الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

ما يحرم على المحدث - الدرس الثاني


عناصر المادة
حكم مس المحدث والجنب والحائض للمصحف
حكم مس المحدث والجنب والحائض للمصحف بغير اليد
هل يشمل حكم مس المصحف جلد المصحف وغلافه والصندوق الذي يوضع فيه؟
حكم مس الصبيان للمصحف من غير طهارة
حكم مسح كتب التفسير على غير طهارة
حكم مس كتب تراجم القرآن بغير طهارة
حكم مس المحدث للشريط المسجل وعليه القرآن
حكم مس المحدث لغة برايل للمكفوفين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.

وبعد:

حكم مس المحدث والجنب والحائض للمصحف

00:00:13

قوله رحمه الله تعالى في بيان ما يحرم على المحدث: "ولا يمس المصحف" فمما يحرم على المحدث والجنب والحائض أيضًا: مس المصحف.

والقول بتحريم مس المصحف على المحدث هو قول عامة السلف والخلف من المذاهب الأربعة، وفقهاء المدينة السبعة، وغيرهم، قال ابن قدامة -رحمه الله-: "وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم مخالفًا لهم إلا داود" [المغني: 1/ 108].

وقال الحافظ ابن عبد البر: "أجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا طاهر".

وقال ابن عبد البر في "التمهيد": "ولم يختلف فقهاء الأمصار بالمدينة والعراق والشام أن المصحف لا يمسه إلا الطاهر على وضوء، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأبي عبيد، وهؤلاء أئمة الفقه والحديث في أعصارهم" [التمهيد: 17/ 397]

إذن، الأئمة الأربعة وشيخ الإسلام ابن تيمية، عامة فقهاء الأمصار والأعصار أنه لا يمس المصحف محدث.

ذهب بعض التابعين إلى جواز مسه وهو مذهب الظاهرية، وقال به الشوكاني من المتأخرين والألباني من المعاصرين بجواز ذلك.

وطبعًا قول أكثر أهل العلم الجماهير الأئمة الأربعة أخذوا بعدم جواز مس المصحف للمحدث بناء على أدلة، ومنها: قوله تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الواقعة: 77 - 80].

وقد جاءت الآية بصيغة الحصر: لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ  فاقتضى ذلك حصر جواز المس في المطهرين من الأحداث والأنجاس من بني آدم كما فسر بذلك الآية طائفة من السلف.

الاستدلال بهذا قد يكون فيه نظر كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنه حتى من منع مس المصحف قالوا: إن المقصود بهذه الآية  لَا يَمَسُّهُ الهاء تعود على ماذا؟ اللوح المحفوظ، وأن المقصود بالمطهرين في الآية الملائكة؛ لأنهم مطهرون بأصل الخلقة، مطهر وليس متطهر.

وقال الإمام مالك -رحمه الله-: في هذه الآية إن أحسن ما سمعت فيها أنها مثل قول الله كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ  [عبس: 11 - 16].

فالصحيح أن هذه الآية فعلًا المقصود بها الملائكة؛ لأن كفار قريش اتهموا النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه يتلقى القرآن من الشياطين فكذب الله دعواهم وبين أن القرآن في كتاب مكنون كريم محفوظ، وأنه لا يمسه إلا المطهرون وهم الملائكة فهو مصون، ولكن الذين استدلوا بالآية على عدم جواز مس المصحف للمحدث، قالوا: نحن نقول بأن الاستدلال بها من باب التنبيه والإشارة كما ذكر ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: "التبيان في أقسام القرآن" قال: وسمعت شيخ الإسلام يقرر الاستدلال بالآية على أن المصحف لا يمسه المحدث بوجه آخر، فقال: هذا من باب التنبيه والإشارة؛ لأنه إذا كانت الصحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لا ينبغي أن يمسها إلا طاهر"[التبيان في أقسام القرآن، ص: 229].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "شرحه للعمدة": "فإذا كان من حكم الكتاب الذي نزل في السماء أن لا يمسه إلا المطهرون وجب أن يكون الكتاب الذي في الأرض كذلك؛ لأن حرمته كحرمته"[شرح عمدة الفقه، لابن تيمية: 1/234]، وقد أوحى إلى ذلك قوله تعالى: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً  [البينة: 2]، وكذلك قوله تعالى: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ [عبس: 13-14] فوصفها أنها مطهرة فلا يصلح للمحدث مسها.

فإذن، هم استدلوا بالآية، بعضهم استدل بالآية مباشرة، وبعضهم قال: لو طعنتم في الاستدلال، وقلتم: المطهرون الملائكة والكتاب المكنون اللوح المحفوظ، فنحن نقول: أيضًا البشر ينبغي عليهم أن يفعلوا كذلك، وأن لا يمس القرآن الذي في المصاحف التي بأيدينا إلا طاهر.

استدلوا كذلك بحديث عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده الذي رواه عبد الرزاق في مصنفه ومالك في موطئه: أن النبي ﷺ كتب له كتابًا إلى أهل اليمن وفيه: لا يمس القرآن إلا طاهر، وهذا الكتاب الذي كتبه النبي ﷺ إلى أهل اليمن مشهور، وهو عند أهل العلم يعرف بكتاب عمرو بن حزم، واشتمل على أحكام أخرى في الزكاة والديات وغيرها، وقد تلقاه أهل العلم بالقبول، وعملوا بما فيه من الأحكام، قال أحمد بن حنبل: لا أشك أن رسول اللهﷺ كتبه.

طبعًا ليس المقصود أنه كتبه بيده لأنه ﷺ لا يقرأ ولا يكتب: وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت: 48]، لكن المقصود أمر بكتابته.

وقال ابن عبد البر في "التمهيد": "هذا كتاب مشهور عند أهل العلم معروف يستغنى بشهرته عن الإسناد، قال: "والدليل على صحة كتاب عمرو بن حزم تلقي جمهور العلماء له بالقبول"[التمهيد: 17/ 396-397].

وقال يعقوب بن سفيان: لا أعلم كتابًا أصح من هذا الكتاب، فإن أصحاب رسول الله ﷺ والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم.

وقال الحاكم: قد شهد عمر بن عبد العزيز وإمام عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب.

وقال ابن تيمية: وهو كتاب مشهور عند أهل العلم.

إذن، بعضهم طعن في صحة الحديث، لكن أجاب الآخرون قالوا: هذا شهرته تغني عن إسناده، وهو قد تلقاه العلماء.

  لا يمس القرآن إلا طاهر  ثم انتقلوا إلى قضية مناقشة الاستدلال، فقالوا: إن كلمة طاهر لا تدل فقط على المحدث حدثًا أصغر أو حدثًا أكبر، وتطلق على المؤمن كذلك، وعلى من ليس على بدنه نجاسة، يعني لا يمس القرآن إلا طاهر، ممكن تعني الذي ارتفع عنه الحدث الأصغر، وممكن الذي ارتفع عنه الحدث الأكبر، وممكن الذي ارتفعت عنه النجاسة، وليس على بدنه نجاسة، فيقال: هذا طاهر، وممكن يعني المؤمن نفسه؛ لأن المؤمن طاهر لأنه ليس بنجس.

فإذن، لماذا تحملون  لا يمس القرآن إلا طاهر  يعني متطهر من الحدث الأكبر والأصغر ونحن نعلم أن النبي ﷺ قال لأبي هريرة: سبحان الله إن المسلم لا ينجس ؟ وقالوا: المقصود بالطاهر المسلم، وأن النبيﷺ أرسل الكتاب إلى اليمن؛ لأن فيهم كفار ومشركون فنبه المسلمين هناك أنه لا يمس القرآن إلا طاهر، يعني مسلم.

فالجواب عن ذلك: لأن هذا كلام جماهير العلماء، قضية وجوب الطهارة من مس المصحف، قالوا: الأصل في الطهارة المطلقة في العرف الشرعي الطهارة من الحدثين: الأصغر والأكبر، وأننا لو تتبعنا النصوص الواردة في الكتاب والسنة التي تذكر الطهارة، وكلمة طاهر، فإننا لا نجدها تطلق إلا على من تطهر من الحدثين الأكبر والأصغر، فمثلًا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [البقرة: 222].

معناها اغتسلن من الحيض، فارتفع الحدث الأكبر للحائض، فالمقصود تطهرن من الحيض  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222] يعني من الأحداث.

وفي آية الوضوء  مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [المائدة: 6] وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال: 11]، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة: 108]،  وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6].

وفي حديث أم سلمة: ثم تفيضي الماء على جسدك، فإذا أنت قد طهرت [رواه أبو داود: 251].

وفي حديث ابن عمر في الطلاق: مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملًا [رواه مسلم: 1471].

وفي حديث البراء قال ﷺ: إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك [رواه أبو داود: 5047] يعني أنت على وضوء، على طهارة، وليس المقصود وأنت مسلم أو أنت مؤمن، فقالوا: إذا نظرنا إلى ألفاظ الطهارة الواردة في النصوص الشرعية نجد أنها تعني الطهارة من الحدثين.

وحديث ابن حبان عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: من بات طاهرًا بات في شعاره ملك لا يستيقظ ساعة من الليل إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلانًا فإنه بات طاهرًا وحسنه الألباني [رواه ابن حبان: 1051].

وحديث معاذ عن النبي ﷺ قال: ما من مسلم يبيت على ذكر طاهرًا فيتعار من الليل فيسأل الله خيرًا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه [رواه أبو داود: 5042، وهو حديث صحيح].

فهذه الأحاديث تدل على أن الطهارة تطلق على الحدث الأصغر والأكبر في نصوص الشريعة، وأن هذا ما فهمه أصحاب النبي ﷺ وليس في شيء من النصوص التعبير عن المؤمن بالطاهر.

وأما حديث أبي هريرة: المسلم لا ينجس  فإن أبا هريرة كان جنبًا فظن أن الجنابة تعني النجاسة، وأن الجنب ما يصافح أحدًا، ولذلك انخنس، وما واجه النبي ﷺ، فبين له النبي عليه الصلاة والسلام أن الجنب لا ينجس، يعني لا يكون مسه يسبب انتقال نجاسة، أو أنه لا يجوز مسه لأنه نجس، فإنه لا ينجس المؤمن حتى لو كان جنبًا، فنفى كون المسلم نجسًا، وهذا لا يستلزم أنه طاهر لأنه قد يكون متطهراً وقد يكون غير متطهر، فالمؤمن لا ينجس، لكنه يحتاج إلى طهارة.

وردت أحاديث أخرى في الموضوع لا تخلو من ضعف مثل حديث حكيم بن حزام أن النبي ﷺ قال له: لا تمس القرآن إلا وأنت على طهر [رواه الدار قطني: 440].

وروى أيضًا حديث النبي ﷺ: لا يمس القرآن إلا طاهر  عن عبد الله بن عمر وقال الهيثمي: "رجاله موثوقون" [رواه البيهقي في شعب الإيمان: 1935].

وروى أبو داود في كتاب المصاحف عن عثمان بن أبي العاص قال: "وفدنا على رسول الله ﷺ ففيه: ولا تمس القرآن إلا وأنت طاهر .

قالوا: فهذه الأحاديث الدالة على تحريم مس المصحف على المحدث لا يخلو إسناد كل منها بمفرده من مقال إلا أنها بمجموع طرقها ترقى في أقل أحوالها إلى درجة الحسن، وهذا يقتضي صحة الاحتجاج بها، ووجوب العمل بمقتضاها حتى الشيخ الألباني أيضًا -رحمه الله- لما ذكر الطرق في "إرواء الغليل" قال: ومن المقرر في علم المصطلح أن الطرق يقوي بعضها بعضًا إذا لم يكن فيها متهم كما قرره النووي في تقريبه، ثم السيوطي في شرحه، وعليه فالنفس تطمئن لصحة هذا الحديث لا سيما وقد احتج به إمام السنة أحمد بن حنبل، وصححه أيضًا صاحبه الإمام إسحاق بن راهويه"[إرواء الغليل: 1/ 160].

طبعًا الشيخ الآن ينازع في الاستدلال به، يعني بمعناه وإلا من ناحية الصحة فهو يثبته.

استدل الذين يقولون بوجوب الطهارة لمس المصحف بإجماع الصحابة، واستدلوا بما يلي:

أولاً: حديث عبد الرحمن بن يزيد: "كنا مع سلمان في سفر فانطلق فقضى حاجته، ثم جاء فقلت: أي أبا عبد الله توضأ لعلنا نسألك عن آي من القرآن؟ فقال: سلوني فإني لا أمسه" يعني السؤال والجواب ما يلزم منه الوضوء؛ "لأني لن أمس" معنى ذلك أنه يفهم يعني سلمان أنه إذا مس فلابد من الطهارة، فسألنا فقرأ علينا قبل أن يتوضأ. أخرجه الدار قطني، وصححه، وجوده الزيلعي في "نصب الراية".

ثانيًا: حديث مصعب بن سعد قال: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت، يعني حك شيئًا من بدنه، فقال سعد: "لعلك مسست ذكرك، فقلت: نعم، فقال: قم فتوضأ، فقمت فتوضأت ثم رجعت [أخرجه مالك في الموطأ: 59، وابن أبي شيبة، وإسناده صحيح].

فسعد بن أبي وقاص أمر ولده مصعباً الذي كان يمسك المصحف عليه ويراجع بأن يقوم يتطهر لما مس ذكره.

ثالثًا: حديث ابن عمر أنه كان لا يمس المصحف إلا وهو طاهر، أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة وإسناده صحيح كالشمس، طبعًا هذا موقوف، فهذا يدل على أن الصحابة يقولون بأنه لا يمس القرآن إلا متطهر.

وقال النووي في "المجموع": إنه قول علي وسعد وابن عمر -رضي الله عنهم- ولم يعرف لهم مخالف"[المجموع : 2/ 72].

وقال شيخ الإسلام في "الفتاوى": "وهو قول سلمان وعبد الله بن عمر وغيرهما، ولا يعلم لهما من الصحابة مخالف"[مجموع الفتاوى: 21/ 266].

قال ابن رجب -رحمه الله-: "هذا قول جماهير العلماء، وروى ذلك عن علي وسعد وابن عمر وسلمان، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة" [فتح الباري لابن رجب: 2/ 21].

ولابد من التنبه إلى أن هذا الحكم إنما هو في مس المصحف، أما قراءة القرآن من غير مس، يعني واحد يقرأ القرآن عن ظهر قلب فإنه يجوز له حتى لو كان محدثًا الحدث الأصغر، والأفضل أن يتطهر حتى لو كان سيقرأ القرآن غيبًا كما يقولون، ولا نقول: قراءة المحدث مكروهة، فقد صح أن النبي ﷺ كان يقرأ مع الحدث كما قال النووي في "المجموع" يقرأ، يعني بدون أن يمس المصحف، أصلًا هو ﷺ لا يقرأ.

حكم مس المحدث والجنب والحائض للمصحف بغير اليد

00:14:47

هل يستوي في هذا مس المصحف باليد أو بغيرها؟

الجواب: نعم يستوي عند عامة الفقهاء حكم مس المصحف بباطن اليد أو بغيرها من الأعضاء، فتقبيله لا لغير طهارة ولا مسه بالصدر ولا بالظهر كل ذلك يعتبر مسًا؛ لأن الجسد لاقى المصحف فيدخل في عموم النهي عن مس القرآن بغير طهارة إذا كان محدثًا، ولأن تعظيم المصحف يقتضي تحريم المس بأي عضو من أعضاء البدن وأي جزء من أجزاء الجسم.

هل هناك حالات تباح فيها للمحدث مس المصحف؟

استثنوا حالات للحاجة مثل إذا خشي عليه الإهانة والتلف، فلو أن المصحف سقط في الأرض مثلًا وفيها ماء أو فيها قاذورات أو فيها وساخة فأنت تبادر إلى أخذه إذا صارت حاجة وحتى لو مسسته للحاجة، قال النووي -رحمه الله-: "لو خاف المحدث على المصحف من حرق أو غرق أو قوع نجاسة عليه أو وقوعه بيد كافر" يعني هب أنك رأيت المصحف بيد كافر وأخذته منه بسرعة، من أعطاك هذا؟!

فإذن، إنقاذه من يد الكافر كذلك صيانة له، قال النووي: "أو قوع بيد كافر جاز أخذه مع الحدث بل يجب ذلك صيانة للمصحف"[المجموع: 2/ 70].

هل يشمل حكم مس المصحف جلد المصحف وغلافه والصندوق الذي يوضع فيه؟

00:16:19

هل يشمل هذا الحكم جلد المصحف وغلاف المصحف والصندوق الذي يوضع فيه المصحف؟

من المعلوم أنه يحرم مس آيات القرآن المكتوبة، يعني فيه شيء متفق عليه، فمثلًا هذه ورقة فيها كتابة، وفيها آيات من القرآن، مس الكتابة متفق على منعه عند الذين يقولون بعدم جواز مس القرآن للمحدث.

الحاشية البيضاء التي ما فيها كتابة، الحاشية الإطار فهذا متصل بهذا، ولذلك لا يمس أيضًا بغير طهارة.

عندما يكون مجلدًا، هذا الجلد متصل بالصفحات فهو كتاب واحد.

هذه الصفحة قد ما يكون فيها كتابة لكنها مخيطة مع الأخرى.

فإذن، قالوا : كل ما اتصل بالمصحف من ورق وحواشي ولو كانت بيضاء ما فيها كتابة وجلد غلاف له حكم المصحف كل ما اتصل به له حكمه من جهة عدم مسه بغير طهارة.

فرق العلماء بين ما كان متصلًا بالمصحف، وما كان منفصلًا عنه، فالصندوق الذي يوضع فيه المصحف منفصل عن المصحف.

إذن، يجوز مس الصندوق بغير طهارة.

أما المتصل به من جلد وغلاف وحواش وأوراق وبياض في السطور وحتى الصحائف الخالية أو المكتوب فيها أدعية أو أحكام التجويد فإن ذلك تابع له، وحريم الشيء تابع له يأخذ حكمه، ويشمله اسم المصحف، فلو قلت: مصحف، فكل هذا داخل فيه الأوراق والحواشي كلها داخلة فيه.

أما المنفصل كالكيس والعلاقة والحقيبة والصندوق فلا يأخذ حكمه، فيجوز للجنب أو للمحدث أن يمس ذلك، فلو حمله في كيس أو حقيبة أو صندوق فإنه لا حرج عليه، هذا عند الحنفية والحنابلة.

المالكية والشافعية قالوا: لا يجوز حمله حتى على وسادة أو غلاف إلا أن يكون متطهرًا.

والراجح الأول إذا كان الشيء منفصلًا عن المصحف جاز أن يمس هذا المنفصل بغير طهارة.

بقينا في إذا مسه بشيء متصل به.

الآن أخذنا المنديل، هذا المنديل منفصل عن هذا فمسكناه به هكذا، هذا جائز؛ لأن هذا المنديل منفصل عن المصحف، لكن إذا أخذنا الكم هذا ومسكناه به فهل هذا المتصل بالماس والممسك له حكم مختلف أم لا؟ هذا متصل بالماسك الذي يمسك المصحف أو الممسك الذي يمسك المصحف هو جزء من لباسه، فهل يكون له حكم آخر؟

فالجواب: أن الملبوس تبع للابسه ولأن كمه وثيابه متصلة به عادة فأشبهت أعضاءه، ولذلك ذهب الشافعية والحنفية والمالكية إلى منع ذلك، وأجازه الحنابلة، قالوا: لا حرج، ولو المرأة لبست قفازًا يجوز لها أن تمسك المصحف بالقفاز؛ لأن القفاز هذا منفصل عن المصحف مثل الخرقة فلا حرج.

إذن، حتى المسألة هذه للعلماء فيها كلام، فالمذاهب الثلاثة، قالوا: ثياب الماء الممسك حكمها حكم الممسك إذا هو على غير طهارة فما صنعنا شيئًا.

الحنابلة هم الذين قالوا: لا، نحن ننظر إلى ملابس الممسك على أنها منفصلة عن المصحف فلا حرج أن يمسها بثيابه.

على أية حال: المرأة إذا أرادت أن تمسه وهي على غير طهارة الحائض، وسنبين هذا -إن شاء الله- فببساطة تأخذ خرقة منفصلة ليست من ثيابها نظيفة طاهرة قطعة قماش مثلًا وتمسكه وتقلبه.

القلم منفصل، القلم ليس من ثياب الممسك، ولا من المصحف، فيجوز أن يقلب صفحات القرآن بالقلم، ممكن يقلبه بعود، بكتاب آخر، أحيانًا يمكن يقلب المصحف بطرف كتاب آخر، والمصحف إذا كان معه أمتعة فإنه لا يحرم حملها، لأنه غير مقصود حمل المتاع وفي داخله مصحف، فلو حمل المتاع طالب عنده عدة كتب في المدرسة من ضمنها مصحف فهو يحمل الكتب كلها ومن ضمنها المصحف، فقد لا يكون على طهارة، فهو جعل المصحف بين الكتب وحملها ما في شيء متصل، أو جعله في حقيبة وحملها فلا بأس بذلك، وقلنا بأن تقليب أوراقه بعود أو قلم جائز عند الحنفية والشافعية والحنابلة؛ لأنه غير مباشر له ولا حامل.

 هل يجوز للمحدث أن يكتب القرآن؟

نحن عرفنا الآن حكم المس فما حكم الكتابة هل يجوز لك وأنت محدث أن تكتب آيات من القرآن؟

الجواب: نعم، يجوز ذلك؛ لأن المحرم مس المكتوب باليد، وأنت عندما تكتب فبينك وبين القرآن الذي تكتبه واسطة، وهو القلم وهو منفصل، فعلى قول الجمهور لا حرج.

حكم مس الصبيان للمصحف من غير طهارة

00:22:15

ما حكم مس الصبيان للمصحف؟

ذهب جمهور العلماء إلى جواز مس الصغار المصحف من غير طهارة، وهذا مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، ورواية عند الحنابلة قالوا: لأنهم غير مكلفين، وبأن أمرهم بالوضوء فيه حرج، وقد يؤدي إلى ترك حفظ القرآن أو تعلمه، فيباح لهم مسه لضرورة التعلم ودفعًا للحرج والمشقة، لا سيما أن قلم التكليف لم يجر عليهم بعد.

وقال الحنابلة: لا يجوز لولي الصبي تمكينه من مس المصحف أو لوح درس القرآن ولو للحفظ والتعلم ما دام الصبي محدثًا، أي أن حرمة مس القرآن إلا بطهارة تشمل عند الحنابلة الصبي أيضًا.

أما قول الجمهور فإنه الجواز في حق الصغار.

حكم مسح كتب التفسير على غير طهارة

00:23:10

ماذا بالنسبة لكتب التفسير؟ لا بأس أن يمس كتب التفسير على غير طهارة، ولو تضمنت آيات من القرآن أو سورًا لأنه لا يطلق عليه قرآن أو مصحف عرفًا، وإنما هو تفسير، واعتبر الشافعية وأكثر الحنفية المسألة بالقلة والكثرة فقالوا: إذا كانت كلمات التفسير مماثلة للقرآن أو أكثر فيجوز، أما إذا كان التفسير يسيرًا مجرد، يعني شرح الكلمات الغريبة، والقرآن أكثر، يعني الآيات وكلمات القرآن أكثر فلا يجوز، لأنه العبرة للأكثر، فإذا كان الأكثر التفسير جاز، وإذا كان الأكثر القرآن لا يجوز، وهذا هو الراجح في أن الحكم للأعم الأغلب إن شاء الله.

ومن الأدلة على ذلك: أن النبي ﷺ بعث دحية الكلبي بكتاب إلى قيصر رسالة كما في حديث ابن عباس المتفق عليه، وفيها آية من القرآن، الرسالة فيها آية، ومعلوم أنه سيمس هذه الورقة إنسان محدث، بل كافر، فإذًا لا بأس أن يمس الشي الذي فيه آيات، ولكن ما مكتوب فيه أكثر من الآيات، وهذا موجود كتاب النصوص، كتاب المطالعة، الموسوعات، المطولات، شروح الأحاديث، التفاسير الطويلة، كتب الغريب، كتب اللغة، فيها آيات وشواهد، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فإن كتب مع القرآن غيره، فالحكم للأغلب، فيجوز مس كتب التفسير والحديث والفقه والرسائل التي فيها شيء من القرآن في المشهور عنه؛ لأنها ليست مصحفًا، وقد كتب النبي ﷺ إلى أهل الكتاب بكتاب فيه قرآن"[شرح عمدة الفقه، لابن تيمية: 1/ 235].

حكم مس كتب تراجم القرآن بغير طهارة

00:25:19

ماذا بالنسبة للترجمة؟

يجوز مس الترجمة بغير طهارة، لأن ترجمة القرآن في الحقيقة هي تفسير وليست بمصحف، هذه الطبعة الإنجليزية ليست هي القرآن الذي أنزله الله، أنزله بلسان عربي مبين، فما هذه الترجمة؟ نقول: هي تفسير بلغة القوم الآخرين.

فإذن، ليست قرآنًا ولا مصحفًا، فيجوز مسها بغير طهارة.

حكم مس المحدث للشريط المسجل وعليه القرآن

00:25:48

هل يجوز مس الشريط المسجل وعليه قرآن، أجهزة الإم بي ثري، الأسطوانات المدمجة، وكذلك الذاكرة الصلبة، وكذلك الجوال الذي فيه المصحف، وكذلك هذا الكمبيوتر، الحاسوب، المحمول، الذي يحوي القرآن في ذاكرته الصلبة؟

هذه في الحقيقة ليس القرآن فيها ظاهرًا، بل هو مخفي ليس له ظهور.

فإذن، يجوز مس الشريط المسجل عليه قرآن بغير طهارة، وكذلك أجهزة الإم بي ثري، والأسطوانات المدمجة التي تحوي الصوتيات هذه كلها، وكذلك التي تحوي النصوص بداخلها مخفية.

أما إذا ظهر القرآن على سطح الجوال، أو على سطح الكمبيوتر، ظهر القرآن على سطح شاشة الكمبيوتر فلا تمسها إلا بطهارة، أما إذا مسستها بشيء منفصل فلا حرج، كأن تأخذ قلماً على سبيل المثال، لو أننا أظهرنا القرآن على سطح الشاشة، نفترض أن هنا القرآن، فجاء واحد ومسه بهذا القلم المنفصل فلا حرج.

أما أن يمس الشاشة، أو يمس ما ظهر عليه القرآن، إذا كان ظاهراً عليه القرآن فلا يمسه إلا بطهارة.

حكم مس المحدث لغة برايل للمكفوفين

00:27:12

فإذن، عرفنا الآن مسها بهذه الأجهزة، وأما لغة برايل للمكفوفين فلا بأس أن يمسها المحدث؛ لأن هذه الثقوب الناتئة المصطلح والمتعارف عليها عند العميان في لغتهم غير المبصرين ليست هي لغة عربية، هي ليست حروف لغة عربية محفورة، لغة برايل ليست أحرف عربية محفورة، بل هي عبارة عن رسومات معينة يعرفها هؤلاء يلمسونها.

فإذن، لا حرج أن يمس الصحف المكتوبة بلغة برايل؛ لأنها ليست حروفًا عربية، ويجوز للمحدث مس الدراهم والدنانير علمًا أن بعض العملات مكتوب عليها شيء من القرآن، وبهذا قال المالكية والشافعية والحنابلة في الصحيح من مذهبهم أن الدرهم إذا تضمن شيئًا من القرآن لا يسمى مصحفًا، ولا هو في حكم المصحف، وإذا فرضت الطهارة على كل من يمس الأوراق النقدية لأفضى ذلك إلى حرج عظيم.

وقفنا إذن، عند قول المصنف -رحمه الله-: ويزيد من عليه حدث أكبر أنه لا يقرأ شيئًا من القرآن، فإلى شرح ذلك في الدرس القادم بمشيئة الله -تعالى-.

وصلى الله على نبينا محمد.