الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
البلاء من السنن الكونية
عباد الله: إن من سنن الله في خلقه أنه يبتليهم كما قال : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَسورة البقرة: 155هكذا إذاً يبتلي عباده بما يشاء، وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِسورة الشورى: 27، فكان ابتلاؤهم لمصلحتهم، ولئلا يزداد الأشر والبطر، وهذا النقص الذي يدخل عليهم يعلِمُهم بحقارة الدنيا، وأنها زائلة، وأنها هينة رخيصة، وأن سلعة الله غالية، وهي الجنة، فتتوق النفوس إليها لتعلم أن في دار الزوال هذا النقص، فتتشوق للكمال في جنة الفردوس.
وعندما يتأمل المسلم حال هذه الدنيا وما فيها من التنغيص من هذا النقص الذي يدخل عليه في النفس، سواء كان بمرضها، أو بتلفها، وهو يرى من حوله من حبيب وقريب، وبعيد وغريب، كلهم يؤخذون بالموت، فيريد داراً بلا موت، فهي الجنة.
يسمع بالخسائر المالية هنا وهناك، والأزمات، وتبخر الأموال والخسارات، فيريد داراً لا خسارة فيها، ولا يذهب فيها المال أين تكون؟ هي الجنة. يسمع عن الاحتياج، ويحس به، والضائقة والإفلاس، وربما يعاني منه، فيريد داراً لا ضائقة فيها ولا إفلاس! أين تكون؟ إنها الجنة، يمرض وتعتل صحته، وتأتي الآفات فتذهب بالثمرات، ثمرات الفؤاد، وثمرات الشجر، فيريد داراً لا تذهب بثمرات الشجر، ولا بثمرات الفؤاد، إنها الجنة.
وهكذا يبتلي الله العباد حتى لا يُغر بطيب العيش إنسان، ويعلم بأن الدنيا إذا حلت أوحلت، وإذا كست أوكست، نقصت ودخل عليها العيب، لا يسلم فيها شيء، ثم إنه خالق الخلق يبتليهم بالشر والخير فتنة، كما قال سبحانه: وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَسورة الأنبياء: 35 يبتليهم بالشدة والرخاء، يبتليهم بالغنى والفقر، يبتليهم بالصحة والمرض، يبتليهم بعصية الأولاد والعقم، بالشر والخير، يبتليهم بالحلال والحرام، لماذا؟ فتنة للتمحيص، ففي الشدة يختبرهم: هل يقدرون؟ وفي الرخاء يختبرهم: هل يشكرون؟ بالفقر يبتليهم: هل يكون للفقير من العبوديات المطلوبة منه في حال فقره؟ والغنى: هل يكون للغني من العبوديات في حال غناه؟.
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًاسورة الكهف: 7، نبلوهم بما يحبون وبما يكرهون؛ لينظر صبرهم وشكرهم، يبتليهم بالحلال والحرام؛ ليعلم كيف يأخذون من الحلال: هل يقتصدون أم يسرفون؟ ويبتليهم بالحرام، فيظهر علمه في الواقع: هل ينتهكون الحدود أم يصبرون ويقفون؟ ومَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِسورة التغابن: 11، فالرجل إذا علم بما يقع فرضي وسلم، فهذه هي العبودية المطلوبة منه.
أن يعلم أن ما يصيبه بقضاء الله وقدره فيصبر، ويحتسب، ويستسلم، فالله يهدي قلبه، ويعوضه، ويخلف عليه، وكذلك فإنه يلاحظ من أصيب بالمصيبة من أمثاله، فيتسلى بذلك.
لقد قص الله على نبيه أخبار الأنبياء: كيف ابتلوا؟ سبهم قومهم وعابوهم، شتموهم وآذوهم، أخرجوهم، طردوهم، ومع ذلك ثبتوا، وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَسورة هود: 120.
ثم إن الله قد شرع أقوالاً تقال عند النقص: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَسورة البقرة: 155-156، هذه الكلمة العظيمة: إنا للهملك له، يفعل فينا ما يشاء، يأخذ، يُعطي، يُبقي، لا يذر، يفعل ما يشاء سبحانه.
عليك بتقوى الله والصبر والرضا | بمقدور ربي تُكف ما أنت راهب |
وإنك إن عودت نفسك بالرضا | بمقدوره هانت عليك المصائب |
فلا لليأس والوهن، وفي كل محنة منحة، وفي كل عسر يسر، وفي كل هم فرج.
بلاء أناس تنفيس ورخاء على آخرين
وقد يقدر الله أقداراً هي على بعض العباد بلاء، وللآخرين تنفيس ورخاء، ففي مثل هذه الأزمة التي يعيشها العالم اليوم ذهبت بثروات لأناس من أهل الغنى، وأنزلت من أسعار لأهل الفقر، وهذه الطبقة المتوسطة التي تتآكل لتلتحق بالفقراء، فكان من قدر الله، وهو الحكيم، وكان من قضائه، وهو الرحيم أن يحدث ما حدث، وفيه فائدة لهؤلاء أصحاب الدخول المحدودة في رخص أسعارهم بعدما ارتفعت، وفي نزولها بعدما علت وأرهقت، وقد يكون من ذلك في مكان دون مكان، وفي سلعة دون سلعة، ولكن من تأمل قضاء الله، وتأمل في قدره علم بأن الرب حكيم سبحانه، وأن له في خلقه آيات وأسرار.
والرضا من أسباب السعادة، فمن رضي بقسم الله في عباده: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَاسورة الزخرف: 32طابت معيشته، ومن قنع بما هو فيه قرت عينه، وإذا حصل شيء من الخسران في التجارة، فقد قال الله: قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَسورة الجمعة: 11، فيعوض عبده بما عنده، ويسليه عما فقده بما ادخره لديه: قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ، وسائل اللهو كثيرة، وآلات الترفيه متعددة، فهذه شاشات، وأخرى آلات، وتلك أسفار وسياحات، ما عند الله خير من اللهو.
ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة
هذه خسائر، ونزول في المبيعات، هذا ذعر وهلع في الأسواق، وانكماش في التجارات، ولكن مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، وقد يحدث للعبد ما يستطيع أن يتدبر فيه أمراً، وقد تكون الواقعة عالمية، فربما لا يجد منها مخرجاً، فيتلفت يميناً وشمالاً، ماذا يفعل؟ الدنيا ليست كل شيء، والمال ليس كل شيء، ما عند الله من الجنة، ما عند الله من الأجر والثواب، ما عند الله من العوض في الآخرة خير من اللهو ومن التجارة.
والناس يتألمون لمصيبة الدنيا، ولكن لو انتكس فلان، وارتد فلان، وفسق فلان، ونقص من دين فلان، فهل يتألمون بالقدر نفسه؟ قال ﷺ: اللهم...، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا[رواه الترمذي برقم (3502)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (1268)]، والمصيبة في الدنيا مهما كانت نعمة إذا ما قارنها الإنسان بمصيبة الدين، قال عمر رضي الله عنهما: "ما ابتليت ببلية إلا كان لله علي فيها أربع نعم: إذ لم تكن في ديني -هذا الأول-، وإذ لم أحرم الرضا -هذا الثاني-، وإذ لم تكن أعظم -هذا الثالث-، وإذ رجوت الثواب عليها" أي: احتساب الأجر عند الله بوقوعها هذا الرابع [إحياء علوم الدين (4/129)]، ومهما حصل للإنسان من خسارة في تجارته، وانكماش في مبيعاته، فقد قال ﷺ مذكراً بما يبقى للإنسان: من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيارواه الترمذي، وهو حديث حسن[رواه الترمذي برقم (2346)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (6042)]، فلو ذهب مالك أو بعضه، فانظر ماذا بقي عندك؟ أمنٌ إذا كنت تأمن في حيك أو بيتك، وعافية إذا كنت صحيحاً في جسدك وبدنك، وقوت اليوم إذا كان عندك فأنت غير جائع وأولادك يجدون ما يأكلون، هذه بحد ذاتها هي الملك: كأنما حيزت له الدنيا؛ لأنه لا يحتاج أكثر من ذلك في الحقيقة، وابن آدم عنده طمع فلو كان عنده ما يكفيه لسنوات عمره يريد الزيادة، مع أنه لن يستعمل إلا هذا، والزيادة غير مستعملة، الزيادة للتباهي، للتفاخر، وبعضهم يقول: أعدها للأجيال القادمة، والأجيال القادمة رزقها عند الله: مَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَاسورة هود: 6، مستقرها الذي تأوي إليه، ومستودعها القبر الذي تموت فيه.
فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَسورة العنكبوت: 17مفهوم آخر من المفهومات التي تكون في حال الشدة والأزمات، فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ أبلغ من قوله: ابتغوا الرزق عند الله؛ لأن هذا التقديم: فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَيعني: ابتغوه عنده لا عند غيره، فلا يبتغى عند غير الله رزقاً أبداً، وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَسورة العنكبوت: 17.
وهكذا يلجأ المسلم إلى ربه، ومن أسمائه تعالى الرزاق، ويتوجه إليه بالدعاء، ويلح عليه بالطلب، يخشع ويتضرع، يتذلل ويرجو، وهكذا فعل الكفار لما اشتد عليهم الأمر، عن عبد الله: "أن قريشاً لما استعصت على النبي ﷺ دعا عليهم بسنين كسني يوسف -قحط-، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجَهد، فأنزل الله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌسورة الدخان: 10-11"، "فجاء رجل فقال: يا رسول الله، استسق لمضر، فإنها قد هلكت، قال: لمضر! إنك لجريء -يعني: مشركون-، فاستسقى لهم"، وهكذا النبي حريص على القوم عزيز عليه أن يشتد الأمر عليهم مع كفرهم لا يريد هلاكهم، فهو يرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله، "فاستسقى لهم؛ فسقوا، فنزلت: إِنَّكُمْ عَائِدُونَسورة الدخان: 15-في سورة الدخان-، فلما أصابتهم الرفاهية -يعني: بنزول المطر- عادوا إلى حالهم، فأنزل الله : يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَسورة الدخان: 16، قال: يعني يوم بدر" رواه البخاري ومسلم [رواه البخاري برقم (4821)، واللفظ له، ومسلم برقم (2798)].
كما ابتلى الله قوم فرعون بالسنين، ابتلاهم بالدم، كل ماء عندهم ينقلب دماً، رعاف مستمر، ضفادع تخرج عليهم من كل جانب، قحط، جراد يأتيهم من كل حدب وصوب، لعل هؤلاء الكفرة وفرعون يرتدعون ويهتدون، لكن يلجؤون إلى موسى في وقت الشدة: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَهذا العذاب لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَسورة الأعراف: 134، موسى دعا، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ لما كشف الله العذاب، ورجعت الأمور إلى ما كانت عليه، وجاء الرخاء والرفاهية، وصُرف البلاء، وارتفع الدم، وكف الجراد، والضفادع رجعوا مرة أخرى؛ ولذلك قال موسى في النهاية: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَسورة يونس: 88.
فضل القناعة في وقت الشدة
عباد الله، إن التحلي بالقناعة في وقت الشدة يكفي الإنسان من مصائب عظيمة تحيق بدينه، قالﷺ: قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه[رواه مسلم برقم (1054)].
والقناعة من يحلل بساحتها | لم يلق في دهره هماً يؤرقه |
كان محمد بن واسع رحمه الله يبل الخبز بالماء، ويأكله، ويقول بعد الأكل الخبز اليابس المبلول: "من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد"[إحياء علوم الدين (3/239)].
قال الحسن رحمه الله: "لا تزال كريماً على الناس، ولا يزال الناس يكرمونك ما لم تعاط ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك، وكرهوا حديثك، وأبغضوك" [حلية الأولياء (3/20)].
دع الحرص واقنع بالكفاف من الغنى | فرزق الفتى ما عاش عند معيشه |
وقد يهلك الإنسان كثرة ماله | كما يُذبح الطاووس من أجل ريشه |
ليس الغنى بكثرة العَرض، ولكن الغنى الحقيقي غنى القلب، أين هذه الحقيقة اليوم في الواقع؟ وقد يجعل الله تعالى الابتلاء طريقاً إلى التوبة: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍسورة الشورى: 30، والرجل يحرم الرزق بالذنب يصيبه.
وربما يعتبر العبد بذهاب الترليونات اليوم، وهو يتأمل في قوله تعالى: لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثسورة المائدة: 100، يذهبه الله في لحظات، ماذا يبقى؟ الحلال الطيب، هذا هو رأس المال الحقيقي.
ويقول ﷺ: إن روح القدس -يعني جبريل- نفث في روعي يعني: في خاطري ونفسي وقلبي، أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أقصى رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلبيعني: اطلبوه بقصد واعتدال مع عدم انشغال القلب، قال: ولا يحملن أحدكم استبطاء رزقه أن يخرج إلى ما حرم الله عليه؛ فإنه لا يُدرك ما عند الله إلا بطاعته رواه عبد الرزاق، وصححه الألباني [رواه عبد الرزاق في مصنفه برقم (20100)، وصححه الألباني في تحقيق مشكلة الفقر برقم (15)].
بعض الناس إذا ضاق عليه الرزق ذهب يلتمس من السرقة، والرشوة، والحرام، ويقول: الراتب لا يكفي، لا يحملن أحدكم استبطاء رزقه أن يخرج إلى ما حرم الله عليه؛ فإنه لا يُدرك ما عند الله إلا بطاعته، هذه القاعدة التي بينها الحديث، ولذلك ليس الحل إذا ضاقت الأحوال بالخروج إلى الحرام.
إذا زوجنا الربا بالميسر ماذا سيكون الوليد؟
وقد رأينا ما فعل الربا بالعالم، والضرائب التي هي ظلم، وبيع المجهول والمعدوم، والميسر، والتأمين الذي حصل.
اجتمع مدراء البنوك في رحلة بحرية في تلك الديار -أرض البعداء والبغضاء-، فقالوا: هذا النظام الذي يشترط علينا أن نحبس من الودائع أكثر من عشرة في المائة احتياطاً ملزماً متناسباً مع القروض -وقروضهم ربوية بطبيعة الحال-، كيف نستفيد من هذا الاحتياطي المجمد؟! فتفتقت أذهانهم العفنة، والكافر ما عنده شيء يردعه، لا فقه، ولا علم، ولا تقوى، ولا بصيرة! قالوا: نؤمِّن على الاحتياطي عند شركات التأمين بحيث تكون شركات التأمين هي الملزمة بتوفيره عند الحاجة، وبذلك نتصرف في الاحتياطي، فصفقوا، وأجلبوا، وانتفشوا، وفرحوا، وسروا بما هداهم إليه إبليس، فقاموا بالتأمين على الاحتياطي، ثم شغَّلوا الاحتياطي بالقروض الربوية أيضاً؛ لتزداد المكاسب، ويعظم الدخل، فلما عجز الناس عن تسديد القروض التي اقترضوها، وشحت السيولة، وجاء المطالبون بالأموال، عادت البنوك إلى شركات التأمين، خلوا إلى شياطينهم: أين الأموال؟ لم تكن شركات الميسر والقمار الكبيرة العالمية قد تهيأت لمطالبة من هذا القبيل أصلاً، ونظريات الاحتمالات ربما قالت لبعضهم: لن يحصل هذا الطلب المفاجئ الفوري في وقت واحد على المبلغ الكبير هذا، فرضوا بعقود التأمين؛ لأنها عارية العوائد، فقالت شركات التأمين والميسر لأصحاب الربا والبنوك: ما عندنا هذا الغطاء، فسقطت شركات التأمين، وسقطت البنوك.
لله انتقام، هذه سنة كونية ربانية لا تتخلف، فإذا أضيف إلى ذلك الزنا والظلم والضرائب، ونحو ذلك، في حلقات من الحرام المتوالية، هل يظن مسلم أن الله في عليائه لا ينتقم، ولا يأخذ، ولا يبطش، ولا يعاقب؟ بل يريهم آياته في الآفاق، وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أن ما نزل عليهم هو الحق، فيعودون إليه بالرضا، بالإكراه، هذا هو الشرع المنزل، لا يوجد غيره، هذا الذي يصلح البشرية، لا يوجد غيره.
يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَاسورة البقرة: 276،ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة[رواه ابن ماجه برقم (2279)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5518)]، فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِسورة البقرة: 279، فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَسورة البقرة: 275، هذا ينتقم الله منه، هذا يبطش الله به، وهكذا يُري الله عباده الآيات.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية
الحمد لله ولي الصابرين، أشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له رب الأولين والآخرين، ديان السماوات والأرضين، يخلق ما يشاء، ويحكم ما يشاء، ويفعل ما يشاء، لا إله إلا هو الكبير المتعال، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، أشهد أنه رسول الله حقاً، والداعي إلى سبيله صدقاً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، فصلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك على عبد ونبيك وحبيبك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
لابد من المعروف عند الشدائد
عباد الله: صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وإذا كان للعبد في حال الرخاء من المعروف ما هو مسطر في صحف الملائكة، فإن ربك لا ينسى، وهكذا يعود عليه في حال الشدة، قال ابن عباس : "صاحب المعروف لا يقع، وإن وقع أصاب متكأ"[الآداب الشرعية لابن مفلح (1/328)].
قال ابن القيم رحمه الله: "وقد دل العقل والنقل، والفطرة وتجارب الأمم على أن التقرب إلى رب العالمين، وطلب مرضاته، والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر، فما استجلبت نعم الله تعالى، واستدفعت نقمه بمثل طاعته، والتقرب إليه، والإحسان إلى خلقه"[الجواب الكافي لابن القيم ص (9)].
وإدخال السرور على قلوب المسلمين بالعطايا، وأنواع المعروف، وكذلك نفعهم بكل طريق من مال وجاه ورأي، وغير ذلك هو جود ومعروف، قال ابن عمر -يعبر عن التربية القرآنية لذلك الجيل-: "لقد أتى علينا زمان، وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه"[قوت القلوب لأبي طالب المكي (2/373)]، الكل سواء، المواساة للجميع، ولو حصلت خسارة؛ فينبغي أن يتداعى المسلمون ليُنقذ بعضهم بعضاً، ويواسي بعضهم بعضاً، قال عمر بعد قراءة فتح القادسية: "إني حريص على ألا أرى حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض، فإذا عجز ذلك تآسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف"[البداية والنهاية (7/46)]، "تآسينا في عيشنا" يعطي بعضنا بعضاً، الذي عنده زيادة يعطي المحتاج، "حتى نتساوى في الكفاف" يعني: الكفاية موجودة عند الجميع.
كان الكرام وأبناء الكرام إذا | تسامعوا بكريم ناله عدم |
تسابقوا فيواسيه أخو كرم | منهم ويرجع باقيهم وقد ندم |
لأن ذاك فاز بالخير، وأسعف، وأنقذ قبلهم.
فاليوم صاروا يعدُّون الندى سرفاً | وينكرون على المعطي إذا علموا |
لماذا تعطي!كل هذا! ما يحتاج الفقير كل هذا...!
من أنظر معسراً، أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله[رواه الترمذي برقم (1306)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6107)]، المعسر لا تحل مطالبته، ولا ملازمته، ولا سجنه كما قال النووي رحمه الله [انظر شرح مسلم للنووي (10/218)]، إذا كان غير كذاب، ولا مماطل، فما فائدة سجنه؟ ما عنده ما يأتيك به؛ ولذلك قال الله: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ،يعني: بإسقاط الدين أو بعضه، خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَسورة البقرة: 280، قال العلماء: إن استطعت أن تُسقط شيئاً من دينك فلتفعل، من سياسة الشريعة الحكيمة شيء يقال له: وضع الجوائح، وما هي الجوائح؟ جمع جائحة، وهي الآفة أو الشدة التي تصيب المال فتفسده وتهلكه: مطر شديد، برد، حر شديد، عواصف، حريق، آفة، دودة.
قال ﷺ: لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة؛ فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً؛ بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟رواه مسلم [رواه مسلم برقم (1554)]، قال الحافظ رحمه الله: "واستدل بهذا الحديث على وضع الجوائح في الثمر يشترى بعد بدو صلاحه، ثم تصيبه جائحة، فقال مالك: يضع عنه الثلث، وقال أحمد وأبو عبيد: يضع الجميع"[فتح الباري (4/399)].
وعن أبي سعيد قال: "أصيب رجل في عهد رسول الله ﷺ في ثمرٍ ابتاعها؛ فكثر دينه، فقال رسول الله ﷺ: تصدقوا عليه، فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال النبيﷺ: خذوا ما وجدتم يا أيها الغرماء، يا أيها المطالبون والخصوم، وليس لكم إلا ذلك رواه مسلم [رواه مسلم برقم (1556)].
هذه الجائحة تبيح للمصاب المسألة؛ ولذلك قال ﷺ: إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة مثل دية قتيل؛ حتى لا تحدث فتنة حملها على ظهره، وليس هو القاتل، ولكن لتسكين الأمور، فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك؛ لأن بعض الناس بعد الصك الذي أخذ عليه الدية وجمعها لا زال يطوف على الناس بالصك الأول؛ استحلى العملية، قال ﷺ: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله؛ فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة، يقومون ويشهدون، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، فما سواهن من المسألة سحت يأكلها صاحبها سحتاً رواه مسلم [رواه مسلم برقم (1044)].
هذه لمحة عن سياسة الشريعة، ونبذة يسيرة عن طريقة الدين في معالجة الجوائح، والخسائر العامة، والفاقة تنزل بالله، قال ﷺ: من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجلرواه الترمذي [رواه الترمذي برقم (2326)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1637)].
ولا مانع أن يبدأ الإنسان من الصفر، المهاجرون لما قدموا من مكة حتى أغنياؤهم عبد الرحمن بن عوف ماذا أخذ من ماله؟ لا شيء، كانت لهم أموال بمكة، كانت لهم تجارات، كانت القوافل تأتي بالسلع، تدر عليهم الأموال، لما هاجروا لله تركوا الحبيب والوطن، والبلد والدار، والمسكن والعشيرة والمال: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِسورة البقرة: 207.
جاء عبد الرحمن بن عوف التاجر الكبير من مكة إلى المدينة ما معه شيء، صودرت الأموال، ومنعهم الكفار من أخذها، ماذا فعل ابن عوف تسول؟ رفض المساعدة أصلاً: "قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي ﷺ بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وعند الأنصاري امرأتان، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله"، وبصدق ما هي مجاملات ليقول: لا شكراً، "فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن" للأنصاري: "بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فأتى السوق" باع واشترى، "فربح شيئاً من أقط، وشيئاً من سمن" أخرجه البخاري [رواه البخاري برقم (5072)].
قد يعمل أجيراً في البداية، قد يشتري شيئاً بالآجل، ويبيعه بربح، ويسدد فوراً، وينطلق، ثم أصبح عبد الرحمن بن عوف الذي دخل المدينة لا يملك درهماً واحداً من الأغنياء مرة أخرى، باع أرضاً بأربعين ألف دينار، ثم فرقها في أهله، وعلى أمهات المؤمنين، وفقراء المسلمين، وقدم لجيوش الفتح الإسلامية خمسمائة فرس، وفي معركة أخرى قدم ألفاً وخمسمائة راحلة، وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، وأوصى من ماله الخاص لكل من بقي ممن شهد بدراً بأربعمائة دينار، الدينار مثقال، والمثقال أربعة جرامات وربع من الذهب، فإذا كان الغرام بمائة ريال، فالدينار أربعمائة وخمسة وعشرون ريالا، وبلغ من سعة عطائه وعونه أنه كان يقال: أهل المدينة شركاء لابن عوف في ماله، ثلث يقرضهم، وثلث يقضي عنهم ديونهم، وثلث يصلهم ويعطيهم[انظر السير للذهبي (1/88)]، بدأ من الصفر مرة أخرى ما المانع؟ جرى قدر الله، ما كان نائماً كسولاً في بيته، جرى قدر الله، والقضية قُدمت تضحية في سبيل الله في الهجرة، فرجع عبد الرحمن بن عوف مرة أخرى، هذا الدين يعلم العمل والنشاط والعودة للساحة مرة أخرى، وعدم اليأس مهما وقع بالإنسان من خسائر، من الصفر أو من تحت الصفر، يحدث الإقلاع مرة أخرى، هكذا النفوس التي رباها محمد ﷺ.
ما كان الصحابة على ما أوتوا من الأموال عبيداً للمال، كلا والله، كانوا يستعملون المال في طاعة الله، المال خادم جيد، وسيد فاسد، فانظر أين أنت منه؟ وما هو منك؟ ومن كان ماله كحماره الذي يركبه، وبيت الخلاء الذي يركبه -كما قال العلماء- فهو بخير؛ لأن النفس غير متعلقة، وغير هلوع، ولا جزوع، ماذا استفدنا من الاتصالات العظيمة التي ربطت الأسواق هلع في آخر الدنيا يسري كالبرق فوراً ليصل إلى الأسواق.
إنما صُنعت النقود مستديرة كي تسير، وكي تنتقل بأنواع المعروف، وأما قضية الاستهلاك الشديد هذا، والغوص في الترف، والرغبة في التجديد المستمر، واقتناء أي شيء: فلان يملك كذا، لماذا أنا لا أملك؟ وهكذا التطلع للدنيا واللهاث وراءها يجعل الإنسان يستهلك ويستهلك، وإذا انتهى ما عنده اقترض، فنبعت فكرة البطاقات الائتمانية، ليس فقط لأنه يُستغنى بها عن الكاش الذي يكون خطيراً حمله أحياناً، لكن القضية إتاحة الفرصة للناس أن يقترضوا وبالربا، تارة يكون نسبة، وتارة يكون ثمن إصدار عالي، وتارة يكون اشتراكاً سنوياً أكثر من التكلفة الحقيقية للبطاقة، خذ يوزعونها عليك، وينتشر مندوبوها في المدارس، في المكاتب، يغرون الناس.
الآن في الأزمة ذلك المجتمع الغربي الشره ديون البطاقات الائتمانية على الناس في الولايات بلغت قرابة ترليون دولار، وبعد العجز عن سداد قيمة المساكن في أزمة الرهن العقاري إذا جاءت أزمة البطاقات الائتمانية، وعجز الناس عن التسديد للشركات التي تصدر البطاقات سيحدث انهيار أعظم في مجتمع ليس عنده كاش في جيبه، ولا ذهب في يده، يسير ببطاقة، فإذا أصبحت هذه البطاقة لا قيمة لها، وهو مطالب، فماذا ستكون الحال؟.
القناعة، وعدم الإسراف، مما دعت إليه الشريعة، فالشريعة مباركة والله، لا تسرف إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَسورة الأعراف: 31، وليس بالضرورة أن تشتري كلما تشتهي "كلما اشتهيت اشتريت"[من كلام عمر، انظر الآداب الشرعية لابن مفلح (3/192)].
أن يكون المجتمع مسرفاً استهلاكياً، كماليات! وأشياء لا ضرورة لها! معك البطاقة -يقولها لك الولد إذا اعتذرت له أنه لا مال في جيبك-، وهكذا تربى الصغير والكبير، سفاهة في الإنفاق، هذا النمط الاستهلاكي المسرف المذموم جر عليهم أنواع البلاء، ويجره على من يتشبه بهم.
اللهم إنا نسألك عيش السعداء، وموت الشهداء، ونزل الأتقياء، يا سميع الدعاء.
اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان ببلدنا هذا، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم جنب بلدنا الأزمات، يا رب العالمين، وعافنا من الضوائق، يا أرحم الراحمين.
اللهم وسع علينا في أرزاقنا، وبارك لنا فيما آتيتنا، واجعل ما آتيتنا عوناً لك على طاعتك يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا، وأهلينا وأموالنا.
استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.
عافنا من أمامنا، ومن خلفنا يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك الأمن في الأوطان والدور، والرشد للمسؤولين وولاة الأمور، والعافية في الجسد، والأمن في البلد، والهداية في الذرية والولد، يا سميع الدعاء.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سورة الصافات: 180-182، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.