الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
ملخص الدرس الماضي
تقدم في الدرس الماضي الكلام عن أحكام المسح على الخفين، وذكرنا: أن المسح على الخفين سنة نبوية في الحضر والسفر، فليس المسح على الخفين خاصًا بالسفر، بل هو رخصة حتى في الحضر، لكن المدة تختلف.
ومن العلماء من ذكر: أن القرآن قد أشار إلى المسح على الخفين في قراءة الجر في قوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6]، ولهذا نجد علماء أهل السنة يذكرون هذه المسألة ضمن كتب العقائد بسبب مخالفة أهل البدع في هذه المسألة، بحيث صار المسح على الخفين شعارًا يتميز به أهل السنة عن غيرهم؛ لأن هذه القضية تحديدًا من مسائل الفقه.
بالإضافة إلى بعض مسائل غيرها، لكن هذه من المسائل المشهورة التي صار لأهل السنة مخالفون من أهل البدع أنكروا المسح على الخفين تمامًا.
ذكرنا: أن الخف ما يلبس في الرجل من جلد رقيق، والجورب ما كان على شكل الخف من كتان أو قطن، أو غير ذلك.
فإذن، ما هو الفرق بين الخف والجورب؟
مادة الصنعة، هذا من جلد، وهذا من قماش، فالجورب لا يكون من جلد.
وكذلك تقدم أنه لم يصح عن النبيﷺ- شيء في المسح على الجوربين، لكن ثبت عنه المسح على الخفين في نحو من ثمانين صحابي رووا مسألة المسح على الخفين عن النبي ﷺ.
المسح على الجوربين من أين أتت؟ ما هو دليلها؟
الجواب:
أولاً : ورد ذلك عن الصحابة، وقد روي المسح على الجوربين عن ثلاثة عشر من صحابة رسول الله ﷺ ولم يظهر لهم مخالف في عصرهم.
ثانيًا : من جهة القياس، لا فرق بين الخف والجورب من حيث النظر، فهذا ملبوس على القدم، وهذا ملبوس على القدم، ولم تكن مادة الصنعة لتجعل هذا حلالًا، وهذا حرامًا، أو هذا ممنوعًا، وهذا مشروعًا.
فإذن، مادة الصنعة غير مؤثرة، وبالتالي فإن القياس يؤيد المسح على الجوربين من حيث النظر.
قلنا: إن عامة العلماء اشترطوا في الجوربين أن يكونا سميكين، فالرقيق يعني الذي يظهر لون الجلد من ورائه، الشفاف لا يصح المسح عليه عند أكثر العلماء، لكن بعض العلماء قالوا: إذا كان اسمه جورب ومستمسك على القدم فإنه يصح المسح عليه، وقلنا: لو أن إنسانًا لبس كيس نايلون في رجله ومسح عليه فهل يصح المسح؟
لا؛ لأن كيس النايلون لا يسمى جوربًا حتى عرفًا.
فإذن، يشترط في المسح على الجورب أن يكون جوربًا عرفًا، وأكثر العلماء يشترطون أن يكون سميكًا كثيفًا، لا يشف عما تحته من الجلد، فهذا هو الأحوط، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، والمباركفوري من المتأخرين، بالإضافة إلى عامة علماء المذاهب الأربعة من المتقدمين، والإمام أحمد قال: إنما مسح القوم على الجوربين أنه كان عندهم بمنزلة الخف.
تحدثنا عما يلبس في الرجل من غير الخفين والجوربين، وقلنا إنه على نوعين:
النوع الأول: أن يكون ساترًا لجميع القدم مع الكعبين مثل بعض أنواع الأحذية والجزم تجد أنها طويلة تغطي الكعبين وبعضها إلى منتصف الساق، وبعضها إلى حدود الركبة مثل أحذية الصيادين والعسكريين طويلة الرقبة، فهذه ما حكم المسح عليها؟
يصح المسح عليها بالشروط؛ لأنها غطت القدم، وقلنا: مادة الصنعة ليست مؤثرة ما دام أنها تغطي القدم.
النوع الثاني: أن لا تكون ساترة لكامل القدمين مع الكعبين مثل النعال التي نلبسها الآن، في الغالب النعال التي بأصبع والمفتوحة من الأمام، والصنادل التي لها خيط من الخلف يمسك في الرجل هذه ما تغطي كل القدم، تجد بعض الأصابع مكشوفة، تجد شيئاً من سطح القدم مكشوفًا، فهذه لا يصح المسح عليها، لماذا؟ لأنها لا تغطي ولا تستر محل الفرض، لا تستر كل القدم.
تكلمنا عن مسألة لبس الجورب تحت الحذاء، الآن يوجد أحذية لا تغطي القدم كاملة لكن يلبس تحتها جوارب، فالحذاء مع الجورب يغطي فما حكم المسح عليها في هذه الحالة؟
قلنا: تعامل معاملة واحدة، فيمسح على الحذاء والجورب، يمسح على الحذاء والجورب، ويكون الحكم لهما معًا، بحيث لو مسح عليهما وصلى ثم خلع الحذاء ما يستطيع يمسح على الجورب في الصلاة التي بعدها إذا انتقض وضوؤه؛ لأنه بدأ بالمسح عليهما معًا، فمن مسح على جورب أو على خف ثم خلع لا يستطيع أن يمسح بعد ذلك.
هذا بالنسبة لملخص الدرس الماضي.
حكم المسح على الخفين
قال المصنف -رحمه الله-: "فإن كان عليه خفان ونحوهما مسح عليهما إن شاء"
معنى كلمة: "إن شاء" ماذا يريد المصنف أن يبين بكلمة "إن شاء"؟ ماذا تفيد كلمة "إن شاء"؟
أن المسح على الخفين ليس بواجب.
لو واحد لابس خفين جاء وقت الصلاة وهو لبسهما على طهارة هل يجب عليه أن يمسح عليهما؟
ما يجب.
لو أراد أن يزيلهما أو يغسل رجليه يفعل.
إذا كان لبسهما على طهارة وفي وقت المسح يجوز أن يمسح عليهما؟
نعم.
إذن، المسح ليس إجباريًا في المدة، يعني لو واحد قال: أنا ما أريد أمسح ولا مرة، نقول: لا مانع، لو قال: أنا أريد أمسح ربع اليوم، أريد أمسح صلاة صلاتين هل لازم أكمل الأربعة وعشرين ساعة كلها؟
لا.
فإذن، لا يشترط إكمال المدة، لكن ما يجوز تجاوز المدة.
إذن، المسح على الخفين والجوربين رخصة متى شاء فعلها بالشروط الشرعية، ومتى شاء وخلعهما وغسل رجليه عند الوضوء فله ذلك.
أيهما أفضل غسل الرجلين أو المسح على الخفين؟
العلماء ناقشوا مسألة: هل الأفضل غسل الرجلين أو المسح على الخفين؟
لو واحد توضأ وغسل رجليه ولبس الجوربين أو لبس الخفين جاء وقت صلاة الظهر هل الأفضل يخلع الجوربين ويتوضأ وضوءًا كاملًا بغسل القدمين، أم الأفضل يأخذ بالرخصة ويمسح ما دام لبس على طهارة والشروط متوفرة؟ ما هو الأفضل؟
هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، والقضية كلها في الأفضلية، فمن العلماء من قال : الخلع وغسل الرجلين أفضل وهو قول الجمهور، لماذا؟
قالوا : هو الأصل، فإذا رجع إلى الأصل كان أفضل، وهذا الكلام في كتب الحنفية كحاشية ابن عابدين، وحاشية الدسوقي من كتب المالكية، والمجموع من كتب الشافعية، وعلى هذا فمن أراد أن يتوضأ وهو لابس للخف أو للجورب فيقال له: الأفضل أن تخلع الخف والجورب وتغسل رجليك، قال النووي -رحمه الله-: "مسح الخفين وإن كان جائزًا فغسل الرجل أفضل منه بشرط أن لا يترك المسح رغبة عن السنة" يعني لو واحد متأثر بمذهب أهل البدع الذين يقولون: المسح على الخفين حرام باطل، فتأثر واحد بكلامهم، وقال: لا، أنا ما أبغى أمسح.
فنقول: لا، هنا المسح عليها أفضل، تربية للنفس على الأخذ بالحق؛ لأن المسح صحيح، لماذا يرغب عنه؟
لكن لو واحد قال: أنا مؤمن بالمسح، وأعرف أن المسح على الخفين ثابت بالسنة، لكن أنا أريد الأفضل، وعند بعض العلماء أن غسل الرجلين أفضل فسأخلع وأغسل، فنقول: لا حرج.
ما هو القول الثاني؟
أن المسح أفضل، وهذا في مذهب الحنابلة فقط من المذاهب الأربعة، قالوا: إذا كان لابسًا فالأفضل أن يمسح ما دام لبس على طهارة والمدة باقية، لماذا؟
قالوا: أولًا: هو أيسر، أليس أيسر من الخلع؟ والنبي ﷺ ما خير بين أمرين إلا كان يختار أيسرهما، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "ما خير رسول الله ﷺ بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه" [رواه البخاري: 3560، ومسلم: 2327].
ثانيًا: أنه رخصة، وقد قال النبي ﷺ: إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته [رواه أحمد: 5866، وهو حديث صحيح].
ثالثًا: هذا فيه مخالفة لأهل البدع الذين لا يرون المسح على الخفين وينكرونه كالخوارج والروافض، قال ابن المنذر:
"والذي أختاره أن المسح أفضل لأجل من طعن فيه" يعني في المسح من أهل البدع من الخوارج والروافض، وإحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه.
هل هناك قول آخر؟
نعم، من العلماء من اختار قولًا وسطًا بين القولين وهو: أن الأفضل بحسب حال الإنسان، بحسب حال كل إنسان فلا يتكلف ضد حاله، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم-رحمهما الله- ، فإن كان لابسًا للخف فالأفضل له أن يمسح عليه ولا ينزعهما اقتداء بالنبي ﷺ وإن كانت قدماه مكشوفتان وجاء يتوضأ ما هو الأفضل بالنسبة له؟
طبعًا أن يغسل ولا يتحرى اللبس ليمسح، علمًا أن اللبس يشترط له أن يلبسهما على طهارة، لكن لو كان على طهارة وأراد يجدد على طهارة غسل، دخل وقت صلاة جديدة، فهل يقول: أنا الآن ألبس الجوربين وأمسح؟ نقول: لا داعي، هذا فيه تكلف، ما دامت الرجلان مكشوفتين فاغسل رجليك.
فإذن، هذا القول الثالث الذي هو أنه بحسب حال الإنسان، فإن كان لابسًا لهما لم يتكلف نزعهما، وإن كان ليس بلابس لهما لا يتكلف لبسهما، استدلوا لذلك بحديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- لما أراد أن ينزع خفي النبي ﷺ معاونة على الوضوء وعلى الطهارة ليغسل قدميه عند الوضوء، فقال له ﷺ: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما [رواه البخاري: 206، ومسلم: 274] فهذا يدل على أن المسح أفضل لمن كان لابسًا لهما على الشروط والمدة، قال ابن القيم -رحمه الله-: "ولم يكن -يعني ﷺ يتكلف ضد حاله التي عليها قدمه، بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما وإن كانتا مكشوفتين غسل القدمين، ولم يلبس الخف ليمسح عليه، لكن يلبس الخف للحاجة، مثلًا برد ويريد التدفئة، يمشي فيهما.
فإذن، يقول : "ولم يلبس الخف ليمسح عليه، وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل قاله شيخنا -والله أعلم-"[زاد المعاد: 1/ 192].
ومن المعاصرين سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عن حكم خلع الجوربين عند كل وضوء احتياطًا للطهارة؟
فأجاب: هذا خلاف السنة، وفيه تشبه بالروافض الذين لا يجيزون المسح على الخفين، والنبي ﷺ قال للمغيرة حينما أراد نزع خفيه: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما" متفق عليه[سبق تخريجه].
مدة المسح على الخفين
أراد المصنف -رحمه الله- بعد ذلك أن يبين مدة المسح، فقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: "يومًا وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر" فمن لبس خفيه ومسح عليهما وظل لابسًا للخف ولم يخلعه فإلى متى يمسح؟
الذي عليه جمهور العلماء أن المسح على الخفين ليس رخصة دائمًا، وإنما هو رخصة مؤقتة فيحق له أن يبقى لابسًا للخف ويمسح عليه يومًا وليلة، إن كان مقيمًا أربعة وعشرين ساعة، وثلاثة أيام بلياليها إن كان مسافرًا اثنين وسبعين ساعة، ويدل على ذلك ما رواه مسلم -رحمه الله- عن شريح بن هانئ قال: "أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت: عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله ﷺ فسألناه، فقال علي : جعل رسول الله ﷺ ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويومًا وليلة للمقيم" [رواه مسلم: 276] هذا دليل في المدة، قال النووي -رحمه الله-: "فيه الحجة البينة والدلالة الواضحة لمذهب الجمهور أن المسح على الخفين مؤقت بثلاثة أيام في السفر وبيوم وليلة في الحضر، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وجماهير العلماء من الصحابة فمن بعدهم" من الذي خالف؟ أي مذهب؟ مذهب مالك، قال مالك في المشهور عنه: "يمسح بلا توقيت" [شرح صحيح مسلم: 3/ 176].
أما حديث أبي بن عمارة أنه قال: يا رسول الله أمسح على الخفين؟ قال: نعم قال: يومًا؟ قال: يومًا قال: ويومين؟ قال: ويومين قال: وثلاثة؟ قال: نعم وما شئت [رواه أبو داود في سننه: 158، لكن ضعفه، وقال النووي: "اتفقوا على أنه ضعيف مضطرب لا يحتج به"].
إذن، ليست مدة المسح مفتوحة محددة كما هو معروف عند الناس.
كيفية حساب المدة
أكثر الناس يعرفون المدة للمقيم والمسافر، لكن كيف يتم حساب المدة؟ يعني ابتداء من متى يبدأ اليوم والليلة للمقيم، وابتداء من متى تبدأ الثلاثة أيام للمسافر؟ ما هي الاحتمالات؟ ابتداء من اللبس، المسح، الحدث، احتمالات، يعني إذا جينا نقدر نفكر في الاحتمالات من الصلاة أول صلاة تجي عليه احتمالات، ماذا قال العلماء؟
العلماء في الحقيقة لهم أقوال متعددة، وإن كان طبعًا بعضها وردت عن واحد أو اثنين، لكن نذكرها فقط؛ لأنها ذكرت عنهم، لا لأنها هي الراجحة، وسنذكر ما هو الراجح -إن شاء الله-؟ هل يبدأ وقت حساب اليوم والليلة من لحظة لبس الخف كما قال الحسن البصري؟ أم يمسح خمس صلوات فقط كما قال إسحاق بن راهويه؟ أو من أول حدث يحدثه بعد اللبس كما هو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة الجمهور؟ يعني من الحدث، أو يبدأ من أول مسح بعد الحدث، كما هي رواية عن أحمد والأوزاعي، واختاره ابن المنذر والنووي؟
ما هو الفرق بين القولين الأخيرين من بعد الحدث وإلا من بعد المسح؟
فيه فرق طبعًا، فمثلًا: من أحدث بعد صلاة الفجر ولم يتوضأ إلا عند صلاة الظهر ومسح على خفيه على قول الجمهور متى تنتهي المدة؟
بعد صلاة الفجر إذا جاء وقت الحدث من اليوم التالي.
وعلى القول الثاني الذي هو من أول مسح بعد الحدث، يستمر الوقت إلى الظهر.
القول الثاني، وهو أول مسح بعد الحدث هو الأقرب، فلو توضأ لصلاة الفجر ولبس الخفين، ثم أحدث مثلًا في منتصف الصباح وما توضأ، ولما جاء وقت صلاة الظهر مثلًا الساعة الثانية عشرة توضأ، فالمدة تبدأ من الساعة الثانية عشر وتستمر يومًا وليلة، أربع وعشرين ساعة، الساعة الثانية عشر ثاني يوم تنتهي المدة، قال النووي -رحمه الله-: "وقال الأوزاعي وأبو ثور ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار" مع أن النووي شافعي لكن يقول: "وهو المختار الراجح دليلًا، واختاره ابن المنذر وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب"[المجموع شرح المهذب: 1/ 487].
بماذا احتج القائلون بابتداء المدة بعد المسح؟ ما هو دليلهم الذي هو لما تبدأ بأول مسح بعد الحدث تعد أربع وعشرين ساعة من أول مسح بعد الحدث؟ أنت توضأت، وغسلت قدميك، ولبست الجوربين، توضأت لصلاة الفجر وغسلت قدميك ولبست الجوربين صليت الفجر، جاء وقت الظهر وقد انتقض الوضوء الساعة الثانية عشر، مسحت، تستطيع أن تمسح حتى متى؟ الساعة الثانية عشر اليوم اللي بعده، أربع وعشرين ساعة من أول مسح بعد الحدث، ما هو دليل هذا القول؟
حديث خزيمة بن ثابت أن رسول الله ﷺ كان يقول: يمسح المسافر على الخفين ثلاث ليال، والمقيم يومًا وليلة [رواه أحمد: 21851 بسند صحيح].
أين وجه الاستدلال؟
يمسح صرح بتعليق المدة بالمسح، فقال: يمسح المسافر....والمقيم .
وروى عبد الرزاق في المصنف بسند صحيح عن أبي عثمان النهدي قال: "حضرت سعدًا وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين، فقال عمر: "يمسح عليهما مثل ساعته من يومه وليلته" وإسناده صحيح على شرط الشيخين [مصنف عبد الرزاق الصنعاني: 1/ 209]، وهو صريح في أن المسح يبتدئ من ساعة إجرائه على الخف إلى مثلها من اليوم والليلة، وهذا ظاهر كل الآثار المروية عن الصحابة في مدة المسح، ظاهرها أن المدة معلقة بالمسح، بأول مسح بعد الحدث تبدأ الأربع وعشرين ساعة للمقيم.
قال أبو داود: وسئل أحمد عن المسح على الخف، فقال: يمسح من الوقت الذي مسحه إلى مثلها من الغد، قلت: إنه يدخل فيه ست صلوات" يعني ممكن يدخل فيه، مثلًا: واحد مسح لصلاة الظهر بعد دخول الوقت، وهب أنه مسح على الإقامة، يعني مثلًا لنفترض أن الأذان الثانية عشر، هو مسح الساعة الثانية عشر وربع مثلًا، هذا أول مسح له بعد الحدث، فصلى الظهر، ثم صلى العصر والمغرب والعشاء والفجر، ثاني يوم توضأ على الأذان، يعني الساعة الثانية عشر هل انتهت الأربع وعشرين ساعة؟
لا، باقي ربع ساعة.
فمسح خلاص، بعدها العصر ما يستطيع يمسح.
طبعًا لكن كم صلاة صلى بهذا المسح؟
ستة؛ لأن ظهر أول يوم الذي مسح فيه الساعة الثانية عشر وربع والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ولما صلى ثاني يوم الظهر مسح الثانية عشر، وما كان الوقت انتهى صلى ست صلوات، فيقول لأحمد: إنه يدخل فيه ست صلوات، قال: لا بأس به، يعني حتى لو دخلت ست صلوات، نحن ما دام رخص لنا بالسنة يوم وليلة مدة المسح، ما قال: امسحوا صلوات يوم وليلة، قال: مدة عن المدة أنها يوم وليلة للمسح يمسح يومًا وليلة، ما قال: يصلي يومًا وليلة.
وبناء عليه لا مانع أن يصلي ست صلوات في الجورب في اللبسة الواحدة.
وممكن يصلي أكثر، هب أن إنسانًا توضأ لصلاة الظهر وغسل رجليه ولبس الجوربين، ما انتقض وضوؤه في صلاة العصر ولا المغرب ولا العشاء، وهذه تحصل نام ثاني يوم في الصباح، في صلاة الفجر النوم ينقض الوضوء لازم يتوضأ فمسح، متى يبدأ المسح؟
من هذا المسح الذي في الفجر.
إذن، هو صلى وعليه الجوارب، الآن ممكن يصلي وعليه الجوارب كذا صلاة عشرة كذا، يعني ممكن يصلي وعليه الجوارب صلوات أكثر من خمس، فهو ما حدد لنا في المسح عدد صلوات يوم وليلة، وإنما قال: إن المدة يوم وليلة من المسح.
قلت: "إنه يدخل فيه ست صلوات، قال: لا بأس به، يمسح من الغد إلى الساعة التي مسح عليها" [مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود، ص: 10].
ومن المشايخ المعاصرين رجحه الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- قال: "لأن الأحاديث: "يمسح المقيم" ويمسح "المسافر"، ولا يمكن أن يصدق عليه أنه ماسح إلا بفعل المسح، وهذا هو الصحيح" [الشرح الممتع على زاد المستقنع: 1/ 226].
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" : " كذلك تبدأ مدة المسح من المسح بعد الحدث".
الآن خلصنا إلى أن الأرجح: أن اليوم والليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر، تبدأ من أول مسح بعد الحدث، بغض النظر عن عدد الصلوات، وقلنا : إذا ما يريد أن يكمل المدة ما هو لازم، يعني لو واحد قال: أنا أريد أمسح نصف المدة؟
نقول: لا مانع.
أصاب عرق رجليه، قال : خلاص لن أكمل، الجورب رائحته كذا، خلاص ثلاث صلوات ما أريد أكمل، لا مانع.
ماذا يفعل من انتهت مدة المسح وهو لا يزال على طهارته؟
السؤال الآن إذا قلنا: المدة يوم وليلة من أول مسح بعد الحدث إذا انتهت المدة ماذا سيحدث؟ ما هو أثر انتهاء المدة؟
الجواب: هذا يتوقف على حاله لما انتهت المدة ما هي حاله؟ فهل لما انتهت مدة المسح هو محدث وإلا طاهر؟ فإذا انتهت مدة المسح وهو محدث فالمسألة واضحة إذا أراد الصلاة فلا بد أن ينزع الممسوح عليه؛ لأن المدة انتهت ويتوضأ وضوءًا فيه غسل الرجلين.
وإذا أراد أن يلبس مرة أخرى يلبس لا مانع ويبدأ مدة جديدة من أول مسح بعد الحدث بعد هذا اللبس الثاني، لكن لو انتهت مدة المسح وهو لا يزال على طهارته.
طبعًا هي طهارة مسح، لكن طهارة معتبرة وصلى فيها، انتهت الأربع وعشرين ساعة وهو لا يزال طاهرًا، فالسؤال الآن: هل انتهاء المدة تؤثر على الطهارة وإلا لا تؤثر؟ يعني هل إذا انتهت المدة فقط ما يستطيع يمسح وإلا إذا انتهت المدة ينتهي مفعول الطهارة؟
فلو أخذنا مثلًا فقلنا: رجل توضأ لصلاة العصر مثلًا وغسل قدميه ولبس الجوربين، انتقض الوضوء المغرب فمسح المغرب واستمر لابسًا للجوربين أو الخفين إلى اليوم الثاني، وجاءت عليه صلاة المغرب اليوم الثاني وهو على طهارة فهل يستطيع أن يصلي المغرب بهذه الطهارة أم لا؟ وافرض أنه ما انتقض وضوؤه إلى العشاء فهل يستطيع أن يصلي العشاء على هذه الطهارة الباقية أم لا؟ هل يلزمه أن يعيد الوضوء من جديد لانتهاء المدة؟
فمن العلماء من قال: إذا انتهت مدة المسح وهو على طهارة فيلزمه غسل رجليه فقط، لماذا؟ قالوا : لأن المسح كان قائمًا مقام غسل الرجلين فإذا انتهت مدة المسح فإن الحدث قد سرى إلى رجليه، فيلزمه أن يغسلهما لرفع الحدث عنهما، هذا مذهب الحنفية والشافعية.
قد يبدو القول غريبًا؛ لأننا أول مرة نسمع عنه، لكن نحن نستعرض أقوال العلماء لنفهم وجهة نظر هؤلاء، توسعة للمدارك الفقهية، وتجوالًا في نتاج أفكار أهل العلم، هذا مفيد جدًا لطالب العلم، فنحن نذكر القول وإن كان ليس هو الراجح وإن كان ليس هو المشهور مثلًا بين الناس، فالآن مذهب الحنفية والشافعية هو: إذا انتهت المدة وهو لا زال على طهارة ما يمسح طبعًا هذه مفروغ منها، لكن الطهارة هذه ما يصلح يصلي فيها صلاة بعدها إلا أن يغسل رجليه، وهذا مذهب الحنفية والشافعية كما في "المبسوط" و "المجموع".
ماذا قال الحنابلة؟
قالوا: لا بد أن يستأنف الوضوء من جديد، يعني لو كان على طهارة وانتهت المدة، الطهارة بطلت بانتهاء المدة، يخلع الجوربين ويتوضأ وضوءًا كاملًا؛ لأن الحدث قد سرى إلى رجليه بعد انتهاء مدة المسح، وبما أن الموالاة واجبة في الوضوء فلا يكفيه غسل رجليه فلابد أن يستأنفه من جديد.
واختار بعض العلماء وهو القول الراجح إن شاء الله أنه إذا انتهت مدة المسح وهو طاهر فهو باق على طهارته، وليس انتهاء مدة المسح بناقض للوضوء، يعني مدة وانتهت وما في مسح جديد، لكن الطهارة باقية، لماذا تزول الطهارة؟ هل أحدث، خرج منه ريح، نام نومًا مستغرقًا؟ ما الذي يعني انتهاء المدة؟ لا يضر طهارته؟
فقالوا: لا يحتاج يغسل رجليه، ولا يحتاج يتوضأ من جديد هو باق على طهارته، ولكن ليس له أن يمسح مجددًا إلا بعد خلع الخف أو الجورب وغسل القدمين، هذا مذهب ابن حزم الظاهري، وذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وكثير من العلماء المعاصرين مع أن هذا القول خارج المذاهب الثلاثة، وحجتهم ظاهرة، قالوا: الأصل بقاء الطهارة حتى يدل دليل على زوالها، وانقضاء المدة ليس ناقضًا من نواقض الوضوء، ولا يوجب بطلان الوضوء، وإذا واحد باقي على طهارته أيش الذي يخلينا نطلعه عن طهارته، لماذا نخرجه عن طهارته؟ ما هي الحجة في إخراجه عن طهارته؟ ما هي الحجة في إبطال طهارته؟
فإذا انتهت المدة ولا زال طاهرًا فيستطيع أن يصلي لو حضرت صلاة وهو على طهارته، قال الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله-: الصحيح أنه لا ينتقض الوضوء بانتهاء مدة المسح، يعني مثلًا لو كانت تنتهي مدة المسح الساعة الثانية عشر ظهرًا وبقيت على طهارتك إلى الليل فأنت على طهارتك، وذلك لأنه ليس هناك دليل على انتقاض الوضوء بانتهاء مدة المسح، ورسول الله ﷺ وقت للمسح ولم يوقت للطهارة، ما قال : الطهارة يوم وليلة، ولا قال: تصلون صلوات يوم وليلة، ذكر أن مدة المسح يمسح المقيم يومًا وليلة، فاليوم والليلة مدة محددة للمسح، لا للطهاة ولا لعدد الصلوات.
وإذا واحد قال: أنا أريد الاحتياط، يعني قول الجمهور، نقول: إذا انتهت المدة اخلع النعلين، اخلع الجوربين، أو الخفين وتوضأ.
لكن من ناحية النظر والترجيح واضح أن الراجح عدم بطلان الوضوء، عدم بطلان الطهارة بانتهاء المدة.
ابتدأ مدة المسح وهو مقيم ثم سافر يتم مسح مسافر
نأتي إلى مسألة أخرى وهي: إذا كان مقيمًا ثم سافر، واحد ابتدأت عنده مدة المسح وهو مقيم، ثم سافر أثناء مدة المسح للمقيم فيكمل كم أربع وعشرين ساعة، وإلا اثنين وسبعين ساعة؟ يكمل مدة مقيم أو يكمل مدة مسافر؟ يعني هل يبني على حاله لما بدأ المسح يقول: والله أنا بدأت مقيمًا فما لي إلا أربع وعشرين ساعة، وإلا يبني على حاله أثناء المسح؛ لأنه الآن صار مسافرًا؟ يعني هل يبني على ما ابتدأ به والا يبني على ما صار إليه؟
الجواب: إذا لبس الخف وهو مقيم ثم سافر فإنه يمسح مسح مسافر ثلاثة أيام بلياليهن هذا في أي حالة؟
إذا ما مسح.
لاحظ المسألة لما جينا نفصلها، قلنا: لبس الجورب وهو مقيم لكن ما مسح، لبس الجورب على طهارة، وضوء كامل وغسل القدمين، ولبس الجورب وهو مقيم، ما بعد مسح، ما بعد استعمل الرخصة، ما بعد بدأ بالمسح وسافر فأول مسحة مسحها وهو مسافر فلا إشكال عند العلماء، يعني هذا محل اتفاق أنه ثلاثة أيام بلياليهن، يكمل ثلاثة أيام بلياليهن.
أين الخلاف؟
إذا بدأ المسح وهو مقيم، يعني بدأ استعمال الرخصة، فهل يبني على حاله الذي بدأ باستعمال الرخصة فيه وهو الإقامة ويكمل أربعة وعشرين ساعة فقط؟ أو يبني على ما صار إليه حاله وهو السفر فيكمل اثنين وسبعين ساعة؟
هذه المسألة فيها خلاف.
الأولى ما فيها خلاف.
ما بعد بدأ المسح، مفعول الرخصة لم يبدأ.
فماذا قال العلماء في الحالة الثانية؟
مذهب الشافعية والحنابلة: يكمل مدة مقيم فقط، كما في "روضة الطالبين" و "الإنصاف".
أبو حنيفة مذهبه وإحدى الروايتين عن أحمد أنه يكمل مسح مسافر.
إذا ابتدأ الإنسان المسح على الجوربين أو الخفين وهو مقيم وبقي له شيء من المدة، وبدأ في الرخصة ومسح وسافر أثناء المدة، فمذهب أبي حنيفة وقول عند الإمام أحمد أنه يكمل مدة مسافر ثلاثة أيام بلياليهن، لماذا؟
قالوا : لأن النبي ﷺ رخص للمسافر أن يمسح ثلاثة أيام بلياليهن وهو الآن مسافر.
إذن، له الحق يمسح ثلاثة أيام بلياليهن، بعضها مضى في الإقامة يكمل بقية الثلاثة أيام إذا أراد وهو في السفر، وهذا هو الراجح إن شاء الله، أن الحجة أنه مسافر الآن، الآن هو يمسح وهو مسافر له رخصة وإلا لا له رخصة، ما حاله الآن؟ مسافر، مدة المسح للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن.
إذن، يكمل ثلاثة أيام بلياليهن وليست العبرة بالحال التي ابتدأ عليها، العبرة بالحال التي هو فيها الآن.
طبعًا هذه مسألة لها نظائر، يعني لو دخل وقت الصلاة وأنت مقيم وسافرت قبل الإقامة، تصلي في السفر باعتبار حالك في السفر وتقصر، وإلا باعتبار دخول الوقت عليك، وأنت في الإقامة؟ تقول : دخل علي الوقت وأنا مقيم يجب أن أصلي أربعًا، يعني وجبت علي في ذمتي وأنا مقيم أربعًا، فيه تشابه في المسائل، الفكرة واحدة، التطبيق مرة في صلاة، ومرة في المسح على الخفين.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "إذا مسح وهو مقيم ثم سافر فإنه يتم مسح مسافر على القول الراجح، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه إذا مسح في الحضر ثم سافر أتم مسح مقيم، ولكن الراجح ما قلناه؛ لأن هذا الرجل قد بقي في مدة مسحه شيء قبل أن يسافر وسافر فيصدق عليه أنه من المسافرين الذين يمسحون ثلاثة أيام، وقد ذكر عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه رجع إلى هذا القول بعد أن كان يقول بأنه يتم مسح مقيم".
طبعًا المذهب عرفنا: أنه مدة مقيم.
بدأ المسح في سفر ثم أقام يمسح مسح مقيم
نأخذ العكس رجل في سفر بدأ يمسح في السفر، وبدأت الرخصة في حقه في السفر ثلاثة أيام بلياليهن، أثناء المدة أقام، واحد دخل بلدًا، يعني مجتازًا ناوياً يجلس فيها يوماً، يومين، ثلاثة، أربعة، فهو مسافر ويمسح مسح مسافر بعد ما مضى عليه يومان، تعرف على ناس في البلد هذه، وأعجبوا به وزوجوه، وقالوا: السكن منا كذلك، هذا السكن النفسي، وهذا السكن المادي، هذا سكن الزوجة، وهذا السكن البيت، هذا السكن وهذا المسكن؛ لأن الله -تعالى- قال: وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف: 189].
فالزوجة سكن، أما المسكن اسم مكان فهو الدار البيت، فقالوا: أين تذهب؟ أنت داعية، أنت طالب علم، أنت تاجر، أنت عاقل، أنت دكتور، الذي هو، اجلس هذه بنتنا توافق، قال: فرصة، قالوا: هذا السكن وهذا المسكن كما جاء عن معمر بن راشد الأزدي -رحمه الله- شيخ عبد الرزاق، كان ساكناً أصلًا في بغداد، وأخذ جولة طويلة في الرحلة في طلب الحديث، فلما دخل صنعاء، لما دخل اليمن أعجبوا به، يعني في حفظه، وكانوا قومًا يحبون العلم، وجاءهم واحد أين يحصلوا مثله؟ فهمس بعضهم إلى بعض: قيدوه، قيدوا الشيخ، لا يروح، يجلس عندنا مدة ويمشي، قيدوه، فزوجوه، معنى قيدوه، يعني زوجوه، فزوجوه صار ستة أشهر في اليمن، وستة في بغداد، ستة في صنعاء، وستة في بغداد، نتج عنها طبعًا أنه طلع عبد الرزاق صاحب المصنف.
المهم هذا الرجل الذي كان مسافرًا ومضت عليه يومان يمسح على جوربيه أو خفيه، ثم قالوا: تعال أين تروح؟ زوجوه، وقالوا: هذا السكن، وهذا المسكن، ماذا صار الآن؟ صار مقيمًا.
هذا بدأ المسح وهو مسافر ومسح يومين، ثم الآن صار مقيمًا بالأمر الواقع أو بالنية، واحد نوى عجبه البلد وقال : ليش أربعة أيام؟ أؤجل الحجز، إذا أعجبتني البلد أجلس شهرا، على قول الجمهور صار مقيمًا بالنية، هذا ما حال مسحه؟ هل له وجه يكمل ثلاثة أيام بلياليها وقد صار مقيمًا؟ فإذا مسح خلال سفره يومًا وليلة ثم أقام فقد انتهت مدته فضلًا عن يومين، يعني لو مسح يومين في السفر ثم أقام انتهت مدته، فلا يصح له أن يمسح بعد في الإقامة شيئًا، حتى يخلع خفيه ويغسل رجليه في وضوء آخر ويلبس ويبدأ مدة مسح مقيم جديدة لو أراد، لكن لو أن هذا المسافر بدأ المسح في السفر وما أكمل يومًا وليلة ونوى الإقامة فماذا له؟
أن يكمل يومًا وليلة، هذا عند جمهور أهل العلم.
انتهينا من موضوع المدة والسفر والإقامة.
لبس الخفين بعد كمال الطهارة
بقي أن ننظر في موضوع شرط لبس الخفين أو الجوربين وهو: أن يلبسهما على طهارة، قال المصنف -رحمه الله-: بشرط أن يلبسهما على طهارة، ولم يختلف أهل العلم أنه يشترط لجواز المسح على الخفين أن يكون قد سبق لبسهما على طهارة، فإن لبسهما على غير طهارة لم يصح المسح عليهما بلا خلاف، يعني واحد صلى الفجر ونام وهو مكشوف القدمين قام للعمل أو الجامعة فلبس جوربيه على غير طهارة، وذهب إلى العمل، لبس الحذاء وإلى العمل، هذا في صلاة الظهر هل يجوز له أن يمسح؟
لا.
لأنه لم يلبس جوربيه على طهارة، دلت السنة النبوية على هذا الشرط وهو شرط اللبس على طهارة؛ كما جاء في حديث المغيرة بن شعبة عند البخاري ومسلم: أنه قال : "كنت مع النبي ﷺ في سفر فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما [سبق تخريجه]، ولفظ أبي داود: دع الخفين فإني أَدْخَلْتُ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وهما طاهرتان [رواه أبو داود: 151، وصححه الألباني] أيش إعراب "القدمين" و"الخفين"؟ فإني أدخلت القدمين الخفين مفعول به أول، مفعول به ثاني، وهما طاهرتان الواو واو الحال.
قال النووي: "فيه دليل على أن المسح على الخفين لا يجوز إلا إذا لبسهما على طهارة" [شرح النووي على مسلم: 3/ 170].
وقال ابن قدامة: "لا نعلم في اشتراط تقدم الطهارة لجواز المسح خلافًا"[المغني: 1/ 174] ما نعلم خلافًا في هذا.
أين وقع الخلاف عند العلماء؟
في اشتراط كمال الطهارة، بمعنى إذا توضأ فغسل الرجل اليمنى هل له أن يلبس الجورب عليها ثم يغسل الرجل اليسرى ويلبس الجورب عليها؟ أم لا بد أن يغسل الرجلين كاملتين ثم يلبس الجورب على اليمنى والجورب على اليسرى؟
هنا وقع الخلاف، هل معنى قوله: أدخلتهما طاهرتين أنه غسل الأولى فصارت على طهارة ولبس الخف فيها وغسل الثانية وصارت على طهارة ولبس الخف فيها اليسرى، أو أدخلتهما طاهرتين يعني بعد اكتمال الطهارة لبس الخف الأيمن ثم الخف الأيسر، مثلًا بعد اكتمال غسل القدمين؟ هنا وقع الخلاف، قال النووي: فيه دليل على أن المسح على الخفين لا يجوز إلا إذا لبسهما على طهارة.
ومن العلماء من قال: يشترط لبسهما بعد كمال الطهارة، يعني ما تلبس ولا شيء إلا بعد غسل الرجلين كليهما، ومن غسل اليمنى ولبس عليها الخف قبل أن يغسل اليسرى فإنه لم يلبسها على طهارة، وهذا مذهب جمهور العلماء، لماذا؟ قالوا : لظاهر قوله ﷺ: فإني أدخلتهما طاهرتين [سبق تخريجه]، وفي رواية أبي داود: فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان [سبق تخريجه] فظاهر الحديث أنه لابد من لبس الخفين بعد وجود الطهارة، ومتى توجد الطهارة قبل غسل الرجل اليسرى وإلا بعد؟
بعد.
ومن لبس الأيمن قبل أن يغسل الرجل اليسرى فلم تكتمل طهارته بعد ولم يلبس على طهارة، ولذلك فإنه لا يصح مسحه عليها، قال ابن هانئ: "قلت: فإني توضأت فغسلت" ابن هانئ طبعًا يروي مسائله عمن؟ عن الإمام أحمد، "فإني توضأت فغسلت رجلًا واحدة فأدخلتها الخف والأخرى غير طاهرة، ثم غسلت الأخرى ولبست الخف، فقال لي أبو عبد الله: لا تفعل" يعني هذا خطأ كذا قال النبي ﷺ: إني أدخلتهما وهما طاهرتان فهذه واحدة طاهرة والأخرى غير طاهرة تعيد الوضوء من الرأس إن كان جف الوضوء، هذا رأي أحمد -رحمه الله-.
لكن لو أن إنسانًا فعل ذلك غسل اليمنى ولبس عليها الجورب وغسل اليسرى ولبس عليها الجورب أي من الجوربين لبسه على طهارة؟
على كلامنا السابق الآن ما قررناه سابقًا الآن أي من الجوربين الذي لبسه على طهارة؟
الثاني.
الأول لبسه ولم تكتمل طهارته، ما لبسه على طهارة ما بعد انتهت الطهارة، فقال بعض العلماء: كل ما عليه تصحيحًا للوضع أن يخلع الجورب الأيمن ثم يعيد لبسه، غسل الرجل اليمنى ولبس الجورب، وغسل الرجل اليسرى ولبس الجورب، قلنا: لبس اليسرى صحيح، لبس اليمنى غير صحيح، طيب ماذا يفعل؟
يخلع الجورب الأيمن ثم يلبسه مرة أخرى؛ لأنه الآن لما لبسه مرة أخرى لبسه بعد اكتمال الطهارة، بينما لما لبسه قبل لبسه قبل اكتمال الطهارة، يعني هذا لو جاء له واحد قال: أيش هذا بس كذا؟ نقول : فيه فرق، ما هو بس كذا، فيه فرق، لها معنى، ومن الذي قال: أنه يجوز أن تلبس اليمنى بعد غسلها واليسرى بعد غسلها، الذي هو القول الآخر؟ ذهب إليه الحنفية، والظاهرية، واختاره شيخ الإسلام وابن القيم، ومن أدخل رجله الخف بعد غسلها فقد أدخلها وهي طاهرة، هذه حجتهم.
لكن الأول أحوط، يعني له وجاهته.
الثاني له حظ من النظر، قد يقول قائل : هذه الآن لما أنا غسلتها الآن أليست طاهرة؟ نقول: هي طاهرة، لكن أنت لست على طهارة، فإذا قال: لبستها على طهارة غير لبستها طاهرة، ففهم بعضهم من قوله في الحديث السابق: أدخلتهما طاهرتين فهموا أن النص محتمل، يعني يحتمل هذا، ويحتمل هذا، لكن الأحوط ما يلبس إلا بعد اكتمال الطهارة، ولعل هذا هو الأظهر في الدليل أيضًا.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: ما الحكم إذا غسل الرجل رجله اليمنى ثم يلبس بعد ذلك الجورب قبل أن يغسل رجله اليسرى؟
فكان الجواب: ليس لك المسح عليهما؛ لأنك أدخلت الأولى قبل تمام الطهارة.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- معلقًا: وهذا ما دام هو الأحوط فسلوكه أولى، ولكن لا نجسر على رجلٍ غسل رجله اليمنى ثم أدخلها الخف، ثم غسل اليسرى ثم أدخلها الخف، أن نقول له: أعد صلاتك ووضوءك.
هذا الشيخ طبعًا لا يجسر، أما من قال بالقول الأول سيجسر، يقول: نعم أنت أدخلت الأولى على غير طهارة كاملة ومسحك عليها بعد ذلك غير صحيح وصلاتك بالتالي غير صحيحة، أعد الوضوء، أعد الصلاة.
فالشيخ رأيه المراعاة، الشيخ ابن عثيمين يقدر كلام شيخ الإسلام كثيرًا، ولذلك مع أنه يقول: هذا الأحوط، واحد ما يلبس إلا قد اكتملت الطهارة، وبعد ذلك قال : لكن لا نجسر أن نقول له : أعد صلاتك ووضوءك، لكن نأمر من لم يفعل أن لا يفعل احتياطًا، معنى ذلك أن الشيخ يميل إلى تصحيح قول شيخ الإسلام.
هل يشترط للمسح على الخفين أن تكون طهارته مائية؟
آخر مسألة في هذا الدرس، ما معنى هذا الكلام؟ وكيف يطبق؟ لما نأتي نقول الآن : هل يشترط في المسح على الخفين أن يلبس على طهارة مائية؟ لو واحد قال: أيش الاحتمال الآخر؟
أن يلبسا على تيمم، فمن تيمم مثلًا في السفر سفر وبرد وما وجد ماء، أو الماء الموجود للشرب بالكاد، يعني ما يستطيع يتوضأ ولا أن يجد مكانًا ماء قريبًا.
الآن ما عنده ماء تيمم، هل يجوز أن يلبس الخفين على طهارة التيمم طهارة ترابية وليست مائية؟ أليس التيمم يرفع الحدث؟ أليس التيمم الطهارة؟ أليس من تيمم يستطيع أن يصلي؟ ألا نحكم له بالطهارة؟ فلماذا لا يلبس الخفين على طهارة تيمم ويمسح بعد ذلك لو وجد الماء؟
نقول: أدخلهما على طهارة، أليس التيمم طهارة صحيحة؟ أدخلهما على طهارة، ووجد بعد ذلك الماء والصلاة التي بعدها أو التي بعدها يمسح عليهما أم لا؟
ذهب جمهور العلماء إلى أن الطهارة المشترطة لجواز المسح على الخفين طهارة مائية، فيجب أن يكون قد توضأ واغتسل قبل لبسهما، أما إذا تطهر بالتيمم لعدم وجود الماء مثلًا أو لعدم القدرة على استعماله، ثم أراد أن يتوضأ ويمسح على الخفين فلا يجوز له ذلك، هذا قول الجمهور.
قال الإمام مالك -رحمه الله-: "إنما يمسح على الخفين من أدخل رجليه في الخفين، وهما طاهرتان بطهر الوضوء، وأما من أدخل رجليه في الخفين وهما غير طاهرتين بطهر الوضوء فلا يمسح على الخفين" [موطأ مالك: 1/ 37].
وقال ابن قدامة -رحمه الله-: "إن تيمم ثم لبس الخف لم يكن له المسح؛ لأن لبسه على طهارة غير كاملة، ولأنها طهارة ضرورة" [المغني: 1/ 175].
فإذن، هذا ردهم على نقاشنا السابق لما قلنا أليس على طهارة؟ أليس قد ارتفع حدثه؟ أليست صلاته صحيحة؟ أليس أدخلهما وهو على طهارة؟
فالآن يقولون: إيه نعم، لكن هذه الطهارة ليست هي الأصل، وهذه طهارة ضرورة.
وسئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عن هذه المسألة، فقال: لا يجوز له أن يمسح على الخفين إذا كانت الطهارة طهارة تيمم؛ لقوله ﷺ: فإني أدخلتهما طاهرتين [سبق تخريجه] طاهرتين يعني وصف القدمين بأنهما طاهرتين، وطهارة التيمم يقول الشيخ : لا تتعلق بالرجل، إنما هي في الوجه والكفين فقط.
وعلى هذا أيضًا لو أن إنسانًا ليس عنده ماء، أو كان مريضًا لا يستطيع استعمال الماء في الوضوء، فإنه يلبس الخفين ولو كان على غير طهارة، وتبقيان عليه بلا مدة محدودة حتى يجد الماء.
يقول: لو واحد ما عنده ماء أو ما يستطيع استعمال الماء كم يلبس الجوربين؟
إلى ما شاء الله، إلى أن يجد ماء، أو يستطيع استعمال الماء حتى لو كان عشرة أيام؛ لأنه سيتيمم، والقدمان ليستا محلًا للتيمم، قال الشيخ: ولو كان على غير طهارة وتبقيان عليه بلا مدة محدودة حتى يجد الماء إن كان عادمًا له، أو يشفى من مرضه إن كان مريضًا؛ لأن الرجل لا علاقة لها بطهارة التيمم.
إذن، هذا قول الجمهور أنه لا بد من طهارة مائية ليلبس عليهما الجوربين والخفين، وليست طهارة التيمم.
والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد.