الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد تحدثنا في الدرس السابق عن الأسباب الموجبة للغسل وهي: الجنابة، والحيض، والنفاس، والموت، وإسلام الكافر، وبينا أن للجنابة سببان رئيسيان: إنزال المني والجماع، وأن الجماع موجب للغسل سواء أنزل أو لم ينزل لحديث النبي ﷺ: إذا جلس بين شعبها الأربع، ومسّ الختان الختان فقد وجب الغسل [رواه مسلم: 291].
وذكرنا أنه لو حصل الجماع بحائل فأقرب الأقوال: أنه إذا كان الحائل رقيقًا بحيث يجد أثر ذلك يجب الغسل وإلا فلا، وهذا مذهب المالكية، وعرفنا أن أخذ النطفة من الرجل والبويضة من المرأة عند التلقيح الصناعي لا يوجب الغسل عليهما؛ لأن هذا الاستخراج بهذا المسبار لا ينقض الوضوء، بخلاف ما لو تم الاستخراج بطريق الشهوة والاستمناء فإنه ولا شك يوجب الغسل، وكذلك قلنا بأن حقن النطفة في رحم الزوجة لا يوجب عليها الغسل لعدم حصول الإنزال منها، وذكرنا بعض الحكم التي ذكرها العلماء من وجوب الغسل عند إنزال المني.
ثم تحدثنا عن السبب الثاني الموجب للغسل وهو الحيض والنفاس وأن هذا محل اتفاق بين العلماء، وأن المرأة إذا طهرت من الحيض أو النفاس يلزمها الغسل، وذكرنا خلاف العلماء في مسألة: إذا ولدت المرأة ولم تر دمًا فهل يلزمها الغسل؟ فقيل: لا يلزمها الغسل وهذا مذهب المالكية والحنابلة واختاره من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين، وقيل: يلزمها الغسل وهو مذهب الشافعية واختاره علماء اللجنة الدائمة وهذا أحوط.
وذكرنا السبب الثالث الموجب للغسل وهو الموت، وأن الوجوب لا يتعلق بالميت وإنما بمن حوله، فتغسيل الميت فرض كفاية على كل من حضره، فإذن، الموت سبب لوجوب الغسل، لكن أي غسل؟ غسل الميت فهو إذن الوجوب على من عند الميت من المسلمين، الوجوب عليهم لا على الميت؛ لأنه غير مكلّف.
فإذن، تغسيل الميت هو الواجب، وأما الشهيد فيحرُم تغسيله ولو كان جنبًا.
والسبب الرابع لوجوب الغسل هو إسلام الكافر، والكافر إذا أسلم وهو جُنب يلزمه الغسل عند المذاهب الأربعة، وأما إذا أسلم وهو غير جُنب فهذا محل نزاع بينهم، والجمهور على عدم الوجوب، والأحوط أن يغتسل، هذا ما يتعلق بالأغسال الواجبة.
الاغسال المستحبة وأنواعها
ثم بعد ذلك تكلم العلماء عن الأغسال المستحبة وهذه كثيرة لم يذكرها المصنّف - رحمه الله - على أساس أن كتابه مختصر"منهج السالكين" مختصر، لكن نشير إليها هنا باختصار:
تنقسم إجمالًا إلى نوعين: أغسال يقصد بها النظافة لأجل الاجتماع بالناس، وأغسال شُرعت لأسباب ماضية، فمن النوع الأول وهو الأغسال المشروعة بسبب اجتماع الناس:
أولًا: غسل الجمعة: فالاغتسال لصلاة الجمعة مستحب عند جمهور العلماء ومنهم المذاهب الأربعة لحديث أبي سعيد الخدري ، عن النبي ﷺ قال: الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم [رواه البخاري: 858، ومسلم: 846]. ومعناه عند أكثر العلماء: متأكّد كما تقول العرب: حقك عليّ واجب، والمقصود يعني: استحباب القيام به.
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله ﷺ قال: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل [رواه البخاري: 877]. وهذه أوامر والأصل فيها الوجوب، فما الذي صرفه عن الوجوب؟ ما الذي صرف الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب؟ هناك قرائن من نصوص أخرى مثل حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة وزيادة ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام [رواه مسلم: 857].
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: "هذا أقوى ما يُستدل به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة"، [التلخيص الحبير: 2/167]. إذن، لو واحد قال: غسل الجمعة واجب على كل محتلم، أحاديث فيها أمر، جاء الجمعة فليغتسل، ما الذي صرف الأمر عن الوجوب والأصل فيه الوجوب؟ نقول: نصوص أخرى وردت، وفيها عدم وجوب الغسل مثل الحديث السابق فيمن توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة، وأثنى عليه.
وفي البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان أصحاب رسول الله ﷺ عمال أنفسهم"، يعني: هم يعملون بأنفسهم، في الزراعة في المزرعة في الحمل في البناء إلى آخره، "كانوا عمال أنفسهم" ما كان عندهم مال يستأجرون به عمالًا، فكانوا هم الذين يعملون، وهم الذين يباشرون بأنفسهم الأعمال والمهن، قالت: "وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم وكان يكون لهم أرواح" يعني: روائح، "فقيل لهم: لو اغتسلتم" [رواه البخاري: 903]. وفي هذا بيان أن طلب الغسل هذا مثل التعليل من أم المؤمنين - رضي الله عنها - لماذا أُمر الصحابة بالاغتسال؟ قالت: "كانوا يعملون هم بأنفسهم، يباشرون الأعمال ولم يكن لهم من ينوب عنهم، أو من يستأجرونه، فقيل لهم: لو اغتسلتم"، يعني هذه الأوامر كانت من أجل الرائحة، وفي هذا أن طلب الغسل كان على سبيل العرض والتنبيه لا الحتم والإلزام، وذهبت الظاهرية إلى أن غسل الجمعة واجب، واختار هذا القول ابن خزيمة والشوكاني، ومن المعاصرين الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله -، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قولًا وسطًا بين القولين وهو وجوب غسل الجمعة على من يتأذى المسلمون من رائحته من رائحة عرقه أو ريحه، ولعل ابن حجر - رحمه الله - في الفتح لما ناقش المسألة مناقشة مطولة يفهم من كلامه هذا أيضًا أن من كان له رائحة مؤذية يجب عليه، ومن لم يكن له رائحة مؤذية فيستحب في حقه ولا يجب عليه، وعلى هذا خلاصة جيدة في الموضوع، ولا إشكال في منع أذية المسلم أخاه، فإذا كان عدم الاغتسال يؤدي إلى أذية فيكون الاغتسال واجبًا.
الغسل للعيدين
الغسل الثاني المستحب وهو غسل العيد لحديث ابن السباق أن رسول اللهﷺ قال في جمعة من الجمع: يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدًا فاغتسلوا ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه وعليكم بالسواك رواه مالك في الموطأ مرسلًا، وضعفه كثير من المحدّثين للإرسال؛ لأنه مرسل من مراسيل ابن السباق، وابن السباق ليس بصحابي، فالحديث فيه تعليل الأمر بالاغتسال يوم الجمعة بكونه عيدًا، مما يعني أن كل عيد يندب للاغتسال فيه. وعن نافع: "أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلّى"، والحديث رواه مالك في الموطأ. وعن مجاهد قال : "كانوا يستحبون أن يغتسلوا يوم الأضحى ويوم الفطر" وهذا الأثر في مصنف ابن أبي شيبة، قال النووي - رحمه الله -: "ومن الغسل المسنون غسل العيدين وهو سنة لكل أحد بالاتفاق"، سواء، ويقصد بـ "كل أحد" الرجال والنساء والصبيان؛ لأنهم يأتون العيد جميعًا، قال: "لأنه يراد للزينة وكلهم من أهلها، بخلاف الجمعة فإنه لقطع الرائحة فاختصّ بحاضرها على الصحيح" [المجموع شرح المهذب: 2/202].
بحاضرها يعني: حاضر الجمعة ويحضرها عادة الرجال البالغون.
الغسل للإحرام بالحج والعمرة
ثالثًا من الأغسال المستحبة : الغسل للإحرام بالحج والعمرة، قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: "فأستُحب الغسل عند الإهلال للرجل والصبي والمرأة والحائض والنفساء وكل من أراد الإهلال اتباعًا للسنة" [الأم للشافعي: 2/158].
والإهلال هو الإحرام والتلبية، والدليل: ما رواه البزار عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "من السنة أن يغتسل الرجل إذا أراد أن يحرم"، وصحح الحافظ ابن حجر إسناده في الفتح.
وعن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه رأى النبي ﷺ: تجرّد لإهلاله واغتسل رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن غريب" [رواه الترمذي: 830، وحسّنه الألباني في الإرواء: 149].
وقد استحبّ قوم من أهل العلم الاغتسال عند الإحرام وبه يقول الشافعي، وأمر النبي ﷺ أسماء بنت عميس وهي نفساء بالاغتسال عند الإحرام، وكذلك أمر عائشة بالاغتسال وهي حائض، ومع كونها حائض وكون تلك نفساء إلا أنه عليه الصلاة والسلام أمر بالاغتسال، ففيه بيان لأهميته والحرص عليه.
الاغتسال لدخول مكة
رابعًا : الاغتسال لدخول مكة، فعن نافع قال: "كان ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم يبيت بذي طوى، ثم يصلي به الصبح ويغتسل"، وذو طوى هذا اسم موضع، ثم يصلي به الصبح ويغتسل ويحدث أن النبي ﷺ كان يفعل ذلك. [رواه البخاري: 1573].
إذن، هذا يبين بأن الاغتسال لدخول مكة سنة نبوية.
قال ابن المنذر - رحمه الله -: "الاغتسال لدخول مكة مستحب عند الجميع، مستحب عند جميع العلماء".[فتح الباري لابن حجر: 3/435].
والغسل الخامس المستحب : هو غسل يوم عرفة، عن زاذان قال: "سأل رجل عليًا عن الغسل، فقال: اغتسل كل يوم إن شئت ، قلت: فقال الرجل : الغسل الذي هو الغسل، أسألك عن الغسل المؤكد، المتأكد الذي هو الغسل، قال: يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم الفطر"، والحديث رواه الشافعي في مسنده وإسناده صحيح. [رواه الشافعي في مسنده: 114، وصححه الألباني في الإرواء: 114].
وقد روى مالك في الموطأ - رحمه الله – أيضًا: "عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم ولدخوله مكة ولوقوفه عشية عرفة"، والآن الوضع مختلف عن أول، يعني أول فيه مسافة من الإحرام إلى مكة، وهذه المسافة تغير رائحة الجسد فيكون الاغتسال لدخول مكة فيه وجاهة السنية باقية، حتى لو قيل : الآن طيارات ووسائل سريعة لكن من ناحية التأكيد يكون أكثر عندما تتغير الرائحة، والآن ستقدم أنت على مجامع الناس وتخالط المسلمين، ويكون التأكيد أخف إذا كانت الرائحة لا زالت طيبة ولم يحصل تغير بشيء يؤذي، لكن المقصود أنه في السابق وجود المسافة بين الميقات ومكة، وعلى الرواحل، قد يكون في الحر، وإذا كان أيضًا هناك سنة في المبيت قبل دخولها فيضاف أيضًا، المسافة وقت المبيت هذا، فإذن، من السنة الاغتسال لدخول مكة، ثم عندنا قضية عرفة، يكون الإنسان في منى قبلها يوم التروية، وأيضًا فيه زحام ومخالطة الناس، وعرفة مشهد عظيم ومجتمع جليل.
هنا مسألة هل يلحق بهذه الأغسال ويقاس عليها غيرها مما هو في معناها؟
ذهب بعض العلماء إلى هذا وقالوا : يستحب الاغتسال في كل مجتمع للناس دينيًا ودنيويًا، قال النووي - رحمه الله -: "من المستحب الغسل لمن أراد حضور مجمع الناس"، يعني لو فيه محاضرة فيها اجتماع عدد من الناس كبير، مجلس إقراء للحديث فيه اجتماع عدد كبير من الناس، مجلس للعائلة فيه عدد من الناس، المقصود أن المسلم يكون نظيفًا عند لقاء المسلمين، لا ينفرون منه ولا يوجد منه ما يؤذيهم، قال النووي - رحمه الله -: "الغسل لمن أراد حضور مجمع الناس صرح به أصحابنا، وقال البغوي: "يستحب لمن أراد الاجتماع بالناس أن يغتسل ويتنظف ويتطيب"، [المجموع شرح المهذب: 2/203].
من أين أخذوا هذا؟
قالوا : لما رأينا الغسل للجمعة، والغسل للعيد، والغسل لعرفة، والجامع المشترك بينها: اجتماع الناس أنه الآن سيأتي إلى مجمع ناس، والعادة إذا كثر الجمع ضاق النفس وكثر العرق وثارت الروائح الكريهة، فإذا وجد الطيب وقد سبقه التنظف والغسل فإن ذلك يخفف الرائحة ولا شك، وبناء على هذا بعضهم تقدم خطوات إلى الأمام وقال باستحباب الغسل لصلاة الكسوف والاستسقاء والطواف بالبيت حتى بدون حج وعمرة، لأنه أنت تأتي إلى مجمع ناس يطوفون، ورمي الجمار أيام التشريق، والمبيت بمزدلفة، يعني من باب ملاحظة المعنى لا من باب أن هذه فيها سنن وأحاديث صحيحة، لا، وقال العيني - رحمه الله -: "وينبغي أن يستحب الاغتسال لصلاة الكسوف والاستسقاء وكل ما كان في معنى ذلك لاجتماع الناس" [البناية شرح الهداية: 1/346]. وكذلك نصّ الحنابلة في استحباب الاغتسال لصلاة الكسوف والاستسقاء والطواف بالبيت ورمي الجمار أيام التشريق والمبيت بمزدلفة كما ذكره المرداوي في الإنصاف.
ومن العلماء من رأى الاقتصار في الأغسال المستحبة على ما وردت به النصوص فقط، قالوا: لأن ترك النبي ﷺ للاغتسال في المجامع الأخرى يدل على عدم الاستحباب، وقد تكلم ابن القيم - رحمه الله - في مسألة التروك النبوية فقال: "وأما نقلهم لتركه ﷺ فهو نوعان وكلاهما سنة، أحدهما : تصريحه بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله كقوله في شهداء أحد : ولم يغسلهم ولم يصل عليهم، وقوله في صلاة العيد : لم يكن أذان ولا إقامة ولا نداء، يعني ما في الصلاة جامعة، ولا في الأذان المعروف، ولا الإقامة، هذا تصريح من الصحابي راوي الحديث أن النبي ﷺ ترك ذلك ولم يفعله، الثاني : عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحد منهم على نقله، فحيث لم ينقله واحد منهم البتة، ولا حدث به في مجمع أبدًا علم أنه لم يكن، لو كان ما فوتوا نقله، لو حصل من النبي ﷺ ولو مرة لا يمكن أن يكتموه، لابد أن يبلغوه، فكونهم ما نقله ولا واحد معناه ما حصل، قال ابن القيم: وهذا كتركه التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة، وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبلًا المأمومين وهم يؤمنون على دعائه دائمًا بعد الصبح والعصر أو في جميع الصلوات؛ لأنه يشير إلى بعض البدع الموجودة في بعض الأماكن أن عندهم دعاء جماعي بعد الصلاة يقول : لو كان النبي ﷺ فعله وكان يدعو والصحابة يؤمنون، أو كان في ذكر جماعي بصوت واحد كان نقل وإلا لا؟ نقل، لا يمكن أن يفعله والصحابة يكتمونه بعد ذلك، ما يمكن، قال : وهذا كتركه التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة، وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبلًا المأمومين وهم يؤمنون على دعائه دائمًا بعد الصبح والعصر، أو في جميع الصلوات، وتركه الاغتسال للمبيت بمزدلفة ولرمي الجمار ولطواف الزيارة ولصلاة الاستسقاء والكسوف، هذا طبعًا الموضع الذي يهمنا في بحثنا من كلام ابن القيم، قال: "ومن هاهنا يعلم أن القول باستحباب ذلك خلاف السنة فإن ترْكه ﷺ سنةّ كما أن فعله سنة، فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظير استحبابنا ترك ما فعله" طبعًا استحباب ترك ما فعله، يعني القول باستحباب ترك ما فعله خطير، قال ابن القيم: "ولا فرق" [إعلام الموقعين عن رب العالمين: 2/281].
فابن القيم يريد أن يقول : إنها ليست بسنة ولا تُستحب، ولو كانت سنة لفعلها، وقد يقول العلماء الآخرون : نحن ما نقول : إنها سنة نبوية، لكن نقول : مراعاة المعنى، أنه ما دام فيها اجتماع للناس فيستحب للإنسان أن يغتسل فيكون له أجر على إتيانه إخوانه نظيفًا، لا من باب أنها عبادة ثابتة بدليل، يعني ما أعتقد أنا عند فعلها أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وإني الآن أنا أتأسى به، لا، لكن أنا أراعي القواعد العامة للشريعة والمعاني العامة للشريعة، والأشياء التي تؤخذ من عموم الأدلة أن يأتي الإنسان إخوانه نظيفًا متطيبًا، رائحته طيبة، أن هذا من أدلة عموم الشرع أنه شيء، وإن كان ليس بمنزلة السنة المستحبة الثابتة لكنه خير، فإذن، تتبين المسألة حتى عندما نقول بكلام العلماء الفريق الأول أنه يستحب للإنسان، لكن ليس معناها يُسن للإنسان، فهو ليس بسنة؛ لأنه ما ورد الدليل عليها، وما يجوز أن تعتقد أنها سنة ولم يرد دليل عليها كما قال ابن القيم، لكن يستحب من جهة العموم؛ لأن هناك عمومات للشريعة ممكن يؤخذ منها عمومات، يعني ماذا يفهم من اغتسال العيد والجمعة وعرفة؟ فإذا قلت : من المعنى العام للنصوص يستحب للإنسان أن يغتسل ويأتي إخوانه نظيفًا لم يبعد، أما البدعة فهي مخالفة السنة واعتقاد التعبد بلا دليل، واعتقاد المشروعية بلا دليل، ولا يؤخذ ذلك لا من دليل عام، ولا من دليل خاص، ولا من قواعد الشريعة، ولا من عمومات الأدلة، يعني البدعة لا يدل عليها لا دليل خاص ولا عمومات الشريعة، وصاحبها يعتقد عند العمل بها التعبد والسنية والمشروعية وهذا الفرق، يعني لو قال واحد : هب أنه ما ثبت، ما في دليل على غسل اليدين قبل الطعام، فرضنا ما في دليل على غسل اليدين قبل الطعام، لو ما في دليل ثابت، لا يجوز لأحد أن يقول : ويسن ويشرع، لا تستطيع أن تقول، لكن لو واحد قال : يا أخي من عموم الأدلة ومن قواعد الشريعة النظافة، والآن أنت ستدخل شيئًا إلى جوفك وبالتأكيد أن من القواعد الشرعية المحافظة على الصحة، والمحافظة على النظافة، فلو قلنا للناس وأوصيناهم : اغسلوا أيديكم قبل الطعام، وأن ذلك أمر حسن، هل نكون قد ابتدعنا؟ لا، لأن في من قواعد الشريعة العامة حفظ الصحة والنظافة موجود في الشريعة واضح، فأخذنا منه بالمعنى لا بالدليل، أخذنا منه أن نوصي الناس أو نحثهم على شيء فيه خير لهم، ولم نقل : هذه سنة، وهذا تعبدي، وتعتقدون عند العمل به أنكم تتبعون نبيكم فيه، لا، ما نقول بهذا، لأنه تأكيد على المعاني التي يذكرها ابن القيم، وكذلك شيخه ابن تيمية في الموضوع مهم من جهة أيضًا ضبط الجانب الآخر، الحد الآخر للموضوع وهو البدعة، قال شيخ الإسلام: "ولم يُنقل عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه في الحج إلا ثلاثة أغسال: غسل الإحرام، والغسل عند دخول مكة، والغسل يوم عرفة، وما سوى ذلك كالغسل لرمي الجمار وللطواف والمبيت بمزدلفة فلا أصل له، لا عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه ولا استحبه جمهور الأئمة لا مالك ولا أبو حنيفة ولا أحمد، وإن كان قد ذكره طائفة من متأخري أصحابه، بل هو بدعة، يقول ابن تيمية : إلا أن يكون هناك سبب يقتضي الاستحباب مثل أن يكون عليه رائحة يؤذي الناس بها فيغتسل لإزالتها"، انتهى. [مجموع الفتاوى: 26/133].
يعني إذا قلت : والله أنا أراعي معنى القواعد العامة للشريعة، والقواعد العامة للشريعة أن إذا كان الإنسان عنده رائحة كريهة يقطعها لملاقاة إخوانه، هذه من القواعد العامة، الفهم العام للنصوص، لكن إذا ما في، فمن استحب هاهنا فقد شرع ومن شرع ابتدع.
ومن النوع الثاني أي الأغسال المشروعة لأسباب ماضية، الآن تكلمنا عن أغسال لأشياء سيقدم عليها الإنسان، الاغتسال قبل دخول مكة، قبل عرفة، قبل الذهاب للعيد، قبل الذهاب للجمعة، هل فيه أغسال على أشياء مضت وليس ستأتي؟ نعم.
الاغتسال من الإغماء إذا أفاق منه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : دخلت على عائشة - رضي الله عنها – فقلت : ألا تحدثيني عن مرض رسول اللهﷺ؟ قالت: بلى، ثقل النبي ﷺ فقال: أصلّى الناس؟قلنا: لا، هم ينتظرونك، قال: ضعوا لي ماء في المخضب قالت: ففعلنا فاغتسل فذهب لينوء فأُغمي عليه، ثم أفاق، فقالﷺ: أصلّى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ضعوا لي ماء في المخضب ، قالت: فقعد فاغتسل ثم ذهب لينوء فأُغمي عليه، ثم أفاق : فقال : أصلّى الناس؟ قلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ضعوا لي ماء في المخضب ، فقعد فاغتسل ثم ذهب لينوء فأُغمي عليه، ثم أفاق فقال: أصلّى الناس؟ فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله، والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي ﷺ لصلاة العشاء الآخرة، فأرسل النبي ﷺ إلى أبي بكر أن يصلي بالناس"، [رواه البخاري: 687، ومسلم: 418].
قال النووي: "قولها : قال : ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل دليل لاستحباب الاغتسال من الإغماء"، استحب تكرر الغسل لكل مرة فإن لم يغتسل إلا بعد الإغماء مرات يعني أغمي عليه عدة مرات واغتسل بعدها كلها كفى غسل واحد، انتهى كلام النووي -رحمه الله-. [شرح النووي على مسلم: 4/136].
قال ابن قدامة: "ولا يجب الغسل على المجنون والمغمى عليه إذا أفاقا من غير احتلام، ولا أعلم في هذا خلافًا" [المغني لابن قدامة: 1/155]. هو يتكلم عن الوجوب، أما الاستحباب دليله ظاهر كما ذكر النووي - حمه الله -، فالمجنون إذا أفاق من الجنون، المغمى عليه إذا أفاق من الإغماء يُستحب له أن يغتسل، وهذه من السنن المجهولة عند أكثر الناس، يعني لو قال واحد : أعطنا مثالاً على السنن المهجورة المجهولة نقول: الاغتسال بعد الإغماء.
الاغتسال من الحجامة
سابعًا : ذكروا الاغتسال من الحجامة، ذهب بعض العلماء إلى الاغتسال من الحجامة، وقد ثبت هذا عن بعض الصحابة، فعن زاذان أن عليًا كان يغتسل من الحجامة"، رواه الشافعي في كتابه الأم وإسناده صحيح. [الأم للشافعي: 7/174]. وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا احتجم الرجل فليغتسل ولم يره واجبًا، مصّنف ابن أبي شيبة بسند صحيح. وذهب بعض العلماء إلى عدم مشروعية الغسل من الحجامة؛ لأن النبيﷺ احتجم ولم يثبت عنه أنه اغتسل، قال الإمام أحمد: "لا يُغتسل من الحجامة، ليس يثبت عن النبي ﷺ" [مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله: 23].
قال أبو داود: "قلت لأحمد : ترى في الحجامة غسل؟ فأشار برأسه أن لا"، وما رواه أبو داود عن عائشة: "أن النبي ﷺ كان يغتسل من أربع من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة ومن غسل الميت" [رواه أبو داود: 348، وضعفه الألباني في ضعيف وصحيح سنن أبي داود: 3160]. فهذا وإن صححه بعض أهل العلم إلا أن الراجح تضعيفه، فقد ضعّفه الإمام أحمد - رحمه الله - والبيهقي وابن عبد البر والنووي ومن المعاصرين الألباني وغيره.
فإذن، هذا غسل مختلف فيه الذي هو الغسل من الحجامة، غسل مختلف فيه، ثبت عن بعض الصحابة.
الغسل للمصاب بالعين
ثامنًا: الغسل للمصاب بالعين: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين"، يعني المصاب بالعين [رواه أبو داود: 3880، وصحه الألباني في السلسلة الصحيحة: 2522]. رواه أبو داود وصححه النووي على شرط الشيخين، وكذلك صححه العراقي في طرح التثريب والألباني في سلسلته الصحيحة.
والمعين هو الذي أصابته العين، ماذا يفعل العائن؟ يغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه، وهذا الغسل يُجمع في قدح، ثم يُصب على من أصابه العين، العائن من أصاب غيره بعينه، والمعين من وقعت عليه الإصابة، من أصيب، فالذي يغسل العائن، والذي يغتسل بالماء المجموع هو المعين، فإذن العائن يغسل أعضاءه ويَجمع الماء أو يُجمع الماء ليغتسل به المعين، العامة يقولون : معيون، عان عانه، ما نقول : أعان؛ لأن أعان سيختلف المعنى، أعان ساعد، عانه عان عائن اسم فاعل، معين اسم مفعول، عان الفعل، عان وليس أعان، أعان ساعد، عان أصاب بالعين، عائن اسم فاعل، معين اسم مفعول.
وجاء في كيفية الاغتسال ما رواه أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه أن رسول الله ﷺ خرج وساروا معه نحو مكة، حتى إذا كانوا بشعب الخزار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف، وكان رجلًا أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة وهو يغتسل فقال: "ما رأيتك اليوم ولا جلد مخبأة"، والمخبأة المرأة البكر التي ما تخرج، وهذه مشكلة الذي يصيب العين أنه يقول على سبيل الإعجاب، وقد يكون عنده قابلية، يعني عينه تصيب، ما يرافق ذلك دعاء بالبركة تقع الإصابة، وما يشترط أن تقع الإصابة بالعين من عدو حاسد كاره، لا، قد تقع أحيانًا من محب، هو يُعجب بالشيء ولا يدعو بالبركة، "ما رأيت مثل يوم" ليس قصده أنه يضره، جاب الأب على البيت صندوق برتقال، نام قام ما لقى شيئاً، الأولاد مسحوا الصندوق، قال : ها عليكم، تسمم غذائي كلهم، فهذا حصل في قصص كثيرة لو تتبعت تجد، فإذن، حصل هذا بين صحابة، ليس هذا من المنافقين أو من الكفار أو من اليهود، لا، لكن نسي أن يذكر الله وأن يدعو بالبركة، فنظر إليه عامر بن ربيعة وهو يغتسل - يعني سهل بن حنيف - فقال عامر: "ما رأيتك اليوم ولا جلد مخبأة"، يريد أن جلد سهل كجلد البنت البكر المخدرة في بيتها في غاية الحسن والجمال، "فلبط بسهل مباشرة" لبط بسهل، سقط على الأرض بلا حراك، صار مثل المشلول، فأتي رسول الله ﷺ فقيل له: يا رسول الله هل لك في سهل؟ والله ما يرفع رأسه وما يفيق، راح مغمى عليه بلا شعور راح الوعي، قال: هل تتهمون فيه من أحد؟ توجد قرائن، هناك أحد، ماذا صار قبلها؟ ولذلك أذكياء الأطباء عندما يأتون له بالحالة من الأسئلة المهمة والحساسة يسأل أهل المريض :ماذا حصل قبل وقوع الحالة؟ لأن هذا له دلالة، قالوا : نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول اللهﷺ عامرًا فتغيظ عليه، وقال : علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت، ثم قال له : اغتسل له، هنا يثور اليوم من يطلب منه الاغتسال، ها تتهموني أنا، المفترض إذا استغسلتم فاغسلوا، لينوا في أيدي إخوانكم، قال : فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره، الإزار يعلق على وسط الجسم يغسل من داخل، محل الإزار ما يعلق من الخاصرة من الجنب يغسل، وينزل الماء على الطشت، أو على الطست، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه، إذًا من الذي غسل؟ عامر بن ربيعة، والذي صب عليه سهل بن حنيف، يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه، يعني حتى الصب له طريقة، يؤخذ الإناء من خلف المعين ويسكب على رأسه ورقبته وظهره من خلفه، ثم يكفأ القدح وراءه، إذن، نقلب القدح بعد ما نصبه، بعد ما نصبه على المعين من خلف نقلب القدح، هذه قضايا ما لها تعليلات، تقول : والجراثيم والميكروبات وتنقلب لا ما في، هذه قضايا غيبية يعني لو ما الشرع أخبرنا عنها، ففي علاقات ولو ما أدركناها لو ما أدركناها يعني ممكن واحد، يطلع مثلًا يقول : تفاؤلًا بتغير الحال وأنه ينقلب حاله من المرض إلى الصحة، من العجز إلى القوة، لكن هي ظنية فأنت في النهاية تفعله متبعًا وإن لم تعرف ماذا وراء ذلك، يكفأ، وهناك التسمية، وهذه من الأدلة العامة أنه إذا واحد بدأ بأمر النبي ﷺ كان يسمي على أحواله ، فإذا قال واحد : لو أخذنا التسمية، أما شيء خاص أخص من ذلك لا أعرف، لا أعرف شيئًا يقال، يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه يكفىيء القدح وراءه، ففعل به ذلك، قال ابن عبد البر: "ما التصق منه بخصره وسرته فهو داخلة إزاره"، التمهيد، والنتيجة: قال الراوي: "فراح سهل مع الناس ليس به بأس"، نشط قام، ما فيه أثر راح مع الناس يمشي عادي وا مثل ما كان، رواه مالك في الموطأ وأحمد في مسنده واللفظ له وصححه الألباني. [رواه أحمد: 15980، وصححه الألباني في المشكاة: 4562].
قال ابن عبد البر: "وفيه أن العائن يؤمر بالاغتسال للذي عانه ويجبر عندي على ذلك إن أباه" [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: 6/241]. يعني ابن عبد البر يقول : في اجتهادي ونظري يُجبر العائن إذا رفض، يُجبر بالقوة على الاغتسال يغسلوه وغصبًا عنه، "ويُجبر عندي على ذلك إن أباه؛ لأن الأمر حقيقته الوجوب، ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به أخوه ولا يضره هو، لا سيما إذا كان بسببه وكان الجاني عليه، فواجب على العائن الغسل عندي والله أعلم"، التمهيد، ويؤيد القول بوجوب الوضوء على العائن ما جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا [رواه مسلم: 2188]. هذا أمر: فاغسلوا أي إذا طلب من أصابته العين الغسل ممن أصابه بعينه فليجبه كما في مرقاة المفاتيح، وفي طرح التثريب: "فهذا خطاب للعائن وأمر له بأن يغتسل عند طلب المعين منه ذلك وظاهره أنه على سبيل الوجوب" [طرح التثريب: 8/200]، وقال أبو العباس القرطبي: "هذا خطاب لمن يُتهم بأنه عائن فيجب عليه ذلك ويقضى عليه به إذا طلب منه ذلك، لا سيما إذا خيف على المعين الهلاك، يدهور ويتدهور ويتدهور، وهذا الغسل هو الذي سماه في بعض طرق حديث سهل بن حنيف بالوضوء"، [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 5/566].
الغسل لمعاودة الجماع
تاسعًا: من الأغسال المستحبة الغسل لمعاودة الجماع فيستحب لمن جامع وأراد أن يجامع مرة ثانية أن يغتسل بينهما، عن أبي رافع أن النبي ﷺ طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، قلت له : يا رسول الله ألا تجعله غسلًا واحدًا؟ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر رواه أبو داود وحسنه الألباني. [رواه أبو داود: 219، وحسنه الألباني في المشكاة: 470]. قال ابن رجب: "وفي إسناده بعض من لا يعرف حاله"، قال أبو داود: "وحديث أنس أصح من هذا"، وحديث أنس: أن النبي ﷺ كان يطوف على نسائه بغسل واحد"، [رواه مسلم: 309]. وفي عون المعبود: "والحديث يدل على استحباب الغسل قبل المعاودة ولا خلاف فيه، قال النسائي: ليس بينه وبين حديث أنس اختلاف".
كيف جمع بينهما النسائي؟ النسائي - رحمه الله - قال: "بل كان يفعل هذا وذلك أخرى"، يعني: أحيانًا هو طاف على نسائه أكثر من مرة، ليس مرة واحدة حصلت، لا، وهذ دليل على كمال رجولته وقوته ﷺ، فبعض الأحيان كان يغتسل بعد كل جماع، وبعض الأحيان كان يغتسل بعد الجماعات كلها، قد يقال : إذا ضاق الوقت غسل واحد وإذا اتسع الوقت غسل في كل مرة. "وقال النووي في شرح مسلم: "هو محمول على أنه فعل الأمرين في وقتين مختلفين، يعني حادثتين في وقتين مختلفين" "والذي قالاه هو حسن جدًا ولا تعارض بينهما" وهذا كلام صاحب عون المعبود، والذي قالاه لأنه هو نقل عن النسائي ونقل عن النووي، والذي قالاه حسن جدًا ولا تعارض بينهما، فمرة تركه رسول الله ﷺ بيانًا للجواز وتخفيفًا على الأمة، ومرة فعله لكونه أزكى وأطهر"، انتهى. [عون المعبود: 1/254].
وإن ترك الغسل - يعني بين الجماعين - واكتفى بالوضوء فلا حرج لما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ، ثم أراد أن يعود فليتوضأ [رواه مسلم: 308].
عاشرًا: غسل المستحاضة لكل صلاة، والمستحاضة التي لا ينقطع عنها الدم غير الحائض، المستحاضة يجب عليها الصلاة، لأن الدم ليس بدم حيض، دم نزيف دم عرق، عن عائشة زوج النبي ﷺ أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك فأمرها أن تغتسل، فقال: هذا عرق ، فكانت تغتسل لكل صلاة" [رواه البخاري: 327، ومسلم: 334].
لكن قد يقال : ألا يدل هذا الحديث على وجوب الغسل عليها لكل صلاة لما فيه من الأمر؟
والجواب: أن النبي ﷺ أمرها بالغسل إذا انقضى زمن حيضها، وأما الغسل لكل صلاة فلم يأمرها به، وإنما كانت تفعل هذا من تلقاء نفسها، وما جاء في بعض الروايات أن النبي ﷺ أمرها بالغسل لكل صلاة فهو وهم من بعض الرواة.
قال الليث بن سعد: "لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله ﷺ أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة، ولكن شيء فعلته هي، هذا في صحيح مسلم. [رواه مسلم: 334].
وقال البيهقي: "وقد روي الأمر بالغسل لكل صلاة من أوجه أخر كلها ضعيفة"، [معرفة السنن والآثار: 2202].
قال ابن رجب: "وأحاديث الأمر بالغسل لكل صلاة كلها معلولة"، [فتح الباري لابن رجب: 2/73].
وقال شيخ الإسلام: "فليس فيه أن النبي ﷺ أمرها أن تغتسل لكل صلاة ولكن أمرها بالغسل مطلقًا، فكانت هي تغتسل لكل صلاة، والغسل لكل صلاة مستحب - يعني للمستحاضة - الغسل لكل صلاة مستحب وليس بواجب، قال: ليس بواجب عند الأئمة الأربعة وغيرهم"، مجموع الفتاوى.
قال ابن قدامة: "وهذا يدل على أن الغسل المأمور به في سائر الأحاديث مستحب غير واجب، والغسل لكل صلاة أفضل لما فيه من الخروج من الخلاف، والأخذ بالثقة والاحتياط وهو أشد ما قيل، ثم يليه في الفضل والمشقة الجمع بين كل صلاتين بغسل واحد والاغتسال للصبح" [المغني لابن قدامة: 1/265].
فيصير عندنا ثلاثة أغسال، ثم يليه الغسل كل يوم مرة بعد الغسل عند انقضاء الحيض، فإذا انتهت العادة اغتسلت للحيض لانتهاء الحيض، ولكن الدم مستمر يعني مستحاضة، فتغتسل كل يوم مرة، فإذن، الواجب على المستحاضة إذا اغتسلت من الحيض واستمر الدم: الوضوء لكل صلاة، ويستحب لها الغسل لكل صلاة، ويجوز لها جمع الصلاتين بغسل، ويجوز لها أن تصلي كل صلاة وتغتسل في اليوم مرة يعني أن تصلي كل صلاة في وقتها بوضوء بالوضوء وتغتسل مرة واحدة في اليوم، ولو ما اغتسلت إلا من الحيض جاز.
غسل الميت لمن غسّله
الغسل الحادي عشر المستحب : غسل الميت لمن غسله، فيستحب لمن غسل ميتًا أن يغتسل لحديث أبي هريرة: من غسل ميتًا فليغتسل وسبق بيان المسألة وأنه ليس بواجب ولم يثبت مرفوعًا أمر فيه.
اغتسال الكافر إذا أسلم
الغسل الثاني عشر: اغتسال الكافر إذا أسلم عند الجمهور الذين يقولون بأن الاغتسال ليس بواجب على الكافر إذا أسلم إلا إذا كان جنبًا، هذا ما يتعلق بالأغسال المستحبة والله تعالى أعلم.