الجمعة 12 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 13 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

معنى قاعدة الأصل في الأشياء الطهارة


عناصر المادة
الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما استثناه الدليل
أسباب النهي عن اتخاذ آنية الذهب والفضة

الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما استثناه الدليل

00:00:08

فالأصل أن جميع الأواني مباحة سواء كانت من خشب أو حديد أو نحاس أو فخار، أو غير ذلك.

الآن طبعًا ندرك عظمة هذه القاعدة في غمرة كثرة المنتوجات وتنوعها في هذا الزمن من تاريخ البشرية، يعني ما سبق البشرية مر عليها وقت تنوعت فيه المواد والمنتوجات والمصنوعات كهذا الزمن، يعني من زمان مثلاً قبل ألف سنة كم نوع من الآنية يعرفون؟ إناء فخار، إناء نحاس، إناء حديد، إناء فضة، إناء ذهب، إناء كذا.. كم نوع الآن؟ إناء بلاستك، ملمين، يعني أشياء وأشياء وأسماء مواد لا يعرفها كثير من الناس.

طيب ما حكم الآنية هذه؟ إناء من الصين جاء ما حكم هذا المعدن؟ أو هذه المادة المصنوع منها الإناء؟ ما حكمه؟

الأصل الطهارة.

طيب الأواني مباحة، كما هو الأصل أيًّا ما كانت مادتها.

ثم ذكر المصنف -رحمه الله- ما يستثنى وهو قوله: "إلا آنية الذهب والفضة وما فيه شيء منهما" ودليل هذا الاستثناء والإخراج عن الأصل، يعني لو ما في دليل كان قلنا إناء الذهب حلال، وإناء الفضة حلال، بناء على الأصل  خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة: 29]، مِنة، والله ما يمتن علينا بمحرمات، فهذا يقتضي أن كل ما في الأرض مباح لنا الأصل، إلا الاستثناء؛ آنية الذهب والفضة، الخنزير، الميتة، الدم، إلخ..

طيب  وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية: 13]، وقوله: لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة  [رواه البخاري: 5426، ومسلم: 2067، عن حذيفة مرفوعًا].

قوله:  صحافها : جمع صحفة، والصحفة دون القصعة.

قال الكسائي: "أعظم القصاع" يعني: التي يوضع فيها الطعام هي مقاسات مختلفة، الآن صحن صغير، وصحن كبير، وصحن مطاول، وصحن، وتبسي.

طيب في اللغة العربية ماذا تسمى؟

قال الكسائي: "أعظم القصاع الجفنة، ثم القصعة تليها تشبع عشرة، ثم الصحفة تشبع الخمسة، ثم المئكلة تشبع الرجلين والثلاثة، ثم الصحيفة تشبع الرجل" يعني الصحيفة هذه مثل الصحن الآن تشبع الرجل [لسان العرب: 9/187].

مناسبة هذا أنه قال:  لا تأكلوا في صحافها  فما معنى الصحفة؟

وكذلك جاء عن أم سلمة زوج النبي ﷺ أن رسول اللهﷺ قال: الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم [رواه البخاري: 5634، ومسلم: 2065].

وعند مسلم: من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنه يجرجر في بطنه نارًا من جهنم [رواه مسلم: 2065] أي يلقيها في بطنه بجرع متتالية متتابعة، يسمع له جرجرة من جراء ذلك، وهو الصوت المتردد في الحلق.

فهذه الأحاديث صريحة في تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، والآنية تشمل الصحن والتبسي والصينية والملعقة والشوكة والسكين والكاس والفنجان، وغيرها، كل الأواني، كل ما يستعمل في الأكل والشرب، أواني ملعقة وإلا صينية تبسي كبير صغير لا يجوز من الذهب والفضة، والرجال والنساء في هذا الحكم سواء، ليس مثل اللباس، اللباس الحرير للنساء جائز، للرجال حرام، الذهب الحلي للنساء جائز، للرجال حرام، الآنية على الرجال وعلى النساء، الذهب والفضة حرام، الآنية.

قال النووي -رحمه الله-: "وأجمع المسلمون على تحريم الأكل والشرب في إناء الذهب وإناء الفضة على الرجل وعلى المرأة" [شرح النووي على مسلم: 14/ 29].

طيب لماذا؟

طبعًا نحن المسلمين نتلقى الحكم أوامر نواهي على العين والرأس بالقبول والتسليم، بلا لماذا، ولازم نقتنع، وإذا ما اقتنعنا لن نطبق وأقنعونا أولاً؛ هذا كلام -سبحان الله-، لو ذهب إلى طبيب، وقال له: أنا أشتكي من كذا وكذا، قال: أنت عندك مشكلة في الأعصاب، قال طيب ما الحل؟ قال: أصف لك الدواء الفلاني، يالله اكتب، كتب له الدواء، هل ترى يقول لا لحظة يا دكتور لازم تقنعني هذا الدواء؟ لماذا ما هو دواء ثاني؟ لماذا هذا؟ إذا ما أقنعتني ما راح آخذ الدواء، والا أخذ الدواء إيمانًا وتسليمًا ولا نقاش ولا كلمة، وعلى طول الصيدلية، اشتر وابلع، وقبل الأكل ثلاث مرات، لما؟ وهذه قضية أبدان، والطبيب يصيب ويخطئ، ويمكن الدواء سم، يمكن في خطأ في التشخيص، خطأ في الدواء، خطأ في الجرعة، خطأ؛ واتباع وتسليم، وآمنا، ولما نجي على الأديان ما هو على الأبدان على الأديان وفي قول الله ورسوله، لا، ولماذا؟ واقنعونا أولا؟ وإذا ما اقنعتمونا ما راح نطبق؟

يا أخي هذا دليل، لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم  لا، بس إذا ما يعني، طيب إذا يعني في كذا وسيلة، فتجد المناقشات والمجادلات في الروغان من الحكم ومن الدليل.

 لا نكاح إلا بولي  لا، بس يعني الآن النساء تثقفن وتعلمن وتفتحن وفهمن، إي يعني ما نبغى ولي خلاص، يعني مخالفات صريحة للأدلة، مع أنها أدلة، يعني قال الله وقال رسوله: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ [النور: 48] خلاص، يتولون وهم معرضون، أما المؤمنون يسلموا تسليمًا.

أسباب النهي عن اتخاذ آنية الذهب والفضة

00:08:15

على أية حال: نحن لا بأس أن نتعرف على علل الأحكام لنزداد إيمانًا، وإلا العمل نحن عاملون، عاملون، عرفنا العلة والحكم والحكمة عرفنا الحكمة وإلا ما عرفنا سنعمل، لكن يزيدنا إيمانًا أن نعرف، ولا بأس أن نسأل لا سؤال الشاك في الحكم، أو سؤال المتردد في التنفيذ، لكن سؤال مستزيد من العلم والفقه والإيمان.

لماذا ما نأكل ونشرب في آنية الذهب والفضة؟

قال بعض العلماء: لما فيها من كسر قلوب الفقراء والمساكين إذا رأوها وعاينوها، فالذهب والفضة معدنان نفيسان يعرفهما الغني والفقير والصغير والكبير، لكن الفقير لا يستطيع توفيرها، والغني يستطيع، فإذا رآها الفقير عند الغني ورآه يأكل بها ويشرب بها وهو لا يجد إلا فخارًا أو نحوه سيكون ذلك أثر في كسر قلبه.

سبب آخر، وقال بعض العلماء: لما في استعمالها من الخيلاء والسرف، فاستعمال آنية الذهب يجعل الإنسان في قلبه في نفسه بطر، كبرياء، تعالي، وهكذا..

وقال بعضهم: لما فيه من تضييع النقدين، وهذا سبب اقتصادي جيد ما معناه، قال ابن القيم في "زاد المعاد" في تعليل النهي عن اتخاذ آنية الذهب والفضة: "فإنها إذا اتخذت أواني" يعني حولنا الذهب والفضة إلى أواني "فاتت الحكمة التي وضعت لأجلها من قيام مصالح بني آدم" [زاد المعاد: 4/ 321-322].

ما معناها؟

معناها لو صار الناس، يعني يحولون الذهب والفضة إلى أواني، فإن النقد السيال اللازم لتداول السلع سيكون كثير منه أواني في البيوت، فلا يبقى في أيدي الناس ما يكفي لتداول السلع، حيث أن الذهب والفضة أثمان يشترى بها ويباع، فتتعطل أداة الثمن والتثمين، ويتأثر البيع والشراء.

هذا من أسباب النهي عن اتخاذ آنية الذهب والفضة.

الذهب والفضة معدنان، في نفوس الناس مكانة لهما، مهما اختلف الزمان سيبقى، ولذلك جعلت الزكاة فيهما لا في غيرهما من المعادن، النحاس حديد بلاتين ما فيها زكاة إلا إذا صارت عروض تجارة.

أما الذهب والفضة فيها الزكاة، فالذهب والفضة يشترى بهما ويباع، هذه الله -عز وجل- جعلها لكي تنتقل السلع بواسطتها من وإلى الناس.

نعم تحدث مبادلة بيضة برغيف، لكن دائمًا المبادلة لا تمشي في كثير من الأحيان، فيحتاج الناس إلى آلية يشترون بها الشيء الذي يحتاجونه ويبيعون بها الشيء الذي لا يحتاجونه مثلاً ويحتاجه غيرهم آلية لانتقال الأشياء بين الناس، فلو صارت أواني يقل هذا.

سبب آخر قالوا: العلة في النهي التشبه بالكفار؛ لأنه منصوص عليها في الحديث قال: فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة .

قال ابن القيم -رحمه الله-: "الصواب أن العلة -والله أعلم- ما يكسب استعمالها" يعني استعمال آنية الذهب والفضة "القلب من الهيئة، والحالة المنافية للعبودية منافاة ظاهرة، ولهذا علل النبي ﷺ بأنها للكفار في الدنيا، إذ ليس لهم نصيب من العبودية التي ينالون بها في الآخرة نعيمها، فلا يصلح استعمالها لعبيد الله في الدنيا، وإنما يستعملها من خرج عن عبوديته، ورضي بالدنيا وعاجلها من الآخرة" [زاد المعاد: 4/ 322].

ولا يبعد أن يقال إن العلة في النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة كل ما تقدم، فهي محرمة لما تبعث في النفس من العلو والفخر، وتغير من التواضع إلى الكبر والاحتقار؛ ولأنها من عادات الكفار وأخلاقهم، مع ما فيها من السرف والمباهاة، وكسر نفوس الفقراء.

والله أعلم.