الأربعاء 10 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 11 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

التحميد في الكتاب والسنة


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أهمية عبادة الحمد
فضائل الحمد
مواطن الحمد
الخطبة الثانية

الخطبة الأولى

00:00:07

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أهمية عبادة الحمد

00:00:47

إخواني: إن هناك أنواعاً من العبادات تفوت على المسلم مع ما فيها من الفضل العظيم والثواب الجزيل، وقد تكون في غاية السهولة، والله يعطي الأجر العظيم على العمل القليل؛ لأن من أسمائه الكريم والمنان، يعطي ولا ينفد ما عنده سبحانه، ونحن بحاجة دائماً أن نتذكر من العبادات ما يعيننا على بلوغ الدار الآخرة والوصول إلى بر السلامة، ومن أعظم الأمور ذكر الله ، وذكر الله أنواع، ذكر لساني يرتبط بالقلب، يرتبط بالمعاني الموجودة في القلب، فكل ذكر وكل نوع من هذا يجري على لسان العبد وحقيقته قائمة في قلبه، والله هو المحمود حقاً حقاً، وله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد فالق الإصباح، وله الحمد وهو الحكيم الخبير، وله الحمد على ما أعطى، وله الحمد على ما منع، وله الحمد على ما يفعل، ، الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سورة الفاتحة2، وقد حمد الله نفسه في آيات كثيرة وأمرنا بحمده ، وأهل الجنة الذين هم أهل الجنة وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة يونس10، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُسورة الزمر74، الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَاسورة الأعراف43، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ سورة فاطر34، حمد الله عبادة عظيمة، حمد الله يعني رضا العبد عن أفعال ربه، حمد الله يعبر عن تسليم العبد لقضاء ربه.

فضائل الحمد

00:03:10

الحمد لله تملأ الميزان[رواه مسلم223]، هذه الكلمة العظيمة في ثوابها وثقلها تملأ الميزان، الحمد لله تملأ الميزان[رواه مسلم223]، وقال النبي ﷺ: أفضل الدعاء الحمد لله[رواه الترمذي3383]، كما قال: أفضل الذكر لا إله إلا الله[رواه الترمذي3383]، يأتي نبينا ﷺ وبيده لواء الحمد يوم القيامة، فالله هو المحمود، يحمد على كل شيء، يعطي سيد الأولين والآخرين بيده لواء الحمد، فيقوم به ﷺ.

وكان ﷺ يتأول القرآن، فلما نزل قول الله تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُسورة النصر3 قال ﷺ: سبحان الله وبحمده، كان يتأول القرآن، سبحان الله وبحمده، والله قد أمرنا أن نسبحه بحمده وأن نقول: سبحان الله وبحمده، دائماً نحافظ على هذه الكلمات العظيمة التي يغفل عنها أهل المعصية أهل الغفلة، لكن المؤمن دائماً يشتغل بذكر الله، ومن أفضله وأعظمه الحمد لله، ألم تر أن أعظم سورة في القرآن وهي سورة الفاتحة كيف ابتدأت: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة الفاتحة2، تبتدئ بهذه الجملة العظيمة: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة الفاتحة2، قال ﷺ: ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن؟ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة الفاتحة2[رواه أحمد 17144]، إذا قال العبد: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سورة الفاتحة2 قال الله: حمدني عبدي.[رواه مسلم395].

وقد ورد فضل هذه الكلمة العظيمة مع غيرها وورد فضلها مستقلاً في عدد من النصوص دلالة على أهميتها، قال ﷺ: خذوا جنتكم من النار قولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات ومعقبات ومجنبات، وهن الباقيات الصالحات  [رواه الطبراني في الأوسط3179]، يأتين يوم القيامة أمام الذاكر ومن خلفه وعن يمينه وشماله يحطنه، هذا إكرام الله للذاكر للذي يكثر من قول: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

وقد التقى نبينا محمد ﷺ بإبراهيم الخليل لما أسري به فماذا قال له إبراهيم؟ أقرأ أمتك السلام، وأخبرهم أن الجنة طيب ترابها -طيبة التربة عذبة الماء، وأخبرهم أن غراسها -غراس الجنة-: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر

وقد التقى نبينا محمد ﷺ بإبراهيم الخليل لما أسري به فماذا قال له إبراهيم؟ أقرأ أمتك السلام، وأخبرهم أن الجنة طيب ترابها -طيبة التربة عذبة الماء، وأخبرهم أن غراسها -غراس الجنة-: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر

[رواه الترمذي3462]، فهذه وصية من إبراهيم إلينا جاءتنا عبر نبينا محمد ﷺ، أن نقول دائماً؛ لأن غراس الجنة أن نقول دائماً: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

وقال ﷺ في الحديث الصحيح: إن الله تعالى اصطفى لكم من الكلام أربعاً: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فمن قال: سبحان الله، كتبت له عشرون حسنة وحطت عنه عشرون سيئة، ومن قال الله أكبر مثل ذلك، ومن قال لا إله إلا الله مثل ذلك، ومن قال الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه خالصاً لله، ومن قال الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه كتبت له ثلاثون حسنة وحط عنه ثلاثون خطيئة[رواه أحمد7952]رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

وعن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ مر به وهو يغرس غرساً، فقال: يا أبا هريرة! ما الذي تغرس؟ قال: غراساً لي، هذه غراس لي أغرسها، قال ﷺ الرحيم بأمته الحريص على تعليمهم: ألا أدلك على غراس هو خير من هذا؟ قال: أجل يا رسول الله، بلى أخبرني يا رسول الله، قال: تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يغرس لك بكل كلمة منها شجرة في الجنة[رواه ابن ماجه3807]، وما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب، كما قال النبي ﷺ، وقال:  من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة[رواه الترمذي34] فاستكثروا يا أيها المسلمون من شجر الجنة، فما أسهل القول، ما أسهل الفعل، ما أسهل هذا العمل وما أعظم الأجر، ما أعظم الثواب، ما أعظم الجزاء من رب كريم يمن على عباده يقول: خذوا بلا حساب، لكن أين العاملون؟ وأين المشمرون؟ وأين الذاكرون الله كثيراً والذاكرات؟

وقال ﷺ لأبي أمامة معلماً إياه فضل الحمد، قال: ألا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار؟ تقول: الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله عدد ما في السموات وما في الأرض، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، وتسبح الله مثلهن[رواه أحمد21640]، تعلمهن يا أيها المسلم، وعلمهن أولادك، وعلمهن عقبك من بعدك.

ولما تتجدد النعمة يجب على العبد أن يحمد ربه، وإذا علم العبد عظم الحمد بجانب النعمة، ما أسرع لسانه إلى الحمد، قال ﷺ: ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة[رواه الطبراني في الكبير7794]، فالحمد لله على ما أنعم وعلى نعمه، وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَاسورة النحل18.

والحمد سبب لرضا الرب عن العبد، حمد العبد لربه سبب للرضا من الرب، فقال ﷺ: إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها[رواه مسلم2734]، وقال ﷺ لما دخل عليه وبنت له تقضي، قال كلاماً عظيماً، وهذه القصة صحيحة رواها ابن عباس، قال: أخذ النبي ﷺ بنتاً له تقضي - تحتضر تموت- فاحتضنها فوضعها بين ثدييه، فماتت وهي بين ثدييه، فصاحت أم أيمن، فقيل: أتبكي عند رسول الله ﷺ؟ فقالت: أنت تبكي يا رسول الله، فقال: لست أبكي إنما هي رحمةذرفت عيناه ﷺ، وقال: إن المؤمن بكل خير على كل حال، إن نفسه تخرج من بين جنبيه وهو يحمد الله رواه النسائي1843حتى آخر لحظة من الدنيا والمؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله ، فهو يحمد الله على كل حال، حتى لو كانت روحه تخرج من بين جنبيه فهو لا يزال يحمد الله، لماذا؟ يحمد الله على الخروج من سجن الدنيا، ويحمد الله على قضائه فيه وأنه الآن يقبض روحه، فيحمد الله على كل شيء وعلى كل مكروه وعلى كل قضاء، حتى أن المؤمن يحمد الله وربه يقبض روحه من بين جنبيه، فيحمد الله على قضائه فيه، يحمد الله على لذة الحياة ونعمتها، الحياة التي أفناها في طاعة الله، فهو يحمد الله على أنه أعطاه النعمة التي حيي بها فذكر ربه وعبده.

مواطن الحمد

00:13:23

وإذا تأملت أيها المسلم الحمد في أي شيء ورد من الأذكار الشرعية لتتعجبن أشد العجب من عظم هذه الكلمة عند رب العالمين، وتتعجب أشد العجب من شدة تفريطنا وغفلتنا عن الإتيان بهذه الكلمة دائماً:

فعند القيام من النوم: الحمد لله الذي رد علي روحي، وإذا رأى مبتلى: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، يسر بها، وعند الركوع يقول الإمام: سمع الله لمن حمده، فيقول الناس: اللهم ربنا ولك الحمد، ولما قال رجل: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، الحمد لله تعجبت الملائكة من هذه الكلمة، وإذا عطس الإنسان ماذا يقول؟ الحمد لله، والسبب أن العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان، فإذا عطس حمد الله ، وكان النبي ﷺ ما لا يحصى إذا تكلم وإذا خطب يقول الصحابة: حمد الله وأثنى عليه، وبعد الصلوات ثلاثاً وثلاثين تحميدة يقولها العبد، (وكان ﷺ إذا أتاه الأمر يسره قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه الأمر يكرهه قال: الحمد لله على كل حالرواه ابن ماجه3803، فهو دائماً يحمد، وكان إذا استجد ثوباً ليلبسه يقول: الحمد لله، أول كلمة الحمد لله أنت كسوتنيه أسألك من خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له[رواه الترمذي1767]، إذا استجد ثوباً أو نعلاً، إذا استجد ملبوساً قال: الحمد لله أنت كسوتنيه، اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك من خيره وخير ما صنع له؛ لأن الثياب لها خير ولها شر، فقد يختال فيها ويتبطر ويتكبر وتسحب خيلاء، وقد تلبس عند الفجرة ويتزين فيها، وقد يتبرج فيها، وبالذات للنساء يتبرجن بالملابس، فالملابس لها خير ولها شر؛ ولذلك كان ﷺ يقول: اللهم أسألك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له، والحمد في الطعام عبارات عظيمة عجيبة خرجت من فيِّ رسول الله ﷺ حفظها الصحابة.

ولو تأملت في هذه العبارات يا عبد الله لوجدت شاهداً على شدة حمد الرسول لربه وإخلاصه لله في هذا الحمد: كان إذا قرب إليه طعام قال: بسم الله، فإذا فرغ قال: اللهم إنك أطعمت وسقيت وأغنيت وأقنيت وهديت واجتبيت، اللهم فلك الحمد على ما أعطيت[رواه أحمد16159]، وكان إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجاً[رواه أبو داود3851]، وكان إذا رفعت مائدته قال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، الحمد لله الذي كفانا وآوانا غير مكفي ولا مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا[رواه البخاري5459]، وكان إذا أوى إلى فراشه ﷺ يتذكر نعمة الله عليه، هذا التذكر الذي نفتقده نحن وننساه نحن ونغفل عنه نحن، كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي[رواه مسلم2715]، فيحمد ربه أنه كفاه وآواه .

وكان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر الله على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده[رواه البخاري1797]، وفي التلبية ماذا يقول الحاج والمعتمر؟ لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك[رواه البخاري1549].

وفي الموقف العظيم في صلاة الاستسقاء فيما رواه أبو داود قال: شكا الناس إلى النبي ﷺ قحط المطر فوعدهم يوماً ثم خرج إلى المصلى فقام لما أمر بالمنبر قام عليه قال: إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله ووعدكم أن يستجيب لكم ،ثم شرع ﷺ بدعاء ربه، فماذا قال؟ أول ما بدأ بالدعاء قال: الحمد لله رب العالمين ۝ الرحمن الرحيم ۝ مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين، بدأ: الحمد لله رب العالمين ۝ الرحمن الرحيم ۝ مالك يوم الدين يقول الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، ثم شرع في الدعاء، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن والبيوت ضحك ﷺ حتى بدت نواجذه فقال:  أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله.[رواه أبو داود1173]

فاللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم ارض عنا وارزقنا حمدك وشكرك.

أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:21:00

الحمد لله على كل حال، والصلاة والسلام على محمد والآل، وأشهد أن لا إله إلا الله هو الحميد وهو المحمود ، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان.

أيها المسلمون: لا تغفلوا عن حمد الله، واذكروه دائماً: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ سورة البقرة152، الحمد على كل حال، هذا فعل النبي ﷺ، هذا قوله حمد الله على كل حال.

وقد حدثنا النبي ﷺ: عن رجل من بني إسرائيل قال: لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون، أصبح الناس يتحدثون: وضعها في يد سارق، وهو لا يدري أنه سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق، فلما سمع الرجل وعلم قال: اللهم لك الحمد على سارق، الرجل رضي وسلم وقال: الحمد الله، اللهم لك الحمد، لك الحمد على ما حصل، لم أكن أقصد السارق، لكن هذا قضاؤك نيتي الصدقة لك الحمد، اللهم لك الحمد على سارق، لأتصدقن الليلة بصدقة ولاحظ أنه يجعل الصدقة في الليل لإخفائها، لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، وهو لا يعلم أنها زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية ما كان يقصد، لكن رضاً بقضاء الله حمد الله، لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، وهو لا يعلم أنه غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني، فقال: اللهم لك الحمد على غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني، فالناس قالوا: تصدق على غني، قال الرجل: اللهم لك الحمد على غني، فأصبحوا يتحدثون بأمر الرجل عجباً، فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني، فأتي الرجل -قال العلماء: أتي في المنام- بمنام من الرؤى الصالحة، فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله[رواه البخاري1421]رواه الإمام البخاري رحمه الله، لما فوض الله ورضي بقضاء الله، وقال: اللهم لك الحمد؛ لأنه يحمد على كل حال، فجعل الله لهذه الصدقات الثلاث ثواباً عظيماً، والأمور بالظاهر والله يتولى السرائر، ونية المتصدق تنفعه ولو وقعت في غير موقعها، وهذا يدل على فضل صدقة السر وبركة التسليم لأمر الله.

والحمد على كل حال، حتى على المكروهات، هذه صفة المؤمنين التي لا تكون للذين يبغضون القضاء ويعترضون عليه؛ ولذلك الله يكافئ الراضي بقضائه الحامد له على قضائه وقدره مكافأة عظيمة، قال ﷺ: إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع حمدك قال: الحمد لله على كل حال، واسترجع قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد[رواه الترمذي1021].

فالحمد لله أولاً وآخراً، والحمد لله ظاهراً وباطناً، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، والحمد لله عدد ما في السموات وما في الأرض، والحمد لله على كل حال، ما أصابنا من نعمة فالحمد لله، وما أصابنا من نقمة وبلية وعذاب فالحمد لله، الحمد لله على ما أصاب إخواننا المسلمين في أنحاء العالم، الحمد لله على كل مصيبة وقعت بنا ونحتسب أجرها عند الله، ولا نقول إلا ما يرضي الرب الحمد لله على كل حال، إنا لله وإنا إليه راجعون.

فهذه العبادة العظيمة التي نحن عنها غافلون، ينبغي أن نتيقظ لها يا عباد الله.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الذاكرين كثيراً، اللهم اجعلنا من الذاكرين لك كثيراً، واجعلنا لك شاكرين لك عابدين إليك تائبين إليك أواهين منيبين، اللهم لا تسلبنا النعمة، اللهم إنا نعوذ بك من تحول عافيتك وفجأت نقمتك وجميع سخطك، اللهم ارفع الظلم عنا وعن المسلمين، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نسألك أن تنزل علينا غيثاً مغيثاً، اللهم اجعله بلاغاً لنا إلى خير، اللهم  إنا نسألك أن تصلح شأننا كله، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

1 - رواه مسلم223
2 - رواه مسلم223
3 - رواه الترمذي3383
4 - رواه الترمذي3383
5 - رواه أحمد 17144
6 - رواه مسلم395
7 - رواه الطبراني في الأوسط3179
8 - رواه الترمذي3462
9 - رواه أحمد7952
10 - رواه ابن ماجه3807
11 - رواه الترمذي34 
12 - رواه أحمد21640
13 - رواه الطبراني في الكبير7794
14 - رواه مسلم2734
15 - رواه الترمذي1767
16 - رواه أحمد16159
17 - رواه أبو داود3851
18 - رواه البخاري5459
19 - رواه مسلم2715
20 - رواه البخاري1797
21 - رواه البخاري1549.
22 - رواه أبو داود1173
23 - رواه البخاري1421
24 - رواه الترمذي1021