الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

ماذا تسمع؟


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أهمية نعمة السمع في الإسلام
معاني السماع في القرآن والسنة
نعمة السمع مسؤلية وأمانة
حكم السماع يأخذ حكم المسموع
الخطبة الثانية
الغناء ينبت النفاق في القلب
أعظم نعمة رؤية الله تعالى في الجنة

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

يا أيها الذين آمنوا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران:102. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء:1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله:

أهمية نعمة السمع في الإسلام

00:01:21

إن نعم الله علينا كثيرة متعددة، وإذا تأملنا في أنفسنا لوجدنا لله تعالى نعمًا عظيمة، وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَسورة الذاريات:21، ومن هذه النعم نعمة السمع التي وهبنا الله إيّاها، قوة ندرك بها الأصوات، وهذه النعمة من أهم حواس الإنسان، وأشرفها، حتى من البصر؛ لأنه هو الذي يدرك به المكلف خطاب الشارع الذي به التكليف، يدركه من سائر الجهات، كما يدرك غيره من سائر الجهات، وفي كل الأحوال، بخلاف البصر الذي يتوقف الإدراك به على الجهة المقابلة، قال الله تعالى مذكرًا إيانا بهذه النعمة، ومذكرًا بالمسؤولية عنها، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاًسورة الإسراء:36، وهذه النعمة العظيمة لفائدتها أجمع أهل العلم على أن فيها الدية، فإذا أذهب شخص سمع آخر، خطأ، فعليه الدية كاملة، وعمدًا عليه القصاص، ولأجل فائدتها وعظمها أشترط أهل العلم في المناصب العامة كالإمامة والقضاء، أن يكون سميعًا، وهي  أكبر مدخل إلى القلب، ومن يفتقد السمع أسوأ من الذي يفقد البصر، ولذلك فإن عقله يضعف جدًا في الغالب، فلا تكاد تجد أصم إلا وفي عقله شيء، بخلاف الأعمى، وهو طريق من طرق اكتساب العلم، قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "المدرك بحاسة السمع أعم وأشمل من غيرها من الحواس، فللسمع العموم والشمول والإحاطة بالموجود، والمعدوم والحاضر، والغائب والحسي والمعنوي، فالسماع أصل العقل، وأساس الإيمان، وقد رحم الله أسماعنا، فهناك أصوات لو سمعناها لصعقنا، كما قال النبي ﷺ: إذا وضعت الجِنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه الإنسان لصعق[رواه البخاري:1314].

معاني السماع في القرآن والسنة

00:04:33

وقد أمر الله تعالى بالسماع فقال: وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْسورة المائدة:108وقال : وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُواسورة التغابن:16والسماع على ثلاثة أنواع:

سماع الإدراك، كقوله  إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًاسورة الجن:1 يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِسورة الجن:2، وسماع الفهم، وهو الذي نفاه الله وعن الأموات، كقوله : فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىسورة الروم:52ونفاه عن أهل الإعراض فقال: وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء، والسماع الثالث: هو سماع القبول والإجابة، كقوله تعالى: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا سورة البقرة:285، وفي حالة الجن المسلمين اتصل سماع الإدراك بسماع الإجابة بعد سماع الفهم، فاجتمعت الأمور، فآمنوا وأسلموا، ويا حظ من كان سمعه موافقًا لمرضاة الله تعالى، ولذلك قال في الحديث القدسي: ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به[رواه البخاري: 6502] يعني: لا يسمع إلا ما يرضي الله .

أيها المسلمون: إن سماع الفهم والإجابة في غاية الأهمية، وهو سماع مفقود عند الكثيرين، فيسمعون بأذن الرأس، لكن لا يسمعون بأذن القلب؛ ولذلك يواجه الدعاة إلى الله تعالى من المشكلات والمصاعب ما الله به عليم؛ نتيجة  لتخلف سماع الفهم، وسماع الإجابة عند الناس، سماع الرأس والإدراك أمر ميسور لأكثر الناس، أما سماع الفهم فيحتاج إلى إمعان وتركيز، وتفرغ، وحضور قلب، أما سماع الإجابة فيحتاج إلى إخلاص وتجرد، ولذلك لا يرزقه إلا القليل، قليل من الناس الذين يسمعون سماع الإجابة، سماع التأثر، سماع الانقياد، ؛ولذلك ترى هؤلاء الناس كثيرًا ما يسمعون الخطب والمواعظ، لكن قلّ من يستجيب، وقلّ من يتأثر، لتخلف سماع الإجابة، وسماع التأثر والانقياد، ولذلك كان من علامات أهل الكفر وأعمالهم أنهم لا يريدون سماع الحق، قال الله تعالى- عن نبيه الكريم، الداعية الذي دعا قومه، وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْسورة نوح:7؛ لكي لا يسمعوا فيتأثرو،ا وكذلك الكفار قالوا: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِسورة فصلت:26 حتى لا تتأثروا به، ولذلك جعل الطفيل في أذنيه كرسفًا، أي: قطنًا من الدعاية والإعلام الباطل الذي وجهه كفار قريش لدعوة النبي ﷺ، ولكن الله أسمعه وهداه، وكذا كل من يريد الله به خيرًا، وقال الله مبينًا أنه هناك سماعًا في الرأس لكنه ليس بسماع في القلب، وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَسورة الأعراف:179،  فأثبت لهم سمع الرأس، ولكن نفى عنهم سمع القلب، لهم آذان، لهم سمع الرأس، لكنهم لا يسمعون بها، فالاستجابة معدومة، والانقياد غير حاصل، هناك سماع للصوت لكن ليس هناك استجابة، ولذلك وصفهم الله بأنهم أضلّ من الأنعام، فإن الإنعام إذا سمعت صوت الراعي ودعاءه ونداءه استجابت واستأنست، وعرفته فتقبل إليه، أما هؤلاء فلا، هذا السماع هو المقصود، هذا التفريق الموجود في حديث النبي ﷺ، والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي و لا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار[رواه مسلم:153]،

أما سماع الفهم فهو سماع شريف، أثنى رسول الله ﷺ على صاحبه نضر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها عني، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه[سنن ابن ماجه:236 ]نضر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها وحفظها ثم أداها إلى من لم يسمعها فربما يكون الثاني فقيهًا له سمع الفهم، فيفقه ويبلغ وينذر.

عباد الله: إن فهم هذه الأشياء تبين لنا لماذا لا يفهم كثير من الناس؟ ثم لماذا لا يستجيبون؟ لماذا لا يتأثرون؟ لماذا لا ينقادون؟

نعمة السمع مسؤلية وأمانة

00:11:18

عباد الله: إن هذا السمع مسؤولية، وقد رتب الشارع أحكامًا عليه، وجعل فيه واجبات ومحرمات، وجعل فيه تبعات ومسؤوليات؛ ولذلك قال ربنا: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْسورة النساء:104أي: في الكفر ومعاندة الشريعة.

إذا سمعت -يا أيها المسلم- آيات الله يستهزأ بها في المجالس، إذا سمعت بشرع الله يستهزأ به في مجالس الناس ومنتدياتهم، إذا سمعتهم يخوضون في الكتاب والسنة بالباطل، إذا سمعتهم ينتقصون من الدين، ويعيبون الشريعة والأحكام، فعندك خياران لا ثالث لهما، إما أن تنكر فتسكتهم، أو تقوم وتغادر المجلس، ولا بدّ من ذلك، أما إذا سكتَ وجلستَ فأنت شيطان آخرس، الساكت عن الحق شيطان أخرس، وما أكثر المجالس اليوم، التي تلمز فيها الشريعة، وتعاب فيها الأحكام، ويسخر فيها من الدين والمتدينين، وفي  المقابل ما أكثر المقصرين، وما أقل المنكرين الذين لا يقومون بالواجب الشرعي، المقصرين الذين لا يقومون بالواجب الشرعي، وكذلك ذكر الله من صفات المؤمنين أنهم أَعْرَضُوا عَنْهُسورة القصص:55المقصرين الذين لا يقومون بالواجب الشرعي، وكذلك ذكر الله من صفات المؤمنين أنهم: وإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُم يتأثروا به، ولم ينصتوا إليه، ولم يستمعوا، وإنما أعرضوا، وتأمل بعض ما في الشريعة من الأحكام المرتبطة بالسمع، كقوله: ﷺ: الجمعة على من سمع النداء[رواه أبو داود:1065] 

فإذا كان قريبًا يسمع النداء وجب عليه الحضور، بخلاف ما إذا كان بعيدًا، وكذلك حضور الصلاة الجماعة في المسجد، فإن النبي ﷺ قال: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر[رواه ابن ماجه:793]، فإذا سمع النداء ولم يأتِ إلى المسجد فهو آثم، وما أكثر الآثمين في هذا الباب، الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة، فإذا فرض أن هناك مؤذن صيتًا يؤذن على سطح المسجد، والسامع حسن السمع، وليس بينهما جدران، ولا عوائق، والريح ساكنة، فإذا كان يسمع فلا بدّ من الإجابة، لا بدّ من الإجابة، هذا الضابط الذي تجب فيه، على المكلف الجماعة وحضورها، إذا سمعت النداء فأجب داعي الله[رواه الدارقطني:1880] ،حي على الصلاة حديث صحيح، وكذلك: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول[رواه مسلم:384]، كما جاء عن النبي ﷺ: وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه[رواه الترمذي:267]، فسمع تكون بمعنى: أجاب سمع الله لمن حمده، أجابه وأثابه، فإذا سمعتها وسائر أذكار الصلاة وتكبيرات الإمام فأنت تجيب، وأنت تتابع، وكذلك جعل الشارع من المسموعات ما يتفاعل به قلب الإنسان المؤمن، كما قال النبي ﷺ: إذا سمعتم صوت الديكة فسلوا الله من فضله؛ لأنها رأت ملكًا[رواه البخاري:3303، ومسلم:2729]. ترى ما لا نرى، وقال في الحديث أيضا: إذا سمعتم نباح الكلب ونهيق الحمير بالليل فتعوذوا بالله من الشيطان لماذا؟ لأنها رأت شيطانًا وكذلك فإن من سمع بفتنة فلا بدّ أن ينأ عنها وأن يبتعد؛ لأن النبي ﷺ قال: من سمع بالدجال فلينأ عنه[رواه أبو داود:43190] فإذا سمعت بمكان فيه فتنة فلا يجوز لك أن تسافر إليه، ولا أن تذهب إليه، والدليل حديث الدجال من سمع بالدجال فلينأ عنه ليبتعد، وليس أن يذهب إليه، وما أكثر الدجاجلة الصغار قبل الدجال الأكبر الذين يذهب إليهم الناس للاستماع، وما أكثر أماكن الفتنة التي يسافرون إليها، وقد جاء الشارع أيضًا بآداب لما نسمع، وإرشادات لما نتكلم به، فقال النبي ﷺ: كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما يسمع[رواه أبو داود:4992]، وما أكثر النقلة الذين ينقلون ولا يتثبتون ويحدثون بكل ما يسمعون فلا يحذفون، ولا يكتمون، ولا يحفظون، ويحتفظون، بالكذب والباطل، والمشكوك فيه، والإشاعات الكاذبة.

وكذلك فإن السمع مدار تحديد الوسوسة في الصلاة، كما قال النبي ﷺ: إذا كان أحدكم في الصلاة، فوجد حركة في دبره، أحدث أم لم يحدث، فأشكل عليه فلا ينصرف[رواه أبو داود:177 ]، لا يقطع الصلاة، لا يجوز له ذلك، لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا، علاج بالغ للوسوسة، ولمن يسمع أصواتًا في بطنه ورزًا فإنه لا يقطع الصلاة حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا، والشريعة تريد البينة، وتربي المسلم على الدليل، وليس على اتباع الشكوك والأوهام والظنون.

حكم السماع يأخذ حكم المسموع

00:18:48

عباد الله: إن حكم السماع يختلف بحسب المسموع، فقد يكون واجبًا، أو مستحبًا، أو مكروهًا، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في عبوديات الجوارح: فعلى السمع، يعني: من العبادة وجوب الإنصات والاستماع لما أوجبه الله ورسوله عليه، من استماع الإسلام، والإيمان، وفروضهما، وكذلك استماع القراءة في الجهر، إذا جهر الإمام واستماع خطبة الجمعة في أصح قولي العلماء: واجب.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في عبوديات الجوارح: فعلى السمع، يعني: من العبادة وجوب الإنصات والاستماع لما أوجبه الله ورسوله عليه، من استماع الإسلام، والإيمان، وفروضهما، وكذلك استماع القراءة في الجهر، إذا جهر الإمام واستماع خطبة الجمعة في أصح قولي العلماء: واجب.

ويحرم عليه استماع الكفر والبدع الموالد التي ضجوا بها، المولد النبوي، والاحتفالات البدعية التي ملأت الدنيا من أرباب الصوفية، ومشركي هذا الزمان، وأصحاب البدع، ويحرم عليه استماع الكفر والبدع إلا حيث يكون في استماعه مصلحة راجحة، من رده، الرد عليه، أو الشهادة على قائله بالكفر والبدع عند القاضي؛ ليقام الحد ويأخذ بما هو لازم لمكافحة هذا الأمر، أو زيادة قوة الإيمان والسنة، فإن الإنسان المسلم الصادق إذا سمع ببعض ديانات الهندوس والبوذيين -مثلًا- حمد الله على النعمة، وكذلك يحرم استماع أسرار من يهرب عنك بسره، ولا يحب أن يطلعك عليه ما لم يكن متضمنًا لحق يجب القيام به، أو لأذى مسلم يتعين نصحه وتحذيره منه.

وكذلك يحرم استماع أصوات النساء الأجانب، التي تخشى الفتنة بأصواتهن، إذا لم تدع حاجة من شهادة عند القاضي أو معاملة، أو استفتاء، أو محاكمة، أو مداوة عند طبيب ثقة ونحو ذلك، فيتبين لك -أيها المسلم- أن كثيرًا من الذين يستخدمون سماعات الهاتف إنما يستخدمونها في حرام، كثير ما هم يستخدمونها في حرام، ويأثمون بالسماع، ويجلس يسمع الساعات الطويلة، ويتكلم، حرام في حرام، وإثم في إثم، ومعصية بعد معصية، والملك يكتب، وسخط الله نازل، والوعيد شديد، والآخرة متحققة، والجزاء واقع، وجنة أو نار، وكذلك يحرم استماع المعازف وآلات الطرب، واللهو، كالعود، والطنبور، واليراع، كما ذكر ذلك ابن القيم في عصره، وفي عصرنا الكمنجة، والقانون، والأورج، وغيرها من أنواع المعازف، وكذلك قال رحمه الله: ولا يجب عليه سد أذنه إذا سمع الصوت وهو لا يريد استماعه، إذا كان يمشي في الشارع فسمع صوت الغناء، أو سمع صوت موسيقى وهو لا يريد استماعه، لا يجب عليه سد أذنيه إلا إذا خاف السكون إليه والإنصات فحينئذ يجب سد الأذنين؛ لتجنب سماعه من باب سد الذرائع ونظير هذا المحرم لا يجوز له تعمد شمّ الطيب ولكن إذا حملت الريح رائحته وألقتها في مشامه لم يجب عليه سد أنفه وأما السمع المستحب فكاستماع المستحب من العلم، وقراءة القرآن، وذكر الله، واستماع كل ما يحبه الله، وليس بفرض، والمكروه عكسه، وهو استماع كل ما يكره، ولا يعاقب عليه.

نسأل الله أن يحفظ علينا أسماعنا، وأن يحفظ علينا أبصارنا، اللهم متعنا بأسماعنا، ومتعنا بأبصارنا، اللهم متعنا بسائر قواتنا، واجعلها الوارث منا، احفظ أسماعنا من الحرام وأبصارنا من الحرام، وحواسنا من الحرام، واجعل ما نسمعه في مرضاتك. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:23:25

الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، هو السميع العليم، هو السميع البصير، سبحان الذي وسع سمعه الأصوات، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا يشغله سمع عن سمع، لا يشغله صوت من أصوات عباده عن صوت آخر، لا يشغله دعاء واحد عن آخر، فهو يسمع الجميع، يسمع أصواتهم، على اختلاف لغاتهم، وتنوع حاجاتهم، فيجيبها هذا، ويمنع هذا، ويؤخر هذا، ويثيب هذا، ، وأشهد أن محمدًا رسول الله، -صلى الله عليه- وعلى آله وصحبه أجمعين، سمع كلام الله فأسمعنا وبلغنا، وأدى إلينا صلى الله عليه وعلى أصحابه وآله وذريته الطيبين الطاهرين.

الغناء ينبت النفاق في القلب

00:24:43

عباد الله: إن مما يجب أن يشغل أسماعنا سماع العلم، سماع الآيات، سماع أخبار المسلمين، سماع فتاوى أهل العلم، سماع الدين، سماع كل ما يحيى القلوب، وما يجب صرفه سماع الغناء والحرام، نريد سماع الآيات، لا سماع الأبيات، وسماع القرآن لا سماع مزامير الشيطان، وسماع كلام الأنبياء والمرسلين، لا كلام المغنيين والمطربين، فهذا السماع سماع يحدو القلوب إلى جوار علام الغيوب، وسائق الأسواق الأرواح إلى ديار الأفراح، ومحرك يثير ساكن العزمات إلى أعلى المقامات، وأرفع الدرجات، إني أحب أسمعه من غيري.

وطريقة الصحابة في التلاوة يقرأ أحدهم والباقون يستمعون، ولا شك أن القلب -يا عباد الله- يتأثر بالسماع بحسب ما فيه من المحبة، فإذا امتلأ من محبة الله يرغب في سماع كلام المحبوب والإنصات إليه، والتفاعل معه، وأما إذا كان مملوء بالعشق والفسق فإنه يريد سماع الأغاني والطرب وحرام، على قلب تربى على غذاء سماع الشيطان أن يجد شيئًا من ذلك في سماع القرآن، بل إن حصل له نوع لذة فهو من قبل الصوت المشترك، هذا لحن قارئ جميل، وهذا لحن أغنية جميل، فهو من قبل الصوت المشترك؛ ولذلك تراهم يطربون عند سماع القارئ، ويقولون: الله الله، ونحو ذلك من الأفعال المبتدعة، لإعجابهم بصوته، ونغمته، وسحبته، لا لمعنى لما يقول ويقرأ، مثل طرب بعض الناس لما يسمعون أصوات بعض المقرئين، الذين تفننوا بتنزيل صوتهم في القرآن على ألحان الأغاني، والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل[رواه أبو داود:4927]. وما اعتاده أحد إلا نافق قلبه وهو لا يشعر، فما اجتمع في قلب عبد محبة الغناء ومحبة القرآن إلا طرد إحداهما الأخرى ولو بعد حين، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وقد شاهدنا نحن وغيرنا ثقل القرآن على أهل الغناء، وسماعه وتبرمهم به، وصياحهم بالقارئ إذا طول عليهم، وعدم انتفاع قلوبهم بما يقرأ، فلا تتحرك، ولا تخشع، فإذا جاء قرآن الشيطان فلا إله إلا الله، كيف تخشع الأصوات!؟ وتهدأ الحركات، وتسكن القلوب، وتطمئن، وتقع، طيب السهر وتمنى طول الليل

تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة لكنه إطراق ساه لاه
وأتى الغناء فكالذباب تراقصوا والله ما رقصوا من أجل الله
دف ومزمار ونغمة شادن فمتى شهدت عبادة بملاه
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بأوامر ونواه
فانظر إلى النشوان عند شرابه وانظر إلى النسوان عند ملاه
واحكم فأي الخمرتين أحقّ بالتحريم والتأثيم عند الله

أعظم نعمة رؤية الله تعالى في الجنة

00:28:41

اسمع كلام الله، اسمع عذر إخوانك، اسمع شكوى المراجع -يا أيها الموظف- السماع، إذن كثير، طيب، لكن من الذي يفعل، أما سماع المعصية، سماع البدعة، كسماع الصوفية وترانيمهم، وسماع أغانيهم في الموالد فلا، وسماع الاحتفالات في الموالد فلا، قال القشيري: "سمعت أبا عبد الله السلمي قال: دخلت على أبي عثمان المغربي ورجل يستقي الماء من البئر على بكرة فقال: يا أبا عبد الرحمن أتدري ماذا تقول هذا البكرة؟ فقلت: لا، قال: تقول: الله الله، هذا شغل الصوفية، البكرة تقول: الله الله، صوت الماء يسحب على البكرة، يعني: الله الله، وهكذا -أيها المسلمون- نسأل الله أن يدخلنا الجنة، فإننا إذا دخلنا الجنة فلن نجد أحلى ولا أعظم نعمة من رؤية الرب وسماع كلامه؛ ولذلك لا يوجد في نعيم أهل الجنة أعلى من رؤيتهم وجه الله وسماع كلامه، وكذلك سماع غناء الحوار العين، الذين يكون ثوابًا لمن امتنع عن سماع الغناء في الدنيا، قال الله في وصف أهل الجنة ونعيمهم رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ سورة الروم:15، يعني: يسمعون الغناء، غناء الحور العين، أما علاقة موضوع السماع بالبوسنة فإنه قول الشاعر:

رب وامعتصماه انطلقت ملئ أفواه السبايا اليتم
لا مست أسمعاهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

وهؤلاء اليوم يخططون وتبرز الخطط، وبين الصرب والكروات مثلما نحن نقول عند البخاري ومسلم: متفق عليه، وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَسورة البقرة:120، وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءسورة النساء:89 ، وسيظهر ذلك عاجلًا أم آجلًا، سلموا لهم المنطقة مقابل خروجهم بعددهم وعدتهم إلى أراضي المسلمين، إنهم يريدون ملجيبا، سربرنيتسا، وغيرها من البلدان التي احتلوها، والمدن الإسلامية للصرب الجدد، إنهم قد استولوا على سبعين بالمائة من أراضي البوسنة، لكن ليس عندهم شعب كاف ليملؤوا تلك الأراضي، فهم يخرجونهم الآن من مكان إلى مكان، والبلد هذا يذهب إلى كفار، وتملأ البلدان الأخرى من الكفار الآخرين، والمسألة كفر في كفر، ومؤامرة في مؤامرة، ويدل على ذلك أقوال بعض قادة الصرب: إننا لم نفاجأ ولم تبدو عليهم الاندهاشة، وإنما أمر قد قضي بليل.

عباد الله: بعضهم يعد وبعضهم يخطط وبعضهم ينفذ وبعضهم يمالئ وبعضهم يغطي على بعض أولئك أئمة الكفر والله يقول:فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْسورة التوبة:12 لا عهد لهم ولا ذمة، كيف نثق بهم؟ كيف نركن إليهم؟ أينما كانوا، سواء كانوا أرثودكس، أو بروستانت، أو كاثوليك، الكفر ملة واحدة، كفار، ولذلك ظن بعض السذج أن هؤلاء أرادوا الدفاع عن المسلمين، وأخذتهم الحمية فنصروا المسلمين، والله ما أرادوا ذلك، إنما أرادوا مصلحتهم، وقد يتعللون في الظاهر بشيء لمصلحة المسلمين، ولكن أياديهم ملوثة بدماء المسلمين، مما قريب، فكيف يثق العصفور بمن افترس أخاه؟ يا عباد الله، ربما تأتي الأخبار وأيام قادمة بمحن مزلزلة، تحمل أنباء اتفاق الكفرة على المسلمين من الجانبين.

ونحن نسأل الله أن يحفظ إخواننا، وأن يرزق إخواننا الفهم والوعي، وأن يردهم إلى دينهم، وأن ينقهم من الشوائب، نسأله أن يعجل فرجهم، ويأتي بنصرهم، وأن يوقظ في قلوب المسلمين الحمية، ويرزقهم القيام بواجب إخوانهم، اللهم إنا نسألك أن تنصر المجاهدين في سبيلك، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، الذين يريدون إعلاء كلمتك، اللهم من أراد دينك بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه، اللهم آمنا في دورنا، وبلداننا، اللهم اجعل بلاد المسلمين آمنة مطمئنة بتحكيم شريعتك، يا رب العالمين، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنًا وبلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم أوقظ في قلوب المسلمين الحمية للجهاد في سبيلك، اللهم واكتب للمسلمين النصر على الأعداء يا رب العالمين، اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، واقض ديوننا، واستر عيوبنا يا أرحم الراحمين، سُبْحَانَ رَبِّكَ ربِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة الصافات:181:180.

1 - رواه البخاري:1314
2 - رواه البخاري: 6502
3 - رواه مسلم:153
4 - سنن ابن ماجه:236
5 - رواه أبو داود:1065 
6 - رواه ابن ماجه:793
7 - رواه الدارقطني:1880
8 - رواه مسلم:384
9 - رواه الترمذي:267
10 - رواه البخاري:3303، ومسلم:2729
11 - رواه أبو داود:43190 
12 - رواه أبو داود:4992
13 - رواه أبو داود:177
14 - رواه أبو داود:4927