الأحد 23 جمادى الأولى 1446 هـ :: 24 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

اجعل الإجازة عبادة


عناصر المادة
الخطبة الأولى
آية للمتفكرين ونعمة من رب العالمين
السلف واستغلال الأوقات
الحل الإسلامي لمشكلة الفراغ
لا مكان للفراغ في الإسلام
استغل الفراغ فيما قصرت فيه
الخطبة الثانية
الفراغ ضيع الكثير

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

آية للمتفكرين ونعمة من رب العالمين

00:00:29

فإن الله قد قال في كتابه العزيز: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًاسورة الفرقان:62، فجعل الله مرور الليل والنهار وتعاقب هذين المخلوقين مجالاً للأعمال، جعله خلفة لمن أراد أن يذكر، أو أراد شكوراً، فمكن عباده من العمل في هذا الوقت، فمن عمل بطاعة الله سعد في الدنيا والآخرة، ومن عمل بمعصية الله، وشغل الوقت بذلك تعس وشقي في الدنيا والآخرة: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًاسورة طـه:124، وكذلك فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِسورة هود:106.

عباد الله: هذه الإجازات التي تأتي وتتوالى، ويحس فيها عدد من الناس بالفراغ، إن هؤلاء الذين لا يملؤون الأوقات، ولا يعمرونها بطاعة الله، كفروا بنعمة الوقت، ولم يؤدوا شكره، ولم يستعملوا هذا الذي مكنهم الله منه، وهي أوقات الفراغ في طاعة الله تعالى.

قال ابن القيم رحمه الله: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته، وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير له من حياته".

لأي شيء يعيش؟ لماذا يعيش إذا كان سيصرف الوقت في معصية الله، لماذا يعيش إذا كان سينفق هذه الأوقات في البطالة؟ إذا كان الإنسان لا ينتج خيراً فما هي قيمة حياته إذن؟! هل تنتج الخير؟ هل تنتج خيراً من وقتك؟ وكم من الخير ينتج؟ وهل يمتلئ هذا الوقت بالطاعات؟

السلف واستغلال الأوقات

00:03:08

لقد كانت أسئلة الصحابة عن الأفضل، إنهم سيملؤون الأوقات بالطاعات، لكن أي الطاعات هي الأفضل، وأي الطاعات هي الأكثر أجراً، على ذلك انصب الاهتمام والسؤال، فترى الصحابي يسأل: "يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ لما علموا أن العمر محدود، والأعمال كثيرة أرادوا أن لا يشغلوا الأوقات إلا بالأفضل، وهذا الفقه العظيم شغل الوقت بالأفضل، ومن كان يدور مع السريعة، وكان صاحب عِلم عَلم أن الأفضل هو لزوم الطاعة في ذلك الوقت، فإذا أذن المؤذن فالأفضل الترديد معه، وإذا صار وقت الاستجابة فالأفضل الدعاء، وإذا نزل الضيف فالأفضل إكرام الضيف، وإذا دعاك الوالد والوالدة فالأفضل إجابتهما، وهكذا تعرف -يا عبد الله- ما هو الأفضل، بصيرة: علم، وفقه، ثم بعد ذلك يمتلئ العمر بطاعة الله تعالى.

الأفضل في أوقات الغفلة الذكر، ورأس الذكر قراءة القرآن، والأفضل في أوقات الجهل طلب العلم، والأفضل في وقت المنكر الاشتغال بإزالته، والأفضل في وقت رؤية جاهل تعليمه، والأفضل في رؤية غافل نصحه ودعوته، وهكذا -يا عبد الله- تنشغل بالأفضل.

كان السلف يملؤون الأوقات بالطاعات، فقد قيل لنافع: ما كان ابن عمر يصنع في منزله؟ ونافع من أخلص تلاميذه، قال: "الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما" ألا ترى يا عبد الله أن هذا من خير ما شغلت به الأوقات، وعمرت به الأعمار، إذا نظرت في قضية الصلاة مثلاً، وحث الشريعة على الاستعداد لها، الوضوء والتذكير، والمشي للمسجد، وانتظار الصلاة، وأداؤها بخشوع، والأذكار بعدها، كم يأخذ ذلك من الوقت، إذا استعملنا ما جاء في الشريعة في العبادات امتلأت أوقاتنا بالخير، ولكن إن غفلنا عما جاء في الشريعة بهذا الشأن كنا بين التقصير والغفلة والمعاصي، بعض الناس يستغرقون في الصلاة وقتاً طويلاً، بعض النساء الصالحات تمكث في ما بين استعدادها للصلاة والانتهاء من الأذكار والسنن بين نصف ساعة وساعة، فلما جاءها الأجل، وقبل الموت بيومين تغير شيء في العقل، فماذا كانت تذكر من الدنيا؟ الصلاة، وربما صلت بغير تمييز، لم تعد تذكر شيئاً من الدنيا إلا الصلاة، وأخرى دخلت في غيبوبة الموت، وهي تقرأ سورة تبارك، معنى ذلك أن الانشغال بالشيء يبقى مع الإنسان إلى آخر عمره، وربما خرف، ولكنه لا يزال يذكر الصلاة لو صلاها بغير الشروط الشرعية، وعلى غير الكيفية الشرعية، لكن معنى ذلك أن في لا شعوره قد انطبعت قضية الصلاة انطباعاً عظيماً، فمع زوال العقل، وحصول الخرف، لكن لا زال يذكر الصلاة والصيام؛ لأنه كان مشغولاً بالعبادة فيها، فمع ضياع عقله الذي بقي أهم شيء كان يركز فيه، وهو العبادة، وإذا كان الإنسان المسلم حريصاً على وقته تأسس لفواته في غير مفيد.

قال بعض أهل العلم: "والله إني أتأسف في الفوات عن الاشتغال بالعلم وفي وقت الأكل؛ فإن الوقت والزمان عزيز"، وينادي بعض الدعاة أن يكون وقت الوجبة عشرة دقائق؛ لأجل استثمار الوقت في الطاعات، واليوم يدخلون المطاعم، فيأخذون الوجبة بالتقسيط المريح، فتأتي السلطات، وبعد وقت الوجبة، وبعدها العصائر، وبعدها القهوة والشاي، وبعدها الحلويات، وهكذا لا يخرج من البوفيه إلا بعد ساعة، يستلذون، ويضيعون الأوقات فيما أخبر النبي ﷺ عنه بقوله: حسب الآدمي لقيمات يقمن يصلبه[رواه ابن ماجه (3349)]، فتحولت اللقيمات إلى ساعة أو أكثر في تناول وجبة، فأين استشعار هؤلاء لأهمية الوقت؟ وكان ابن الجوزي رحمه الله يجعل في وقت مقابلة الناس أموراً لا بد له منها في التأليف، كقطع الأوراق، وبري الأقلام، وحزم الدفاتر، يقول: فإن هذه الأشياء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر، وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم؛ لئلا يضيع شيء من وقتي.

ونقول لهؤلاء الإخوان الذين صار لديهم وقت فراغ نتيجة لهذه الإجازة الدراسية والمدرسية: خرج شريح القاضي رحمه الله على قوم من الخياطين في يوم إجازة لهم، وهم يلعبون، فقال: ما لكم تلعبون؟ قالوا: إنا تفرغنا -اليوم لدينا إجازة من العمل-، قال: أو بهذا أمر الفارغ؟ وتلا قول الله تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ۝ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ سورة الشرح:7-8.

الحل الإسلامي لمشكلة الفراغ

00:10:13

إن الحل الإسلامي لإشكالية الفراغ مبني على أمور، ومن ذلك وهي قضية مهمة جداً توالي الطاعات، إذا فرغت من الفرائض فانصب للنوافل، إذا فرغت من صلاة النهار فانصب لقيام الليل، إذا فرغت من الفريضة فاجعل الوقت في الذكر بعدها، إذا فرغت من الجهاد فانصب لقيام الليل، إذن الحل الإسلامي هو توالي الطاعات، هذا أمر مهم جداً، توالي الطاعات، وعندما يرى الإنسان قدوة فيما يملأ به وقته تعظم القضية عنده، ومشكلتنا قلة القدوات في المجتمع، نادراً ما ترى شخصاً يذكرك بالله واليوم الآخر، وكيف تستثمر وقتك، ولما كانت هذه العناصر كثيرة في المجتمع الإسلامي في الماضي، كان المجتمع بخير وعافية.

قال الراوي: ما يأتي على ابن البزار يوم إلا وهو يعمل فيه خيراً، وقد كنا نختلف إلى شيخ فكنا نقعد نتذاكر إلى خروج الشيخ، وابن البزار قائم يصلي، فهو ينتظر خروج العالم، وهو قائم يصلي، والمطلوب اغتنام الوقت ليس اغتناماً فنياً ومسرحياً وسياحياً، وإنما اغتنام الوقت إيمانياً؛ لأنه هو عمرنا.

قال ابن عقيل رحمه الله: "إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، بفعل التعب من الكلام في العلم، وبصري عن مطالعة -يحتاج إلى شيء من الراحة بعد التركيز المجهد في الكتب- أعملت فكري في حال راحتي، وأنا مطَّرح، أعملت فكري، أفكر في عظمة الله ونعيمه وعقابه، والآخرة وما سيكون في القبر والحساب، وغير ذلك مما يصلح حالي، وحال أهلي وأولادي، وعيشي في الدنيا والآخرة، استثمار العقل والتفكير.

لا مكان للفراغ في الإسلام

00:13:06

ومن الحلول الإسلامية لمشكلة الفراغ الذي نقول باستمرار: إنه لا يوجد في الإسلام مشكلة من هذا النوع؛ لأن الإسلام مبني على العبودية لله، أن تكون دائماً عابداً لله تعالى، والإسلام -والحمد لله- فيه مجالات كثيرة للترويح ولكن بمفيد، ولو نظرت إلى ترويح النبي ﷺ لوجدته مبنياً على تقوية الروابط الاجتماعية في كثير من الأحيان، فلما سابق عائشة، ولما قال لها: تشتهين تنظرين [رواه البخاري (950)، ومسلم (892)] إلى الحبشة، وهم يلعبون لعبة الحرب والحراب، وهو تدريب عسكري، ولما كان يقبِّل الحسن والحسين، ويضمهما رضي الله عنهما، ولما كان يكون أحياناً كالراحلة يسمح للولد الطفل الصغير أن يرتحله، ويلعب على ظهره، ماذا تنبئك هذه التصرفات، لما كان يمازح أصحابه، أو أهله أحياناً، ماذا تنبئك هذه المزحات؟ إنها في الحقيقة عمل اجتماعي استثماري في تنمية العلاقات مع الطفل والزوجة، والأقارب والأصدقاء، إنها تداخل نفسي وممازجة للأرواح بالمباح، وعندما ينوي فيه الإنسان الله والدار الآخرة في تربية أهله وزوجته مثلاً؛ فإنه يؤجر على ذلك، يؤجر على ملاعبة أهله وزوجته، أربعة ليست من اللهو: الرماية والسباحة، وكذلك ملاعبة الرجل أهله، وتأديبه فرسه، فترويض هذا الحيوان لاستعماله في الجهاد، وملاعبة الأهل ليست من اللهو الذي ذمته الشريعة، لكن المصيبة عندما تلهو الزوجة بالمنكر، ويتلهى زوجها في مكان آخر بالمنكر أيضاً، وتجعل المنكرات بين أيدي الأطفال، كل يشتغل بمنكره، في الإسلام لا يوجد في حياة المسلم فراغ لا يشغله بشيء، وإذا لم يُشغل بالطاعة، شغل بالمعصية، فنفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.

ومن الحلول الإسلامية لإشكالية الفراغ الاستبدال، جعل الخير مكان الشر، مزاحمة الشر بالخير، لما كان من عادات أهل الجاهلية أعياد ومواسم جعل الإسلام لهم أعياداً أيضاً، كانوا يجتمعون على موائد الخمر والميسر، وعبادة الأوثان وسماع الشعر الضال، فجعل الإسلام المسلمين يجتمعون على صلاة الجماعة، ويتذاكرون القرآن، وكذلك يجلسون في حلق العلم، فنفوسهم مشغولة بالذكر والعبادة التطوعية بعد أداء الفرائض، ومشغولة بحفظ القرآن وتلاوته تعبداً، ومشغولة في زيارة الأصحاب والأحباب وعيادة المرضى من المسلمين، ومشغولة في ساعة مرح نظيفة مع الزوجة والأولاد، هكذا إذن.

استغل الفراغ فيما قصرت فيه

00:17:03

ثم إننا عندما نأخذ إجازة فإننا نحتاج إلى الالتفاف في جوانب قصرنا فيها أثناء العمل أو الدراسة، إن الإجازة في الحقيقة من وظائفها الالتفات إلى استدراك ما فات، إذا كنت مقصراً في شيء مع زوجتك، مع أولادك، مع أقاربك، مع أهل حيك، هذه فرصة لاستدراك ما فات، تقول: تنادون بطلب العلم، والدوام والعمل والشركة لا تعين على ذلك، فيرجع الإنسان من عمله مهموماً متعباً كالاًّ، يشتري أغراض بيته، يأكل، ينام، إذا جاءت الإجازة إذن فينبغي أن يكون فيها استدراك -مثلاً- لقضية طلب العلم، إذا كنا مقصرين في طلب العلم أثناء الدراسة الجامعية الدنيوية، أو أثناء هذه الأعمال التي كانت تشغل أوقاتنا، فإننا ينبغي أن نستدرك ما فات في طلب العلم، هذه العبادة العظيمة التي قصر فيها الكثيرون، كان السلف يرحلون في طلب العلم الأيام والليالي، ويجوعون، ويتعرون، ويتعرضون للصوص والأخطار، وغير ذلك، ولم يجد بعضهم إلا سلحفاة، فلما قشرها ليأكلها قال: وجدت طعمها كصفار البيض المالح.

وكانوا إذا دخلوا البلد، فوجدوا شيخاً مات ممن كانوا يقصدونه داخلهم من الهم ما الله به عليم، كانوا يدركون أن الله يقبض العلم بقبض العلماء، فيسارعون للقائهم، كانوا يحملون الدواة والمقلمة والأوراق إلى المجلس، فيكتبون عن الشيوخ الأسانيد والأحاديث، والفوائد والعلم.

إذا رأيت شباب الحي قد نشئوا لا ينقلون قلال الحبر والورق
ولا تراهم لدى الأشياخ في حلق يعون من صالح الأخبار ما اتسق
فدعهم عنك واعلم أنهم همج قد بدلوا بعلو الهمة الحمق

فمن الحمق إذن أن لا يصل الإنسان علماً، إذا مر علي يوم لم أزدد فيه علماً فلا بورك لي في ذلك اليوم، كما قال بعض السلف، يحضرون وهمتهم الإخلاص، وليس المراءاة والمباهاة، ويحضرون وليس همهم جمع المعلومات، وهذه قضية مهمة جداً، ليس همهم فقط جمع المعلومات، وإنما تعلم السمت والأدب.

كان يجتمع في مجلس الإمام أحمد خمسة آلاف، أو يزيدون، خمسمائة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت، السمت الحسن، المظهر الحسن، التصرفات الحسنة، وهكذا.

كان يجتمع في مجلس الإمام أحمد خمسة آلاف، أو يزيدون، خمسمائة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت، السمت الحسن، المظهر الحسن، التصرفات الحسنة، وهكذا.

قال أبو بكر بن المطوعي: اختلفت إلى الإمام أحمد اثنتي عشرة سنة، وهو يقرأ المسند على أولاده في نحو من أربعين ألف حديث جمعها بعرقه، فما كتبت عنه حديثاً واحداً، إنما كنت أنظر إلى هديه وأخلاقه، فكانوا تستقطبهم قضية القدوة والاقتداء، ويلتفون حول أصحاب المجاهدة: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاسورة العنكبوت:69، وكانوا يحرصون على كتابة الفوائد، وربما كتبوا آلاف آلاف الصفحات، والبخاري فُقد فوجد في بيت ليس له ثياب، فني المال في طلب العلم، فاشتروا له ثياباً، فخرج معهم للطلب.

وهكذا وقف قتادة الأعمى -الذي لم تمنعه عاهته من طلب العلم-، وهو يسأل أنساً، ويسأل ابن المسيب حتى قال له: نزفتني يا أعمى، استخرجت علمي، نزفتني يا أعمى؛ مداعباً له، كانوا يبكرون للحلق، ويلزمون المكان القريب من الشيخ، ويكتبون ما فاتهم إذا فات لأمر لا يستطيع استدراكه، لا يستطيع حضوره استدركه، فمن تعطلت سيارته عن الحضور، أو تأخر بعد الدرس يسأل: ماذا كتبوا؟ ماذا أخذتم؟ ماذا سمعتم؟ ماذا استفدتم؟ يعلقون الفوائد على الكتب، فترى كتبهم مليئة بالحواشي، الحواشي في الكتب دليل على النشاط والاجتهاد والاستفادة، ومراجعة هذه الفوائد، وإذا وجدت دورات شرعية في البلد، وأتى بعض أهل العلم لأجلها، فلا أقل من أن يكون واجبنا هو حضورها، والاستماع والإنصات والاستفادة.

اللهم وفقنا لما يرضيك، وباعد بيننا وبين ما لا يرضيك، اللهم اجعل أوقاتنا مملوءة بذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، وأعنا على ذلك يا رب العالمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:22:57

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

الفراغ ضيع الكثير

00:23:19

عباد الله: ينبغي أن نلتفت لأنفسنا، أن نصلح ما خرب في بيوتنا، أن نلملم ما انفرط من علاقاتنا الأسرية والاجتماعية، أن نصل الرحم، أن نواصل إخواننا في الله، أن نحرص على الصالحين والاجتماع بهم ولقياهم، فإذا كنت -يا أيها الشاب- ممن يريد أن ينجو يوم الهلاك، ويأمن يوم الفزع، فعليك بملازمة الصالحين، فإذا كانوا في مراكز تحفيظ القرآن، والأماكن الطيبة، فاغشهم، وكن معهم، وطبق قول الله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَاحبسها، اصبر، الصبر هو الحبس والكف، اصبر نفسك، وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، عبادتهم متوالية، ليست في وقت دون وقت، يُرِيدُونَ وَجْهَهُ فهم أصحاب إخلاص، وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، لا من أجل قرناء سوء، وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًاسورة الكهف:28، ولا من أجل جولات في السيارات تضيع الأوقات، وتتلف الأموال، ولا من أجل غشيان للأسواق في المنكرات والمحرمات، ولا من أجل إتيان إلى أماكن اللهو، وذهاب إليها.

إن وضع شبابنا وضع خطير، أجرى أحد المدرسين على عينة من الطلاب في مدرسته الثانوية هنا، فكانت النتيجة في الأسئلة التي وجهها إليهم أن ربعهم لا يصلي إلا الجمعة، وأن نحو عشرة في المائة بالإضافة للجمعة صلاة واحدة، أو صلاتين في اليوم، والثلث ربما كانوا يحافظون على الصلوات، وكذلك أجاب الربع بأنهم ينظرون إلى الأفلام الخليعة، وأجاب النصف بأنهم يتابعون الغناء والرقص، وغيرها من البرامج السيئة، وخمسة في المائة ينظرون إلى برامج علمية، أو دينية في الشاشة، خمسة في المائة، ومن بين ثلاثين طالباً حضر اثنان في فقط في حلقة علم، ولما سألهم: من ختم منكم القرآن في حياته عشرين مرة، لم يرفع يديه أحد، خمس مرات أجاب أربعة بالإيجاب، مرة واحدة عشرة، ما معنى ذلك؟ ما معنى ذلك -أيها الإخوة-؟ معناه في سؤال أجاب بعضهم عنه: هل يقضي والدك وقت فراغك معك؟ "أبداً" أربع وخمسين في المائة، "أحياناً" سبعة وأربعين في المائة، "باستمرار" ثلاثة في المائة، أين المربي؟ إذا كان الأب لا يلازم ما هي النتيجة؟ النتيجة ما ترونه جرائم، سرقات لم تسلم منها حتى بيوت الله، وأثناء الصلاة، وفي بعض مصليات النساء، إذن مخدرات، جرائم بأنواعها، اعتداء، اغتصاب، ينظرون إلى الأفلام في الشاشة، ويطبقونها في الواقع، وكذلك يفعلون.

أيها الإخوة: من تأمل مثلاً في انتشار ما يسمى بمقاهي الإنترنت؛ لوجد دليلاً صارخاً، وواضحاً على هذه المصيبة التي حلت بشبابنا، يدخلون تلك الأماكن، وأكثر من سبعين في المائة يريدون المواقع الجنسية، وبعض الفسقة من العاملين يعينونهم على ذلك، وقامت بعض المقاهي بتركيب طبق هوائي لتجاوز الجدار الواقي والحاجز الذي يحول بينهم وبين ذلك، ويملأ بعض العاملين فيها ذاكرات الأجهزة بالصور العارية حتى إذا فشل في الوصول إلى موقع سيئ وجدها مخزنة لديه، ووجد من قبله قد وضع الأدلة إلى ذلك، والإرشاد إليه، وهذه الأماكن الخاصة، أو المغلقة، الخصوصية الموجودة في المقاعد التي تعني البعد عن المراقبة، والرقيب، وأن يمر شخص ينظر إليه، وهكذا.

عدد المواقع الجنسية في الشبكة أكثر من أربعمائة ألف موقع، تمثل واحد ونصف بالمائة فقط من عدد المواقع في الشبكة، 1%، على واحد بالمائة من المواقع يزدحم ثمانون في المائة من مستخدمي الشبكة! ثم ينسخون من هذه المقاهي ما ينسخون، ويتبادلون مع أقرانهم، وهكذا تجد حتى بعض الطلبة من غير البالغين بأيديهم هذه الأمور الشنيعة جداً، لا بد من حل، لا بد من انتشال لا بد من دعوة، لا بد من قيام الآباء بمسؤولياتهم، إلى متى الإدمان أيها الإخوة؟ حتى متى؟ السؤال: حتى متى؟ تمتلئ السجلات بالمعاصي، ترفع الملائكة إلى الله يومياً سجلات الأعمال، هذه السجلات تغدو عليك بسخط من الله وغضب، وتنزل وتصعد إذا لم تكن أنت قائماً بأمر الله، حازماً في أمر أهلك.

أيها الإخوة: إجازة لا بد أن تمتلئ بالطاعات، ومتابعة من المسؤولين في الأسر عن أبنائهم، ومن الدعاة للمدعوين، ومن طلاب العلم للمتعلمين، وغير ذلك حتى تكتمل الحلقة، حلقة الخير وتتواصل.

اللهم إننا نسألك أن تجعلنا من عبادك الأخيار، اللهم اجعلنا من المتقين الأبرار، اللهم إنا نسألك أن تصلحنا، وتصلح مجتمعنا، وأولادنا وذرياتنا، وبيوتنا يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تجعل عيشتنا حميدة، وأن تجعل ميتتنا على خيرٍ كما تحب يا رب العالمين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في الشيشان وكشمير والفلبين، وفي سائر الأرض وفلسطين يا رب العالمين.

وإننا ولا شك لا نزال نعجب لأولئك المجاهدين في الشيشان على البطولات والتضحيات التي يقدمونها، وما يفعلونه بأعداء الله تعالى من قتلهم يومياً، حتى قتلوا قبل يومين نائب الإدارة، رئيس الإدارة المحلية في الشيشان، وعمدة بروزني كلاهما من الروس الكبار قد قتلوا بأيدي المجاهدين، والحمد لله رب العالمين، ونسأل الله المزيد من فضله، والنصر للمسلمين، وأن يعجل الفرج إنه خير مسؤول، وأكرم من دعي .

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه ابن ماجه (3349)
2 - رواه البخاري (950)، ومسلم (892)