السبت 9 ربيع الآخر 1446 هـ :: 12 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

03- الأربعون القلبية 3، شرح حديث (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ)


عناصر المادة
نص الحديث
شرح الحديث
المقصود بقوله: يا مقلب القلوب
المقصود بقوله: ثبت قلبي على دينك

نص الحديث

00:00:01

الحديث الثالث:
ما رواه أنس قال: كان النبي ﷺ يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قال أنس فقلنا: يا رسول الله آمنا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ -هو قال: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قال أنس فقلنا: يا رسول الله آمنا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟- فقال: نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها[رواه الترمذي: 2140، وأحمد: 12128، وصححه الألباني فيمشكاة المصابيح: 102].

شرح الحديث

00:00:55

تقليب الله للقلوب:
أين مصدر الخوف؟
لازم نخاف من أفعال الله؛ لأن من أفعال الله: تقليب القلوب، فمصدر الخوف: أن من أفعال الله تقليب القلوب، يعني لو واحد قال لك: كيف يعني التمعن في الأسماء والصفات يوصل الواحد للخوف من رب العالمين؟
تقول: هذا مثال: التأمل في فعل من أفعال الله، الذي هو تصريف القلوب، وتحويل القلوب، وتقليب القلوب، هذا لوحده كافي أن الواحد يخاف من الله أن يقلب قلبه.
قال: نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها [رواه أحمد: 12128، وقال محققو المسند: "إسناده قوي على شرط مسلم"].
وكان النبي ﷺ يكثر من طلب التثبيت: يا مقلب القلوب-طيب- ما قال: يا مثبت القلوب، ثبت قلبي، قال: يا مقلب القلوب ثبت قلبيمع أنه مثبت القلوب؟
قالوا في السبب: من كثرة التحول الحاصل، يعني من كثرة التقليب وتحويل القلوب الحاصل في الواقع دعا به: يا مقلب القلوب على أن التقليب من جهة أخرى قد يكون خيرًا، يعني إذا قلبه من باطل إلى حق، ومن ضلالة إلى هداية، ومن معصية إلى طاعة، ومن بدعة إلى سنة، ومن شرك إلى توحيد، ومن كفر إلى إسلام، كان هذا التقليب لصالح صاحبه، فالتقليب فيها خوف، وفيها رجاء، يا مقلب يعني يتعلق في الداعي بالنسبة للمدعو، وهو الله أمران: خوف ورجاء، أنه يقلبه خشية أن يقلبه إلى شر وباطل، وضلالة وبدعة، ورجاء أن يقلبه إلى خير، وكذا، ويثبته على ذلك، فقال: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال: 24].

أكثر ما كان النبي ﷺ يحلف: لا ومقلب القلوب[رواه البخاري: 7391].
وتقليب القلوب القدرة فيها عظيمة، يعني المتأمل في مسألة تقليب القلب قدرة المقلب عظيمة، هذا شيء خفي في الجوف وأنت أصلاً لو عندك ولد، لو عندك أخ ضال، تريد أن تهديه تشتغل على الموضوع هذا مدة طويلة جداً، بعدين تقول: عجزت يا جماعة والله إنه يهتدي! تارك الصلاة إنه يصلي! مستعمل مخدرات أنه يترك! تقول: عجزت! الله في لحظة جعل سحرة فرعون ينقلبون من سحرة كفرة إلى شهداء بررة: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ۝ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ[الشعراء: 46 - 47] واكتسبوا في هذه اللحظات توحيدًا وفقهًا وثباتًا، وهددهم وفعل بهم: لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ [الشعراء: 49]،وَالَّذِي فَطَرَنَا [طـه: 72]، وحلفوا: فَاقْضِ مَاا أَنتَ قَاضٍ ورددوا التهديد: إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا[طـه: 72] ووعظوه لفرعون، وصاروا دعاة، شيء ترى هذا صار في لحظات، شف الإعجاز الإلهي في الخلق: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ[الأنعام: 110] البخاري-رحمه الله- عنون: "باب مقلب القلوب"، وقول الله -تعالى-: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ [الجامع الصحيح: 9/ 145]ليبين الخطورة.

المقصود بقوله: يا مقلب القلوب

00:05:56

قوله: يا مقلب القلوبقال الراغب: تقليب الشيء تغييره من حال إلى حال. والتقليب التصرف، وتقليب الله القلوب والبصائر صرفها من رأي إلى رأي [ينظر: المفردات في غريب القرآن: 1/682].
وهذا المتقلب برياح الشبهات والشهوات، القلب هذا، يكون مستقيما فجأة يعشق امرأة خلاص! الفساد العظيم! راح في عالم الفسق! العشق! خلاص! مرة كنت أعظ واحدًا وقع في العشق، قلت: يا أخي افعل كذا، وافعل كذا، وفي دعوات يا أخي دعوات! قلت: هذا القلب مكان العشق! قلت: قل: اللهم اجعل في قلبي نورًا[رواه البخاري: 6316، ومسلم: 1824] قال: هي اسمها: نورة يا شيخ! هذه صارت لي القصة مع واحد.
والعلماء يعرفون العشق فيقولون: العشق حركة قلب فارغ! فارغ من ماذا؟ فارغ من محبة الله، يعني لو في محبة لله ما يروح في عالم العشق.
والشبهات انظر الآن يكون الواحد مستقيما على طريقة السلف فجأة تجده صار مع الليبراليين والعلمانيين! والذين قدموا العقل على النص! أمثلة كثيرة، كان.. الآن في الواقع تجد بين الناس يقول: كنا وصرنا! وبعضهم يتأسف! ويقول: خلاص ضلينا! وبعضهم يعاند يقول: لله اهتدينا! ويحسبون أنهم يهتدون! هذه المصيبة! الأول أسهل! يعني في الدعوة، الثاني يظن نفسه على: وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ [الأعراف: 30] تأتي تنصحه! يقول: أنت اللي غلط! هذا تقليب القلوب.

والله تولى بنفسه أمر قلوب العباد.
سبحان الله! ذكر العلماء أن الله ما وكل الملائكة بتقليب القلوب، هو التقليب عنده، يعني الملائكة -مثلاً- تدعو لهم، نعم، الملائكة تكتب أعمالهم، تحفظهم: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ[الرعد: 11].
الملائكة لهم دخل فينا يعني بأشياء كثيرة، لكن تقلب القلوب تحديدًا، يقولون: أنه ما وكل الله به الملائكة، يعني ما يرسل الله ملكًا ليقلب قلب واحد، هو من عنده سبحانه -يقلبها-.

المقصود بقوله: ثبت قلبي على دينك

00:09:05

ثبت قلبي على دينك -طبعًا- ليش مما ذكروه، كما ذكر الصنعاني-رحمه الله- قال: لأن القلب مستودع الأسرار، أسرار لا يطلع عليها إلا الله، حتى الملائكة في أشياء لا تعرفها.
ثبت قلبي على دينك اجعله ثابتًا على دينك غير مائل، غير منحرف، والخلق كلهم بحاجة إلى هذا الدعاء، وهو دعاء الراسخين في العلم: رَبَّنَا لاَ تُزِغْْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً [آل عمران: 8]، والدعاء هذا فيه إشارة إلى أنه حتى الأنبياء يحتاجون إلى تثبيت: وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً[الإسراء: 74].
وقول أنس فقلنا: يا رسول الله آمنا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ رأوا أنه ﷺ يدعو بمثل هذا الدعاء، الأمة أولى بذلك، ففرضوا السؤال في الأمة تأدبًا فأجابهم بقوله: نعمأخاف عليكم، وعلل الخوف بقوله: إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها، من الإيمان إلى الكفر، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن الطاعة إلى المعصية، ومن المعصية إلى الطاعة، وهكذا..
وهذا التقليب بحكمة منه تعالى وعدل.
لكن الله ما يزيغ واحد لا يريد الزيغ، يعني: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا[العنكبوت: 69] فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: 5].

من الضروري معرفة أن تقليب القلوب، يعني من الهداية إلى الضلالة، من الإيمان إلى الكفر، من التوحيد إلى الشرك، من الطاعة إلى المعصية، أن تقليب القلوب هذا يتم بحكمة منه وعدل سبحانه، وليس كما يزعم الجهال أنه تعالى لا تنفع معه الطاعة، وإن طال زمانها، هذا سوء ظن بالله، وهذا اتهام لله خطير، بل إن الله لا يضل من أراد الهداية، من رحمته العبد الذي يريد الهداية الله لا يضله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت: 69].
لكن فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ[الصف: 5] فكانت إرادتهم للشر هي السبب في الانتكاس الذي أراده الله بهم، وأن الله لا يأخذ المطيع من المحراب إلى الخمارات، ولا يأخذ الموحد من التوحيد إلى الشرك، ويقلبه من الإيمان إلى الكفر، وهو يعني العبد يريد الخير والطاعة والدين والإيمان والتوحيد والهداية أبدًا، الله شكور، كيف يحرف عبده المريد للهداية؟ كيف يضل عبده المريد للتوحيد والإيمان والطاعة؟ لا يمكن، لكن عندما يريد العبد الزيغ، الله يعاقبه، ما في واحد إذا ضل بدون سبب كذا، يعني انتكس، ثق تمامًا الآن مع قضية الانتكاسات التي تحدث الآن في قطاع من الناس -نسأل الله الثبات- انتكاسات، في ناس وصلوا إلى الإلحاد، ما في واحد انتكس بدون سبب منه، ما في، عرضت له شبهة انساق معها، عرضت له شهوة ركب مركبها، أما واحد يريد المسجد يجد نفسه في ملهى ما يمكن، هو رايح المسجد، لكن إذا حانت منه التفاتة في الطريق راح يمينًا أو شمالاً، خلاص، هو العبد الذي جنى على نفسه: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ أرسلنا رسولاً وبينا فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى[فصلت: 17].
خلاص، هو منهم البلاء منهم، الله يعامل الناس بكسبهم ويجازيهم بأعمالهم، والمحسن لا يخاف لديه ظلمًا ولا هضمًا: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا[طـه: 112]، فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ[الأنبياء: 94]، إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ[التوبة: 120]، إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا[النساء: 40].
وإذا أوقع عقابًا منه سبحانه فإنما يوقعه من جراء تمرد العبد عليه، وإرادته للشر، فإذا تأكدت من ذلك -يا عبد الله- فاعلم عدل ربك في خلقه، وأنه يأخذهم جراء كفرهم وعتوهم وتمردهم: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40].
ولذلك ما في أحد يدخل النار يوم القيامة إلا وهو مقتنع تمامًا بأنه مستحق لدخول النار، ما في واحد يدخل النار وهو شاك، يعني أنه يمكن ما يستحق: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ۝ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك: 10 - 11].
وهؤلاء الذين: قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ۝ فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ [الأنبياء: 14 - 15].
لما سأل نوح ربه نجاة ابنه أخبره أنه يغرقه بسوء عمله، وأنه عمل غير صالح، وبكفر هذا الولد، ما قال: أغرقته بمحض إرادتي ومشيئتي بلا سبب منه، يعني حتى هذه لا يقال يعني الله يعاقب بمجرد المشيئة، بلا سبب من العبد! فقط لأن الله يريد ذلك!
هذه ما تقال، الله أرادها لأن العبد أرادها، وكتبها وعاقب، وأوقع العقاب؛ لأن العبد أراد ذلك، وقد قال الله في أهل الإيمان والدين: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ۝ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُبَالَهُمْ ۝ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [محمد: 4- 6].
وقال: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد: 17]؛ لأن الله شكور، فتقليب القلوب إذًا لا يتم إلا بحكمة منه تعالى، وإذا أزاغ قلب إنسان فيكون جزاء وفاقًا على إرادة هذا العبد صاحب القلب للشر.
ابن كثير-رحمه الله- عند تفسيره لقوله تعالى: يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة: 132] قال: "حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه، فإن الكريم يقصد الله قد أجرى عادته" يعني في خلقه "بكرمه، أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، فعياذًا بالله من خلاف ذلك" [تفسير ابن كثير: 2/87].
فنسأل الله أن يصرف قلوبنا على دينه.