الخميس 19 رمضان 1445 هـ :: 28 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

وداعاً رمضان


عناصر المادة
الخطبة الأولى
فضل صيام رمضان، والاستغفار ختام الاعمال الصالحة
فضل صدقة الفطر
الاتصال الدائم بالله 
فضل العبادة زمن الفتن
الخطبة الثانية
حزن المسلم على فراق رمضان
أحكام وآداب يوم العيد

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

فضل صيام رمضان، والاستغفار ختام الاعمال الصالحة

00:00:17

من صام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه[البخاري:38، ومسلم:760].من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه[البخاري:37، ومسلم:759]من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه[البخاري:38، ومسلم:760].

فهنيئاً لمن كانت هذه الثلاثة له في هذا الشهر، والعزاء كل العزاء لمن انقضى هذا الشهر بغيرها، بل إن النبي ﷺ دعا عليه، فقال: من أدركه رمضان فلم يغفر له فأبعده اللهودعا جبريل بها، وقال للنبي ﷺ: قل آمين، فقال: آمين[صحيح ابن حبان:409]. ومن نقص من عمله في الشهر نقص له من الأجر بحسب النقص الذي دخل عليه في العبادة، فلا يلومن إلا نفسه، الصلاة مكيال، والصيام مكيال فمن وفاها وفى الله له، ومن طفف فيها فويل للمطففين، أما يستحيي الذي يستوفي مكيال شهواته ويطفف في مكيال صيامه وصلاته، وإذا كان الدين قد حرم التطفيف في مكيال الدنيا فكيف بالتطفيف في مكيال الدين، فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَالماعون: 4-5.

الاستغفار عقب رمضان، وعقب كل عمل صالح.

أولاً: الاستغفار، طلب المغفرة من الله وقد جمع الله بين التوحيد والاستغفار في قوله: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَمحمد: 19.

إنه مشروع لختام الأعمال الصالحة لذلك إذا سلم المصلي من صلا ته قال: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله[مسلم:591]، وإذا انتهى المصلي بالليل من قيام الليل فإنه يستغفر فيما تبقى قبل الفجر وهو وقت السحر كما قال الله: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِآل عمران: 17.  وكذلك في الحج إذا أفاضوا من عرفات والمزدلفة يستغفرون الله لماذا؟ لأن العباد لا بد لهم من نقص مهما عملوا من الأعمال فعندهم نقص، فكيف إذا كان العبد مفرطاً مقصراً عنده معاصٍ وسيئات؟ فإنه يحتاج للاستغفار كثيراً بعد العبادة.

فها قد انقضى شهرنا وبقي علينا أن نسأل الله القبول، وأن نطلب منه المغفرة، الاستغفار -يا عباد الله-، الاستغفار للتقصير الذي حصل، الاستغفار للسيئات التي فعلت، الاستغفار لما حصل من النقص في العبادة، ولما حصل من معصية الله والذنوب فيها.

كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأنصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر، فإن صدقة الفطر طهرة للصائم من اللهو والرفث.

فضل صدقة الفطر

00:04:22

فهذا الثاني إذاً: أن نهتم بصدقة الفطر لأنها تكفر ما حصل منا من الأخطاء في الصيام، وصدقة الفطر للصائم كسجدتي السهو للصلاة، كما قال بعض أهل العلم، شرعها النبي ﷺ طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين [أبو داود:1609]،  فهي إذاً بعد انقضاء الشهر، بعد انتهاء الصوم إنها كفارة لما حصل فيه.

عباد الله: قال عمر بن عبد العزيز: قولوا كما قال أبوكم آدم: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَالأعراف: 23. وقولوا كما قال نوح: وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَهود: 47. وقولوا كما قال إبراهيم: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِالشعراء: 82. وقولوا كما قال موسى: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِيالقصص: 16. وقولوا كما قال ذو النون: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَالأنبياء: 87.

صيامنا يحتاج إلى استغفار وأعمال صالحة بعده، فكم انخرق الصيام بسهام الكلام، وكم انخرق الصيام بسهام النظر المحرم، وكم انخرق الصيام بسيئات الاستماع المحرم، وكم انخرق الصيام بكثير من الآفات، أو تضييع الصلوات، أو التقصير الذي حصل في جنب الله.

إذا كان المحسنون فيما مضي يفعلون العمل الصالح على الوجه العظيم ثم يرون أنهم لم يفعلوا شيئاً، وأنهم مقصرون، وأن عليهم الاستغفار فكيف بالمذنب المقصر.

عباد الله: قال الله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَالمائدة: 27. وهذه نقطة مهمة، هل قبل الله أعمالنا، هل قبل الله الصيام، والقيام، والدعاء، إن مسألة التقوى مسألة مهمة إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَالمائدة: 27. والمسلم يعمل الصالحات ويرجوا أن يثاب عليها، لكن لا بد أن يحقق شروط القبول، حتى يقبل الله منه، كان السلف يجتهدون في إتمام العمل، وإتقان العمل، ثم يركبهم الهم في قبول العمل فيسألون الله وقلوبهم وجلة، وقلوبهم وجلة وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌالمؤمنون: 60.  يعني يخافون أن لا يقبل منهم، يتصدقون بالصدقات العظيمة ويخافون أن لا يقبل منهم، ونحن عندما نخرج من شهرنا ينبغي أن نكون على رجاء حسن من الله بأن يعطينا الأجر الجزيل، وعلى خوف أيضاً من الله أن يرد العمل، لا بد من اجتماع الأمرين.

أيها الإخوة: لا بد وأن نكون من المتقين، قال عبد العزيز بن رواد: "أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أتقبل منهم أم لا"، وكان بعض السلف في آخر ليلة من رمضان يقول: "يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه"، أيه المقبول هنيئاً لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك.

الاتصال الدائم بالله

00:08:35

أيها المسلمون: إن المسألة الرابعة بعد قضية الاستغفار، وصدقة الفطر، والخوف على العمل السابق أن نكون قد خرجنا مستفيدين من شهرنا هذا، العبادة تقرب العبد إلى الله فابق قريباً منه، ولا تشرد عنه، ولا تبتعد عن الرحيم الكريم لأن الله قال:إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَالأعراف: 56.  فابق -يا عبد الله- على الإحسان، ابق على الإحسان: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُالحجر: 99. إذاً لا بد من الثبات على هذا الدين، لا بد من البقاء على طريق العبادة، لا بد أن نكون قد استفدنا من شهرنا هذا.

أيها المسلمون: إن الله قال عن المنافقين آية عجيبة، قال: وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَالمائدة: 61. دخلوا بالكفر وقد خرجوا به، كيف دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به؟ يعني ما استفادوا شيئاً، دخلوا مستصحبين للكفر عند النبي ﷺ سمعوا، وسمعوا، وجلسوا ثم خرجوا والكفر باقٍ فيهم فلم ينتفعوا بشيء، سمعوا العلم فلم ينتفعوا به، فلم تنجح فيهم المواعظ، وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به، ونحن الآن دخلنا في الصيام فكيف سنخرج منه، هل ستكون هذه الفوائد التي حصلناها أثرها باقٍ.

أيها المسلمون: إن قضية البقاء على المستوى وعلى الفائدة التي حصلت والاستمساك بها في غاية الأهمية.

والأمر السادس: أن العمل الصالح لا ينبغي أن ينقطع؛ ولذلك ترى أن في رمضان سنة قبلية في الإكثار من الصيام في شعبان، وسنة بعدية صيام ست من شوال، حتى لا ينقطع الصيام، ولتتم لك السنة لأن صيام رمضان بعشرة أشهر، والحسنة بعشرة أمثالها، وصيام ستة من شوال بشهرين، ستة في عشرة بستين يوماً وهذا تمام السنة، فشهر بعشرة أشهر وستة أيام بشهرين فكان تمام السنة حتى لا ينقطع الصيام، حتى لا ينقطع العمل، وهكذا في العبادات الأخرى كالصدقات، والقيام، وغيرها.

ينبغي أن لا ينقطع العمل، نبقى على صلة بالأعمال الصالحة، وهذه المساجد غشيها المسلمون، واعتكفوا فيها، وبكروا إليها، ومكثوا فيها ربما كانوا يمكثون في المسجد في رمضان نحواً من ثلاث ساعات في اليوم، ومنهم من يمكث أكثر من ذلك، فينبغي أن لا تنقطع العلاقة بالمساجد.

يا عباد الله: وكذلك فإن على العبد أن لا يستكثر العمل، ولا يمن به لأن الله قال: وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ المدثر: 6. وبعض الناس وقف وقوفاً طويلاً وراء الإمام في رمضان لم يعمله، ولم يسبقه، ولم يسبق إليه من قبل في حياته، ورآه طويلاً جداً، فظن ربما أن هذا هو خاتمة المطاف بالعمل الصالح، وأنه بلغ به القمة، وربما يشعر بعض الناس أن السيئات كلها قد كفرت بهذه الأعمال، فليبدأ من جديد، وهذه المصيبة العظيمة -والله- أن يشعر بعض الناس أنه قد خرج مغفوراً له جزماً وقطعاً، وأن له أن يبدأ من جديد في المعصية، يقول النبي ﷺ: لو أن رجلا يجر على وجهه، من يوم ولد إلى يوم يموت، هرما في مرضاة الله، لحقره يوم القيامة[أحمد:17649].  من يوم أن يولد إلى أن يموتيجر على وجهه في طاعة الله، إذا جاء يوم القيامة سيرى عمله قليلاً، سيحتقر عمله، سيراه كلا شيء بجانب حقوق الله ونعمه.

ولذلك -أيها الإخوة-: يبقى مفهوم النظر إلى العمل بعين النقص من العبد، وأن يشعر أنه مقصر مهما فعل، إن هذه النفسية مهمة جداً ينبغي أن تكون ملازمة لنا.

نحن نعلم أننا لا نكون بعد رمضان مثل رمضان، وأن تلك الأجواء ليست كهذه الأجواء، لكن الانقطاع التام واعتقاد أن الذنوب كلها قد كفرت بذلك الصيام والقيام، وأنه الآن يبدأ من جديد بالمعاصي إنه شعور فضيع جداً، إنه مهلك، مهلك من أين يحصل مثل هذا الشخص على -رحمة الله-، وعلى كرمه إذا كان سيخرج من دائرة الإحسان ، ورَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَالأعراف: 56.أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْالنور: 22.

فضل العبادة زمن الفتن

00:15:22

ثم -أيها المسلمون- إن قضية العبادة في الزمن الذي نحن فيه الآن صعبة للغاية، أي والله يجب الاعتراف بذلك، وقد قال النبي ﷺ: العبادة في الهرج كهجرة إلي[مسلم:2948].  يعني وقت الفتن واختلاط الأمور، كما قال العلماء، قالوا في الهرج: "الفتن واختلاط الأمور، فإذا صار العبد في هذه الأجواء عابداً لله مستمراً على طاعته فإنه محظوظ؛ لأنه كالمهاجر إلى رسول الله ﷺ في المدينة، له أجر الهجرة".

ونحن -يأيها الإخوان- لا شك أننا نعيش في فتن الآن واختلاط الأمور، فتن شهوات، وفتن شبهات، وفتن الأعداء، وفتن كثيرة متلاحقة، واختلاط الأمور، واشتباه الأمور، وعدم وضوح الأمور، لكن بقاءك -أيها المسلم- متصلاً بالله، عابداً له، ملازماً لطاعته، غاشياً لبيته، قائماً في الصلاة له، مستمراً على الصيام له، مقدماً اليد للصدقة من أجل الله ولوجه الله ، إن هذه الأعمال العظيمة لتدل على طيب الأصل، طيب الأصل أن نفسك طيبة وأن أصلك طيب لأنك لم تنقطع عن العمل.

أيها المسلمون: لماذا يغيب عنا كثيراً أننا دائماً عبيد لله في رمضان وفي غير رمضان، نحن عبيد لله وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِالذاريات: 56، ثم إن إجمام النفس بعد العبادة الطويلة بالمباح هو مباح، لكن بالمباح وليس بالمحرم.

وستأتي أيام قادمة نحواً من أسبوعين يقضيها أولادك بغير دراسة، الجميع في إجازة من المدارس، فكيف ستقضى هذه الأيام؟ وأي شيء خططت له -يا عبد الله-؟ وبماذا ستدير الأمور في المدة القادمة؟

أيها المسلمون: نحن نعلم أن الموت يأتي في كل وقت وحين، ودائماً في الأعياد حوادث، في الأعيد حوادث وقتلى، وأناس يموتون ولذلك يجب الحذر، الحذر أن لا تأتي المنية والعبد غاش لنفسه، غاش لرعيته، غاش لأهل بيته، غاش لزوجته، غاش لأولاده، يريهم شيئاً وحقيقته شيء آخر، يزعم أنه سيسافر إلى مكان وفي الحقيقة أنه مسافر إلى كان آخر.

يا عباد الله: إن الله يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تفعلون، يقول الناس بعد رمضان لبعضهم البعض: من الفائزين، من هم الفائزون؟ قال الله تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَآل عمران: 185، هذا هو الفوز الحقيقي فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَآل عمران: 185.

اللهم اجعلنا من الفائزين، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم اجعلنا على العهد بطاعتك مستمرين، اللهم لا تجعلنا ممن ينقطع عن عبادتك، لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:20:19

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِالفاتحة: 2 - 4، أشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

حزن المسلم على فراق رمضان

00:20:39

عباد الله: يغادر المسلم رمضان وقلبه معلق فيه، يغادر المسلم رمضان وهو يذرف الدموع نحيباً من أسف على فراق هذه الليالي، يغادر المسلم رمضان وهو متحسر على فوات ذلك الشمل المجتمع لهؤلاء المصلين والقانتين، ولتلك التراويح التي كانت جامعة للراحات، ولهذا الموسم الذي يذهب ويلفظ أنفاسه الأخيرة.

ولكن المسلم الحق عزاؤه أن الله جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًاالفرقان: 62،  فهو متاح له أن يعبد الله دائماً، قبل الشهر، وبعد الشهر، وأثناء الشهر، والحمد لله أن الله ما قطعنا عن الصيام، ولا عن القيام حتى في خارج رمضان.

وحتى هذه العبادات يمكن أن يؤديها المسلم وحده، ولكي يكون للعبادة وللموسم المعين لذة فلا بد أن يكون له أجل؛ لكي تشتاق النفوس إليه، والله يفضل ما يشاء من الأيام، ويجعل فيما يشاء من الشهور الخصائص والفضائل .

ويعوض الله المسلمين الخير الكثير، أما أصل العمل فإنه باقٍ في رمضان وبعد رمضان لكن تمتاز الأيام الفاضلة بالمضاعفة، بالمضاعفة، أما الأجور الأصلية باقية مستمرة في كل الأيام.

أحكام وآداب يوم العيد

00:22:51

أيها المسلمون: إن لهذه الأمة الإسلامية بعد انقضاء موسم عبادتها العظيم فرحة بتمام العبادة، فرحة بعيد جعله الله ميزة لها، وآية، وعلامة، وخصيصة من خصائص هذه الأمة.

عيد الفطر وكذلك عيد الأضحى، عيد خاص بالمسلمين لا يشاركهم فيه غيرهم، كذلك لا يشاركون غيرهم في أعيادهم؛ ولذلك حرم علينا أن نشارك الكفار في أعيادهم، وأعيادهم قريبة في هذه السنوات الأخيرة من أعيادنا، في الزمن لكننا نتميز عنهم بأن عيدنا توحيد وطاعة، وأعيادهم شرك ومعصية، دقق فيها تجدها كذلك شرك ومعصية، أعيادنا ذكر وتكبير، وأعيادهم كفران، ومنكرات، وأمور فظيعة من أنواع الكبائر، إن لكل قوم عيد، وهذا عيدنا[البخاري:952، و مسلم:892]، يدل على الاختصاص، وأنه لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بالكفار.

وهذا العيد يحرم صومه؛ لنهي النبي ﷺ القاطع عن ذلك، ويعلن الفطر من صبيحته قبل الغدو إلى صلا العيد، وكذلك يأتيه المسلمون بغير أذان ولا إقامة، يجتمعون في المصلى، وإذا ضاق جاز فعله في المساجد الكبار.

فأول شيء يبدؤون به الصلاة بسبع تكبيرات وخمس في الركعة الأولى والثانية، ماذا يقولون أثناء التكبيرات؟ ذكر لله، توحيد، تهليل، وصلاة على النبي ﷺ، ودعاء، قال ابن مسعود : "يقول الله أكبر، ويحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي ﷺ، ويدعو الله، ثم يكبر، ويحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي ﷺ، ويدعو الله، وهكذا "[معرفة السنن والآثار:6889].

صلاة العيد مجمع عظيم للمسلمين يخرجون إليه حتى النساء، بل وحتى الحيض، بل إن الأمر مؤكد في ذلك، إخراج النساء لصلاة العيد لكن بالشروط الشرعية.

يخرج العواتق وذات الخدور، وسيأتي شرح ذلك بعد الخطبة -إن شاء الله-.

والاغتسال له مستحب، قال سعيد ابن جبير:"سنة العيد ثلاث، المشي، والاغتسال، والأكل قبل الخروج".

المشي من طريق والعودة من طريق آخر إن تيسر، الأكل قبل الخروج تمرات؛ لأن النبي ﷺ كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً لأن ربه -تعالى يحب- الوتر.

عباد الله: إنه لا بأس أن يقول المسلمون لبعضهم هذه العبارات الطيبة، ذات المعاني الصحيحة، وأن يوسع على الأهل في يوم العيد من اللباس، والنفقة، ونحو ذلك، بل وأباح الشارع للنساء أمراً ممنوعاً في غيره من المواسم إلا الأعراس وهو الضرب بالدف في العيد، إنه مباح للنساء، وأما الرجال فليس لهم من المعازف شيء لا في العيد ولا في غيره،  لكنها فرصة عظيمة ليشعر المؤمنون بتمام نعمة الله عليهم، وأن الله قد مكنهم من صيام هذا الشهر، وجعل فرحتهم بعده بالتكبير وصلاة العيد.

التكبير من أين يبدأ؟ يبدأ من بعد المغرب إذا ثبت دخول شوال ورؤيا الهلال، يبدأ المسلمون بالتكبير إلى أن يأتوا المصلى وحتى يخرج الإمام، لا يزالون في تكبير.

وينشغل كثير من الناس بالصفق في الأسواق تلك الليلة عن التكبير، وهي سنة مهجورة مع الأسف، إلا من قليل من المسلمين، وهي قضية التكبير ليلة العيد، وعند الغدو إلى المصلى صبيحة العيد.

وهذه السنة ينبغي إحياؤها، ومن أحيا سنة محمد ابن عبد الله ﷺ فله أجر عظيم.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الفائزين، وأن تغفر ذنوبنا أجمعين، تقبل صيامنا، وقيامنا، ودعاءنا وذكرنا، واجعلنا من عتقائك من النار.

اللهم إنا نسألك في يومنا هذا في شهرنا هذا أن تجعلنا من أهل جنة الفردوس، وأن لا تردنا على أعقابنا، اللهم اجعلنا على دينك ثابتين، وعلى شريعتك مستمرين، اللهم ثبت قلوبنا على دينك، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، إنك أنت السميع العليم، اللهم انصر الإسلام وأهله على المشركين، اللهم انصر الإسلام وأهله على اليهود والصليبيين، اللهم انصر المسلمين في أرجاء الأرض يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم إنهم يعذبون المسلمين فعذبهم، اللهم كف بأسهم عن المسلمين، واكشف الضر عن عبادك المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين يا رب العالمين وانصر المجاهدين يا أكرم الأكرمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَالصافات: 180 - 182.

1 - البخاري:38، ومسلم:760
2 - البخاري:37، ومسلم:759
3 - البخاري:38، ومسلم:760
4 - صحيح ابن حبان:409
5 - مسلم:591
6 - أبو داود:1609
7 - أحمد:17649
8 - مسلم:2948
9 - البخاري:952، و مسلم:892
10 - معرفة السنن والآثار:6889