الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
ملخص الدرس الماضي
فنحن الآن في شرح مبطلات الصلاة، والشيخ السعدي -رحمه الله تعالى- في كتابه: "منهج السالكين" قد ذكر أمورًا، وتكلمنا في الدرس الماضي عن سجود الشكر، وعن بعض مبطلات الصلاة، فأما بالنسبة لسجود الشكر فقد ذكرنا بأنه يكون لسببين: تجدد نعمة، أو اندفاع نقمة، وأن حكم سجود الشكر من حيث الكيفية والشروط كسجود التلاوة، وأنه لا يسجد للشكر وهو في الصلاة؛ لأن سبب السجدة ليس من أفعال الصلاة المشروعة، فإن فعل بطلت صلاته؛ لأنه يكون قد أتى في إحدى الركعات مثلًا بثلاث سجدات إلا أن يكون ناسيًا أو جاهلًا بتحريم ذلك.
وتكلمنا عن مفسدات الصلاة، وأن منها ترك ركن من أركان الصلاة أو شرط من شروطها، فمن ترك ركنًا أو شرطًا من شروط الصلاة فصلاته باطلة، سواء كان تركه لذلك عمدًا أو نسيانًا أو جهلًا منه بكونه شرطًا أو ركنًا، ويستثنى من ذلك: ترك إزالة النجاسة نسيانًا أو جهلًا للدليل الوارد فيه، فمن صلى وعلى ثوبه نجاسة جاهلًا بها أو كان يعلمها ونسيها فصلاته صحيحة، وأما من ترك ركنًا أو شرطًا لكونه لا يقدر عليه فلا تبطل صلاته، كمن صلى جالسًا لعدم قدرته على القيام، أو ترك قراءة الفاتحة لكونه عاجزًا عن لفظها سواء كان أخرس أو حديث عهد بالإسلام، فهو لم يحفظ الفاتحة؛ لأنه أسلم لتوه ونحو ذلك فهذا لا تبطل صلاته لعجزه.
وسبق معنا أن من مبطلات الصلاة ترك واجب من واجباتها عمدًا، وأما إن تركه نسيانًا كأن نسي أن يقول الذكر بين السجدتين أو نسي التسبيح في الركوع فإن صلاته لا تبطل، ولكن عليه سجود السهو يسجده في آخر صلاته.
الكلام في الصلاة عمدا
ومما يبطل الصلاة:
أولًا أن يتكلم عامدًا بكلام ليس لإصلاح الصلاة، عالماً بتحريم ذلك، ذاكرًا، فهذا تبطل صلاته بإجماع العلماء.
الثاني: أن يتكلم في الصلاة جاهلًا بتحريم حكم الكلام في الصلاة لقرب عهده بالإسلام أو لكونه نشأ في بادية بعيدة عن العلم، فهذا لا تبطل صلاته عند جمهور العلماء كما دل على ذلك حديث من معاوية بن الحكم السلمي .
الثالث: أن يتكلم ناسيًا أنه في صلاة فلا تبطل صلاته عند جمهور العلماء، ويدل على ذلك حديث معاوية بن الحكم فإنه تكلم جاهلًا بالحكم ولم يأمره النبي ﷺ بالإعادة، والساهي كالجاهل، الساهي والناسي كالجاهل كما ذكر النووي -رحمه الله- في "المجموع".
وكذلك في فتاوى الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- إذا تكلم المسلم في الصلاة ناسيًا أو جاهلًا لم تبطل صلاته بذلك فرضًا كانت أو نفلًا لقول الله سبحانه: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286]، وثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أن الله قال : قد فعلت.
وفي صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي أنه شمت عاطسًا في الصلاة جهلًا بالحكم الشرعي فأنكر عليه من حوله ذلك بالإشارة، فسأل النبي ﷺ عن ذلك فلم يأمره بالإعادة، قال الشيخ : والناسي مثل الجاهل وأولى، ولأن النبي ﷺ تكلم في الصلاة ناسيًا فلم يعدها ﷺ، بل كملها كما في الأحاديث الصحيحة من حديث ابن مسعود وعمران بن حصين وأبي هريرة -رضي الله عنهم-، واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في الاختيارات.
الرابع: أن يتكلم بما هو من مصلحة الصلاة، فمذهب جمهور العلماء أن صلاته تبطل لعموم الأحاديث الصحيحة في النهي عن الكلام في الصلاة، ولأن من نابه شيء في الصلاة فقد شرع له التسبيح، وقال الأوزاعي -رحمه الله-: لا تبطل، وهذا القول رواية عن مالك وأحمد، قال مالك -رحمه الله-: الكلام في مصلحة الصلاة عمدًا لا يفسدها مثل أن يقول لإمامه : بقيت عليك ركعة أو تسليمة أو يسأله الإمام عن شيء تركه فيجيبه [شرح ابن بطال: ].
ونقل ابن مفلح في "الفروع": أنه اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، هذا الكلام عمدًا في الصلاة لمصلحة الصلاة، فالجمهور قالوا : يبطلها، يعني إذا احتاج الأمر واحد يضحي بصلاته وينبه الإمام مثلًا ويعيد من أول، وعرفنا رواية عن مالك وأحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والأوزاعي أنها لا تبطل؛ لأنه تكلم لمصلحة الصلاة حتى لو عمدًا، ويمكن أن يكون الراجح والله أعلم أنه إذا لم يجد طريقة لتنبيه الإمام على ما لا بد منه أو تنبيه الناس في الصلاة لمصلحة الصلاة لم يجد طريقة لا بالتسبيح ولا بالإشارة ولا بغير ذلك اضطر للكلام أن صلاته لا تبطل.
الخامس: أن يتكلم بكلام واجب مثل أن يخشى على صبي أو ضرير من الوقوع في هلكة، أو يرى حية أو نحوها تقصد غافلًا أو نائمًا، أو يرى نارًا يخاف أن تشتعل في شيء، ونحو هذا، ولا يمكن التنبيه بالتسبيح، فمذهب جمهور الفقهاء أن صلاته تبطل بذلك لعموم الأحاديث الدالة على تحريم كلام الآدميين في الصلاة مطلقًا سواء كان واجبًا أو غير واجب.
ومذهب الشافعية وبعض الحنابلة عدم بطلان الصلاة كما في المغني والمجموع، ومن قال بالبطلان يقول أنه يجب عليه أن يتكلم، يجب لأن فيه إنقاذ أرواح معصومين، ويؤجر على قطع صلاته للاضطرار، ولكنه يعيد الصلاة لا يصلح الاستمرار.
ومن العلماء من يقول : إذا تكلم في الصلاة لما لا بد منه اضطرارًا ولم يجد طريقًا إلا هذا فلا تبطل صلاته حتى لو كان لغير مصلحة الصلاة، وهذا الفرق بين هذه المسألة والتي قبلها، فلنفترض أن هناك حريقًا بدأ يشتعل مثلًا، اضطر أن يتكلم فالجمهور يقولون : تبطل صلاته، ولا بد أن يفعل هذا ويؤجر على فعله وتنبيهه وعليه أن يعيد.
السادس: أن يتكلم في الصلاة بذكر مشروع مثل أن يعطس فيحمد الله، أو يرى عجبًا فيقول : سبحان الله، أو قيل له وهو يصلي : ولد لك ولد فقال : الحمد لله، فهذا لا يستحب في الصلاة ولا يبطلها؛ لأنه من الأذكار والأدعية وهي مشروعة في الصلاة، يعني أصلًا جنس الذكر، والدعاء مشروع في الصلاة، وهذا داخل تحته هذا كما قال ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني".
ومعنى ذلك أن كل ذكر وجد سببه في الصلاة يجوز أن يقوله، قال النووي -رحمه الله-: إذا عطس في صلاته يستحب أن يقول: الحمد لله، ويسمع نفسه [الأذكار، ص: 271].
ويدل على ذلك ما رواه الترمذي -رحمه الله- عن رفاعة قال: "صليت خلف رسول الله ﷺ فعطست، فقلت: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى، فلما صلى رسول الله ﷺ انصرف فقال: من المتكلم في الصلاة؟ فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية: من المتكلم في الصلاة؟ فلم يتكلم أحد، خوفًا وهيبة ذلك الصحابي ما تكلم، ثم قالها الثالثة: من المتكلم في الصلاة؟ فقال رفاعة بن رافع بن عفراء: أنا يا رسول الله، قال: كيف قلت؟ قال: قلت : الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى، فقال النبي ﷺ:والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكًا أيهم يصعد بها الحديث حسنه الألباني[رواه الترمذي: 404، والنسائي: 931].
فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء من المعاصرين على هذا أيضًا، إذا عطس في الصلاة أن هذا الذكر للصلاة فيها جنس الأذكار مشروع، وقد وجد سبب الذكر في الصلاة فلا بأس أن يقال، وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: ولو أن الإنسان عطس وهو يصلي يقول : الحمد لله، ولو بشر بولد أو بنجاح ولد وهو يصلي يقول : الحمد لله، وإذا أصابك نزغ من الشيطان وفتح عليك باب الوساوس فتستعيذ بالله منه وأنت تصلي، لذا نأخذ من هذا قاعدة، وهي أن كل ذكر وجد سببه في الصلاة فإنه يقال.
الآن هذا ممكن تنفتح فيه أبواب، هطل المطر أثناء الصلاة تقول: مطرنا بفضل الله ورحمته.
سمعت نباحًا أثناء الصلاة أو نهيق حمار تقول: أعوذ بالله من الشيطان.
سمعت صوت ديك تقول: اللهم إني أسألك من فضلك.
رأيت مبتلى تقول: الحمد لله الذي عافني مما ابتلاك به.
سلم عليك واحد في الصلاة تجيبه.
إذا طردنا القاعدة، كل ذكر وجد سببه في الصلاة فإنه يقال : سنقول هذه كلها إلا ما كان فيه خطاب مع الغير؛ لأنك إذا سلم شخص فقلت : وعليكم السلام، معناها كلمت شخصًا في الصلاة، وإذا عطس وقال هو : الحمد لله، وأنت قلت : يرحمك الله، كلمت شخصًا في الصلاة، هذا الكلام مع الغير في الصلاة لا يجوز ولو بالأذكار، لكن الذكر الذي ليس فيه كلام مع الغير وإنما هو ذكر لله.
عطست فقلت: الحمد لله، إلى هنا هذا جائز.
الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أورد مسألة في أثناء الكلام عن هذه القضية، فقال: سمع المؤذن يؤذن هل يجيب أم لا يجيب؟ هب أن شخصًا يصلي الركعة الأخيرة من الوتر فسمع المؤذن لصلاة الفجر وهو في التشهد الأخير مثلًا هل يجيب المؤذن أم لا؟
قال الشيخ : قال شيخ الإسلام ابن تيمية: يجيب؛ لأن هذا ذكر وجد سببه في الصلاة، قال الشيخ ابن عثيمين معقبًا: ولكن في النفس من هذا شيء بالنسبة للأذان، ليس لأنه لا يدخل في القاعدة، هو يدخل في القاعدة، لأن الأذان سوف يستغرق جزءًا كبيرًا من الصلاة ويشغلك عنها، فالأولى أن لا يجيب المؤذنين، لكن من الممكن أنه إذا سلم أجاب المؤذن قضاء يعني معنى هذا أنه إذا أجاب المؤذن في صلاته فإنها لا تبطل لكن الأولى أن لا يجيب المؤذنين؛ لأنه يأخذ وقتًا طويلًا فيشغله عن صلاته.
أما بالنسبة للأذكار التي فيها كلام مع الناس: وعليكم السلام ورحمة الله، يرحمك الله على العطاس، ونحو ذلك، فإنها لا تجوز وتبطل الصلاة، فإذا قصد بهذا الذكر مخاطبة أحد من الناس مثل أن يستأذن عليه شخص فيقول: ادخلوها بسلام، أو يقول لرجل اسمه يحيى : يا يحيى فقيل : تبطل صلاته، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، لأنه خطاب آدمي فأشبه ما لو كلمه، واحد جاع يصلي الظهر : آتنا غداءنا، ابعثوا أحدكم بورقكم هذه، فإذا صارت كذا صار الواحد يجيب أي شيء من القرآن ويتكلم في الصلاة مع الناس.
والأصل أن الصلاة بين العبد وربه، قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، الحمد لله رب العالمين، حمدني عبدي، الرحمن الرحيم.
إذًا، هي بين العبد والرب ما هي بين العبد والعباد، والكلام الذي يقوله الإنسان للإمام يعني اضطرارًا سبحان الله، يسبح تنبيهًا، هذا اضطرار وتسبيح.
وقيل: لا تبطل صلاته إن قصد التلاوة، أو التلاوة والتنبيه معًا، وأما إن قصد التنبيه فقط من غير قصد التلاوة فتبطل صلاته، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- الذي هو التفصيل، تحدثنا عن ضابط الكلام المبطل للصلاة وهو أن كل ما يسمى كلامًا فهو منهي عنه، وما لا يسمى كلامًا فلا تبطل به الصلاة، ومعنى هذا البحث في ما لو قال المصلي مثلًا : اِهـــــــ، أو نفخ في الصلاة أو بكى في الصلاة فصار له صوت أخرج حرفاً أو أكثر هل تبطل صلاته؟
قلنا : كل ما يسمى كلامًا فهو منهي عنه، وما لا يسمى كلامًا فلا تبطل به الصلاة، وهذا واضح، الكلمة أو الكلام معروف، لكن التأوه الأنين البكاء النفخ، ونحو ذلك، هل يلحق بالكلام أم لا؟
قيل: يلحق بالكلام فإن ظهر منه حرفان بطلت صلاته وإلا فلا، وهو قول جمهور العلماء [المغني].
وقيل: لا تبطل به الصلاة، وهو قول أبي يوسف وإسحاق، وهو اختيار شيخ الإسلام -رحمه الله- قال: "فإن هذا لا يسمى كلامًا في اللغة" يعني التأوه والأنين والبكاء والنفخ "لا يسمى كلامًا في اللغة التي خاطبنا بها النبي ﷺ، فلا يتناوله عموم النهي عن الكلام في الصلاة، ولو حلف لا يتكلم لم يحنث بهذه الأمور، ولو حلف ليتكلمن لم يبر بمثل هذه الأمور"[مجموع الفتاوى: 22/ 619].
وفي حديث عبد الله بن عمرو في وصفه لصلاة رسول الله ﷺ في الكسوف، قال: ثم نفخ في آخر سجوده، فقال: أف أف، ثم قال: رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؟ ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟ [رواه أبو داود: 1194، وصححه ابن حجر في فتح الباري].
لأن النبي ﷺ رأى النار، عرضت النار أمامه في صلاة الكسوف، حتى تراجع ونفخ، قالوا : فهذا دليل على عدم بطلان الصلاة بالنفخ، وأن النفخ لا يعتبر كلامًا عرفًا.
بعض الناس في الصلاة يجيب همزة وهمزتين وهاء، فهل هذه تبطل الصلاة؟
لا تبطل الصلاة.
وكذلك لو بكى متأثرًا يئن، ويمكن يأتي بحرف الميم والميم ونون.
حكم النحنحة في الصلاة
وكذلك لو تنحنح الإمام لإصلاح صوته مثلًا، لكن هذه لا تعتبر كلامًا، فذهب جمهور الفقهاء إلى أن التنحنح لغير عذر مبطل للصلاة إذا ظهر حرفان، فإن كان لعذر فلا تفسد صلاته [المجموع: ].
وذهب المالكية إلى أن التنحنح لا يبطل الصلاة، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: وذلك أن النبي ﷺ إنما حرم التكلم في الصلاة، وقال: إنه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين، وأمثال ذلك من الألفاظ التي تتناول الكلام.
والنحنحة لا تدخل في مسمى الكلام أصلًا فإنها لا تدل بنفسها ولا مع غيرها من الألفاظ على معنى، ولا يسمى فاعلها متكلمًا، وإنما يفهم مراده بقرينة فصارت كالإشارة [مجموع الفتاوى: 22/ 617].
قال ابن قدامة: ونقل المروذي قال: كنت آتي أبا عبد الله فيتنحنح في صلاته لأعلم أنه يصلي، فهذا الطالب كان يأتي للشيخ، وهو طالب مجد مجتهد، له مكانته عند الإمام أحمد، كان الإمام أحمد يحبه جدًا، والمروذي ملازم لأحمد، ونقل عنه علمًا كثيرًا، فيأتي للشيخ، والشيخ يصلي فيتنحنح لينتظره، ليعلم أنه في صلاة فينتظره حتى يفرغ من الصلاة؛ لأن الإنسان قد يسلم من خارج البيت أو الغرفة، فإذا ما سمع ردًا مشى وانصرف، فكان الإمام أحمد -رحمه الله- يظهر النحنحة، قال: رأيت أبا عبد الله يتنحنح في الصلاة، قال أصحابنا: هذا محمول على أنه لم ينتظم حرفين، وظاهر حال أحمد أنه لم يعتبر ذلك؛ لأن النحنحة لا تسمى كلامًا، وتدعو الحاجة إليها في الصلاة [المغني: 2/ 40].
إذًا، النحنحة لا تبطل الصلاة، والإمام أحمد -رحمه الله- ليس ممن يقول بأنه إذا ظهر حرفان تبطل، ليس ممن يعتبر ذلك، وروى النسائي عن علي قال: "كان لي من رسول اللهﷺ مدخلان مدخل بالليل ومدخل بالنهار، فكنت إذا دخلت بالليل تنحنح لي"، ولكنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة كما ذكر الألباني -رحمه الله- في "تمام المنة".
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: النحنحة والنفخ والبكاء كلها لا تبطل الصلاة، ولا حرج فيها إذا دعت إليها الحاجة، ويكره فعلها لغير حاجة، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: والقول الراجح أن الصلاة لا تبطل بذلك ولو بان حرفان؛ لأن ذلك ليس بكلام، والنبي ﷺ إنما حرم الكلام، اللهم إلا أن يقع ذلك على سبيل اللعب فإن الصلاة تبطل به لمنافاته الصلاة فيكون كالقهقهة.
فإذًا، لو قام بعض الطلاب في مصلى المدرسة من العابثين، وكل واحد يتنحنح من جهة، وهذا يتنحنح، وهذا يجيبه من آخر الصف، وهذا من أول الصف، هذا صار عبث، خلاص هذا يبطل الصلاة، هذا عبث، صارت لعب المسألة الآن، لكن واحد حصل له طارئ في الصلاة، واحد يصلي سكب عليه ماء بارد، بعض الناس يقول : اِهـ، في هاءات تطلع، أو واحد مثلًا قرب منه شيء حار، فقال: احح، فأظهر حرف أو أكثر همزة وحاء، أو حاء، أكثر من حاء، هذا الآن صار شيء فجأة، فغلبه البكاء الخشوع تأوه، أصابه ألم، قال: آه مثلًا من الألم، فجأة ألم هذا لا تبطل به الصلاة.
حكم القهقهة في الصلاة
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "وبالقهقهة" يعني أنها تبطل بالقهقهة، والضحك على ثلاث مراتب: تبسم، وضحك، وقهقهة، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: قال أهل اللغة : التبسم مبادئ الضحك، أول الضحك تبسم، والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور.
إذًا، إذا ابتسم بدون أن تظهر الأسنان هذا تبسم وليس بضحك، فإذا ظهرت الأسنان وانبسط الوجه هذا صار ضحكًا فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة، إذًا الآن المراتب ثلاثة.
أما التبسم فلا تبطل الصلاة به قال ابن المنذر -رحمه الله-: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم غير ابن سيرين على أن التبسم في الصلاة لا يفسدها ["المغني" و "المجموع"].
وأما القهقهة فتبطل بها الصلاة مطلقًا بإجماع العلماء، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة، ومراده بالضحك الذي يكون قهقهة، قال ابن قدامة: ولا نعلم فيه مخالفًا، قال شيخ الإسلام: إن القهقهة فيها أصوات عالية تنافي حال الصلاة وتنافي الخشوع الواجب في الصلاة، وأيضًا فإن فيها من الاستخفاف بالصلاة والتلاعب بها ما يناقض مقصودها فأبطلت لذلك لا لكونه متكلمًا [مجموع الفتاوى: 22/ 617].
إذًا، لماذا تبطل القهقهة الصلاة هل لأنها كلام؟
لا.
هذه قهقه: هه، هه، هه، هذا ليس كلامًا، لكنه يبطل الصلاة؛ لأنه عبث، ويناقض مقصود الصلاة، وهو استخفاف فيبطلها من هذه الجهة، لا لكونها كلامًا، وسواء قلت أم كثرت كما قال ابن قاسم في حاشيته على الروض، وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: وإن قهقه مغلوبًا على أمره، هذا قد يحدث مثلًا أحيانًا يجي الولد الصغير يعمل حركة أو شيء أمام المصلي مضحك جدًا، فالآن هذا لم يملك أمره، يعني هو لم يتعمد أن يعبث وإنما صار أمامه موقف مضحك جدًا ما هو الحكم؟
الشيخ قال: وإن قهقه مغلوبًا على أمره فإن بعض الناس إذا سمع ما يعجبه لم يملك نفسه من القهقهة، فقهقه بغير اختياره فإن صلاته على القول الراجح لا تبطل، كما لو سقط عليه شيء فقال بغير إرادة منه : آح إح أخ مثلًا آه آخ أي شيء أي صوت يقع منه أثناء وقوع شيء عليه، قال : فإن صلاته لا تبطل أيضًا لأنه لم يتعمد المفسد. [الشرح الممتع].
الأحوط أن يعيد الصلاة إذا قهقه، لكن الشيخ ذكر تفصيلًا إذا لم يملك نفسه، هذه حادثة وقعت في أحد المساجد قريب من هنا، جاء واحد وصلى إمامًا بالناس، قرأ بعد الفاتحة، القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة، ونسي، أعاد القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة، وسكت ينتظر الذي وراه، اللي وراه عوام ما يعرفون وسكت ويعيد ويسكت ويعيد ويسكت، فواحد كبير في السن، وهذه تجي أحيانًا من الشيبان، وهم لهم بعض المواقف المشهودة في طرف الصف طَولَت، قال: وأنت إذا لا صرت لا تدري ما القارعة نحن نبقى هكذا واقفين إلى قيام الساعة.
هو ليس الآن شخص يتعمد أن يقهقه في الصلاة عبثًا، لكن طيب صار كذا الموقف، يعني هنا في المسجد هذا في واحد من الشيبان جزاه الله خيراً، الناس واقفون في الصلاة، هو أحيانًا لا بد أن يتحمل الإنسان كبار السن؛ لأنه قد يتصرف بشيء غير، الناس واقفون الآن في الصلاة فجأة هو بين الصف قال : اِفــــــــــــ ماني على وضوء، يعني هذا الذي بجانبه أيش رأيك يكون وضعه؟ ولذلك الشيخ قال: وإن قهقه مغلوبًا على أمره، فإن بعض الناس إذا سمع ما يعجبه لم يملك نفسه من القهقهة، فقهقه بغير اختياره فإن صلاته على القول الراجح لا تبطل، كما لو سقط عليه شيء فقال بغير إرادة منه: أح، فإن صلاته لا تبطل أيضًا، لكنه لم يتعمد المفسد.
حكم الضحك في الصلاة
وأما الضحك وهو ما بين التبسم والقهقهة، فذهب جمهور الفقهاء إلى بطلان الصلاة بالضحك إن ظهر بالضحك حرفان وإلا فلا [المجموع].
وقال بعض الباحثين في هذه المسألة في بحث نشرته "مجلة البحوث الإسلامية" التابعة لإدارة الإفتاء: فإن كان الضحك بين التبسم والقهقهة أي ليس تبسمًا ولا قهقهة، فالذي يظهر لي أنه يلحق بالأقرب منهما والله أعلم، فإن كان أقرب إلى التبسم لا تبطل، وإن كان أقرب إلى القهقهة تبطل الصلاة.
الحركة الكثيرة الغير ضرورة
وبالحركة الكثيرة عرفًا المتوالية لغير ضرورة، قال المصنف -رحمه الله- الشيخ السعدي في مبطلات الصلاة: "وبالحركة الكثيرة عرفًا المتوالية لغير ضرورة" أي ومن الأمور التي تبطل الصلاة كثرة الحركة فيها.
شروط الحركة المبطلة للصلاة
وقد ذكر المصنف لبطلان الصلاة بالحركة ثلاثة شروط:
الأول: أن تكون الحركة كثيرة، أما لو كانت حركة يسيرة فلا تبطل الصلاة، قال النووي: إن الفعل الذي ليس من جنس الصلاة إن كان كثيرًا أبطلها بلا خلاف، وإن كان قليلًا لم يبطلها بلا خلاف، هذا هو الضابط، ثم اختلفوا في ضبط القليل، ما حد القليل وحد الكثير؟ ثم رجح -رحمه الله- أن الضابط في التمييز بين الحركة الكثيرة واليسيرة هو العرف كما ذكره المصنف، قال: "وبالحركة الكثيرة عرفًا" قال النووي: "فلا يضر ما يعده الناس قليلًا كالإشارة برد السلام".
هذا ثبت في السنة، الإشارة برد السلام فهو قطعًا لا يبطل الصلاة، وخلع النعل، ورفع العمامة ووضعها، ولبس خف ونزعه، وحمل صغير ووضعه، ودفع مار، ودلك البصاق في ثوبه إذا لم يجد شيئًا، واضطر في طرف الثوب، وأشباه هذا، وأما ما عده الناس كثيرًا كخطوات كثيرة متوالية وفعلات متتابعة فتبطل الصلاة.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في ضابط الحركة الكثيرة: وليس لذلك حد محدود فيما نعلمه من الشرع المطهر، والقول بتحديده بثلاث حركات قول ضعيف لا دليل عليه، فإنما المعتمد كونه عبثًا كثيرًا في اعتقاد المصلي، فإذا اعتقد المصلي أن عبثه كثير وقد توالى فعليه أن يعيد الصلاة إن كانت فريضة [مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز: ].
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله-: والحقيقة أن العرف فيه شيء من الغموض ولا يكاد ينضبط؛ لأن الأعراف تختلف باختلاف البلدان، وباختلاف الأفهام، وقد يرى بعض الناس هذا كثيرًا وقد يراه آخرون قليلًا، ولكن أقرب شيء أن يقال: إننا إذا رأينا هذا الشخص يتحرك ويغلب على ظننا أنه ليس في صلاة لكثرة حركته، فينبغي أن يكون هذا هو الميزان أن تكون الحركة بحيث من رأى فاعلها ظن أنه ليس في صلاة؛ لأن هذا هو الذي ينافي الصلاة، يعني أنت تقول : ما هو معقول هذا يصلي، رأيت شخصا حركات كثيرة، فقلت : هذا ما يمكن يكون الآن في صلاة، هذا ضابط؛ لأن هذه صلاة باطلة، ولو كان في صلاة فإنها باطلة، قال الشيخ: أما الشيء الذي لا ينافيها وإنما هو حركة يسيرة فلا تبطل الصلاة به، وقدر بعض العلماء الحركة الكثيرة بثلاث، ولكن هذا تقدير لا دليل عليه؛ لأن النبي ﷺ فتح الباب لعائشة، وكان الباب في القبلة فتقدم ثم رجع، فهذه أكيد فيها أكثر من ثلاث حركات، يعني هذه خطوة الرجل والثانية والثالثة وفتح الباب، والرجوع إلى الخلف، هذا أكثر من ثلاث، وفي الصلاة الكسوف تقدم ورجع وتأخر لما عرضت النار عليه في القبلة، وحين صنع له المنبر صار يصلي عليه فيصعد عند القيام من الركوع، وينزل للأرض عند السجود ليعلمهم كيفية الصلاة، ارتقى على مكان عالٍ وقت السجود ينزل ووقت القيام يصعد، هذه فيها صعود وهبوط ومنبر ثلاث درجات، يعني فيها أكثر من ثلاث حركات.
وعن أبي قتادة أن رسول الله ﷺ كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله ﷺ فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها، فهذا حمل الطفل، ووضع الطفل، وحمل الطفل، وضع الطفل، إذا كانت أربع ركعات فهذه ثمان حركات أقل شيء، فهذه أكثر من ثلاث، التحديد بثلاث ليس بصحيح، لكن أنا أريد أن أقول ملاحظة : في بعض الأماكن، بعض المجتمعات عندهم تساهل كبير في الحركة في الصلاة، يعني ما يكاد يبقي شيء حركة باليدين والنظارة والساعة، والأزرار، وكل شيء ، وتجد الأعجمي الذي تربى في بيئة حنفية على مذهب أبي حنيفة، وعلموه أن ثلاث حركات تبطل الصلاة، تجد هذا الأعجمي إذا قام أحسن من العرب الذي في المسجد في خشوعه، وحتى لو أحيانًا انفتحت فرجة في الصف وجذبته ما يتحرك، هو يعتقد أن هذه تبطل الصلاة، علموه ما في حركة.
هذا الآن على كونه تعلم على شيء ما له دليل، ثلاث حركات، لكنه في النتيجة خير من أصحاب خمسة عشر حركة، من ناحية التحقيق العلمي لابد أن تقول : أن ثلاث لا دليل عليها، لكن ما هو معناها المسألة مفتوحة، وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [البقرة: 238]، أين القنوت؟ أين الأدب بين يدي الله؟ وأين الخشوع؟
شروط الحركات المبطلة للصلاة
شروط الحركات التي تبطل الصلاة:
أولًا: أن تكون كثيرة.
ثانيًا: أن تكون متوالية، فيشترط في الفعل الكثير المبطل أن يكون متواليًا عرفًا، فلو كان مفرقًا لم تبطل الصلاة كما لو تحرك حركة في الركعة الأولى، وحركة في الثانية، وحركة في الثالثة، وحركة في الرابعة، وحركة في التشهد مثلًا، خمسة كثير، لكن هذه انفردت عن الأخرى، ولم تقع متوالية فلا تبطل الصلاة، لكن ينقص من أجره، هذه الحركات التي ليس لها داعي، ولا حاجة تنقص من أجره.
الشرط الثالث لإبطال الصلاة بالحركات: أن تفعل بلا حاجة ولا ضرورة، ودليل ذلك قول الله -تعالى-: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا [البقرة: 238-239]، رجالًا يعني راجلين، يعني صلوا وأنتم تمشون أو ركبانًا، صلوا على الرواحل، على الدواب، ومعلوم أن الماشي يتحرك كثيرًا، فلو فرض أنه لما شرع في صلاته أحس بأن سبعًا وراءه يريده أو عدواً، وليس معه ما يدافع به فهرب وهو يصلي فصلاته صحيحة؛ لأنه في حال ضرورة ولا حرج عليه، ولو توجه إلى غير القبلة.
وهذه صلاة الطالب والمطلوب، لو أن مسلمًا يطارد عدوًا ولا مجال للتأخير ولا لجمع الصلاتين، فإن عليه أن يصلي على حسب حاله.
المطاردة ممكن تأخذ ساعات يصلي وهو طالب العدو، وكذلك لو كان مطلوبًا العدو يطارده وهو يهرب منه، فإنه لو حضر وقت الصلاة، هو ما يمكن التأجيل يصلي على حسب حاله، ولو إلى غير القبلة مع الحركات الكثيرة، ومثل أن يهاجمه سبع فإن لم يعالجه ويدافعه أكله، أو حية إن لم يدافعها لدغته أو عقرب إن لم يقتله لسعه، فهذا الفعل ضرورة فلا تبطل به الصلاة، ولذلك قال النبي ﷺ: اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب [رواه أبو داود: 921، وصححه الألباني]، قال في "شرح السنة": وفي معنى الحية والعقرب كل ضرار مباح القتل كالزنابير ونحوها" [شرح السنة: 3/ 268].
وقال الإمام أحمد: يجوز له أن يذهب إلى النعل فيأخذه ويقتل الحية والعقرب ثم يعيده إلى مكانه.
إذا اجتمعت الشروط الثلاثة في الفعل حركة كثيرة متوالية لغير ضرورة أبطلت الصلاة.
أقسام الحركة في الصلاة
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: الحركة في الصلاة التي ليست من جنس الصلاة، يعني ما هي ركوع ولا سجود، ولا قيام، تنقسم إلى خمسة أقسام:
أولًا: حركة واجبة.
ثانيًا: حركة مندوبة.
ثالثًا: حركة مباحة.
رابعًا: حركة مكروهة.
خامسًا: حركة محرمة، والذي يبطل الصلاة منها هو المحرم، فالحركة الواجبة هي الحركة التي تتوقف عليها صحة الصلاة، أو تكون لتحصيل واجب، وصورها كثيرة كرجل ابتدأ الصلاة إلى غير القبلة بعد أن اجتهد، هو بطريق سفر، نزل منزلًا، ما في أحد يسأله، فتوجه إلى جهة، اجتهد وصلى، مر به مار في الطريق، ورآه يصلي إلى غير جهة القبلة، فنزل وقال له: يا فلان، يا عبد الله، يا أيها المصلي، ترى القبلة عكس الجهة التي أنت تصلي إليها، القبلة عن يمينك، خذ خمسة وأربعين درجة، ونحو ذلك، فهذا يجب عليه في الصلاة أن يتحرك ولمصلحة الصلاة؛ لأنه سيحقق بهذه الحركة شرطًا من شروط الصلاة، وقد جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح، هؤلاء المصلين في صلاة الصبح في مسجد قباء، غير المصلين مع النبي ﷺ في المسجد النبوي إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله ﷺ قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة".
قال ابن حجر -رحمه الله-: ووقع بيان كيفية التحول في حديث ثويلة بنت أسلم عند ابن أبي حاتم، وقالت فيه: فتحول النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين إلى البيت الحرام.
إذًا، هي أربع ركعات، صلوا ركعتين إلى الشام على حسب علمهم الأول، فجاءت في منتصف الصلاة، فقال لهم: القبلة صارت إلى الكعبة فاستقبلوها، معلوم أن الشام شمال المدينة ومكة جنوب المدينة، فالتحول كلي الآن، والعجب من فقه الصحابة كيف تحولوا لأن هذه في مسجد ليست سهلة أبدًا، أنت تصور الإمام إلى هذه الجهة وراءه الرجال وراءه النساء الإمام إلى جهة القبلة، هذه وراء صفوف الرجال، ووراءهم صفوف النساء، ثم قيل لهم في الصلاة : القبلة عكس ما أنتم عليه، لو استدار الإمام في مكانه، يعني هو في مكانه استدار بالعكس ما تنحل المشكلة وراءه، الآن صفوف سيكون المأمومون كلهم أمامه في هذه الحالة، والنساء أمام الرجال، فكيف تحولوا في الصلاة، يعني هذا يدل على فقههم، هذه المسألة لو صارت اليوم في مسجد ضاعوا قطعًا حتى لو كلهم رجال، ويمكن عندهم اطلاع، لكن الصحابة بفقههم تحولوا، معنى ذلك أن الإمام مشى إلى الجهة الأخرى من المسجد، وجهه إلى القبلة، وتحولت وراءه، صفوف الرجال وراء بعض، وتحولت النساء وراء الرجال، هذه الحركة في مسجد، مسجد قباء تدل على فقه، وعلى استيعابهم للأمر، ولما جاءهم مفاجئًا، ما في تدريبات، ما سووا عليها بروفات، هذه صارت فجأة، قال ابن حجر: وتصويره أن الإمام تحول من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد؛ لأن من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس، وهو لو دار كما هو في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف، ولما تحول الإمام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه، وتحولت النساء حتى صرن خلف الرجال، وهذا يستدعي عملًا كثيرًا، فيحتمل أن يكون ذلك وقع قبل تحريم العمل الكثير كما كان قبل تحريم الكلام، ويحتمل أن يكون اغتفر العمل المذكور من أجل المصلحة المذكورة [فتح الباري: 1/ 507].
ومن الحركة الواجبة مثلًا ما لو ذكر للإمام أن على غترته هذه أو غطاء رأسه نجاسة، وهو يصلي يجب عليه أن يخلعها لإزالة النجاسة، ويمضي في صلاته، كذلك لو أخبر أن على ثوبه نجاسة خلعه في الصلاة إذا كان لا يؤدي إلى كشف العورة، أما إذا كان يؤدي إلى كشف العورة فيجب أن يخرج من الصلاة.
من الحركة الواجبة أيضًا: منع المار بين يدي المصلي، الإمام والمنفرد إذا أراد مار أن يمر بين يديه أو بينه وبين سترته يمنعه، والمنع هذا فيه حركات، يمد يده ويدفع، وهذا يدفع ويدفع، هذه حركة، لكنه يفعله.
كذلك لو تبين له أنه متقدم على جيرانه في الصف فإنه يرجع استواء الصف، وهذا واجب، لو واحد اشتغل جواله وفيه موسيقى في المسجد يجب عليه أن يقفله؛ لأن هذا منكر وحرام، هو يأثم على وضعه على الموسيقى، وإذا اشتغل يجب أن يقفله، يجب ولا يجوز أن يترك الموسيقى تصدح في المسجد.
الحركة الثانية: المندوبة والمستحبة يتوقف عليها كمال الصلاة وليس صحة الصلاة، ولها صور مثل إذا وقع الإحرام، الرداء، المنشفة عن كتفيه فيغطيهما لستر العاتقين على قول الجمهور أن سترهما مستحب، ومن العلماء من يقول: سترهما واجب، وكذلك لو صار بينه وبين جاره فرجة فتحرك لسد الفرجة، ولو صف إلى جانبيه رجلان فتقدم هو ليكون إمامًا، وكذلك لو وقف عن يسار الإمام فيحركه ليكون عن يمينه.
أما الحركة المباحة فهي الحركة اليسيرة للحاجة، أو الكثيرة للضرورة، مثل رجل يصلي في الظل فأحس ببرودة فتقدم أو تأخر أو تيامن أو تياسر، صار بعضه في الظل وبعضه في الشمس، وهو يصلي منفردًا، ونحو ذلك، أصابته حكة في الصلاة فحك للحاجة.
والحركة المكروهة هي اليسيرة لغير حاجة كما يوجد في كثير من الناس الآن كالنظر في الساعة، العبث باللحية.
أما المحرمة فهي الكثيرة المتوالية لغير ضرورة، فهذه تبطل الصلاة، ويدل على تحريم الحركة الكثيرة في الصلاة أن الأصل في الصلاة هو السكون وعدم الحركة، وقد قال النبي ﷺ: ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة [رواه مسلم: 430].
قد أجمع العلماء على أن الحركة الكثيرة المتوالية لغير حاجة تبطل الصلاة.
أقسام الأمور التي تبطل الصلاة
ثم قال المصنف -رحمه الله-: "لأنه في الأول ترك ما تتم العبادة إلا به، وبالأخيرات فعل ما ينهى عنه فيها" أي أن الأمور التي ذكر أنها تبطل الصلاة تدور على شيئين:
الأول: ترك ما يجب فيها مثل ترك ركن أو شرط أو واجب متعمدًا، أما فعل ما يحرم فيها.
الثاني: مثل أن يتكلم بكلام الآدميين أو يضحك وما أشبه ذلك فهذه تبطل.
الأكل والشرب عمدا في الصلاة
ومن الأشياء المحرمة في الصلاة ولم يذكرها المصنف -رحمه الله-: الأكل والشرب، فإذا أكل في صلاته أو شرب عمدًا بطلت صلاته، قال ابن المنذر -رحمه الله-: أجمع أهل العلم على أن المصلي ممنوع من الأكل والشرب، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أكل أو شرب في صلاة الفرض عامدًا أن عليه الإعادة، وسواء كان الشيء الذي أكله أو شربه كثيرًا أو قليلًا، قال في "المبدع": وهو إجماع من نحفظ عنه في الفرض؛ لأنهما ينافيان الصلاة" [حاشية الروض المربع: 2/ 149].
وأما في النفل فرخص بعض العلماء في جواز الشرب اليسير للحاجة مثل قيام الليل الطويل في وقت الحر مثلًا، وهذه الرواية عن أحمد، واستدل بفعل ابن الزبير فقد رواه ابن أبي شيبة وصح عن ابن الزبير، ولأن النفل أخف في الأحكام من الفرض، ولذلك يصح مع الجلوس ولغير القبلة في حال السفر، وركوب الراحلة، ولأن المصلي قد يحتاج إلى الشرب مع إطالة النافلة، ولكن جمهور الأئمة الثلاثة على أنه لا فرق بين الفرض والنفل، وهو رواية عن الإمام أحمد أيضًا، وإن أكل أو شرب ناسيًا أو جاهلًا لم تبطل صلاته عند الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد خلافًا لأبي حنيفة، قال: تبطل، أما الأئمة الثلاثة قالوا: لا تبطل في الناسي، ولأن الصوم الذي ركنه الأساسي الامتناع عن الطعام والشراب لا يبطل بالأكل ناسيًا، فالصلاة أولى، قال ابن قدامة: "ومتى كثر ذلك" يعني الأكل والشرب "أبطلت الصلاة بغير خلاف؛ لأن الأفعال المعفو عن يسيرها إذا كثرت أبطلت" [المغني: 2/ 47] يعني ولو قال : أنا ناسي فإذا كثر منه يقال : تبطل وتعرف القلة والكثرة بالعرف.
حكم ابتلاع الطعام الباقي بين الأسنان في الصلاة
وأخيرًا: ما حكم ابتلاع الطعام الباقي بين الأسنان أثناء الصلاة؟ فإذا جرى به الريق ولم يمكنه أن يخرجه فلا تبطل الصلاة بذلك عند جميع الأئمة؛ لأنه لا يسمى أكلًا، يعني هذا بلعه رغمًا عنه، ولا يمكن التحرز منه، قال ابن قدامة: وإن بقي بين أسنانه أو في فيه من بقايا الطعام يسير يجري به الريق فابتلعه لم تفسد صلاته؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه [المغني: 2/ 47].
أما إذا ابتلعها عمدًا وهو قادر على إخراجها فتبطل صلاته ولو كانت شيئًا يسيرًا، وهو مذهب جمهور العلماء [المجموع: للنووي].
وعند الأحناف أنها إذا كانت دون الحمصة فلا تبطل الصلاة، لكن تبطل عندهم إذا أكثر من المضغ، يعني ثلاث حركات متوالية عندهم تبطل ولو لم يبتلع شيئًا، ولذلك لو قال واحد : والعلكة؟ العلكة أثناء الصلاة ما نبتلع منها شيء نقول : هذه الحركة حركة المضغ هذه لا حاجة ولا ضرورة، وأنت تمضغ في الصلاة؛ لأن بعض الشباب في المدارس ويجادل فيها يقول : ما بلعناه، فهذه حركة تبطل الصلاة، تكرارها بلا حاجة ولا ضرورة، فهذا بالنسبة لبلع بقايا الطعام إذا ذهب عمدًا، وإذا ذهب رغمًا عنه.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد.