الخميس 28 ربيع الآخر 1446 هـ :: 31 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الجمع في المطر والمسح على الخفين وبدع رجب


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أحكام الجمع بين الصلاتين في المطر
أحكام المسح على الخفين
الخطبة الثانية
شهر رجب وما فيه من البدع
تذكر أحوال المسلمين في أنحاء العالم

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدٍ ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أحكام الجمع بين الصلاتين في المطر

00:01:21

أيها المسلمون: ها هو فصل البرد والمطر قد أقبل، ونحن نتذكر في هذا الموضع أموراً كثيرة، ونتطرق إن شاء الله إلى أحكام الجمع بين الصلاتين في المطر، والمسح على الخفين والجوربين، ثم نتبع ذلك بكلام عن شهر رجب.

أما هذا الفصل الذي أنتم فيه فإنه من حكمة الله أن ينوع على عباده الحر والبرد، كما ينوع عليهم الليل والنهار، وهذا الحر والبرد من آياته ، وقد جعل لنا من الملابس التي تقينا الحر، ومن المفهوم من الآية الملابس التي تقينا البرد، فإنها كذلك أعظم في النعمة وأشد، فكما جعل سرابيل تقيكم الحر، وسرابيل تقيكم بأسكم في الحر فإنه كذلك امتن على عباده بجعل هذه الملابس التي تقيهم برد الشتاء، وهذا الشتاء ينبغي إحسان العبادة فيه، مثل إحسان الوضوء، وإسباغ الوضوء على المكاره، والقيام لصلاة الفجر وعدم تركها من أجل البرد، كما يفعله كثير من الناس، يطغى دفئ الفراش في حسه على الأجر والحسنات، فيوثر أن يبقى في فراشه، ولا ينهض في الليل والبرد للصلاة وهذا ضعيف لا يقاوم نفسه الأمارة بالسوء، وكذلك فإننا نتذكر في هذا الشأن أن من عذاب جهنم الحر الشديد والبرد الشديد كما أخبر النبي ﷺ من أن النار اشتكت إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين نفس في الصيف فذلك أشد ما ترون من الحر، ونفس في الشتاء وهذا أشد ما ترون من الزمهرير[رواه البخاري3260]، وليس بعزيز على الله ولا بصعب عليه سبحانه أن يعذب أهل النار بأنواع من العذاب، ولو كانت متعاكسة حتى يكون عليهم أشد ما يكون، وإن كان غالب عذابها الحر واللهيب والدخان، وهذه الشدة التي يلقونها من الحرارة.

وكذلك فإننا -أيها الإخوة- نحسن التوجه إلى الله عند نزول الأمطار، ونعترف بالنعمة للمنعم الحقيقي وهو الله ، ونقول: مطرنا بفضل الله ورحمته، اللهم صيباً هنئياً، اللهم صيباً نافعاً، لما من الله به من نزول المطر، وهذه نعمة لا نستحقها، فإن المعاصي التي ترتكب والانحرافات الموجودة في المجتمع لا يستحق الناس معها هذه النعمة، ولربما لولا البهائم لم يمطروا، ولكن رحمة الله سبقت غضبه، ورحمتي سبقت غضبي[رواه البخاري7422]، فينزل الله المطر ليبتلي العباد، من الذي ينسبه إلى الخالق ومن الذي يقول: مطرنا بنوء كذا وكذا، من الذي يرجع النعمة إلى المنعم، ومن الذي لا يبالي بشيء.

ووقت نزول المطر من أوقات إجابة الدعاء، وكذلك حسر الإنسان عن نفسه شيئاً من ثيابه؛ لأجل أن يصيبه الماء المبارك، فإنه حديث عهد بربه، هذه سنة كما جاء عن النبي ﷺ.

وأما الجمع في المطر بين الصلوات فإنه سنة ثابتة عن النبي ﷺ، وهاكم أيها الإخوة شيئاً من تفصيل ذلك:

أما الدليل الذي ثبت فهو ما جاء في حديث ابن عباس أنه قال: رسول الله ﷺ الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر.[رواه مسلم705]رواه الإمام مالك ومسلم وجماعة.

قال مالك رحمه الله: أرى ذلك كان في المطر ووافقه على كلامه جماعة من أهل المدينة وغيرها، ومنهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.

قال ابن الزبير: فسألت سعيداً لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني، فقال: أراد أن لا يحرج أحداً من أمته ﷺ.

واستدل جمهور العلماء من أتباع مالك والشافعي وأحمد وكذلك المحدثين بروايات عبد الله بن عباس على جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر بسبب المطر، وقد وردت رواية أخرى فيها قوله: "من غير خوف ولا مطر" ولكنها لا تنافي الجمع في المطر فإنه ذكر أن السبب في ذلك الوقت الذي جمع فيه لم يكن خوفاً ولا مطراً، ولكنه لم يقل: إن الجمع في المطر ممنوع وإنما ذكر أن الجمع في وقت معين جمع فيه النبي ﷺ لم يكن لمطر وإنما لعلة وعذر، أراد أن لا يحرج أحداً من الأمة، وأن يبين أن الإنسان لو احتاج إلى الجمع جمع، وهذا من تيسير الشريعة وسعتها والحمد لله على آلائه، وهذا المطر إذا نزل فإنه يجمع لأجله صلاة المغرب والعشاء باتفاق العلماء، وأما صلاة الظهر العصر فقد ذهب بعضهم إلى أنه لا يجمع بينهما، وقالوا الجمع خاص في الليل، وفي الظلمة، وهذه فيها المشقة بين المغرب والعشاء، ولكن ما دام قد ثبت الدليل عن النبي ﷺ أنه قد جمع بين الظهر والعصر، وكذا بين المغرب والعشاء، فإنه لا تفريق بين هذا وهذا، وهذا هو مذهب أصحاب الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وما دام قد جاء في الأحاديث الصحيحة؛ ونزول المطر فيه مشقة أيضاً حتى في صلاة الظهر والعصر إذا كان نزوله شديداً فإنه يجمع بينهما على الصحيح، ويخرج من هذا بأنه لا جمع بين صلاة الفجر وبين أي صلاة أخرى، ولا بين صلاة العصر والمغرب، والراجح أنه لا تشترط النية للجمع، وإن كان قد حصل فيه الخلاف، وجمهور العلماء على عدم اشتراط النية، وقال شيخ الإسلام: هو الذي تدل عليه سنة النبي ﷺ، فإنه جمع بأصحابه في مواضع ومنها السفر إلى الحج، وكان معه عشرات الألوف من الناس، ولم يخبرهم في كل جمع بأنه يريد الجمع حتى ينووه، وإنما دخلوا معه في الصلاة، وكذلك إذا أردت الجمع يا عبد الله فرتب الصلوات، فتصلي الظهر ثم العصر، وكذلك تصلي المغرب ثم العشاء، هذا هو الواجب عليك أن تفعله، فإذا حصل نسيان كقضاء فائتة فلا حرج عليك، أو جهل كأن يقول إنسان، دخلت المسجد والإمام يجمع للصلاة، فإذا هو يصلي العشاء فدخلت معه في العشاء، وأنا أجهل حكم الترتيب، ثم صليت المغرب بعد ذلك، فنقول: صلاتك صحيحة لجهلك، ولكن مستقبلاً ينبغي عليك أن ترتب فتصلي المغرب أولاً ولو فارقت الإمام بعد الركعة الثالثة وسلمت ثم تصلي العشاء، ولو حصل فصل بين الصلاتين المجموعتين فلا يضر إن شاء الله، كما رجحه شيخ الإسلام رحمه الله.

أما المطر الذي يجوز الجمع فيه فمن أقوال العلماء الواردة في ذلك: أنه المطر الغزير الذي يحمل أوساط الناس على تغطية الرأس، وكذلك قالوا: المطر الذي يبل الثياب، وكذلك قالوا: المطر المؤذي، فإذا كان المطر مستمراً في النزول، وهو مؤذي وتبتل منه الثياب فلا شك في جواز الجمع فيه، ولذلك فلا تجمع للرش الخفيف جداً الذي لا يكاد يؤذي شيئاً ولا يسبب وحلاً، ولا طيناً ولا زلقاً، وإنما إذا كان المطر واضحاً نازلاً مستمراً تبتل منه الثياب فاجمع ولا حرج عليك في ذلك إن شاء الله، وأنت تصيب السنة، وكذلك اشترطوا أن يكون المطر لا زال ينزل من انتهاء الصلاة الأولى حتى الشروع في الصلاة الثانية، فإذا كان المطر نازلاً في وقت المغرب وبعد انتهاء المغرب لا زال نازلاً حين الشروع في العشاء فإن الجمع صحيح.

قال الإمام الشافعي رحمه الله: ولا يجمع إلا والمطر مقيم في الوقت الذي يجمع فيه، فإن صلى إحداهما ثم انقطع المطر لم يكن له أن يجمع الأخرى إليها، وإن صلى إحداهما والسماء تمطر، ثم ابتدأ الأخرى والسماء تمطر، ثم انقطع المطر مضى على صلاته؛ لأنه إذا كان له الدخول فيها كان له إتمامها، وكذلك ذكر العلماء أنه يجوز الجمع في الطين والوحل إذا كان فيه خطورة الانزلاق، والوقوع على الأرض، وتتلوث ثيابه، ولو كان المطر واقفاً، فإنه إذا كان الوحل كثيراً والطين يسبب الانزلاق يجوز الجمع لأجل المشقة وخصوصاً بين العشاءين عندما تكون الظلمة، فالعبرة إذن بوجود المشقة في الطين والزلق، وهذا قد لا يلاحظ في الشوارع المسفلتة، لكن أحياناً تحاصر بعض المساجد بالمستنقعات ولا يمكن الوصول في المسجد إلا بالخوض في الماء والوحل فعند ذلك يكون الجمع سائغاً، فلذلك قد يجمع في مسجد دون آخر، عند توقف المطر؛ لأجل أن المسجد هذا قد حوصر بالماء، وصار فيما حوله مستنقعات يشق الدخول إليه والوصول، فيجمعون لأجل هذا، ومسجد آخر ما حوله مسفلت أو مزفت لا تجتمع فيه المياه ولا تحصل حوله مستنقعات ولا طين ولا زلق، فلا يجمعون إلا عندما يكون المطر مستمراً في النزول متواصلاً، وكذلك فقد ذكر العلماء أنه يجمع للريح الشديدة الباردة، قال شيخ الإسلام رحمه الله في جواب على سؤال: الحمد لله، نعم يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة المظلمة ونحو ذلك، وإن لم يكن المطر نازلاً في أصح قولي العلماء، وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم، بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة. فإذن إذا صارت الأعاصير وهبت الرياح الشديدة الباردة وكانت المشقة واضحة، فإن هذا عذر في الجمع أيضاً، وأما مجرد برودة الجو فليس بعذر، وكذلك اتفقوا على جواز الجمع بين الصلاتين في المسجد ولو كان مسجداً غير جامع، وأما جمعها في أماكن الجماعات كالمصليات الموجودة في المدارس والدوائر الحكومية ومصليات الشركات ونحو ذلك فإذا كان لديهم مسجد قريب فيجب عليهم ترك المصلى والذهاب للمسجد، لا شك في ذلك، فإن كان المسجد بعيداً، وليس لهم إلا المصلى الموجود داخل الدائرة، أو المدرسة ونحوها، أو كان الخروج من المدرسة متعذراً لا يمكن، فإنهم يصلون في هذه الأماكن فهل يجمعون أم لا، قال بعض أهل العلم إذا كانوا ينصرفون بعد الظهر وقبل العصر فإنهم يجمعون للمشقة، وربما لا يتيسر لهم صلاة العصر جماعة؛ لأن الناس قد يكونوا جمعوا في المساجد فعند ذلك يجمعون في مصلياتهم الموجودة في أماكن العمل والدراسة وإذا كان سيكون انصرافهم بعد العصر بعد أذان العصر ينصرفون، والمصلى موجود داخل المبنى في أحد أدواره، في داخل المبنى، وليس هناك مشقة انتقال من مكان إلى مكان؛ لأن المكان كله واحد فعند ذلك الأحوط لهم أن لا يجمعوا؛ لأنه سيأتيهم وقت الظهر وهم في مكانهم، ويأتيهم وقت العصر وهم في مكانهم، فهنا لا حاجة للجمع، وأما إذا كان ينصرفون بعد الظهر وقبل العصر فإنهم يجمعون في أماكنهم في تلك المصليات، ومن كان باب بيته قريباً من المسجد أمام المسجد أو يمشي إلى المسجد تحت سقف مظلل في السيارة، أو في سقف في طريق مظلل، أو سوق مظلل فإنه يجوز له الجمع أيضاً؛ لأن النبي ﷺما فرق بين القريب والبعيد، وكان يخرج من بيته وكان ملاصقاً للمسجد إلى المسجد فيصلي بالناس ويجمع، والرخصة الأصل فيها أنها تعم، وإذا دخل المسجد فوجدهم انتهوا من الصلاة الأولى دخل معهم بنية الصلاة الأولى وهم يصلون الثانية، لكنه لا يزيد على عدد ركعاتها كما في حال دخوله بنية المغرب والإمام يصلي العشاء، وإذا دخل جماعة أو واحد بعد انتهاء الجمع كله جاز له الجمع في مذهب أحمد رحمه الله تعالى وغيره، وكذلك فإن السنن الرواتب ترتب، فإذا جمعوا المغرب والعشاء للمطر مثلاً فإنه يصلي سنة المغرب وبعدها سنة العشاء وبعدها قيام الليل إن شاء، ولا حرج عليه إن شاء الله، وكذلك يجوز جمع العصر إلى صلاة الجمعة على الراجح من أقوال العلماء إذا كان المطر مستمراً في النزول، وبعض الناس يتكاسلون عن صلاة الجماعة في المسجد فإذا صار الجمع جاء إلى المسجد فهل تكون صلاته صحيح؟ كما سئل بعض الفقهاء عن رجل دأبه التخلف عن الجماعة في صلاة المغرب والعشاء فإذا نزل المطر سارع إلى المسجد؛ لينتهز فرصة الجمع فهل صلاته صحيحة، أم يعاقب بنقيض قصده، فقال، أجاب: الجمع صحيح ولا خلل فيه، لكن هل له أجر على السنة في الجمع أم أنه لا أجر له؛ لأنه كسلان يصلي في بيته، وهو آثم في صلاته في بيته أصلاً، ولما صار الجمع جاء إلى المسجد، فهذا من كسله، ولم يكن الدافع له إصابة السنة، فصلاته صحيحة، لكن هذه النية مدخولة.

أحكام المسح على الخفين

00:20:37

وأما بالنسبة للمسألة الثانية، وهي المسح على الخفين، فاعلموا رحمكم الله تعالى أن المسح على الخفين رخصة في كتاب الله وفي سنة النبي ﷺ، فقال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ سورة المائدة6، ففيها قراءتان سبعيتان صحيحتان وأرجلَكم، وأرجلِكم، فأما قراءة  أرجلَكمفإنها تدل على غسل الرجل مع الوجه واليدين، معطوفة على غسل الوجه والذراعين، وأما قراءة  أرجلِكم، فإنها للمسح معطوفة على مسح الرأس عندما يكون الإنسان لابساً خفاً أو جورباً على طهارة فإنه تنطبق عليه هذه القراءة وهي المسح عليهما، أما في غير لبس الخفين والجوربين فلا مسح إذا كانت الرجل مجردة، فيجب غسلها كما هو فعل النبي ﷺ، وأما السنة فقد جاء في حديث المغيرة بن شعبة في الصحيح أن النبي ﷺتوضأ، قال المغيرة: فأهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين[رواه البخاري206]، والمسح على الجوربين متواتر، حتى قال الإمام أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثاً عن رسول الله ﷺ، وكذلك فإنه يمسح على الخفين والجوربين، وكل ما كان على الرجلين من الأشياء التي تثبت بنفسها، كما جاء في الحديث الصحيح عن ثوبان بعث رسول الله ﷺ سرية، فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي ﷺ شكوا إليه ما أصابهم من البرد، فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين.[رواه أبو داود146] والعصائب هي العمائم، وعمائم العرب كانت ملفوفة تحت الحنك، وحول الرأس وفي نزعها مشقة، ولا تنطبق عليها هذه الغترة ونحوها من الأشياء التي يلبسها الناس إلا إذا كانت ملفوفة محكمة تذهب من تحت الحنك إلى الأعلى مشدودة على الرأس فهذا يجوز أن يمسح عليها، وأما التساخين فهي كل ما تسخن به القدم من الخفاف والجوارب ونحوهما، فيجوز المسح على الجوربين سواءً كانا من جلد، أو قطن، أو كتان، أو صوف، أو نحو ذلك من الأشياء الحديثة كالبولستر، والنايلون، ونحو ذلك؛ لأن الحاجة على المسح على هذا كالحاجة على المسح على هذا، ولا حجة لمن فرق بينهما على الصحيح، لا حجة للتفريق بين الجورب الشفاف وغيره، فإذا كان يسمى جورباً فإنه يمسح عليه من أي نوع كان، أما لو كان كيساً من النايلون فليس بجورب بطبيعة الحال، وكذلك فإنه يمسح عليه ما تعلقت به رجله، ولو كان مخرقاً أو مشققاً، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة كما قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: ويشترط للمسح على الخفين أن يلبسهما على طهارة كاملة فيها غسل القدمين، ولو كان جنب يلبسهما بعد اغتسال من الجنابة، وكذلك أن يكون المسح في مدة المسح، فلو انقضت مدة المسح لا يجوز المسح، وكذلك أن يكون المسح في الطهارة الصغرى، فإذا أصابته جنابة لا بد أن ينزع ليغتسل من الجنابة، كما جاء في حديث صفوان: "كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة"[رواه الترمذي96]، ولكن أربع وعشرين ساعة تمسح فيها يوماً وليلة، من أين تبدأ الأربع وعشرين ساعة ليس من اللبس ولا من الحدث وإنما من أول مسح بعد الحدث، فإذا لبست الجوربين على طهارة وصليت ما شاء الله أن تصلي ثم انتقض الوضوء ومسحت تبدأ الأربع وعشرين ساعة من المسح هذا، أول مسح بعد الحدث تبدأ منه اليوم والليلة للمقيم، وثلاثة الأيام بلياليهن للمسافر، وبناء على ذلك تستطيع أن تصلي أكثر من خمس صلوات بلبس واحد، لكن لأن بعض الناس قد ينسى ويقول: متى بدأت وهل الآن انتهى المدة أو لا، فأنصح بأن المسلم يخلع جوربيه بعد عودته من العمل مثلاً عند صلاة العصر، دائماً كل يوم، حتى لا يتورط فينسى المدة وقد يمسح بعد المدة وينسى ويدخل في الصلاة ويتذكر وهو في الصلاة أنه مسح بعد مدة المسح، فطهارته غير صحيحة وصلاته غير صحيحة ويجب أن يخرج وينزع جوربيه ويتوضأ ويعيد الصلاة، ولذلك لو جعلت لنفسك كل يوم وقتاً دائماً تنزع فيه هذه الشراريب التي تلبسها وتغسل قدميك في وضوء كامل ثم تعيد لبسها في هذا الشتاء فلا حرج عليك، ولو جلست تمسح أياماً وشهوراً متواصلة بهذه الطريقة، لا تنزع جوربيك إلا مرة في اليوم فليس عليك حرج، وهذا من سعة الدين ويسر الشريعة، والحمد لله رب العالمين.

واعلموا أيها المسلمون أن مسح الخفين والجوربين على ظاهرهما وأعلاهما، ولو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه.

هذا كلام علي ، فاعلم ذلك ولا تحكم بعقلك، ولا تقل: الأوساخ من أسفل، فإن الدين ليس بالرأي ولا بالعقل المجرد وإنما هو ما وافق النص، كتاب الله وسنة النبي ﷺ.

واعلم يا عبد الله أن الوضوء لا ينتقض بخلع الممسوح عليه على الراجح، فلو خلعته لم ينتقض الوضوء إلا بناقض كما بين شيخ الإسلام رحمه الله، وقال: لم يكن في الأشياء التي ذكرت في نواقض الوضوء في الإسلام خلع الجوربين، لكن إذا خلعت الجورب لا يجوز لك أن تمسح عليه إلا بعد وضوء كامل فيه غسل القدمين، وكذلك ينبغي أن يكون الخف طاهراً غير نجس، ساتراً لمحل الفرض، وإذا انتهت مدة المسح فلا تمسح، ولا تشترط النية للمسح، فلو لبسته على طهارة ولم يخطر ببالك المسح، وجاء وقت تحتاج فيه إلى المسح فامسح، فلا تشترط النية للمسح على الصحيح، وكذلك فإن الذين يلبسون الأحذية على الجوارب يجوز لهم أن يعاملوا الحذاء والجورب شيئاً واحد فيمسحوا عليها، لكن إذا خلع الحذاء بعدما مسح على الجورب والحذاء فلا يجوز له أن يمسح على الجورب لوحده، ولا يجوز له أن يعيد المسح على الحذاء بعد لبسه؛ لأنه خلع الشيء الممسوح عليه، فما دام قد عاملهما على أنهما شيء واحد فمسح في الأول فيجب أن يكمل على ذلك، وإلا إذا خلع الحذاء فإنه لا يجوز له أن يمسح لا عليه بعد لبسه، ولا على الجورب بمفرده، وكذلك لو لبس جوربين أحدهما فوق الآخر فإنه إذا مسح على العلوي يكمل المسح على العلوي، ولا يصلح المسح على السلفي بعدما مسح على العلوي، هذا ما تيسر ذكره من الأحكام.

نسأل الله أن يفقهنا وإياكم في دينه، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن ينفعنا بما علمنا إنه سميع مجيب قريب.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:29:47

الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، أشهد أنه الله الحي القيوم ذو الجلال والإكرام، أشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم ارزقنا اتباع سنته، وشفاعته والشرب من حوضه، واحشرنا في زمرته إنك على كل شيء قدير.

شهر رجب وما فيه من البدع

00:30:21

إخواني: أنتم في شهر رجب، وشهر رجب من الأشهر الحرم كما قال الله إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِسورة التوبة36، ليست الأشهر الميلادية، وإنما هي الأشهر الإسلامية، إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ سورة التوبة36، قال بعض العلماء: إن فعل المعاصي في الأشهر الحرم أشهد من فعلها خارج الأشهر الحرم، وكلما كان الزمان أحرم عند الله أشد حرمة كان فعل المعصية فيه أشد إثماً.

وجاء في صحيح البخاري عن أبي بكرة عن النبي ﷺ قال: إن الزمان استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشرة شهراً منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان[رواه البخاري4662]، هذا رجب الشهر الفرد، وكذلك فإنه لا ينبغي رفع هذا الشهر فوق منزلته، وجعل فيه عبادات لم يأذن بها الله ، وهذا كثير في الناس، وبدع رجب أشد من أن تحصى، فمن البدع: ما يجعله بعضهم من صلاة مخصوصة في رجب، يسمونها صلاة الرغائب، في أول ليلة جمعة في شهر رجب، خبره كذب وباطل، ولم يثبت فيها شيء وهي بدعة يأثم فاعلها، وكذلك فإن بعض الناس يختصون رجب بصيام، ولم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه شيء معين ولا في قيام ليلة مخصوصة منه حديث صحيح يصلح للحجة، هذا كلام الحافظ المحقق ابن حجر رحمه الله، فلم يرد في فضله حديث، ولا في فضل قيام ليلة منه حديث، ولا في فضل صلاة معينة فيه حديث، بل إنه على العكس من ذلك فقد جاء عن عمر فيما ثبت "أنه كان يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول: كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية"، ولذلك فإنه إذا خص رجب بصيام غير الصيام المعتاد له في بقية السنة، يكون مبتدعاً، وهذا عمر كان يضرب الناس الذي يخصون رجب بالصيام يضرب أيديهم حتى يضعوها في الطعام، ليفطروا ولذلك فإنه لا يصام بصيام معين، أما إذا كان الإنسان يريد أن يصوم الاثنين والخميس متعوداً عليه، أو غير ذلك من الأشياء، أو لأنه شتاء والصوم في الشتاء غنيمة باردة، فانتهزه لا لأجل أنه رجب لكن لأجل الشتاء، فلا مانع من ذلك، فهو لا يخص بعبادة معينة، وأما الاعتمار في رجب فبعض الناس يظن أن العمرة في  رجب لها ميزة، والصحيح أنه ليس فيها ميزة، والرسول ﷺ قد اعتمر أربع مرات كلهن في ذي القعدة ولم يصح أنه اعتمر في رجب خلافاً لمن توهم ذلك، فليس في العمرة في رجب فضل معين، وأما قصة المعراج، وقراءة قصة المعراج والاحتفال في ليلة سبع وعشرين من رجب فهي لا شك أنها بدعة، وتخصيص بعض الناس لهذه الليلة بالسابع والعشرين من رجب بذكر أو عبادة هو بدعة، بل إنه لم يثبت أن الإسراء والمعراج كان في السابع والعشرين من رجب، ولو أن الناس اشتهر بينهم، ولو أخرجوا فيه الأفلام والمسلسلات وعملوا فيه الندوات، فإنه لم يثبت أن الإسراء والمعراج كان في السابع والعشرين من رجب، ولو كان مشهوراً عند الناس فلا يجوز الاحتفال بتلك الليلة، ولا تخصيصها بذكر معين وإنما هي ليلة مثل سائر الليالي.

تذكر أحوال المسلمين في أنحاء العالم

00:34:56

وتذكروا في فصل الشتاء إخوانكم المسلمين في أنحاء العالم الذين يتعرضون للاضطهاد، سواءً كانوا من المسلمين في فلسطين الذين أبعدوا ظلماً وعدواناً، أو كانوا في البلاد التي يقاتل فيها النصارى إخوانكم في البوسنة أو في الفلبين وقد اشتدت الوطأة عليهم في هذه الأيام، أو غيرها، فإننا نتذكر أنهم يموتون من البرد، وقد بدأ العجائز والأطفال يموتون من البرد بسبب عدم توفر الأغطية والأكسية لديهم، فاحمد الله أولاً على النعمة يا عبد الله، وثانياً: عليك بتقديم ما تستطيع لإخوانك والسؤال عن المجالات التي يمكنك أن تقدم ما تجود به نفسك من الصدقات إليهم، وإيصالها بأسرع وقت ممكن فإننا مسؤولون عن إخواننا المسلمين.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وارفع لواء الدين يا رب العالمين، اللهم اجعل علم الجهاد قائماً، وانصر المجاهدين في سبيلك، واجمع كلمتهم على الحق يا أرحم الراحمين، اللهم سدد رميتهم، اللهم قوي شوكتهم، اللهم اجعلهم في حلوق الأعداء يا رب العالمين، اللهم أطفئ نار الشرك وظلمة البدعة، اللهم واهزم عسكر أهل الكفر، اللهم قاتل اليهود والنصارى الذين كذبوا رسولك وعادوا وحيك، وقاتلوا أولياءك وجندك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، فرق شملهم، وشتت جمعهم، واكسر شوكتهم، اللهم أحنهم الغداة يا رب العالمين، فإنهم لا يعجزونك، إنك أنت الجبار وأنت على كل شيء قدير.

1 - رواه البخاري3260
2 - رواه البخاري7422
3 - رواه مسلم705
4 - رواه البخاري206
5 - رواه أبو داود146 
6 - رواه الترمذي96
7 - رواه البخاري4662