الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
ملخص الدرس الماضي
فقد تكلمنا في الدرس الماضي عن مفسدات الصلاة، وأن منها ترك ركن من أركان الصلاة، أو شرط من شروطها، أو تعمد ترك واجب من واجباتها، وأن الكلام في الصلاة يبطلها إذا تكلم عامدًا بكلام ليس لمصلحة الصلاة، عالماً بتحريم الكلام في الصلاة ذاكرًا غير ناس.
وأما إن كان جاهلًا تحريم الكلام في الصلاة أو تكلم ناسيًا أنه في صلاة فلا تبطل صلاته عند جمهور العلماء كما دل عليه حديث معاوية بن الحكم السلمي.
وأما من تكلم بما هو من مصلحة الصلاة فهذا محل خلاف بين أهل العلم، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أنها لا تبطل، وهذا قول الإمامين مالك والأوزاعي.
وذكرنا أنه إذا تكلم بذكر مشروع في الصلاة فلا يكره، ولا تبطل به الصلاة، مثل أن يعطس فيحمد الله أو يرى عجبًا، فيقول: سبحان الله، أو قيل له وهو يصلي: ولد لك غلام، فقال: الحمد لله، ونحو ذلك.
أما الكلام مع المخلوقين فلا يجوز ولو بالأذكار، فلو سلم مسلم فلا يقول: وعليكم السلام، ولو أن عاطسًا حمد الله فلا يقل له: يرحمك الله، وهكذا..
وتكلمنا عن التأوه والأنين والبكاء والنفخ والنحنحة، ونحو ذلك في الصلاة، وقلنا: إن الأرجح أنها لا تبطل الصلاة؛ لأن هذا لا يسمى كلامًا في اللغة التي خاطبنا بها النبي ﷺ فلا يتناوله عموم النهي عن الكلام في الصلاة، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
وقلنا بأن الضحك على ثلاث مراتب: تبسم وضحك وقهقهة.
فأما التبسم فلا تبطل به الصلاة إجماعًا.
وأما القهقهة فتبطل الصلاة إجماعاً.
وأما الضحك الذي يكون بين التبسم والقهقهة فيلحق بالأقرب منهما.
وقال بعضهم: إن ظهر منه حرفان بطلت، وإلا فلا تبطل
وقلنا: الحركة تبطل الصلاة بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن تكون كثيرة، أما لو كانت حركة يسيرة فلا تبطل الصلاة.
الشرط الثاني: أن تكون الحركات متوالية.
الشرط الثالث: أن لا تكون الحركة لوجود ضرورة تدعو لفعلها، فأما إذا وجدت ضرورة أو حاجة للحركة فلا تبطل الصلاة، وبناء على ذلك يكون سؤال هذا الأخ الذي قال فيه: إذا كان الشخص يعاني من الزكام، ويحتاج أن يمسك المنديل في يده، ويمسح أنفه طيلة الصلاة وإلا نزل هذا السائل عليه أو على سجاد المسجد فهل هذا يعتبر من الحركة الكثيرة المبطلة فما هو الجواب؟
ليس كذلك، لأنها حركة تدعو إليها الحاجة.
وقلنا: إن الحركة في الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام:
واجبة وهي الحركة التي تتوقف عليها صحة الصلاة، أو تكون لتحصيل واجب.
وحركة مستحبة وهي التي يتوقف عليها كمال الصلاة.
وحركة مباحة وهي الحركة اليسيرة للحاجة، أو الكثيرة للضرورة.
وحركة مكروهة وهي اليسيرة لغير حاجة.
وحركة محرمة وهي الكثيرة المتوالية لغير ضرورة، وهذه تبطل الصلاة.
وتكلمنا عن الأكل والشرب، وأنه من مبطلات الصلاة، فإذا أكل في صلاته أو شرب عمدًا بطلت صلاته، وسواء كان الشيء الذي أكله أو شربه كثيرًا أو قليلًا إلا إذا كان ناسيًا أو جاهلًا فلا تبطل صلاته؛ لأنه قد يبتلع شيئًا ساهيًا، وأن ابتلاع ما بين الأسنان من بقايا الطعام إذا جرى به الريق ولم يمكنه إخراجه، يعني رغمًا عنه ذهب إلى حلقه فلا يبطل الصلاة؛ لأنه لا يمكنه التحرز منه، وأما إذا ابتلع شيئًا عمدًا وهو قادر على عدم بلعه فإن صلاته تبطل.
ولما فرغ المصنف -رحمه الله تعالى- من الكلام على ما يبطل الصلاة، بدأ في الكلام عما يكره في الصلاة ولا يبطلها، فقال: ويكره الالتفات في الصلاة؛ لأن النبي ﷺ سئل عن الالتفات في الصلاة، فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد [رواه البخاري: 751].
أقسام الالتفات في الصلاة
والالتفات في الصلاة أقسام:
الأول: أن يلتفت بجملته بحيث يتحول تحولًا كاملًا عن القبلة، فهذا يبطل الصلاة؛ لأن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، فإذا خالف هذا بطلت صلاته.
الثاني: أن يلتفت بصدره مع ثبوت القدمين مكانهما، وهما باتجاه القبلة فهذا مكروه ولا شك، ولكن هل تبطل به الصلاة؟
اختلف العلماء في هذا، فذهب الشافعية والحنفية إلى أن الالتفات بالصدر عن القبلة يبطل الصلاة.
ومذهب المالكية والحنابلة أن الصلاة لا تبطل ما دامت رجلاه ثابتتان إلى القبلة، قال ابن قدامة -رحمه الله-: "ولا تبطل الصلاة بالالتفات إلا أن يستدير بجملته عن القبلة، أو يستدبر القبلة" [المغني: 2/ 8].
وبناءً على قول هؤلاء فإنه لا يبطل الصلاة إلا الالتفات الكامل.
الثالث: الالتفات بالرأس أو العين يمنة ويسرة فهذا مكروه، ولكن لا تبطل به الصلاة.
فإذًا، التفات القدمين والبدن كله، والتفات الصدر، هي مراتب، فالتفات الرأس فقط، أو نظر العين يمينًا وشمالًا لا يبطل الصلاة، ولكنه فعل مكروه، قال الحافظ -رحمه الله-: "وسبب كراهة الالتفات يحتمل أن يكون لنقص الخشوع، أو لترك استقبال القبلة ببعض البدن" ويدل على كراهة الالتفات الحديث الذي ذكره المصنف -رحمه الله- وقد رواه البخاري عن عائشة قالت: سألت رسول الله ﷺ عن الالتفات في الصلاة، فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد .
وقوله: اختلاس يعني اختطاف بسرعة، فإن المختلس هو الذي يخطف من غير غلبة ويهرب، فلما كان الشيطان قد يشغل المصلي عن صلاته بالالتفات إلى شيء ما بغير حاجة أشبه هذا المختلس، قال ابن حجر -رحمه الله-: "الحديث يدل على الكراهة وهو إجماع، لكن الجمهور على أنها للتنزيه، وقال المتولي من فقهاء الشافعية: يحرم إلا للضرورة وهو قول أهل الظاهر" [فتح الباري: 2/ 234].
قال النووي: "أجمع العلماء على استحباب الخشوع والخضوع في الصلاة، وغض البصر عما يلهي، وكراهة الالتفات في الصلاة، وتقريب نظره، وقصره على ما بين يديه" [المجموع: 3/ 314] هذا هو الذي ينبغي أن يكون، تقريب النظر وقصره على ما بين يديه، النظر إلى موضع السجود، والنظر إلى الأصبع في التشهد.
الرابع: التفات القلب، وهذا نتيجة الوساوس والهواجس التي ترد على القلب، والجريان مع الخواطر والأفكار، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: وهذه العلة لا يخلو أحد منها، وما أصعب معالجتها، وما أقل السالم منها، وهو منقص للصلاة، ويا ليته التفات جزئي ولكنه التفات، يعني أحيانًا عند بعض الناس من أول الصلاة إلى آخرها، وينطبق عليه أنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد بدليل أن الرسول ﷺ لما شكا إليه الرجل هذه الحال قال: ذاك شيطان يقال له: خِنزِب أو خَنزَب أو خُنزُب، فإن أحسست به فاتفل عن يسارك ثلاث مرات، وتعوذ بالله منه [الشرح الممتع : 3/ 226] نعوذ بالله من هذا الشيطان ومن جميع الشيطان.
وأما إذا احتاج المصلي إلى الالتفات بالعين أو بالرأس في الصلاة فلا حرج حينئذ، وهذه قاعدة الشريعة في المكروه أنه يباح للحاجة، ويدل على ذلك ما رواه مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه عن جابر قال: "اشتكى رسول الله ﷺ يعني مرض- فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قيامًا-الإمام قاعد من أول الصلاة لعلة طرأت عليه، بدأ الصلاة قاعدًا-فالتفت فرآنا قيامًا، فأشار إلينا، فقعدنا فصلينا بصلاته قعودًا" [رواه مسلم: 413].
وقد يقول قائل: إن النبي ﷺ كان يرى من خلفه في الصلاة فما حاجة الالتفات؟
فلعله لبيان جواز الالتفات في الصلاة للحاجة.
وفي قصة أبي بكر لما أم الناس، وكان رسول الله ﷺ غائبًا ليصلح بين بني عمرو بن عوف، فجاء رسول الله ﷺ، والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق التفت، وهذا هو الشاهد، أبو بكر كان لا يلتفت في الصلاة، فبدأ الصلاة إمامًا؛ لأن النبي ﷺ كان غائبًا، لما جاء النبي ﷺ أثناء الصلاة أراد الناس أن ينبهوا أبا بكر بمجيء النبي ﷺ فلما أكثروا التنبيه، التفت أبو بكر فرأى رسول الله ﷺ فاستأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله ﷺ فصلى [رواه البخاري: 684].
قال الحافظ -رحمه الله-: وفيه جواز الالتفات للحاجة"[فتح الباري: 2/ 169].
وعن سهل بن الحنظلية قال: "ثوب بالصلاة" يعني صلاة الصبح "فجعل رسول الله ﷺ يصلي وهو يلتفت إلى الشعب" [رواه أبو داود: 916، وصححه النووي، والألباني]، قال أبو داود: "وكان أرسل فارسًا إلى الشعب من الليل يحرس"[سنن أبي داود: 1/ 241].
فإذًا، هذا حصل أثناء سفر غزوة، فكان هناك حاجة أن يلتفت إلى جهة الشخص الذي أرسله حارسًا؛ لأنه قد يشير بشيء، وقد يأتي بمجيء أو بفعل يدل على شيء، من الحاجة أنه لو كان عند المرأة صبيها، وتخشى عليه أن يقع أو يعبث بشيء يضره، فصارت تلتفت إليه، فإن هذا من الحاجة، ولا بأس به؛ لأنه عمل يسير يحتاج إليه الإنسان.
ومن الالتفات المنهي عنه في الصلاة: رفع البصر إلى السماء، ففي البخاري عن أنس أن النبي ﷺ قال: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم [رواه البخاري: 750].
قال النووي -رحمه الله-: "فيه النهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك، وقد نقل الإجماع في النهي عن ذلك" [شرح النووي على مسلم: 4/ 152].
قال ابن حجر -رحمه الله-: "واختلف في المراد بذلك، فقيل: هو وعيد، وعلى هذا فالفعل المذكور حرام، وأفرط ابن حزم، فقال: يبطل الصلاة" [فتح الباري: 2/ 234]
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: "هذا وعيد شديد يدل على التحريم، ولكنه لا يبطل الصلاة"[فتاوى اللجنة الدائمة: 1 (7/ 22].
وفي الشرح الممتع: أن رفع البصر إلى السماء في الصلاة حرام "سواء رفعه في حال القراءة، أو في حال الرفع من الركوع، أو في أي حال من الأحوال"[الشرح الممتع: 3/ 226]؛ لأن بعض الناس إذا رفع من الركوع، قال: اللهم ربنا ولك الحمد، ربنا ولك ويرفع رأسه، وهذا الرفع للبصر لا يجوز، ترفع رأسك، لكن ما ترفع بصرك، رفع البصر إلى السماء في الصلاة لا يجوز في أي ركن من أركان الصلاة.
أما الحالات النادرة كرفع المصلي الذي يرابط في الجهاد في سبيل الله رأسه ليرى طائرات معادية أو صواريخ أو قذائف، ونحو ذلك لينجو منها أو يحذر منها، هذا يقع في الحروب الحديثة، يحتاج المصلون في بعض المرابطات والحراسات أثناء المعركة إلى رفع الأبصار في الصلاة لأجل قضية القذائف.
وربما يقول بعضهم: إن من السنة أن تستمر صلاة الخسوف أو الكسوف حتى ينجلي، فلو صلى في مكان مكشوف فهل له أن ينظر إليه فيعرف إذا انجلى أو ما انجلى؟
الشاهد: أن الرفع لشيء طارئ، أو سبب ضروري، فهذا بطبيعة الحال مستثنى.
أما الرفع الذي لا حاجة إليه البتة، فإن الوعيد فيه شديد، والنهي عنه أكيد، فلا يفعلنه المسلم.
العبث والحركة في الصلاة لغير حاجة
ثم قال المصنف الشيخ ابن سعدي -رحمه الله تعالى-: "ويكره العبث" والعبث والحركة الزائدة بلا مصلحة ولا حاجة، كأن يصلح ثوبًا من غير حاجة، أو يبالغ في تعديل عمامته أو غطاء رأسه، أو ينظر إلى ساعته ويحركها، ونحو ذلك، كل هذا من العبث.
واتفق الفقهاء على كراهة العبث باللحية أو غيرها من الجسد؛ لأن ذلك يتنافى مع الخشوع والسكينة في الصلاة.
وقد سبق معنا قول النبي ﷺ: اسكنوا في الصلاة [رواه مسلم: 430].
ورأى سعيد بن المسيب -رحمه الله- رجلًا يعبث في صلاته فقال: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه".
وضع اليد على الخاصرة
ثم قال المصنف -رحمه الله- في المكروهات أيضًا: "ووضع اليد على الخاصرة" فما هي الخاصرة؟ وما هو الدليل على هذا النهي؟
عن أبي هريرة قال: نهى النبي ﷺ أن يصلي الرجل مختصرًا [رواه البخاري: 1220].
قال النووي: "فالصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون من أهل اللغة والغريب والمحدثين أن المختصر هو الذي يصلي ويده على خاصرته" [شرح النووي على مسلم: 5/ 36].
وقال أبو عيسى الترمذي -رحمه الله-: "والاختصار أن يضع الرجل يده على خاصرته في الصلاة" [سنن الترمذي: 1/ 433] أو يضع يديه جميعًا على خاصرتيه، والخاصرة ما بين رأس الورك وأسفل الأضلاع، وللإنسان خاصرتان، وقد روى أبو داود -رحمه الله- عن زياد بن صبيح الحنفي قال: "صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي، فلما صلى قال: هذا الصلب في الصلاة، وكان رسول الله ﷺ ينهى عنه" والحديث صححه العراقي -رحمه الله- وقال عنه الألباني: "سنده جيد" [رواه أبو داود: 903، وأحمد: 4849].
وقوله: هذا الصلب في الصلاة يعني يشبه الصلب؛ لأن المصلوب يمد باعه على الجذع يمد باعه على الجذع وهيئة الصلب في الصلاة أن يضع يديه على خاصرتيه أو خاصرته فتحدث المجافاة بين العضد والجنب التي تحدث في الصلب.
وقد اختلف العلماء في الحكمة عن النهي عن التخصر في الصلاة أو الاختصار، أو الصلب في الصلاة، فقيل: نهي عنه لأنه من فعل اليهود.
وقيل: لأنه من فعل المتكبرين.
وقيل: لأنها هيئة لا تليق بالواقف بين يدي الله.
والأقرب أن سبب النهي عنه أنه من فعل اليهود، ويدل على ذلك ما رواه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه عن مسروق عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته، وتقول: "إن اليهود تفعله" [رواه البخاري: 3458].
قال ابن حجر -رحمه الله-: "وقول عائشة أعلى ما ورد في ذلك، ولا منافاة بين الجميع" [فتح الباري: 3/89] يعني أنه من فعل المتكبرين، وأنها هيئة لا تليق بالصلاة، لكن إذا أردنا أن نصنف الأقوال في المنزلة فأعلاها تفسير عائشة لسبب النهي عن الاختصار، أما لو كان بالإنسان عذر كمن وضع يده على خاصرته لوجع أصابه فجأة، أصابه شيء فوضع يده على خاصرته، تخصر، فهذا يجوز، وقد يحتاج إلى شيء من المجافاة لعلة في إبطه مثلًا.
على أية حال: ما تقتضيه الحاجة لا بأس به، ثم قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في المكروهات: وتشبيك أصابعه، أي ومن مكروهات الصلاة: أن يشبك بين أصابعه إذا كان فيها أو في انتظارها، وقد روى أبو ثمامة الحناط أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد، قال: فوجدني وأنا مشبك بيدي فنهاني عن ذلك، وقال: إن رسول الله ﷺ قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدًا إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة [رواه أبو داود: 562، وصححه الألباني].
فهذا الحديث دليل على النهي عن تشبيك الأصابع حال المشي إلى المسجد للصلاة؛ لأن العامد إلى المسجد في حكم المصلي وهو في صلاة لأجل الصلاة، وإذا جلس ينتظر الصلاة وهو في صلاة، قال الخطابي -رحمه الله-: تشبيك اليد هو إدخال الأصابع بعضها في بعض" [معالم السنن: 1/ 162] بعض الناس قد يشبك من الخلف.
وبعضهم يشبك من الأمام.
وبعضهم يجعلها هكذا..
وبعضهم يجعلها هكذا التشبيك إدخال الأصابع بعضها في بعض والاشتباك بهما.
وقد يفعله بعض الناس عبثًا.
وبعضهم ليفرقع أصابعه فتجده تمطى وفرقع الأصابع.
بعض الناس مواهب، فيه ناس يفرقعها كلها مع بعض، والرقبة والظهر، وكل المفرقعات في كل الجسم، وربما قعد الإنسان فشبك بين أصابعه، يقول الخطابي: واحتبى بيديه، يريد به الاستراحة، وربما استجلب به النوم، أي بالتشبيك لأنه إذا وضعها على الركبة أو احتبى بيديه ضمهما جميعًا، احتبى برجليه وضمهما بيديه المشتبكتين، فيكون ذلك سببًا في استجلاب النوم، أو انتقاض الطهارة، خروج الريح؛ لأن فيه ضغط على البطن بالفخذين، أو انكشاف العورة، لما كانوا يلبسون الأزر، وليست تحتها سراويل، ما كان عندهم ثياب وقماش زائد، بالكاد يستر الواحد عورته، فالتشبيك بين الأصابع، والاحتباء باليدين، للاستراحة، أو استجلاب النوم، أو انتقاض الطهارة، قال الخطابي -رحمه الله-: "فقيل لمن تطهر وخرج متوجهًا إلى الصلاة: لا تشبك بين أصابعك؛ لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه على اختلافها لا يلائم شيء منه الصلاة، ولا يشاكل حال المصلي" [معالم السنن: 1/ 162].
وقد ورد في حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين في موضوع سجود السهو بلفظ: "فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه" [رواه البخاري: 482، ومسلم: 573].
ولا منافاة بين هذا وما قبله؛ لأن هذا تشبيك وقع بعد ظن النبي ﷺ أن الصلاة قد انقضت، وأما النهي فهو ما كان قبل الصلاة سواء خرج من بيته إلى المسجد، أو وهو جالس في المسجد ينتظر الصلاة، فهذا الوقت كله هو في صلاة فلا يشبكن بين أصابعه؛ لأن هذا يدل على اشتباك الأمور وتعقيدها.
وقيل: إنها هيئة ليس فيها أدب، تخالف الأدب.
المهم ما كان قبل الصلاة لا يشبك، بعد الصلاة قد يلقي موعظة أو درسًا ويقول: "مثل المؤمنين في توادهم كالجسد الواحد" ويشبك بين أصابعه، فيضربه يسوقه يبين به المثل، فإذا حصل بعدها فلا حرج، ويكون النهي خاصًا بالمصلي، يعني أثناء الصلاة، هذا أوكد شيء، النهي عن التشبيك أثناء الصلاة، وبمن ينتظر الصلاة، وبمن قصد المسجد؛ لأن هذا من العبث، وليس من الخشوع، قال الإمام البخاري -رحمه الله-: "باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره" [صحيح البخاري: 1/ 103]، وأورد أحاديث عن النبي ﷺ أنه شبك بين أصابعه في المسجد وغيره.
ومنها: حديث ذي اليدين المتقدم، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "وجمع الإسماعيلي".
طبعا الإسماعيلي من أئمة الحديث والفقه، قال: "وجمع الإسماعيلي بأن النهي مقيد بما إذا كان في الصلاة أو قاصدًا لها إذ منتظر الصلاة في حكم المصلي، ثم قال الحافظ: والرواية التي فيها النهي عن ذلك ما دام في المسجد ضعيفة" [فتح الباري: 1/ 567].
والخلاصة: أن تشبيك الأصابع مكروه لمن خرج إلى الصلاة حتى يفرغ من الصلاة، وأن الجالس في المسجد بعد الصلاة لا حرج عليه في تشبيك أصابعه.
فرقعة الأصابع في الصلاة
قال المصنف -رحمه الله تعالى- في المكروهات أيضًا: "وفرقعتها" أي ومما يكره في الصلاة العبث بالأصابع وفرقعتها، وهذا عبث لا يليق بالمصلي، وهو دليل على عدم الخشوع، إذ لو خشع القلب لخشعت الجوارح وسكنت.
وعن شعبة مولى ابن عباس قال: "صليت إلى جنب ابن عباس ففقعت أصابعي، فلما قضيت الصلاة، قال: لا أم لك، تفقع أصابعك وأنت في الصلاة" [رواه ابن أبي شيبة: 7280، قال الألباني في "إرواء الغليل": "وإسناده حسن"].
قال الشيخ ابن عثيمين: "فرقعة الأصابع لا تبطل الصلاة، ولكن فرقعة الأصابع من العبث، وإذا كان ذلك في صلاة الجماعة أوجب التشويش على من يسمع فرقعتها، فيكون ذلك أشد ضررًا مما لو لم يكن حوله أحد"[مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 13/ 305].
صور الإقعاء في الصلاة
قال المصنف -رحمه الله- أيضًا في المكروهات: "وأن يجلس فيها مقعيًا كإقعاء الكلب" ما هو الإقعاء؟ ما معنى كإقعاء الكلب؟
أن يجلس فيها، يعني في الصلاة فكيف يقعي في الصلاة؟
الإقعاء له صور:
الصورة الأولى: أن ينصب فخذيه وساقيه ويجلس على أليتيه ويضع يديه على الأرض.
إذًا، نصب الفخذين والساقين والجلوس على الأليتين، ووضع اليدين على الأرض، وهذا هو المعروف من الإقعاء في اللغة العربية، وقد روى أحمد -رحمه الله- عن أبي هريرة قال: "أمرني رسول اللهﷺ بثلاث ونهاني عن ثلاث، أمرني بركعتي الضحى كل يوم، والوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ونهاني عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب" حسنه الهيثمي والألباني وصححه أحمد شاكر [رواه أحمد: 8106]
فهذا الإقعاء مكروه باتفاق العلماء كما ذكر النووي في "شرح مسلم": 5/ 19] وقالت طائفة من العلماء: إنه محرم، وهو قول في مذهب المالكية، وأهل الظاهر.
الصورة الثانية للإقعاء: أن يفرش قدميه، أي يجعل ظهورهما نحو الأرض، ظاهر القدم نحو الأرض، يفرش القدمين على الأرض، ثم يجلس على عقبيه، أين العقب؟ مؤخر القدم، العظم من الخلف، مؤخر القدم، فيفرش قدميه، ويجلس على عقبيه، فيضع الأليتين على العقبين، وهذا مكروه عند الأئمة الأربعة كما قال ابن قدامة في "المغني".
وقد أدخله كثير من العلماء في الإقعاء المنهي عنه، قال أبو عبيد: "وأما تفسير أصحاب الحديث، فإنهم يجعلون الإقعاء أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهذا عندي هو الحديث الذي فيه عقبة الشيطان الذي جاء فيه النهي عن النبي ﷺ" [غريب الحديث : 1/ 210]..
والحديث الذي أشار إليه أبو عبيد رواه مسلم عن عائشة في بيان صفة صلاة رسول الله ﷺ قالت: "وكان ينهى عن عقبة الشيطان" [رواه مسلم: 498]، وسواء سمي إقعاء أو عقبة الشيطان، فهو منهي عنه عند جميع الأئمة.
الصورة الثالثة: الإقعاء أن ينصب قدميه نصبًا، ويجلس على عقبيه، فالفرق بينها وبين الصورة التي قبلها، الصورة التي قبلها فيها فرش القدمين وجعل ظهور القدمين إلى الأرض، وهذه الصورة فيها صدور القدمين أو رؤوس الأصابع إلى الأرض، وينصب القدمين ويجلس على عقبيه، فذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الصورة أيضًا من الإقعاء المنهي عنه [المغني، و "بداية المجتهد"].
وذهب الشافعية إلى أن هذا النوع من الإقعاء ليس بمكروه، بل من السنة بين السجدتين تحديدًا، لماذا قالوا بذلك؟ لحديث رواه مسلم في صحيحه عن أبي الزبير: أنه سمع طاووسًا يقول: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين، فقال: هي السنة، فقلنا له: إنا لنراه جفاء بالرجل" [رواه مسلم: 536].
الجمهور ضبطوها بفتح الراء وضم الجيم "بالرجل".
ابن عبد البر ضبطها "بالرجل" بكسر الراء وسكون الجيم، وأنكروا عليه ذلك، فقال ابن عباس: "بل هي سنة نبيك ﷺ".
وعن طاووس قال: "رأيت العبادلة يقعون" يعني عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، رواية طاووس هذه الأخيرة عند البيهقي، وقال ابن حجر: "صحيح الإسناد".
ونقل عن أحمد -رحمه الله- أنه قال: "لا أفعله ولا أعي من فعله".
إذًا، هذا الإقعاء خاص بالجلسة بين السجدتين، رأى بعض العلماء أنها سنة أحيانًا، يعني ليست مطردة؛ لأن السنة الغالبة في الجلسة بين السجدتين هي الافتراش، أن تنصب اليمنى وتقعد على اليسرى بين السجدتين، افتراش، لكن أحيانًا أو قليلًا ما يجلس مقعيًا، بهذه الصورة الثالثة في الجلسة بين السجدتين تحديدًا، واختار الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- مذهب الجمهور، وقال عن هذا الإقعاء: ليس بمشروع لا بين السجدتين ولا في التشهدين، ولعل ابن عباس -رضي الله عنهما-: "كان يحفظ هذه السنة ثم نسخت، كما كان عبد الله بن مسعود إذا ركع طبق بين يديه وجعلهما بين فخذيه"[فتاوى نور على الدرب للعثيمين: 8/ 2، بترقيم الشاملة].
رجح الشيخ الألباني -رحمه الله- في "صفة الصلاة" مذهب الشافعية، وأن هذا الإقعاء سنة بين السجدتين أحيانًا، فأما بقية الجلسات في الصلاة فمعروف كيف تكون افتراش أو تورك.
استقبال ما يلهيه عن الصلاة
ثم قال المصنف -رحمه الله- في المكروهات أيضًا: وأن يستقبل ما يلهيه.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبيﷺ صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف، قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها أي الأولى ألهتني آنفًا عن صلاتي [رواه البخاري: 373، ومسلم: 556].
الخميصة كساء مربع من الصوف.
وقوله: وأتوني بأنبجانية كساء غليظ لا علم له، فإذا كان للكساء علم فهو خميصة، فإن لم يكن فهو أنبجانية، كان عندهم ألفاظ مأخوذة بعضها من الفارسية، بعضها من الحبشية، بعضها من الرومية، دخلت في كلام العرب.
نحن نقول الآن: بجامة، هذه ما هي لفظة عربية.
على أية حال: كان أبو جهم قد أهدى النبي ﷺ ثوبًا له أعلام، له ألوان، شيء فيه ما يلفت نظر المصلي ويشغله، فطلب النبي ﷺ رد هذا، ومراعاة لخاطر أبي جهم أمر بأن يؤتى له بدلًا منها بشيء ليس له ما يشغل المصلي، ففي الحديث: الحث على حضور القلب في الصلاة، ومنع النظر من الامتداد إلى ما يشغل المصلي، وإزالة ما يخشى الاشتغال به، وكراهية تزويق محراب المسجد وحائط المسجد ونقشه، وغير ذلك من الشاغلات؛ لأن النبي ﷺ جعل العلة في إزالة الخميصة هذا المعنى.
وفيه: أن الصلاة تصح وإن حصل فيها فكر في شاغل ونحوه مما ليس متعلقًا بالصلاة، وهذا بإجماع الفقهاء.
فإذًا، الذين يزينون سجاد المسجد ويضعون فيه الألوان الكثيرة، والتعقيدات في الأشكال، أو يجعلون الزخارف في الجدران، وربما كتبوا الأسماء الحسنى، وزخرفوا قبة المسجد، وجعلوا فيها الألوان والفسيفساء والزينات، وإذا جادلت أحدهم قال لك: نحن نزين بيوتنا، بيت الله أولى، شف الفقه الأعوج، نقول: بيت الله يجب أن يكون نظيفًا طاهرًا، طهر بيتي، التكييف التهوية التظليل، أما التلوين والزخرفة والكتابة فلا، هذا لا مصلحة للعبادة معه أبدًا، ولذلك تعلم أن ما ينفق فيها في المساجد في هذا، إنفاق بغير حق ومخالف للسنة.
ومن أشراط الساعة: أن يزخرف الناس مساجدهم، وهو من أسباب التباهي للمساجد، وربما يكون أحيانًا المنفق تاجرًا لا يدري عن شيء وكل واحداً، وهذا الواحد هو المسؤول، وربما الواحد هذا تعاقد مع المقاول والمكتب الهندسي هو المسؤول.
المكتب الهندسي عليه مسؤولية عظيمة المكتب الهندسي، تصميم داخلي.
التصميم الداخلي في المساجد تضعون هذه الأشياء؟ أين المهندس المسلم الذي يراعي التصميم الداخلي، أن تخلو المساجد من مثل هذه المنكرات؟
مدافعة الأخبثين في الصلاة
ثم قال المصنف الشيخ السعدي -رحمه الله تعالى- في مكروهات الصلاة: "أو يدخلها وقلبه مشتغل بمدافعة الأخبثين أو بحضرة طعام كما قال النبي ﷺ: لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان متفق عليه".
فيكره للمصلي أن يصلي وهو يدافع البول والغائط، أو عند حضور الطعام، والنهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين، أو بحضرة الطعام، لماذا؟
لما فيه من اشتغال القلب به، وذهاب كمال الخشوع، قال النووي -رحمه الله-: "ويلحق بهذا ما كان في معناه، مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع" [شرح النووي على مسلم: 5/ 46].
ويدل على كراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين ما رواه ابن ماجه عن أبي أمامة "أن رسول الله ﷺ نهى أن يصلي الرجل وهو حاقن" [صححه الألباني] [رواه ابن ماجه: 617].
الحاقن الذي يحبس بوله، وروى ثوبان عن رسول الله ﷺ أنه قال: "لا يقوم أحد من المسلمين وهو حاقن- يعني لا يقوم للصلاة- حتى يتخفف" [رواه ابن ماجه: 619، وصححه الألباني].
وعند أحمد بلفظ: "لا يأتي أحدكم الصلاة وهو حاقن" [رواه أحمد: 22241].
الحاقب من هو؟
الذي يحبس الغائط؛ لأنه يخرج من الإنسان، الخارج من ريح غائط بول، فلا يصلي وهو حاقن، لا يصلي وهو حاقب، الحازق الذي يلبس نعلًا ضيقة تؤلمه.
على أية حال: أي شيء يشغل المصلي يصرفه عن الخشوع فينبغي أن يزيله، ويتخلص منه، أو يزيل أسبابه.
لو صلى وهو حاقن، بعض الناس يكون مستعجلًا ويقول: أنا أذهب أتوضأ، وأذهب لقضاء الحاجة وأتوضأ وأرجع، فلو صلى وهو حاقن، فجمهور العلماء على أن من صلى وهو حاقن فصلاته صحيحة مع الكراهة، والمراد من قوله: لا صلاة بحضرة طعام نفي الكمال لا نفي الصحة؛ لأنه يمكن أن يفهم لا صلاة يعني لا صلاة أبدًا، ولا تصح، فالجمهور على أنه نفي كمال، وليس بنفي صحة.
وذهب بعض الشافعية إلى أن من صلى مع مدافعة شديدة للأخبثين لم تصح صلاته؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله ﷺ قال: لا صلاة بحضرة الطعام ولا هو يدافعه الأخبثان [رواه مسلم: 560].
وهذا القول هو رواية عن أحمد، قالوا: وهذا النفي نفي للصحة.
يدافعه الأخبثان يضغطان عليه الحاجة، قضاء الحاجة، فلو صلى وهو يدافع الأخبثين عند هؤلاء العلماء بحيث لا يدري ما يقول فصلاته غير صحيحة؛ لأن الأصل في نفي الشرع أن يكون النفي الصحة، وعلى هذا تكون صلاته في هذه الحال محرمة؛ لأن كل عباداته باطلة فتلبسه بها حرام؛ لأنه يشبه أن يكون مستهزئًا حيث تلبس بعبادة يعلم أنها محرمة.
طبعًا هذا عند البعض الذين يقولون: إنها باطلة، لكن الجمهور على أنها صحيحة مع الكراهة.
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة": "لكن لو صلى وهو كذلك فإن صلاته صحيحة، لكنها ناقصة غير كاملة، للحديث المذكور، ولا إعادة عليه"[فتاوى اللجنة الدائمة: 1 (7/ 26].
إذا كان حاقنًا وخشي إن قضى حاجته ثم تطهر أن يخرج الوقت، فهل يصلي وهو يدافع الأخبثين أو يقضي حاجته ويتطهر ويصلي ولو خرج الوقت؟
جمهور العلماء أنه يصلي وهو حاقن ولا يترك الصلاة حتى يخرج وقتها.
وذهب بعض الشافعية إلى أنه يقضي حاجته أولًا، وإن خرج الوقت ثم يصلي؛ لأن المراد من الصلاة الخشوع، فينبغي أن يحافظ عليه وإن فات الوقت، واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- فقال: "إن كانت الصلاة تجمع مع ما بعدها فليقض حاجته وينوي الجمع؛ لأن الجمع في هذه الحال جائز، وإن لم تكن تجمع مع ما بعدها كما لو كان ذلك في صلاة الفجر، أو في صلاة العصر، أو في صلاة العشاء"[الشرح الممتع: 3/ 237] فيقضي حاجته ويصلي ولو خرج الوقت.
فإذًا، الجمهور ماذا اختاروا؟
إذا خشي خروج الوقت يصلي بالمدافعة تقديمًا للوقت.
لو كانت المدافعة شديدة جدًا، فهنا يقدم قضاء الحاجة.
إذًا، إن خشي أن تفوته صلاة الجمعة أو الجماعة، واحد مثلًا في إقامة صلاة الجمعة صار يدافعه الأخبثان، خشي الآن لو ذهب وقضى حاجته وتوضأ ورجع، تكون الصلاة انتهت، تفوته الجمعة، وكذلك الجماعة، فماذا يفعل؟
عموم لفظ الحديث يدل على أنه يقضي حاجته أولًا ثم يصلي، ولو أدى ذلك إلى فوات صلاة الجماعة أو الجمعة وهو مذهب الحنابلة "المغني".
مسألة: إذا قال قائل: رجل على وضوء وهو يدافع البول أو الريح، لكن لو قضى حاجته لم يكن عنده ماء يتوضأ به، فهل نقول له: اقض حاجتك وتيمم للصلاة، أو نقول: صل بطهارة الماء التي أنت عليها وأنت تدافع الأخبثين؟
الجواب: قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع"نقول: اقض حاجتك وتيمم، ولا تصل وأنت تدافع الأخبثين، وذلك لأن الصلاة بالتيمم لا تكره بالإجماع، يعني عند فقد الماء، والصلاة مع مدافعة الأخبثين منهي عنها مكروهة.
ومن العلماء من حرمها، وقال: إن الصلاة لا تصح مع مدافعة الأخبثين؛ لقول الرسول ﷺ: لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان [الشرح الممتع: 3/ 236].
سنأتي إلى قضية الصلاة بحضرة طعام، وما معنى بحضرة طعام؟ وهل يشترط أن يقدم بين يديه أو يكفي أن يسكب في الأطباق، أو يكفي أن يكون قد نضج على النار؟ فما معنى لا صلاة بحضرة طعام؟
هذا ما سنعرفه وغيره بمشيئة الله -تعالى- في الدرس القادم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.