الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إقامة الحجج والبراهين على وحدانية الله وربوبيته
عباد الله: إن ربنا عظيم، خلق الخلق لعبادته، فمنهم كافر ومنهم مؤمن، وبين لهم طريق الخير وطريق الشر: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [سورة البلد:10]، وأقام في كتابه البراهين والدلائل على ربوبيته ووحدانيته، وفي الكتاب العزيز آيات باهرة تثبت المؤمنين، وتزيد إيمانهم، وترد على الملاحدة وتفحمهم، تناقش هذه القضايا الأساسية، وفيها الشفاء لما في الصدور، والهدى والرحمة.
إجابة الإسلام عن جميع الأسئلة المتعلقة بالوجود
هذا الدين يجيبنا على جميع الأسئلة الأساسية في هذا الوجود، ابتداءً من مبدأ هذا الأمر، لما جاء أهل اليمن إلى النبي ﷺ يقولون: أخبرنا عن بدء الأمر؟ كيف وجد هذا الكون؟ ما هي البداية لهذه المخلوقات ولأنفسنا وما نراه؟ فقال لهم النبي ﷺ: كان الله ولم يكن شيء غيره[1].
إنها اللبنة الأساسية والقاعدة العظيمة، والجواب الشافي في مسائل الإيمان: كان الله ولم يكن شيء غيره، هو الأول فليس قبله شيء: أنت الأول فليس قبلك شيء رواه مسلم في صحيحه: 2713].
هُوَ الْأَوَّلُ [سورة الحديد:3] لا شيء قبله كان الله ولم يكن شيء غيره، ثم خلق الكرسي، وخلق اللوح، وخلق القلم، وخلق السموات والأرض، وخلق الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لنا.
إجابة القرآن على الأسئلة المتعلقة بالخلق وإفحام الملاحدة
والتفصيلات في الخلق دقيقة جداً في القرآن تجيب على جميع الأسئلة التي يطرحها ملاحدة اليوم وغيرهم.
وقضية الخلق هذه القضية الأساسية التي فيها التثبيت للمؤمنين: أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ [سورة النحل:17]، وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء [سورة النور:45]، خلقكم وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [سورة غافر:64].
قال الله ردًا على الملاحدة الذين ينكرون وجوده: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ من العدم: أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [سورة الطور:3] لأنفسهم: أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [سورة الطور:36]؟
فليس إلا ثمة ثلاثة احتمالات:
الأول: أن يوجد الخلق أنفسهم بأنفسهم.
والثاني: أن يوجدوا من العدم هكذا..
والثالث: أن يكون لهم موجد، ولا يمكن الأول ولا الثاني، فلا بدّ من المصير إلى موجد، خلق هذا الكون، وخلق السموات والأرض، ولا يمكن أن يأتي كل هذا من العدم، ولا يمكن أن يأتي بانفجار في العدم كما يقولون، فما الذي ينفجر؟ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ [سورة الطور:35].
وكذلك: هل يوجد هذا الانفجار العظيم كما يقولون كونًا مرتبًا بهذه الطريقة؟ وهل يمكن أن يوجد انفجار في مطبعة قصيدة؟ لا يمكن، بهذا الترتيب؟ بهذا التنسيق بهذا النظام وهذه الأفلاك، وكل شيء موزون، في العالم كل شيء موزون، في علوه وسفليه، في أرضه وسماواته، وأفلاكه وكواكبه، وحركاتها ودورانها.
وحتى هذه الأرض وما فيها لما أرادوا إفناء فصيل من الطيور؛ لأنه يأكل من الزرع نتج لهم من الديدان والجراد أشياء عظيمة أكلت أضعاف أضعاف، لاختلال الدورة الطبيعية؛ لأن الله خلق في الأرض وفي السماء، الخلق موزونًا.
التفكر في إبداع الله لخلق الإنسان
وإذا تأمل الإنسان في نفسه: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [سورة الذاريات:21] من نطفة جعلها الله: فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [سورة المؤمنون:13، 14].
ثلاثمائة وستين مفصل من العظام المستدقة والطويلة والقصيرة، والمستقيمة والمنحنية، مفاصل وأوتار وأعصاب: نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ [سورة الإنسان:28] النظام العصبي إبداع في خلق الإنسان، عندك تسعة أبواب في جسدك: بابان للسمع، وبابان للبصر، وبابان للشم، وباب للطعام والكلام، وبابان للإخراج.
إبداع في خلق الإنسان: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [سورة غافر:57]، هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ [سورة لقمان:11].
تقريع القرآن للمشركين وتحديه لهم
الله في تقريعه للمشركين يقول لهم في أوثانهم: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [سورة الحـج:73]، مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [سورة الحـج:74].
هذا الخلق الإيجاد الله يحاج به الكفرة؛ كما جاء في الحديث القدسي: فليخلقوا حبة، وليخلقوا ذرة[2].
أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ [سورة النمل:61]؟ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [سورة غافر:64]، أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ [سورة النمل:62]، مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [سورة الأنعام:63].
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [سورة الروم:22]، وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ [سورة الروم:23]، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً [سورة الروم:21].
أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا [سورة الرعد:17]، يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ [سورة النحل:11]، طعام لكم ولأنعامكم من الذي يفعل ذلك؟
يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [سورة النمل:63].
أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [سورة النمل:62]، الله الذي يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [سورة النمل:62].
والنبي ﷺ لما ناقش حصين والد عمران بن حصين قال: يا حصين كم إلهًا تعبد؟ قال: سبعة، ما هي؟ ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: فأيهم الذي تعده لرغبتك ورهبتك؟ وعندما تكون في الخطر المحدق؟ وتلاعبت الأمواج، وعصفت الرياح، وأنت في البحر، وتوشك على الغرق، تدعو مَن مِن السبعة؟ قال: الذي في السماء[3]، انتهينا.
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ [سورة الأنعام:41] يكشفه إن شاء سبحانه.
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [سورة العنكبوت:65].
ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ [سورة الإسراء:67].
وكذلك هذه الآيات: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا [سورة الفرقان:45، 46].
إجابة القرآن على أسئلة الملاحدة
هذا الكتاب -يا إخواني- فيه الإجابة على جميع الأسئلة التي تطرح اليوم في كل حلقات النقاش على مستوى العالم في قضية الخلق والإيجاد، ومن أين جئنا، كل الأسئلة، وتجيب على كل الادعاءات، الملاحدة الذين يقولون: لا خالق، تلقمهم أحجارًا، والذين يقولون: يوجد أكثر من إله كذلك يقول الله: لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً [سورة الإسراء:42]؛ لأنه لو كان يوجد أكثر من إله، والمسألة في القرآن موجودة واضحة، والجواب عليها: إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [سورة المؤمنون:91].
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [سورة الأنبياء:22] صار هناك صراع بين الآلهة ومراداتها: إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ [سورة المؤمنون:91] كل واحد أخذ قسمه وخلقه وذهب، أو صار صراع وفسدت السماوات والأرض، و لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً [سورة الإسراء:42] عما يقولون علوًا كبيرا.
إفحام القرآن للطاعنين في القرآن
هذا القرآن في آياته مبهر، يفحم كل من يريد الطعن والتشكيك في قضايا الإيمان بالله، بالرسول ﷺ، بالقرآن نفسه، وعندما تقدم الإجابات القوية الواضحة الشافية التي لا تعجز أي مؤمن يجيب عن أي سؤال يطرح عليه في أي مكان من العالم.
وعندما يُشكك أو يطعن في القرآن، كلام الله ، قديمًا طعن الكفار في ذلك، قالوا: محمد ﷺ أتى به من عنده: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [سورة الفرقان:5] ماذا قال الله؟ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [سورة العنكبوت:48] ما كنت تقرأ ولا كنت تكتب، لم يجعله الله أميًا تخلفًا، وإنما لحكمة عظيمة هي هذه: وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [سورة العنكبوت:48] ففشل هذا الادعاء أنه قرأ واطلع وأخذ وجمّع.
قال الكفار عرفنا من أين أتينا به هناك نجار رومي من الروم بمكة رأيناه يختلف إليه أخذ منه قال الله في القرآن: لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ [سورة النحل:103]، فكيف يأتي اللسان العربي المبين حكمًا عربيًا أنزله الله من نجار رومي أعجمي؟
وتحدى فصحاءهم وبلغاءهم أن يأتوا بمثله ما استطاعوا، بعشر سور مثله مفتريات ما استطاعوا، بسورة مثله ما استطاعوا، فبقي القرآن معجزًا قائمًا، التحدي قائم إلى قيام الساعة، هاتوا مثله.
ويقرأه المؤمنون فيشفي صدورهم نورًا وهدى وشفاء ورحمة.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، اللهم اجعلنا بك مؤمنين، وعليك متوكلين، وزدنا إيمانًا وعلمًا وفقهًا يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو العلي الحكيم خلق فسوى وقدر فهدى، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى الله بإذنه وصراط مستقيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطيبين وخلفائه وأصحابه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اجعلنا من أهل شفاعته، أوردنا حوضه، واجمعنا به في جنات النعيم.
زيادة الإيمان بالقرآن
عباد الله: القرآن ملجأنا إذا قامت الوسواس، قامت الشكوك، أجلبوا علينا بخيلهم ورجلهم، وشبهاتهم، ترجع إلى القرآن يزيدك إيمانًا: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ [سورة الأنعام:59]، وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء [سورة يونس:61] سبحانه.
وخلقه دالة عليه، سئل الشافعي -رحمه الله-: كيف عرفت الله؟ قال: هذا ورق التوت يأكله الدود، دود القز، فيكون منه الحرير، ويأكل منه النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الماشية فيكون منه اللبن، ويأكل منه الغزال فيخرج صرة المسك، وهو شيء واحد، يخرج مِن بُطُونِهَا مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ [سورة النحل:66].
رد القرآن على الطاعنين في النبي ﷺ
لو ادعى بعض الناس طعنًا في القرآن أو في النبي ﷺ أنه أتى به من عنده، وهذه إحدى المطاعن، هل يمكن أن يأتي بشيء من عنده فيه كلام؟ فيه معاتبة له؟ عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَى [سورة عبس:1، 2].
وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا [سورة الإسراء:74، 75]، وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [سورة الأحزاب:37].
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [سورة الحاقة:44- 46].
هل يأتي بشيء فيه عتاب له؟ هل الإنسان بكلام فيه انتقاد له؟
رد القرآن على المشككين في البعث والإحياء والإعادة بعد الموت
من المعارك الكبرى التي دارت في أيام البعثة النبوية معركة البعث والإحياء والإيجاد والإعادة، كذب بها الكفار، فقالوا: مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [سورة يــس:78، 79] الإعادة أسهل من الإيجاد الأول، كما ينزل الماء وينبت الأرض الميتة: وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا [سورة يــس:33]، كذلك يخرج الله هؤلاء من قبورهم: كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى [سورة البقرة:73].
في سورة الإسراء الآيات العظيمة: وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا بلينا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا [سورة الإسراء:49]، خلاص صرنا رفاتا، شف الرد: قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا [سورة الإسراء:50]، أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ كُونُوا من نوع لا يصدأ ولا يهترئ كُونُوا حِجَارَةً لو كانت أجسادكم من حجارة أو فولاذ أو تيتانيوم، أو أصلب معدن في العالم ستموتون وتبعثون: فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ يعني ينتقلون في السؤال صاغرين: مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا [سورة الإسراء:51]، يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا [سورة الإسراء:52].
رد القرآن على ادعاءات اليهود والنصارى
القرآن مبهر، هذا كلام الله في الردود على كل الادعاءات، لما قالوا: إبراهيم يهودي، وقالت النصارى: إبراهيم نصراني، ماذا قال الله؟ يا أهل الكتاب يناقشهم في مجادلتهم في إبراهيم: كيف تقولون يا أيها اليهود يهودي، وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ [سورة آل عمران:65]؟
موسى وكتاب التوراة بعد إبراهيم، عيسى وكتاب الإنجيل بعد إبراهيم:
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا [سورة آل عمران:67]، إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ [سورة آل عمران:68]، أولى الناس بإبراهيم هؤلاء النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْإذًا حتى هذا الاحتجاج بالتاريخ وبالتسلسل التاريخي المفحم.
أيها الإخوة: هذا الكلام اليوم في غمرة ثوران الشبهات والإلحاديات والتشكيكات والوسواس، والله إنه أمامنا طريق واضح المحجة البيضاء، إن تمسكتم به لن تضلوا.
اللهم اغفر لنا، وتب علينا، أصلح شأننا، اقض ديوننا، اشف مرضانا، وارحم موتانا، اهد ضالنا، واجمع على الحق كلمتنا. اللهم إنا نسألك أن تخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، أدخلنا الجنة مع الأبرار، وقنا عذاب النار، أحسن عاقبنا في الأمور كلها، وقنا خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم إنا نسألك يا الله يا رب العالمين يا رحمن يا رحيم أن تغيث المستضعفين من المسلمين، وأن ترفع البلوى، وأن ترفع البأس، وتكشف الغمة عن هذه الأمة يا رحمن يا رحيم.
اللهم اجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم من أراد بلدنا هذا بسوء فابطش به، واجعل كيده في نحره، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.
اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تكتبنا من السعداء في الدنيا والآخرة، واكتب لنا النجاح والفلاح والتوفيق، والصلاح والعفو والعافية، يا كريم.