الأربعاء 10 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 11 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الهوية الإسلامية


عناصر المادة
تميز المسلم بهويته ومحاولات تغييرها
أهمية الهوية
انفتاح المسلمين على الآخرين
ضبط الانفتاح والانغلاق بالضوابط الشرعية
ضوابط الانفتاح
وسائل محاربة الانفتاح
سد الثغرات التي يأتي منها الشر
معركة الانتماء للعقيدة والتاريخ واللغة والأخلاق

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في هذا الموضوع الذي نتحدث فيه عن قضية كبيرة تمسنا جميعاً إنها قضية الانفتاح، وبالتالي ضياع الثوابت، واهتزاز معالم الشخصية الإسلامية، بل ذوبان كثير من أبناء المسلمين وبناتهم فيما انفتحوا عليه.
نريد أن نعرف ما هي جوانب هذا الانفتاح؟ ما هي ضوابط الانفتاح؟ كيف المحافظة على الهوية الإسلامية في هذا العصر الذي انفتحت علينا فيه نوافذ كثيرة للشر، وظهر الفساد في الجو والبحر والبر؟

تميز المسلم بهويته ومحاولات تغييرها

00:01:08

 قضية كبيرة تلك الهوية الإسلامية، تميز المسلم بعقيدته ودينه وشخصيته.
هذه الشخصية التي تتكون من هذه القاعدة الإيمانية، قاعدة العقيدة، مع الأوصاف من أخلاق وآداب وعبادات يقوم بها هذا الإنسان المسلم.
إنها مجموعة من الواجبات يلتزم بها، ومحرمات يمتنع منها، وصفات يتصف بها.
للذاهب وطرائق الكفر هويات، فهذا مجتمع نصراني، وهذا مجتمع يهودي، هذا شيوعي، هذا رأسمالي، وهذا ليبرالي، وهذا.. وهذا.. من سائر الأنواع الكثيرة في الأرض اليوم.
ولكن تبقى هوية الإسلام تصبغ المجتمع المسلم: صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ  [البقرة: 138].
إن أعداءنا يحاولون الفصل بيننا وبين ديننا حتى قال أحد زعماء اليهود: يحاول بعض العرب أن يتعرف على نسبه الإسلامي بعد الهزيمة، وفي ذلك الخطر الحقيقي علينا، ولذا كان من أول واجباتنا أن نبقي العرب على يقين راسخ بنسبهم القومي لا الإسلامي.
وكذلك يفعلون في العجم المسلمين فيربطونهم بهوايتهم العجمية دون الإسلام.
وتقول إحدى صحف هؤلاء اليهود: إن على وسائل إعلامنا أن لا تنسى حقيقة هامة، هي جزء من خطتنا في حربنا مع هؤلاء العرب المسلمين، هذه الحقيقة هي أننا نجحنا بجهودنا، وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طيلة 30 عاماً، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً على المعركة للأبد، ولهذا يجب أن لا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا باستعمال العنف والبطش، فإخماد أية بادرة لإيقاظ الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا أن هذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة لهم.
وقد جربوا سائر السبل، ومنها: الحرب وإذاقة المسلمين ويلاتها.
وكذلك: استعمال القوة وأنواع البطش.
وكذلك: استعمال أنواع الحصار.
وأيضاً: نشر ملل الكفر ومذاهبه وأحزابه وأفكاره بين المسلمين.
وكذلك: الولاء لهؤلاء الأجانب عن الدين من خلال المعاهد والمدارس والبعثات والأسفار، ونحوها.
ثم آل الأمر في النهاية إلى أنهم لم يجدوا طريقة يحكمون فيها السيطرة بنشر كفر صراح، فكان لا بد من نشر إسلام آخر غير الإسلام الذي جاء به محمد ﷺ.
وهذه آخر خرزة في عنقود الشر: إنشاء قنوات تدعو إلى ما يسمى بإسلام، لكنه ليس هو الإسلام الحقيقي.
إنشاء محطات، وبرامج، وكتب، وشخصيات تدعو إلى إسلام لكن ليس هو الإسلام الذي جاء به ربنا -عز وجل- في الكتاب وعلى لسان رسوله ﷺ في السنة.
هذه آخر المبتكرات.
وتعيش منطقتنا اليوم تحت هذا الإيقاع، تكثيف لموجات من الأفكار والأحكام والقواعد تنشر عبر محطات، برامج، مؤتمرات، تدعو إلى أشياء غير التي جاءت في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ.

أهمية الهوية

00:05:34

 ونبدأ القضية من الكلام على مسألة: أهمية الهوية، تلك التي تميز بين المسلم وغبر المسلم، تلك التي تميز الناس عن بعضهم.
لقد شكا عدد من الأوروبيين من الأمركة؛ كما صرحت بذلك وزيرة الثقافة اليونانية ووزير الثقافة الفرنسي، ويشكو من حملة قاسية على القنوات التلفزيونية التجارية التي أصبحت صنابير تتدفق منها مسلسلات الأمركة.
وكذلك شكا رئيس وزراء كندا من تأثير هذه الثقافة على الشعب الكندي.
فإذا كان هؤلاء الكفار يشكون ويتباكون على شخصياتهم وعلى أصولهم وهوياتهم من كفار آخرين، فما بالك بالمسلمين؟
هنالك دعوات داخل الصين واليابان للعودة إلى أصولهم، بل يحافظون عليها أشد المحافظة، حتى في طريقة الأكل، وطريقة اللبس، والعادات، فضلاً عن الدين والعبادة التي يمارسونها داخل معابدهم، بل صدروها إلى الخارج عبر أنواع من الرياضات.
لما ظهرت العولمة وهي في أجزاء كثير منها أمركة، قام هؤلاء من غير المسلمين يحذرون وينبهون إلى خطورة هذه الأمركة عليهم.
ونحن المسلمين ينبغي أن نكون أشد أهل الأرض حفاظاً على أصولنا وديننا وثوابتنا، ذلك لأن الذي عندنا حق، والذي عند الآخرين باطل، من أصحاب الديانات الأخرى والمذاهب الأخرى.
فإذا كان الكافر يخشى على دينه من الكافر الآخر، فما بالك بالمسلم الذي يجب أن يخشى على دينه الإسلام من أنواع الكفار جميعا ًفي الأرض، ولذلك فإن أنواع الانفتاح التي حدثت اليوم عبر القنوات، ومواقع الإنترنت، والأسفار، والبعثات، والسياحة، والمدارس الأجنبية، والتجارات، والمعارض الدولية والمؤتمرات؛ إنها امتزاج، تداخل، فتح نوافذ، وصول ما عند الآخرين إلينا، تعرض أبنائنا وبناتنا لأفكارهم، لعقائدهم، ومناهجهم، وطرق حياتهم.
هذا الانفتاح الذي يحصل اليوم في غمرته وهو غزو في الحقيقة في الصميم، سواء ورد إلينا أو نحن وردنا عليه، وذهبنا إليه.
يأتي من ينادي اليوم داخل المسلمين من أهمية الترحيب بالآخر، والتعامل عه، بفتح النفوس وتصفية القلوب، وأخذ هذه العلاقات ببراءة تامة.
وباسم التعاون بين الشعوب والترحيب بالثقافات الأخرى لإثبات سماحة الإسلام، وإثبات أخلاق المسلمين للآخرين نتقبل هؤلاء، ونأخذ عنهم.


وهكذا ينادى بقضية الامتزاج اليوم، وأن العالم ما دام أصبح قرية واحدة إذاً نحن نحترم ما عند الآخرين، ونطلب منهم أن يحترموا ما عندنا، ولا نعتدي على عقائدهم ونطلب منهم أن لا يعتدوا على عقائدنا. وليت شعري ماذا سيفعل هؤلاء بقوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ * لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ [البقرة: 255 - 256].
ماذا سيفعلون في الكفر بالطاغوت؟ ماذا سيفعلون بالبراءة من المشركين؟
 بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4].
الذين يوادّون من حاد الله ورسوله ليسوا بمؤمنين.
وهكذا أعلنت القضية على لسان الأنبياء، ووجد الفاصل والحاجز بين المسلم وغير المسلم الذي يريد هؤلاء اليوم أن يذيبوه.
وصار المسلم الذي يحتاط لدينه ولا يريد الامتزاج بأصحاب الأديان الأخرى يوصف بأنه: جامد! رجعي! متخلف! متزمت! منغلق!
نقول لهؤلاء: هل تعلمون أنه يوجد داخل طوائف النصارى من انغلقوا على أنفسهم حماية لمعتقداتهم وهي باطلة؟
فيوجد داخل البروتستانت طائفة تسمى: بالآمش، يرون أنه من أسباب البلاء الذي تعيشه الإنسانية هذه الحضارة المادية التي سيطرت على الإنسان الغربي، وأوقعته في مستنقعات الرذيلة والانحطاط، ولذلك انعزلوا عن المجتمع وتركوا ألوان الحضارة، وعاشوا في قرى وأماكن معزولة منفصلة لا يوجد فيها كهرباء ولا آلات حديثة، وعند نسائهم حجاب، يعملون بالزراعة وتربية المواشي، والوسائل البدائية، وممنوع عندهم الخمور والزنا، ولا يختلط نساؤهم بالرجال، ويلبسون الملابس الساترة.


وحدثنا بعض إخواننا الذين قدموا من كندا عن جماعة أخرى موجودة تعيش في مكان قريب من مدينة كبيرة اعتزلوا مظاهر الحضارة كلها، واختاروا الحياة البدائية البسيطة؛ لأنهم رأوا أن هذه الحياة المدنية الغربية بصخبها لم تجر عليهم إلا الشقاء وأنواع النكد والبلاء.
فإذا كان هؤلاء الكفرة وهم على باطل رأوا أن من الحكمة للمحافظة على ما هم عليه أن يعتزلوا هذا الاعتدال فما بالك بأهل الحق؟ لكن أهل الحق لا ينغلقون عن كل شيء، ولا ينفتحون على كل شيء، لماذا؟
لأن ديننا عالمي، لأنه مطلوب منا أن نوصل الإسلام للعالم، لأن نبينا عالمي، أرسله الله  رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107] أرسله للناس كافة  بلغوا عني ولو آية [رواه البخاري: 3461].
ولذلك مطلوب منا أن نعولم الإسلام، ومطلوب منا أن ننفتح على الآخرين بإيصال الإسلام لهم، فنحن نعطي ولكن نرفض أن نأخذ كل شيء، نعطي كل خير عندنا، ولكننا نرفض أن نأخذ كل ما عند القوم.

انفتاح المسلمين على الآخرين

00:13:13

 فنحن في العطاء في غاية السهولة، ولكننا في الأخذ لابد أن ندقق، فمن قال: إن المسلمين غير منفتحين على الآخرين، هذا بالنسبة للدعوة إلى الله باطل، وغير صحيح، بل نحن يجب أن ننفتح على الآخرين، ألم تر إلى حال أجدادنا وأسلافنا؟
لقد انفتحوا على فارس والروم بالجهاد في سبيل الله، ففتحوا الشام، والعراق، ومصر، والمغرب، والهند، والسند، لقد سارت فتوحاتهم في آسيا وأفريقيا، وبلغت أوروبا.
لقد انتقلوا حتى إلى الجزر، ينشر تجارهم الدعوة بعد أن انتشرت بالجهاد في سبيل الله.
فحصل انفتاح هائل من المسلمين على الآخرين، دخل أجدادنا تلك البلاد، انفتحوا عليهم، لكن ماذا فعلوا؟
لما فتح النبي ﷺ مكة حطم الأصنام، ثم أرسل في أرجاء الجزيرة من يحطم تلك الأوثان، والآلهة التي تعبد من دون الله، مناة، والعزى.
لقد انفتح المسلمون خارج الجزيرة العربية في البلدان الأخرى، حتى وصلوا إلى ديار بعيدة، وجدوا فيها بيت الصنم الأكبر "سومنات" فحرقوه، وخربوه، ولم يتركوا صنماً يعبد من دون الله، إذا قدروا على إتلافه أتلفوه.
عندما رجع مهاجرة الحبشة، تقول الواحدة منهم للنبي : إنها رأت بأرض الحبشة كنيسة فيها تصاوير؟ هذا انفتاح حصل بسبب الهجرة، انتقال مسلمين من مكان إلى مكان للضرورة، المكان الآخر مكان كفار، ماذا فعل المسلمون بأرض الحبشة؟
حافظوا على أنفسهم، اجتمعوا على قادتهم، كان على رأسهم جعفر بن أبي طالب ، كانت التوجيهات تأتيهم من النبي ﷺ، وكان هناك رسل بينه وبينهم.
لقد عاشوا في الحبشة سنين لكن ماذا كانوا يفعلون؟ هل ذهبوا في المجتمع الحبشي؟ هل ذهبوا في ذلك الدين النصراني المسيطر هناك؟
كلا.


بل لقد دعوا ملكهم إلى الإسلام فأسلم، أسلم النجاشي، وأسلم بعض من معه، وبقيت الأكثرية على الكفر.
لقد كان الصحابة في غاية المحافظة على أنفسهم وهم جالية لم يذوبوا، ولما رجعوا إلى الرسول ﷺصاروا يقصون عليه ما رأوا ليصحح لهم، ويبين الأحكام، فتقول له المرأة المسلمة عن كنيسة بأرض الحبشة رأت فيها تصاوير، صور لمريم وعيسى، والنبي ﷺ يصحح: فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة [رواه البخاري: 427، ومسلم: 528] هؤلاء الذين صوروا صور الصالحين في كنائسهم ووضعوها، صوروا الأنبياء في كنائسهم وعبدوهم من دون الله، وعظموهم، ورفعوهم فوق المنزلة التي أنزلهم الله إياها.
كان المسلمون يدخلون البلاد يرون مراحيض باتجاه القبلة، يقولون: "كنا ننحرف ونستغفر الله" [رواه البخاري: 394، ومسلم: 264].
لقد انفتح أجدادنا لكن كيف تعاملوا مع الموقف؟
يقول الواحد منهم للثاني ناصحاً: إنك بأرض الربا فيها فاشٍ فلا تفعل كذا، ولا كذا، ولا كذا.. يحذره، هذه منطقة فيها ربا منتشر فاحذر من معاملات معينة توقع في الربا.
عندما انفتحوا على تلك الديار هناك أشياء طيبة أخذوها واستفادوا منها، وسنضرب أمثلة، وهنالك أشياء سيئة حاربوها وأنكروها، وقضوا على ما يمكن القضاء عليه منها.
لقد كان الانفتاح على العلوم الدنيوية والاستفادة منها من قبل المسلمين أمراً عظيماً، لقد استفادوا من الذين كانوا يعيشون في بلاد الكفر وعندهم أفكار مفيدة؛ كفكرة حفر الخندق التي نقلها سلمان الفارسي ، فما بالك لما ذهبوا إلى تلك البلدان ووجدوا فيها مثلاً الدواوين، فنقلت فكرة الدواوين، وهو نوع من التراتيب الإدارية، فصار للمسلمين ديوان الجند، وديوان..، وديوان.. وهكذا..

ضبط الانفتاح والانغلاق بالضوابط الشرعية

00:18:41

 إن مسألة الضوابط في قضية الانفتاح والانغلاق يجب أن تنطلق من الكتاب والسنة،إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه[رواه ابن ماجه: 237، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1332].
إن قضية الانفتاح والانغلاق لا بد أن تضبط، النبي ﷺ لما رأى بيد عمر بن الخطاب صحائف من التوراة غضب غضبا ًشديداً، إنها عقيدة أخرى، ثقافة أخرى، إنه دين آخر، إنها صحف من عقيدة الآخر صارت بأيدي مسلمين، ما هو الموقف من دين الآخر؟
 أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية...، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني [رواه أحمد: 15156، وقال محققو المسند: "إسناده ضعيف"].
 متهوكون  يعني متحيرون، فكان النهي شديداً، وخصوصاً في البداية في مرحلة التكوين، في مرحلة التلقي ونزول الوحي، كان الرفض والبعد عن أي مصدر آخر للتلقي شديداً، إن المسلمين في مرحلة بناء الشخصيات، مرحلة استكمال الدين والعقيدة.
ولذلك لما حاول عمر أن يعتذر ويقول: إنا نسمع أحاديث من اليهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟
اشتد عليه بالنكير، لماذا؟
لأن النبي ﷺ لا يريد شيئاً أن يشوش على المسلمين في هذه المرحلة الخطيرة، في مرحلة البناء والتربية حتى تترسخ أسس هذه الشخصيات الإسلامية، ويقوم بنيانها، ويخرج زرعها شطئه، ويستغلظ، ويستوي على سوقه.
فلما تكامل البنيان لنفوس أصحابه أطلقهم في العالم، وفتحهم في الفتوحات، وهكذا بعد موته قاموا رجالاً وقادة وقدوات، يعلمون، يقضون، يؤمون، يحكمون.
إن النبي ﷺ قد أمر بتعلم لغة يهود في حالة خاصة لزيد -رضي الله عنه- لكي يكاتبهم، ولكي يدعوهم إلى الله .
وكذلك كان للنبي ﷺ من يعرف الكتابة ليكتب له الرسائل، ويكتب له قبل ذلك الوحي.
لما فتح الصحابة تلك البلاد وجدوا فيها حمامات عامة استعملوها لكن لم يدخلوا نسائهم فيها؛ لأن عندهم نصوص من النبي ﷺ من كان يؤمن بالله اليوم الآخر لا يدخل حليلته الحمام [رواه الترمذي: 2801، وأحمد: 14651، وقال محققو المسند: "حسن لغيره"] لكثرة ما يحصل في الحمامات من انكشاف العورات أو الاختلاط، ولذلك نهى عن إدخال النساء إليها.
فتأمل التفريق.
حمامات دخلها ابن عباس وهو محرم، قال شيخ الإسلام: "قد دخل الحمام غير واحد من الصحابة، وبني بالجحفة حمام دخلها ابن عباس، وهو محرم" [مجموع الفتاوى: 21/301].
-طبعاً- ما هو الحمام؟
ليس مكان قضاء الحاجة.
الحمامات التي كانت فيها مياه مسخنة، وأماكن خاصة يغتسل فيها الناس؛ لأن مثل هذه لم تكن موجودة داخل البيوت، وإنما كانت بأماكن عامة يدخل الناس إليها للتنظف.
إذاً، فرَّق المسلمون بين الذكور والإناث في قضية دخول الحمامات العامة، وهي من المبتكرات التي كانت موجودة عند الأمم الأخرى، ولم تكن عندهم بأرض العرب.
لما دخل معاوية الشام بنى فيها منزلاً عظيماً، فجاءه عمر -رضي الله عنه- فرآه على هذا، فقال: يا معاوية تروح في موكب وتغدو في مثله، وبلغني أنك تصبح في منزلك وذوو الحاجات ببابك؟
قال: يا أمير المؤمنين إن العدو بها قريب منا، ولهم عيون وجواسيس، فأردت يا أمير المؤمنين أن يروا للإسلام عزاً.
فقال عمر: إن هذا لكيد رجل لبيب، أو خدعة رجل أريب [تاريخ الطبري: 5/331].
لما دخل المسلمون انفتحوا على البلاد الأخرى انفتحوا بشخصيات متكاملة، بشخصيات قد أعدت، قد بنيت، علماً، عبادة، إيماناً، خلقاً، أدباً، قدرات في الدعوة إلى الله .
وهكذا استفادوا مما عند القوم، ونشأت مسائل فقهية نتيجة الانفتاح.
لقد وجدوا أطعمة لم تكن عندهم، فمثلاً: الأجبان التي كانت في بلاد المجوس مصنوعة من أنفحة مأخوذة من حيوانات، هل ذبحت؟ كيف ذبحت؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: إن الصحابة لما فتحوا بلاد العراق أكلوا جبن المجوس، وكان هذا ظاهراً شائعاً بينهم.
ثم قال: ويدل على ذلك أن سلمان الفارسي كان هو نائب عمر بن الخطاب على المدائن، وكان يدعو الفرس إلى الإسلام، وقد ثبت عنه أنه سئل عن شيء من السمن والجبن والفراء، فقال: الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفي عنه.
ثم قال: ومعلوم أنه لم يكن السؤال عن جبن المسلمين وأهل الكتاب فإن هذا أمر بين، وإنما كان السؤال عن جبن المجوس، فدل ذلك على أن سلمان كان يفتي بحلها [مجموع الفتاوى: 21/103- 104].
بغض النظر الآن عن المسألة الراجح فيها ما هو؟


لكن الشاهد أن الصحابة لهم تعاملات مع الأطعمة التي وجدوها في البلدان التي فتحوها وذهبوا إليها.
لما حصل الانفتاح رافقه فقه ومعرفة بالأحكام الشرعية، واستنباط لتلك الأحكام.
وهكذا فقهاء المسلمين قد عملوا على تعييين الأحكام لتلك النوازل التي حصلت بسبب الانفتاح، وكان هذا أيضاً موجوداً في الأندلس وغيرها، الغالب على الغزاة والذين يفتحون الأمصار يدخلونها أن يدمرون حضارة المغلوب، ويحرقون الكتب، ويقتلون العلماء كما فعل التتار في بغداد، وكما فعل الأسبان الصليبيون لما دخلوا قرطبة، وطردوا المسلمين منها، أحرقوا كتب الإسلام، ودمروا المكتبات الإسلامية. ويذكر المستشرق الأسباني كونديه: أن الأسبان عندما استولوا على قرطبة أحرقوا في يوم واحد نحو 70 خزانة كتب، يعني سبعين مكتبة عامة، فيها أكثر من مليون وخمسين ألف مجلداً.
وعندما استولى التتار على بغداد ألقوا بالكتب في نهر دجلة، وتحولت مياه النهر إلى السواد من الحبر ثلاثة أيام متوالية.
لكن المسلمين لما دخلوا في البلدان الأخرى كان فيها كتب، فماذا فعلوا؟
حصل هناك انفتاح على هذا الكتب، تُرجم منها أشياء كثيرة جداً، وكان الخليفة العباسي سيعطي بسخاء، حتى إنه يعطي المترجم مثقال وزن الكتاب المترجم ذهباً.
ولم يكن الخطأ في القضية في الترجمة، ولكن في التنقيح والتنقية، ولذلك ترجموا كتب الطب، والحساب، والفلك، وترجموا المنطق والفلسفة، وهنا كانت المصيبة، قال شيخ الإسلام: وكان فيها من الباطل والضلال شيء كبير [مجموع الفتاوى: 9/265].
ويقول أيضاً -كلام شيخ الإسلام مهم جداً في قضية الانفتاح على الآخرين وكيف نأخذ وماذا نمنع-، قال: فالانتفاع بآثار الكفار والمنافقين في أمور الدنيا جائز، كما يجوز السكنى في ديارهم، ولبس ثيابهم، يعني التي صنعوها، الخامات والأقمشة.
قال: وسلاحهم.
ثم قال: وأخذ علم الطب من كتبهم مثل الاستدلال بالكافر على الطريق واستطبابه، بل هذا أحسن [مجموع الفتاوى: 4/114].
يقول دراسة الطب من كتب الكفار أحسن من استعمال الطبيب الكافر، قال: لأن كتبهم لم يكتبوها لمعين من المسلمين حتى تدخل فيها الخيانة.
لأن بعض هؤلاء الكفرة يخونون إذا ألفوا الكتاب للمسلمين، هذا الكلام في مجموع الفتاوى مهم جداً في الحديث عن مسألة الانفتاح اليوم.
وأما الانفتاح التجاري فإن المسلمين قد دخلوا في بلاد الكفار واشتروا وباعوا من أيام النبي ﷺ، وكانت رحلة الشتاء والصيف، وكان الذهاب إلى الشام (وهي بلاد كفر) يختارون البضائع المباحة ويأتون بها إلى بلاد الإسلام.


لما صارت الفتوحات ازدهرت التجارة أكثر، ولما عشَّر الكفار تجار المسلمين، يعني صاروا يأخذون منهم ضريبة العشر إذا دخلوا في بلادهم، عشّر عمر التجار الكفار إذا دخلوا في بلاد المسلمين يبيعون، وأخذ منهم العشر واحدة بواحدة، ومقابل بمقابل، وهكذا..
إذاً -أيها الإخوة- لم يكن أجدادنا وأسلافنا في انغلاق تام أو رفضوا أن يأخذوا من الكفار كل شيء، كلا، ولكن كان هناك اختيار في الأخذ، وكان هنالك ضوابط في الانفتاح.
فليس الخطأ أن ننفتح لكن الخطأ أن نأخذ أي شيء وكل شيء، ويقال لنا باسم التعايش، والتبادل المعرفي والثقافي، والاتصال مع الآخر في القرية الكونية: اقبلوا كل شيء.

ضوابط الانفتاح

00:30:25

 ولذلك فإن من ضوابط الانفتاح:
أولا: أنه لا يجوز أمن يكون على حساب الدين والأحكام الشرعية وعقيدة الإسلام.
وكذلك في مسائل العلوم التي تؤخذ لا بد أن يكون عند آخذها علم شرعي يميز به بين النافع والضار، أما أن يكون حاطب ليل، فهذا يفسد أكثر مما يصلح.
والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها، لا يضيره من أي وعاء خرجت، ولذلك فإن المسلم واسع النظر يأخذ النافع، وإذا أخذ يكون مستبصراً بصيراً لا يأخذ كل ما أدبر وأقبل، لا بد من تمييز وتمحيص.
وعندما أخذ بعض المسلمين الفلسفة الإغريقية وقبلوها كما هي، كل شيء، تزندق بعضهم، ألحد بعضهم، كفر بعضهم.
ولذلك خرجت عبارة: "من تمنطق فقد تزندق".
وتقارن بين ثلاث أنوع من الشخصيات في قضية التعامل مع علم المنطق كعلم وافد على المسلمين، حصل من جراء الانفتاح.
فعلى سبيل المثال: تأخذ من شيخ الإسلام ابن تيمية نموذجاً، والغزالي نموذجاً، والفارابي، وابن سينا، ونحو هؤلاء نموذجاً آخر.
فأما بالنسبة لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية -رحمه الله- فإنه قد دخل دخول المستبصر، صاحب العلم الغزير، والذهن الوقاد، والانتباه والبصيرة، والذكاء الحاد، فلم يتلطخ بهذا، ولم يفسد عليه شيئاً من دينه، وإنما نظر فيه بعين الشرع الثاقبة، فرد على أهل المنطق، وبين باطلهم بعدما اطلع على كلامهم وكتبهم. وأنت تجد في نقض المنطق ودرء تعارض العقل والنقل، ونحو ذلك من كتب شيخ الإسلام العجب العجاب في الرد عليهم.
بينما تجد الغزالي على سبيل المثال لما دخل في علم المنطق والفلسفة ضاع، حصل عنده ضياع، فاكتشف أشياء من باطله ومرت عليه أشياء وخفيت.


ولذلك يقول ابن العربي كلمته المشهورة: شيخنا أبو حامد الغزالي ابتلع الفلاسفة فأراد أن يتقيأهم فما استطاع.
ولكن نرجو له نهاية خير لأنه مات والبخاري على صدره -رحمه الله-.
بينما نجد النموذج الثالث: الكندي، والفارابي، وابن سينا، وابن رشد، يقول الشهرستاني في "الملل والنحل" عن هؤلاء: قد سلكوا كلهم طريقة أرسطو في جميع ما ذهب إليه وانفرد به، سوى كلمات يسيرة ربما رأوا فيها رأي أفلاطون [الملل والنحل: 3/3].
ومنهم من كان يفضل الفيلسوف الكامل على النبي كالفارابي.
في الحقيقة: أن هذه الشخصيات الضالة المضلة كالفارابي الذي كفره الغزالي نفسه في كتاب: المنقذ من الضلال، ص: 192].
الفارابي الذي تسمى به اليوم بعض منشآت المسلمين تتلمذ على النصارى والوثنيين.
الفارابي لقي متى بن يونس صاحب المنطق فأخذ عنه، وسار إلى حرّان فلزم بها يوحنا بن جيلان النصراني.
وكان الفارابي مغنياً بارعاً في ضرب العود.
وبلغ من الألحاد عندهم، فقد هم الكندي بأن يعمل شيئاً مثل القرآن، فبعد أيام أذعن بالعجز.
وابن سينا ضاع في هؤلاء واعتنق أموراً من الإلحاد والزندقة، وألف في مذهب إخوان الصفا من العقيدة الباطلة، وكان يقول: بإمكان تحصيل النبوة بالرياضة. ممكن أي واحد يصبح نبي برياضات وتمارين معينة! هذا مذهب ابن سينا.
وله في معاداة النبوة كلام خطير، رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه: النبوات، وفي غيره، وبين ضلال ابن سينا.


وما عرفوا عنه اليوم إلا أشياء من الطب يضربون بها المثل في تقدم المسلمين وفي علماء المسلمين، فما الفائدة إذا كان طبيباً لكنه زنديق؟ كان طبيباً لكنه منحرف إلى ملل الكفر، غارق في مهاوي الإلحاد، مصادر للكتاب والسنة.
أنت ترى الآن في النماذج الثلاثة المعروضة من كان نقياً لما انفتح كيف أخذ وماذا أخذ، وبين من تلوث وبين من كان غارقاً في الضلال.
ماذا حصل اليوم في قضية الابتعاث والانفتاح على الملل الأخرى؟ ماذا حصل في دراسة علوم القوم؟ ماذا حصل في الذين أرادوا أن يدرسوا المذاهب الأخرى، وبعضها مذاهب بدعية تنتسب للإسلام ولكنهم عند عرضهم على الكتاب والسنة يخرجون من الملة، أنواع الباطنية، والمذاهب التي نشأت بعد ذلك كالقاديانية والبهائية، وغير ذلك، فبعض الناس قالوا: هذه معارف، قرأوا ولم يبالوا، دخلوا على المواقع ولم يبالوا، قرأوا في كتب المبتدعة ولم يبالوا، ما هي النتيجة؟
أنهم تشككوا، أنهم زلوا، أنهم تقاربوا مع هؤلاء المبتدعة، أنهم غضوا الطرف عن بعض باطلهم، أن هيبة الدين في نفوسهم ضعفت وقبلوا أشياء من هذه البدعة.
أما أسلافنا كانوا يرفضون تماما ًالتعرض للأخذ من أهل البدع بشيء، ولذلك لم يكونوا يقعدون معهم. وعمر بن الخطاب كان شديداً في معالجة مثل هذه القضايا.
فالرجل الذي بدأ يسأل عن متشابه القرآن، وبدأ يمر على الناس العامة في المجالس وعلى الجنود، وكان -طبعاً- الجنود كثير منهم معرفتهم الشرعية قليلة، فيلقي عليهم هذه الأشياء فتخرج في قالب التشكيك، فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ. فقال: وأنا عبد الله عمر. فأخذ عمر عرجونا ًمن تلك العراجين فضربه وجعل يضربه حتى دمي رأسه بهذه العراجين، حتى قال: صبيغ بن عسل هذا يا أمير المؤمنين، حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي [رواه الدارمي: 1/252، رقم: 146، واللالكائي: 4/702].
وهذه من القصص العظيمة التي تبين معنى كلام السلف: لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم.
وكان ابن طاووس جالساً، فجاء رجل من المعتزلة فجعل يتكلم فأدخل ابن طاووس أصبعيه في أذنيه، وقال لابنه: أي بني، أدخل أصبعيك في أذنيك واشدد، لا تسمع من كلامه شيئاً [الإبانة: 2/215، لابن بَطَّة] يعني أن القلب ضعيف وربما تلقى الشبهة فيه.
وقال رجل من أهل البدع لأيوب السختياني -رحمه الله-: أسألك عن كلمة؟ فولى أيوب وهو يقول: لا، ولا نصف كلمة، مرتين يشير بأصبعيه [ذم الكلام وأهله(5/183) للهروي].


قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: لا يجوز الاستماع لأهل البدع ولا النظر في كتبهم لمن يضره ذلك [مجموع الفتاوى: 15/336] هذا ضابط شيخ الإسلام.
واليوم يجلسون عند القنوات، ويسمعون الباطل، يفتحون المواقع ويقرؤون الباطل، وهكذا.. لماذا؟
لو كان صاحب علم، طالب علم مؤسس قوي ليرد على هؤلاء فهناك مصلحة في الاطلاع عليها ليرد.
أما العامي كيف يطلع على هذا الباطل؟ ونحن اليوم انفتاحات، زر واحد ينقلك ما بين إسلام وكفر، وكفر وكفر آخر.
وهكذا في أجهزة التحكم في القنوات الفضائية.
وبزر واحد في لوحة مفاتيح جهاز الحاسوب الذي ينقلك من موقع إلى موقع، وهكذا..
اليوم انفتاح تام بأسهل الطرق، ما في أسهل من ذلك، لمسة زر واحدة تنقلك إلى عالم من الكفر والبدع والانفتاح على ما عند أهل الأرض من الشرك والشر.
ما هي المقومات لدى هذا المنفتح؟ ما هي الأسس والثوابت الموجودة عنده؟ ما هو حظه من العلم؟ ما هي بصيرته؟ كيف قوتها؟ هل يستطيع أن يميز الحق من الباطل والسنة من البدعة؟ والخير من الشر؟ فكيف ينفتح هؤلاء؟ وكيف يرسل المسلم الشاب الصغير الغض الطري إلى بلاد الكفار في بعثه بغير تحصين؟ ماذا ستكون النتائج؟
وعنما يلقى هنالك في أتون الكفر، شبهات وشهوات، ماذا ستكون النتيجة؟ إذا ضل من هو أكبر منه بماذا سيحدث له هو؟
وانظر اليوم إلى هذه السياحة والسفر، وما أحدثت من الذهاب إلى بلاد فيها الكاسيات العاريات، وأنواع المحرمات باسم الترويح والفرجة، وتغير الجو، والهرب إلى البرودة، ونحو ذلك.
إن قضية السفر للانفتاح على الآخرين لم تكن عند أسلافنا بغير ضوابط، وهؤلاء اليوم ينادون بالانفتاح التام باسم حرية الرأي، حرية التنقل، حرية السفر، حرية القراءة، حرية المشاهدة، حرية الاتصال.
لما ذهب رفاعة الطهطاوي كان شيخاً من مشايخ الأزهر إلى باريس، إماماً لإحدى البعثات التعليمية، فبماذا رجع؟
داعية من دعاة التغريب والانفتاح المطلق على الغرب!
بقي عنده أشياء من الخير، لكن تغبرت عنده أشياء أخرى.
إن مذهب "طه حسين" الفاسد في هذا هو الذي يريد اليوم بعض هؤلاء المنافقين منا أن نفعله، يقول طه حسين: إن سبيل النهضة واضحة، مستقيمة، ما هي؟
أن نسير سيرة الأوروبيين، ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، ما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب.
هذا الكلام لطه حسين.
بل إن "حسن حنفي" يقول: يمكن للمسلم المعاصر أن ينكر كل الجانب الغيبي في الدين ويكون مسلماً حقاً بسلوكه.


انظر هذه الإسلامات الجديدة التي نتحدث عنها والتي توجد في بعض الفضائيات الجديدة التي تفتح باسم الإسلام، تقديم إسلام جديد، طبعة مخففة.
محمد أحمد خلف الله يقول: فلقد حرر الإسلام العقل البشري من سلطان النبوة، من حيث إنهائها كلياً وتخليص البشرية منها.
-طبعاً- ربما يستغرب البعض: ما المقصود؟
المقصود اليوم ما يحدث في مؤتمرات، اليوم الآن هذه المؤتمرات قبل أيام، دعوات جديدة، شيء والله يجعل الحليم حيراناً من المؤامرات والفتن التي  تحاك لنا اليوم، ماذا تريدون؟
قالوا: نريد فقها ًجديداً، نريد أحكاماً جديدة، واجتهادات جديدة تتناسب مع الزمن المعاصر، نريد تجديد الخطاب الديني.
لو كان بالوسائل، يعني بدل الكتاب والشريط تستعمل إنترنت وقنوات فضائية، لقلنا: نحن معكم، نضيفها على الوسائل الأخرى.
لكن، لا، التجديد في الأصول، التغيير، واسمعوا إلى آخر المؤامرات، وقد صارت قريباً في مؤتمر من المؤتمرات الذي حضره ناس من المسلمين، من المنسوبين للعلم، وبعضهم يفتي في قنوات فضائية، يقولون: لا بد من إحياء فقه المقاصد، والابتعاد عن تقديس النصوص.
كيف يعني؟
قالوا: الشريعة ما لها مقاصد؟ أليست بنيت على مصالح؟
نعم، صحيح!
قالوا: فنريد الآن أن نترك النصوص جانباً، ننحي نصوص الكتاب والسنة جانباً، ونشتغل على المصالح والمقاصد، مقاصد الشريعة ومصالح الشريعة، نصوص نتركها على جنب.
-طبعاً- ممكن ما يراه هذا مصلحة، لا يراه الآخر مصلحة، وما يراه هذا إن الشريعة قصدت، يقول آخر: الشريعة ما قصدت هذا. خلاص صرنا للعقول نهباً.
المؤامرة الجديدة الآن في هذا الباب تنحية النصوص جانباً، والشغل في قضية فقه المصالح والمقاصد. الشريعة فيها مقاصد صحيحة، وبنيت على مقاصد صحيحة، لكن انظروا إلى حجم المؤامرة، يأخذون هذا، يقولون: قال ابن تيمية، وقال الشاطبي، وكذا.. والمصالح ولمقاصد.
لكن لا نريد نصوصاً
لا تأتي تقول: هذا الشيء حرام؛ لأن الله قال كذا والرسول ﷺ قال كذا..
نحن الآن نريد روح الشريعة، لكن ما نريد نصوصاً.
هذه الموضة الجديدة الآن!
ألسنا متعبدين بنصوص الكتاب والسنة؟
لا يريدون نصوصاً.
بل إن بعضهم قد قال: هذه وثنية!
ما هي؟
قال: مثل تقديس الأصنام، تقديس النصوص.
كأننا نتكلم معنا من دين آخر!
كيف المسلم ما يعظم النص الشرعي؟ كيف الآية والحديث ما تؤخذ على الرأس والعين؟ كيف ما نقبل النص ونحتكم إليه؟ هل نحتكم إلى أهوائنا؟ ونختلف في المصالح والمصلحة، ونختلف في المقاصد.
أصلاً العلماء أخذوا المصالح والمقاصد من أين؟


من النصوص، المرجع إلى النصوص.
هؤلاء اليوم الموضة الجديدة: لا يريدون نصوصاً.
هذه المؤامرة الآن قامت ومستمرة، وإذا ما تصدى لها أهل الإسلام فالنكبة عظيمة؛ لأن الخطة الآن أن محاربة الإسلام بالمذاهب الهدامة والباطلة والكفرية، المواجهة الصريحة ما نفعت؛ لأن المسلم ينفر من الكفر والكفار واليهودية، والتنصير، والشيوعية، والبعثية، وأنواع المذاهب الهدامة.
-طيب- ما هو البديل؟
الآن هذه العداوة الجديدة تخريب الإسلام باسم الإسلام، هذه مذاهب متحررة، هذا فقه جديد، هذه مدرسة جديدة، هؤلاء ناس تنويريين، يقولون عنهم: أنهم تنويريون، يقولون عن أنفسهم: إنهم أصحاب فكر متنور، مدرسة تنويرية، عقلانية.
إنها تنُورِّية، وليست تنويرية! تنُوريين، نسبة إلى التنور وهو فرن النار، وليسوا بتنويريين أبداً.
وهكذا يريد هؤلاء التعامل مع النص، ويقولون من ضمن مذهب النفاق الآن: من الذي قال إنه يجب الرجوع في تفسير النص إلى عالم معين؟ أي مسلم يفسر النص، الإسلام ما هو حكر على أحد!
لاحظ، تفسير النصوص الكتاب والسنة ليس حكرا ًعلى أحد، أي واحد ممكن يفسر النص، ولا تلزمني بفهمك للنص أنا عندي فهمي، خلاص!
أين قوله تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [الأنبياء: 7]؟
ضربوا به عرض الحائط.
ما هي قيمة علماء الشريعة الذين أفنوا أعمارهم في حفظ الكتاب والسنة، ومتون العلم، وقد حنوا الظهور وثنوا الركب عند شيوخهم يتلقون أصول التفسير، وأصول الحديث، مصطلح الحديث، وأصول الفقه، واللغة، وإلى آخره من العلوم الشرعية، الذين تدربوا على الإفتاء على أيدي العلماء، ما لهم قيمة؛ لأنه أي واحد يزعم أنه مسلم له الحق أن يفسر النصوص، هذه مؤامرة من نوع ثاني غير التي قبلها، كل واحد له الحق في تفسير النص، وما تلزمني بفهمك، ولا تلزمني بتفسير أي واحد آخر.
ابن تيمية يفهم كذا، أنا أفهم كذا! أحمد يفهم كذا، أنا أفهم كذا، كل واحد وما يفهم من النص.
فهذه مؤامرة خطيرة أخرى تحدث -أيها الإخوة-، ولذلك لما خرج الذي عليه كومة من تراب قبل أيام، أبو تراب، صاحب مذهب التراب والرمل والطين ، هذا الذي أدخل في خلاطه معلومات فخرجت غباراً، يقول: يجوز أن تتزوج المسلمة من اليهودي والنصراني! يجوز أن تؤم المرأة الرجال! الحجاب لتغطية الصدر وليس للوجه والشعر!
هذه فتاواه قبل أيام، أعلنها على الملأ، قنوات فضائية تشتغل وتخرج هذا التراب والغبار وتنفضه علينا، وتقول: اغبرّوا.


ولذلك -يا إخوان- المؤامرة ضخمة جداً اليوم؛ لأنه خلاص هو فهم هكذا، هو فهم كذا، انتهينا، وما أحد حجة على أحد، ولا في مذاهب أربعة، ولا في فقه سابق، خلاص جديد من اليوم، ننشأ من اليوم، نحن أبناء اليوم.
وهذا السبب الذي تجد فيه مشايخ القنوات الفضائية لهم فتاوى عجيبة؛ لأنه ترك النص وقال: أشتغل بعقلي في فقه المصالح والمقاصد.
ولذلك هذا واحد آخر من الذين يقرضون الدين، يقول: إن مودة المسلم لغير المسلم لا حرج فيها!
يوادون من حاد الله ورسوله، فيها نصوص!
وقال آخر: الجهاد إنما هو الدفاع عن كل الأديان وليس عن الإسلام فقط!
يا أخي الأديان الأخرى باطلة: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران: 85] غير الإسلام ملة باطلة، قال: لا، الجهاد الدفاع عن الأديان!
وقال آخر: إن العداوة بين اليهود والمسلمين من أجل الأرض لا من أجل الدين!
سبحان الله اليوم نحن نتقاتل الآن على أرض؟! وليس من أجل الدين!
وقال آخر: يجوز تهنئة الكفار بأعيادهم وتوليتهم المناصب والوزارات!
وقال آخر: حديث: إن أبي وأباك في النار  ولو رواه مسلم، يقول: ما ذنب عبد الله بن عبد المطلب حتى يكون في النار؟ [رواه مسلم: 203].
الآن المؤامرة الجديدة نسف النصوص.
حديث: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة [رواه البخاري: 4425] قال: هذا مقيد بزمان الرسول ﷺالذي كان الحكم فيه للرجال استبداديا ًأما الآن فلا.
يعني الواحد فعلاً يندهش، هذا كلام داعية؟
تأتي على حديث: ما رأيت من ناقصات عقل ودين [رواه البخاري: 304، ومسلم: 79، 80] وبين النبي ﷺ، قال: في المرأة نقصان الدين ليس ذنبا ًتعاقب عليه، لكنه الحيض والنفاس الذي يجعلها لا تصلي ولا تصوم.
ونقصان العقل ليس يعني أنها مجنونة، لكن عاطفتها تغلب عقلها في كثير من الأحيان، ولذلك شهادة المرأتين بشهادة رجل  أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى  [البقرة: 282].
لما جاء أصحاب المرأة إليه يهرعون: يا شخ كيف الحديث هذا؟ النساء ناقصات عقل ودين، كيف يقول الرسول هذا الكلام؟
قال: لا، هذه كان أصلاً مزحة.


فإذا كنا نتعامل مع النصوص بهذا الشكل، هذا مزحة، وهذا لو كان في الصحيحين ما نأخذ فيه، وهذا لأنه كان في ظروف تاريخية معينة، وهذا.. هذه المؤامرة على النصوص، هذا الإسلام الجديد الذي يراد أن يعرض اليوم، ولذلك واحد من الذين يشرفون على قناة فضائية اسمها إسلامية، يقول ويصرح: أنا ما عندي فرق بين قضية الوجه والشعر، يعني إذا قلنا بجواز كشف الوجه، فنقول: بجواز كشف الشعر.
فالآن ما عادت المسألة خلاف مذاهب، خرجوا عن المذاهب! ما صارت المسألة الآن خلافاً فقهياً معتبراً، صار الآن خروج عن الإجماع، هذا هو الدين الجديد الذي رأى اليهود والصليبيون أن يواجهوا به أهل الإسلام الذين يسيرون على منهج السلف، قالوا: هؤلاء الذين يسيرون على منهج السلف لا بد من كسرهم، هؤلاء أعداؤنا الحقيقيون، هؤلاء الذين لا يقبلون أن يُطوعوا لمخططاتنا، فلا بد من محاصرتهم، بأي ثالوث؟ تنُوري! تندوري! صوفي! خرافي! ليبرالي من المنافقين! هذا الثالوث، هذا هو الذي يمكن له اليوم في سائر المجالات، هذا هو الفكر الذي يعرض ويسمح له بالانتشار والتغلغل، هذا الذي تفتح له السدود، وهذا الذي تخرج منه القنوات، وهذا الذي ينشر في الكتب، وهذا الذي يعقد المؤتمرات، وهذا هو المسموح به اليوم.
إن القضية خطيرة جداً خطيرة والله، لكن من الذي يعقل هذا؟ ومن الذي يعرف في أي هاوية يريد أن يقودنا إليها هؤلاء اليوم؟

وسائل محاربة الانفتاح

00:59:11

 أيها الإخوة: إن مسألة الانفتاح والانغلاق مسألة يجب أن تضبط بميزان الشرع، ونحن اليوم بين جيلين، آباء وأبناء، أو أمهات وبنات، لابد أن يكون هنالك علاج تربوي لهذه القضية؛ لأن الشباب اليوم صار عندهم انفتاح ضخم جداً أكثر من الجيل الذي قبلهم، ولذلك فإنهم قد ينظرون إلى آبائهم على أنهم من مخلفات الماضي وكذلك الأمهات، فضلاً عن الأجداد والجدات.
ولذلك فقد يقول بعضهم: أبي منغلق! أبي متحجر! أبي متزمت! ونحو ذلك، إذا أمره بأمر من الخير أو الكف عن الشر، وكذلك الأم إذا نهت بنتها عن منكر من المنكرات مثلاً، ولذلك فإن اعتماد منهج المصارحة والمكاشفة، وقضية العاطفة، والصداقة، وقضية المحبة والتفاهم، وقضية الإقناع والحوار يجب أن تسود في العلاقة بين الآباء والأبناء والأمهات والبنات.
وإنه ينبغي أن تعطى الفكرة واضحة جداً عن المتدين، أنه ليس شخصية منغلقة لكنه ينفتح بالضوابط الشرعية.
وأيضاً فإن استعمال التقنيات الحديثة اليوم، والأخذ بالتطورات العلمية المتسارعة والمتلاحقة في المجالات المفيدة من أعظم الإثباتات أننا لسنا برجعيين، ولا متحجرين، ولا منغلقين، بل إن الحكمة ضالتنا، نأخذها أنى وجدناها، وحتى يثبت الذين يتبعون منهج السلف للعالم وليس فقط لهؤلاء الذين يريدون الدعوة إلى الإسلام الجديد حتى يثبتوا أن ما يدعون إليه الحق، ويبينوا أنهم ليسوا بأصحاب تخلف وتأخر يجب الأخذ بالتقنيات الحديثة في نشر الدين والدعوة إلى الله .
ويجب أن نبين لهم أننا نقبل التطوير في الوسائل لا في الثوابت، والأسس، والقواعد، نقبل التطوير في الآلات ووسائل العرض، بل إننا يمكن أن نطورها أكثر مما فعل القوم، فلا بد أن يوجد في أهل الإسلام الصادقين اليوم من يأخذ بركب التقنية، وأن تعمم هذه التقنية في الآلات، البرمجيات، النظم الإدارية، والأساليب الحديثة.
وعندما يشهد العالم انفتاحات كثيرة وعلوم معرفية تتضاعف تضاعفا ًمذهلاً في كل سنة، فلنفرض أنه اليوم فيه مليون معلومة، بعد شهر المليون معلومة تولد أيضاً أخرى، معلومات تتولد معلومات، عدد المعلومات في العالم في تضاعف هائل؛ لأن بعضها يتولد من بعض، ويستنبط بعضها من بعض، وتجارب ومختبرات تعمل، ولذلك فإنه لا بد للمسلمين من الاطلاع على ما يدور من التقنية المتطورة الحديثة والأخذ بها.
وعندما يصبح المتدين الذي يعبد الله عنده تقدم في وسائل التقنية والإدارة وغيرها فإن الذي يتهمه بالانغلاق والجمود سيفاجأ ويصعق عندما يعرف أن هذا صاحب الدين الذي يستمسك بالحق إنما هو مواكب لآخر ما وصل إليه العلم من التقنيات المفيدة.
إن هذا الإثبات مهم جداً في محاربة الدعاوى الباطلة.


وكذلك فإننا ينبغي أن نواجه هؤلاء بقضية أين المصلحة الحقيقة؟ إذا ادعوا المصلحة في الأخذ بكل شيء، فنقول: المصلحة الاحتكام إلى النصوص، والمقاصد الحقيقية الموجودة في النصوص، هذه القواعد مأخوذة من النصوص، وهي تابعة لا متبوعة.
وأول من تولى كبر دعوى المصلحة المقدمة على النص إبليس -لعنه الله- فإن الله لما قال له بأن يسجد، قال: أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ  [ص: 76]، والنار أفضل من الطين عند إبليس، إذًا أنا خير منه، إذا ًكيف أسجد له، إذًا رفض السجود.
ألغى إبليس النص، النص "اسجد" لم يسجد، لقياس، استنبط، رأى مصلحة أو علة، وهكذا..
ولذلك لا بد أن نبين ما هي المصالح الصحيحة، وما هي مقاصد الشريعة، وما هو موقع الدليل من الدين، وما هو مكانة الدليل عند علماء المسلمين؟
إن هؤلاء أهل الرأي الذين يصادمون الدليل والنص أعداء الإسلام حقيقة، ولذلك قال عمر : "أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم السنن أن يحفظوها، وتفلتت منهم أن يعوها، واستحيوا حين سئلوا أن يقولون لا نعلم، فعارضوا السنن برأيهم فإياكم وإياهم" [جامع بيان العلم وفضله: 2/1042].
المقاصديون الجدد ينفخون في بعض العبارات، فيقولون: أينما وجدت المصلحة فتم شرع الله.
ومن الذي يقرر ما هي المصلحة؟
ولذلك لا بد أن يكون عندنا فقه قائم على الأدلة، قائم على النصوص الشرعية، يستقرئ ما ورد في المسألة من أوامر الرب ونواهيه، ووحيه الذي أنزله، وينظر في القرائن الموجودة، وعند ذلك يستخلص المجتهد والمفتي الأحكام.
وأيضاً فإنه يجب على نساء الإسلام القيام لله بالحجة والبيان لدينه والدعوة، والرد على أعداء الإسلام الذين يريدون اليوم من خلال بوابة المرأة، وما يسمى بعصر الانفتاح ودخول المرأة في كل الميادين، هذا انفتاح، فلا بد من دخولها في كل الميادين: أن تبين أن الميدان الذي يتعارض مع الحجاب يغلق، الميدان الذي فيه اختلاط بالرجال، هذا الاختلاط الذي جاءت الشريعة بمنعه في عدد كبير جداً من النصوص يغلق.
هذا الإلغاء للنصوص اليوم مثل إلغاء الولي، إلغاء المحرم، إلغاء التفريق في الميراث، هذا ما يريدونه، مصادمة النصوص الشرعية، لماذا؟
قالوا: المصلحة، تسوية الناس ببعض، هذه مصلحة، تسوية الناس ببعض!
وكذلك من الوسائل المهمة: أن نحارب الجمود والانغلاق الحقيقي؛ فمثلاً: منع الخاطب من رؤية المخطوبة، هذا أمر غير شرعي.
لبس المرأة البرقع في الحج وعدم كشفه حتى أمام زوجها، هذا أمر غير شرعي.
ونحو ذلك من الأشياء، كتحريم استعمال الهاتف مثلاً.
على أنك سبحان الله تجد أن هذه الأشياء نادرة، ويستدل بها الذي يهاجمون أهل الدين، يستدل بها الذين يهاجمون أهل الدين، ويقولون: عندكم انغلاق، وتحجر، وتقوقع، وهذا مثال كذا وكذا.. ويدخلون معه أمثلة أخرى هي في الحقيقة نصوص شرعية، فمثلاً تجد هذا إذا خاطب ماذا يقول: وهناك عادات وتقاليد بالية لا بد من محاربتها والقضاء عليها؛ مثل قضية إن الخاطب يمنع من رؤية المخطوبة، والمرأة التي تلبس البرقع عند زوجها، والولي، والمحرم.
فتجد خلطة كذا في مغلف واحد، مع بعض.


فنحن نقف لها بالمرصاد، نقول: لحظة، منع الخاطب من رؤية المخطوبة وتلبس البرقع عند زوجها لا تكشف أمام زوجها، هذا انغلاق، هذا تحجر، هذا تعنت، هذا تزمت، هذا تشدد، هذا تنطع، هذا غلو.
أما المحرم والولي، لا، هذه نصوص، ولا خير فينا إذا ما تبعنا النصوص.
ولذلك فإنك الآن تحتاج في المعركة مع هؤلاء القوم أن تبين الحق من الباطل.
في عالم الانفتاح اليوم صار للصحف والمجلات أثر كبير جداً، تقذف هذه الصحف وهذه الجرائد والمجلات بأعداد هائلة إلى رفوف المكتبات والمحلات التي تباع فيها، يقرأها الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والعالم والجاهل، والمثقف والعامي، كلهم يقرأون ذلك، فيتأثرون على درجات مختلفة، هذه فيها كثير من المقالات التي تطعن بالثوابت، التي تشكك في الأصول الإسلامية، التي تُغير على الدليل، تُغير من الإغارة، وتريد نسفه وإلغاءه.
اليوم يصرح بالردة علناً، والافتتان بالكفار ليس فقط غرباً وحتى شرقاً، اليوم فيه افتتان بالشرقيين، وليس فقط بالغربيين.
وعندما يذوب الجيل المسلم الذي يذهب ليعيش في بلاد الكفر أيضاً فإن هذه مسؤولية علينا، وأمر نتألم له.
أجرت الكاتبة الأمريكية "إيفون حداد" دراسة إحصائية عن الأجيال المسلمة المقيمة في أمريكا ومدى قبولها أو رفضها لفكرة العلاقة بين الرجل والمرأة قبل الزواج.
إذاً، هذا مجال الدراسة، إقامة علاقة بين الرجل والمرأة قبل الزواج، ما هو الموقف منه؟
فوجدت أن الجيل الأول من المهاجرين، يعني أول جيل هاجر في البلاد الإسلامية إلى الولايات المتحدة يرفض بشدة هذه العلاقة.
أما الجيل الثاني من المسلمين الذين ولدوا في أمريكا فقد ظهر أنه أقل رفضاً للفكرة بدرجة كبيرة، يعني قضية المقاومة والامتناع خفت كثيراً.
أما الجيل الثالث من المسلمين، هذا الحفيد الآن، ذهب الجد والأب، والآن الحفيد، أما الجيل الثالث من المسلمين فقد رأى 13% فقط أن هذه الفكرة غير شرعية، يعني عندك 87% يرون أنه لا بأس بإقامة العلاقة بين الجنسين.
ثم استنتجت الباحثة أن ثلاثة أجيال تكفي لذوبان المسلم في البيئة الغربية!
ولذلك اليوم بالقانون بنت المسلم في أوروبا وأمريكا تخرج مع صديقها، وإذا اتصل الصديق -البوي فريند- على البنت فلا يحق للأب أو الأم أن يردوه، وإذا طرق الباب قال: أريد فلانة، ما يحق لهم أن يردوه، ولو عرفت الجهات الرسمية أو المحكمة أن الأب أو الأم ردوا هذا القادم فالويل لهم، لمن رده.
البنت يتصل بها صديقها، وتتكلم معه كيف شاءت، وتخرج معه كيف شاءت، وهكذا..
من نماذج الانفتاح التي رأيناها في عالمنا اليوم في بلاد المسلمين: شبابنا الذين يلبسون الزي الغربي، ويسمعون الأغاني الغربية، ويتكلمون مع بعضهم بلغة القوم، والعادات على عادات القوم، وهكذا..
لماذا؟
ضاعت الهوية الإسلامية، صار عند هؤلاء أن الدين فيه تقييد للحريات، وكبت الطاقات، هكذا روج عندهم.
من نتيجة الضغوط الموجودة الكثيرة صار الواحد منهم يحس أن المسلم يعيش في حال من الدونية والنقص، أنت مسلم يعني أنت رجعي، أنت متخلف، أنت إرهابي، أنت متحجر، ونحو ذلك.


فيصبح الواحد كأنه يريد إذا سئل: ما دينك؟ ما يريد أن يقول: أنا مسلم، يخجل أن يقول: أنا مسلم.
وعندما نرى التشبه بهؤلاء الكفار بهذه الطريقة، و من تشبه بقوم فهو منهم [رواه أبو داود: 4031، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 4347]، إنه أمر يهول، بل إنك ترى حتى في أسماء المحلات والمنتجات.
محل تنظيف اسمه: "فاست كلين" طيب أنت تعرف أن تكتب "التنظيف السريع"!
"رويال كلَب" تعجز أن تكتب "النادي الملكي"؟
"كول لاين" أنت تعجز أن تكتب "خط التبريد"؟
وهكذا..
فإذا صارت القمصان عليها كتابات من الأمام ومن الخلف، وكتابات فاحشة وسيئة، وبلغة القوم، وأسماء أندية مشبوهة، وجماعات مشبوهة.
إذا صار الواحد من الشباب أو الفتيات يحس أنه دون إذا صار متمسكا ًبدينه؛ فإن هذا سيؤدي بلا شك إلى قضية الانسلاخ من الإسلام بمرور الوقت، ولذلك فإنه لا بد -أيها الإخوة- ونحن في دوامة الانفتاح الذي نعيش فيه، مجلات إباحية، قنوات إباحية، كتب إباحية، الأغاني الغربية والشرقية، في موقع واحد للأغاني العربية على شبكة الإنترنت فقط 800 أغنية جرى تحميلها نص مليون مرة، فقط.
هذا في موقع واحد، نحن الآن المحطات الأرضية ستوصل إلينا الكيبلات نظام الاتصال الأرضي القنوات في غاية الوضوح والنقاء والصفاء إلى بيوتنا لتستقبل بدون صحن استقبال، بدون دش، هوائي عادي، أو جهاز صغير داخل البيت، الآن.
فالأقطار الصناعية والخطوط الأرضية، والمحطات الأرضية، وإذاعات الإف إم، وهكذا.. انفتاحات كبيرة جدا ًتحدث لتنقل المسلمين إلى جو الخنا والفجور، وحتى هذه الأفلام التي تعرض أول توقيت مدن بلاد المسلمين، ويختارون أيضاً وسط بلاد المسلمين في جزيرة الإسلام ومهد الحرمين.


وحدثنا بعض الذين رأوا المواقع الإباحية أن خطوط الصداقة والهواتف الموجودة في الشاشات في القنوات الإباحية أول شيء الهواتف مستهدف فيها بلاد الحرمين؛ لأنهم رأوا أن الثقل فيها، والعلم فيها، وقوة الدعوة فيها، ولذلك لا بد من تحطيمها، لا بد من تحطيم أهلها، لا بد من تحطيم عقيدتهم، لا بد من تحطيم أخلاقهم، فالهجمة الآن شرسة جداً جداً، وعبر بوابة المرأة شر كثير يفد، وإرادة لنشر الفحشاء: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور: 19].
انفتاحات حتى عبر الأخبار، والحرب النفسية التي يوجهها أعداؤنا إلينا، وهذه الشبكة وما فيها، بل حتى من الألعاب، فيها مخالفات عقدية واضحة جداً، ومسعرة بنار الشهوات أيضاً، ينفتح أولادنا الصغار على هذه الأسطوانات المدمجة بما فيها، والمدارس الأجنبية تقوم بفعلها أيضاً في تربية نشء من أبنائنا وبناتنا على مناهج القوم.
هذا الانفتاح الذي نعيشه اليوم يحتاج إلى مواجهة منا لكي نضبط القضية كما قلنا بأمور: العلم، والعقيدة، والتربية، وإغلاق منافذ الشر، والابتعاد عنها، وهذه وسيلة مهمة في مواجهة الانفتاح الباطل؛ لأن هنالك انفتاح خير وانفتاح شر.

سد الثغرات التي يأتي منها الشر

01:19:13

 فأما قضية سد الثغرة التي يأتي منها الشر وإغلاق منافذ الشر فهو أمر في غاية الأهمية، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وللشريعة أسرار في سد الفساد وحسم مادة الشر لعلم الشارع ما جلبت عليه النفوس وبما يخفى على الناس من خفي هداها الذي لا يزال يسري فيها" [الفتاوى الكبرى: 6/174].
وذكر رحمه الله -تعالى- أمثلة على قضية سد الذرائع كما ذكرها علماء الأصول، يأتي اليوم من هؤلاء المنافقين من يقول: من الذي قال: سد الذرائع؟ ما في شيء اسمه سد الذرائع.
لماذا؟
لأنه يخالف أهواءهم، لا يستطيعون أن ينشروا باطلهم عبره.
وفتاوى كثيرة مبنية على سد الذرائع، طبعاً سد الذرائع وسط بين طرفين، ومنهم من قال: يفتح الباب تماماً ولو تبيع الخمر! ومنهم من قال: يسد الباب تماماً ونمنع زراعة العنب!
والحق وسط بينهما في مسألة سد الذرائع، فإذا كان السبب للحرام قويا ًسُد بابه، وإذا كان احتماله ضعيفاً فلا يصح سد الباب؛ لأن فيه تحريم ما أحل الله.
ولذلك عندما يطغى الشر على الخير ويصير الاحتمال الأغلب والظن الأغلب أن يحدث الشر يسد الباب، هذا هو المسلم الوسط في مسألة سد الذرائع وهي قضية في غاية الأهمية.
ثم استعمال عامل الحسم في الموضوع والحزم أيضاً، النبي ﷺ لما رأى ستراً فيه تماثيل هتكه [رواه البخاري: 5954، ومسلم: 2107]، لما رأى تصاليب نقضها، لما فُعل منكر أمامه أنكره، قاومه، لم يرض به.
إن موسى لما رأى العجل  لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا  [طـه: 97] برد بالمبارد، وذرّ في يوم عاصف، وفي البحر حتى لا يستطيع أحد أن يجمع ذراته مرة أخرى.


وأيضاً فإن تنمية روح العزة بهذا الدين ومحاربة الانهزامية وعقدة النقص مهم، هذه من الأساليب المهمة في مواجهة الانفتاحات التي تحدث الآن، قال عمر -رضي الله عنه-: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله" [المستدرك للحاكم: 1/130، رقم: 207].
ولا بد أن نحافظ على هويتنا، على هذه الشخصية الإسلامية بعقيدتها، وعبادتها، ولغتها، ولباسها، وعاداتها، وأدبها، وأخلاقها.
إذا كانت المعركة محتدمة في مقاطعة كويبيك في كندا بين المتحدثين بالإنجليزية والفرنسية؛ لأن هؤلاء المتحدثون بالفرنسية يريدون استقلال المقاطعة.
وعندما ترفض فرنسا التوقيع على الجزء الثقافي من اتفاقية الجات؛ لأنهم يرون في ذلك تهديداً صارخاً لهويتهم القومية، فنحن أولى بهذا اليوم في عصر الجات، وفي عصر دبليو تي أو، وتي أو دبليو، وكل الحروب الأخرى.
وأيضاً فإن أجيال المسلمين لا بد أن تؤسس على المنهج العلمي الصحيح الذي فيه البصيرة والدليل؛ لأن هذا هو الذي يضمن منع تسرب الأشياء الضارة، قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة: 24] فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، لا بد أن ننشر العلم الشرعي الذي به يطاع الله ويعبد، ويوحد عز وجل، وتوصل الأرحام، ويعرف الحلال من الحرام، دراسته تسبيح، وتعلمه حسنة، والبحث عنه جهاد، وبذله لأهله قربة، فهو الأنس في الوحدة، والصاحب في الغربة، والدليل في الظلمة، والنصر على الأعداء.
لا بد أيضاً في مواجهة هذا الانفتاح من الالتفاف على العلماء وطلبة العلم الذين يسيرون على منهج السلف، أهل البصيرة، وأهل الفكر الذين ذكرهم الله -عز وجل-، أهل الحق الذين يتبعون الأدلة من القرآن والسنة على فهم السلف، هؤلاء ينبغي أن نأخذ عنهم، ينبغي أن نتصل بهم، ينبغي أن نستفتيهم، ينبغي أن نشد من أزرهم.
وأيضاً لا بد من إحياء دور المساجد، والرجوع إليها؛ فإنها تجذب المسلم دائماً إلى الأصل، ومهما احتوشت الشياطين هذا المسلم إذا رجع إلى بيت الله فإنه لن يعدم خيراً، إذا حيرته مسألة أو تكالبت عليه الشهوات، أو حاول أهل المعاصي اختطافه فإن بيت الله ينقذه.
وكذلك ينبغي الجد في الأخذ بأحكام الإسلام: خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ [الأعراف: 171] حتى نثبت على الدين في وسط هذا الانفتاح.
وأيضاً لا مساومة على أحكام الإسلام، ولا لتقديم أي تنازلات في هذا الأمر، ينبغي أن نأخذ الإسلام كله، وأن نحتكم إلى هذه الشريعة، وأن نشغل الوقت بما ينفع.
وأيضاً فلا بد من استثمار الوسائل الحديثة التي استغلها الكفار والفجار والمنافقون، وأهل الشر في نشر الشر، أن نزاحم فيها بالخير، برامج، نفتح القنوات، نؤسس المجلات، نقيم المواقع المفيدة، والهجوم هو خير وسيلة للدفاع، ولنعلم بأن الانكفاء والعزلة لن يفيدنا، لا بد أن نهاجم نحن، لا بد أن نخترق نحن، لا بد أن ننهج منهج آباءنا الفاتحين الذين فتحوا البلدان، وإذا كنا عاجزين اليوم عن فتحها بالسيف والحديد الذي أنزله الله، فينبغي أن نعمل على فتحها بالقرآن كما فتحت المدينة النبوية، وعلى استثمار الإعلام في فتح البلدان بالإعلام الإسلامي.


إن إقامة الأسرة وتنشئتها على كتاب الله وسنة نبيه ﷺ لهو من أمثل الحلول في مواجهة هذا الشر القادم، لا بد أن يكون عندنا من الآباء والأمهات والأبناء والبنات الذكور والإناث والأقارب من يتكاتف لإقامة شرع الله داخل البيت المسلم.
وإن التضييق على دعاة الضلالة ومحاربة هؤلاء والرد عليهم، ولا بد أن يتعاضد المسلمون في الرد، لا يجوز أن نرى أهل الباطل يتكلمون ونحن نسكت، لا يجوز أن نراهم يكتبون ونحن نكف، لا يجوز أن نراهم يتصدرون ونحن ننغلق ونتقوقع على أنفسنا، لا بد أن نتصدى لهم، أن نحضر في الأماكن التي يحضر فيها وأن نرد عليهم، لا بد من إعداد الردود، ومن إعداد الأشخاص الذين يتكلمون وكيف يتكلمون.
وإذا حاول أعداء الإسلام أن يسبقونا إلى المرأة لكي يقولوا: إنهم أنصار المرأة! وإنهم يريدون رفع الضر عن المرأة! فنحن يجب أن نسبق إلى حقل المرأة قبلهم ذكوراً وإناثاً لنبين أننا نحن أهل المنهج الصحيح في قضية المرأة، أن نقدم كل الوسائل التي تؤدي إلى أن تكون هذه المرأة تسير على المنهج الصحيح، وإذا رأينا ظلماً على المرأة فنسابق إلى رفعه.

معركة الانتماء للعقيدة والتاريخ واللغة والأخلاق

01:28:15

 أيها الإخوة: إننا أمام معركة انتماء، إننا أمام قضية ضخمة جداً في العقيدة والتاريخ واللغة والأخلاق.
إن هذه المعركة التي تدور رحاها اليوم نحن يمكن أن نعمل لله ، وأن نريه من أنفسنا خيراً، ولذلك خلقنا: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13].
إن هذه التقوى التي يتحلى بها الفرد المسلم اليوم هي التي ستري العالم عظمة الإسلام.
وعندما نحذر من التشبه بالكافرين ونبين ضوابط التشبه وأقسام التشبه، وعندما نقول: هنالك تشبه جائز كما إذا استعملت أدواتهم وآلاتهم ومصنوعاتهم المباحة، واستعملت بعض الأنظمة الإدارية، وغيرها؛ فأنت تشبهت بهم في نظام برمجي أو إداري، ونحو ذلك، ولكنه جائز.
ولكن التشبه المحرم فيما هو من خصائصهم، في دين، في عيد، في لباس، في مظهر، في سلوك، في قصة شعر، ونحو ذلك، أن هذا حرام، خالفوا المشركين.
وكذلك فلا بد من تحصين الذين يذهبون للدراسة في الخارج، وما أكثرهم الآن، أبناء المسلمين، سواء الذين يعيشون هناك نتواصل معهم، أو الذين سيذهبون إلى هناك، فنبقى أيضاً على اتصال بهم.
لا بد من إحياء الإسلام في الجاليات المسلمة والشعوب المسلمة التي طغت عليها المذاهب الكفرية، وحكم الكفار ردحاً طويلا ًمن الزمن.
إن إخواننا في ألبانيا، وبلاد الاتحاد السوفييتي السابقة، ونحوهم، بأمس الحاجة إلى عوننا، ومددنا نحن.
وكذلك فإننا لا بد أن نحذر من تفريغ الأمور الإسلامية من مضامينها والشعائر التعبدية، فهنالك من يريد أن يفرغ الصيام من مضمونه، والحج من مضمونه ليكون شيئاً آخر، ويلهوننا ببعض البدع كالمولد النبوي والاحتفال به، ويطمئنون بأن من يحتفل بالمولد النبوي بأن ذنبه قد غفر ما تقدم منه وما تأخر، ويريدون منا أن نحتفل باليوم العالمي الفلاني، واليوم العالمي الفلاني، ونحو ذلك من أنواع اليوبيلات والأعياد الكفرية، وهذا شيء تأباه عقيدتنا، ولا يمكن أن نسلك هذا المسلك.
إن قضية إعداد حتى ألعاب الأطفال وتصنيع ألعاب الأطفال، وهذا من دور التجار والمستوردين من المسلمين مسؤولية لمحاربة ومواجهة هذا الافتتاح الذي يحدث.


أيها الإخوة: نحن قوم بغاية التفتح العقلي والذهني من تقبل أي شيء مفيد، من الشرق أو من الغرب، ولكننا بالمرصاد وبغاية الحذر والامتناع التام أن يتسرب إلينا شيء مما يخالف هذا الشرع المطهر كتاباً وسنة.
نسأل الله أن يعز دينه، ونسأله أن يرفع البلاء على المسلمين، وأن ينصر أهل الإسلام في العالمين.
ونسأله سبحانه أن يجعل الإسلام في عز ومنعة، وأن يرزقهم التمسك بالحق المبين.
اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مؤمنين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.
وصلى الله على النبي الأمين وعلى آله وصحبه وسلم.