الجمعة 12 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 13 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

جهود السلف في حل المشكلات الزوجية 1


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أهمية عقد النكاح
جهود النبي ﷺ في كيفية حل المشكلات الزوجية
جهود السلف في كيفية حل المشكلات الزوجية
الخطبة الثانية
فضائل شهر شعبان

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

عباد الله:

أهمية عقد النكاح

00:00:31

إن الله ، سمى النكاح ميثاقاً غليظا، وخلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها، وجعل بيننا وبينهن مودة ورحمة، فلابد من صيانة هذا الميثاق.

وهذه المودة والرحمة؛ نعمة، وشكر النعمة العمل على استدامتها، وبقائها، واستمرار الحياة الزوجية على هذا الأساس خير عظيم، ونحن نعلم أن البشر لابد أن يقع بينهم ما يقع، ومن ظن أن الحياة الزوجية عسل كلها فهو واهم.

ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار

فلا تغرنك دورات بعنوان زواج بلا مشاكل، وأي زواج هذا الذي بلا مشكلات، فقد كان في عهد النبي ﷺ وحياته مع زوجاته مشكلات، لكن ما هو موقف الزوج؟ وكيف تحل؟ وما هو موقف الزوجة؟

عباد الله: يحتاج الأمر في كثير من الأحيان في غمرة ما نسمع عن كثرة حوادث الطلاق التي ربما بلغت ثلث حالات الزواج، وكثير منها يقع ما بين العقد والدخول كما قدرتها بعض الإحصاءات بالنصف، إنه شر مستطير، وخطر عظيم، يحتاج إلى مواجهة، وإن من أعظم أبواب الأجر؛ الإصلاح، وقد قال تعالى: فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَاسورة النساء:35، فإرادة الحكمين الخير والإصلاح ينبني على النية الطيبة، وحسن النتيجة.

إن الفضائل كلها لو حصلت رجعت بجملتها إلى شيئين
تعظيم ذات الله جل جلاله والسعي في إصلاح ذات البين

قال تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًاسورة النساء:114

عباد الله: إن هذا الأجر العظيم للمصلحين إذا تدخلوا بالحكمة، وإذا أرادوا السعي بين الزوجين بالخير؛ لأنه في كثير من الأحيان تكبر المشكلة، وتعظم القضية، ويزداد الشقاق، وربما أدى إلى الفراق بالتدخل الخاطئ سواء كان من أهل الزوج، أو الزوجة، أو من أطراف أخرى.

عباد الله: قال الله تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌسورة النساء:128، خير من الشقاق، خير من الفراق، خير من تشتت العائلة، وتشرد الأولاد، خير مما يحصل في نفس الزوج والزوجة من النكد والتعاسة.

جهود النبي ﷺ في كيفية حل المشكلات الزوجية

00:04:01

والنبي ﷺ، وأصحابه، والسلف كانت لهم جهود عظيمة في الإصلاح بين الزوجين، فما أمثلة هذه الجهود؟

نراها متجلية في السنة النبوية، ومن ذلك:

- علي ، ابن عم النبي ﷺ، وفاطمة بنته ﷺ، وهم من أكارم الأزواج والزوجات على وجه الأرض، فهذه بنته سيدة نساء أهل الجنة، وهذا ابن عمه رابع الخلفاء، ووالد سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين، فهل كانت حياتهما خالية تماماً من المشكلات؟ كلا، فقد روى البخاري رحمه الله تعالى، عن سهل بن سعد قال: "جاء رسول الله ﷺ بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت"، وهو وقت المفترض أن يكون الزوج في البيت، وقت قيلولة، وكون الزوج غير موجود هذا يوحي أن هنالك شيئاً غير مريح يحصل، فقال ﷺ: أين ابن عمك، ولم يقل أين زوجك؛ لأنه أحس بشيء، فأراد أن ينبهها للقرابة بينها وبينه لعله يتألف قلبها، ويسترحم نفسها، لتلتفت لابن عمها، لقريبيها، لزوجها، ليبدأ الحل، قالت: "كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي" فماذا فعل النبي ﷺ للزوج؟ هل أخذ البنت وذهب إلى بيته، وقال لما يذهب ما في رأسه يأتينا ويعتذر، أخطأ على ابنتنا، هل أخذ البنت بغير إذن زوجها؟ كلا والله، هل كان سلبياً وقال: فليحدث بينهما ما يحدث؟ لا، وإنما سعى في الإصلاح، فوالد الزوجة عليه مسئولية حتى بعد زواج البنت، فيعمل ما في مصلحتها، "فسأل عنه"، فاهتم النبي ﷺ بالأمر، "فإذا هو في المسجد راقد"، فجاء بنفسه ﷺ، وهو سيد البشر، جاء بنفسه ليأخذ بخاطر الزوج، "فجاء رسول الله ﷺ، وعلي مضطجع في المسجد، قد سقط رداؤه عن شقه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله ﷺ يمسحه عنه"، وهذا المسح وحده له مدلولات كثيرة، ومعاني كبيرة، وآثار عظيمة، وقال: قم أبا تراب، قم أبا تراب[رواه البخاري (441) ومسلم (2409).] وكانت هذه الكنية أحب الكُنى إلى علي ، فقد يقع بين أهل الفضل ما يقع، فيقع من الكبير، والعالم، ويقع من القدوة بينه وبين زوجته شيء، هذا من طبيعة البشر، لكن فرق بيننا، وبين الصحابة، فالقضية عندهم سرعان ما تزول، والمشكلة سرعان ما تحل، وقضية العناد، والمكابرات، والهجر الطويل، هذه لا توجد عندهم، أما عند الخلف فكثير، وتستمر القضية، ومحاكم، وتشهيرات، وأخبار في المجتمع سيئة، وتلوك الألسن الأعراض.

-  كانت بريرة أمة، وزوجها مغيث عبد، ولما عتقت، وشرعاً إذا عتقت الأمة وزوجها عبد يجوز لها أن تفارق زوجها؛ لأنها صارت أرفع منه منزلة في الدنيا، فاختارت بريرة فراق مغيث، وكان مغيث متعلقاً بها جداً، فجعل يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، وفي رواية للبخاري: "يتبعها في سكك المدينة يبكي عليها"[رواه البخاري (5281).] فشفع النبي ﷺ عندها أن ترجع إليه وقال لها: لو راجعته[رواه البخاري (5283).]، هذا هو السعي، والإصلاح المحمود، وفي رواية: فإنه أبو ولدك[رواه النسائي (5417).]، تذكير بالعلاقة المشتركة, قالت: "يا رسول الله تأمرني" أي: إذا كانت المسألة أمر انتهى، أقبل نفسياً ما أقبل نفسياً، المسألة مغلقة غير مغلقة، في مجال ما في مجال، فالصحابة على أمره ﷺ يمتثلون، قال: إنما أنا أشفع؛ لأنه من حقك إذا ما أردته الانفصال، فأنا لا ألغي الحق الشرعي لك، لكن أشفع، قالت: لا حاجة لي فيه.[رواه البخاري (5283).] فقد لا تكلل المساعي بالنجاح، لكن المحاولة الطيبة مطلوبة، وليس الكذب في هذا الأمر محرماً، ليس الكذاب الذي ينمي خيراً أو يقول خيراً[رواه البخاري (2692). ومسلم (2605).].

- كان ﷺ يذكر الأزواج والزوجات بالحقوق المشتركة، فقضية الحقوق المشتركة في غاية الأهمية، فإذا جاءك زوج فذكره بحق زوجته، وإذا جاءتك زوجة فذكرها بحق الزوج، عن الحصين بن محصن أن عمة له أتت النبي ﷺ في حاجة، فلما فرغت قال لها النبي ﷺ: أذات زوج أنت؟قالت: نعم، قال:كيف أنت منه، أي: ما حالك معه، قالت: "ما آلوه"، أي: لا أقصر، "إلا ما عجزت عنه" قال: فانظري أين أنت منه فإنه جنتك ونارك[رواه أحمد (18524).]، قوله: فإنه جنتك ونارك، يدل على عظم حق الزوج، فتدخلين الجنة برضاه، وقد يكون سخطه سبباً لدخولك النار.

جهود السلف في كيفية حل المشكلات الزوجية

00:10:38

- وعلى هذا جرى الصحابة، فلما آخى النبي ﷺ بين سلمان وأبي الدرداء، وكان قبل نزول آية الحجاب يدخل الصحابة بيوت بعضهم البعض، فدخل سلمان فرأى أم الدرداء متبذلة ليس عندها شيء من الدنيا في الاهتمام، فقال: "ما شأنك؟" قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا"، غير مهتم أصلاً، فهو رجل مقبل على العبادة، ليس له شأن في النساء، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال كل، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال سلمان: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، قال: نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعطي كل ذي حق حقه، فأتى النبي ﷺ فذكر ذلك له فقال: صدق سلمان [رواه البخاري (1968).]، فالتدخل الحكيم لما يرى الأخ أن في حياة أخيه المسلم خلل، وأن هنالك مشكلة فيسعى لإصلاحها عملياً، ويبين الحكم الشرعي، ويأمره وينهاه.

- ومن ذلك موقف عمر عندما سمع أن ابنته حفصة ممن يراجعن النبي ﷺ، أي: في أخذ ورد، وكلام مع زوجاته، فذهب زيارة خاصة، وقال: "أي حفصة، أتغاضب إحداكن رسول الله ﷺ اليوم إلى الليل" أي: إذا طالبته بنفقة وما عنده، فربما تغضب وما تكلمه إلى الليل، قالت: نعم، يحدث هذا، قلت: "خابت وخسرت أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسول الله ﷺ فتهلكين"[رواه البخاري (2468).]،  وهكذا مضى السلف في قضية رعاية الحياة الزوجية، والإصلاح، والسؤال، والتدخل المحمود.

من ذا الذي ترضى سجاياه كلها، لا يفرك مؤمن مؤمنةأي: لا يبغضها بالكلية، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر[رواه مسلم (1469).] والله يعوض على الصبر، دخل طالب على شيخه فوجد عنده ولداً يخدمه خدمة عظيمة، وبراً، وإحساناً، فعجب من ذلك، فلما خرج الابن قال العالم للتلميذ: أتعجب من بر هذا بي؟ قال: نعم، فقال له: لقد عاشرت أمه أكثر من عشرين سنة، والله ما تبسمت في وجهي يوماً قط، فصبرت فعوضني الله منها بما ترى، عوضني الله منها بابن بار.

- إدراك الحقائق الخلقية مهم جداً في هذا الموضوع، قال عبد الله بن مسعود : "شكى إبراهيم يعني: حدة في خلق سارة- فأوحى الله إليه إنما هي من ضلع"، أرأيت ضلع الشاة، وضلع الخروف، لابد أن يكون في أعلاها أعوجاج، هكذا خلق أصلاً، فالضلع ليس مستقيماً، قال: "إنما هي من ضلع فاخذ الضلع فأقيمه، فإن استقام، وإلا فالبسها على ما فيها"[رواه الطبراني في الكبير (9685).]، ولذلك نقول لبعض الأزواج الذين يكثرون الشكاية، خذ ضلع الذبيحة، وحاول أن تقيمه، وأن تجعله مستقيماً، فإن لم يحصل، فاعلم أن القضية خلقة، وهذا جزء من التحمل، فلابد أن يدرك الرجل السر في القضية، وأن المرأة أحياناً تقول كلاماً، وتتصرف تصرفات هو لا يراها منطقية، ولا عقلانية، ولا سليمة، ولكن هذا جزء منه يعود إلى الطبع والخلقة، فالرجل لابد أن يتحمل، كما قال تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌسورة البقرة:228.

اللهم إنا نسألك أن تصلح ذات بيننا، وأن تصلح شأننا، وأن تتوب علينا، وأن تهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، وأن تجعلنا للمتقين إماماً.

الخطبة الثانية

00:15:36

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، الحمد الله خلق السموات والأرض، أكبره تكبيراً، وأسبحه لا إله إلا هو يفعل ما يشاء، وأصلي وأسلم على المختار المصطفى من ولد عدنان، سيد البشر، سيد الأولين والآخرين، محمد بن عبد الله، أشهد أنه رسول الله حقاً، والداعي إلى سبيله صدقاً، اللهم صلي وسلم وبارك عليه، ما تعاقب الليل والنهار، وأرضى عن أصحابه وخلفاءه الميامين، وزوجاته وآله، فإن لآل محمد ﷺ حقاً عظيماً، وهو الذي أوصانا بهم فقال: وعترتي أهل بيتي[رواه الترمذي(3786). وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2457).]،  فعليهم صلوات الله وسلامه إلى يوم الدين.

- من الوسائل المهمة في قضية الإصلاح والسعي في تحسين مستوى العلاقات؛ الوصية بالصبر، كما فعل أبو بكر مع ابنته أسماء، فزوجها كان مشغولاً، فشكت له شيئاً من الغيرة، فقال: "يا بنية اصبري، فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح، ثم مات عنها، فلم تتزوج بعده جُمع بينهما في الجنة"[الطبقات الكبرى (8/251).]، فقد يكون الزوج صالحاً لكن فيه شيء في خلقه، وقد يكون الزوج صاحب تقوى، وعنده شيء من الإمساك في ماله، وقد يكون مستقيماً في سلوكه وتصرفاته، ولكن عنده عيب من العيوب فلابد من التحمل والصبر.

وأحياناً لا يجد الإنسان في قلبه حباً حقيقياً، خصوصاً في غمرة المسلسلات التي تعرض اليوم على الناس، المدبلجة وغير المدبلجة، خدعت بناتنا، صورت القضية للشباب والشابات؛ أن الحياة الزوجية عسل، وأن العلاقات تبدأ بالحب قبل الزواج، وأي علاقات قبل الزواج فهي حرام في الإسلام، لكن هكذا يصورونها، وتبدأ العلاقة بالحب، وتستمر وتنتهي بالزواج، فهذه الرومانسية كذب في كذب، فلو نظرنا إلى حياة الممثلين والممثلات الخاصة، سنجد مصائب عظيمة، وكبيرة جداً، يكذبون على الناس في التمثيل، وهم في الحقيقة من أسوء الناس عيشاً، وانظر إلى طلاقاتهم، ومشكلاتهم التي تصل إلى المحاكم على مستوى العالم في هؤلاء الممثلين والممثلات العالميين، همّ رجل بطلاق امرأته فقال له عمر : لمَ تطلقها؟ قال: لا أحبها، قال: "أوكل البيوت بنيت على الحب، وأين الرعاية والتذمم" أي: حتى لو لم تشعر بمحبة، لكن بينكما أولاد، وهنالك عشرة، وأين الرعاية؟، وأين حسن العهد؟، وأين العلاقة السابقة؟، وأين الذمة التي بينك وبينها؟، فالإنسان يمسك زوجته أحياناً حتى ولو لم يحس بحب حقيقي لمصالح أخرى.

ويجب أن يقوم المصلحون، وأهل الفضل، والمكانة في المجتمع، والوجهاء، والأغنياء بدورهم، فالغني قد يحل مشكلة بين زوجين بإعطائها مالاً كما فعل بعض السلف لما شكت إليه زوجها أعطاها مالاً سكتت، ثم جاء الزوج فأعطاه مالاً، وقال: صرت مثلها.

- وأيضاً: لابد من إنصاف المظلوم؛ لأنه قد يقع ظلم، جاءت امرأة إلى عمر فقالت: يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار، ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه، وهو يعمل بطاعة الله، فقال عمر: نعم الزوج زوجك، فجعلت تكرر عليه القول، ويكرر عليها الجواب، فقال له كعب بن سور الأزدي، وكان في المجلس وفطن للمشكلة، قال: يا أمير المؤمنين! هذه امرأة تشكو زوجها في تركه لها، أي: من شدة الاشتغال بالعبادة معرض عنها، فقال له عمر : كما فهمت كلامها فاقض بينهما، فقال كعب: عليّ بزوجها، فأُتي به، فقال: أحل الله لك أربعاً، فاجعل لها في كل أربع ليال ليلة، أي: اجعل لها ليلة، والثلاث للعبادة، فقال عمر لكعب: ما أدري من أي أمريك أعجب أمن فهمك أمرهما، أو من حكمك بينهما، اذهب فقد وليتك قضاء البصرة.

- وقد يستلزم التدخل شيء من الزجر، والشدة على المخطئ، جاءت امرأة إلى عمر فقالت: يا أمير المؤمنين إن زوجي قد كثر شره، وقل خيره، فقال عمر: ما نعلم من زوجك إلا خيراً، فأرسل إليه فجاء، فقال له عمر: هذه امرأتك تزعم أنه كثر شرك، وقل خيرك، قال: يا أمير المؤمنين! بئسما قالت يا أمير المؤمنين، والله إنها لأكثر نسائها كسوة، وأكثرهن رفاهية بيت، ولكن بعلها بكيء، أي: قدرته على إتيانه ضعيفة لا يستطيع، قال: ما تقولين، قالت: صدق، فأخذ الدرة فقام إليها وتناولها وقال: يا عدوة نفسها أفنتِ شبابه وأكلت ماله ثم أنشأت تشنين عليه ما ليس فيه، قالت: يا أمير المؤمنين! أقلني هذه المرة، والله لا تراني في هذا المقعد أبداً، فدعا بأثواب ثلاثة، فقال لها: اتقي الله وأحسني صحبة هذا الشيخ، قال: كأني أنظر إليها أخذت الأثواب منطلقة، ثم أقبل عليه فقال: لا يمنعك ما رأيتني صنعت بها أن تحسن صحبتها، قال: أفعل يا أمير المؤمنين.[محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب(3/1000).]

إذا شاب رأس المرء أو قل ماله فليس له في دهن نصيب

وهكذا بعض الأزواج إذا كبرت زوجته طلقها مباشرة كما قيل: إن أعمى كانت له زوجة تحسن إليه حتى شاب وشابت عنده، فقدر أن أجرى عملية جراحية مع تقدم الطب فعاد بصره، فلما رآها طلقها مباشرة.

إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في المنزل الخشن

ينبغي أن تكون العاقبة حميدة، وحسن العشرة، والوفاء بالعهد، فمن أهل الكتاب الرجل يتزوج الزوجة من الصالحين من قبلنا ما تعلق يداها الخيط في أول سنها لا يفرق بينهما إلى الموت، فحسن العشرة عظيم، والإنسان لا ينس الأيام الجميلة الماضية أبداً.

- ولابد من بيان الحكم الشرعي إذا وصلت القضية إلى الفراق، فأحياناً تحدث الخصومة في الأولاد، فلابد من قول كلمة الحق، دخل أبو الأسود على معاوية، ودخلت امرأته معه، فقالت: لقد ألجأني إليك يا أمير المؤمنين طلقني من بعل غادر، قال: ومن بعلك؟ قالت: هذا أبو الأسود فالتفت معاوية إليه فقال: أحقاً ما تقول المرأة؟ قال: أما ما ذكرت من أمر طلاقها فهو حق، ولكن لم أطلقها لريبة، ولكني كرهت شمائلها فقطعت حبائلها، فهي كثيرة الصخب يا أمير المؤمنين، مهينة للأهل، مؤذية للبعل، إن ذكر خير دفنته، وإن ذكر شر أذاعته، ولا يزال زوجها معها في تعب، قالت: يا أمير المؤمنين! والله جهول، ملحاح، شحيح حين يضاف، ضيفه جائع، وجاره ضائع، لا يحمي ذماراً، ولا يرعى جواراً، فالمسألة انتهت إلى طريق مسدود، فتخاصما في الولد فوثب أبو الأسود فانتزعه منها، قال معاوية: مهلاً يا أبا الأسود، قال: يا أمير المؤمنين! حملته قبل أن تحمله، أي: في ظهري قبل أن تحمله يعني في بطنها، ووضعته قبل أن تضعه، أي: بذرته فيها قبل أن تضعه هي مولوداً، فأنا أولى، قالت المرأة: صدق، لكن حمله خفاً وحملته ثقلاً، ووضعه شهوة ووضعته كرهاً، وكان حجري حواء، وبطني له وعاء، وثديي له سقاء، فأمر معاوية بالولد فدفع إليها، فالحضانة في الشرع تكون عند المرأة.

عباد الله: لابد أن يكون هنالك رجوع إلى الشرع، ومعرفة الأحكام الشرعية، وحسن القضاء بين الزوجين، والتذكير بحق الطرفين، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، ونلم الموضوع، ونحدد موضع النزاع، ونسعى بالصلح، ونهون القضية، ونحرص على اعتراف الطرفين المخطئ بالخطأ، ونصبر على الطباع المتأصلة، ويرضى كل واحد بما قسم الله له، ولا نتخذ قراراً في لحظة غضب، ونتنازل عن بعض الحقوق، وهكذا تحل المشكلات.

نسأل الله أن يصلح شأننا جميعاً.

عباد الله:

فضائل شهر شعبان

00:25:36

شهركم شعبان يغفل فيه الناس عن فضله، فهو بين رجب، ورجب شهر محرم، وكان له عند العرب منزلة عظيمة، ورمضان معلوم، وشعبان ترفع فيه الأعمال إلى الله، فهنالك رفع يومي، فعمل الليل يرفع في أول النهار، وعمل النهار يرفع في أول الليل، وهنالك رفع أسبوعي ترفع الأعمال إلى الله الاثنين والخميس، وهنالك رفع سنوي في شعبان، فأعمال السنة ترفع في شعبان، كما قال ﷺ: فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم[رواه النسائي (2357) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3711).]، والرفع الختامي إذا مات الإنسان ختمت الصحيفة، ورفعت إلى الله.

وشعبان كان يسمى عند السلف شهر القراء، وكانوا يعينون فيه الفقراء بالزكاة قبل رمضان حتى لا يدخل عليهم رمضان، وهم محتاجون، يجوعون في الصيام، ويجوعون من أجل فقر.

ومن وجبت عليه الزكاة في شعبان فلا يجوز أن يؤخرها إلى رمضان، فإن بعض الناس يظن أن تأخير الزكاة لرمضان أكثر أجراً حتى يوقعها في رمضان، وما درى المسكين أن هذا إثم؛ لأن حق الله وجب فلابد من أداءه في الحال، وتأخير الزكاة عن المحتاج والمستحق ظلم، وقد نهانا ﷺ أن نسبق رمضان بيوم، أو يومين، وإنما تكون النفوس متأهبة بالعبادة إلا من كان له عادة من صيام اثنين، أو خميس، أو صيام يوم، وإفطار يوم، وكذلك من عليه قضاء من صيام رمضان سابق، أو من نذر، أو من كفارة، فيجب عليه أن يبادر بقضاء ما عليه من رمضان الماضي، فنبهوا زوجاتكم، وبناتكم، وأخواتكم أن من عليها قضاء من رمضان الماضي أن تبادر قبل أن يدخل رمضان الجديد.

اللهم بلغنا رمضان، وتقبل صيامنا وقيامنا وعملنا يا أرحم الرحمين، وفقنا لما تحب وترضى، وارزقنا التمسك بالعروة الوثقى، أصلح شأننا، وأهلنا، وأولادنا، وهب لنا من أزواجنا، وذرياتنا قرة عين، واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم فرج همومنا، ونفس كروبنا، واجمع على الحق كلمتنا، واحفظ علينا أمننا وإيماننا، اللهم من أراد أن يمس أمن هذه البلاد بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اللهم اعتق رقابنا من النار، لا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي متقبل مشكور، يا عزيز يا غفور.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه البخاري (441) ومسلم (2409). 
2 - رواه البخاري (5281). 
3 - رواه البخاري (5283).
4 - رواه النسائي (5417).
5 - رواه البخاري (5283).
6 - رواه البخاري (2692). ومسلم (2605).
7 - رواه أحمد (18524).
8 - رواه البخاري (1968).
9 - رواه البخاري (2468).
10 - رواه مسلم (1469). 
11 - رواه الطبراني في الكبير (9685).
12 - رواه الترمذي(3786). وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2457).
13 - الطبقات الكبرى (8/251).
14 - محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب(3/1000).
15 - رواه النسائي (2357) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3711).