الأحد 3 ربيع الآخر 1446 هـ :: 6 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

رحمة الله تتجلى في الصيام


عناصر المادة
الخطبة الأولى
فضل رمضان
دروس من رمضان
الاستجابة لله ولرسوله
منهيات الصيام
رحمة الله تتجلى في الصوم
عقوبات المخالفة
الخطبة الثانية
قيام رمضان وفضله
رفيق الصوم
معوقات في الصيام

الخطبة الأولى

00:00:06

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فضل رمضان

00:00:51

أظلكم -يا عباد الله- شهر عظيم، شهر رمضان جعله الله رحمة للعالمين، فتّح فيه أبواب الجنان، وغلّق أبواب النيران، وأعان العباد فيه على الصيام بتصفيد مردة الجان، ولله في كل ليلة عتقاء من النار، ففتح الباب الكريم الوهاب، وقال: أيها العبد هلم يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصرالمستدرك - (1532)، وصححه الباني في مشكاة المصابيح ( 1960 )، فهذا الصيام مدرسة عظيمة.

دروس من رمضان

00:01:36

نتعلم منها أموراً كثيرة، نصوم لله تعالى؛ إخلاصاً له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي بهالبخاري(5583 )، ومسلم(164)، هذا الدرس العظيم الذي ينبغي أن تنسحب فيه سائر الأعمال على الصيام، في الإخلاص لله ، نتعلم فيه الاستجابة له ، اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِلأنفال:24 دعانا للصيام وفرضه علينا، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ أي فرض عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ، وأخبرنا أنا لسنا الوحيدين في هذا الطريق فقد مضت أمم من قبلنا عليه كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، وأخبرنا أنه لم يفرضه علينا لكي نجوع ونعطش ونتعذب بترك الشهوات، ونُحرم منها وإنما لأجل التقوى فقال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَالبقرة:183.

أيها الإخوة، أيها الأحبة: هذه الاستجابة والانقياد لله تحيي قلوبنا؛ لأنه قال: إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ لأنفال:24، حياة القلب بها، سواء كنا في صيف أو شتاء نصوم، تعلقنا بهذه الأشياء بشدة أم لا نمسك، نطيع، نحن عبيد مربوبون، وهو القهار ربنا، فوقنا يأمرنا فنطيع، وينهانا فنمسك، ومعنى الصيام فيه شيء عظيم في التعبد بالترك، فإن العبادات في مجملها على الفعل، فعل أنت تأتي به، فالصلاة فيها قيام، وركوع، وسجود، وأذكار، وتلاوة، وأفعال، والزكاة إعطاء، والحج طواف، وسعي، ورمي، وهكذا، الصيام ترك، تترك فيعلمك كما تعمل لله أن تترك لله، وكثير من الناس يحسن أن يعمل، ولا يحسن أن يترك؛ لأن نفسه تغلبه وشهوته قوية، فعندما يقول له: اترك لله طعامك وشرابك وشهوتك، فيعلمه معنى الترك لله كما تعلم العبد معنى الفعل لله، ثم يا مسلم سواء كان صيفاً أو شتاءً، سواء كان النهار طويلاً أو قصيراً، سواء كنت في نصف الكرة الشمالي أو الجنوبي، فإنك تطيع الله في جميع الأحوال، وتربية العبد المكلف على الطاعة في سائر الأحوال، وأينما كان في كل مكان وزمان، مهما طال الوقت، أو اشتد الحر في الحقيقة تربية عظيمة، فإذاً معنى الصيام: الطاعة والاستجابة لله .

الاستجابة لله ولرسوله

00:05:06

وقد ضرب الصحابة الأمثلة العظيمة في ذلك، فلما قال لهم في الخمر: هَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَالمائدة:91 سكبوها، ولما كان بعضهم يصلي، فدعاه النبي ﷺ فنزلت الآية اسْتَجِيبُوا ليقطع صلاته لأجل هذه الاستجابة، لما أعطى النبي ﷺ علياً الراية قال: امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك، سار علي شيئاً، ثم خطر بباله سؤال، وتذكر قوله: ولا تلتفت، فنادى بأعلى صوته يا رسول الله: على ماذا أقاتل الناس؟مسلم (33) ومضى، لم يكن الامتثال والاستجابة خاصة بالرجال في هذا المجتمع المبارك بل كانت تعم النساء أيضاً، فلما نزلت آية الحجاب شقق نساء الأنصار مروطهن فاختمرن بها، خرجن معتجرات إلى المسجد كالغربان لا يعرفن، وهكذا، لما قال: (اجلسوا) وكان الصحابي على باب المسجد فجلس هناك، ولما أمر النبي ﷺ كل مسلم بكتابة وصية قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله ﷺ إلا وعندي وصيتي، لما زوج معقل بن يسار أخته لرجل من الصحابة فطلقها، ثم ندم فجاء يخطبها بعد انتهاء عدتها، فحلف أن لا يردها إليه غضباً، فلما أنزل الله تحريم العضل، وأن على الأولياء أن يردوا الزوجات إلى أزواجهن، قال: سمعاً لربي وطاعة، ثم دعاه وقال له: أزوجك وأكرمك، لما قال النبي ﷺ لجابر بن سليم: لا تسبن أحداً، قال: فما سببت بعده حراً، ولا عبداً، ولا بعيراً ولا شاةسنن أبى داود( 4086)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3 / 37)، لما نهى النبي ﷺ رجلاً عن خاتم ذهب في يده فطرحه فقيل له: خذه انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبداً، وقد طرحه رسول الله ﷺمسلم(52)، وهكذا  إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَاالنور:51

عباد الله: هذا الصيام مدرسة نعلم فيه أنفسنا وأولادنا، وتتعلم فيه الأحكام الدقيقة، وتعرف فيه أن الصغير إذا بلغ، والحائض إذا طهرت، والمسافر إذا رجع، والمريض إذا عوفي مكلفون بالأصل، وكان إفطارهم لعذر، فلما زال العذر رجعوا، فتلحظ الفروق الدقيقة في هذا المسائل، يعلمك جمع القلب على العزم وهي النية، وأن تكون في الليل، ويربط لك الحكم بآية واضحة وبرهان جلي من خلقه في كونه، فيربط الصيام برؤية الهلال، وهي آية كونية مرئية للمثقف والأمي، ويربط الإفطار بغروب الشمس وغياب القرص، وهي آية كونية واضحة دين الوضوح، الأحكام مربوطة في توقيتات بآياته في كونه في سمائه، خلق هذه الكواكب ليس عبثاً خلقها، وفيها منافع يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّالبقرة:189، وهكذا يا مسلم تمسك إذا طلع الفجر وهو البياض المنتشر في الأفق وتتعلم السنة وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِالبقرة:187، إذاً قضية احتياطات قبل الفجر بعشر دقائق لا مكان لها، سنة وفقط، لا زيادات، ولا إضافات في الدين، وهكذا يعلمك كيف تُعَجّل الفطر، وتؤخر السحور؛ لأجل أن تخالف أهل الكتاب، ولا يكون هناك ذريعة في الزيادة في الصوم، الله يريد العبادات منضبطة لا زيادة ولا نقص.

منهيات الصيام

00:09:40

ولذلك نُهينا عن صيام يوم الشك، وعن تقدم رمضان بيوم أو يومين من هذه الجهة، ونُهينا عن صيام يوم العيد من الجهة الأخرى، لماذا؟ تريد أن تصوم قبل رمضان بيوم ممنوع، تريد أن تصوم بعد رمضان بيوم ممنوع، لماذا؟ لأنه يريده ديناً منضبطاً، وعبادة دقيقة، لا زيادة ولا نقصان؛ لأن التعيين من حقه، فربط دخول الشهر وخروجه برؤية الهلال صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيتهالبخاري(1810) ومسلم( 18)، آيات بينات يا عباد الله.

رحمة الله تتجلى في الصوم

00:10:23

وهكذا ترى رحمته في تشريعه، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَالبقرة:185، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَالبقرة:184، وهكذا الحامل والمرضع من أجلها، من أجل جنينها الإسلام دين رحمة، من أجل جنينها تفطر، من أجل رضيعها تفطر، إذا قلّ هذا اللبن في ثديها تفطر، ويجب عليها أن تفطر، ولا يجوز لها أن تصوم وولدها ورضيعها يتضرر بعدم الرضاع؛ لأن الرضاع الطبيعي من حقه ولا يجوز أن تفطمه إلا عن تراض وتشاور بينها وبين زوجها، كما ذكر الله .

عباد الله: هذه الرحمة منه في المريض، والحائض، والنفساء، والحامل، والمرضع، والمسافر تدل على أنه لم يرد بالصيام أن يجوعنا ويعطشنا ويعذبنا، وإلا لعم الجميع، وإلا لصارت القضية من الفجر إلى الفجر، وإلا لفرض علينا المواصلة في الصوم، ولكن هو رحيم، يريد هذا لأجل التقوى، ولذلك الذي لا يتفطن للمعنى الذي من أجله فرضه يعصيه، الذي لا يتفطن للمعنى الذي لأجله -سبحانه- فرضه مرضان يعصيه فيه، فترى بعض الناس في ليلهم في لهو ولعب، ما كأنه فرض للتقوى، يتفرجون، يسمعون، يشاهدون أشياء تخالف معنى الصيام، فكيف تصوم له في نهارك وتعصيه في ليلك، مع أن الليل من رمضان وشرف الزمان يشمل الليل والنهار؟، بل إن لياليه فيه ليلة أعظم من نهاره وهي ليلة القدر، فإذاً الشرف في رمضان لليل والنهار.

عباد الله: عندما يرحم الكبير، ويقول للمسن الذي لا يستطيع بأن يفطر ويطعم، ومن كان عنده عذر يزول ينتظر حتى يزول العذر ثم يقضي فقط، وهكذا ترى أنه لما زال العقل بخرف -مثلاً- زال التكليف، وقد يكون فيه قوة، لكن لما زال العقل زال التكليف، فلا يؤمر بصلاة ولا بصيام.

عباد الله: إن ربنا من رحمته أذن لنا في مباشرة نسائنا في ليلنا، فقال: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُالبقرة:183وبين لك بأن المراد من إتيانها ليس قضاء الوطر فقط، بل ابتغاء الولد أيضاً؛ لأن في الولد خير عظيم، تربيه فتؤجر على أعماله؛ لأن الدال على الخير كفاعله، وتطعمه فتؤجر على النفقة عليه و في كل ذات كبد رطبة أجرالبخاري( 5663)، فكيف بولدك الذي هو فلذة كبدك، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِالبقرة:187، ولو لاحظنا المفطرات سنجد منها ما هو مقوٍ ومنها ما هو مضعف، فمنع الطرفين، ما يقوي من الطعام والشراب، وما يضعف من الجماع والاستقاءة والاحتجام، ولما كان الحيض يضعفها رغماً عنها بخروج هذا الدم، فإنه رفع الصوم عنها حتى يزول هذا العذر؛ لترجع ولم يكلفها بأكثر من القضاء.

عقوبات المخالفة

00:14:51

عباد الله: لما كانت المفطرات درجات بعضها أسوأ من بعض جعل للأسوأ كفارة أغلظ من غيره، فجعل في الجماع مثلاً: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين؛ ليذوق وبال أمره؛ لأن الكفارات تأديب، ولذلك ترى في بعضها شدة؛ لعظم الجرم الذي ارتكب، فإن لم يستطع يطعم ستين مسكيناً، وهكذا -يا عباد الله- يربي الصيام فينا التحكم في النفس، فمن كان سريع الشهوة يعرف من نفسه أنه لا يضبط نفسه، فإنه لا تجوز له المباشرة أي: اللمس، وهكذا، فإنه لما كان الأمر يعني الإنزال يحدث بغير قصد كالاحتلام لم يكن فيه شيء أصلاً، فلما كان الإنزال عمداً يُفُطِّر، وعليه التوبة، وإمساك باقي اليوم، والقضاء، وإذا كان بالجماع، فالكفارة المغلظة، بالإضافة إلى ذلك، فيكون على من وطء في نهار رمضان صيام شهرين ويوم، يوماً بدل الذي أفسده، والكفارة صيام شهرين، بينما لو احتلم وأنزل من غير قصد؛ لأن النائم غير مكلف، لم يكن عليه أي شيء، بل لا يضر صحة صيامه أصلاً، فانظر إلى رحمته، وانظر إلى حكمته .

عباد الله: هذا الصيام يعلمنا الفقه، فعندما تحدث المستجدات في عالم الطب، وهذه إبر منها ما هو مغذٍ، منها ما هو إبر تطعيم، منها ما هو إبر مسكنة للآلام، ومنها ما هو إبر معالجة لبعض الأمراض، كمعالجة الأنسولين، ولكنها لا تغذي، كانت لها أحكام بحسبها، ومنها ما يدخل الجوف من العلاجات، ومنها ما لا يدخل الجوف، فربما يكون سطحياً في الجلد، فإن لكل منها أحكام.

نسال الله أن يفقهنا في ديننا، هذه فرصة لنا في الأسرة الأب، الأم مع الأولاد رمضان له طعم خاص، فالتربية على الصيام وفي الصيام لها مفعول خاص، فينبغي الآن اغتنام الوقت في تربية الأولاد من خلال رمضان، بل رمضان -يا عباد الله- فرصة عظيمة للدعوة إلى الله، وعندنا مستخدمَون في بيوتنا، وكذلك من زملاء العمل من ليس بمسلم، لما يرى الجو كله من حوله تغير فجأة بالإمساك ولا فنجان قهوة، ولا قهوة الصباح المعتادة، ماذا حدث لكم؟، ماذا صار عندكم؟ سيضطر المسلم أن يشرح، ويتحول إلى داعية حتى لو لم يكن من قبل يمارس الدعوة؛ ليقول له: نحن المسلمون لدينا كذا وعندنا كذا، والحكم كذا، ونتمسك بكذا، هذه دعوة، أنت عندما تشرح لماذا لا تتناول الشاي في العمل، والقهوة المعتادة، بل حتى ولا رشفة ماء، وهذا مما يجعل بعض الكفار يعجبون بهذا الدين من خلال الصيام، نسأل الله أن يجعلنا من الدعاة إلى سبيله المتمسكين بسنة نبيه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:19:12

الحمد لله، أشهد أن لا إله الله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله الذي شرع لنا الصيام، وأتم علينا النعمة، فمن يصوم له في الأرض غيرنا، فنحن أرقى الأمم ديناً، وأرقى العالمين عبادةً، فلله الحمد والمنة، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صفيه وخليله وأمينه على وحيه، ومصطفاه من خلقه، حبيبنا وسيدنا وإمامنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته الطيبين وخلفائه الميامين، وأزواجه والتابعين إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

قيام رمضان وفضله

00:20:08

عباد الله: قام النبي ﷺ في رمضان وجمع أصحابه على ذلك، بل ورد في سنن النسائي في الحديث الصحيح أيضاً أنه جمع نساءه لقيام الليل وهي صلاة التراويح، التراويح جمع ترويحه، سميت بذلك؛ لأن السلف كانوا يستريحون بعد كل ركعتين أو أربع؛ ليقوموا إلى الصلاة بتجدد ونشاط، صلاة قيام الليل في رمضان جماعة سنة، لا في غيره، فهذه من خصائص رمضان: الاجتماع على القيام، وكذلك جمع النبي ﷺ نساءه، فأيضاً اجتماع النساء للصلاة في رمضان في المسجد سنة، صف الأقدام لله تربية؛ لأن القيام فيه تعظيم، وكذلك الركوع والسجود، الانحناء يدل على الخضوع، ومعاني العبودية في الصلاة والصيام واضحة جداً وفي سائر العبادات، وعندما يطول القيام تتذكر يا مسلم يوم يقوم الناس لرب العالمين، يقفون على أقدامهم لا جلوس ولا اتكاء ولا اضطجاع، وليس في ذلك الموقف لأحد معلم، ليس له إلا موضع قدميه، والشمس على رؤوس الخلائق والجبار يأتي لينصب كرسيه لفصل القضاء ومعه جنوده، وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَالفجر:22-23، فاجتمع على الناس أسباب للحر؛ الزحام، وتقريب النار، ودنو الشمس، والوقوف في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فيذكرك قيامك هذا الطويل في التراويح، مع أن كثيراً من المساجد تختصر في هذه الأيام نصف صفحة فإن جاوز صفحة، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يختمون في رمضان مرات في القيام غير التلاوة في النهار، والعباد همم، فمنهم من همته أن يختم في ثلاث، ومنهم من همته أن يختم في خمس أو في أسبوع، ومنهم من همته في الشهر، ومنهم من لا يرجع إلى المصحف إلا في رمضان الذي بعده، نسأل الله السلامة والعذر منه .

أيها المسلمون: لما قال: من قام رمضان إيماناًيعني تصديقاً بوعد الله وبثوابه  واحتساباًالبخاري( 1905 يعني طلباً للأجر، وهذه الصلاة التي فيها اجتماع وتعاون، وربما كان في بعض المساجد الكبار أكثر من إمام يتعاونون، فيكون حكم الأئمة المتعاونين كحكم الإمام الواحد بالنسبة لحديث: من صلى مع الإمام حتى ينصرف يعني يسلم  كتب له قيام ليلةسنن النسائي(1605)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (4/249).

كأنك قمتها من أولها إلى آخرها، وأنت لم تقم في الحقيقة منها إلا نحواً من خمس وأربعين دقيقة، ونِعم الرجل والمرأة يصليان بالليل، كان بعض السلف يتحسس فراشه ما ألينك ولكن فراش الجنة ألين منك، ثم يقوم إلى صلاته، فيجتمع للمؤمن في رمضان جهادان لنفسه، جهاد بالنهار في الصيام، وجهاد بالليل في القيام، فمن جمع بين الجهادين، وُفِّي يوم القيامة أجره بغير حساب، وقد ذكر سلفنا قاعدة مهمة لأجل تحصيل القيام على ما يرام، فقالوا: لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بالليل، وأيضاً في رمضان لا تعصه بالليل حتى يسلم لك صيام النهار، فإن من الناس من ينصرف من رمضان، وليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، نسأل الله السلامة والعافية.

عباد الله: العبرة بالنوعية، فهي إحدى عشر ركعة في السنة، ويجوز الزيادة، لكن كان يقرأ مترسلاً، إذا مر بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، والناس من ورائه إذا سكت ليسأل سألوا، فإذا قرأ أنصتوا فلم يتكلموا، هذا إمامهم، وهذه الصلاة مثنى مثنى، لو أراد الإنسان أن يزيد ووجد في نفسه نشاطاً، وقد أوتر مع الإمام، فإنه يصلي مثنى مثنى ما شاء الله أن يصلي، ولا يعيد الوتر، لا وتران في ليلةسنن أبي داود(1441)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (1439)

رفيق الصوم

00:25:37

عباد الله: إن المصحف في رمضان شيء عظيم، رفيق للمسلم، يقرأ ويتفكر، فلو كان معك مصحف بهامشه تفسير مختصر، كهذا التفسير الميسر، فإنك تجمع بين القراءة ومعرفة المعنى، ولا شك أن معرفة المعنى تزيد الإيمان. في رمضان يخرج كثير من الناس زكواتهم، ولا يجوز تأخير الزكاة إلى رمضان إذا حلت قبل رمضان، ولا شك أن الأجر في إخراجها في شعبان إذا حلت في شعبان أعظم أجراً من تأخيرها إلى رمضان، ولكن بعض الناس جعل حوله مبتدأً برمضان ومنتهياً به، فهو يخرج الزكاة فيه، هذا الإخراج للمال وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاًالفجر:20فيه تطهير لها من الشح، خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْالتوبة:103،  وهذا الإخراج للشح من النفس فيه خير عظيم، ومن يوق الشح فقد وقي شراً عظيماً، فقد نجا يوم القيامة؛ لأن الشح منع الحقوق، سواء كانت حقوق مادية أو معنوية، يجب الوفاء بالحقوق، لكن هذه الزكاة ترى فيها يا مسلم العجب، سواءً في الأصناف التي تؤخذ منها، فهي لا تؤخذ من مستعملاتك في الجملة، يعني لا من أثاثك ولا من مراكبك وسياراتك، لا من بيت سكناك، ولا مما أعددته لاستخدامك، لا تؤخذ منها، أشياء زائدة عن حاجتك فيها صدقة لإخوانك، ورعاية لهؤلاء المساكين، ولا يخلو مجتمع منهم، إذاً هو طهّرك وزكّاك بها ورحم إخوانك بها، وجعلها في هذه الأصناف المعينة، وكان فيها إخراج لحقه ومراعاة لحق عباده، وفيها دقة، فهذه العقارات إذا كانت للاستعمال الشخصي لا زكاة فيها، للاستثمار والتأجير فلا زكاة إلا في ريعها لا في أصلها، وإذا كانت للبيع فالزكاة في أصلها ورقبتها، وهكذا ترى العدل في الإخراج، فيقول لك أهل العلم: إذا كان عندك زرع، فإذا كانت السماء تسقيه العشر، وإذا كنت تسقيه أنت نصف العشر، وإذا كان بين بين أخرجت النصف بينهما.

عباد الله: هكذا نجد العدل في الشرع، ونجد الدقة في التصريف، فإن الأصناف الثمانية إذا روعيت كما أمر الله لن تخرج الزكاة لغير مستحق حقيقي لها، ولو أُخرجت زكاة المسلمين حقيقةً لما بقي فقير، وبعض الدراسات تقول: إنه لا يخرج من أموال الناس في المصارف إلا العشر، وبعضها تقول: خمسة في المائة فقط فويل لهم مما كسبت أيديهم وويل لهم مما يمسكون.

معوقات في الصيام

00:29:29

عباد الله: كما يوجد قطاع طرق في طرق السفر يخرجون على الناس يخيفونهم، ويسلبونهم ما لديهم من الأموال، وربما ردوهم إلى الخلف، فلم يعبروا حتى أن بعض الحجاج كانوا يعودون؛ لأن السبل لم تكن آمنة، فيخرج قطاع الطرق، فيبقون في الطريق، فيرجع الحجاج إلى بلادهم بلا حج، كذلك في رمضان يوجد لصوص وقطاع طرق، يقطعون على الناس أثر العبادة، يسلبونهم حلاوة الإيمان، ويضلونهم بما يعرضونه، ولذلك أراد بعضهم أن يقول في رمضان: مقاطعة المسلسلات؛ لأنه ثبت أنها تؤثر في الدين والعقيدة والأخلاق والفضيلة، وأقل ما فيها أنها تلهي عن ذكر الله وعن الصلاة، وربما تأخر بعضهم عن صلاة العشاء والتراويح في المسجد من أجل مسلسل، وهذا باب إذا فتحته تلجه؛ لأنه يجذبك لما بعد بحلقاته، فإذا قطعته من أوله تفرغت واسترحت، والعجب العجاب أن بعض الناس لا يجدون وقتاً للجلوس مع أهاليهم إلا بعد الإفطار إلى العشاء والتراويح، ثم ينَفقوا بماذا؟ تسمّر هؤلاء على الشاشة، فهلّا نظر بعضهم إلى بعضهم، بدلاً من أن ينظروا إلى هذه الشاشات، لو كان شيئاً مفيداً فلينظر ويتعلم، فربما يكون في بعضها علم نافع، أو تذكير، ولكن المسلم لا ينسى أهله والجلوس معهم في هذه الأوقات العظيمة.

نسأل الله أن يجعل شغلنا في طاعته، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن لا يجعلنا من الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً، اللهم إنا نسألك أن تغفر ذنوبنا، وتكفر عنا سيئاتنا، وأن ترحمنا برحمتك، اللهم اشملنا بمغفرتك، يا غافر الذنب اغفر ذنوبنا، ويا قابل التوب اقبل توبتنا، ويا رحمن ارحمنا، ويا رزاق ارزقنا، ويا جبار اجبر كسرنا، يا أرحم الراحمين إنا عبيدك وإماؤك محتاجون إلى رحمتك، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، ربنا إن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، أخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، وأعتق رقابنا من النار في هذا المشهد يا أرحم الراحمين، ولا تفرق هذا الجمع الكريم إلا بذنب مغفور يا كريم، وعمل مبرور وسعي مشكور يا شكور، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه رحمة تلم بها شعثنا، وتقضي بها ديننا، وتشفي بها مريضنا، وترحم بها ميتنا، وتهدي بها ضالنا، وترد بها غائبنا يا أرحم الراحمين يا رب العالمين، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، ضاعف لنا الأجور يا كريم يا ودود يا ذا العرش المجيد، اللهم اجعلنا ممن شملتهم برحمتك، وأحسنت خاتمتهم، ورزقتهم الفردوس الأعلى، ونجيتهم من عذاب السعير، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - المستدرك - (1532)، وصححه الباني في مشكاة المصابيح ( 1960 )
2 - البخاري(5583 )، ومسلم(164)
3 - مسلم (33) 
4 - سنن أبى داود( 4086)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3 / 37)
5 - مسلم(52)
6 - البخاري(1810) ومسلم( 18)
7 - البخاري( 5663)
8 - البخاري( 1905 
9 - سنن النسائي(1605)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (4/249)
10 - سنن أبي داود(1441)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (1439)