الخميس 13 جمادى الأولى 1446 هـ :: 14 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

إطلالة على سيرة العمرين


عناصر المادة
الخطبة الأولى
عمر بن الخطاب: الشخصية العظيمة
عزة الاسلام: يوم أسلم عمر، وأثناء خلافته
أهمية العلم عند عمر، وموافقة القرءان لكلامه
هيبة عمر بن الخطاب، ورقته
الخطبة الثانية
وفاة عمر، وفاجعة أصحابه بذلك

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

عباد الله:

عمر بن الخطاب: الشخصية العظيمة

00:01:27

إن هذا الدين لما نزل وعلّمه النبي ﷺ للناس، وربى عليه من ربى من الناس؛ أخرج لنا أفذاذاً ورجالاً عرفهم التاريخ، وتكلم عنهم الناس؛ مسلمهم وكافرهم، خلّف هذا الدين رجالاً حملوا لواءه، وحكّموه في العالمين، وصاروا قدوات ومنارات يهتدي بها من بعدهم، وإن من الحق؛ من حق هؤلاء علينا أن نعرف سيرهم ونبلو أخبارهم؛ أولاً: لنعرف عظمة هذا الدين الذي أخرج لنا هؤلاء الرجال، وثانياً: لأننا نقتدي بسلفنا، ونقتدي بأئمتنا، وهؤلاء الأئمة الأعلام، هؤلاء منارات يهتدى بها في دجى الظلمات، ونعلم أيضاً بأن هذه النماذج يمكن أن تتكرر بدرجات أقل ولاشك إذا ما وجدت البيئة الإسلامية والتربية التي تصقل النفوس، وتهذبها فتغرس العقيدة، وتصقل النفوس وتخلقها بأخلاق النبوة ولا شك أن شخصية عمر بن الخطاب شخصية مثالية من الشخصيات العظيمة التي مرت في تاريخنا الغني الذي غفل عنه الكثيرون وإن استرجاع سير مثل هذه الشخصية يذكر الغافلين منا الذين خدعهم الغرب والشرق بسير عظماء عندهم لو نظر الناظر لعرف أن واحدهم لا يخلوا من انتهازية، أو فسق وشرب خمر ونساء، أو ظلم وبغي وجور، ويبقى أعلام الإسلام لا يوجد لهم مثيل إن عمر كان في الجاهلية يعبد الأصنام، وكان يأد بنته ويفعل الأفاعيل، وظلم الناس وظلم المسلمين، حتى قال سعيد بن زيد: "لقد رأيتني وإن عمر لموثقي وأخته على الإسلام ولكنه أسلم، وشاء الله أن ينتقل عمر من ضلال الجاهلية إلى نور الإسلام؛ فتغيرت الشخصية، وانقلبت تمام الإنقلاب، وكان لذلك بادرة وما سيأتي من الأحاديث الصحيحة، والحسنة في سيرة هذا الرجل تدل على جوانب من عظمته؛ لقد كان المسلمون يستبعدون إسلام عمر حتى قالت أم عبدالله بنت أبي حفنة: "والله إنه لنترحل إلى أرض الحبشة، أقبل عمر حتى وقف عليَّ وهو على شركه قالت وكنا نلقى منه البلاء أذاً لنا وشراً وشراً علينا، فقالت: فقال عمر لما رآهم يتأهبون للجلاء عن مكة إنه الانطلاق يا أم عبدالله؟ قالت: قلت نعم والله، لنخرجن في أرض الله، آذيتمونا وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا مخرجاً، قالت: فقال: صحبكم الله، ورأيت له رقة لم أكن أراها، ثم انصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا، قالت: فجاء عامر وهو مسلم من حاجتنا تلك التي ذهب بها، فقلت له: يا أبا عبدالله لو رأيت عمر آنفاً ورقته وحزنه علينا قال أطمعتي في إسلامه؟ قالت: قلت نعم، قال: لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب" هل يسلم الحمار؟ قالها يأساً لما كان يرى من غلظته، وقسوته على الإسلام، ولكن الله أيها الإخوة، إذا أراد أن يهدي هدى ولو كان الرجل أقسى الناس قلباً، وأبعدهم عن الله وهذا درس للدعاة إلى الله أن لا ييأسوا من الناس ولو كان من يرونه أمامهم من أغلظ الناس قلباً لكن الله إذا أرد لعبد خير هيئه له ووفقه له ويسر الأسباب إليه، وهكذا حصل.

فلما أسلم عمر ونطق بالشهادتين كان إسلامه فتحاً، ولم يكن إسلامه سراً بل إنه قد جاء في الحديث الحسن بطرقه أنه لما أسلم قال: أي قريش أنقل للحديث؟ قيل له: جميل ابن معمر الجمحي، قال: فغدا عليه عمر قال عبدالله: وغدوت أتبع أثره ما يفعل، وأنا غلام أعقل كل ما رأيت حتى جاءه، فقال له: أما علمت يا جميل أني قد أسلمت، ودخلت في دين محمد ﷺ، قال: فوالله ما راجعه حتى قام يجر رجليه، واتبعه عمر، واتبعت أبي حتى إذا قام على باب المسجد، جميل المشرك- الإذاعة- وقف على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش وهم في أنديتهم حول الكعبة آلا إن عمر قد صبأ، قال: فيقول عمر من خلفه: كذبت، ولكن قد أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، فأعلنها صراحة أمامهم، هذه العزة التي دخلت قلبه فأورثته هذه الصراحة، وهذه الجرأة على الكفرة إعلان المبادئ قال: وساروا إليه فما برح يقاتلهم، ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم، قال: وقلح تعب وارهق فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدى لكم! فأحلف أن لو كنا ثلاثة مائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا، قال: فبينما هم على ذلك، إذ أقبل شيخ من قريش، وهو العاص بن وائل فصرفهم عنه وإلا كانوا قتلوه.

عزة الاسلام: يوم أسلم عمر، وأثناء خلافته

00:10:19

لما أسلم عمر أعز الله به المسلمين، وأذل الله به المشركين، وطاف المسلمون حول الكعبة لما أسلم عمر علانية جماعة، لما أسلم عمر فأعز الله به الدين؛ أراد الله بعمر خيراً؛ ففقه في دينه، وعلمه وهو العليم ، حتى قال النبي ﷺ في علم عمر، وفقهه، وفضله أحاديث جمعها العلماء فمن ذلك أربعة ساقها الزهري في نسق واحد قد وردت في سياقة صحيحة قال: قال رسول الله ﷺ: رأيت لعمر أربعة رؤيا رأيت كأني أتيت بإناء فيه لبن فشربت حتى رأيت الري يخرج من أناملي ثم ناولت فضلي ما بقي في الإناء عمر قالوا يا رسول الله فما أولتها قال: العلم، ورأيت كأن أمتي عليهم القمص إلى الثدي وإلى الركب وإلى الكعب كل بحسب علمه وإيمانه ومر عمر يسحب قميصاً سابغاً من طولهقالوا يا رسول الله ما أولت ذلك قال: الدين، ودخلت الجنة فرأيت فيها قصر أو داراً فقلت لمن هذا قالوا لرجل من قريش فرجوت أن أكون أنا هو فقيل لعمر ابن الخطاب فأردت أن أدخل فذكرت غيرتك يا أبا حفص، فبكى عمر وقال يا رسول الله أويغار عليك، ورأيت كأني وردت بئراً فورد ابن أبي قحافة فنزع ذنوباً أو ذنوبين ونزه فيه ضعف والله يغفر له ثم وردها عمر فستحالة الدلو في يده غرباً فستقا فأروا الظمأة وضرب الناس بعصى فلم أرى أحداً من الناس أو قال عبقرياً يفري فريه)[رواه أحمد في فضائل الصحابة363]. قال العلماء هذا تأويل خلافة الشيخين فإن أبا بكر استخلف سنة أو سنتين فكانت خلافته قصيرة وكان منشغلاً عن الفتوحات بحروب الردة فلماء جاء عمر صارت خلافته أطول ففتح الله في عهده من الفتوحات وأدخل الله من الناس في عهده الإسلام ما لا يحصى من الخلق كثرة فنشر العدل في تلكم البلاد بعد أن أسس الصديق قاعدتها فأعاد القاعدة وأبلى بلاء حسناً فمهد الطريق لعمر فجاء عمر فولى الولاة وفتح الفتوحات وأتى للمسلمين بالخير من عند الله وقال النبي ﷺ: إن الله جعل الحق على قلب عمر ولسانه[رواه أحمد5697]. هذا الهادي المهدي الذي علمه الله وهداه.

أهمية العلم عند عمر، وموافقة القرءان لكلامه

00:13:50

وبالعلم يهتدي الإنسان للحق والصواب، فلابد من الاعتناء بالعلم والبحث عنه يا أيها المسلمون، وإن في اكتساب العلم هدى وإن العلم يهدي صاحبه في الظلمات ويكشف له عندما يحتار، وينقذه من المحرمات ويجنبه الشبهات هذا العلم فتعلموا هذا الدين يهديكم به الله فلما جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه وافق ربه في آيات نزلت من القرآن على ما قال عمر كما قال في ما ثبت في الصحيحين وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام ابراهيم مصلى نصلي وراءه نصلي عنده فنزلت وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّىسورة البقرة125. وقلت يا رسول الله يدخل على نساءك البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب، واجتمعن نساء النبي ﷺ في الغيرة حصل منهن كلام اشتدت وطأته على النبي ﷺ فقلت، يقول عمر فقلت وهو يعرف أمهات المؤمنين ويزجرهن فقلت: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن فنزلت كذلك، تأملوا يا عبدالله آية تنزل على كلام عمر يُلهم الله عمر أن يقول كلاماً فتنزل الآية بألفاظ عمر تنزل الآية بألفاظ عمر وتصبح قرآن يتلى إلى يوم القيامة، وافق عمر ربه في أمور أخرى كذلك، كما ورد في أسارى بدر وهكذا.

هيبة عمر بن الخطاب، ورقته

00:15:49

كان عمر مهيباً هيبتاً تفتقدها كثير من شخصيات المسلمين اليوم نزع الله منهم الهيبة فلا يهابون ونزع الله من قلوبهم خوفه فصاروا يخافون من الناس كان عمر شخصية رفيعة يهابه الناس فيرتعدون منه ومن ذلك ما حصل لما استأذن على رسول الله ﷺ وعنده الجواري قد علت أصواتهن على صوته فأذن له ﷺ فبادرن الحجاب فبتدرن الحجاب هربن فذهبن فدخل عمر ورسول الله ﷺ يضحك فقال أضحك الله سنك يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما الخبر على ما تضحك، قال عجبت لجوار كن عندي فلما سمعن حسك بادرن فذهبن فأقبل عليهم من وراء الحاجب فقال أي عدوات أنفسهن والله لرسول الله ﷺ كنتن أحق أن تهبن مني فقال رسول الله ﷺ: دعهن، دعهن عنك يا عمر فوالله إن لقيك الشيطان بفج قط إلا أخذ فجاً غير فجك[رواه أحمد1624، (ورواه البخاري 3294، ومسلم2396 من غير لفظة: دعهن)]. هذا الرجل المهيب هذا الرجل العظيم الشديد في دين الله كما قال النبي ﷺ عن أصحابه: أرأف أمتي بأمتي أبوبكر وأشدهم بأمر الله عمر[رواه االبيهقي12187].

هذا الرجل الشديد المهيب لما تولى الخلفة ظهرة المعاني التي كانت مخبوء في نفسه معاني الشفقة والعطف والإحسان والرحمة، لقد كان رحيماً في عهد النبي ﷺ، لكن لما ولي الخلافة ظهرت رحمته أكثر هذا الرجل الذي جمع في شخصيته بين الهيبية والرحمة بين الشدة في دين الله والرقة حتى كان يبكي عندما يتلوا القرآن ويمرض من قراءة الكتاب العزيز أحياناً فيعاد من مرضه الذي حصل بسبب تأثره بالقرآن ليست الهيبة يا أيها الناس: أن يكون الإنسان صلباً فضاً غليظ القلب؛ ليست الهيبة أن يكون متعجرفاً قاسياً؛ وإنما الهيبة في مكانها محمودة، هذا الرجل الذي شهد التاريخ بفضله ورحمته لرعيته هذه هي القيادة المثلى التي خلفها النبي ﷺ بعده لأصحابه أمثلة عندما يرى الإنسان حاله ويرى المسلمون واقعهم يشتاقون لخلافة مثل خلافة عمر ويتوقون لقيادة مثل قيادة عمر الذي كان يخرج ليتفقد رعيته، قال أسلم: خرجت مع عمر الخطاب إلى السوق، فلحِقَتْ عمر امرأةٌ، فقالت: يا أمير المؤمنين هلك زوجي، وترك صبية صغاراً، والله ما يملكون كراعاً، ولا لهم زرع، ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضبع وأنا بنت خفاف ابن إيماء الغفاري، هذا صحابي جليل وقد شهدي أبي الحديبية مع النبي ﷺ، فوقف معها عمر ولم يمضي، ثم قال: مرحباً بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غرارتين ملئهما طعاماً وحمل بينهما نفقة وثياباً ثم ناولها بخطامه البعير ومعا عليه ثم قال اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير فقال رجل يا أمير المؤمنين: أكثرت لها، قال عمر: "ثكلتك أمك والله إني لأرى ابا هذه وأخاها قد حاصرا حصناً زماناً ففتتحاه ثم أصبحنا نستفيئ سهمانهما فيه"، لا ينسى لأصحاب الفضل فضلهم، هذه امرأة أبوها وأخوها من كبار المجاهدين؛ بسبب قتالهم إذ غنم المسلمون وأكلوا، هذا الرجل هو الذي كان يخرج في الليل يعس على رعيته، قال أسلم: خرجنا مع عمر بن الخطاب لحر سواق؛ وهي الحرة الشرقية للمدينة، حتى إذا كنا بصرار مرتفع من الأرض إذا ناراً، فقال: يا أسلم إني لأرى هاهنا ركباً قصر بهم الليل والبرد، إنطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا بامرأة معها صبيان صغار، وقِدرٌ منصوبة على نار وصبيانها يتضاغون؛ يصيحون، ويبكون، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، وكره أن يقول يا أصحاب النار، هم يوقدون ناراً، وعمر ينتقي الألفاظ قال: السلام عليكم يا أهل الضوء فقالت: وعليك السلام فقال أأدنوا؟ قالت ادنوا بخير او دع، فدنى قال: ما بالكم قالت: قصر بنى الليل والبرد قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون، قالت الجوع، قال: فأي شيء في هذه القدر، قالت: ما أسكتهم به حتى يناموا والله بيننا وبين عمر، تقول المرأة والله بيننا وبين عمر، فقال: أي رحمك الله وما يدري عمر بكم؟ المرأة تقول: الله بيننا وبين عمر، نحن في الصحراء لوحدنا لا نجد طعاماً، عمر يقول وهي لا تدري من هو يقول لها: أي رحمكي الله وما يدري عمر بكم وأنتم في هذه البقعة النائية؟ قالت: يتولى عمر أمرنا ثم يغفل عنا؟، قال فأقبل عليَّ فقال: انطلق بنا فخرجنا نهرول حتى اتينا دار الدقيق، دار اتخذها عمر خاصة لتخزين الدقيق فأخرج عجلاً من دقيق، وقضبة من شحم، فقال احمله علي فقلت: أنا أحمله عنك، قال: أنت تحمل عني وزر يوم القيامة، لا أم لك فحملته عليه، الخليفة يحمل على ظهره أمام الناس يمشي بين الناس على ظهره من المدينة إلى الحرة الشرقية إلى المكان النائي الذي فيه المرأة ويهرول من أجل الأولاد فانطلق وانطلقت معه إليه إليها نهرول فألقى ذلك عندها وأخرج من الدقيق شيء فجعل يقول لها ذري علي وأنا أحرك لي وجعل ينفخ تحت القدر الخليفة منبطح على الأرض صدره في التراب ينفخ على الحطب حتى يشتد ثم أنزلها فقال: ابغيني شيئاً اسكب فيه فأتته بصحفة فأفرغها فيه ثم جعل يقول لها أطعميهم وأنا أصفح لهم فلم يزل حتى شبعوا وترك عندها فضل ذلك بقية الكيس وقام وقمت معه فجعلت تقول جزاك الله خيراً كنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين!

أنت أولى بالخلافة من أمير المؤمنين، فيقول: قولي خيراً إذا جئتي أمير المؤمنين وحدثيني هناك إن شاء الله، ثم تنحى ناحية عنها ابتعدا عنها ثم استقبلها ينظر إلى مكانه من بعيد فربض مربضاً فقلنا له: إن لنا شأناً غير هذا ولا يكلمني، يقول: لا بد أن تكون الوقفة لهدف، وعمر لا يتكلم حتى رأى الصبية يصطرعون ثم ناموا وهدأوا، وقال: "يا أسلم إن الجوع أسهرهم وأبكاهم فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى ما أرى". إسناده حسن، هذا عمر هذا عمر في الرعية هذا عمر في تفقده للمساكين وعطفه هذا عمر ورحمته وإشفاقه بالرغم مما عنده من الشدة في دين الله والهيبة التي كان يهابه بها الأقرباء والبعداء.

اللهم ارحم عمر واغفر له واعلي شأنه وارفع درجته في المهديين اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يحب نبيك محمد ﷺ وأصحابه، وممن يقتدي بنبيك محمد ﷺ وأصحابه، واغفر لنا أجمعين وتب علينا يا أرحم الراحمين، أقول قولي هذا واستغفروا الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:25:45

الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له لم يتخذ صحابة ولا ولداً.

وفاة عمر، وفاجعة أصحابه بذلك

00:25:51

لقد كانت وفاة عمر فاجعة فجع بها القريب والبعيد كان عمر هو الباب الذي يدرأ عن المسلمين الفتن فلما كسر الباب باغتيال عمر، دخلت الفتن على المسلمين من كل جانب، عن عوف بن مالك الأشجعي أنه قال: "رأيت في المنام أن الناس جمعوا فكأنوا برجل قد صرعهم فوقهم بثلاثة أذرع أطول من الجميع قال قلت من هذا؟ قالوا عمر بن الخطاب قال قلت لم؟ قال إنه لا تلومه في الله لومة لائم، وإنه خليفة مستخلف، وشهيد مستشهد، قال فأتيت أبابكر فقصصتها عليه قال فارسل إلى عمر يبشره، فقال لي: اقصص رأياك فلما بلغ إلى خليفة، قال زجرني عمر وانتهرني قال: تقول هذا وأبو بكر حيٌّ؟ قال فسكت، فلما ولي عمر كان بعد بالشام مررت به وهو على المنبر فدعاني، فقال لي: اقصص رؤياك، قال فلما بلغت لا يخاف في الله لومة لائم، قال: إني لأرجوا أن يجعلني الله منهم، وأما خليفة مستخلف فقد والله استخلفني؛ فأسأله أن يعينني على ما ولاني، قال: فلما بلغت وشهيد مستشهد، قال: وأما الشهادة، وأنا في جزيرة العرب، وحولي يغزون ويغزون ثم قال عمر مستدركاً يأتي الله بها أنى شاء يأتي الله بها أنى شاء، ورأى عمر في منامه أن ديكاً نقره نقرات وفعلاً حصل نقاشاً بين عمر وكان لا يدخل لا يدخل الأعاجم إلى جزيرة العرب والفرس فدخل بعضهم متسترين بالإسلام وكان من سياسة عمر أن لا يدخلهم دخلوا فأقاموا فكان منهم الحاقد الفارس المجوسي أبو لؤلؤة الذي قال لعمر متوعداً لأصنعن لك رحى يتحدث بها الناس فقال عمر توعدني العبد، وبعد أيام اختبأ له وراء باب المسجد في الظلام في صلاة الفجر فلما سجد عمر قفز عليه فطعنه في كتفه وخاصرته فقال عمر قتلني الكلب ثم صمت ثم سمع الناس قراءة ابن عوف وطار العز في الناس في صفوف المصلين ينحر يميناً وشمالاً فقتل فيها ستة من الصحابة وحمل عمر مطعوناً وجعلوا يشربونه اللبن فيخرج من الجرح فعلموا أن الأمر قد انتهى أوصى عمر ووعظ الناس وذكرهم بالله وانتقل إلى الرفيق الأعلى في قصة مشهودة عظيمة جداً أخرجها الإمام البخاري في صحيحة.

كانت وفاة عمر شديدة الوطء على القريب والبعيد قال المسيب ابن رافع سار إلينا عبدالله ابن مسعود سبعاً من المدينة سبعة أيام إلينا في مكان فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن غلام المغيرة أبا لؤلؤة قتل أمير المؤمنين عمر، قال: فضج الناس، وصاحوا، واشتد بكاؤهم، هذا الخليفة الذي كان يرعاهم فيسوسهم بأمر الله، قال: ثم قال ابن مسعود: إنا اجتمعنا على أصحاب محمد ﷺ، فأمرنا علينا عثمان بن عفان فأخبرهم الخبر والنتيجة قال عبدالله بن مسعود: "لقد أحببت عمر حباً حتى لقد خفت الله من شدة حب عمر خفت الله، ولو أني أعلم أن كلباً يحبه عمر؛ لأحببته ولو ددت أني كنت خادماً لعمر حتى أموت ولقد وجد فقده كل شيء حتى العضاة، شجرة الشوق إن إسلامه كان فتحاً وإن هجرته كانت نصراً وإن سلطانه كان رحمة، ذلكم عمر ومناقبه كثيرة جداً، وهذا شيء قليل منها.

والمقصود أيها الإخوة: أن لهؤلاء حق علينا في معرفة سيرهم وإن هؤلاء منارات نقتدي بهم وإن في تذكر هؤلاء سبب لحنين المسلم إلى أيام الخلافة ورغبته في عدل كعدل عمر، وقد طبق الأرض اليوم الظلم، والجور.

فنسأل الله أن يعين للإسلام عزه، وأن يقيم الخلافة في أرجاء الأرض، اللهم ردنا إلى الإسلام رداً جميلاً، اللهم اجعلنا ممن قاموا الشريعة، وعملوا بها اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين بتحكيم شرعك يا رب العالمين اللهم ارفع الظلم عن المظلومين.

1 - رواه أحمد في فضائل الصحابة363
2 - رواه أحمد5697
3 - رواه أحمد1624، (ورواه البخاري 3294، ومسلم2396 من غير لفظة: دعهن)
4 - رواه االبيهقي12187