: وهذا الطائر وهبته الطبيعة كذا وكذا، وهذا الحيوان وهبته الطبيعة المقدرة الفلانية! من الواهب؟! الله ! فعندما ننسب الوهب للطبيعة نكون قد وقعنا في عين ما تكلم به الشيوعيون وأهل الإلحاد الذين يعتقدون أن الطبيعة خلقت هذا الكون، وخلقت هذه الحيوانات، وخلقت الأرض والسماوات تعالى الله عن هذا القول علواً كبيراً، وهذا يكون من تأثر كثير من هؤلاء المثقفين -كما يسمون- بكتب الكفار الملاحدة التي كتبت وسبكت عبارتها بألفاظ الإلحاد والشرك التي انطوت عليها قلوب أولئك الناس الذين لا يؤمنون بالله رباً، ولا بمحمد نبياً، ولا بالإسلام ديناً، ولذلك ينبغي عند نقل عباراتهم من هذه الكتب أن يحرص الإنسان المسلم على أن ينقل العبارات بصيغة إسلامية، وعلى أن يؤديها إلى السامعين تأدية تتقيد بالتوحيد، وما يرضي الله ، وكذلك ما يرد في بعض هذه الكتب التي تسمى كتباً علمية من القوانين والقواعد المخالفة للتوحيد، مثل قولهم: إن المادة لا تفنى ولا تستحدث، هكذا يقولون، في علم الفيزياء مثلاً، وهذه القاعدة مخالفة للتوحيد، ومخالفة لقضية خلق الله للمادة، وأنه لم يكن هناك شيء، فخلق الله تعالى السماوات والأرض، وخلق العرش، وخلق الحيوانات، وخلق الآدميين، وخلق سائر ما يدب في الأرض والسماوات، والله تعالى قادر على أن يُفني هذه الأشياء كلها، ويرجعها إلى العدم إلى لا شيء مرة أخرى كما كانت، فلذلك قولهم: إن المادة لا تفنى، ولا تُستحدث، إنما هو من الوقوع في هذا الشرك المنافي للتوحيد، وهذا الكفر والضلال، ولذلك يجب على من درَّس شيئاً من هذه المواد، أن يبين لطلاب المسلمين وأبناء المسلمين خطأ هذه المعتقدات والقواعد الفاسدة.

بل إن التسميات المخالفة للعقيدة قد وصلت إلى حد التسميات حتى تسمية الورود والأزهار، فأنت -مثلاً- إذا نظرت إلى هذا النبات الأصفر الذي يتوجه إلى الشمس، هناك نبات يزرع، ويتوجه إلى الشمس إذا أشرقت، ويستدير معها حتى تغرب، فيكون متوجهاً إلى الغرب في المساء، وإلى الشمس في الصباح، ماذا يسمي العامة هذا النبات؟ يسمونه: عباد الشمس، أو عبادة الشمس، وهذا اسم خطير، يقولون: إن هذا النبات يعبد الشمس، هذه الألفاظ ليست سهلة، ولكن مع ذلك فهي شائعة حتى في الأشياء الدقيقة، مثل تسمية الأزهار وغيرها لا بد أن ننتبه إلى هذه القضايا المخالفة للتوحيد.

وعندما ينزل مطر من السماء تجد بعض العامة يقولون: هذا النجم، طلع النجم كذا، وتتعلق قلوبهم بأن الذي أنزل المطر هو ظهور النجم الفلاني، وليس هذا بصحيح، لذلك ورد في الحديث الصحيح عن الذين قالوا: "مطرنا بنوء كذا وكذا"، مطرنا بنجم كذا وكذا، هؤلاء قد أشركوا بالله تعالى، قال ﷺ: قال الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر؛ فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب [رواه البخاري (846)، ومسلم (71)]،فأما الذين قالوا: مطرنا بنوء كذا وكذا، فهم مؤمنون بالكوكب كافرون بالله، وأما الذين قالوا: مطرنا بفضل الله، وهذا المطر من الله وحده، فهم الذين أصابوا الحق، وكانوا على ملة التوحيد.

ويقع عند بعض العامة أيضاً، أنه إذا نزل المطر بكثافة وأغرق أشياء يقولون: هذه قطرة ما وزنت، تعال الله عن ذلك، إن الله تعالى يقول: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ الرعد:8، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ الحجر:21، ما في شيء ينـزل من السماء بلا حساب ولا وزن، إن الله تعالى عنده خزائن هذه الأشياء ينزلها كيف يشاء، وإن حصل غرق فهذا ابتلاء من الله، وعقاب لبعض عباد الله.

وكذلك يقع في ألفاظ العامة قول بعضهم لبعض، أو قول بعضهم في حكاية يرويها: ما صدَّقت على الله أن يُحدث كذا، يقول: ما صدقت على الله أن تنتهي المشكلة، ما صدقت على الله أن أنجو من الحادث، ما صدقت على الله أن أنجو من الإحراج الفلاني، وهكذا! هذه العبارات من العبارات المشكلة والموهمة، لماذا؟ لأنه قد يكون معنى ما صدقت على الله مثلاً، يكون معناها: أن هذا القائل يشك في قدرة الله، ما صدق على الله أن الله يفعل كذا، ما صدق! كان يشك في قدرة الله، ثم حصل، هذا احتمال، واحتمال آخر: أن يكون في هذه العبارة سوء ظن بالله! كيف ذلك؟ كأن هذا القائل يقول: ما ظننت أن الله يخلص هذه المشكلة، أو ينهي هذه المشكلة، ما ظننت، ولكن حصل، هذا ماذا يعني؟ سوء الظن بالله ، وإن كان -أعيد وأقول- كثير من الذين يقولون هذه العبارة لا يعنون هذا المعنى الفاسد والباطل، لكن لا بد من التصحيح، تقول مثلاً: ما صدقت أن يحدث كذا، ما ظننت أن يحدث كذا، لماذا تضيف عليها كلمة "على الله"، وتقول: ما صدقت على الله، فتقع في هذه الإشكالات والعبارات الموهمة.

وكذلك قول بعض أهل البادية، إذا جئته وقلت له: كيف حالك؟ يقول: الله ينشد عن حالك، أو الله يسأل عن حالك! الله يعلم العلم كله، لا يحتاج إلى سؤال عن أحد، وتجد هؤلاء يقولون: الله يسأل عن حالك، كأنها عبارة يريدون أن يكرمون بها الشخص الآخر الذي سأل عن حالهم، وهذه عبارة خاطئة تخالف المفهوم الصحيح للعقيدة.

وقول بعضهم: الله على ما يشاء قدير، من الألفاظ الموهمة الموافقة من الذرائع التي تؤدي إلى تأكيد مذهب القدرية، الذين يقولون: إن هناك أشياء يشاؤها الله تحدث، وأشياء لا يشاؤها الله لا يستطيع أن يحدثها، هكذا يقولون! ولذلك يقولون: الله على ما يشاء قدير، فهو إذن على ما لا يشاء ليس بقدير، هذه العبارة من الذرائع التي ينبغي أن تُسد، وإنما ماذا نقول: إن الله على كل شيء -شاءه أو لم يشأه- إن الله على كل شيء قدير، وليس على ما يشاء قدير؛ حتى لا يفهم بعض الناس أن الله على ما لا يشاء ليس بقدير.

أخطاء في النطق تسبب ألفاظ مخالفة للشريعة

00:30:22

وكذلك يقع في ألفاظ العامة قولهم: لا حول لله، اختصار عبارات، يقع في بعض الأحيان اختصار عبارات، وتغيير وتحريف فيها يؤدي إلى معانٍ قبيحة، مثل قول بعضهم: لا حول لله، أو لا حول الله، والصحيح: لا حول إلا بالله، أو لا حول ولا قوة إلا بالله، أما أن يحدث الاختصار الشنيع: لا حول لله، أي: لا قوة لله، فهذا شيء مستبشع، أو يقول بعضهم عند التكبير: الله أكبار -بمد التكبير-، وما هو الأكبار؟ الأكْبَار: جمع كَبْر وهو الطبل، فإذا قلت: الله أكبار، يعني: الله طبول! هذا مفهوم كلامك! وإنما تقول: الله أكبر، بالفتحة، وليس بالألف: أكبار، كما يفعل البعض، أو يقولون في الفاتحة: إيَاك نعبد، لا يقولون: "إيَّاك نعبد" بالتشديد، وإنما يقول: إيَاك نعبد، والإيَاك هو قرص الشمس، معنى ذلك: أننا نعبد قرص الشمس، إيَاك نعبد! والصحيح الموجود في كتاب الله:إِيَّاكَ نَعْبُدُالفاتحة:5، بالشدة على الياء، أو كما يفعل بعض المؤذنين اختصاراً يقول: حصلاة! بدلاً من: حي على الصلاة، وهكذا، أو يقول بعض الناس الذين يحيون بعضهم يقول: كالله بالخير، أو ساك الله بالخير، أو الله بالخير، ونحو ذلك، وهذا خطأ؛ لأن هذه الكاف كاف التشبيه، كيف: كالله بالخير؟! عبارة خاطئة خطيرة، لا بد أن نقول: مساك الله بالخير، واضحة، ولا داعي للاختصارات، ما وراءك شيء يعجلك عن قول التحية بعبارة صحيحة كاملة، قل: مسَّاك الله بالخير، لا تقل: كالله بالخير.

وكذلك هناك من الأشياء ما هو من الأدب تركه، قد لا يكون حراماً في ذاته، ولكن من الأدب تركه، مثل عبارة: تحياتي لفلان، لا يعلم -كما قال بعض أهل العلم- أن جُمعت التحية بالتحيات -بالجمع- إلا لله وحده وذلك في التشهد: التحيات لله، فلذلك لا يستحب جمعها لأحد غير الله تعالى، فتقول -مثلاً-: تحيتي لفلان، أو أبلغ فلان تحيتي، ولا تقل: تحياتي، أو أبلغ تحياتي لفلان، لأننا نقول في التشهد: التحيات لله، أدباً مع الله.

القضية واسعة ومتشعبة، وهناك ألفاظ كثيرة، وأمثال مخالفة للعقيدة مخالفة صريحة، أو فيها سوء أدب مع الله على الأقل، فينبغي أن ننقح، وندقق في هذه الألفاظ التي تخرج من الألسنة.

وفقنا الله وإياكم أن نحصن ألسنتنا من الكذب والشرك والنفاق، اللهم طهر قلوبنا من الرياء، وألسنتنا من النفاق، وأعمالنا من الكذب.

اللهم واجعلنا مخلصين العبادة لك، اللهم واجعلنا من أهل ملة التوحيد، أهل لا إله إلا الله، عليها نحيا وعليها نموت، وعليها نلقاك يا رب العالمين.

وصلوا على نبيكم محمد ﷺ؛ فإن من صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً.

1 - رواه الترمذي (2616)
2 - رواه أحمد (15425)
3 - رواه الترمذي (2314)
4 - رواه البخاري (7477)، ومسلم (2679)
5 - رواه النسائي (3772)
6 - رواه أبو داود (3253)
7 - رواه الترمذي (1535)
8 - روه أحمد (2557)
9 - رواه البخاري (6182)، ومسلم (2246)
10 - رواه أبو داود (4977)
11 - رواه أبو داود (5227)
12 - رواه البخاري (3624)، ومسلم (2450)
13 - رواه الترمذي (1091)
14 - رواه البخاري (846)، ومسلم (71)