الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

من آداب الرحلات


عناصر المادة
الخطبة الأولى
لابد من الفقه في الرحلات
آداب قضاء الحاجة في الرحلات
أشياء طاهرة وأحكام الطهارة
الأذان والصلاة في الرحلات
الصيد في الرحلات
آداب متنوعة في الرحلات
الخطبة الثانية
وإن طال الأنين فالنصر للإسلام

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [سورة آل عمران:102].يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [سورة النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [سورة الأحزاب:70-71]، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

لابد من الفقه في الرحلات

00:01:20

أيها المسلمون: لقد اعتاد الكثير من الناس أن يخرج في مثل هذه الإجازة القادمة إلى أماكن للترويح والتفريج عن الأولاد والأهل، وهذا أمر طيب لا شك في إباحته، بل في أجر من فعله إذا قصد به أمراً مما جاءت به الشريعة، وهو المعاشرة بالمعروف للأهل، وتسلية الأولاد بالمباحات، وحياة المؤمن كلها عبادة أينما حل وارتحل.

وأحكام الدين ملازمة للمسلم أينما ذهب واستقر، ولا شك أن من أولى ما تعمر به الأوقات عبادة الله، ولذلك من يذهب لقضاء هذه الإجازة في الإتيان بعمرة مثلاً، ونحو ذلك من العبادات، وعلى رأسها كذلك طلب العلم، فإنه أولى وأجل وأنفع، ونوصي الذين يذهبون للرحلات في هذه الإجازة بأن يتفقهوا من الدين ما يعبدون الله به على بصيرة، والفرق بين من عنده دين وبين من ليس عنده دين فرق كبير حتى في الذهاب إلى هذه الرحلات الخلوية، فعلى سبيل المثال: الذين يخيمون وهم يفكرون في أمور الدين يأخذون اعتبارات عدة لا يأخذها الذين لا يقيمون للدين وزناً، فمن ذلك على سبيل المثال وضع أماكن للنساء منفصلة عن أماكن الرجال، إذا كان هناك من غير المحارم من خرج معهم، وجعل أبواب خيام النساء لا يكشفها الرجال، ولا السيارات العابرة في الطريق، وكذلك تحديد القبلة، وجعل الخيام محاذية لها، لتسهل الصلاة، وتستقيم الصفوف، أو تخصيص مكان للصلاة، واصطحاب المصاحف، ومن كتب العلم وأشرطته، ما تعين على الانتفاع بالوقت في طاعة الله، وتهيئة الأماكن للاغتسال من الجنابة عند حصولها، مغطاة مستورة، وتوفير الماء الدافئ خصوصاً في مثل هذا الجو البارد، فإذا نزل المسلم منزلاً فإنه يستحب له أن يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فلو قالها ما ضره لدغة عقرب حتى يصبح، وكذلك إذا أمسى يقولها فهذه يقولها إذا نزل المنزل، وتبوأ المكان، ويقولها في الصباح والمساء.

آداب قضاء الحاجة في الرحلات

00:05:17

وعلى الذاهبين إلى تلك الأماكن أن يتذكروا آداب قضاء الحاجة، ومنها: اتقاء الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق والظل، والموارد هي مناهل الماء التي يستقي منها الناس، وكان ﷺ إذا ذهب المذهب لقضاء الحاجة أبعد؛ حتى لا يراه أحد، ولا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها ببول ولا غائط، فإذا عين المكان، وأراد أن يقضي حاجته، ويرفع ثيابه صار هذا الموضع خلاءً يستحب فيه ما يستحب من الأذكار والأدعية للخلاء، فمن ذلك أن يقول: بسم الله، قبل أن يرفع ثوبه، وكذلك أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، ويستحب أن يبول قاعداً، فإن بال قائماً جاز ذلك، ويتخير للبول مكاناً لا يرتد عليه فيه، كالأمكنة الرخوة ونحوها، ولا يبول في شق ولا جحر؛ لئلا يؤذي دابة، أو خلقاً من خلق الله، ويتجنب الأشياء التي فيها ذكر الله، فلا يصطحبها معه، أو يخرجها قبل أن يدخل في الخلاء، فإذا خرج قال: غفرانك، وإن غطى موضع قضاء الحاجة فهو حسن؛ لئلا يتأذى منه الناس، وكان أحب ما استتر به النبي ﷺ لحاجته هدف -وهو ما ارتفع من الأرض، كالتلال ونحوها، أو حائش نخل، وكان ﷺ ينهى عن البول في الماء الراكد.

إذا أراد المسلم أن يستنجي فلا يستنج بيمينه، ولا يستجمر بيمنه، وإذا أراد الاستجمار وهو جائز مع وجود الماء، فإنه يصطحب معه ثلاثة أحجار أو نحوها من المناديل والخرق التي تزيل الأذى، ويستجمر وتراً لا يستعمل يمينه، ولا يمس ذكره بيمينه وهو يبول، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ، وإذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليُرِقْه، ثم ليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب، وإذا وطئ الأذى فإن التراب له طهور يطهره، والحمد لله.

أشياء طاهرة وأحكام الطهارة

00:08:29

وأما الهرة فليست بنجس؛ لأنها من الطوافين عليكم والطوافات، وبعض الناس يظن أنه إذا صار جنباً صارت جميع ملابسه نجسة، وهذا خطأ، بل إن الصحيح أن ماء الرجل -أي المني- ليس بنجس، فإن كان رطباً رشه بالماء، وإن كان يابساً حكه بشيء، وإن غسله فلا بأس، ولكن الثياب تبقى طاهرة، فيجوز أن يصلي فيها، والحمد لله.

وعلى الناس أن يحسنوا الوضوء، وأن يتذكروا أن إصباغ الوضوء على المكاره من علامات الإيمان، وأن الحلية في الجنة تبلغ حيث يبلغ الوضوء، فحافظوا على الوضوء، واحتسبوا، ولو في هذه الأيام الباردة، وإذا أجنب الإنسان لا بد أن يغتسل، ولا يفرط في هذا الأمر، ويجهز المكان، فإن كان بالرغم من ذلك غير مستطيع يخشى على نفسه المرض خشية حقيقية جاز له أن يتيمم، وإذا كان معه ماء قليل، لا يكفي إلا للشرب والأكل، وصنع الطعام، فإنه لا بأس له أن يتيمم مع وجوب أن يأخذ أصلاً من العُدة ما يعينه على إزالة الجنابة.

والتيمم ضربة واحدة يضرب بيديه الأرض، فيمسح بهما وجهه وكفيه، يمسح اليمنى باليسرى، واليسرى باليمنى، والحمد لله على يسر هذا الدين: مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[سورة الحـج:78].

والمسح على الخفين كما قدمنا في خطبة ماضية، إذا أدخلهما -أدخل رجليه في الجوربين- أو الخفين، وهما طاهرتان جاز له أن يمسح عليهما ثلاثة أيام بلياليهن إن كان مسافراً، ويوماً وليلة إن كان مقيماً.

الأذان والصلاة في الرحلات

00:11:02

وحافظوا على الأذان وإظهاره؛ لأنه سنة، والله يحب الأذان: يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية الجبل -قطعة مرتفعة من الجبل- يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله : انظروا إلى عبدي هذا، يؤذن ويقيم الصلاة؛ يخاف مني، قد غفرت لعبدي، وأدخلته الجنة[1] وقال ﷺ لرجل من الصحابة: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك، فأردت الصلاة، إذا كنت في الغنم والبادية يعني وحان وقت الصلاة، فارفع صوتك بالنداء، قال ﷺ: فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس، ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة [2] المؤذن يغفر له مد صوته، وأجره مثل أجر من صلى معه، هو الذي دعاهم، فقال: حي على الصلاة، حي على الفلاح، و المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة [3].

يؤذِّن لهم أنداهم صوتاً، وإن تعدد أصحاب الأصوات النقية أقرع بينهم، والأذان لا بد أن يكون منضبطاً بالوقت، وهذه فرصة لتعلم مواقيت الصلاة على الطبيعة، وقد أخبر النبي ﷺ في حديث جبريل، فقال: صلى بيَ الظهر حين زالت الشمس مالت عن كبد السماء، لما انعدم الظل، ثم بدأ يتكون من جديد هذا بداية وقت صلاة الظهر حتى يصير ظل كل شيء مثله، ووقت العصر حين يكون ظل كل شيء مثله حتى يصير ظل كل شيء مثليه، حتى تصفر الشمس فإذا اصفرت الشمس هذا وقت صلاة المنافقين، ووقت الاضطرار إلى غروب الشمس، وصلى بيَ المغرب حين أفطر الصائم، وغابت الشمس، والعبرة بغياب القرص، وليس بغياب الحمرة الباقية في مغيب الشمس، فإذا غاب قرص الشمس حان وقت المغرب، وصلى بيَ العشاء حين غاب الشفق[4] فهذه الحمرة التي ترى في المغرب بعد غروب الشمس إذا غابت فهذا وقت العشاء إلى نصف الليل، وهو منتصف المسافة بين المغرب والفجر تختلف صيفاً وشتاءاً.

ويُستحب أن يُطيل في صلاة الفجر الصلاة، وأن يُؤخر صلاة العشاء إلى قريب من نصف الليل، كما ﷺ: إنكم تنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم، ولولا أن يثقل على أمتي، لولا المشقة على الأمة لصليت بهم هذه الساعة[5]، وقال ﷺ مبيناً فضل الصلاة بالنعال: خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا خفافهم[6]، وقال: صلوا في نعالكم، ولا تشبهوا باليهود[7]، فما دام الأمر في البادية والصحراء، والخلاء والشواطئ ليست مفروشة بالسجاد كما في المساجد التي يخشى تلفها إذا وطأت بالنعال، فالفرصة سانحة لأن تصلي بالنعلين، وأن تمسحهما بالتراب إذا كان بهما أذى، وتخالف اليهود، وتؤجر، وتطبق السنة.

واعلموا أن مباشرة الأرض بالصلاة أفضل من الصلاة على حائل إذا أمكن ذلك، وكان مسجده ﷺ مفروشاً بالحصباء -بالحصى- وسجد ﷺ في ماء وطين لما نزل المطر، ولكن حذاري من اللعب بالتراب أثناء الصلاة، والإكثار من مسح الأرض والحصى، قال ﷺ: لا تمسح وأنت تصلي، فإن كنت لا بد فاعلاً فواحدة[8]، تسوي بها موضع السجود.

وكذلك فإن البدو الرحل إذا أزمعوا الإقامة في مكان أكثر من أربعة أيام أتموا الصلاة على قول جمهور العلماء، ومن ذهب في النزهة معه زاده وطعامه، نوى الإقامة بمكان أكثر من أربعة أيام، فإنه يتم الصلاة، وهذا هو الأحوط، وأما إن قال: سأذهب وأجلس يوم أو يومين أو ثلاثة، لم ينو أن يقيم بالمكان أكثر من أربعة أيام، وإنما قال: أذهب وأرى، فإن كان الجو حسناً زدنا وإلا رجعنا، نجلس يوم أو يومين، ونرى الوضع كيف يكون، فإن تحملنا البرد جلسنا وإلا رجعنا، فهذا يقصر الصلاة، وهو على نيته.

وكذلك فعليكم بالمحافظة على صلاة الجماعة، قال ﷺ: ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان[9]، فلا بد من رفع الأذان، وجمع الناس لصلاة الجماعة، لا تضيع الصلوات في مثل هذه الأماكن، بل إن احتساب الأجر في الصلاة في الخلاء فيه أجر كما ثبت في بعض الأحاديث، قال ﷺ: صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحده خمساً وعشرين درجة، فإذا صلاها بأرض فلاة فأتم وضوءها، وركوعها، وسجودها، بلغت صلاته خمسين درجة[10]، وكذلك فإن الانتباه لصلاة الفجر ووقتها أمر مهم، حتى أن النبي ﷺ لما خشي مرة -مع التعب، تعب الجيش- أن تفوتهم صلاة الفجر طلب حراسة، من يحرسهم الليلة ليوقظهم لصلاة الفجر، يبقى مستيقظاً ليوقظهم، فإذن لا تفريط في وقت صلاة الفجر، ولا ينبغي ذلك، ولو أوكلوا واحداً أو أكثر ليوقظهم للصلاة.

وكذلك فإن من الأمور التي لا تُترك في السفر سنة الفجر وقيام الليل، وحرِّصوا النساء على الصلاة إذا كن يقتدين بالرجال في نفس المكان فلينتظر الإمام والرجال حتى ينصرف النساء إذا كان فيهن أجنبيات، فلا يلتفت الإمام حتى ينصرف النساء بسرعة، وإذا صلين جماعة هن تقف المرأة الإمام منهن في وسطهن وسط الصف فلا تتأخر ولا تتقدم، وكذلك فإنه لا تلزم صلاة الجمعة لمن كان في البر أو بقرب مدينة إذا كان لا يسمع النداء، أما إذا سمع النداء يجب عليه أن يأتي الجمعة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [سورة الجمعة:9]، فإذا سمع النداء وجب عليه أن يجيب.

الصيد في الرحلات

00:20:00

وأما الذين يقومون بالصيد فإن عليهم أن ينتبهوا لأمور، ومن ذلك: أن لا يلهيهم الصيد عن الصلاة وذكر الله، كما قال ﷺ: من بدا جفا، من اختار البادية، وأقام فيها أصابه الجفاء، ومن اتبع الصيد غفل؛ لأن اتباع الصيد يلهي عن ذكر الله، ومن أتى أبواب السلطان افتُتِن[11]، أصابته الفتنة لما يحصل له مما يشاهده ويعاينه، فمن منكرات الصيد أنه يلهي عن ذكر الله، فينبغي على من يصيد أن ينتبه لأوقات الصلوات، وكذلك يحرم تعذيب الحيوانات كأن يجعل الصقر يأكل منها وهي حية، ويقول: هذا ضروري لتدريبه، قال ﷺ: لعن الله من مثل بالحيوان[12]، قطع بعض أطرافه وهو حي من تعذيبه، لعن الله من عذب الحيوان، وقال ﷺ: إن أعظم الذنوب عند الله رجل تزوج امرأة فلما قضى حاجته منها طلقها وذهب بمهرها، ورجل استعمل رجلاً فذهب بأجرته، وأكل الأجرة، وآخر يقتل دابة عبثاً [13]، ومن ذلك جعل الحيوان هدفاً للرماية والتدريب، فهذا حرام لا يجوز، فإما أن يصيد ليأكل، وإما أن يتركه، أما أن يصيد هكذا ليلقيه، يقتلها عبثاً، أو يجعلها هدفاً في التدريب، فهذا حرام لا يجوز.

وكذلك فإن الصيد ما جمع ثلاثة شروط: أن يكون مباحاً أكله، وأن يكون لا مالك له، وأن يكون ممتنعاً -يهرب؛ لأنه لو أمكن إمساكه لذُكِّي، لكن لأنه يهرب صار صيداً فيرمى من بعيد.

ويشترط لحِلِّ الصيد أن يكون صائده من أهل الذكاة -يعني مسلماً أو كتابياً، فلو كان هندوسياً أو وثنياً -كما يصطحب بعض الناس معهم من أصحاب هذه الديانات في رحلات القنص من يصيد لهم من أهل هذه الديانات- فهذا حرام أكله، لا يجوز، أو إذا صاد لك تارك صلاة بالكلية، أو مستهزئ بالدين، فلا يجوز أكل صيده، وكذلك أن تكون الآلة محددة تُسيل الدم، أو أن يصيد بجارحة كالكلب المعلم والصقر، فهذا يجوز أكله، وأن يرسل الكلب المعلم أو الصقر قاصداً الصيد، فإن انطلق الكلب من نفسه، فصاد لنفسه لا يجوز أكله، ويشترط أن يسمي عند الرمي، أو عند إرسال الجارحة، فإذا رمى بالبندقية، قال: بسم الله، وإذا أرسل الجارحة قال: بسم الله.

وكذلك فإنه يشترط أن يكون قاصداً للصيد، فلو أطلق البندقية في الهواء غير قاصد شيئاً ولا هدفاً، فصادت من غير قصد، فإنه لا يأكل، ولو أدرك الصيد حياً تجب تذكيته، وإذا أدركه واقعاً في ماء، أو متردياً من جبل، فإنه لا يأكله لاحتمال أن يكون الماء هو الذي قتله، أو التردي، وإذا اجتمع حاضر ومبيح قدم الحاضر، وهذه قاعدة الأحوط المعمول بها في الشريعة.

وإذا أصاب فخرج وأسال الدم أُكل، وإذا قتل بثقله كأن رماه بحجر ونحوه فإنه لا يؤكل، فإذا قتلته الآلة بعرضها، وثقلها لا تؤكل، وإذا قتلته الآلة بحدها فإنه يؤكل، وما قُطع من حي فهو ميت، أي عضو يقطع من حي من الدواب فهو ميت، فهو كالميتة لا يجوز أكله.

آداب متنوعة في الرحلات

00:24:43

وينبغي عليكم -يا أيها الخارجون في هذه الرحلات- أن تصطحبوا من وسائل العلم من كتبه وأشرطته ما تستفيدون به، وتُمضون الأوقات في طاعة الله والتعلم، واحرص يا أخي على إرشادك الرجل في أرض الضلال فإنها لك صدقة، فإذا دللته على مكان وهو تائه فاحتسب الأجر في ذلك، فإنه عظيم عند الله، وإعطاء الجيران وإهداؤهم ونصحهم؛ لأنهم قد يكون منهم أصحاب طبل وزمر يحيون الليل في معصية الله، ويقومونه في إغضاب الله، من أصحاب المزامير والغناء، وهؤلاء كثر، والله المستعان على ما فعلوا، وإليه المشتكى مما صنعوا؛ يؤذون عباد الله، ويقومون ليلهم بمعصية الله.

أعطوا الجيران، وأهدوهم، وإذا طبختم اللحم فأكثروا المرقة فإنه أوسع وأبلغ للجيران، وكذلك فإذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه، أو ليناوله منه، فإنه هو الذي ولي حره ودخانه، فيكافأ كما أنه تعب في الطبخ ولو كان خادمك يأخذ أجراً أعطه منه، وطيب نفسه.

وإذا أويت إلى فراشك فانفضه بداخلة إزارك، فإنك لا تدري ما خلفك عليه بعدك، فقد يكون فيه آفة أو دابة، وكذلك النعال انفضها قبل أن تلبسها، واعبد الله ولا تشرك به شيئاً، واذكر الله تعالى عند كل شجر وحجر[14] هذا الحديث، فالمقصود أن تكون دائماً ذاكراً لله، لا يغيب عن بالك ذكر الله، أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، والأكل والشرب والخلاء.

المقصود أن يكون الإنسان دائماً يذكر الله، فإذا نزل المطر فاحسر عن ذراعيك وثيابك، وأصب بدنك من هذا الماء المبارك، وقل: اللهم صيباً نافعاً، اعترف بالوحدانية وقل: مطرنا بفضل الله ورحمته، هذا بعض من آداب وأحكام الذهاب في هذه الرحلات.

نسأل الله أن يجعلنا دائماً من الذاكرين، ودائماً من الشاكرين، وأن يجعلنا في كل حال وحين ممن يقوم بحقه ويعبده، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:27:41

الحمد لله على آلائه، والشكر له على نعمه وامتنانه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم، لا إله إلا هو رب العرش العظيم، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، لا إله إلا الله الحي القيوم، لا إله إلا الله لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا وهو في كتاب مبين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الهادي من الضلالة، والمنقذ من العماية الذي أخرجنا الله به من الغواية، علمنا فأحسن تعليمنا، وأدبنا فأحسن تأديبنا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على هديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

وإن طال الأنين فالنصر للإسلام

00:28:49

عباد الله: إننا في هذا الزمان، ونحن في آخر الزمان نشكو إلى الله ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس، فهذه هيمنة الأعداء، وهذه اعتداءاتهم على المسلمين، وحال إخوانكم في الهند لا يخفى على أحد، والتذبيح قائم، وإحراق الممتلكات، والاغتصاب لم يعد قاصراً على بلاد البوسنة وحدها، فقد صار عندهم طريقة متبعة في كل حال، وهذه السجون والمعتقلات التي أُدخِلَها الدعاة إلى الله، أدخلها الدعاة إلى الله ظلماً وعدواناً، والأمر في كل حين شديد، ونحن لا نملك إلا أن نشكو إلى الله ما حل بإخواننا من الظلم، وأن نشكو إلى الله ما قام به الأعداء من الهيمنة، على ضعف فينا نحن، نحن السبب، وبعدنا عن الدين، هذا بما كسبت أيدينا، وليس بقوة أعدائنا كما يظن الناس، بسبب بعدنا عن الدين، ولكن أيها المسلمون إن لنا عزاء في أحاديث النبي ﷺ، المتمسك بدينه في هذا الزمان له فضل عظيم، فلا تيأسن من رحمة الله، ولا ترضخن لكيد العدو، واعتصم بالله فإنه من يعتصم بالله يهديه إلى صراط مستقيم، ألم يقل نبيك محمد ﷺ: طوبى لمن رآني وآمن بي، ثم طوبى، ثم طوبى، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني[15] ونحن نشهد الله أننا آمنا بالنبي ﷺ ونحن لم نره، وينبغي أن نعاهد الله على أن نتبع سنته بعد موته ﷺ، فموته لن يثنينا عن اتباع السنة، ورحيله لن يحول بيننا وبين التمسك بهديه، فعليكم بهدي نبيكم ﷺ، ألم يقل نبيكم ﷺ: أشد أمتي لي حباً قوم يكونون أو يخرجون بعدي يود أحدهم أنه أعطى أهله وماله وأنه رآني[16] ونحن نشهد الله على محبتنا لنبيه محمد ﷺ، ونسأله أن يبلغنا هذه المنزلة المذكورة في الحديث: قوم يكونون أو يخرجون بعدي يود أحدهم أنه أعطى أهله وماله وأنه رآني.

ألم يقل نبيكم محمد ﷺ يا معشر المسلمين- في عصر الضعف والذلة: لاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ [سورة آل عمران:139]، وإن غلبنا الكفار لكن نحن أعلى بعقيدتنا وديننا، ومنهجنا وسنة نبينا ﷺ، فلا يهولنكم الأمر، فإن الدنيا عند الله لا تساوي جَناح بعوضة: وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [سورة آل عمران:140]، إن من ورائكم زمان صبر للمتمسك فيه أجر خمسين شهيداً منكم[17] قاله النبي ﷺ للصحابة، إن من ورائكم زمان صبر للمتمسك فيه أجر خمسين شهيداً منكم، فيا طوبى للمتمسكين بالدين في هذا الزمان الذي ضعف فيه الناصر، وقل المعين، ولم يبق للمسلمين إلا الله.

وكل الأدلة تدل على قطع الحبال شرقاً وغرباً، وتكالب أمم الكفر على المسلمين، ألم يقل نبيكم محمد ﷺ واصفاً الحال: يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر[18] فقد أتى وتحقق، وبعض المسلمين يقبضون على الدين كما يقبضون على الجمر، فإذن الحالة معروفة، ولا شيء جديد، ولا يوجد مفاجآت، لقد أخبرنا النبي ﷺ بكل هذا، لكن المهم أن نعود إلى الله، وأن نعبده، وأن نذكره، وأن نشكره لكي يورثنا أرضه وديار الكفار، كما قال الله: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا [سورة الأحزاب:27]، كما قال الله لأوائل هذه الأمة: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا، فكذلك إذا عدنا إلى الله سيورثنا أرضهم وديارهم، وأرضاً لم نطأها من قبل، والمهم أن نصلح حالنا نحن وأن نعود إلى الله.

اللهم ردنا إلى الدين رداً جميلاً، اللهم اهد ضالنا، وتب على تائبنا، اللهم إنا نسألك أن ترفع الغُمة عنا وعن المسلمين، وأن تفرج كربنا وتُذهب حزننا، وتغيض عدونا وتكبته إنك على كل شيء قدير، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أقم علم الجهاد في أرض فلسطين، وأخرج اليهود يا رب العالمين، اللهم شرد بهم من خلفهم وشردهم، اللهم إنا نسألك أن تجعل دائرة السوء عليهم، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، إنك على كل شيء قدير، اللهم أصلح بيوتنا وطهرها من المنكرات، وأصلح أولادنا وذرياتنا يا أرحم الراحمين، وآمنا في أوطاننا، واجعل أوطان المسلمين أمناً وسلاماً، اللهم أظهر فيها الشريعة، وعمرها بعبادتك يا أرحم الراحمين، اللهم وفق أبناءنا في امتحاناتهم، واجعل توفيقك لهم عوناً لهم على طاعتك، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

  1. ^ رواه النسائي (666).
  2. ^ رواه البخاري (609).
  3. ^ رواه مسلم (387).
  4. ^ رواه أبو داود (393).
  5. ^ رواه النسائي (537).
  6. ^ رواه أبو داود (652).
  7. ^ رواه الطبراني (7164).
  8. ^ رواه أبو داود (946).
  9. ^ رواه أبو داود (547).
  10. ^ المنتخب من مسند عبد بن حميد (976).
  11. ^ رواه أحمد (8619).
  12. ^ رواه النسائي (4442).
  13. ^ رواه الحاكم (2743).
  14. ^ رواه الكلاباذي في بحر الفوائد (325).
  15. ^ رواه أحمد (11276).
  16. ^ رواه أحمد (20877).
  17. ^ رواه الطبراني في الكبير (10394).
  18. ^ رواه الترمذي (2260).