الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد تحدثنا في الدرس الماضي عن بعض أحكام صلاة العيد، وقلنا: إن صلاة العيد ركعتين من غير خلاف، وقلنا: إن صلاة العيد ركعتان من غير خلاف بين العلماء، وأنه لا راتبة قبل صلاة العيد ولا بعدها، وأما التطوع المطلق قبلها فمحل خلاف، وإذا تطوع في بيته قبل الذهاب إلى المصلى أو بعد الرجوع منه، فلا حرج من ذلك عند أكثر العلماء وأما المصلى فقيل: لا يصلي وقيل: يصلي، ورجّح الحافظ ابن رجب - رحمه الله - أن مصلى العيد ليس بمسجد، وأن للجنب والحائض المكث فيه، وأما الاستدلال بكونه مسجدًا بأمر النبي ﷺ الحائض باعتزال المصلى، فأجاب عنه بأن أمر الحيض باعتزال المصلى، إنما هو حال الصلاة ليتسع على النساء الطاهرات مكان صلاتهن ثم يختلطن بهن حال سماع الخطبة"، [فتح الباري لابن رجب: 2/142].
ويؤكد ذلك رواية مسلم - رحمه الله تعالى -: فأما الحيّض فيعتزلن الصلاة، ولا خلاف بين العلماء في أنه ليس لصلاة العيد أذان ولا إقامة، وأنه لا ينادى لها الصلاة جامعة على الصحيح من أقوال العلماء، وصفة صلاة العيد أنه يكبر المصلي تكبيرة الإحرام، ثم يدعو بدعاء الاستفتاح، ثم يكبر ست تكبيرات، ثم يتعوذ، ويقرأ الفاتحة، وسورة في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية يقوم مكبرًا، فإذا انتهى من القيام يكبر خمس تكبيرات، ويقرأ سورة الفاتحة، وسورة، وقيل : سبعًا في الأولى خلاف تكبيرة الإحرام، ويرفع يديه مع كل تكبيرة، لورود ذلك عن بعض الصحابة، ويحمد الله، ويصلي على النبي ﷺ ويثني على الله بين كل تكبيرتين، ويدعو أيضًا .
وهذه التكبيرات، والذكر بينها سنة، ولا تبطل الصلاة بتركها، لا عمدًا، ولا سهوًا، وقد ثبت عن ابن مسعود أنه كان يكبر في الأولى أربعًا، وفي الثانية أربعًا، وورد من غيره من الصحابة غير ذلك، قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: " لو أنه خالف فجعلها خمسًا في الأولى والثانية، أو سبعًا في الأولى والثانية، حسب ما ورد عن الصحابة، فقد قال الإمام أحمد - رحمه الله - : اختلف أصحاب النبي ﷺ في التكبير، وكله جائز، أي أن الإمام أحمد - رحمه الله - يرى أن الأمر في هذا واسع، وأن الإنسان لو كبر على غير هذا الوجه مما جاء عن الصحابة فإنه لا بأس به، وهذه جادة مذهب الإمام أحمد نفسه - رحمه الله - أنه يرى قاعدة عنده : أن السلف إذا اختلفوا في شيء، وليس هنالك نص فاصل قاطع فإن ذلك كله يكون جائزًا؛ لأنه - رحمه الله - يعظّم كلام الصحابة ويتبعه فيقول: "إذا لم يكن هنالك نص فاصل يمنع من أحد الأقوال، فإن الأمر في هذا واسع فيجوز الكل"، الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين [الشرح الممتع على زاد المستقنع: 5/136].
ذكرنا أنه يستحب أن يقرأ في الأولى سورة سبح، وفي الثانية الغاشية، وكذلك ورد القراءة في الأولى بـ ق والقران المجيد، وفي الثانية اقتربت الساعة وانشق القمر، وأنه بعد الصلاة يخطب خطبتين، وعلى هذا عامة الفقهاء من السلف والخلف، والسنة البدء بالصلاة ثم الخطبة، والاستماع لخطبة العيد سنة، وكان ﷺ يستفتح خطبه كلها بالحمد، ولم يحفظ أنه افتتح خطبة العيد ولا غيرها بالتكبير، وقد روي عن أبي موسى الأشعري أنه استفتح خطبتي العيدين بالحمد، ثم كبر بعد الحمد، وهو الأظهر" [فتح الباري لابن رجب: 8/263].
وإذا وافق يوم العيد يوم جمعة، فمن حضر صلاة العيد فإنه يرخص له في عدم حضور صلاة الجمعة، ويصليها ظهرًا، فيجمع أهله في البيت ويصلي بهم جماعة مثلًا، ومن لم يحضر صلاة العيد فلا تشمله الرخصة، فلابد أن يصلي الجمعة.
ثم قال المصنّف - رحمه الله تعالى -: "ويستحب التكبير المطلق ليلتي العيد، فالتكبير يوم العيد من السنن العظيمة، ويبدأ من إعلان العيد، فإذا غربت شمس آخر يوم من رمضان تبدأ ليلة العيد، فيبدأ التكبير، والدليل على ذلك قوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185]، والسنة رفع الصوت بهذا التكبير، لما فيه من إظهار شعائر الإسلام، وتذكير الغير، ودعوة الغير، فيستحب للناس إظهار التكبير في يوم العيد، في مساجدهم، ومنازلهم، وطرقهم، مسافرين كانوا، أو مقيمين، لظاهر الآية، قال ابن قدامة - رحمه الله -: "ويُستحب أن يكبّر في طريق العيد، ويجهر بالتكبير، حتى يأتي الإمام المصلى، ويكبّر الناس بتكبير الإمام في خطبته، وينصتون فيما سوى ذلك" [المغني: 2/273]، والتكبير في عيد الفطر مطلق غير مقيد، وأما بالنسبة لبدايته فقيل: يبدأ من إكمال عدة رمضان، سواء برؤية هلال شوال، أو بإكمال عدة رمضان ثلاثين يومًا، يعني لو أكملنا رمضان ثلاثين يومًا، حتمًا إذا غربت الشمس سنكون دخلنا في ليلة العيد، وبالتالي نكبّر الله، بعد ما أكملنا العدة، كما قال في كتابه العزيز: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185].
ويستمر هذا التكبير حتى خروج الإمام إلى الصلاة، لتكملوا عدة رمضان ولتكبروا الله عند إكماله عَلَى مَا هَدَاكُمْ فأمر بالتكبير بعد إكمال الصيام، وذلك لغروب الشمس من ليلة شوال، فاقتضى أن يكون ذلك أول زمان التكبير" [الحاوي الكبير: 2/484].
، هذا الكتاب الذي ذكر فيه ما تقدّم؛ وهذا مذهب الشافعي، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قال شيخ الإسلام: "والتكبير فيه: أوله من رؤية الهلال، وآخره انقضاء العيد، وهو فراغ الإمام من الخطبة على الصحيح"، [مجموع الفتاوى: 24/221]، وقيل: يبدأ التكبير يوم العيد من وقت الخروج للمصلى، حتى يخرج الإمام.
قال الماوردي - رحمه الله -: "أما التكبير في ليلة النحر فسنة إجماعًا، فأما في ليلة الفطر فمذهبنا أنه سنة أيضًا" [الحاوي الكبير: 2/484]، وقال مالك، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق : يبتدئ بالتكبير يوم العيد.
وقال النووي في المجموع: "قال جمهور العلماء : لا يكبر ليلة العيد، إنما يكبر عند الغدو إلى صلاة العيد، قال ابن المنذر: فأما سائر الأخبار عن الأوائل فدالة على أنهم كانوا يكبرون يوم الفطر إذا غدو إلى الصلاة، فممن كان يفعل ذلك ابن عمر، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، وأبي أمامة الباهلي، وأبي رهم، وناس من أصحاب رسول الله ﷺ" [المجموع: 5/41].
وعن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي، ومالك بن أنس عن إظهار التكبير في العيدين، قالا: "نعم، كان عبد الله بن عمر يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام" وقد روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الزهري قال: "كان الناس يكبرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى وحتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام سكتوا فإذا كبر كبروا"، صححه الألباني في الإرواء. [رواه ابن أبي شيبة: 5629، وصححه الألباني في الإرواء: 3/121].
وعن نافع عن ابن عمر: "أنه كان إذا خرج من بيته إلى العيد حتى يأتي المصلى كبّر حتى يأتي المصلى"، وروي ذلك عن سعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى" [المغني لابن قدامة: 2/273].
إ وليس في شيء من الآثار عن الصحابة، أو التابعين، التكبير ليلة عيد الفطر، لذلك قال أصحاب القول الثاني بهذا، والراجح - والله أعلم - الأول لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ هذا نص القرآن، ونحن نعلم أن إكمال العدة يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان.
قال المصنف - رحمه الله -: "وفي كل عشر ذي الحجة" يعني: أن التكبير المطلق أيضًا، في كل عشر ذي الحجة، ويوجد في الأضحى تكبير مطلق، وتكبير مقيد، أما المطلق فيبتدئ من أول عشر ذي الحجة، إلى آخر يوم من أيام التشريق، ويكون في جميع الأوقات، في الليل في النهار، في الأماكن المختلفة، في الطريق، في الأسواق، في المساجد، في المنازل، وفي كل موضع يجوز ذكر الله تعالى فيه لقوله لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: 28]، قال البخاري - رحمه الله - في صحيحه: "وكان عمر يكبّر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد، فيكبّرون، ويكبّر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيرًا، وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه- أي الخيمة الكبيرة العظيمة- ومجلسه، وممشاه، تلك الأيام جميعًا، وكانت ميمونة تكبّر يوم النحر، وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز، ليالي التشريق مع الرجال في المسجد" [صحيح البخاري: 2/20]. هذا بالنسبة للمطلق.
ثم قال المؤلّف - رحمه الله -: "والمقيد عقب المكتوبات من صلاة فجر يوم عرفة" هذا بالنسبة للمقيمين في البلدان، يعني ليس الحجاج "من صلاة فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق" فأول صلاة فيها تكبير مقيد بعد السلام، هي فجر يوم عرفة، وآخر صلاة فيها تكبير مقيد، عصر يوم الثالث عشر، وهو آخر أيام التشريق، فالتكبير المقيد هو الذي يكون بعد الصلوات المكتوبات في عيد الأضحى خاصة، واتفق العلماء على أنه يشرع التكبير عقيب الصلوات في هذه الأيام في الجملة، وليس فيه حديث مرفوع صحيح، بل إنما فيه آثار عن الصحابة، ومن بعدهم، وعمل المسلمين عليه، يقول أيضًا مواصلًا حديثه الحافظ ابن رجب [فتح الباري لابن رجب: 9/ 22]
: وهذا مما يدل على أن بعض ما أجمعت الأمة عليه، لم ينقل إلينا فيه نص صريح عن النبي ﷺ بل يكتفى بالعمل به كدليل، يعني أنه عليه عمل الأمة، ويبتدئ التكبير المقيد، من عقب صلاة الفجر يوم عرفة، وينتهي بعد صلاة العصر في يوم الثالث من أيام التشريق، حكى هذا القول الإمام أحمد إجماعًا من الصحابة، حكاه عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وقد ورد عن علي بن أبي طالب أنه كان يكبر، من صلاة الفجر يوم عرفة، إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق ويكبر بعد العصر" [رواه ابن أبي شيبة: 5631، وصححه الألباني في الإرواء: 3/125]، رواه ابن أبي شيبة في المصنّف وصححه النووي في المجموع والألباني في الإرواء.
وجاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه كان يكبّر من صلاة الفجر يوم عرفة، إلى آخر أيام التشريق، لا يكبر في المغرب- يعني لا يكبر في مغرب الثالث عشر-" وقد رواه ابن أبي شيبة: 5633، وصححه النووي في المجموع أيضًا، والألباني في الإرواء أيضًا. [إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: 3/125].
وقد ورد مثل ذلك عن غيرهم من الصحابة، فقال الإمام أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في المستدرك: "فأما من فعل عمر، وعلي، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، فصح عنهم التكبير من غداة عرفة، إلى آخر أيام التشريق" [رواه الحاكم: 1111]، يعني لو جاءك واحد وقال لك : التكبير المقيد، والتكبير المطلق من أين أتيتم به؟ هل هناك حديث صحيح؟ نقول: مرفوع لا يوجد، وبناء على الآثار التي صحّت عن الصحابة - رضوان الله عليهم - في هذا، وهي حُجّة، بل بعضهم، قال: إن إجماع الصحابة على هذا وإجماعهم حُجّة، وقد قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري: "وأصح ما ورد فيه عن الصحابة، قول علي، وابن مسعود، إنه من صبح يوم عرفة، إلى آخر أيام منى، أخرجه ابن المنذر وغيره" [فتح الباري لابن حجر: 2/462].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف، والفقهاء من الصحابة والأئمة، أن يكبر من فجر يوم عرفة، إلى آخر أيام التشريق، عقب كل صلاة، ويشرع لكل أحد أن يكبر عند الخروج إلى العيد، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة" [مجموع الفتاوى: 24/220].
وهذا التكبير كما قلنا في حق غير الحاج، في حق المقيمين في البلدان، أما الحاج فيشتغل في حال إحرامه بالتلبية حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، وبعد ذلك يشتغل بالتكبير، فإذن الحاج يكبّر التكبير المقيد، بعد صلاة ظهر اليوم العاشر، وقال ابن قدامة : "وأما المحرمون، فإنهم يكبرون، من صلاة الظهر يوم النحر؛ لأنهم كانوا مشغولين قبل ذلك بالتلبية"، [المغني لابن قدامة: 2/292].
ولكن لو كبر فلا حرج، لما رواه البخاري عن محمد بن بكر الثقفي قال: سألت أنس بن مالك، ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية، كيف كنتم تصنعون مع النبي ﷺ؟ قال: "كان يلبِّي الملبي فلا ينكر عليه، ويكبّر المكبّر فلا يُنكر عليه" [رواه البخاري: 970].
وعن عبد الله بن عمر قال : غدونا مع رسول الله ﷺ من منى إلى عرفات، منا الملبي ومنا المكبر" [رواه مسلم: 1284]، وفي هذا الحديث دليل على أن إظهار التكبير يوم عرفة مشروع، ولو كان صاحبه محرمًا قاصدًا عرفة للوقوف بها، نقول: نعم، والتلبية؟ نقول: يخلطها بالتلبية، التلبية أظهر، ولكن خلطها بالتكبير ورد، والحاصل أن التكبير المطلق والمقيد يجتمعان في أصح أقوال العلماء بالنسبة للمقيم في خمسة أيام، يوم عرفة، ويوم النحر، وثلاثة أيام التشريق، هذه خمسة، يجتمع فيها التكبير المطلق، والتكبير المقيد، لأهل البلدان، وأما اليوم الثامن وما قبله إلى أول شهر ذي الحجة يوجد فيه التكبير مطلق، وليس فيه التكبير المقيد.
ثم قال المصنّف - رحمه الله - في صيغة التكبير "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"، ولم يثبت عن النبي ﷺ في صفة التكبير في العيدين شيء، ولكن وردت في ذلك آثار عن الصحابة، فمنها ما جاء عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول : الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"، [رواه ابن أبي شيبة: 5633، وصححه الألباني في الإرواء: 654]. والحافظ ابن أبي شيبة ذكره في مكان آخر في مصنفه أيضًا بتثليث التكبير، وإذن يجوز هذا أو هذا، وكان ابن عباس - رضي الله عنهما – يقول : الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا"، رواه البيهقي في السنن الكبرى: 6352، وصححه أيضًا الألباني في إرواء الغليل. [إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: 3/ 126].
وكان سلمان يقول : الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، قال ابن حجر في فتح الباري: "وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه، ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال : كبروا، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا" [فتح الباري لابن حجر: 2/462] ، وعن إبراهيم النخعي قال : "كانوا يكبرون يوم عرفة، وأحدهم مستقبل القبلة، في دبر الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد" مصنف ابن أبي شيبة وسنده صحيح. [رواه ابن أبي شيبة: 5650].
قال الصنعاني - رحمه الله -: "وهو يدل على التوسعة في الأمر، وإطلاق الآية يقتضي ذلك" [سبل السلام: 1/438]
يعني الآية لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ [الحج: 37]. تكبر، أو الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، بالتثنية، أو بالتثليث، أو الله أكبر على ما هدانا، أو الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، فإذن المسألة في هذا واسعة .
لكن ما هي الصلوات التي يكبر خلفها؟ قال شمس الدين الزركشي الحنبلي - رحمه الله -: "أما محله فعقب الصلوات المفروضات في جماعة، بالإجماع الثابت بنقل الخلف عن السلف" [شرح الزركشي على مختصر الخرقي: 2/238]، شرحه على الخرقي، "أما خلف النوافل، فأكثر العلماء لا يرون التكبير خلف النوافل"، [فتح الباري لابن رجب: 9/26].
وإذا صلى الفريضة وحده فهل يكبر؟ نحن الآن قلنا : صلوات الفريضة جماعة، هي التي يكبر خلفها التكبير المقيد، إذا صلى وحده؟ قال الزركشي: "فيه روايتان، المشهور منهما لا يكبر؛ لأن ابن مسعود قال : التكبير على من صلى في جماعة، رواه حرب وغيره، وقال أحمد: أعلى شيء في هذا الباب، حديث ابن عمر أنه صلى وحده، ولم يكبر وإليه نذهب" [شرح الزركشي على مختصر الخرقي: 2/238]، وأثر ابن عمر، قد رواه ابن المنذر في الأوسط، عن عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر: "أنه كان إذا صلى وحده في أيام التشريق لم يكبر" [الأوسط: 4/305]، وقالت طائفة: يكبر، وإن صلى وحده، وهو قول مالك، والشافعي، والأوزاعي، ورواية عن أحمد.
ماذا بالنسبة للنساء؟ لا خلاف في أن النساء يكبرن مع الرجال تبعًا، إذا صلين معهم جماعة، ولكن المرأة تخفض صوتها بالتكبير"، [فتح الباري لابن رجب: 9/ 28]، وقد جاء في صحيح البخاري [رواه البخاري: 971] عن أم عطية قالت : "كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض، فيكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته"، إذن إذا صلّت المرأة مع الرجال في الجماعة، فإنها تكبر التكبير المقيد، ولكن تخفض صوتها بالتكبير.
إذا صلت المرأة منفردة، وإذا صلت في بيتها، ففي تكبيرها الخلاف الذي في الرجل المنفرد، والذي ورد عن الصحابة عدم التكبير فهي أولى بعدم التكبير، ماذا بقي لدينا في موضوع النساء؟ قلنا: إذا صلّت منفردة، وإذا صلت مع الرجال جماعة، - جماعة النساء – "وإن صلى النساء جماعة ففي تكبيرهن قولان، وهما روايتان عن الثوري أحمد، ومذهب أبي حنيفة لا يكبرن، ومذهب مالك والشافعي يكبرن"، [فتح الباري لابن رجب: 9/28].
أما ابن المنذر - رحمه الله - فإنه رجح التكبير في كل الحالات السابقة، وقال : قال الله جل ذكره: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة: 203]، وروينا عن النبي ﷺ أنه قال لأيام التشريق : إنها أيام أكل وشرب وذكر لله [رواه مسلم: 1141]، فعمم بقوله: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة: 203]، الجميع ولم يخص أحدًا، اذكروا كلكم، رجالًا، نساءً، فرادى، جماعة، فغير جائز أن يستثنى المنفرد، ومن لم يصل جماعة، ومن كان في سفر، بل هو عام للحاضر، والمسافر، والمقيم، والرجل، والمرأة، ومن صلى في جماعة الصلوات المكتوبات، وفي النوافل، ومنفردين، ومجتمعين، رجالًا، ونساء، دخل في جملة من صلى وحده، أو صلى فيه جماعة، أو فاته بعض صلاة الإمام، هذا رأي ابن المنذر في كتابه الأوسط [الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف :4/310]، قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - مبينًا مذهب الحنابلة : فلو صلى وحده، أو صلى نافلة، أو صلى قضاء، لم يشرع له التكبير المقيد، حتى ولو كانوا جماعة، ويعني عندهم أن صلاة الجماعة المفروضة، هي التي يكبر فيها، وقال بعض العلماء : إن التكبير المقيد سنة لكل مصلٍ، فريضة كانت الصلاة، أو نافلة، مؤداة، أو مقضية، للرجال، والنساء في البيوت، والقول الأول أخص، وهذا أعم، وقال بعض العلماء: إنها سنة في الفرائض، سواء كانت مؤداة، أم مقضية، انفرادًا، أو جماعة، دون النوافل، والمسألة إذا رأيت اختلاف العلماء - رحمهم الله - فيها بدون أن يذكروا نصًا فاصلًا فإننا نقول : الأمر في هذا واسع-لاحظ هذه قواعد مهمة ومفيدة لطالب العلم إذا رأينا اختلاف العلماء - رحمهم الله - في مسألة ولم نر فيها نصًا فاصلًا فنقول: الأمر في هذا واسع، يعني كبرنا، ما كبرنا، ما ننكر، انفرد، اجتمع، ما ننكر، لكن القضية تحري ما هو الأفضل؟ ما هي السنة؟ ما الذي ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم في هذا؟- فإن كبر بعد صلاته منفردًا، فلا حرج عليه، وإن ترك التكبير ولو في الجماعة فلا حرج عليه؛ لأن الأمر في هذا واسع والحمد لله، انتهى. الشرح الممتع [الشرح الممتع على زاد المستقنع: 5/169].
والمسبوق ببعض الصلاة، يقضي ما فاته، ثم يكبر عند جمهور العلماء، إذا قام من مجلسه ونسي التكبير، واحد كان جالس بعد الصلاة، قام ونسي التكبير، قال الشافعي : إذا قام من مجلسه كبر ماشيًا كما هو، وقال أصحاب الرأي : إذا خرج من المسجد فليس عليه أن يكبّر، قال الشيخ ابن عثيمين: "فالقول الراجح: أن هذا التكبير المقيد، يسقط بطول الفصل، لا بخروجه من المسجد" [الشرح الممتع على زاد المستقنع: 5/169].
يعني لو واحد صلى وطلع مباشرة يكبر، لكن لو واحد سلم بعد الصلاة، ونسي التكبير وجلس مدة طويلة، جلس نصف ساعة في المسجد، فاته موضع التكبير المقيد، وعنده التكبير المطلق، قال الشيخ في الشرح الممتع: فالقول الراجح أن هذا التكبير المقيد، يسقط بطول الفصل، لا بخروجه من المسجد، ولا بحدثه، لأنها سنة مشروعة عقب الصلاة، وقد فاتت بفوات وقتها؛ ولأنه إذا طال الفصل لم يكن مقيدًا بالصلاة، خلاص دخل في المطلق، هل يكبر عقب صلاة العيد؟ لا يكبر عقب صلاة العيد لعدم وروده، ولاشتغال الناس بالتهيؤ للخطبة، فإذا سلموا من صلاة العيد ما في تكبير، يتهيؤون لسماع الخطبة، الإنصاف، قال في الشرح الممتع: "فلم يرد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه، أنهم كانوا يكبرون عقب صلاة العيد، وما لم يرد عن الشارع من العبادات فالأصل فيه المنع؛ لأن العبادة لابد من العلم بأنها مشروعة" [الشرح الممتع: 5/169]، يعني حتى نقوم بها، ولذلك ما يحدث اليوم من اختراع عبادات في رسائل الجوال، انظر الليلة رأس السنة الميلادية، سنجتمع إن شاء الله الساعة الثانية عشر ليلًا للصلاة، حتى إذا نظر ربنا إلى أهل الأرض، فوجدهم في المعاصي والفواحش والمحرمات واللهو واللعب، نكون نحن قائمين نصلي، انظر إلى اختراع الفكرة، يعني استحسان، انشر تؤجر، وإذا احتاط، انشر لعلك تؤجر، وإذا شدد، وإني سائلك عنها يوم القيامة، فهو الذي يسأل، على كيفه، ويوم القيامة يسألك، أو ما يسألك، يعني الأمر إليه في ظنه، وهل هناك شيء اسمه صلاة الساعة الثانية عشر، ليلة رأس السنة الميلادية؟ الآن اخترعنا صلاة، هذه الرسالة، أنه تم اختراع إضافة صلاة جديدة للصلوات النوافل اسمها صلاة الساعة الثانية عشرة، ليلة رأس السنة الميلادية ونتواصى، ونتعاهد، لماذا؟ هذا ما يفعله الجهلة، هو يمكن نيته ربما تكون حسنة، يأتي من باب مناكفة النصارى، لكن لما تأتي إلى الشرع، تجد أنه اخترع عبادة، وقت عبادة بتوقيت معين، ليلة معينة، ساعة معينة، ودعا الناس إليها، وإلى الاجتماع عليها؛ وهنا تأتي المصيبة من الجهل بالقواعد، الأصل في العبادات المنع حتى يثبت الدليل، أين الدليل على هذا؟ من استحسن فقد شرع، والتشريع لله، وليس أي واحد تخطر بباله فكرة، ويستحسنها، انشر، فرصة، رسائل الجوال مجانًا، ولذلك -سبحان الله- هذه الأيام، أو إذا صار موسم مثل هذا، رسائل مجانًا، تظهر كل المصائب، يعني أي واحد عنده فكرة، خطأ، صح، منحرفة، خبر قديم، عن فيلم دنماركي قديم، طلعه من الجوال، ونشر، وطلع الرسالة التي بعدها، والتي بعدها، والناس تنشر، ومساكين بعضهم يقول: هل هذا خبر؟ كأني رأيت قبلك الرسالة هذه، وأما الأعداد فعلى كيف كيفهم، يعني أرسل إلى ثمانية تسمع خبرًا طيبًا، أرسل إلى عشرة يأتيك مليار حسنة، كل واحد، إذا ما حصل، وإذا ما سويت، ويا ويلك، وسوف أسألك، وأمانة في رقبتك، وما أراح أسامحك، وإلى يوم القيامة، يعني الزام ما لم يلزم به الله ورسوله، وتحريج على الناس في شيء ما أوجبه الله ولا رسوله، وهكذا، وأسهل شيء على الناس، كل واحد يقول : ماذا أخسر؟ أول ثمانية في قائمة الأسماء انشر، وتدخل طبعًا في متواليات عددية وهندسية في أعداد الرسائل، يعني إذا صحت إحصاءاتهم اللي نشروها أمس، أنه في اثنين وسبعين ساعة اللي راحت في مليار رسالة، كيف؟ كل واحد كم أرسل؟ يعني كم مشترك؟ عشرين مليون، نشيل منها عشرة مليون، هؤلاء ما هو مستعمل، والذي عشرة مليون كل واحد، معناها احسب أن كل رسالة مكونة من خمس رسائل، أو ثلاثة، أو أربعة؛ لأن تعريف الرسالة عند شركة اتصالات غير، افرض رسالتك من خمسة، ومن ثلاثة، وأربعة، كم رسالة؟
معنى ذلك أن كل واحد أرسل مائة رسالة يوميًا، يعني حتى عشرة مليون، تصير مليار، في اثنين وسبعين ساعة، يعني كم رسالة أرسل واحد يوميًا؟ ما لهم كيف يحكمون، الإنسان مسئول عن هذه الرسائل، بعضهم فارغ يرسل رسالة فارغة، يقول : انتقام، انتقام من نفسك، أنت جنيت على وقتك، وعلى وقت الذي أرسلته إليه، انزل تحت، انزل تحت، انزل تحت، اطلع فوق، اطلع فوق، ما في أي فائدة، يعني أنت تقول : فيه فائدة علمية، فيه فائدة دعوية، فيه فائدة وعظية، فيه فائدة دنيوية، فيه معلومة طبية، معلومة هندسية، معلومة زراعية، معلومة فلكية، أي شيء، ما في، تحت، تحت، تحت، فوق، فوق، ناس فاضيين، فعلًا تعبر عن فراغ الأمة، ما في هدف، عن بدع، عن ضلالات، جهل، ماذا تريد؟ تصلح هذه رسالة دكتوراة في علم الاجتماع، فترة التخفيضات أو الموسمية، كيف تصرف الناس لما قيل لهم : الرسائل ببلاش؟ وبعد ذلك الرسائل تكتب بالأصابع وأنت مسئول عنها؛ لأن النبي ﷺ أخبر في الحديث عن الأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات [رواه أبو داود: 1501، وحسنه الألباني]، معنى ذلك أن أصابع الأنامل التي تكتب بها أنت الرسائل، مسئولات عما كتبت، أرسل يا أخي رسالة تمازح فيها صاحبك بالحق، تدخل سرورًا على مسلم، تؤجر، لكن رسالة فيها كذب، وسخرية، واستهزاء بالمسلمين، ومنكرات، يعني من الذي استثمر المدة في إرسال أكبر عدد من الرسائل الدعوية؟ أكبر عدد من الرسائل الوعظية؟ الرسائل العلمية؟ الفقهية؟ فهذه مشكلة، لو قيل للناس : الشيء الفلاني ببلاش، كثير منهم لا يحسن التصرف في قضية إذا طلع شيء ببلاش، صار هذا من طرائق التسويق، وديدن كثير من الشركات في قضية الدعاية، بأن الشيء الفلاني ببلاش، فلا يحسن استثماره كثير من الناس، وقد يأكل كثير منهم مقلبًا في هذا فيقول : رسالة ببلاش، ثم يقال : لا، قصدنا الرسالة الأولى ببلاش، أنت أرسلت رسالة مكونة من خمس رسائل، فالأولى ببلاش، أربعة عليك، لأنه أحيانًا صيغة الإعلان ليست واضحة، فلذلك لا يصلح أن يقع المسلم فريسة لعرض مجاني، يذهب فيه، إذا ما ذهب ماله، يذهب وقته، والوقت أنفس من المال .
وبعد السلام من الصلاة، كيف يكبر التكبير المقيد؟ قال شيخنا عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: إذا استغفر ثلاثًا، وقال : اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، يبدأ بالتكبير، بعد هذا الموضع. وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: ويقدم الاستغفار بعد الصلاة، قبل التكبير، قال : لأن الاستغفار ألصق بالصلاة من التكبير، فإن الاستغفار يُسن عقيب الصلاة مباشرة؛ لأن المصلي لا يتحقق أنه أتقن الصلاة، بل لابد من خلل، ولا سيما في عصرنا هذا، فالإنسان لا يأتيه الشيطان إلا إذا كبر للصلاة" [الشرح الممتع على زاد المستقنع: 5/163].
ماذا بالنسبة للتكبير الجماعي؟ أما التكبير الجماعي، بأن يرفع جماعة الصوت بالتكبير معًا، يبدءونه جميعًا، وينهونه جميعًا، بصوت واحد، وبصفة خاصة، فلم يرد هذا في السنة، قال ابن الحاج المالكي - رحمه الله - وهذا الرجل له كتاب مهم جدًا في البدع يقال له : المدخل، وكان -رحمه الله- حريصًا على اتباع السنة على مذهب شيخه مالك في هذا، على مذهب إمامه مالك في هذا، مقاومًا للمحدثات، ابن الحاج قال : "والسنة المتقدمة أن يجهر بالتكبير، فيسمع نفسه، ومن يليه، والزيادة على ذلك، حتى يعقر حلقه، من البدع إذ إنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما ذكر، ورفع الصوت بذلك، يخرج عن حد السمت والوقار، ولا فرق في ذلك بين أن يكون إمامًا، أو مؤذنًا، أو غيرهما، فإن التكبير مشروع في حقهم جميعًا-يعني إذًا الصياح ما هو مشروع، رفع الصوت نعم، الجهر نعم، لكن الصياح المبالغة لا- قال : بخلاف ما يفعله بعض الناس اليوم-يتكلم عن عهده- قال : فكأن التكبير إنما شرع في حق المؤذنين دون غيره، فتجد المؤذنين يرفعون أصواتهم بالتكبير، يعني مبالغة، وأكثر الناس يستمعون لهم، ولا يكبرون، وينظرون إليهم، كأن التكبير ما شرع إلا لهم، يعني لهؤلاء المؤذنين، وهذه بدعة محدثة، قال : ثم إنهم يمشون على صوت واحد، وذلك بدعة، لأن المشروع إنما هو أن يكبر كل إنسان لنفسه، ولا يمشي على صوت غيره." [المدخل لابن الحاج : 2/441] وقال في مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل -من كتب المالكية- [مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: 2/ 198]: "وأما ما يفعله بعض الناس اليوم، أنه إذا سلم الإمام من صلاته، كبر المؤذنون على صوت واحد، على ما يعلم من زعقاتهم، ويطولون فيه، يعني تمطيط في هذا التكبير، والناس يستمعون إليهم، ولا يكبرون في الغالب، وإن كبر أحد منهم، يعني من الحاضرين، فهو يمشي على أصواتهم، يعني يمشي معهم بصوت واحد جماعي، وذلك كله من البدع" قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: "وقد أنكر التكبير الجماعي، ومنع منه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، مفتي الديار السعودية - رحمه الله - وأصدر في ذلك فتوى، وصدر في منعه أيضًا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وألف فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري - رحمه الله - رسالة قيمة في إنكاره والمنع منه، وهي مطبوعة ومتداولة، وفيها من الأدلة على منع التكبير الجماعي ما يكفي ويشفي، والحمد لله، أما ما احتج به من فعل ابن عمر والناس في منى، أنه يكبر ويكبر الناس بتكبيره، فلا حجة فيه، لأن عمله وعمل الناس في منى، ليس من التكبير الجماعي، وإنما هو من التكبير المشروع؛ لأنه يرفع صوته بالتكبير -يعني في خيمته-عملًا بالسنة، وتذكيرًا للناس بها، فيكبرون -يتذكر من حوله حول الخيمة، ممن يسمع، فيكبر بعد تكبير ابن عمر كل يكبر على حاله، وليس في ذلك اتفاق بينهم وبين ابن عمر على أن يرفعوا التكبير بصوت واحد من أوله إلى آخره، كما يفعل أصحاب التكبير الجماعي الآن، وهكذا جميع ما يروى عن السلف الصالح - رحمهم الله - في التكبير، كله على الطريقة الشرعية، ومن زعم خلاف ذلك فعليه الدليل"[ فتاوى ابن باز: 13/20] ولكن إذا أتى التكبير الجماعي مصادفة، من غير قصد، فإذن لا حرج؛ لأنهم لم يتقصدوا، وعليه يحمل ما ورد عند البيهقي في السنن عن عبيد بن عمير أن عمر كان يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون، فيسمعه أهل السوق، فيكبرون، حتى ترتج منى تكبيرًا واحدًا، فهذا يحمل على غير المقصود .
ومن سنن صلاة العيد، التهنئة الطيبة التي يتبادلها الناس فيما بينهم، أيًا كان لفظها، كقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنكم، أو عيد مبارك، وما أشبه ذلك، من عبارات التهنئة المباحة، فعن جبير بن نفير قال : كان أصحاب رسول الله ﷺ إذا التقوا يوم العيد، يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك. وحسن إسناده الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في الفتح، وعن محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي ﷺ فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك. وقال أحمد: إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد"، [المغني لابن قدامة: 2/296]، وعن علي بن ثابت قال: سألت مالك بن أنس عن قول الناس يوم العيد: تقبّل الله منا ومنك؟ فقال: "ما زال ذلك الأمر عندنا ما نرى به بأسًا"، [الثقات لابن حبان: 9/90].
فإذن، التهنئة كانت معروفة عند الصحابة، ورخص فيها أهل العلم، كالإمام أحمد - رحمه الله - وقد ورد ما يدل عليها من مشروعية التهنئة بالمناسبات، وتهنئة الصحابة بعضهم لبعض عند حصول ما يسر، مثل أن يتوب الله تعالى على امرئ فيقومون إلى تهنئته بذلك، إلى غير ذلك، فإذًا لما نزلت توبة كعب قام الصحابة يهنئونه، فالتهنئة بالمناسبة السارة وردت عن الصحابة، فكذلك لو أن شخصًا رزق بمولود، تعيين في وظيفة، ترقية، زواج بنته، أي مناسبة سارة، فلا بأس بتهنئته، لأن أصل التهنئة مشروع، فيه أدلة على أصل التهنئة، وإن كان أفراد التهنئة، ترقية، وعمل، ووظيفة، وزواج، كل فرد من أفراد هذه الأشياء، ما يشترط يكون عليه دليل، لكن أصل التهنئة بالمناسبة السارة، عليها أدلة، ولا ريب أن التهنئة بالمناسبات الطيبة، والأشياء السارة، من مكارم الأخلاق، ومحاسن المظاهر الاجتماعية بين المسلمين، قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "التهنئة بالعيد قد وقعت من بعض الصحابة وعلى فرض أنها لم تقع، فإنها الآن من الأمور العادية، التي اعتادها الناس، يهنئ بعضهم بعضًا ببلوغ العيد، واستكمال الصيام، والقيام" [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 16/ 208]. وقال في فتاويه أيضًا: "هذه الأشياء لا بأس بها، لأن الناس لا يتخذونها على سبيل التعبد والتقرب إلى الله وإنما يتخذونها على سبيل العادة والإكرام والاحترام، وما دامت عادة، لم يرد الشرع بالنهي عنها، فإن الأصل فيه الإباحة، فإذًا هو إذا لم يتخذها عبادة بمعنى تهنئة مثلًا بالمولود قال له أي عبارة، قال : جعله الله قرة عين لك، ومبارك عليكم الولد، وإذا قال : أنا لا أقصد بكلامي هذا أنه هو سنة أنه أنا أفعله سنة ثابتة عن النبي ﷺ وإنما مشاركة لأخي المسلم في فرحته يؤجر على نيته ولا ينكر عليه فعله ولا قوله" [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 16/ 208].
ورد أيضًا فيما يتعلق بصلاة العيد، وضع السترة، أمام الإمام، بحيث أن النبي ﷺ كان يصلي في المصلى صحراء، بجانب البلد، فلما كانت السنة في صلاة العيد، أن تصلى في مصلى خارج المسجد، لزم الإمام وضع سترة أمامه، فعن ابن عمر أن النبي ﷺ كان تُركز الحربة قدامه يوم الفطر والنحر ثم يصلي" [رواه البخاري: 972]، فكان ﷺ إذا صلّى في فضاء من الأرض، صلى إلى الحربة، فيركزها بين يديه، ثم يصلي إليها، فكان يفعل ذلك في العيدين؛ لأنه كان يصليهما بالمصلى. هذا كلام ابن رجب، ويقول أيضًا: "ولم يكن فيه بناء ولا سترة - يعني في المصلى - وكان يفعل ذلك في أسفاره أيضاً، لأن المسافر، لا يجد غالبًا جدارًا يستتر به، وأكثر ما يصلي في فناء الأرض"، انتهى من فتح الباري لابن رجب - رحمه الله - تعالى. [فتح الباري لابن رجب: 4/21].
بهذا نكون قد وصلنا إلى كتاب الجنائز من كتاب مصنف الشيخ السعدي - رحمه الله - في الفقه، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد.