الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

خدمة الدين بالطاقة والموهبة


عناصر المادة
الخطبة الأولى
مستلزمات الاستقامة
نماذج من استخدام الطاقة والموهبة في خدمة الدين.
استخدام الكفار الموهبة في الباطل.
الخطبة الثانية
الاستغفار ودعاء الاستسقاء.

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

مستلزمات الاستقامة

00:01:25

إخواني: هذا معنىً قد يغيب على كثير من الأذهان، وهو متضمن في مستلزمات الاستقامة على شرع الله ، كثير من المسلمين اليوم لا يفقهون ماذا يعني، وماذا يقتضي، وماذا يستلزم، وماذا تتطلب استقامتهم على شرع الله ، إن الاستقامة على شرع الله تستلزم أموراً كثيرة، وتتطلب من المسلم الغيور على دينه وعلى عقيدته الذي يريد أن يرفع لواء الإسلام عالياً تتطلب منه تكاليف كثيرة، ومن هذه التكليفات أيها الإخوة التي تقتضيها الاستقامة على شرع الله استغلال كل الطاقات والمواهب من أجل نصرة دين الله ، كثير من المسلمين لديهم طاقات عديدة مادية ومعنوية، لكنهم لا يستغلونها لرفع دين الله ونصرة شرعه ، ويظهر إخلاص الفرد المسلم وحماسه لهذا الدين بقدر ما يستغله من طاقات نفسه ومواهبه الذاتية من أجل نصرة دين الله ، ولعل ذلك يعتبر مقياساً جيداً يستطيع أن يقيس به المسلم ما مدى صدقه، وما مدى إخلاصه وما مدى تفانيه في نصرة هذا الدين، لقد آتانا الله قوى كثيرة، وأنعم علينا بمواهب جمة، لكن هل استغلت هذه الطاقات والمواهب لإعلاء كلمة الله؟ إن الله سمى نفسه القوي فقال في سورة هود:إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُسورة هود66، وأمر الله المؤمنين بإعداد القوة لملاقاة الأعداء وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍسورة الأنفال60، وهي نكرة في سياق الأمر تفيد العموم، جميع أنواع القوة.

نماذج من استخدام الطاقة والموهبة في خدمة الدين.

00:03:47

وانظر يا أخي المسلم لما أعطى الله داود إلانة الحديد فيم استخدمها ذلك النبي الكريم؟ لقد استخدمها في صناعة الدروع وملابس الحرب، والعتاد العسكري ليجاهد في سبيل الله ، وقد أعطى الله سليمان نعماً كثيرة يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍسورة النمل16، ولذلك ها هو يستخدم الهدهد في طاعة الله، وفي إرسال كتب الإنذار والإعذار إلى الكفار لدعوتهم إلى دين الله، وتهديدهم إذا هم مالوا وحادوا عن شرع الله، وها هو يستخدم جنوده من الجن والإنس والطير في تهديد الكفار وإرغامهم وحملهم على اتباع الدين، وها هو يستخدم العفاريت في جلب ما إذا رآه الكفار أسلموا، واستخدم الجن في بناء الصرح الممرد من قوارير، الذي بهر عين ملكة الكفار فأسلمت لما علمت أن ملكها لا يساوي شيئاً بجانب ملك سليمان المؤيد من عند الله ، "وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، وقال الله سبحانه: فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ ۝ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ ۝ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِسورة ص36-38، من الجن الذين عصوا سليمان، وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ، أنعم الله عليه بها، في أي شيء استخدمها؟ إنه قد استخدمها في السفر عليها على الريح لطاعة الله ، السفر في سبيل الله ، وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِالنحاس المذاب يصنع فيها ما يشاء مما فيه فائدة للدين والبلاد والعباد، وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِسورة سبأ12، سخرهم الله لسليمان، ماذا يعملون له؟ المحاريب المساجد، والأبنية، والجفان التي كالجواب وهي: الأحواض العظيمة التي يجبى إليها الماء، والقدور الراسيات لعظمها ترسوا من ثقلها لينتفع مما فيها المسلمون، وذو القرنين الذي كان من جنود الإسلام سلطه الله على الشرق والغرب حتى جاب الأرض، لا يمر على أمة من الأمم إلا دعاهم إلى الإسلام فإذا رفضوا جعل بلادهم قاعاً صفصفاً وسلط عليهم جنوده فاستباح بلادهم لما عصوا ما أمر الله به أن يطاع، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ۝ فَأَتْبَعَ سَبَبًاسورة الكهف84-85، ولذلك لما ورد على قوم من الكفار ماذا قال؟ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ، من رفض وحاد وقاوم شرع الله فسنعذبه بالقتل وغيره، ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا ۝ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًاسورة الكهف87-88، ولما ورد على القوم الذين لا يكادون يفقهون قولاً؛ لاستعجام كلامهم وبعدهم عن الناس، ضعفاء مساكين، لا حول لهم ولا قوة، اشتكوا إليه من ظلم يأجوج ومأجوج، وإغارتهم عليهم، وإفسادهم أموالهم وزروعهم، ومواشيهم وأنفسهم، فماذا قالوا: قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّاسورة الكهف94، اكفنا شرهم يا ذا القرنين، ونحن نعطيك الأجر، ولكن المسلم الذي يندفع بروح الإسلام وقوة الإيمان والإخلاص لله لا ينتظر الأجر، لا يأخذ أجرة إنما ينتظر الأجر من الله ، قال: قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌسورة الكهف95 الذي أعطاني الله إياه من الإسلام والقوة خير مما ستعطونني، كما قال سليمان لمن جاءه بهدية بلقيس: أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَسورة النمل36، فماذا فعل؟ قال لهم: فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ۝ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ، وضع الأساس من الأسفل إلى الأعلى مما ملأ بين الجبلين طولاً وعرضاً فصار سداً منيعاً، حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًاسورة الكهف95-96، وقد يقول البعض: لقد كان باستطاعته أن يبني السد هو ومن معه، فلماذا استعان بهم؟ قد يكون محتاجاً إليهم لقوة الأمر وعظمه، ولكنه رجل ذكي قد آتاه الله البصيرة، فهو يريد أن يعلم هؤلاء الناس الذين لا يكادون يفقهون قولاً كيف يصنعون الحديد، كيف يصنعون الصنعة، علمهم حرفياً خطوة بخطوة، فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ۝ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًاسورة الكهف95-96فانظروا أيها الإخوة المسلم ينفع الناس، ويعلم المساكين، ويأخذ بهم حتى يوصلهم إلى مرتبة يستطيعون فيها الاعتماد على أنفسهم، وهكذا توجيه الطاقات، وتوجيه الماديات في الإسلام، إذن لقد كان أنبياء الله والمسلمون الأول يستغلون الطاقات لنصرة الدين ونفع المسلمين، ونفع البلاد والعباد، وكذلك كان عند الأفراد المسلمين طاقات فردية فجروها لنصرة الدين، وإعلاء كلمة الله ، عن زيد بن ثابت قال: أتي بي النبي ﷺ مقدمه المدينة، فقالوا: يا رسول الله هذا غلام من بني النجار، وقد قرأ مما أنزل عليك سبع عشرة سورة، قيل: إن عمر زيد كان إحدى عشرة سنة، فقرأت على رسول الله ﷺ فأعجبه ذلك، وقال: يا زيد تعلم لي كتاب يهود طريقة كتابة اليهود، فإني والله ما آمنهم على كتابي، قال: فتعلمته، فما مضى لي نصف شهر حتى حذقته -صار حاذقاً فيه- وكنت أكتب لرسول الله ﷺ إذا كتب إليهم"(رواه أحمد21108)إسناده حسن.

وفي رواية: قال لي رسول الله: أتحسن السريانية؟ قلت: لا، قال: فتعلمها، فتعلمتها في سبعة عشر يوماً"(رواه أحمد21077). إسناده صحيح.

فإذن كان لدى هذا الغلام من الذكاء والفهم السريع ما تعلم به لغة قوم من الكفار غير لغته ليخدم الدين، وليكون كاتباً عند رسول الله ﷺ، يقرأ كتب اليهود المرسلة إليه، ويجيب له عليها، وكثير في الصحابة هذه المواهب التي استغلت لخدمة الدين، كما سيأتي بعد قليل، وقد تستغربون المواهب التي قد يبدع فيها البعض، ويبرع فيها فيسخرها لخدمة الدين كيف تكون؟

قال ابن شداد في إحدى الوقائع التي كانت بين صلاح الدين والنصارى: ومن نوادر هذه الوقعة ومحاسنها أن عوَّاماً مسلماً، مسلم كان يجيد العوم الغطس، كان يقال له عيسى العوَّام، وكان يدخل إلى البلد بالكتب والنفقات على وسطه ليلاً، على غرة من العدو، البلد المسلمة كانت محاصرة بسفن العدو، كانوا ينتظرون المدد، ورسائل صلاح الدين التي يخبرهم فيها ماذا سيعملون، ويمدهم بالنفقات لدعم الجهاد، فكان هذا الغواص المسلم يدخل من تحت سفن الأعداء ثم يخرج بعدها ويدخل البلدة المسلمة، وكان يغوص ويخرج من الجانب الآخر من مراكب العدو، وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس فيها ألف دينار وكتب للعسكر، وعام في البحر، فجرى عليه من أهلكه، ولكن الله قدر أن يموت هذا الرجل وهو جندي في وسط المعركة يخدم الدين، وأبطأ خبره عنا فاستشعر الناس هلاكه، ولما كان بعد أيام بينما الناس على طرف البحر في البلد وإذا البحر قد قذف إليهم ميتاً غريقاً، فافتقدوه فوجدوه عيسى العوَّام ووجدوا على وسطه الذهب وشمع الكتب، وكان الذهب نفقة للمجاهدين، فما رؤي من أدى الأمانة في حال حياته وقد أداها بعد وفاته إلا هذا الرجل، وكان ذلك في العشر الأخير من رجب في تلك السنة.

فإذن حتى الغواصين والغطاسين كانوا يستغلون هذه الموهبة لنصرة الدين، ولما دخل رسول الله ﷺ المدينة توزعت الطاقات واستغلت المواهب، فهذا بلال يؤذن، وسعد وغيره لحراسة الرسول ﷺ في مبدأ الأمر، وزيد وغيره لكتابة الوحي والرسائل، وخالد وغيره للقيادة، خالد الذي كان مبدعاً في القيادة، سبب هزيمة المسلمين في أحد من الأسباب من جهة الكفار؛ لأن هناك أسباباً من جهة المسلمين للهزيمة، استغل طاقته في القيادة لأي شيء؟ لنصرة الدين، استلم مباشرة الجيوش يقودها في سبيل الله، وحسان وكعب وابن رواحة للقيام بالدور الإعلامي المطلوب لخدمة الإسلام، وابن مسعود صاحب النعلين والمطهرة لأنه كان فقيهاً، كان يصحب رسول الله حتى في الأشياء الدقيقة ليتعلم، وسلمان يدل على فكرة الخندق لما احتاج المسلمون، ونعيم بن مسعود الثقفي يعرض خدماته لما أسلم، وأبو طلحة يأتي رسول الله بتبرع سخي، بستان كبير، يقول: يا رسول الله ضعها حيث أراك الله، ووضع التجار إمكاناتهم للجهاد ونصرة الدين، فهذا عثمان يحفر بئراً على نفقته، ويجهز جيش العسرة على نفقته، ويفك أزمة المسلمين في وقت شدة بأن تبرع بالدواب التي حملت التجارة له بما عليها للمسلمين.

إذن: الملاحظ -أيها الإخوة- في السيرة النبوية أن هذا الاستغلال والتوزيع لم يظهر بشكل واضح إلا في المجتمع المدني بعد إرساء القاعدة الصلبة والهجرة إلى المدينة، الحرص على توفير الكفاءات التي يحتاج إليها المجتمع المسلم، وقبل ذلك توفير الكفاءات الشرعية التي يتربى الناس عليها، وإلا فما الفائدة من الأطباء والمهندسين إذا كانت قلوبهم خاوية على عروشها من الإيمان والعقيدة الصحيحة، وانظر إلى الغثاء المتدفق من أجيال البعثات على بلاد المسلمين، كثير منهم ممن جاؤوا من الغرب أو الشرق قد أصبحوا حرباً على الإسلام وأهله، فليست القضية مجرد كفاءات علمية، وليست القضية مهارة في الأمور الدنيوية، لا بد قبل ذلك أن تعمر القلوب بالإيمان، وأن تتربى النفوس، وإلا فإن هذه الطاقات ستستخدم في حرب الإسلام ولو كان أصحابها عبد الله، ومحمد، وأحمد، وعبد الرحمن.

استخدام الكفار الموهبة في الباطل.

00:17:51

وانظر كيف استغل الكفار الأولون مواهبهم وطاقاتهم أسوأ استغلال، فهذا فرعون لما أعطاه الله الملك والمال سخر العباد، واستعلى عليهم، واعتدى على حق الألوهية، وادعى بأنه هو ربهم الأعلى، وبنو له القصور والأنهار التي تجري من تحتها، وتأمل في هذه الأهرامات المنصوبة الآن من الذي بناها، ولماذا بنوها، وكم أنفق فيها؟ إن الذي بناها جماعة من الكفرة ممن سخروا المساكين في ذلك الزمن فأقاموها على دمائهم وعلى أموال الشعوب الفقيرة في ذلك الوقت، لماذا؟ لتكون مقبرة لهم زعموا، بناء كامل مقبرة لواحد، ويدفن معه من الكنوز والأموال التي يحتاج إليها الناس، كم قتل من الناس فيمن بنوا تلك الأهرامات، إذن الاستغلال السيئ للطاقات وللثروة هو الذي يبدد أموال الناس ويفقرهم، وتأمل في حال قارون لما أعطاه المال، وأعطاه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، استكبر وعلا وتجبر وطغى، وزعم بأن الله يحبه ويرضى عنه وإلا لما أعطاه، بماذا عاقبه الله بعد ذلك؟ سوء استغلال الأموال يؤدي إلى الهلاك، التبذير والإسراف يؤدي إلى الهلاك، إنفاق الأموال في مجالات الحرام يؤدي إلى الخراب والهلاك، ولذلك يقول نبي من الأنبياء لقومه موبخاً: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَسورة الشعراء128، هذه المنشآت التي فيها ضرر على الإسلام وأهله، وفيها تبذير للأموال، أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَسورة الشعراء128، عبث.

وعموماً -أيها الإخوة- فلا يحسبن كل إنسان أن هوايته التي هو يبدع فيها يمكن أن تستخدم لنصرة الدين، فإن هناك هوايات ومواهب نشأت في ظل الجاهلية بعيداً عن الإسلام، لا مجال لأصحابها في خدمة الدين، فمثلاً هواة لعبة الورق والشطرنج، هذه الهوايات ماذا تفيد الإسلام وأهله، ولو كانوا من أبطال العالم في ذلك، ولا يظنن بعض السذج أن بعض تلك الأشياء قد تصبح إسلامية بمجرد ذكر من الأذكار يكتب عليها، كمن يظن أن ورق اللعب إذا طبع عليه لا إله إلا الله صار إسلامياً، وكمن يظن أن القطعة من الشطرنج إذا استبدل الصليب الذي على رأسها بهلال صارت إسلامية، ومن يظن أن الذي يلعب الطاولة إذا قال في بداية لعبه بسم الله صارت اللعبة إسلامية، ومن يظن أن النحاتين الذين ينحتون التماثيل والأصنام إذا نحتوا تمثالاً لعمر بن الخطاب أو ابن تيمية صار عملهم إسلامياً، هذا هراء وكلام فارغ، فإذن أيها الإخوة إذا كانت القضية مضمونها جاهلي لا بد من نسفها تماماً، وكثير من الأمور التي ينسبونها إلى الفن المعماري الإسلامي الإسلام منها بريء؛ لأنها ما نشأت تحت راية القرآن والسنة، وإنما نشأت في فترات الترف نتيجة للبذخ، والإسراف، وتضييع الأموال، فقد تكون الموهبة إذن منقمة لا منقبة، وعلى هؤلاء من أصحاب الهوايات المحرمة أن يبحثوا عن مجالات أخرى يستفيد الإسلام من جهودهم فيها، وانظر كيف أغوى الشيطان أناس من المسلمين أنعم على بعضهم بالصوت الجميل فاستخدموه للغناء والفسق ومزامير الشيطان، بدلاً من استغلاله في قراءة القرآن ودعوة الناس للصلاة بالأذان، وأنعم الله على آخرين بذاكرة جيدة استغلوها وملأوها بحفظ تفاصيل التوافه من الرياضات، والأهداف، وأسماء اللاعبين، وتواريخ ذلك، وكلمات الأغاني، وأشعار المجون بدلاً من استخدام ذاكراتهم في حفظ كتاب الله والعلم الشرعي، فإذن إن الله سيحاسب الناس على طاقاتهم، فعلى من أنعم الله عليه بطاقة أن يستغلها لطاعة الله، من أنعم الله عليه بشخصية جذابة وقدرة على التداخل مع البشر أن يستغلها في الدخول إلى قلوب الناس وتعميرها بالإسلام، وانظر إلى مصعب بن عمير كيف أنعم الله عليه بتلك الجاذبية مما أدخل فيه أناساً من أهل الشرك فصاروا قادة للإسلام، ومن أنعم الله عليه بجاه، أو نفوذ، أو سلطان، فعليه أن يستعمله للخير، وفي إحقاق الحق، ومحاربة الباطل، وأن يقرب أهل الخير، ويجعلهم بطانته ومشورته، كما فعل الراشدون وعمر بن عبد العزيز، وانظر الكارثة التي حلت بالمسلمين لما قرب المأمون زعماء المعتزلة فصاروا نكالاً على الإسلام وأهله، وعذبوا الناس في دين الله، وحملوهم على البدعة، ومن آتاه الله قدرة في الشعر فلينظمه في المنافحة عن الإسلام، وهتك أستار الباطل، كما كان حسان يفعل ، ومن آتاه الله بسطة في الجسم فليجعلها في طاعة الله حرباً على أعداء الله يعين فيها المسكين والفقير من المسلمين، ولما أعطى الله طالوت بسطة في العلم والجسم استعملها في قيادة بني إسرائيل بشرع الله حتى وصلوا إلى نصر الله، وتأمل كيف عوتب موسى ﷺ واعتبر ذلك خطيئة في حقه لما استخدم قوته الجسدية في ضرب رجل فوكزه فقضى عليه، إذن -أيها الإخوة- إذا كنا نريد أن نكون صادقين في استقامتنا على شرع الله فعلينا باستغلال طاقاتنا، ومواهبنا المادية والمعنوية لإعلاء كلمة الله.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

00:24:19

الحمد لله وحده وأشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

الاستغفار ودعاء الاستسقاء.

00:24:27

أيها الإخوة: إن الله جعل الاستغفار والتوبة من الذنوب سبباً لنزول الأمطار، وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًاسورة هود52، وأيضاً قال نبي الله لقومه أن الاستغفار والتوبة سبب لنزول الأمطار، وأن يزدكم قوة إلى قوتكم، وكلما تجمع السحاب في السماء ليمطر فرقته ذنوب العباد، وأنت ترى ذلك عياناً، نسأل الله السلامة، واعلموا -أيها الإخوة- أن من خلاف السنة مخالفة للسنة أن يرفع الخطيب يديه في الدعاء في خطبة الجمعة، وكذلك المصلون إلا في حالة واحدة وهي دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة، فإن من السنة أن يرفع الخطيب يديه والمصلون كذلك.

اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، اللهم أغثنا ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً، سحاً، عاماً، غدقاً، طبقاً، مجللاً، عاجلاً غير رائث، نافعاً غير ضار، اللهم اسق عبادك وبهائمك، وأحيي بلدك الميت، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اجعله عوناً لنا على طاعتك، اللهم إن في البلاد والعباد من اللأواء والشدة والضنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم افتح علينا بركات من السماء والأرض، وأنزل علينا الغيث، اللهم أنزله على بطون الأودية والضراب ومنابت الشجر، اللهم حوالينا ولا علينا، وأكرمنا بالغيث يا رب العالمين، اللهم إن عندك خزائن السماوات والأرض اللهم أنزل منها علينا رحمتك وبركاتك يا رب العالمين، ويا أرحم الراحمين.

وصلى الله على نبينا محمد.

1 - (رواه أحمد21108)
2 - (رواه أحمد21077)