الثلاثاء 10 رمضان 1445 هـ :: 19 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

مظاهر التوحيد في الحج


عناصر المادة
الخطبة الأولى
فضل أيام العشر والعبادة فيها
التكبير في أيام عشر ذي الحجة
أحكام الذبائح
فضل صيام يوم عرفة
الخطبة الثانية
فضل الأضحية ووقتها
الأعمال التي تشرع يوم العيد وأيام التشريق

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فضل أيام العشر والعبادة فيها

00:00:56

عباد الله:

لقد خلقنا ربنا لعبادته، وبين لنا الغاية من خلقنا، فقال لنا خالقنا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [سورة الذاريات:65]. ومن هنا ندرك في كل حركة، وسكنة، أنه ينبغي أن نعبد الله ، وأن تكون عبادتنا له خالصة، ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [سورة النحل:123]، نتذكر دائماً أمرين: العبادة لله والإخلاص فيها، قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ [سورة الزمر:11]، فالذي لا يعبد الله شقيّ، والذي يعبد ويشرك في العبادة شقيّ آخر، إنه مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [سورة المائدة:72].

وفي عشر ذي الحجة الذي نعيشه ونحن في أواخره، تتجلى لنا هذه العبادة العظيمة في هذه الأنواع من التعبدات لله ، يتجلى لنا فيها التوحيد، ومنها هذا التهليل، والتحميد، والتكبير، الذي قال عنه النبي ﷺ: ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام، فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير، والتحميد[1]، فالتهليل: لا إله إلا الله بها يدخل الكافر الإسلام، مفتاح الجنة، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ [سورة محمد:19]، اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [سورة آل عمران:2]، شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ [سورة آل عمران:18]، وهي أعظم ذكر يقوله الحاج في عرفة مع التلبية التي هي توحيد أيضاً خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير[2]، وهذا الحديث عام لأهل عرفة من الحجاج ولغيرهم من إخوانهم في البلدان، فإنهم يهللون كثيراً في هذا اليوم، يطلبون من الله ويخلطون الطلب بهذا التهليل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير[3] هذا ما ينبغي أن نفعله غداً في عرفة من الإكثار من هذا الذكر مع دعاء الله تعالى، والتحميد توحيد أيضاً، الحمد لله اعتراف بالفضل والإنعام له ، وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهَُ [سورة الأعراف:43]،  فهو دعوة أهل الجنة، وهو الذي أثنى فيه المؤمنون على ربهم لما نجاهم، فقال ربنا لنوح ومن معه: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [سورة المؤمنون:28]، وهو تحية أهل الجنة، دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة يونس:10]، وكذلك إذا دخلوها يقولون: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء [سورة الزمر:74].

التكبير في أيام عشر ذي الحجة

00:05:20

أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله، وهذا التكبير الذي نملأ به عشرنا من التوحيد أيضاً، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيراً.

وربنا قد ذكر لنا أنه يشرف الذاكرين ويرفع مقدارهم عنده، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [سورة البقرة:152]، ومن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم[4]، ما عمل أدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله[5]، وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ [سورة الأحزاب:35].

هذا التكبير في عشرنا له شأن عظيم، فهو تكبير مطلق طيلة هذه العشر في كل مكان، في المحلات، والأسواق، في المكاتب، في الشركات، والمؤسسات، في الشوراع، والطرقات، في المعاهد، والكليات، وكذلك في المساجد، والبيوت، هذا التكبير المطلق يمتد إلى آخر أيام التشريق، والإكثار من التكبير شعار الأيام المعلومات والمعدودات، المعلومات عشر ذي الحجة الأوائل، والمعدودات أيام التشريق بعدهن، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ [سورة الحـج:27]، وكذلك أمر ربنا في الأيام المعدودات.

وأما التكبير المقيد الذي يبدأ للحاج من ظهر يوم النحر إلى آخر أيام التشريق صلاة العصر ليوم الثالث عشر من ذي الحجة، كانت منى ترتج تكبيراً، ولأهل البلدان يبدأ التكبير المقيد من بعد صلاة الفجر من يوم غد عرفة، ويمتد إلى عصر يوم الثالث عشر من ذي الحجة، فهي آخر صلاة يكبر بعدها المسلمون التكبير المقيد، بعد قولهم: أستغفر الله، اللهم أنت السلام... يشرعون بالتكبير مباشرة، فيشترك أهل البلدان مع الحجاج في التكبير المقيد من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة العصر يوم الثالث عشر.

ويزيد أهل البلدان من فجر يوم عرفة إلى الفجر الآخر في يوم العاشر تكبيراً مقيداً، كل ذلك توحيداً لله، وتعظيماً له، وهذه التلبية التي يقولها الحجاج أيضاً توحيداً لله، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك[6]، رداً على تلبية المشركين: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، وهذا تناقض فاضح صارخ يدل على أنه لا عقل للقوم، ومن خلال التلبية يعلن المسلمون الطاعة المطلقة لله، وأصله من الفعل (لبى)، وعلى الأصل أن تكون (لبك) هي من المؤمن لربه، ولكنها جاءت بلفظ التثنية، (لبيك) وسعديك، فلماذا صارت التثنية هنا؟ التثنية تكرير بلا حصر، أي: لبيك إجابة بعد إجابة، وطاعة بعد طاعة، وعزماً على عبادتك بعد عزم، لبيك، كقوله: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ [سورة الملك:4]، المقصود: التكرار بلا حصر، فاختصروا بالتثنية تعداد ذكر الاسم تعداداً مشيراً إلى التكثير، والمقصود: لبيك مراراً وتكراراً، فهذه التلبية تدل على التوحيد والإخلاص، ليستشعر العبد معناها، ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه، أو عن شماله من حجر، أو شجر، أو مدر، حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا[7]، وكذلك فإننا نجد في الأذكار في الأسفار توحيداً عظيماً، وأيضاً ما يفعله الحجاج عند الطواف والسعي وعرفة والرمي والنحر.

أحكام الذبائح

00:11:01

وكذلك ما يذبح لله من الهدايا والضحايا، ارتباط الذبح بالتوحيد ارتباط عظيم، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [سورة الكوثر:2]، أي: وانحر لربك أيضاً.

لقد كانت عبادة الذبح وتقديم القرابين في الجاهلية للأصنام موجودة في الديانات الأخرى شركاً مع الله، وكان للمشركين نصب، كما قال ربنا في بيان المحرمات من الذبائح:وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [سورة المائدة:3].

والنصب حجارة منصوبة كانوا يعبدونها من دون الله ويذبحون عندها، وهكذا الهندوس الذين يقولون بتعدد الآلهة، ويعبدون الطبيعة، آلهة الطبيعة كالماء، والهواء، والأنهار، والجبال، يتقربون لآلهتهم بالعبادة، والقرابين، وكذلك الكنفشيون في الصين دياناتهم فيها عبادة إله السماء، وعبادة أرواح الآباء، والأجداد، ويقدمون لها الذبائح والقرابين، وكانت العرب في الجاهلية إذا ذبحت، أو نحرت للصنم صاحوا باسم الصنم عند الذبح فقالوا: باسم اللات، باسم العزى، ونحو ذلك، فكان نداء المعبودات عند الذبح عادة عند اليونان كما ذكر هميروس في إلياذتهم.

كان لقريش أصنام كإساف، ونائلة، واحد ملتصق بالكعبة، والآخر في موضع زمزم، ينحرون ويذبحون عندها، والله تعالى قال لنا في المحرمات: وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ [سورة المائدة:3]، وقال ربنا: فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [سورة الأحقاف:28]، وكذلك قال عن كفرة أهل الكتاب: الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [سورة آل عمران:183].

القربان كان في شرائع من قبلنا لله وهو في شريعتنا كذلك، القربان معروف من شريعة آدم ، وفي قصة ابنيه : إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ [سورة المائدة:27]، إذن الذبح لله كان في كل شريعة سماوية أنزلها الله، كان عبادة معروفة، عبادة قديمة جداً في البشر، معنى ذلك أن لهذا أي: الذبح لله مكانة خاصة عند الله، فما من شريعة أنزلها ربنا، ولا رسول بعثه إلا وفي دين ذلك الرسول ذبح لله، والله قد أخبرنا بهذا، أنه ما أرسل رسولاً، ولا أنزل شرعاً لأمة إلا جعل لهم منسكاً هم ناسكوه ليذكروه اسم الله عليه، ولذلك ينبغي أن يكون للأضحية والهدي، وهذه القرابين الشرعية لله التي يتقرب بها وقع خاص في نفوسنا، وعناية خاصة؛ لأنها توحيد من نوع خاص، فيه إنهار الدم على اسم الله، لماذا ؟ ليس المقصود الدماء، لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ [سورة الحـج:37]، وهو الذي أخبرنا في كتابه أنه شرع لنا النسك لنذكر الله ونكبره على ما أنعم علينا به من بهيمة الأنعام، فهو شكر نعمة، الذبح على اسم الله شكر نعمة، هذه الأضحية التي تذبحها أنت يا عبد الله شكر نعمة، بهيمة الأنعام طعام البشر، طعام عظيم كم من الإبل والبقر والغنم في العالم؟ أكثر لحوم العالم التي يغتذي منها الناس من بهيمة الأنعام، ولا مقارنة بين نسبة هذه اللحوم إلى اللحوم الأخرى،كالأرانب والغزلان ونحوها من الحيوانات من بهيمة الأنعام، غير الطير الذي أنعم الله به، أما هذه الحيوانات فإن بهيمة الأنعام هذه الأنواع الثلاثة هو أكثر ما يتغذى عليه البشر من لحوم الحيوان توحيد لله، ولذلك كان المخالف ملعوناً، لعن الله من ذبح لغير الله[8].

ويقول أبو عثمان النهدي: " دخلت على ابن مسعود وهو في بيت مال الكوفة فسمعته يقول: " لا يبلغ بعبد كفراً ولا شركاً حتى يذبح لغير الله أو يصلي لغيره "، وقال ربنا: وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [سورة الأنعام:121]، فإذن هذا دين التوحيد فيه صلاة لله وذبح لله، كما قال ربنا: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي [سورة الأنعام:162]، يعني: ذبحي، نسك نسيكة ذبح ذبيحة، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الأنعام:162]، ومن هنا نعلم لماذا اهتم العلماء بأحكام الهدايا والضحايا اهتماماً عظيماً، فجعلوا لها أبواباً في كتب الفقه كبيرة، واهتموا بمسائلها وتفريعاتها وأحكامها بل أفردت لها المصنفات، في أحكام الذبح والذكاة، وأحكام الأضحية والهدي، وغيرها من القرابين كالعقيقة والنقيعة وكذلك ذبائح الفدية والكفارة ونحوها.

فضل صيام يوم عرفة

00:18:48

عباد الله:

إن صيام يوم عرفة توحيد لله أيضاً، فإن الصيام إمساك عن الطعام والشراب لله رب العالمين، وإن أجره عظيم أحتسب على الله أن يكفِّر السَّنة التي قبله والسنة التي بعده[9]، فيوم واحد صيامه يكفِّر سنتين، يوم واحد تمتنع عن الطعام والشراب في نصفه - الآن مع اعتدال الجو-  فيه توحيد لله رب العالمين يكفر الله لك به ذنوب سنة ماضية وسنة آتية، وكذلك فإن هذه الذنوب عند أكثر أهل العلم المقصود منها الصغائر التي يقع عليها التكفير، فينبغي للعبد أن يتذكر الكبائر بتوبة خاصة، وإذا كُفِّرت صغائره بأسباب أخرى يرجى تخفيف الكبائر، فإن لم يكن عليه كبائر رفع بها درجات كما قال أهل العلم، لكن من الذي منا يخلو من الصغائر بل الكبائر؟ ولذلك نحن بأمس الحاجة إلى المكفرات فإن ذنوبنا الكثيرة تحتاج إلى ما يمحوها، وإن سيئاتنا المتوالية تحتاج إلى ما يكفرها.

عباد الله:

هذا اليوم العظيم الذي يوافق في هذه السنة يوم السبت، لا يضر إفراده بالصوم، فإن النهي عن صيام يوم السبت لم يثبت، فقال بعض أهل العلم: شاذ منكر؛ لمخالفته للأحاديث الصحيحة الأخرى ؛ كسؤاله ﷺ لأم المؤمنين لما أرادت أن تصوم الجمعة: أصمت أمس؟، قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غدا قالت: لا، قال: فأفطري[10]، ومعلوم أن بعد الجمعة السبت، ومن صحح الحديث من العلماء قال: " بأن يوم السبت إذا وافق صوماً فاضلاً كعرفة وعاشوراء فلا يدخل في الحديث " يعني في النهي؛ لأن مقصود الصائم عرفة وليس السبت، ومنهم من قال: "إذا وافق عادة له أيضاً فلا يدخل في النهي، كمن يصوم يوماً ويفطر يوماً " ومعلوم أن هذا أفضل الصيام وهو صيام داود، فلو وافق فطره مثلاً يوم الأربعاء وصام الخميس وأفطر الجمعة فإنه سيصوم السبت ويفطر الأحد، وهكذا ترى أن صوم السبت داخل في صوم داود لمن وافق هذه العادة من صيامه يوم السبت فلا حرج فيه، ومنهم من قال: "لا يفرد، فيضاف إليه ما قبله أو ما بعده "، ومعلوم في عيد الأضحى عموماً أنه لا يمكن أن يصوم بعده إذا وافق عرفه يوم السبت؛ فإن الأحد عيد وصيام العيد حرام، وكذلك أيام التشريق لا يجوز صومها؛ لقوله ﷺ: أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله [11].

اللهم تقبل منا، وتب علينا، واغفر لنا ذنوبنا، وفقهنا في ديننا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، واجمع كلمتنا على الحق يا رب العالمين، وارزقنا التوحيد في المحيا والممات، يا أرحم الراحمين.

 أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:23:28

الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أشهد أنه رسول الله حقاً، والداعي إلى سبيله صدقاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعن أزواجه وذريته الطيبين وخلفائه الميامين، صلى الله وسلم وبارك عليهم إلى يوم الدين.

فضل الأضحية ووقتها

00:24:14

عباد الله:

هذه الأضحية العبادة العظيمة التي هي سنة الخليل، لما فدى الله ولده بذبح عظيم، وقال لنا ربنا: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ [سورة الممتحنة:4]، تقرب إلى الله ، واقتداء بنبينا محمد ﷺ الذي ضحى عشر سنوات في المدينة، إلا السنة العاشرة، فقد كان في مكة، هذه الأضحية التي هي سنة المسلمين كما قال نبينا ﷺ: من ضحى قبل الصلاة فقد ذبح لنفسه ليست أضحية ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين[12]، فقوله: سنة المسلمين، يدل على أهميتها، ومن ضحى في الوقت الشرعي فقد أصابها، ويجوز أن يذبح بعد صلاة العيد والأفضل بعد الخطبتين، فهكذا فعل النبي ﷺ، صلى ثم خطب ثم ذبح، هذه الشعيرة العظيمة، التي كان النبي ﷺ يعلنها عندما يخرج بأضحيته إلى المصلى ليذبحها هناك بعد الخطبتين إظهاراً لهذه الشعيرة أمام الناس، ولذلك فإن ذبح الأضحية أفضل بكثير من الصدقة بثمنها، إنهار الدم لله هنا أفضل بكثير من توزيع مال وقد ذكر الله هذه العبادة في قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [سورة الكوثر:2]،  أي: وانحر لربك، وربما قال: لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ [سورة الحـج:37].

فإذن الأضحية فيها تقوى، تقرب إلى الله، ومن استطاع أن يذبحها فليفعل، فإن فيها سروراً وتوسعة على الأهل، وشكراً لنعمة الله كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [سورة الحـج:36].  وتنفيذاً للعبادة العظيمة فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [سورة الكوثر:2]، وإذا ذبحها بيده فهو أفضل، وإذا لم يفعل حضر ذبحها، فإذا لم يفعل فلا بأس عليه، قال ربنا: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [سورة الحـج:34]، فذكر الله عليها عبادة عظيمة تزيد الإيمان، هذا المنظر المهيب ذكر اسم الله والتكبير عند الذبح، قال ربنا: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [سورة الحـج:36]، والأكل منها عبادة كما قال ربنا: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [سورة الحـج:36]، فالأكل منها بركة ليس كالأكل من أي ذبيحة أو أي طعام آخر.

ولما فقد أهل الأوطان الذهاب إلى الحرم، وذبح الهدي هناك، جعل لهم ربنا ما يقيموا به شعائره حتى في بلدانهم، وشرع لهم مشابهة الحجاج في شيء من أحكام إحرامهم، فقيل لهم: من أراد أن يضحي فلا يقلم من أظفاره، ولا يحلق شيئاً من شعره في عشر الأول من ذي الحجة[13]، حتى يضحي، فهذا مما كرّم الله به المضحين من مشابهة الحجاج في بعض أحكام إحرامهم، ذهبوا وقعدنا، ولذا فإن من تسلية القاعدين هذه الأضحية، وهذه الأحكام، الأضحية من أمارات التوحيد، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ [سورة الأنعام:162]، وأيضاً فإن هذه العبادة العظيمة التي تكفي فيها الذبيحة الواحدة عن الرجل وأهل بيته، هذه الأضحية العظيمة التي فيها التوسعة على أهل البيت، وصلة الرحم، والجيران، والأقارب، وكذلك الإخوان في الله، والأصدقاء بالإهداء منها، والفقراء بالصدقة عليهم، فإنهم قليلاً ما يأكلون اللحم؛ لأنهم لا يملكون ثمنه، فجعل الله لهم في هذا اليوم لحماً كثيراً يتصدق به عليهم، حتى لا ينسى الأغنياء الفقراء من الطعام الرفيع الذي لا يستطيعون تحصيله في كثير من أيام العام.

الأعمال التي تشرع يوم العيد وأيام التشريق

00:29:49

أيها المسلمون عباد الله:

وإن من شعائر ديننا، صلاة عيد الأضحى، وسوف تكون في هذا المسجد إن شاء الله صبيحة يوم العاشر عيد الأضحى، وعيد الفطر لا ثالث لهما رغم أنف من يريد التشبه بالكفار، فلا عيد لنا إلا في هذين اليومين، ولذلك نهينا عن صيامهما؛ لأن الصيام لا يتناسب مع معنى العيد فيما فيه من الطعام، والشراب، والتوسعة، وإظهار الفرح بما أنعم الله على الإنسان، وأيام التشريق تابعة ليوم العيد في هذه التوسعة، كما قال ﷺ: أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله [14]، والتوسعة وإظهار السرور يتناسب معهما المعنى الموجود في هذه الأضحية، ويوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق لا يصومه الحاج إلا أن يكون ليس عنده هدي، وهو متمتع، أو قارن فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج غير يوم العيد، وسبعة إذا رجع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "جمع الناس للطعام في العيدين وأيام التشريق سنة، وهو من شعائر الإسلام التي سنها رسول الله ﷺ"، وأيضاً فإن التجمل فيه سنة، كما أراد عمر أن يعطي الجبة للنبي ﷺ ليتجمل بها للعيد والوفود،

وتخصيص ليلة العيد بشيء من العبادات ليس من السنة بل هو بدعة، فالقيام فيها كالقيام في غيرها، وبعض الناس يسأل عن حكم التعريف، وهو الاجتماع في المساجد الكبار يوم عرفة دعاءاً جماعياً، فهذا ليس من السنة في شيء، وإنما التعريف هو اجتماع أهل عرفة بعرفة وهم الحجاج، وصلاة العيد سنة مؤكدة وقال بعض العلماء بوجوبها كأبي حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم من أهل العلم، قال الشوكاني رحمه الله: "ومن الأدلة على وجوبها وجوباً مؤكداً أنها مسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد، وما ليس بواجب لا يسقط ما كان واجباً ".

والنبي ﷺ قد أمر النساء بالخروج للعيد، وأمر من لم يكن عندها جلباب أن تلبسها أختها من جلبابها، تستعير، والأمر بالحضور حتى لو تستعير يدل على أهمية هذا الحضور، وعندما يؤكد عليه حتى للحيض من النساء فإن ذلك يعني بأن صلاة العيد لها موقع خاص في الدين، ولذلك ذهب من ذهب من أهل العلم إلى وجوبها على الرجال والنساء، وهي رواية عن أحمد ومذهب بعض المالكية، واختيار شيخ الإسلام، وابن القيم، وغيرهم من أهل العلم.

والسنة في صلاة العيد أنها تقام في المدن والقرى، لا البوادي، ولا في طريق السفر؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي ﷺ، ولا عن أصحابه، وأهل البادية يذبحون بعدما يعرفون أن أهل البلد القريبين قد صلوا صلاة الأضحى، ومن فاتته صلاة العيد يستحب له أن يقضيها على صفتها، وكذلك فإن من فاتته بعض التكبيرات مع الإمام لا يجب عليه قضاؤها؛ لأنها سنة فات موضعها، وأيضاً فإنه لا يشرع للنساء أن يصلين في بيوتهن ؛ لأنها صلاة شرعت على وجه الاجتماع، فلذلك صلاتهن تكون مع المسلمين في مجامعهم ومصلياتهم.

السنة في صلاة العيد أنها تقام في المدن والقرى، لا البوادي، ولا في طريق السفر؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي ﷺ، ولا عن أصحابه، وأهل البادية يذبحون بعدما يعرفون أن أهل البلد القريبين قد صلوا صلاة الأضحى، ومن فاتته صلاة العيد يستحب له أن يقضيها على صفتها، وكذلك فإن من فاتته بعض التكبيرات مع الإمام لا يجب عليه قضاؤها؛ لأنها سنة فات موضعها، وأيضاً فإنه لا يشرع للنساء أن يصلين في بيوتهن ؛ لأنها صلاة شرعت على وجه الاجتماع، فلذلك صلاتهن تكون مع المسلمين في مجامعهم ومصلياتهم.

وهذا العيد الذي سيأتي فيه استحباب لمزيد من التكبير عند الخروج إليه، وإلا فإن التكبير عبادة سائرة، تكبير مطلق وتكبير مقيد في هذه الأيام، ويستحب له التنظف، ويهنئ المسلمون بعضهم بعضاً، وإذا خرج من طريق رجع ماشياً من طريق آخر، ليشهد له الطريقان عند الله، ولكي تحدث الأرض بما عمل عليها من المشي إلى عبادة الله ، وانتشاراً من أماكن العبادة، ليس هناك أذان ولا إقامة لصلاة العيد، فتفعل في وقتها الشرعي، في الضحى بخطبتين يفصل بينها بجلوس، وحضور هاتين الخطبتين سنة، ومن حضر فلا يلغو، ولا يشوش على غيره.

عباد الله:

يبقى شعارنا الذي لا ننساه الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، وارزقنا الفردوس الأعلى، وأعتق رقابنا من النار، اللهم ارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء، اللهم أخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، واجعل ما آتيتنا عونا لنا على طاعتك، آمنّا في الأوطان والدُّور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اللهم اقض ديوننا، واستر عيوبنا، واشف مرضانا وارحم موتانا يا أرحم الراحمين.

عباد الله:

ونحن نتكلم عن إنهار الدم لله، نتذكر أنهار الدم التي تسفك في الشام واليمن، وغيرها من بلاد المسلمين، إنهار الدم لله عبادة، وأنهار الدم التي تسيل من دماء إخواننا إجرام، فنسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى أن ينصر إخواننا المستضعفين، اللهم ارحمهم برحمتك، اللهم ارحم قتلاهم، واشف جرحاههم، وآو شريدهم وطريدهم، واحمل حافيهم، وأطعم جائعهم، واكس عاريهم، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن فوقهم ومن أسفل منهم يا رب العالمين، اللهم عليك بالمجرمين، فإنهم لا يعجزونك، اللهم اقصم ظهور هؤلاء الطواغيت يا رب العالمين، اللهم من تسلط على المسلمين فسامهم العذاب فخذه أخذ عزيز مقتدر، واجعله وجنوده آية للعالمين، اللهم إنا نسألك في يومنا هذا أن تنصر إخواننا المستضعفين، وأن تجعل دائرة السوء على أعدائهم على المجرمين يا رب العالمين، اللهم أنت الجبار القوي، لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، اللهم خذ هؤلاء المجرمين، اللهم اقطع دابرهم، اللهم أرنا فيهم آية، واجعلهم عبرة للآخرين يا رب العالمين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

    1. ^ رواه أحمد (5444).
    2. ^  رواه الترمذي (3585).
    3. ^  رواه الترمذي (3585).
    4. ^  رواه ابن حبان (328).
    5. ^  رواه أحمد (22079).
    6. ^  رواه البخاري (1549).
    7. ^  رواه الترمذي (828).
    8. ^ رواه مسلم (1978).
    9. ^ [ رواه مسلم (1162).
    10. ^  رواه البخاري1986).
    11. ^  رواه مسلم 1141).
    12. ^ [ رواه مسلم 1961).
    13. ^ رواه النسائي (4362).
    14. ^  رواه مسلم (1141).