الأربعاء 10 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 11 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أحكام المياه - الدرس الرابع


عناصر المادة
ملخص الدرس الماضي
طرق تطهير الماء إذا وقعت فيه نجاسة
وقوع النجاسة في المائعات غير الماء
حكم استعمال ماء زمزم لرفع الحدث وإزالة النجاسة
حكم إزالة النجاسة بماء زمرم
حكم استعمال الماء المسخن والماء المشمس
حكم الاغتسال بفضل المرأة
حكم استعمال آبار مياه ثمود، آبار مدائن صالح
الأصل في الأشياء الطهارة والإباحة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

ملخص الدرس الماضي

00:00:15

فقد تحدثنا في الدرس الماضي عن مسألة النجاسة التي تقع في الماء القليل ولا تغير شيئًا من صفاته.

وذكرنا: أن مذهب جمهور أهل العلم أن ورود النجاسة على الماء القليل ينجسه مطلقًا سواء تغير أو لم يتغير.

وذكرنا: أدلتهم على هذا القول ومن أشهرها: حديث القلتين، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:  إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث [رواه أبو داود: 63، والترمذي: 67، وأحمد: 4961، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"].

وكذلك: حديث:  طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب [رواه مسلم: 279] قالوا: إن ولوغ الكلب لا يغير الماء.

ومع ذلك أمر بغسل الإناء.

وثالثًا: حديث:  إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا فإنه لا يدري أين باتت يده [رواه مسلم: 278].

ونهاه عن غمس يده في الإناء.

وعلة الحكم عند الجمهور خشية أن تكون قد مرت على نجاسة أثناء نومه وهو لا يدري، والنجاسة التي تكون على اليد لا تغير الماء، يعني قليلة خفيفة، ومع ذلك نهى عن إدخال اليد في الإناء قبل غسلها.

وذكرنا: الأقوال الأخرى في علة هذا النهي الذي في الحديث الأخير، وأنه يحتمل أن يكون قد نهى القائم من نومه عن إدخال يده في الإناء، حتى يغسلها بأنه قد يكون من عبث الشيطان بيده وهو نائم أو أن يصبح الماء مما يعاف، يعني أن يقوم إنسان من النوم ويدخل يده في إناء مباشرة هذا نفسيًا مما يتقذر، فيمكن أن يتقذره هو أو أحد آخر ممن يريد استعمال الإناء من بعده.

وذكرنا المذهب الآخر، وهو أن الماء لا ينجس إلا بالتغير سواء كان كثيرًا أم قليلًا، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

ومن أبرز أدلتهم: حديث: بئر بضاعة، وهو الذي قال فيه النبي ﷺ: إن الماء طهور لا ينجسه شيء ، فالذين قالوا: إن الماء لا ينجس إلا إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه بنجاسة، احتجوا بحديث بئر بضاعة ليس بكمية الماء الموجودة في البئر، وإنما لأن هذا الحديث حديث بئر بضاعة فيه قوله ﷺ: إن الماء لا ينجسه شيء  يعني أن الله خلقه أصلًا طاهر، وأنه لا ينجسه شيء، فهو يحتمل ما وقع فيه، ولكن إذا تغير بأحد أوصاف النجاسة لونًا أو طعمًا أو ريحًا فيصبح نجسًا.

وقد أجمع العلماء على أنه ينجس بالتغير، فبقي ما عدا ذلك على الأصل وهو الطهارة.

وذكرنا أقوال العلماء في التوفيق بينه وبين حديث القلتين، وأن من يقدم حديث: إن الماء طهور لا ينجسه شيء ، وهو حديث بئر بضاعة، فبناء على أن المنطوق يقدم على المفهوم  الماء طهور لا ينجسه شيء .

ومن يقدم حديث القلتين فلأنه خاص، وحديث بئر بضاعة عام.

وهذه المسألة كما قال الإمام الشوكاني -رحمه الله-: "من المضايق التي لا يهتدي إلى ما هو الصواب فيها إلا الأفراد"[نيل الأوطار: 1/ 46].

وقد أفاض ابن القيم -رحمه الله- في مناقشة هذه المسألة في كتابه "تهذيب السنن".

كانت خلاصة الرأي الأخير.

إذًا، أن الماء إذا لم يتغير أحد أوصافه بنجاسة فيبقى على الأصل وهو الطهارة.

طرق تطهير الماء إذا وقعت فيه نجاسة

00:04:27

وتكلمنا عن طرق تطهير الماء الذي تنجس وقعت فيه نجاسة كيف يطهر، فذكرنا مثلًا: المكاثرة يصب عليه ماء آخر، وهكذا حتى تزول أوصاف النجاسة، أو أن تزول النجاسة بطول المكث والشمس والريح، ونحو ذلك، فتزول أوصاف النجاسة بطول المكث مع مرور الزمن، أو النزح مثل إذا وقعت جيفة في بئر البئر له مستوى معين، وهذه الجيفة قد تغير الماء الذي في البئر، فإذا نزحنا يعني أزلنا مثلًا الجيفة ونزحنا الماء، سيخرج ماء بدل الماء المنزوح؛ لأن البئر لها ما يغذيها، فالنزح طريقة من طرق تطهير الماء إذا وقعت فيه نجاسة.

كذلك تحدثنا عن قضية إزالة النجاسة بالتكرير والتنقية بالوسائل الحديثة، وأن الماء إذا كان فيه نجاسة فاستعملت التنقية والتكرير، طرق التنقية والتكرير الحديثة، فالناتج كان ماء لا لون ولا طعم ولا رائحة للنجاسة فيه، فإنه يعود إلى طهارته.

وهناك أشياء ستأتينا في قضية كيفية تطهير الأماكن التي وقعت فيها نجاسة، مثل الأرض، البلاط، السجاد، الناس يسألون كثيرًا يقولون: السجاد وقع عليه نجاسة كيف نطهره؟ وصعب أن نأخذ السجادة كلها ونغسلها، قد تكون السجادة كبيرة وملصقة بالأرض.

وكذلك نقول: قطع هذا الجزء لغسله أيضًا يشق، فيه إتلاف لهذه السجاد، فقضية إزالة النجاسة من الأمور المهمة؛ لأن هذه بقعة سيصلى عليها، فتجفف النجاسة، نأتي بما يمتص النجاسة الرطبة، وكانت بولًا على سجاد، ننشف هذا البول ثم نسكب ماء وننشفه، ونسكب ماء وننشفه، ونسكب ماء وننشفه، حتى تزول أوصاف النجاسة.

على أية حال: كيفية إزالة النجاسات من البقع المختلفة سنأتي عليها -إن شاء الله-، لكن الآن تعرضنا لمسألة إزالة النجاسة من الماء إذا وقعت فيه النجاسة، كيف يطهر الماء إذا وقعت فيه النجاسة؟

وقوع النجاسة في المائعات غير الماء

00:07:16

تكلمنا عن مسألة وقوع النجاسة في المائعات غير الماء، لو وقعت نجاسة في زيت، سمن، شاهي، عسل، خل، عصير، ماذا نقول في هذا الذي وقعت فيه النجاسة؟ هل ينجس؟ هل يبقى طاهرًا؟ هل هي المسألة بحسب الأوصاف أو ماذا؟ هل تعتبر مسألة القلة والكثرة في الموضوع؟

الذي عليه جمهور أهل العلم أن حكم سائر المائعات يختلف عن حكم الماء، فالمسألة الآن هل المائعات مثل العصير والسمن، إلخ...، هل تعامل معاملة الماء أو أن الماء فيه خاصية معينة بحيث أنه يتحمل ما لا تتحمله المائعات الأخرى؟

"إن الماء طهور لا ينجسه شيء" طبعًا إلا إذا تغيرت أحد الأوصاف.

الذي عليه جمهور أهل العلم أن حكم سائر المائعات يختلف عن حكم الماء، وأن المائعات تنجس بمجرد وقوع النجاسة فيها سواء تغيرت أم لم تتغير وسواء كان المائع قليلًا أم كثيرًا، وحتى لو كانت النجاسة قليلة، وحتى لو كانت قطرة، يقولون: إن المائعات غير الماء إذا وقعت فيها نجاسة فإنها تنجس، بغض النظر عن كمية هذا المائع، وعن كمية النجاسة التي وقعت فيها تغير أو لم يتغير.

ما هو دليلكم؟

قالوا: حديث ابن عباس عن ميمونة عن النبي ﷺ أنه سئل عن الفأرة تقع في السمن، فقال:  إن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه [رواه أبو داود: 3842، والنسائي: 4260].

وسيأتي بيان اختلاف العلماء في صحته، لكن قال هؤلاء الجمهور في الحديث إنه لم يفرق فيه بين كثير المائع وقليله؛ لأنه قال إن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه، ولم يفرق بين قليل المائع وكثيره، والسؤال كان عن السمن.

لماذا فرقتم بينه وبين الماء؟

قالوا: من جهة الدليل، هذا الدليل من جهة المعنى المائعات يسهل تغطيتها، والناس عليها أحرص؛ لأنها أنفس وأغلى، مثل السمن والزيت، فالحرص عليها أشد أصلًا، ويسهل تغطيتها، بخلاف الماء موجود في الأحواض والبرك والأماكن المختلفة، يصعب تغطية كل مكان فيه ماء، فالماء أخف، المائعات الأخرى وضعها أشد.

القول الآخر: أن المائعات حكمها حكم الماء، معنى ذلك أن كل ما لا يفسد الماء لا يفسد غير الماء من سائر المائعات، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وتلميذه ابن القيم، ومن المعاصرين علماء اللجنة الدائمة.

مع ملاحظة أن الأحناف يفرقون بين الماء القليل والكثير.

والقول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن حكم المائع حكم الماء بناء على مذهبه في أنه لا ينجس إلا بالتغير، يعني رأي شيخ الإسلام ابن تيمية أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، سواء كان قليلاً أو كثيراً لا ينجس إلا بالتغير، فهو عنده أن المائع مثل الماء لا ينجس إلا بالتغير.

بماذا استدل الذين قالوا: إن حكم المائعات حكم الماء؟

استدلوا بحديث ابن عباس عن ميمونة أيضًا أن فأرة وقعت في سمن فماتت فسئل رسول الله ﷺ عنها فقال:  ألقوها وما حولها وكلوه [رواه البخاري: 5540].

طبعًا هذا غير الرواية الأولى، الرواية الأولى فيها زيادة.

نعم وإن كان مائعًا فلا تقربوه، استدلوا بالقصة برواية البخاري، وليس من رواية أبي داود والترمذي، وسيأتي الكلام عن صحتها، فقالوا: دليلنا أن قصة الفأرة لما وقعت في السمن وسألوه، قال:  ألقوها وما حولها وكلوه فقط فأمرهم النبي ﷺ بذلك، وأباح لهم الانتفاع بباقي السمن، معنى ذلك أن بقية السمن لم ينجس بوقوع الفأرة وموتها فيه، ولم يستفصل منهم عن حال السمن هل هو جامد أو مائع؟ مع أن الغالب في سمن الحجاز أن يكون مائعًا لشدة الحرارة في بلاد الحجاز، والغالب على سمنهم أن يكون قليلًا.

والقول بنجاسة المائع بمجرد وقوع النجاسة فيه، فيه حرج شديد على الناس، لما تقول له: هذا هذا المكان الذي فيه الزيت وقعت فيه نجاسة، كله الله يخلف عليك، السمن هذا كله راح، قالوا: فيه حرج شديد على الناس، وهل يعني لو وقعت قطرة دم في قناطير من زيت الزيتون في معصرة من معاصره مثلًا سيحكم بنجاسة الجميع؟ الخزان كبير عصرناه، وتعبنا عليه، وجمعنا زيت الزيتون هذا، وحين وقعت فيه قطرة دم هذا كله سيذهب هدرًا، يهدر، هذا فيه مشقة واضحة.

وكذلك قالوا: لو كان عند إنسان إناء كبير فيه سمن مائع ثم وقعت فيه شعرة كلب عند من يقول بنجاسة شعر الكلب، فإنه يكون نجسًا، لا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا أكله ولا شربه.

وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فالعسر والحرج بتنجيس هذا عظيم جدًا"[مجموع الفتاوى: 21/ 496].

وقال: "وذلك لأن الماء لا ثمن له في العادة بخلاف أشربة المسلمين وأطعمتهم فإن في نجاستها من المشقة والحرج والضيق ما لا يخفى على الناس"[مجموع الفتاوى: 21/ 506].

بماذا أجابوا عن حديث الجمهور؟

 إن كان جامدًا فألقوها وما حوله، وإن كان مائعًا فلا تقربوه  هذا دليل الجمهور.

"وإن كان مائعًا فلا تقربوه"، وما فرق بين قليله وكثيره، والتغير وعدم التغير، "إن كان مائعًا فلا تقربوه"، قالوا: هذه الرواية ضعيفة، قوله:  وإن كان مائعًا فلا تقربوه  قالوا: هذه الزيادة ضعيفة تفرد بروايتها بهذا اللفظ معمر بن راشد، وخالف الثقات الآخرين فإن الثقات يروونه بلفظ:  ألقوها وما حولها، وكلوا سمنكم  كما رواه البخاري في صحيحه.

وقد طعن في صحة رواية معمر هذه البخاري -رحمه الله- والترمذي وأبو حاتم الرازي والدارقطني، وغيرهم، وكذلك من المتأخرين شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وابن القيم، قال البخاري: "هو خطأ" يعني هذه اللفظة  وإن كان مائعًا فلا تقربوه  خطأ، وقال الترمذي: "هو حديث غير محفوظ"، وقال أبو حاتم: "هو وهم" كما في كتاب [المحرر في الحديث، ص: 470]، وقال ابن القيم: "أئمة الحديث طعنوا فيه ولم يروه صحيحًا" يعني الحديث بهذه الرواية بهذا اللفظ، بل رأوه خطأ محضًا كما قال في "تهذيب السنن".

مع ذلك صحح الروايتين الإمام أحمد والذهلي وابن حبان، ومال إلى هذا التصحيح الحافظ ابن حجر، وحسنه النووي.

نحن الآن نذكر من ضعفه ومن صححه.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ونحن جازمون بأن هذه الزيادة ليست من كلام النبي ﷺ، فلذلك رجعنا عن الإفتاء بها بعد أن كنا نفتي بها أولًا فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل [مجموع الفتاوى: 21/ 516].

لكن يبقى في الاستدلال بهذه الرواية الصحيحة ألقوها وما حولها وكلوه  الاستدلال بها على حكم المائع فيه نظر.

رواية البخاري وردت في أي النوعين؟ في الجامد، فكيف سنستدل بها على المائع والجامد؟ باتفاق الجميع لا ينجس كله تزال النجاسة وما حولها فقط، كما نقل ابن عبد البر الإجماع عليه في كتابه: [التمهيد: 9/ 36].

ويدل على أن الحديث ورد في الجامد أمران:

الأول: ما جاء في رواية النسائي عن ابن عباس عن ميمونة أن النبي ﷺ سئل عن فأرة وقعت في سمن جامد فقال:  خذوها وما حولها فألقوه  فهذه رواية صريحة تدل على أن السمن المسؤول عنه كان جامدًا، لكن قال ابن عبد الهادي في كتابه: "المحرر" في الحديث: "وفي هذه الزيادة نظر"[المحرر في الحديث، ص: 469].

ثانيًا: قوله في الحديث:  وما حولها  يدل على أن السمن كان جامدًا؛ لأنه لا يمكن أن يكون مائعًا، ويقول: ألقوها وما حولها؛ لأن ما حولها لو أزيل في المائع سيخلفه غيره، لأنه مائع، قال الحافظ ابن حجر: "وقد تمسك ابن العربي بقوله وما حولها على أنه كان جامدًا"، قال: "لأنه لو كان مائعًا لم يكن له حول، وما حولها لو كان مائعًا لم يكن له حول، لأنه لو نقل من أي جانب منها" يعني المائع لخلفه غيره في الحال، فيصير مما حولها، فيحتاج إلى إلقائه كله في الأخير، قال ابن حجر: "وقد وقع عند الدار قطني فأمر أن يقور ما حولها، فيرمى به، وهذا أظهر في كونه جامدًا من قوله: وما حولها  فيقوى ما تمسك به ابن العربي"[فتح الباري، لابن حجر: 9/ 670].

وقال العيني: "ويعلم من هذه الرواية أن السمن كان جامدًا؛ لأن المائع لا حول له إذ الكل حوله"[عمدة القاري: 3/ 162] ولو فيه شيء يسري من النجاسة سينتشر في السائل، أو في المائع كله.

وقال الباجي: "قوله ﷺ:  انزعوها وما حولها فاطرحوه  يقتضي أنه سئل عن سمن جامد، ولو كان ذائبًا لم يتميز ما حولها من غيره، ولكنه لما كان جامدًا نجس ما جاورها بنجاستها، وبقي الباقي على ما كان عليه من الطهارة"[المنتقى شرح الموطأ: 7/292].

أما الاستدلال بأن هذا كان مائعًا؛ لأن السمن في بلاد الحجاز، وبلاد الحجاز حارة، فيسلم إذا كانت الحادثة صارت في الصيف.

أما لو كانت الحادثة، هذه فأرة وقعت في سمن على عهد النبي ﷺ وسألوه، لو وقعت في الشتاء فإن الاحتمال موجود.

إذن، الاستدلال على كونه مائعًا بأن بلاد الحجاز حارة يسلم لو ثبت أن الحادثة وقعت في الصيف.

وأما مع احتمال وقوعها في الشتاء فلا يسلم، يعني الذين يقولون: إن الحديث لم يفرق بين كونه مائع وجامد.

فإذن  ألقوها وما حولها وكلوا الباقي  معناها أن الماء ما يتنجس لوقوع النجاسة فيه إلا بالتغير، وهذه مسألة مجمع عليها أصلًا، فيقال لهم: لكن نحن ما نعرف الآن هذه وقعت في الصيف والا في الشتاء؟ فأجبنا من جهة وما حولها، لأنه لن يكون الكلام سليمًا إلا إذا كان جامدًا؛ لأنه هو الذي يكون له حول، والمسألة الثانية مسألة الصيف والشتاء.

الحاصل: أن حكم السمن الجامد لا إشكال فيه، فتلقى النجاسة وما حولها فقط، وهذا عند الجميع الجمهور وغيرهم.

وأما السمن المائع ففيه خلاف، هو في الخلاف الذي تقدم، ودلالة الحديث هل السمن كان جامدًا أو مائعًا؟ محل إشكال وتردد، والذي يمكن أن يقال في هذه المسألة: إن المائعات الكثيرة إذا وقعت فيها نجاسة ولم تغيرها، فالقول بعدم نجاستها من جهة عدم التغير.

الحديث فيه زيادة احتج بها الجمهور وهي ضعيفة، والذين احتجوا به بدون الزيادة رواية البخاري وغيره، هذا أيضًا ما نعرف هذه وقعت في الصيف أو في الشتاء، وكلمة "الحول" وما تدل عليه.

نعود للمسألة، وقعت فأرة في حوض من الزيت ما الحكم؟  وقعت نجاسة في مائع من المائعات غير الماء ما الحكم؟

الجمهور يقولون: نجس كله.

أصحاب القول الآخر يقولون: إذا ما تغير بنجاسة فليس بنجس.

ولماذا نفرق بين الماء وغير الماء من المائعات، كلها مائعات، فنلجأ إلى موضوع ضابطنا هو التغير، وهذا قوي له وجاهة، خصوصًا أن هذه أقوات الناس، يعني السمن والزيت وكذا، وأيضًا الخل والعصير وأشياء.. المتعوب عليها ومكلفة... يعني أن يقال: كله يرمى.

طبعًا إذا قال الأحوط؟

نقول له: الأحوط قول الجمهور، ارميه كله، لكن من جهة المعنى، القول بالتغير، وأنه هو الضابط حتى في المائعات الأخرى قول قوي، وله وجاهته.

ويمكن أن نضيف أشياء أخرى لتقوية هذا، ونقول في الاستدلال:

أولاً: إن الأصل في الأشياء الإباحة، الله أحل لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث، والأطعمة والأشربة من الأدهان والألبان والزيوت والخلول والأطعمة المائعة هي من الطيبات التي أباحها الله لنا، فالأصل فيها الإباحة، فإذا لم يظهر فيها خبث ولا نجاسة، لا طعم ولا لون ولا ريح فإن الأصل فيها الطهارة، والأصل فيها الإباحة، هي من الطيبات، والله أباح لنا الطيبات.

فإذن، من جهة أن الله أباح لنا الطيبات، وهذه الآن من الطيبات.

ثانياً: أن الأصل هو طهارة الأشياء، الأصل الحكم بالطهارة.

الأصل أن أي شيء خلقه الله في العالم فهو طاهر، هذا الأصل، فمن جهة الأصل هي طاهر، وما عندنا دليل صحيح نحكم به على نجاسة المائع بمجرد وقوع نجاسة فيه، حتى لو ما ظهر لها أثر، لكن لو كان المائع شيئًا قليلًا، فهنا نقول: الأحوط تركه وإراقته، والخلاف فيه سيقوى، سيكون قويًا، وتكون المسألة فيها حرج، يعني فيها إشكال قوي لو كان الشيء كثيرًا حوض زيت كبير، سنقول: ما في تغير، والأصل الإباحة، وهذه من الطيبات، والأصل الطهارة، ويشق على الناس إهدار أموالهم، فالأصل الطهارة، هذا قول، نقول: هذا أقوى، لكن لو كان المائع الذي وقعت فيه النجاسة قليلًا فسنميل إلى الأحوط.

قول الجمهور أن هذا يترك ولا يستعمل، قال حرب: سألت أحمد قلت: كلب ولغ في سمن أو زيت أفتني؟ قال: إذا كان في آنية كبيرة مثل جب أو نحوه، رجوت أن لا يكون به بأس ويؤكل، وإن كان في آنية صغيرة فلا يعجبني. هذا نقله ابن قدامة في كتابه: [المغني: 1/23].

قال شيخ الإسلام: بتقدير صحة هذه اللفظة، وهو قوله: "وإن كان مائعًا فلا تقربوه" فإنما يدل على نجاسة القليل الذي وقعت فيه النجاسة كالسمن المسؤول عنه فإنه من المعلوم أنه لم يكن عند السائل سمن فوق قلتين يقع فيه فأرة، بل السمن الذي يكون عند أهل المدينة في أوعيتهم يكون في الغالب قليلًا، يقول ابن تيمية: "فلو صح الحديث لم يدل إلا على نجاسة القليل، فأما المائعات الكثيرة" أحواض خزانات "إذا وقعت فيها نجاسة فلا يدل على نجاستها، لا نص صريح ولا ضعيف ولا إجماع ولا قياس صحيح" هذا كلام شيخ الإسلام -رحمه الله -تعالى- [مجموع الفتاوى: 21/ 496].

إذن، من مسألة المائعات الأخرى غير الماء واضح.

إذًا، الذين يقولون لا تنجس إلا بالتغير يطردون، يعني عندهم اطراد في قضية الماء والمائعات.

حكم استعمال ماء زمزم لرفع الحدث وإزالة النجاسة

00:26:20

وننتقل الآن إلى مسألة أخرى من مسائل المياه وأحكام المياه، وهي: استعمال ماء زمزم لرفع الحدث وإزالة النجاسة ما حكمها؟ وخصوصًا أننا نجد بعض الإخوان يقولون: في الرقية إذا كان فيه واحد معيون أو مسحور أو كذا أو الاستشفاء، يعني الحمى مثلًا فقرأنا على ماء زمزم أو حتى بدون قراءة؛ لأن ماء زمزم طعام طعم، وشفاء سقم، شفاء من السقم، فهو نفسه الله جعل فيه شفاء، يعني حتى لو ما قرأنا عليه.

فالآن يسألون يقولون: نحن الآن نأخذه ونتروش فيه للاستشفاء، الحمام هذا على المجاري شبكة المياه، هل فيه حرج؟ هذا ماء زمزم، هل علينا شيء؟

جمهور العلماء على أنه "لا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم؛ لأنه ماء طهور، فأشبه سائر المياه... وشرفه لا يوجب كراهة استعماله كالماء الذي وضع فيه النبي ﷺ كفه أو اغتسل منه"[المغني، لابن قدامة: 1/ 16].

وفي زوائد عبد الله على المسند عن علي بن أبي طالب في قصة حج النبي ﷺ قال: "ثم أفاض رسول اللهﷺ فدعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ"[رواه أحمد: 564، وصححه أحمد شاكر، وحسنه الألباني].

وفي رواية عن الإمام أحمد: يكره الاغتسال منه فقط، يعني كره أحمد فقط الاغتسال، ليس الوضوء، وكراهة وليس تحريمًا، ونقل هذا ابن القيم -رحمه الله- عن شيخ الإسلام ابن تيمية، والكلام في "بدائع الفوائد"، و"الإنصاف"، للمرداوي: 1/ 27" أيضًا.

لماذا كره الإمام أحمد الغسل بزمزم؟

لما جاء عن طاووس: أخبرني من سمع العباس بن عبد المطلب -هنا فيه انقطاع- أخبرني من سمع العباس بن عبد المطلب وهو قائم عند زمزم وهو يرفع ثيابه بيده، وهو يقول: اللهم إني لا أحلها لمغتسل، ولكن هي لشارب ومتوضئ حل وبل".

"بل" في لغة حمير معناها: مباح.              

قال طاووس: وسمعت ابن عباس يقولها أيضًا رواه عبد الرزاق في المصنف، وأبو عبيد والفاكهي في "أخبار مكة"، وصحح ابن كثير إسناده إليهما" يعني إلى العباس وابن عباس في [البداية والنهاية: 2/ 305].

قال النووي: "وأما زمزم فمذهب الجمهور كمذهبنا أنه لا يكره الوضوء والغسل به، وعن أحمد رواية بكراهته؛ لأنه جاء عن العباس أنه قال وهو عند زمزم: "لا أحله لمغتسل وهو لشارب حل وبل".

قال النووي: "ودليلنا النصوص الصحيحة الصريحة المطلقة في المياه بلا فرق، ولم يزل المسلمون على الوضوء منه بلا إنكار"، قال: "ولو ثبت عن العباس لم يجز ترك النصوص به"[المجموع: 1/ 91] يعني كلام العباس ليس تشريعًا.

وأجاب أصحابنا -أي أصحاب النووي- بأنه ممكن العباس يكون قال هذا الكلام في حال خاصة مثل قلة الماء، ازدحم الناس على البئر، وقد يكون في إحدى السنوات منسوب الماء نزل، أو صار الناس كثيرين جدًا، فقال العباس وهو المسؤول عن السقاية: "اللهم إني لا أحلها لمغتسل، ولكن هي لشارب ومتوضئ حل وبل" يعني أنه ممكن نحمل كلام العباس أنه قالها في حالة خاصة، أنه قل الماء، وكثر الناس، فأراد أن يمنعهم من الاغتسال بها حتى لا يهدر، أو حتى يكفي الماء الناس، وهو مسؤول عن السقاية، قال: "لا أحله لمغتسل وهو لشارب حل وبل" فيكون هو ما يحل الآن يحل ويحرم من باب التشريع، هو العباس عم رسول الله ﷺ فقيه، ما يمكن يحل ويحرم من عنده، لكن إذا قلنا: هي عملية تنظيمية؛ لأنه هو المسؤول عن السقاية فيكون منعه منها منع إداري، يعني منع الاغتسال يكون منعًا إداريًا وتنظيميًا فقط، وليس تشريعيًا.

فإذن، ما هو الأصل؟

الإباحة، حل الوضوء والاغتسال بماء زمزم.

أصلًا نحن نقول: لو كان الناس في رحلة ومعهم خزان ماء صغير، أو ماء قليل، وجاء واحد لا عليه جنابة ولا ضرورة، وقال: أنا أريد أتروش؟ لماذا؟ قال: تبرد.

يا أخي الماء قليل، فيكون منعه منه ما هو من باب تحريم الاغتسال بهذا الماء، لكن من باب أن يكفي الموجودين.

فإذن، النووي قال: "ودليلنا النصوص الصحيحة الصريحة المطلقة في المياه بلا فرق، ولم يزل المسلمون على الوضوء منه بلا إنكار" قال: "ولو ثبت عن العباس لم يجز ترك النصوص به-يعني بكلام العباس- وأجاب أصحابنا بأنه -يعني حديث العباس- محمول على أنه قاله في وقت ضيق الماء لكثرة الشاربين"[المجموع: 1/ 91].

عرفنا موضوع الماء الوضوء والاغتسال والشرب، والطبخ هذه طبعًا مفروغ منها، يعني أصل ماء زمزم يشرب أصلًا، ويسكب على الرأس، وعلى الوجه، كما فعل النبي ﷺ لما شرب من زمزم، يعني هذه من المناسك، التضلع من ماء زمزم، والدعاء عند شربه، وأن يسكبه على رأسه ووجهه تبركًا به؛ لأن الله جعل فيه بركة، البركة من الله تلتمس، في الأشياء التي جعل الله فيها البركة؛ مثل ماء زمزم، وليس أي واحد، مثل التبرك ببشت إمام الحرم، أين الدليل على أن الله جعل البركة في بشت إمام الحرم؟ فبعض الناس أعمدة المسجد، ستارة الكعبة، تمسح عليها، وعلى وجه الولد، التماسات باطلة.

حكم إزالة النجاسة بماء زمرم

00:33:47

كره كثير من العلماء إزالة النجاسة بماء زمزم، هي أشد من الاغتسال بالتأكيد، لماذا؟

قالوا: لأنه مبارك، فينبغي احترامه، وهذا لا يتلاءم مع إزالة الخبث به، في فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- قال: "يكره استعماله في إزالة النجاسة تعظيمًا له، ويجوز أن يزال به الحدث بناء على الأصل"[فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ: 2/ 28] فهو قال: يكره.

أما الجواز يعني لو واحد قال: أنا أزلت النجاسة، زالت أو لا؟

نقول: زالت، ماء يطهر.

اختار شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- جواز استعماله مطلقًا في رفع الخبث وإزالة النجاسة، قال: "يجوز الوضوء منه والاستنجاء، وكذلك الغسل من الجنابة إذا دعت الحاجة إلى ذلك. وقد ثبت أن النبي ﷺ لما نبع الماء من بين أصابعه، وأخذ الناس حاجتهم منه ليشربوا ويتوضؤوا ويغسلوا ثيابهم، ويستنجوا، ويزيلوا النجاسة، كل هذا وقع" مع أنه ماء فيه بركة، وماء زمزم، يقول الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: "إن لم يكن مثل الماء الذي نبع من بين أصابع النبي ﷺ لم يكن فوق ذلك" يعني إما أن يكون مثله أو أدنى "فكلاهما ماء شريف، فإذا جاز الوضوء والاغتسال والاستنجاء وغسل الثياب من الماء الذي نبع من بين أصابعه ﷺ، فهكذا يجوز من ماء زمزم، وبكل حال فهو ماء طهور، طيب يستحب الشرب منه، ولا حرج في الوضوء منه، ولا حرج في غسل الثياب منه، ولا حرج في الاستنجاء إذا دعت الحاجة إلى ذلك"[مجموع فتاوى ابن باز: 10/ 27].

كلام الشيخ إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ولا حرج في غسل الثياب منه ولا حرج في الاستنجاء إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

حكم استعمال الماء المسخن والماء المشمس

00:35:52

من الأحكام المتعلقة بالمياه: مسألة الماء المسخن، والماء المشمس، قال الشافعي -رحمه الله- في كتاب [الأم: 1/ 16]: لا فرق في استعمال الماء الطهور بين الماء المسخن وغيره، وقد جاء عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب : كان يسخن له الماء فيغتسل به، ويتوضأ به" هذا في مصنف ابن أبي شيبة، وصحح إسناده الدارقطني في "السنن".

وقال ابن قدامة في "المغني": "ولا يكره الوضوء بالماء المسخن إلا أن يكون حارًا، يمنع إسباغ الوضوء لحرارته"[المغني: 1/ 14] فالواحد يصير ما يتمم الوضوء من شدة حرارة الماء، فهنا إذا استطعت أن تجد ماء آخر فإنك تتركه، لا لأن في الطهارة به إشكال أو ما يجزئ.

أن تجد ماء تتم طهارتك وتسبغها به، ماء أبرد، من أي وجه ممكن تثار القضية؟ يمكن بعض الناس يقول: الماء الذي مسه النار، الماء المسخن هذا يكره، يعني بعضهم ذكر كراهة، لكن هذا ليس عند أهل العلم، ولا عند المحققين، أن الماء المسخن فيه شيء يمنع من استعماله إلا معاني، بعض الناس يقول: شيء مسه النار، كيف يستخدم؟

فنقول: ما يمنع، ونحن الآن نحتاج إلى السخانات في الشتاء، سخانات الماء، وبالتالي فإن الوضوء بالماء المسخن لا يوجد فيه أي حرج، وإذا كان شديد السخونة يمنع إسباغ الوضوء، عرفنا وجه تركه، يعني الأفضل تركه لأجل إسباغ الوضوء.

الناس الآن يستعملون السخانات في الصيف وفي الشتاء، في الشتاء واضح، وفي الصيف؟ لأن أنابيب الماء حارة التي تأتي على الحنفية البارد، فهو يغلق السخان، يفصل الحرارة عنه الكهرباء، يستعمله في الصيف؛ لأنه يكون الماء الذي في السخان أكثر اعتدالًا، يعني السخان لا يسخن.

مسألة الماء المشمس: كره الشافعية الطهارة بالماء المشمس، وهو الماء الذي سخنته الشمس، قالوا: لأن الشمس بحدتها تفصل منه زهومة تعلو الماء، فإن لاقت البدن بسخونتها أمكن أن تضر به فتورثه البرص، وهو مرض يصيب الجلد، يعني عند بعضهم أن هناك علاقة بين البرص وغسل الجلد بالماء المشمس، ورد في كراهته أحاديث وآثار منها حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "نهى رسول الله ﷺ أن يتوضأ بالماء المشمس أو يغتسل به، وقال: إنه يورث البرص [رواه الدارقطني: 1/ 51، رقم: 87].

وعن عمر بن الخطاب قال: "لا تغتسلوا بالماء المشمس فإنه يورث البرص"[رواه الدارقطني: 1/ 52، رقم: 88]، ولكن هذه الأحاديث والآثار لا تثبت، ضعيفة باتفاق المحدثين، ما تثبت كما قال النووي في "المجموع".

والإمام الشافعي -رحمه الله- لم يكره الماء المشمس كراهة شرعية، وإنما كراهة طبية؛ لأن عنده الخبر من بعض الأطباء والمجربين أنه يورث البرص، يعني يؤثر، فمن هذا الباب كرهه.

فإذن، ليست الكراهة التي ذكرها كراهة شرعية، ولذلك قال في كتاب "الأم": "ولا أكره الماء المشمس إلا من جهة الطب"[الأم، للشافعي: 1/ 16].

قال ابن قدامة: "وحكي عن أهل الطب أنهم لا يعرفون بذلك تأثيرًا في الضرر"[المغني: 1/ 15].

هذا رأي آخر ابن قدامة ينقله، يقول عن أطباء، أنه ما يعرف له أثر، وأنه يضر.

وقال النووي -رحمه الله-: "الراجح من حيث الدليل أنه لا يكره مطلقًا، وهو مذهب أكثر العلماء وليس للكراهة دليل يعتمد"[روضة الطالبين: 1/ 11].

وقال في "المجموع": "لا أصل لكراهته ولم يثبت عن الأطباء فيه شيء"[المجموع: 1/ 87].

فالصواب الجزم بأنه لا كراهة فيه، قال: وهو الموافق للدليل، ولنص الشافعي، فإنه قال في "الأم": "لا أكره المشمس إلا أن يكره من جهة الطب"[الأم، للشافعي: 1/ 16]، وبما أنه من جهة الطب ما ثبت خلصنا.

إذن، لا هو مكروه من جهة الشرع ولا من جهة الطب.

إذا واحد عنده شيء في الماء المشمس، الذي سخنته الشمس، هل فيه أي ضرر طبي؟ من الإنترنت، من موقع متخصص فليأتنا به.

حكم الاغتسال بفضل المرأة

00:41:24

مسألة أخرى من المسائل المتعلقة بالمياه: الاغتسال بفضل المرأة، أن يغتسل الرجل ببقية الماء الذي استعملته المرأة، بادئ ذي بدء ما في مانع، لكن هناك نص ورد فنريد أن نعرف ما حقيقة الأمر؟

ذهب بعض العلماء وهم الحنابلة إلى أن المرأة لو انفردت بالطهارة من ماء، يعني هناك إناء وجاءت امرأة واستعملته فلا تجوز الطهارة بما تبقى في الإناء من هذا الماء، لا يجوز للرجل أن يتوضأ منه، لماذا؟

قالوا: عندنا حديث الحكم بن عمرو الغفاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة"[رواه أبو داود: 82، والترمذي: 64] بقية الماء الذي استعملته في الطهارة.

 ما هو الفضل؟

ما زاد، ما بقي، ما يتبقى من الماء في الإناء الذي استعملته، توضأت منه، قالوا: وأما إذا لم تنفرد بالماء فلا حرج، يعني واحد وزوجته يأخذان ويغرفان من إناء واحد، فلم تنفرد المرأة به، بل كان الرجل يشاركها فلا يمنع.

لماذا؟

قالوا: لحديث عائشة: "كنت أغتسل أنا والنبي ﷺ من إناء واحد تختلف أيدينا فيه" متفق عليه [رواه البخاري: 261، ومسلم: 3119، 321]

لماذا يا جماعة أنتم قلتم بأن الرجل لا يجوز أن يتوضأ بفضل ماء المرأة؟

قالوا: هذا معنى تعبدي، يعني ما عندنا لا سبب طبي، ولا علة تفهم تعقل، نحن عندنا نهي، وهذا تعبدي غير معقول المعنى، ما هو شرط كل حكم، أو كل نهي يكون له سبب طبي، أو سبب مفهوم يفهمه البشر، ممكن يكون شيء غيبي، هذا معنى غير معقول المعنى، أو غير معقول العلة، أو العلة لا تعقل، لا تعقل يعني لا تدرك بالعقل، قالوا: هذا غيبي تعبدي.

عامة السلف والخلف وأكثر أهل العلم أن الماء الفاضل عن طهارة المرأة طهور ولو انفردت به، وتطهر المرأة به لا يخرجه عن الطهورية. هذا في "المبسوط"، و "بداية المجتهد"، و"المجموع".

استدلوا بما رواه مسلم عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ كان يغتسل بفضل ميمونة، ميمونة استعملت الماء وبقي بقية اغتسل منه النبي ﷺ، قالوا: هذا رواه مسلم، هذا الحديث أصح، قالوا: هذا الحديث أصح، ونأخذ به.

وقد أخذ بهذا الحديث جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن أحمد، قال ابن قدامة: "اختارها ابن عقيل"[المغني: 1/157] يعني من الحنابلة، وهو قول أكثر أهل العلم، قال الشافعي -رحمه الله-: "لا بأس أن يتوضأ ويغتسل بفضل الجنب والحائض" يعني امرأة عليها جنابة استعملت الماء، حائض استعملت الماء "لأن النبي ﷺ إذا اغتسل وعائشة من إناء واحد، فقد اغتسل كل منهما بفضل صاحبه"[الحاوي الكبير: 1/229] يعني بما زاد من الماء الذي استعمله الآخر.

والحديث الذي استدل به الحنابلة: "نهى أن يتوضأ الرجل من فضل طهور المرأة" قالوا: إن العلماء قد اختلفوا في تصحيحه، فعامتهم على تضعيفه، فقد ضعفه الإمام البخاري، والترمذي قال: سألت البخاري عنه فقال: ليس هو بصحيح، وضعفه ابن عبد البر في "الاستذكار"، فقال: هو مضطرب، لا تقوم به حجة".

وقال النووي في "الخلاصة": ضعيف، وقال ابن القيم في "تهذيب السنن": "ليس بصحيح".

وقال الحافظ ابن حجر: "ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل المرأة، وفي جواز ذلك مضطربة، قال: لكن صح عن عدة من الصحابة المنع فيما إذا خلت به وعورض بصحة الجواز عن جماعة من الصحابة"[فتح الباري: 1/ 300].

أنهم توضئوا من فضل نسائهم واغتسلوا، فأحمد يقول: المسألة فيها، يعني أن الحديث مضطرب، يعني سواء في المنع أو في الجواز فيه اضطراب.

وورد عن عدد من الصحابة المنع، وورد عن بعضهم أيضًا الإباحة والجواز، قال ابن عبد البر: "والذي ذهب إليه جمهور العلماء وجماعة فقهاء الأمصار أنه لا بأس أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة وتتوضأ المرأة بفضله انفردت بالإناء أو لم تنفرد، وفي مثل هذا آثار كثيرة عن النبي ﷺ صحاح"[التمهيد: 14/ 165].

إذن، ما هو قول أكثر أهل العلم؟

الإباحة، الجواز.

ومن أهل العلم من اختار قولًا بين قولين، وهو جواز الطهارة بفضل طهور المرأة مع الكراهة، الجواز والكراهة لا يتعارضان، فالمكروه جائز لكن فيه كراهة، فهو جائز ليس بمحرم لكن فيه كراهة، وقالوا: النهي في الأحاديث ليس للتحريم، يعني حتى لو قلنا بأنها صحيحة ليس للتحريم، فالأفضل للرجل أن لا يتوضأ بفضل طهور المرأة، ولكن إن فعله فهو جائز، وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في "الشرح الممتع": "والصحيح أن النهي في الحديث ليس على سبيل التحريم، بل هو على سبيل الأولوية وكراهة التنزيه" ثم قال: "فالصواب أن الرجل لو توضأ بما خلت به المرأة لو تطهر بما خلت به المرأة فإن طهارته صحيحة ويرتفع حدثه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-"[الشرح الممتع: 1/46].

حكم استعمال آبار مياه ثمود، آبار مدائن صالح

00:47:22

من أنواع المياه التي يتكلم في حكم استعمالها: استعمال آبار مياه ثمود، آبار مدائن صالح، ديار ثمود، لماذا يثار الموضوع؟

لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا من بئرها، ولا يستقوا منها، فقالوا: قد عجنا منها واستقينا فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين ويهريقوا ذلك الماء[رواه البخاري: 3378 ومسلم: 2981].

وفي لفظ لمسلم:  وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة [رواه مسلم: 2981].

قال النووي: فاستعمال ماء هذه الآبار المذكورة في طهارة وغيرها مكروه أو حرام إلا لضرورة؛ لأن هذه سنة صحيحة لا معارض لها. وقد قال الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي، فيمنع استعمال آبار الحجر إلا بئر الناقة ولا يحكم بنجاستها؛ لأن الحديث لم يتعرض للنجاسة، والماء طهور بالأصالة"[المجموع: 1/ 92].

إذن، آبار مدائن صالح، أو ديار ثمود، ليس لأنها نجسة، ولكن لأن النبي ﷺ نهاهم عنها مع الحاجة، هؤلاء قوم مسافرون يحتاجون للماء، معلوم أن المسافر ما يستطيع أن ينقل معه مياه كثيرة يتخفف ويحتاج الماء، ونزلوا مكاناً في ديار ثمود فنهاهم نهيًا مؤكدًا، وأمر بأن يراق العجين، هذا فيه إتلاف للطعام، أمر بأن يرمى العجين، تعلف به الدواب، وما غرفوه وما استخرجوه من الآبار يراق قال: فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين ويهريقوا ذلك الماء.

إذن، هذا موضع نزل فيه عذاب، ونزلت لعنة الله وغضبه على أهله، ولذلك نهينا عن دخوله إلا باكين متعظين مسرعين معتبرين، للاعتبار، أما الفسحة والسياحة، هذا لا يجوز، هذه صيحة رب العالمين حلت بذلك المكان اللعين من جراء شرك أهله وكفرهم ومعصيتهم لنبي الله صالح، وقتلهم آية الله الناقة، فعقروها، فنزلت عليهم لعنة الله وغضبه وعذابه، وجاءتهم الصيحة، فصار المكان منبوذًا شرعًا، واستعمال الماء الذي فيه لا يجوز إلا مكان واحد بئر الناقة، ومعروف إلى الآن بئر الناقة، يجوز استعمال ماء ذلك البئر.

الأصل في الأشياء الطهارة والإباحة

00:50:40

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "والأصل في الأشياء الطهارة والإباحة"، وهذه قاعدة مهمة جدًا ذكرها المصنف -رحمه الله-، وسنتحدث عنها بالتفصيل في الدرس القادم بمشيئة الله وما بعدها من عبارات المصنف -رحمه الله-.

نسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يرزقنا اتباع سنة سيد المرسلين.

والله تعالى أعلم.