الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
الحكمة من وجود المصائب
الحمد لله العلي العظيم، الحمد لله العليم الحكيم، الحكمة من صفاته، وهي وضع الأمور في مواضعها، فكل ما خلقه، وكل ما شرعه فهو لحكمة يعلمها ، حتى خلق هذا الخلق: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَسورة المؤمنون115 كل ما في السموات والأرض وما يحدث فيهما، وما بينهما إنما يكون بأمر الله وحكمته وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَسورة الدخان38فحكمته تعالى ثابتة في تقديره، وفي أحكامه، وهذا الامتحان للمؤمن في الدنيا، والابتلاء من أقدار الله، وما يكون من خوف ولا مرض ولا مصيبة في النفس ولا في المال ولا في الولد إلا وفيها لله حكمة، يحذر فيها المؤمنين من الركون إلى الدنيا، ويعيدهم بالمصائب إلى طريق التوبة، والإقبال على الله، يبين لهم ضعفهم ليثقوا به، يبين لهم عوراتهم وعجزهم ليتوكلوا عليه، ليتعبدوا له بالدعاء؛ ليتضرعوا إليه إذا نزلت بهم مصيبة، أو حلت بهم شدة.
وأما الكافر فإن ما يصيبه دعوة لرجوعه إلى ربه مؤمناً، وكم من أناس كانوا كافرين فابتلاهم الله، فعادوا إليه، ووجدوا حس الإيمان، وطعم السلام في هذا الإسلام: وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَسورة الأنعام42 إن الله تعالى ينبه عباده إذا أصابهم بالمصائب كي ينتبهوا إليه، ويتوبوا: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍسورة الشورى30.
ولم تزل أعمال بني آدم تحدث لهم من الفساد ما يجلب عليهم من الآلام، والأمراض، والأسقام، والطواعين، والقحوط، والجدوب، وسلب بركات الأرض وثمارها ونباتها، وسلب منافعها أو نقصانها، يحدث من ذلك أمور متتابعة يتلو بعضها بعضاً، فإذا لم يتسع علمك لهذا فاكتفِ بقول الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَسورة الروم41 ونزِّلْ هذه الآية على أحوال العالم، وطابق بينها وبين الواقع فترى أن كل ما يحدث من الآفات والعلل يلازم ظلماً وفجوراً يحدث فيهم، فيحدث لهم ربهم من العلل في أغذيتهم، وفواكههم، ومياههم، وأبدانهم، وخلقهم، وصورهم، وأشكالهم، وأخلاقهم من النقص والآفات ما هو موجب ظلمهم، وفجورهم، وعتوهم على شريعة ربهم.
ولما كثرت المعاصي في هذا الزمان، وعم الكفر الأرض، وطبق العصيان إلا من رحم الله من بقايا من أهل التوحيد والإيمان والطاعة والإنابة للرحمن، فإنك ترى أن العباد كلما أكثروا من المعاصي كثر فيهم من الآفات الجديدة والطواعين التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، وإذا رأيت كثرة الأعاصير المهلكة والفيضانات المغرقة، والزلازل المدمرة، والبراكين المحرقة، والأمراض الفتاكة، والطواعين العامة، والحروب الطاحنة فإنك ترى آثارها في النفوس والأرض، في الزروع والثمار، في غلاء الأسعار، وغير ذلك من أنواع المصائب والبلايا لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَسورة الروم41 ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، ولجوا في طغيانهم يعمهون، إن لله آيات وعبر ومواعظ ونذر لا يعقلها إلا العالمون، وما يعيها إلا المؤمنون.
ونلاحظ في هذا الزمان كثرة انتشار الأوبئة، هذه الأمراض التي تقض المضاجع، والتي فيها كوارث عالمية، لا تعرف حدوداً، ولا تفتيشاً، إنها تنتقل طيراناً، إنها تنتقل من مكان إلى مكان، ومنها الفيروسات التي أصابت الطيور.
حال المؤمن والكافر حيال المصائب
عباد الله: إن الغافل والعاصي والكافر لا يفكر أبداً في خلفيات مثل هذه الأحداث، بل يراها فقط بعين الطبيعة والدنيا، وما هذا المسبب إلا هذا الفيروس، لكن أن يرجع الأمر إلى ما كسبت يداه، كما ذكر الله: فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْسورة الشورى30 لا يفكر في هذا، وغير مستعد أن ينتقل بذهنه وقلبه إلى هذا الربط، بل إنه يرى أنه لم يفعل شيئاً، وأنه غير مقصر، وأن أموره طبيعية؛ فلماذا يعاقب؟ ولماذا يفسر القضية على أنها عقوبة؟ هذه ظاهرة طبيعية، والأمراض موجودة في كل وقت وحين، والطواعين كانت من زمان.. وهكذا تخدر النفوس، وهكذا يقنع إبليس كثيراً من الناس بأنه لا شيء يستحق التغيير؛ فلماذا أنتم فزعون؟ هذه من جملة الأشياء العادية التي تحدث بين كل وقت وحين.
أما المؤمن يرجع إلى الله، عنده الدستور، يعود للقرآن، فيقرأ فيه: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَسورة السجدة21كلما يصيب البشر من الأوبئة تنبيهات وتحذيرات من رب العباد.
عباد الله: وفي المصائب لطف من الله، فأنت ترى فيما يحدث مهما اشتد، لله لطف بالعباد، وكذلك فإن العباد يحدثون بأنفسهم أنواعاً من الآفات من جراء الأطماع، فربما تُسرب بعض الشركات التي تعد الأمصال أنواعاً من الفيروسات التي طورتها في مختبراتها، وأنفقت عليها لتمتص ما في جيوب الناس، وليسارعوا إلى شراء الأمصال والأدوية، وهذه خطة معروفة من اليهود وأتباعهم الذين لا يرون إلا الدرهم والدينار، ولو كان الدمار على البشرية فإنهم لا يعترفون إلا بأرصدتهم.
عباد الله: وسواء أكان ما حدث أمراً طبيعياً أو عادياً عند البعض، أو كان نتيجة مؤامرة ونحو ذلك، فإن المحصلة في النهاية هي مصيبة، والله أخبرنا: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَسورة البقرة155-156وسواء دبّر هذه المصيبة -بتقدير الله- أناس من البشر عبثت أيديهم في سلالات من هذه الجرثومات، أو كان شيئاً أصاب الله به بعض ما يملك العباد مباشرة دون أن تدخل فيه أيد من البشر فالكل من تقدير الله ، ولكن ينبغي على العباد أن يعلموا بأن ما أصابهم يكون على نوعين، ما يصيب أهل الإيمان فهو ابتلاء يزيد الله به حسناتهم، ويرفع به درجاتهم، وما يصيب أهل الفسق والعصيان فإنما هو عقوبة لعلهم يرجعون إلى الله .
موقف المسلم إذا أصابه البلاء
عباد الله: وإن من العقوبات ما يكون فيه فزع للناس، فما هو موقف المسلم إذا أصابه مثل هذا؟ هل يصح أن تدخل الأوهام، وأن يدخل الفزع المضاعف، وأن يدخل عشوائية في تصرفات البشر نتيجة هذا؟ كلا، فإن المؤمن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، إن المؤمن يتعامل مع هذه المصائب بالتوبة، والتضرع إلى الله، وكذلك يتعامل معها بالحد من نشر ما يفزع إخوانه؛ لأن ترويع المسلم للمسلم حرام: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِسورة النساء83.
وكذلك يتعامل المسلم مع ما يصيب الصحة من الآفات بما جاء في الكتاب والسنة من الأخذ بالأسباب؛ لأن الأخذ بالأسباب هو من صميم التوكل على الله تعالى، فهو يراقب، ويرصد، ويتخلص، وكذلك فإنه يحسن طبخ اللحوم التي يخشى أن يكون فيها ما يضر ونحو ذلك، ولعل من لطف الله أن كان في هذا الفيروس المنتشر أخيراً أنه لا يعيش بعد خمس دقائق في درجة حرارة ستين مئوية، ولا يعيش دقيقة في درجة حرارة مائة، فإذا علم العبد من أنواع العلوم الصحية ما يمكنه من الوقاية اتخذ ذلك، وأيضاً فإنه لا بد من الموازنة بين التوعية، وعدم إفزاع الناس، لا بد من الموازنة بين اتخاذ الاحتياطات دون الإضرار بممتلكات الناس، لا بد من الموازنة بين القضاء على البؤر، وكذلك عدم الإحداث بالإضرار، مع إحسان القتل في الحيوان؛ لأن النبي ﷺ قال: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة[رواه مسلم1955].
موقف الشريعة من انتقال العدوى
عباد الله: ما موقف الشريعة من انتقال العدوى؟ لأن بعض الأحداث تعيد إلى ذهن المسلم أموراً من العقيدة، وما هو الجمع بين قول النبي ﷺ: لا عدوى ولا طيرة[رواه البخاري5753 ومسلم2220]رواه البخاري ومسلم، وبين قوله: لا يوردن ممرض على مصح[رواه البخاري5771 ومسلم2221]رواه البخاري ومسلم؟ ما هو الجمع بين حديث: لا عدوى ولا طيرة المتفق عليه، وبين حديث: إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها[رواه البخاري5728 ومسلم2219]متفق عليه؟
الجواب: أن المراد بنفي العدوى في حديث: لا عدوى ليس نفي العدوى بالكلية، وليس نفي العدوى من أساسها، وإنما نفي الاعتقاد الجاهلي بأن المرض يعدي بنفسه، وينتقل بنفسه من غير تدبير الله وتقديره، وكان أهل الجاهلية يعتقدون بذلك.
التدابير الشرعية في أمور الصحة
والإسلام قد جاء -بحمد لله- بتدابير عدة في أمور الصحة نفاخر بها أمام الغرب والشرق، ومنها: أن الله تعالى شرع لنا الطهارة وقال: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَسورة البقرة222 فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْسورة التوبة108 وفي الحديث: الطهور شطر الإيمان[رواه مسلم223] فإذا كان يغسل أعضاءه خمس مرات تقريباً يومياً، وهذه الأعضاء الظاهرة والأطراف التي كثيراً ما تصيبها مثل هذه الحوينات الدقيقة التي تسبب الإصابة بالأمراض، فإن غسل اليدين وكذلك الوجه، ومسح الرأس، وغسل القدمين، تجد في هذا من أنواع النظافة والتطهير بالماء الذي خلقه الله أمراً عجباً، وتسعد يا مسلم بأن هذا لا يفعله يهودي، ولا نصراني، ولا بوذي، ولا سيخي، ولا هندوسي، ولا شيوعي، وإنما تفعله أنت فقط في الأرض، فمن الذي يتوضأ مثل هذا الوضوء خمس مرات في اليوم تقريباً إلا أهل الإسلام؟ ومن الذي ينظف أطرافه يومياً وهذه الأعضاء المكشوفة إلا أنت يا مسلم؟
من الذي يعرف الاستنجاء وإزالة النجاسات؟ وهذا إجراء آخر من الإجراءات الصحية، فإن عدداً من الأمراض ينتقل عبر هذه الملوثات والنجاسات؛ ولذلك أمرنا بغسل النجاسة، وأمرنا بأن نجعل اليسرى لغسل النجاسة، واليمنى للأمور الطيبة.
"كانت يد رسول الله ﷺ اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه، وما كان من أذى"[رواه أبو داود33]رواه أبو داود، وهو حديث صحيح.
ثالثاً: منع قضاء الحاجة في الأماكن التي يرتادها الناس، تلك الأماكن المكشوفة، كما قال ﷺ: اتقوا اللاعنينقالوا: وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم[رواه مسلم269]رواه مسلم، سماهما باللاعنين لأنهما عملان يسببان ويجلبان لعنة الناس.
رابعاً: التوقي من الأمراض التي تنتقل عبر التنفس بأمور، ومن ذلك:
"أن النبي ﷺ نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه"[رواه أبو داود3728]رواه أبو داود، وهو حديث صحيح، وكذلك: "فقد كان النبي ﷺ إذا عطس غطى وجهه بيديه أو بثوبه وغض بها صوته"[رواه الترمذي2745]رواه الترمذي، وهو حديث حسن.
خامساً: الحجر الصحي والعزل والوقاية، كما قال ﷺ: لا يوردن ممرض على مصح[رواه البخاري5771 ومسلم2221] وإذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها[رواه البخاري5728 ومسلم2219] وهكذا يكون حصر وحصار الأمراض.
وسادساً: تحريم أكل الميتة؛ لأن الميتة مما يجلب الضرر، وإنما نأكل ما ذُبح على اسم الله، ففيها من نوع الوقاية الحسية بإنهار الدم الذي يضر أكله إذا حبس في اللحم.
هؤلاء الذين يتكلمون أثناء الخطبة عليهم أن يتقوا الله؛ لأن النبي ﷺ أمر بالإنصات، ولا شك أن مخالفة الإنصات إثم؛ لأن الأمر للوجوب، وينبغي أن نربي أبناءنا على هذا المعنى.
عباد الله: إن أكل الميتة مما نشر في الأرض أمراضاً كثيرة، وعندما حرم الشرع الخنزير فإن ذلك أيضاً لأنه مضر والله لا يحرم على العباد ما ينفعهم بلا ضرر.
وإن من أنواع العجائب في هذا الزمان أن سكان بعض المناطق النصرانية الذين يعيش بينهم بعض المسلمين صاروا يشترون اللحوم من أماكن الذبح الإسلامي؛ لأنهم اقتنعوا بأنها أكثر أماناً، وأنها منتجات طازجة وسليمة، مع أنهم ليسوا على دين الإسلام.
وسابعاً: من وسائل حفظ الصحة النهي عن أكل الجلالة، وهي الحيوانات والطيور التي تتغذى على النجاسات، ومن ضمن ما أحدثه البشر اليوم من الأضرار للطمع والجشع والسعي وراء المكاسب المادية بغض النظر عن الآثار، تغذية الحيوانات والطيور بالبروتين الحيواني المصنع من فضلات وأشلاء الحيوانات الميتة وعظامها، وخلط ذلك بأنواع أيضاً من الدم ولحوم الخنزير الرخيصة، فصار هذا البروتين الحيواني ينفخ ما يأكله من الدواب والطيور، وصارت الأمراض حقيقة في هذا؛ لأن المهم عند أهل الدنيا زيادة الوزن، وزيادة الكسب بغض النظر عما يضر، وهم تدريجياً يكتشفون أن ما قدمته أيديهم من التلاعب بالوراثات والأطعمة المهدرجة ضار، فليس كل ما يفعله البشر مفيد صحياً، بل إن بعض تلاعباتهم في خلقة الله له أضرار محضة، وهكذا إذا كانت التقنية والتقدم العلمي غير منضبط بالشريعة فإنه يضر، وقد نهى رسول الله ﷺ عن أكل الجلالة وألبانها، والجلالة ما أكل النجاسات، فتحبس حتى تعلف علفاً طاهراً؛ فإذا طاب لحمها جاز ذبحها وأكلها.
عباد الله: هذا الدين العظيم الذي جاء بهذه الإجراءات الكثيرة لحفظ الصحة، ومنها: المضمضة والاستنشاق، ومنها: غسل الأصابع والبراجم والأشاجع، وهي مفاصل الأصابع وما بينها، وقال: إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك[رواه الترمذي39] وحلق شعر العانة، ونتف شعر الإبط، وتقليم الأظافر، وقص الشارب واضح فيه تمام الوضوح حرص هذا الدين العظيم على حسن سمت الإنسان وشكله، وكذلك على نظافته وتطهيره من الآفات.
نسأل الله تعالى أن ينعم علينا بالإيمان، وطاعة الرحمن، وأن يعافينا في ديننا وأبداننا وأموالنا وأولادنا، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم يلقونه، اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله الأبرار، وأصحابه الأطهار، وخلفائه الميامين، ما توالى الليل والنهار.
أهمية الإيمان بالقدر
عباد الله: إن المسلم ليعلم بأن قدر الله نافذ، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وقد كان بعض أهل الجاهلية إذا خرج بعض أقاربهم وإخوانهم في الدين أو النسب في سفر تجارة، أو غزو فمات، أو قتل قالوا: لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْسورة آل عمران156 وهذا الكلام الجاهلي المبني على (لو) واستعمالها الفاسد، إنما هو حسرة يعذب بها الله تلك النفوس؛ ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم، ولما حدثت مصيبة أحد، قال المنافقون: لو جلس هؤلاء الذين قتلوا في أحد، لو جلسوا في بيوتهم، وما خرجوا من المدينة ما ماتوا وما قتلوا، ولكن كذبوا والله، فإن الله إذا أراد موتهم سيبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، وهي أماكن القتل فالمضجع مكان الموت، فيجعل الله سبباً وأسباباً ليخرج هؤلاء إلى الأماكن التي قدر أن يموتوا فيها ليموتوا فيها، فلا يغني حذر من قدر.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِسورة البقرة243 خرجوا من ديارهم فراراً من الموت أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْسورة البقرة243 ماتوا جميعاً ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَسورة البقرة243 قال غير واحد من السلف: هؤلاء القوم كانوا أهل بلدة في زمان بني إسرائيل، فأصابهم وباء شديد فخرجوا فراراً من الموت، فنزلوا وادياً فأهلكهم الله جميعاً، ثم سأل نبي من أنبيائهم ربه أن يحييهم فأحياهم.
عباد الله: حفل تاريخنا بأئمة يوضحون الدين، ويبينون قواعد الإسلام.
خرج عمر إلى الشام حتى إذا كان بسرغا -اسم مكان- لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الطاعون قد وقع بأرض الشام، فاستشار عمر أصحابه، ثم استقر رأيه على الرجوع وعدم الدخول حفاظاً على سلامة من معه، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: أفراراً من قدر؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً فقال: إن عندي من هذا علماً، سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منهفحمد الله عمر، ثم انصرف، رواه البخاري ومسلم.[رواه البخاري5728 ومسلم2219] .
إذاً: نعتقد أنه لا يغني حذر من قدر، وأن كل الإجراءات الاحتياطية إذا اتخذت فإن الله إذا أراد شيئاً سيكون، ولكن هل هذا يمنع من اتخاذ الإجراءات الاحتياطية؟
الجواب: كلا، هل هذا يمنع من فعل ما هو في مصلحة الناس؟
الجواب: كلا، بل يُفعل ما فيه المصلحة مع اعتقاد أن الله إذا أراد أن يحدث شيء بالرغم من كل الاحتياطات سيحدث، ونتوكل على الله، ونلجأ إليه، ونتضرع إليه، وندعوه، ونجمع بين السبب الشرعي والقدري، نجمع بين اتخاذ الأسباب الدينية والدنيوية، كما يذاكر الطالب قبل الامتحان ويدعو ربه أن ينجح، وهذا هو اليقين والتوكل الحقيقي، وهذا هو الصواب، وهذا هو العقل الصحيح.
ربط الأحداث بالشرع
عباد الله: نحن المسلمون ينبغي علينا أن نربط الأحداث دائماً بالشرع، لا يخرج عن الكتاب والسنة شيء، أما الذين يقولون: ما للصحة والدين؟ ما للاقتصاد والدين؟ ما للاجتماع والدين؟ ما للأمور النفسية والدين؟ الدين يدخل في كل شيء، الدين هو صميم حياتنا.
أيها المسلمون: نحن نعلم أن ما أصابنا من مصيبة فبما كسبت أيدينا، لكن المصيبة لها أسباب، لها فيروسات، لها أشياء تؤدي إليها وتوقعها، ولكن السبب الذي من وراء ذلك الذي لا يراه كثير من أهل الأرض هو ما عملته أيديهم من عصيان الله تعالى: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا[رواه ابن ماجه4019] سواء أدركوا الربط هذا أو ما أدركوا، لكن هذا هو الدليل الشرعي على أن لهذا علاقة.
عباد الله: هجران الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيعم به بلاء "أنهلك وفينا الصالحون؟" قال: نعم، إذا كثر الخبث [رواه البخاري3346 ومسلم2880].
أيها المسلمون: لا بد أن يكون لنا من الله واعظ، ولا بد أن نرجع إلى الله في كل مصيبة تحدث، ولا بد أن يتحمل كل إنسان مسئوليته، سواء كان يعمل في نفسه، أو ماله، أو أهله، أو مصالح المسلمين، ينبغي أن يقوم بما عليه من المسئوليات، ولنحذر من إخافة الناس كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع [رواه مسلم5] وفي رواية: كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع [رواه مسلم996] فلا تنقل أي إشاعة، لا يستعجل في نقل الأخبار قبل التأكد منها والتثبت، وكذلك فإن الإنسان قد يعلم أشياء ويكتمها لأجل المصلحة؛ لئلا يثير الذعر بين الناس، والآن يطير الناس بأخبار بعضها صحيح، وبعضها باطل، وبعضها مضخم مبالغ فيه، له أصل لكن جرى عليه تهويل، وبعضها صحيح في حجمه، لكن ليس من المصلحة نشره ولا نقله، ومع هذا التطور الإعلامي الهائل لم تعد أصول الرواية وضبط الأخبار على حسب الشريعة معمولاً بها، فإن أدنى خبر يفاجأ به الناس، وقد ينتج عن هذه التهويلات خسائر عظيمة لمسلمين يمتهنون مهناً، أو يتاجرون في أنواع من البضائع والسلع.
وأيضاً يجب الحذر من الجشع والطمع الذي يؤدي إلى رفع الأسعار، فيمكن الآن في غمرة انتشار أنفلونزا الطيور أن يرفع تجار اللحوم الحمراء أسعارهم، هل يجوز استغلال حاجة المسلمين مع ما هم فيه من ضيق وغلاء أسعار لتزيد الأسعار زيادة، ونحن على مقربة من عيد الأضحى الذي تذبح فيه الأضاحي قرباناً إلى الله؟ نحن اليوم أمام حالة شجع وطمع وكثيراً من هؤلاء لا يعرف إلا جيبه ورصيده، أما ضيق الناس وحسرة الناس، وأما غم الناس، وكرب الناس، وأما جوع الناس، وهم صاحب الأسرة بأولاده، والمصروف والنفقة فلا يهمهم في شيء، انتهاز، هي عملية انتهازية، إذا كانت عملة قد ارتفعت أو نقصت، فالآن مرض، فما هو أثر المرض على رفع الأسعار؟ هي عملية انتهازية، فإذا كان الله وضع العلاقة بيننا بأن قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌسورة الحجرات10فهل من الأخوة أن تنتهز مثل هذه المصائب على بعض المسلمين لترفع أسعار على المسلمين؟ إنه عجب، إنه عجب عجاب؛ ولذلك نحن إذا بحثنا عن سبب انهزامنا أمام الأعداء أول شيء يأتي ما عملته أيدينا.
النبي ﷺ أنفق في مكة ثلاثة عشر عاماً يغرس ضمن ما يغرس في نفوس أصحابه الأخوة، التوحيد والأخوة، انتقل بالمهاجرين إلى المدينة، واستمرت عملية بناء الأخوة في النفوس بين المهاجرين والأنصار، الأخوة، صار هنالك إخاء وإيواء، أخوة، وهكذا حمل المسلمون هذا الدين بروح الأخوة لكن أين الأخوة الآن؟ أين الأخوة وتنتهز الأحداث والمصائب لإحداث مصائب جديدة؟ تنتهز مصائب لإحداث مصائب جديدة؛ ولذلك إذا لم يحدث تحقيق الشرع في نفوسنا فلن نتقدم.
اللهم إنا نسألك أن تحفظنا بحفظك، فأنت خير حافظاً، وأنت أرحم الراحمين، نعوذ بكلماتك التامات من شر ما خلقت، توكلنا عليك وأنبنا عليك فاغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، اللهم عافنا في ديننا ودنيانا، وأهلينا وأموالنا، اللهم إنا نسألك عيش السعداء، وموت الشهداء، يا سميع الدعاء، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم إنا نسألك أن تحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من الآفات، اللهم طهر بلادنا وبلاد المسلمين من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ومن الشرور، والوباء، والغلاء، يا سميع الدعاء، اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا، ومن أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، آمنا في الأوطان والدور، ووفق الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.