الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار،
شرع الله أمان لكل المجتمعات المسلمة
عباد الله: لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يخلق الجنس البشري من زوجين، الذكر والأنثى، وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى [سورة النجم:45]، وأن يجعل تناسل هذا الجنس منهما، وأن يركب فيهما شهوة يميل الواحد منهما إلى الآخر، وشرع النكاح؛ لقضائها، ويكون التناسل من هذا النكاح، ولولا ذلك ما مال الرجل إلى المرأة، وما كان هذا التناسل، والله تعالى يريد أن يجعل لعباده لذات يستمعون بها في الدنيا أيضًا، ومن ذلك قضاء الوطر في هذا النكاح، ولكنه لا يريد فحشًا ولا فواحش، لا يريد انتهاكًا للأعراض، ولا فضائح، ولا يريد أولاد الحرام، ولا التحرش، وقد أنزل شرعه؛ ليحفظ الدين، والعقل، والعرض، والنفس، والمال، وجعل لحفظ العرض وصيانة البشر من الرذائل تشريعات، فمن ذلك أنه شرع النكاح لعباده، وليبقى هذا الجنس البشري يتناسل، ويكون في هذا النكاح من المصالح العظيمة؛ النفقة على هذه المرأة الضعيفة المحتاجة، يقوم بذلك هذا الرجل القوي القادر على الاكتساب، ويكون منهما الأولاد، قرة العين، ويبقى جنس البشر إلى قيام الساعة، ويكون هنالك نسب يصان بصلة الرحم، وصهر، خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا [سورة الفرقان:54]، يصان بهذا النكاح، وينشأ الصهر، وعلاقة الصهر عنه، وقال تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [سورة النور:32]، والأيامى: جمع أيم، والأيم: كل من لا زوج لها، من بكر، ومطلقة، وأرملة، وكذلك الأيم: الرجل الذي لا زوجة له، وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ، وقال ﷺ: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج[1].
وكل تعقيد في طريق النكاح أمر الشرع بإزالته، ولا يحدث إلا من تفريط البشر ومعصيتهم، في الجانب المقابل حرم الزنا، وكل الوسائل المؤدية إليه؛ لأنه قال: وَلاَ تَقْرَبُواْ، ولم يقل: ولا تزنوا فقط، وَلاَ تَقْرَبُواْ، وقربان الفاحشة: كل وسيلة مؤدية إليها، حرم الفاحشة، وجعل لها عقاباً في الدنيا، وعذابًا في البرزخ والآخرة، فعاقبة الدنيا بالجلد لغير المحصن، الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَة،[سورة النور:2]، والرجم للمحصن، كما نزل في كتاب الله، ثم صار بالسنة، والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله[2]، ورجم النبي ﷺ، ثم صيانة لهذا الحكم منع الشرع كل ما يؤدي إليه، أي: الفواحش، فما هي الإجراءات الشريعة التي جاءت لحفظ الأعراض، ومنع التحرش، والفواحش، وانتشار أولاد الحرام، والأمراض الجنسية، والرذائل، والفضيحة، وغير ذلك من أنواع المفاسد؟ حرم الشرع الخلوة، لا يخلو رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما[3]، لماذا حرم الخلوة؟ لأنها تؤدي إلى كذلك، أيما امرأة استعطرت فخرجت؛ ليرى ريحها فهي زانية[4] وهذا نوع من الزنا، كما جاء في الحديث، والعينان تزنيان واليدان تزنيان، والرجلان والفرج يصدق ذلك أو يكذبه[5]، فهذا إجراء آخر؛ لأن الاستعطار يجذب؛ وحرم مس الأجنبية.
وقالت عائشة -رضي الله عنها- كما في البخاري، "ولا والله ما مست يد رسول الله ﷺ يد امرأة قط، ما بايعهن إلا كلامًا"، رغم أن البيعة فيها أهمية لأخذ اليد باليد، ومع ذلك ما مس يده الشريفة ﷺ يد امرأة قط، وقال: لأن يطعن أحدكم بمخيط في رأسه إبرة حديد غليظة، مخيط، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له وأيضًا استحب الشرع للنساء القرار في البيوت، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [سورة الأحزاب:33] وأن تخرج للحاجة، كما قال أذن لكن أن تخرجن في حوائجكن ولكنها لا تكون خراجة ولاجة وأيضًا منع التبرج فقال تعالى ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وقال سبحانه: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [سورة النور:31]، وذكر المحارم، وأيضًا فإنه قال: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ وأيضًا قال: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ [سورة الأحزاب:59] والإدناء من أعلى إلى أسفل كما هو معلوم، وقال ﷺ: المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان رواه أحمد، وهو حديث صحيح، ولم يستثن شيئًا، وأخبر أن الشيطان يرفع أبصار الرجال إلى المرأة إذا خرجت، ولذلك أمرها بالحجاب، وأيضًا فإنه تعالى قال: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ [سورة النور:31]، ليعلم ما يخفين من زينتهن من الخلاخل وغيرها، وأيضًا قال: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [سورة الأحزاب:32]، فمن جهة الصوت لا تتغنج، ولا تتكسر، في الكلام مع الأجنبي، ولا تخضعن بالقول، لا في الرد على الهاتف، ولا في غيره، وأيضًا قال تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ [سورة الأحزاب:53].
فهو لا يخاطبها مباشرة بدون حجاب، ومعلوم لأي عربي عندما يسمع من وراء حجاب، هي من وراء، فهناك حجاب يفصل بينهما، وأيضًا فإنه ﷺ منع اختلاط الرجال الأجانب بالنساء، فجعل النساء في صفوف خلف الرجال في أشرف العبادات العملية، وهي الصلاة، في أشرف الأماكن على وجه الأرض وهي المساجد، مع أن الصلاة في المسجد من أبعد الأجواء عن الشهوات، ومع ذلك جعلهن منفصلات عن الرجال، ولا تصلي المرأة بجانب رجل أجنبي، وأخبر أن شر صفوف الرجال آخرها، وشر صفوف النساء أولها؛ ليكون التباعد، وقال ﷺ لأصحابه مشيرًا: لو تركنا هذا الباب للنساء[6]، فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات، كما أخبر، من أجل أن يكون للنساء باب خاص في المسجد؛ حتى لا يدخلن مع باب الرجال، وقال ﷺ للنساء: ليس لكن أن تحققن الطريق[7]، يعني: تمشين وسطه، عليكن بحافات الطريق، كل ذلك منعًا للفتنة، وثوران الشهوات، وتأجيجها؛ لأن التأجيج هو الذي يؤدي إلى الوقوع في الفواحش، وانتهاك الأعراض، وأولاد الحرام، والأمراض الجنسية، والفضائح، وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ يريد أن يتوب عليكم من وراء كل هذه الإجراءات، وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [سورة النساء:27، 28]، فكل طريق موصل إلى النكاح فتحه الشرع.
وكل طريق موصل إلى الحرام أغلقه الشرع، والذين يتبعون الشهوات يوصدون الطرق الموصلة إلى النكاح، ويعقدون الزواج، وكذلك يجعلون الاشتراطات في سن المرأة، وكذلك حتى وصل بهم الحال إلى تشريعات عالمية في الشذوذ، وإقامة أسر من رجل ورجل، وامرأة وامرأة، ونحو ذلك من فتح الحريات الجنسية، ونحوها من أنواع الحرام، وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ، قال: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا، أمام هذه الشهوة؛ ولذلك قال ﷺ: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء[8]، وقال: اتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء[9]، فحذرنا الفتن من هذا النوع أيضًا، كل ذلك؛ ليكون المجتمع نظيفًا، طيبًا، طاهرًا، وكذلك قال في الإجراءات: إياكم والدخول على النساء من المقصود؟ طبعًا الرجال الأجانب، لا يدخلون على النساء الأجنبيات عنهم، طيب هنالك بعض الفئات، أو فئة بين بين، يعني: في قرب من جهة، وهو أجنبي من جهة، أخو الزوج مثلاً، فقال الصحابة: أفرأيت الحمو يا رسول الله قال: الحمو الموت[10]، معنى ذلك: رفض هذا الدخول، ورفض هذا الاختلاط، قيل: لأنه إذا وقعت الفاحشة وأدت إلى الرجم فهو الموت، وقيل: إنه حذر تحذيرًا شديدًا بليغًا من هذا الدخول حتى شبهه بالموت الذي يكرهه الناس، وكذلك فإنه تعالى أمر بغض البصر: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [سورة النور:30] وكذلك للنساء؛ لأن الافتتان من المرأة للرجل حاصل أيضًا، وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [سورة النور:31]، والشرع كامل، لا يقول لها: اكشفي، وأنت غض، وإنما يقول لها: غطي وأنت غض، فإن قيل يغض عن ماذا؟ فيقال عن باب مفتوح، وحجاب، وغطاء يسقط، وريح تهب، وعمن لا تمتثل، وكذلك فإن حجاب الحرة بخلاف حجاب الأمة، فالحرة كلها عورة، والأمة حجابها يختلف؛ ولذلك قال: ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [سورة الأحزاب:59] يعني: ذلك أدنى أن يعرف أنها حرة فلا تؤذى، وكان الفساق كثيرًا ما يتربصون بالإماء، فصار حجاب الحرة أمرًا واضحًا للغاية.
حكمة شرع الله وتكامله من جميع الجهات
عباد الله:
الخطبة الثانية
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، الرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير، -صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه أجمعين، ورضي عن أصحابه الميامين، وأزواجه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم على عبدك، ورسولك، إمامنا، وقدوتنا، وسيدنا، وحبيبنا، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله، شرع يأتي بالاستئذان، ولا يدخل بيتًا إلا بإذنه، ويقول ﷺ إنما جعل الاستئذان من أجل البصر يعني حتى لا يقع البصر على ما لا يجوز أن يقع عليه، شرع جاء بأن لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، قال: لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم[11]، ولما جاء رجل يقول: يا رسول الله، إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وإن امرأتي خرجت حاجة، قال: انطلق فحج مع امرأتك، فأرجعه من الجهاد؛ من أجل أن يحج مع امرأته، والمرأة في عبادة، في الحج، ومعها رفقة بالتأكيد، ما كانوا يخرجون في الحج إلا قوافل، الشرع يريد صيانة المرأة، المرأة فيها ضعف، يريد صيانتها، يريد حفظها، وكذلك نرى تكامل هذا الشرع، فإنه يقول للجميع بتقوى الله أمرًا، أن يتقوا الله، وكذلك يأمر بحفظ العورات، احفظ عورتك، قال: يا رسول الله، لو كان أحدنا خاليًا قال: فالله أحق أن يستحيا منه من الناس والمؤامرة الأولى على البشرية كانت في تزيين أكل الشجرة لآدم وحواء، فلما أكلا منها بدت لهما سواءتهما فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّة [سورة طـه:121]، الله حذرنا من مؤامرة كشف العورات، وقال: يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا [سورة الأعراف:27]، فهذه مؤامرة نزع اللباس.
عباد الله: عندما يناقش الإنسان نفسه في هذه الأحكام، ويرى ما جاء به الشرع، وما عليه حال الأمم الأخرى، من أنواع التبرج، والفسوق، والفجور، ما عاد بقي للأعراض قيمة عند القوم، وصارت العلاقات الجنسية مفتوحة، وانتشرت الفواحش، والأفلام الإباحية، والمقاطع، والصور، والتجارة بما يسمونه بالرقيق الأبيض، إلى وضع مزري، حتى قل النكاح، وكثر السفاح، وأدت المسألة إلى خطورات عظيمة تحيق بالجنس البشري من وراء ذلك، وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ، يريد الله ليطهركم، وهذه التشريعات عامة للجميع، فعندما يطرح بعضهم شبهة أن الحجاب خاص بأمهات المؤمنين نقول طيب أمهات المؤمنين قدوة لبقية النساء أمهات المؤمنين أبعد النساء عن الحرام فإذا أمرنا فمن هو أدنى منهن من باب أولى، ثم إن الله يعلم أن هنالك من يثير الشبهة فأتى بالرد في ذات الآية، اسمع يا مسلم يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ لاحظ هذه الكلمة وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ على أي شيء تدل على أن الحكم خاص بأزواج النبي ﷺ واضح العموم، أزواجك وبناتك.
لأنك أنت القدوة، وهن القدوات، فبدأ بهن أولاً، لكن الحكم غير خاص بهن، ونساء المؤمنين يدنين، يغطين، والجلباب معروف ما هو، والإدناء من أعلى إلى أسفل، كما هو في اللغة، وعلى ذلك جمهور المذاهب الأربعة، في عامة كلام الفقهاء على المذاهب الأربعة، أنه لا يجوز للشابة أن تكشف وجهها؛ لأن الفتنة فيه، ومحاسن المرأة في وجهها، العينان، والوجنتان، والشفتان، ونحو ذلك، ثم إن الله قال: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ لا الزينة الأصلية، ولا الإضافية، لا هذه المحاسن ولا المكياج، ولا الحلي، المكياج، والحلي، مثال على الزينة الإضافية، فإن قال قائل: فما معنى قوله ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها؛ لأن هذا ورد مرتين في الآية: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [سورة النور:31]، أو وذكر المحارم ثم بعد قال: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [سورة النور:31]، معلوم أن ظهر يعني: ظهر تلقائيًا بغير فعل منها؛ لأنه لم يقل: إلا ما أظهرن منها ما كشفن، وإنما: ما ظهر تلقائيًا، من ريح تهب، وخمار يسقط، كما يحصل بل إن المرأة في الجاهلية، واحدة من نساء ملوك العرب؛ لما سقط نصيفها عن وجهها في الجاهلية قبل الإسلام، وقال النابغة معبرًا عن ذلك في تصرف المرأة وحيائها الفطري،تناولته واتقتنا باليد:
سقطت النصيف ولم ترد إسقاطه | فتناولته واتقتنا باليد |
حياء فطري عند المرأة، فإذًا، إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، قال بعض المفسرين: ظاهر الثياب، والمرأة لا يمكن أن تلبس طاقية إخفاء، ولا بدّ أن يكون ظاهر للعباءة، وما ظهر من ريح تهب، وشيء غير متعمد وغير مقصود، إلا ما ظهر بغير تعمد ولا قصد، ثم إن من تكشف اليوم هل تترك المكياج؟ لا، في الغالب ستضع، ومن التي تخرج بلا مكياج، والمكياج محرم عند الجميع بالاتفاق، وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ وكذلك -يا عباد الله- فإن الشرع المتكامل بالتأكيد كما قلنا سيأمر بالتغطية، ويأمر بالغض، ثم إن الخطبة هذه: هي نظر هذا الخاطب لوجه المرأة، فإذا كان مبذولاً في الشوارع والطرقات، فلماذا يأتي إلى البيت إذًا لينظر إليه؟ ومعلوم عند الفقهاء اتفاقًا وجوب تغطية ظاهر قدم المرأة، ولو قيل: أيهما أكثر فتنة؟ ظاهر قدمها أم وجهها؟ ومن التي ترضى أن تقول إن قدمي أكثر جمالاً وفتنة من وجهي؟! فهل يأمر الشرع بتغطية ظاهر قدمها ويسمح بعد ذلك بكشف الأجمل والأكثر فتنة! وأيضًا فإن النبي ﷺ نهى أن تصف المرأة المرأة لزوجها، فينهى عن الوصف، ثم يقول: انظر إلى الأصل، قد كشفته لك، ثم إن هذا الشرع الحكيم العظيم الذي جاء بهذه الإجراءات كلها لمنع وقوع هذه التحرشات والفواحش، فإذا كان الأخذ بالأحكام عمومًا قائمًا فلا مجال إلا لشيء يسير جدًا، ولن يكون إلا من جهة التفريط في حكم من هذه الأحكام.
إن هذا الشرع الحكيم العظيم الذي جاء بهذه الإجراءات كلها لمنع وقوع هذه التحرشات والفواحش، فإذا كان الأخذ بالأحكام عمومًا قائمًا فلا مجال إلا لشيء يسير جدًا، ولن يكون إلا من جهة التفريط في حكم من هذه الأحكام.
عباد الله:
مجاهدة النفس دليل الخيرية والصلاح
من فقه الشرع التزمه، وسار بموجبه، نعم هناك صعوبات، لكن هذا ابتلاء الله، وهذه أحكامه، وينبغي علينا أن نمتثل قول الله: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [سورة التحريم:6]، وأن نيسر الأمور للشباب في النكاح، ونذلل الصعوبات، وأن نقوم على أمر الله؛ لينتشر الطهر والعفاف في المجتمع؛ ليكون مجتمعًا نظيفًا، خاليًا من الفواحش والتحرش، وقد بلغ التحرش مداه، نسأل الله السلامة؛ وكي لا يكون مجال للحرام وأولاده، وهذا والله ما وضعه الشرع إلا لمصلحتنا.
اللهم إنا نسألك أن ترزقنا خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الغنى والفقر، ونسألك نعيمًا لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك يا الله أن تقضي ديوننا، وتستر عيوبنا، وأن تؤمن روعاتنا، وتستر عوراتنا، اللهم إنا نسألك أن ترحم موتانا، وتشفي مرضانا، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اغفر لنا ولوالدينا، وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم اجعل بلادنا عامرة بذكرك، مطمئنة بشرعك، اللهم أغننا من فضلك ،ولا تحوجنا إلى أحد من خلقك، اللهم ارفع البأس عن إخواننا المستضعفين، يا رب العالمين، اكشف ما نزل بهم من ضر يا أرحم الراحمين، يا سميع يا عليم، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الصافات:180-182].
- ^ رواه البخاري: (5065)، ومسلم: (1400).
- ^ مسند أبي داود: (542).
- ^ رواه الترمذي: (1171).
- ^ رواه النسائي: (5126).
- ^ رواه أحمد: (8539).
- ^ رواه أبو داود: (571).
- ^ رواه أبو داود: (5272).
- ^ كما فيالبخاري: (5096)، ومسلم: (2740).
- ^ رواه مسلم: (2742).
- ^ رواه البخاري: (5232)، ومسلم: (2172).
- ^ رواه ابن أبي شيبة في مسنده: (15175).
-
عبدالرحمن السلمي
فعلا يا شيخنا,نحتاج من المجتمع أن ييسروا لنا سبل الزواج و يعطونا بعض الثقة فنحن في أمس الحاجة