الخميس 10 شوّال 1445 هـ :: 18 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الدعاء


عناصر المادة
الخطبة الأولى
استغلال بقية رمضان
أهمية الدعاء
نماذج من استجابة الله لأنبيائه
شروط وآداب الدعاء
كيف ماتت قلوبنا؟
البدع والمحدثات في الدعاء
الخطبة الثانية
العيش مع القرآن في رمضان
كيف نتدبر القرآن
كيف نستغل العشر الأواخر؟
عزة المسلم بهذا الدين

الخطبة الأولى

00:00:08

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

استغلال بقية رمضان

00:00:50

عباد الله: لقد مضى أكثر نصف شهرنا، وتصرم كثير من ذلك الموسم العظيم، وإن بقي الأقل، ولكن يمكن للمسلم أن يعمل فيه الشيء الكثير.

يا عبد الله: وقد رأيت أكثر شهرك قد مضى، فاجتهد فيما بقي، وتدارك عوض النقص، فأقبل على الله، فلا زال هنالك الكثير الذي تستطيع أن تفعله.

أهمية الدعاء

00:1:29

وهذا الإقبال على الله هو روح العبادة، فالدعاء سر العلاقة بين العبد وربه، إنه يُعبر عن الافتقار للمولى جل وعلا، فأنت تطلب، وتمد يديك، وتُلح، وتسأل، هذا الدعاء الذي هو العبادة، وصف الله به أنبياءه، فقال: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا، أي: في خوفهم، وفي رجائهم، وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَسورة الأنبياء:90.

وكذلك فإن الله أمرنا، فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي، ووعد، فقال:أَسْتَجِبْ لَكُمْ، وهدد، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي، أي: عن دعائي،سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَسورة غافر:60، فأطلب، ادعوا ربكم تضرعاً وخفية، إنه قريب، جاءت آية الدعاء وتخللت آيات الصيام، في سورة البقرة: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِسورة البقرة:186، ولابد أن يجيب، وهذه الاستجابة قد تكون خيراً آخر غير الذي سألته؛ لأنه أكثر فائدة لك، أو شراً دفعه عنك، أو يُعجل لك ما سألت، أو يؤجله لتزداد دعاء وإلحاحاً، ثم يعطيك فتكون قد ازدت خيراً، وأجراً.

عباد الله: الدعاء في حال الرخاء، وفي حال الشدة، فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَسورة الأنعام:42، قد تضيق عليك حالك المالية، وقد تضيق عليك نفسك، وقد تكون في ورطة من الورطات، وأزمة اجتماعية،أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ سورة النمل:62، السوء قد يكون مرضاً، وقد يكون دَيناً، وقد يكون حالة نفسية وأزمة، فالسوء أنواع متعددة، والله تعالى ينجي منها، ومن كل كرب،فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواسورة الأنعام:43،وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ، أي: في البحر،دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَسورة لقمان:32، وينجي الله حتى بعض الكفار إذا كانوا في البحر عندما يدعونه ، والله حيي كريم، يستحي سبحانه عجباً! الغني يستحي من الفقير، عجباً!، ليس عجباً أن يُحب الفقير الغني، ولكن العجب أن يقول رسوله لنا:  إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا[ رواه الترمذي (3556) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1757) ]، سبحانه ما أكرمه! سبحانه ما أعظمه! ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نُكثر، قال: الله أكثر[ رواه الترمذي (3573) وأحمد (10749). وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (550) ]، كل داع يستجاب له يا عباد الله! ولكن تتنوع الاستجابة، ومن لم يسأل الله يغضب عليه[ رواه الترمذي (3373). وصححه الألباني في صحيح الجامع (2418) ]، وقال ربنا: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَسورة الأنفال:33، يطلبون منه المغفرة حتى مع معصيتهم، ولا يرد القدر إلا الدعاء، فهو سلاحنا، وهو الدواء.

يا من يجيب دُعا المضطر في الظلم يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا وأنت يا حي يا قيوم لم تنم

وهكذا يقصد بيت الله فئام من الأرض من أعماق الدنيا، يأتين من كل فج عميق، طائرات وسفن تحمل الناس، يدعونه هناك، ويجيب دعاء الوافد إذا وفدوا عليه.

نماذج من استجابة الله لأنبيائه

00:5:37

أيوب لما مسه الضر دعا، فقد مكث في المرض ثمانية عشر عاماً حتى رفضه القريب والبعيد، ولم يبق معه إلا زوجته الصابرة، واثنان من إخوانه الخُلص، ثم كشف الله البلوى، ثمانية عشر عاماً؟! نعم، ازداد بها أيوب عند الله أجراً في الصبر، وفي الدعاء.

وهكذا زكريا ، كان عقيماً ليس له ولد، فدعا رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ۝ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىسورة الأنبياء:90، فهو أول واحد في العالم سُمي بهذا الاسم، لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّاسورة مريم:7، سماه الله، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىسورة الأنبياء:90.

ونجد في سورة الأنبياء: فاستجبنا له، فاستجبنا له، فاستجبنا له، أنبياء يدعون، ويستجيب الله لهم، ركب عظيم، ومحمد ﷺ يرفع يديه، ويناشد ربه، ويسقط رداءه، ويكرر فيستجيب الله له، وينصر الفئة القليلة.

الدعاء له شأن كبير، فيا أيها المظلوم، والعقيم، والمريض، والمدين، يا من ارتكب المعصية، فشرد عن الله مدة، قد آن الأوان أن ترجع، وتطلب في هذا الشهر من ربك أن يغفر لك ذنبك.

أيها الإخوة: إن الذنوب ليست في رمضان ملفات مؤجلة لما بعد الشهر، لكنها ملفات تُمحى لكي لا تبقى بعد ذلك، لا تُبقي لها أثراً يا عبد الله.

شروط وآداب الدعاء

00:7:23

وعندما نسأل ربنا، فلابد أن نسأله بأسمائه الحُسنى الثابتة في الكتاب والسنة بدون اختراع، ولا ابتداع، فلا نسميه بغير ما سمى به نفسه، ونثني عليه نحمده قبل الدعاء، ونبوء ونعترف بذنوبنا، ونبوء ونعترف بنعمه، ونصلي على نبيه، ونستقبل قبلته، ونرفع إليه أيدينا، ونحضر قلوبنا، ونوقن بالإجابة، ونُلح، ونصر، ونكرر، ونتضرع، فالتضرع دعاء مع خشية ليس دعاء المستغني، أو دعاء الذي يرفع يديه لاهياً، ونأتي بجوامع الكلم عن النبي ﷺ، ونخفي هذا الدعاء، ولا نستعجل الإجابة، ويكون فيه تذلل، وافتقار، ونتحرى مواضع الإجابة؛ كالسجود، وفي التشهد قبل السلام، وعند الأذان، وعند الإفطار، فهذا يوم جمعة، وقبل المغرب ساعة عظيمة، وأنت صائم، ومنكسر لله ترفع يديك وتسأل، وتطلب من خيري الدنيا والآخرة، فالله كريم لا ينفد ما عنده مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍسورة النحل:96، وكذلك الدعاء في جوف الليل، وأنت تقوم الليل، والعشر الأواخر قادمة عليك إن شاء الله، فرفع يديك فيها سواء في القنوت، أو في غير القنوت، وليس الدعاء مقتصراً على القنوت، فالدعاء يكون في كل وقت، وبعض الناس لا يسأل في رمضان إلا في القنوت.

ثم انظر النواقص عندك، وهذه قضية مهمة جداً، أن ننظر فيما قصرنا فيه من حق الله، فتُحاسب نفسك، أنا مقصر في ماذا؟! أنا لا أصلي الظهر في وقتها في رمضان، يسهرون فيصلون الفجر، لكن ما مصير صلاة الظهر؟! والعصر بعضهم يرجع بعد الدراسة، أو العمل فينام نوماً طويلاً لا يوقظه أهله إلا للإفطار، فأين صلاة العصر؟ أين الصلاة التي لو تركها حبط عمله؟ ثم إذا ضيعنا مثل هذه الصلاة العظيمة بعد ذلك نقول: لماذا أبطأت الإجابة، وإذا أكلنا شيئاً فيه حرام، وتركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد جاء في الحديث: والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم[ رواه الترمذي (2169) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7070) ]، فهلا فكرنا يا عباد الله! في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن التقصير فيها من أسباب رد الدعاء، ترى الحرام الكبير المنكر، ثم لا تغير شيئاً ولا تنصح، ولا تنهى، لماذا؟ إن العاقبة خطيرة، والذي نفسي بيده ، قسم من النبي ﷺ،  لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه، أي: وأنتم في العقوبة، وفي الشدة  فلا يستجاب لكم[ رواه الترمذي (2169) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7070) ]، فهذه فريضة مهمة، وهي مهمة الجميع، وليست لطائفة معينة.

كيف ماتت قلوبنا؟

00:10:39

عباد الله: لابد أن نحيي قلوبنا، ونستدرك النقص، وننظر في العيوب، سئل بعض أهل طب القلوب لماذا ندعو فلا يستجاب لنا؟

فقال: ماتت القلوب، قالوا: وما أماتها؟ قال: عشرة أشياء:

أولاً: عرفتم الله ولم تؤدوا حقه.

ثانياً: قرأتم كتاب الله ولم تعملوا به.

ثالثاً: ادعيتم حب الرسول ﷺ وتركتم سنته.

رابعاً: ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه.

خامساً: قلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها.

سادساً: قلتم نخاف النار ورهنتم أنفسكم بها.

سابعاً: قلتم إن الموت حق ولم تستعدوا له.

ثامناً: اشتغلتم بعيوب إخوانكم وتركتم عيوبكم.

تاسعاً: أكلتم نعمة ربكم ولم تؤدوا حقها.

عاشراً: دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم.

ما أحوجنا إلى إحياء قلوبنا، ادع لأخيك بظهر الغيب، وادع وأنت صائم، وعند فطرك دعوة مستجابة، ادع وأنت في الشدة دعوة ذي النون، لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَسورة الأنبياء:87، وعندما تكون في حال العمرة، وكثير من الناس، والحمد لله يغشون بيت الله، وهم على مقربة منه هنا، والمعتمر من وفد الله قال ﷺ: وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم[ رواه ابن ماجه (2893). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3173) ].

البدع والمحدثات في الدعاء

00:12:08

وينبغي أن ننزه هذه الشعيرة العظيمة عن المبتدعات، والأشياء التي دخلت عليه؛ كالمبالغة في رفع الصوت به، وقد قال ﷺ: يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً إنه معكم إنه سميع قريب[ رواه البخاري (2992) ومسلم (2704) ]، وكذلك فإنه أمرنا أن ندعوه تضرعاً، وخفية، ونتجنب التكلف في السجع، والاعتداء في الدعاء؛ كسؤال ما لا يليق، وبعضهم يرسل رسائل جوال يقول: رزقك الله إيماناً كإيمان أبي بكر، وقولاً في الحق كقول عمر، وحياء كحياء عثمان، وصبراً كصبر أيوب، من الذي له هذه المقامات؟! وبعضهم يتنطع في الدعاء كما أنكر ذلك الرجل من الصحابة: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، وما أدراك أن هناك قصراً أبيض على اليمين، فاسأل الله الجنة؟!، وكذلك ربما يدعو بعضهم على نفسه، وعلى أولاده، وربما يدعو بشيء فيه تعجيل العقوبة له في الدنيا، وبعضهم يقول: جزاك الله خيراً إن شاء الله، الله يعطيك العافية إن شاء الله، أثابك الله إن شاء الله، الدعاء يحتاج إلى جزم، وليس هذا موضع المشيئة، لكن عندما تقول: سأفعل كذا وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ۝ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُسورة الكهف:24، وقول الصائم: وثبت الأجر إن شاء الله، هذا ليس دعاء، وإنما تفاؤل ورجاء، ولأن الواحد لا يجزم لنفسه بالأجر؛ لأنه لا يدري هل كتب له أم لا ولذلك يقول: وثبت الأجر، تفاؤل، ثم يعلق بالمشيئة فيقول:  إن شاء الله، أما الدعاء فإن الله لا مستكره له، وربما أتى بعضهم بأدعية عليها ملاحظات شرعية، ومخالفة لبعض ما في الكتاب والسنة، أو شقّق، وفصّل تفصيلاً غير مشروع، ولذلك فإن ولداً لسعد بن أبي وقاص كما جاء في الحديث الحسن عند أبي داود رحمه الله: أن سعداً سمع ابنه وهو يقول: اللهم إن أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها، وكذا وكذا، أي: وحورها، وشجرها، وثمارها، وأنهارها، وقصورها، وأعوذ بك من النار، وسلاسلها، وأغلالها، أي: وغسلينها، وزقومها، وحميمها، وغساقها، فقال: يا بني! إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: سيكون أقوام يعتدون في الدعاء فإياك أن تكون منهم، وإنك إن دخلت الجنة نلت ما فيها من الخير، وإن أعذت من النار نجوت مما فيها من الشر، وحسنه الحافظ ابن حجر رحمه الله.

وكذلك لا نبالغ في التلحين، والتطريب، لكن يكون الدعاء خاشعاً من قلب.

نسأل الله أن يتقبل دعاءنا، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يرزقنا التمسك بسنة عبده محمد ﷺ.

الخطبة الثانية

00:15:25

الحمد لله وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير، حامل لواء الحمد، إمام الأنبياء والمتقين، والشافع المشفع يوم الدين، وصاحب الحوض العظيم، صلى الله عليه، وعلى آله، وذريته الطيبين، وأزواجه، وخلفائه الميامين، وأصحابه في العلم راسخين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

العيش مع القرآن في رمضان

00:16:06

عباد الله: في رمضان نحتاج فيما نحتاجه أن نعيش مع القرآن، أن نتدبر القرآن، فالقرآن كان له أثر على شعر النبي ﷺ، شيبتني هود وأخواتها[ رواه الترمذي (3297) والطبراني في الكبير (5804). وصححه الألباني في صحيح الجامع (3720) ]، شاب مما فيها من الأهوال، من ذكر القيامة وما فيها، ومن التكاليف فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَسورة هود:112، هذا التدبر أن نعيش مع كتاب الله، هذا النظام، والقانون، والدستور، يقول الحسن البصري: تفقد قلبك في ثلاثة مواطن، فإن وجدته، وإلا فاعلم أن الباب مغلق، في الصلاة، وفي قراءة القرآن، وفي الذكر، إذا وجدت قلبك فاعلم أن قلبك حي، هل يوجد عندك خشوع في الصلاة؟ هل أنت حي القلب عند قراءة القرآن، أي تنفعل معه، فإذا مرت آيات فيها ذكر النار تخشى تخاف، وإذا مرت آيات فيها ذكر الجنة ترجو تسأل، وتتشوق نفسك وتتمنى هذا النعيم المذكور، ولما تمر آيات فيها ذكر عظمة الرب وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِسورة الأنعام:18، يحي ويميت، له اختلاف الليل والنهار،رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَاسورة الرعد:2، القائم على كل نفس بما كسبت، لا يعزب عن ربك من مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، عندما تتوالى عليك الآيات في عظمة ربك هل تشعر فعلاً أنك تُحبه وتخافه، وترجوه وتخشى عذابه؟ هل تعيش هذه اللحظات، مع ما أنزل الله من الأحكام، وتتملى في نفسك، وتتأمل ملياً هل أنت نفذت كلامه؟ هل أطعت أمره؟ هل اجتنبت نهيه؟ هل اطمئن قلبك،أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبسورة الرعد:28، أم كأنك قبل الذكر وبعده سواء، هل أنت عندما تسمع كلامه تتلذذ، فأصحاب الغناء يتلذذون بالأغاني، ويمضون الساعات، وإذا مارسوا الرياضة وضعوا هذا الموصل للصوت؛ لأنهم لا يستغنون عن سماع الأغاني، فهل أنت لا تستغني عن سماع القرآن، هل أنت تتشوق إليه، هل أنت تنفعل معه، تحل حلاله، تحرم حرامه، هل أنت عندما يبتعد بك الوقت عنه تحس بوحشة وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًاسورة الفرقان:30، هجر التدبر، وهجر التلاوة، وهجر الرُقية به؛ لأنه منه شفاء، هل ترقي نفسك بالقرآن، هل تقرأ على نفسك كتاب الله، وعلى ولدك، وإذا مرضت الزوجة، هل إذا رأيت التذكير باليوم الآخر تخشى إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًاسورة النبأ:40، يقف واحد من السلف مع قوله تعالى: لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْسورة الأحزاب:8، فيقول: إذا كان يسأل الصادقين فماذا سيكون حالنا؟ القرآن ليس كتاب تجديد أحزان، وتقليب مواجع، القرآن شفاء، قال تعالى:طهسورة طه:1، وهي أحرف مقطعة مثل ق، ألم،مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىسورة طه:2، ما نزل القرآن ليشقي الناس، لكن نزل القرآن ليزيل ما نزل بهم من الهم والغم، ولذلك في فرق بين أن تخشى الله، وتخشى اليوم الآخر، وبين أن تعيش شقاء نفسياً هنالك فارق كبير.

كيف نتدبر القرآن

00:20:00

ولما كان هذا القرآن ليصلح نفوس العباد وأحوالهم، فكيف نتدبره؟

أولاً: كيف تتدبر شيئاً لا تعرف معناه، فإذا لم يوجد معك تفسير ولو مختصر، فكيف ستعرف معنى الرسالة، أليست الرسالة إليك من ملك الملوك فما معناها؟! ثم عندما تعرف المعاني يسهل عليك أن تعيش هذه المعاني، سُمع نشيج عمر وهو يقرأ من آخر الصفوفإِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِسورة يوسف:86، عمر ليس هو المصاب، وإنما يعقوب هو المصاب، فعمر لم يفقد ولديه، لكن يعقوب فقد الولدين، لكن عيش المؤمن مع مشاعر وأحاسيس يعقوب يجعله يبكي عندما يسمع قول يعقوب: إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ سورة يوسف:86، وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ سورة يوسف:84، لم يشتك إلى من حوله، شكا إلى ربه.

- ترسل عند القراءة، فلا تقرأ بسرعة؛ كأنك تقرأ جريدة، وتستعرض، والقراءة السريعة لها أحوال أخرى، لكن القرآن يحتاج إلى ترسل،وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍسورة الإسراء:106، فأنت تترسل وتقرأ مهلاً.

-  أن تكون على أكمل حال من الوضوء، والطهارة، واستقبال القبلة، والجلوس، وترتله ترتيلاً.

كيف نستغل العشر الأواخر؟

00:21:37

عباد الله: قدمت العشر، واقترب دخول تلك المواسم العظيمة للخير، وهنالك عبادات؛ طول القيام والتهجد، ولا نستثقل ذلك، وإن أحسسنا بتعب في أقدامنا، لكن النفس إذا كانت متطلعة تعبت في مرادها الأجساد، فالروح فوق والجسد تحت، وهذا التهجد الذي نعد له العدة، هو من أفضل الصلاة بعد الفريضة، وفي هذا الإقبال العظيم على الله، ومواطأة القلب لما يقرأ اللسان، والتلاوة، والعبادة في ثلث الليل الأخير، وكذلك الاعتكاف فهو أعظم مدرسة للإقبال على الله، تنقطع فيها عن الأعمال، فلا يدخل الانشغال بالجوال، والجهاز المحمول إلى المسجد، وندخل ما هو خارج المسجد إلى داخل المسجد في الاعتكاف كلا، وإنما هو انقطاع عن الدنيا لطاعة الله تعالى، ليس ندير أعمالنا من داخل المسجد بالأجهزة، لا، وإنما انقطاع إلا لما لابد منه من شؤون أهل لا يمكن أن تضيعهم، وأشياء لا يمكن أن تتُرك تلزمك شرعاً، وإذا تعارض الاعتكاف معها تُقدم، لكن لابد أنك ستجد شيئاً من الوقت لهذا.

وإذا قال المسلم العمل ذو النفع المتعدي أحسن، أو الاعتكاف ذو النفع اللازم؟

فالأصل: أن النفع المتعدي العمل فيه أعظم، لكن الاعتكاف قدمه العلماء على الأعمال الأخرى مثل تعليم العلم في العشر الأواخر لعظم أجره، وفضله، وهو يعودك على العيش، فتنام كيف ما تيسر، وتأكل ما تيسر، وبلا زوجة، وبعيد عن الشهوة حتى المباحة، وتربي نفسك على الإخلاص في هذه المدرسة، وتتفكر في الكتاب، وفي عيوب نفسك، وأقوالك أفعالك محسوبة عندك، ومتباعد عن فضول الكلام، وفضول الطعام، تقرباً إلى الملك العلام .

عزة المسلم بهذا الدين

00:23:46

عباد الله: إن غشياننا للمساجد، وهذه الوفود والجموع إلى بيت الله، ورؤية الحرم بهذا الاكتظاظ والزحام؛ يدخل العزة في نفس المسلم.

إن غشياننا للمساجد، وهذه الوفود والجموع إلى بيت الله، ورؤية الحرم بهذا الاكتظاظ والزحام؛ يدخل العزة في نفس المسلم، وأن هذا الدين عظيم، وهذا الدين متين، وهذا الدين راسخ في الأرض، وهذا الدين لا يمكن محوه مهما تآمروا عليه، كم تآمروا عليه أرضاً، وفضاء، ومالاً، وجهداً، لكن ما مُسح من الأرض، وهو باق، ولا زالت وفود المسلمين الجدد تأتي، ووفود التائبين إلى الله تعود وترجع، وهكذا، ولذلك مهما سمعت عن مؤامرات ضد الإسلام، فاعلم أنها في النهاية مهزومة، وإنهم الآن يتسلطون على الدين بالكلام، ويهاجمونه ويقول بعضهم: لابد من حظر المصحف؛ لأنه كتاب يعلم العنف، وشكَّل أعداء الإسلام جمعيات اصطادوا فيها بعض المرتدين عندهم؛ لأن بعض الذين ذهبوا إلى الخارج انسلخوا من الإسلام،"جمعية المسلمين السابقين"، أي: كان مسلماً ثم ارتد، فجمعوهم للتهويش، والتشويه، والحملة ضد الإسلام وأهله، لكن الإسلام باق، ويمتد حتى في بلدانهم، حتى بلدان الذين سبوا رسول الله ﷺ، وسخروا منه، ازداد فيها الإقبال على الإسلام.

أيها الإخوة: جاء إلى الحرم رجل من المسلمين من بريطانيا، فقال خبير مالي: أنت فعلاً تعتز بأصحاب الخبرات الإسلامية الذين يثبتون لغير المسلمين صحة ما في الإسلام، فضلاً عن إثباته لأبناء جنسهم، يقول: أنه استفتى أحد العلماء في فتح فرع للمعاملات الإسلامية النقية في بنك ربوي في الخارج، فقال: ما دمت ستقيم حكم الله افتح، قال: فتشاركنا مع اثنين في إدارة الفرع الناشئ الذي ما لبث أن تطورت معاملاته سريعاً لتقفز إلى نحو ستمائة وخمسين مليون دولار في مدة وجيزة جداً، حتى دُهش القائمون على ذلك المصرف في الخارج من هذه السرعة في النماء، وخشوا على الأصل، فقالوا: نريد أن نفرد الفرع الإسلامي هذا بإدارة مستقلة، قال: لا، فأصروا فأصر فتركهم، يقول: ومعه ابنته ذات خمسة عشر عاماً في الحرم، يقول: أنا بنتي كانت الخامسة على بريطانيا، ولما أدخلوها مع العشر الأوائل على ملكة بريطانيا كانت بنتي بالحجاب التام. إنك لتشعر يا مسلم، يا عبد الله بالعزة الإسلامية عندما يوجد في المسلمين أصحاب خبرة تقنية دراسة، وقدرة على تحويل الكلام النظري إلى شيء عملي، وينتقل ذلك الرجل إلى مصرف إسلامي مستقل ليبدأ حياة بالنشاط مفعمة، وقد أثبت للقوم نجاح الاقتصاد الإسلامي المبني على انعدام الربا بالكامل، وتقدم ابنته في هذه السن من المراهقة المبكرة مظهر الفتاة المسلمة التي تعتز بحجابها أمام عظماء تلك الديار.

عباد الله: إنه فخر لنا جميعاً، أن نفخر برمضان، وبالحرم، وبهؤلاء الوفود، وبإقبال الناس على الله، وأن نعلم أن الدين منصور، وراجع، وقادم بإذن الله تعالى للهيمنة على العالم، إنه نهج الله، إنه الكتاب والسنة، إنه حُكم الله، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَسورة المائدة:50.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم تقبل عملنا، اللهم إنا نسألك أن تدلنا على الخير، وتأخذ بأيدينا، ونواصينا للبر والتقوى، وأن ترزقنا من العمل ما ترضى، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تغفر لنا ذنوبنا أجمعين، اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها، سرها وعلانيتها، كبيرها وصغيرها، لا تغادر لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، اللهم أنت تستر العيوب وتغفر الذنوب، اللهم إنا نسألك مغفرة تخرجنا بها من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، اللهم لا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي متقبل مشكور، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد ﷺ وعبادك الصالحون، ونستعيذ بك ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ونبيك محمد ﷺوعبادك الصالحون، اللهم إنا نسألك قلباً صادقا، ولساناً ذاكرا، اللهم عافنا في أجسادنا، اللهم اقض عنا ديوننا، اللهم وسع علينا في أرزاقنا، اللهم إنا نسألك أن تعز الإسلام وأهله يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، اللهم إنا نسألك الأمن في البلد، والعافية في الجسد، وصلاح الذرية والولد يا رب العالمين، من أراد بلدنا هذا بسوء فأشغله بنفسه، من أراد أمننا وأمن المسلمين بشر فاجعل كيده في نحره، اجعل هذه البلاد عزيزة بشرعك، آمنة مطمئنة بذكرك يا رب العالمين، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأرشد الأئمة، وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه الترمذي (3556) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1757)
2 - رواه الترمذي (3573) وأحمد (10749). وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (550)
3 - رواه الترمذي (3373). وصححه الألباني في صحيح الجامع (2418)
4 - رواه الترمذي (2169) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7070)
5 - رواه الترمذي (2169) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7070)
6 - رواه ابن ماجه (2893). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3173)
7 - رواه البخاري (2992) ومسلم (2704)
8 - رواه الترمذي (3297) والطبراني في الكبير (5804). وصححه الألباني في صحيح الجامع (3720)