الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران: 102، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء: 1،يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[سورة الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلاله في النار.
لك الحمد اللهم على ما بلغتنا من هذا الشهر الكريم، وعلى ما أنعمت به علينا من البدء في صيامه؛ فأتمم نعمتك علينا إنك سميع مجيب.
الزكاة الركن الثاني من أركان الإسلام
أيها المسلمون: بدخول شهر رمضان تتجدد أمور كثيرة من الذكريات، ويطوف ببال المسلم قضايا مهمة من الأمور التي يعيشها إخوانه المسلمون في هذا العصر والأوان، ويرتبط بشهر الصيام أمور متعددة سنقتصر على بيان واحد منها:
أولاً: لأنه ركن من أركان الإسلام.
وثانياً: أنه يهم كل مكلف، وهو فرض عين بل حتى غير المكلفين يشملهم هذا الحكم، ونظرا لأن كثيراً من الناس قد ارتبط قيامهم بهذا الأمر، وهو الزكاة في هذا الشهر العظيم، كان لابد من الكلام عنه، وبيان شيء من أحكامه؛ لأنه لابد من البيان والتبيين؛ ليكون المسلم على بينة، ويعبد ربه، ويعبد ربه بالدليل، والبينة فيما يقوم به من أموره وعباداته كلها.
أيها المسلمون: يقول الله : لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَسورة البقرة:177،إذاً لابد من إخراج الزكاة، وهي من البر قال مبيناً منهم المسلمون، ومنهم إخواننا في الدين، ومنهم الذين يجب الكف عن قتالهم؟ قال -تعالى-: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة التوبة: 5، وقال: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِسورة التوبة: 11، ومن هذه الآية، وغيرها أخذ بعض أهل العلم حكم تارك الزكاة بأنه كافر، ولو لم يكن جاحداً فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ،فإذا لم يتوبوا من الشرك، ولم يقيموا الصلاة، ولم يؤتوا الزكاة؛ فليسوا بإخواننا في الدين.
وذهب بعض أهل العلم إلى عدم كفر تارك الزكاة إذا منعها بخلاً، ولم يمنعها جحودا، قال الله عن إسماعيل : وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِسورة مريم: 55،ووصف المؤمنين بقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ سورة المؤمنون: 4،وهدد وتوعد وقارن بين الربا والزكاة فقال: وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ سورة الروم: 39، تريدون وجه الله لأن بعض الناس يخرج الزكاة ابتغاء عرض دنيوي من ذكر أو شهرة أو ثناء من الناس ونحو ذلك، أو يخرجها ليس عن طيب نفس فقال الله: وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ، الذين يضاعف لهم الأجر.
أيها المسلمون: ولأن الزكاة ركن من أركان الإسلام، والشريعة تبين الأركان كما تبين غيرها فقد بين الله في كتابه منهم الذين يستحقون الزكاة وإلى أي أصناف الناس تصرف، إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ، بعباده وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌسورة التوبة: 60.حكيم بما شرع لهم.
حكم مانع الزكاة في الدنيا والآخرة
أيها المسلمون: قال ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله، فهم أبو بكر هذا الحديث، لما ارتد العرب، وبعضهم منع الزكاة.
جاء في حديث أبي هريرة تفاصيل ما حدث، فقال لما توفي رسول اللهﷺ واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب؛ قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللهفإذا أخل بشيء بحق لا إله إلا الله؛ يقاتل إذاً، فقال أبو بكر: "والله لأقاتل من فرق بين الصلاة والزكاة"، فإن الزكاة حق المال، من قال لا إله إلا الله لا يقاتل، فإذا أخل بشيء من حق هذه الشهادة فإنه يقاتل: "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعه"، فقال عمر: "فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق" رواه البخاري وغيره .
ولذلك جاء حكم مانع الزكاة في السنة، فقالﷺ عن الزكاة: من أعطاها مؤتجراًيبتغي الأجر فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها بالقوة فإنا آخذوها وشطر ماله، وفي رواية: وشطر إبله؛لأن المناسبة كانت عن الإبل عزمة من عزمات ربنا -تبارك وتعالى- لا يحل لآل محمد منها شيء، حديث حسن .
إذاً يجب على إمام المسلمين، أو من يقوم مقامه أن يأخذوا الزكاة من مانعها بالقوة، ولو اضطروا لقتاله، زائد شطر ماله عقوبة على المنع، فتؤخذ الزكاة بالقوة، زائد نصف المال عقوبة له على منعها، هذا هو الحكم الشرعي في مانع الزكاة.
قال ﷺ عن حكمه في الدار الآخرة: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
أيها المسلمون: ليست صفيحة واحدة، ولكنها صفائح من نار، ليست نار الدنيا، ولكنها نار جهنم، فضلت على نارنا بتسعة وستين جزء.
أيها المسلمون: لا يكوى بها طرف واحد من جسده، ولكن يكوى بها جنبه، وجبينه وظهره.
أيها المسلمون: إذا بردت لا ينتهي الأمر كلما بردت أعيدت له.
أيها المسلمون: ليس في ساعة ولا في يوم، ولا في جمعة، ولا في أسبوع، ولا في سنة يستمر ذلك العذاب، إنما هو في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد: ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر، أوفر ما كانت في هذه الأرض العريضة المستوية لا يفقد منها فصيلا واحداً تطأه بأخفافها وتعضه بأفواهها، كلما مرت عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد.
والبقر والغنم نفس الكلام، قاله ﷺ تأتي وتمر تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار، فماذا بعد أيها المسلمون؟ ماذا تريدون شيئا آخر من الأدلة التي تدفع المسلم إلى إخراج زكاته؟ عاجلاً عاجلاً، الآن الآن، عند حلول الحول قبل أن يتوفاه الله، فيلقى ربه غضبان عليه، ويعذب في قبره، وفي الدار الآخرة بما جنى من منع الزكاة، وعدم إخراجها، ماذا يقول الأغنياء من المسلمين الذين تصل زكاتهم إلى الملايين؟ وهم يمنعونها لأنهم قد استكثروا هذه الزكاة ولم يخرجوها كما أمر الله.
أيها المسلمون: هاكم طائفة من الأحكام: وإن أطلنا قليلا نظراً للحاجة إليها والبيان في هذا المجمع العظيم الذي أنتم فيه:
شروط إخراج الزكاة، والنصاب في الذهب والفضة وزكاة المعادن
من ملك نصاب من الزكاة من أي صنف من الأصناف الزكوية التي تجب فيها الزكاة، الزكاة: النماء والزيادة الزكاة: البركة، من ملك أي صنف من الأصناف التي تجب فيها الزكاة من الذهب، والفضة، أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية، أو عروض التجارة، أو الغنم، والإبل، والبقر، وغيرها من الأصناف الزكوية؛ إذا بلغت نصاباً، وحال عليها الحول، وجب إخراج الزكاة فيها، حق الله، ويشترك فيه حق للفقير أيضاً، لابد من إخراج الزكاة، ولو كان المال ليتيم أو مجنون لا بد من إخراج الزكاة، يخرجها عنه وليه.
أيها المسلمون: قال ﷺ: لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالا مِنَ الذَّهَبِ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يعني من الفضة صدقة، فهذا هو الحد في زكاة النقدين. حديث صحيح.
وبناء على ذلك فإنك إذا سألت كم يساوي الآن بالأمور المتداولة، فقد قوم أهل العلم هنا هذا النصاب الوارد في الحديث بما مقداره إحدى عشر جنيها ذهبياً متداولاً هنا، وثلاثة أسباع من الذهب، أو ستة وخمسون ريالاً من الفضة، وإذا أرتها بالغرامات فإنها تقريباً خمسة وثمانون غراماً من الذهب، تنقص قليلاً، أو تزيد قليلاً بحسب ما رأى أهل العلم والخبرة المقدرون لذلك، ونصاب الفضة ما يعادل ستمائة وأربعة وثلاثون واثنان في العشرة غرام من الفضة، هذا هو النصاب في النقدين، ولأن الريالات في هذه البلد أول ما خرجت، وأول ما تداولت كانت مبنية على الفضة، وكانت مقدرة، وكان المستعمل هو ريال الفضة، ولأن هذا هو الأحظ للفقير صار النصاب من المال الريالات الأوراق النقدية مقدراً بالفضة في مبدأ الأمر ولو تغير بعد ذلك؛ فإن الأحظ للفقير أن الرجل إذا كان عنده ستة وخمسون ريال فضة فأكثر يخرج على كل مائة اثنان ونصف، فإذا قيل لك: إن ريال الفضة الآن في السوق يساوي عشرة ريالات مثلا، أو تسعة، فإنك تعلم أن نصاب المال تقريباً الآن خمس مائة ريال فأكثر من ملك تقريباً وهو الأحظ للفقير يخرج من كان عنده هذا المبلغ وأكثر من الريالات الموجودة الآن الزكاة في كل ألف خمسة وعشرون ريالاً، في كل ألف خمسة وعشرون ريالا، والحمد لله إن أكثر الناس يملكون أكثر من هذا النصاب، فالوجب عليهم إذا المبادرة لإخراج الزكاة فيها.
ويقول الناس: إنا لنستلم رواتب فماذا نفعل؟ نقول خذوا أول يوم استلمتم فيه مرتباً، وليكن الثلاثين من شعبان في عام ألف وأربعمائة عشرة مثلاً، فإذا جاء عندك ثلاثين من شعبان ألف وأربعمائة واحدى عشر للهجرة؛ فانظر مثلا ماذا عندك من الرصيد أخرج في كل ألف خمسة وعشرين ريالاً وريح نفسك من عناء حول على كل راتب، ومعرفة ما أخذت منه، وما وفرت فإنك ستتعب، فإن أردت سبيل الراحة، والسماحة، وطيب النفس، والأكثر فأخرج بهذه الطريقة، فإن كنت متعوداً إخراج المال مثلاً في الخامس عشر من رمضان، فإذا جاء هذا اليوم انظر ماذا عندك من الأموال، فأخرج على كل ألف خمسة وعشرون ريالا.
فإذا كان عندك، أو عند زوجتك ذهب سبائك أو حلي وغيرها فلا بد من إخراج الزكاة فيها، خمسة وثمانين غرام فأكثر لكل من ملك نصابا، يعامل بمفرده يخرج في قيمة الذهب الحلي في السوق عند حلول الحول الزكاة في هذا المال.
نفس الشيء في كل ألف خمسة وعشرون ريالاً، وكذلك فإن كل ما لدى الإنسان من أقلام أو ساعات ذهب وغيرها مع أنه لا يجوز أصلاً لبس الذهب للرجال، ولكن نقول من ملك أشياء فيها ذهب كلها تدخل مع النصاب فإذا وصل خمسة وثمانون غراماً تقريباً تجب فيه الزكاة، أو في قيمته الحالية في السوق في كل ألف خمسة وعشرون ريالا.
وأما المعادن الثمينة، فإنه لا زكاة فيها، ولو كانت أغلى من الذهب مثل الألماس وغيرها لا زكاة فيها لعدم ورود النص فيها، فإذاً باقية على الأصل براءة الذمة لا زكاة فيها، إلا إذا أعدت للتجارة صارت من عروض التجارة.
ولا يجب تكميل نصاب الذهب بالفضة التي عندك، فإنك تعامل الذهب بنصاب مستقل، والفضة بنصاب مستقل، وتعامل ما ملكت البنت الأولى نصاب مستقل، وما ملكت البنت الثانية نصاب مستقل، ولا يجب عليك أن تجمعه جميعه، وكذلك فإنه إذا نقص عن النصاب شيئاً يسيراً جداً أخرج الزكاة لأنه يصعب ضبطه.
وكذلك فإنه إذا كان عندك شيء مخلوط بالذهب والفضة، أو ذهب وألماس؛ فقدر الذهب عند أهل الخبرة، ثم ضم الذهب بعضه إلى بعض مما كنت تملكه أنت، أو ضم بعضه إلى بعض فيما تملكه زوجتك، لتعلم كم مقدار الزكاة فيه، ومن كان عنده هواية جمع نقود يجب إخراج الزكاة فيها إذا بلغت مع بقية ماله نصاباً.
حكم الزكاة في عروض التجارة والحلي والأسهم
وعروض التجارة تقوم السلع في الدكان المعدة للبيع في آخر السنة، فيجب إخراج الزكاة في قيمتها عند حلول الحول، في كل ألف خمسة وعشرون ريالاً.
وأما أمواله السيولة في البنك مثلاً فإنه يخرج زكاتها أيضاً.
والأراضي المعدة للبيع يجب إخراج الزكاة فيها؛ لأنها صارت من عروض التجارة إذا نوى بها البيع، وقطع النية بالبيع، وعرضها للبيع، فبمجرد النية نية البيع، وعقد العزم يبدأ الحول، فإذا حال عليها الحول وجب إخراج الزكاة في قيمتها الحالية عند حلول الحول؛ لأن هذه الأراضي معرضة للارتفاع والانخفاض.
وأما الأرض المعدة للإيجار، أو للسكن، أو لبناء مشروع عليها، أو محطة بنزين، أو عمارات، أو دكاكين للإيجار، فلا زكاة فيها، وإنما الزكاة في الإيجارات إذا استلمت وحال عليها الحول، وأما إذا أعدت للبيع يجب فيها الزكاة، وإذا تردد في النية بين البيع والتأجير أو الاحتفاظ للنفس مثلاً فإنه لا زكاة حتى تجزم بالبيع.
وتجب الزكاة في حلي الزوجة على الزوجة؛ لأنها صاحبة المال، إلا إذا تبرعتَ بطيب نفس أن تخرج عنها، فلك الأجر بعد أن تعلم هي، تخرج الزكاة عنها، وإذا كانت تجهل حكم الزكاة في الماضي فلا إعادة عليها فيما مضى لجهلها بهذا الحكم الذي وقع فيه اختلاف، لكن جاء الدليل الحقيقي والصحيح به، في امرأة جاءت إلى رسول الله ﷺ وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب سواران، قال: أتؤدين زكاة هذا؟قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما بسوارين من نار يوم القيامة؟، فدل على وجوب إخراج الزكاة في الحلي، سواء ما كان مستعمل، أو للإعارة، أو يلبس مرة في السنة، أو طيلة السنة، أو لا يلبس أبداً تجب فيه الزكاة على قول الراجح المسنود بالدليل من أقوال أهل العلم.
وأما الأسهم فإنها تقوم عند حلول الحول فيعرف قيمة الأسهم في السوق الآن، وتخرج قيمتها وأرباحها تضاف إليها، فليس هناك حول منفصل للأرباح ورأس المال، ولكن إذا حال الحول على رأس المال على الأسهم تخرج زكاتها مع زكاة الأرباح ولو خرجت الأرباح قبل بيوم.
حكم الزكاة فيما هو معد للاستعمال الشخصي:
وأما ما عده الإنسان لسكنه من أنواع الأثاث، والأواني، والسجاجيد وغيرها؛ فلا زكاة فيها، والسيارات إذا كانت معدة للاستعمال ليس فيها زكاة، ولو بلغت مائة سيارة والحمد لله.
وصاحب سيارة الأجرة التكسي لا يجب إخراج الزكاة على سيارته؛ لأنها ليست معدة للبيع، فكل ما هو معد للاستعمال الشخصي لا زكاة فيه إلا الذهب والفضة.
والصداق يجب على المرأة إخراج الزكاة فيه إذا كان عندها، أو إذا كانت متى طالبت زوجها أعطاها، فأما إذا لم تستطع المطالبة فإنه ليس عليها إلا حين تقبضه تخرجه مرة واحدة.
زكاة المزارع والزروع والثمار
وكذلك فإن المزارع لا زكاة فيها إلا إذا أعدت للبيع، وما يخرج من المزارع إذا كان من الأصناف الزكوية كالحبوب والثمار تجب فيها الزكاة حسب ما ورد في النصوص الشرعية من المقادير، وأما إذا كانت خضروات مثلاً فلا زكاة فيها لحديث: ليس في الخضروات زكاة، فمن كان عنده بيوت محمية فيها خضروات فلا زكاة فيها والحمد لله.
الإسلام أيها الأخوة: لا يهدف لإضرار الناس أبداً، الشريعة لا تأتي لإضرار الناس، في كل مائة اثنان ونصف في الأموال التي عندك، وبقية الأشياء، مقادير يسيرة للمصالح العامة، ولمصلحتك أنت قبل كل شيء.
حكم الزكاة في المنازل المؤجرة:
00:25:51
والمنازل المؤجرة وغيرها لا تجب فيها الزكاة إلا في الأجرة إذا حال عليها الحول.
والأموال المعدة لشراء بيت، أو للزواج، أو لقضاء دين، يجب فيها زكاة إذا كانت لازالت عندك، أما إذا صرفتها في تسديد الديون قبل الحول فلا زكاة فيها.
وإذا كان عليك ديون وعندك أموال، فالصحيح أن الدين لا يمنع إخراج الزكاة التي عندك، ولو كان الدين أكثر من المال الذي عندك، كم عندك تخرج اثنين ونصف في المائة إلا إذا أخرجت المال لتسديد الدين قبل حلول الحول فلا زكاة فيه.
وكذلك فإنه إذا كان لك أموال عند الناس أنت أسلفتهم إياها فلا يجب عليك إخراج الزكاة فيها إلا إذا قبضتها منهم، فإذا كانوا أغنياء متى طالبتهم أعطوك، هذا تعريف الغني في هذه القصة أو في هذا الحكم، متى ما طالبته بالدين أعطاك، تخرج عن كل السنوات الماضية، أما إذا كان مماطل أو فقير فلا زكاة عليك إلا إذا قبضتها تخرجها مرة واحدة فقط.
ويحسن إخراج زكاة المال من جنسه من الثمار ثمار، ومن الغنم غنم، ومن التجارة أموال، وهكذا تقوم، ويحسن ولكن لا يجب فلو أخرجها مالاً كلها فلا بأس.
مصارف الزكاة
ويجب إعطاء الزكاة لمستحقيها، والمستحقون مذكورون في الآية، والفقير: هو من لا يجد شيئاً من الأشياء الضرورية، إذا كان لا يجد طعاماً، أو شراباً، أو سكناً إيجار، سكن ما عنده، أو أشياء ضرورية في البيت كالثلاجة ،والمكيف مثلاً ضرورية، لكن الكنب ليس ضروري، فإذا كان لا يجد الأشياء الضرورية فهو فقير يعطى، ويجوز إعطاء الزكاة للذين عليهم ديون لا يستطيعون أدائها، وهم مطالبون الآن، أو هو مهدد بالسجن مثلاً، أو تخرجه من السجن بتسديد ما عليه بإعطائه ما يسدد ليخرج من السجن.
وكذلك أصحاب الجنايات والديات يجوز إعطاؤهم منها ليسددوا الجنايات والديات التي عليهم، ولا يجوز إعطاء الزكاة لتارك الصلاة، والكافر أبداً، ويجوز إعطاؤها للفاسق الذي يرتكب شيئاً من المنكرات، ولكن إعطاؤها للتقي أولى، ولا حرج في دفع الزكاة للأخ الفقير، الخال الفقير، العم الفقير، ابن العم الفقير، الأخت الفقيرة، العمة الفقيرة، وهكذا، إلا من تلزمك نفقتهم فلا يجوز إعطاؤهم؛ كالأب كالأصول والأجداد، والفروع الأبناء والزوجة، لا يجوز إعطاؤهم من الزكاة؛ لأنك مكلف بالنفقة عليهم شرعاً.
وكذلك فلا يجوز صرف الزكاة لبناء مساجد، ولا طباعة مصاحف؛ لأنها ليست من مصارف الزكاة، ولا يعطى الخادم ولا السائق، ولا الخادمة من الزكاة؛ لأن له راتب إلا إذا كان فقيراً لا يكفيه راتبه، وهو فقير في أهله، ولا يزال محتاج فيجوز إعطاؤه مع أن الأولى أن لا؛ لأن لا تحصل من مكاسب، وأشياء تعود عليك من إعطاء الزكاة كأن يحسن خدمته، أو يكون لا يريد أن يجلس عندك فيجلس عندك لأنك أعطيته هذه الزكاة.
ولا بد من النية عند إخراجها، فإن الإنسان لو تصدق قبل شهرين بخمسمائة ريال صدقة لما جاء الزكاة قال: أحسب الخمسمائة من الزكاة، نقول: لا يجزئ؛ لأنك ما نويت الزكاة عند إخراج الصدقة تلك، فأما إذا نويت من قبل قلت: هذه الزكاة مقدم خمسمائة ريال، فتحسب من الزكاة، ولا بأس بذلك.
واحذروا إذا دفعتم زكواتكم للجمعيات الخيرية، احذروا لا بد من التأكد أنها تصرف للمستحقين، وإلا من يعطي هكذا للجمعيات من غير تدقيق في من يأخذ وأين تصرف؟ فإن هذا على خطر عظيم.
وكذلك فإن أموال صناديق البر والصناديق الخيرية، والرصيد في البنك لبناء مسجد المجمع من متبرعين لا زكاة فيه.
حكم التصرف في مال الزكاة، وإعطاء الزكاة للأقارب
وكذلك فلا يجوز التصرف في المال لابد من إعطائه الفقير، لا تشتري له به أشياء وتعطيه، تعطيه المال هو يتصرف؛ إلا إذا كان أحمق أخرق لا يحسن التصرف، فيجوز أن تتصرف بشراء أشياء ضرورية له؛ لأنه لا يحسن التصرف، وإما إن كان عاقلاً يحسن التصرف، فلا تتصرف له في أمواله.
وإذا لم يوجد عندك فقراء هنا تعطيها لفقراء آخرين في بلدان أخرى خصوصاً إذا كانوا من الأقارب، فأنت تعطيها لهم زكاة من الأقارب الذين لا تلزمك نفقتهم، افرض أن لك عم في مصر أو الأردن أو غيرها من البلدان فقير فيجوز أن ترسلها إليها وتعطيها أيها، وهو أولى من غيره.
حكم تأخير الزكاة بسبب الضرر، وحكم أخذ موزع الزكاة من زكاة الغني:
وكذلك فإنه -أيها الأخوة- لو قال إنسان: أنا أتضرر إذا أخرجت الآن، معناه أسيل بعض ممتلكاتي أتضرر، نقول: لا بأس أن تتأخر الشهر والشهرين فتخرج الزكاة مقسطة خلالها، ولكن لا تؤخر حق الله وحق الفقير.
وكذلك فإنه لا يجوز لإنسان أن يأخذ الزكاة من غني لنفسه، لا يجوز أن يأخذها إذا قال: أخذها وأعطيها محتاجين، لا يجوز أن يأخذها هو إلا بعد أن يخبر صاحب المال أنه هو المحتاج، ولا يلزم إخبار الفقير عند إعطائه الزكاة أنها زكاة، لا يلزم، لا داعي للإحراج، لا يلزم، تعطيها ترسلها بأي طريقة.
ومن يوقف الفقراء أمام بيته بالطابور، فعليه أن يخشى الله من إذلال الناس، وإنما يوصلها إليهم في بيوتهم خفية مخفية لا يطلع عليها إلا الله .
ومن فاتت زكوات الماضي منه فعليه أن يخرجها الآن ويتدارك أمره للعذاب الأليم المترتب على عدم إخراجها.
نسأل الله أن يفقهنا وأياكم في دينه، وأن يرزقنا اتباع سنة نبيه، اللهم اجعلنا ممن يحفظ حدودك، ويؤدي حقوقك، اللهم اجعلنا من الوقافين عند حدودك لا من المتعدين واغفر لنا أجمعين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا إله إلا هو، وحده لا شريك له، الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، هو الأول، والآخر، والظاهر، والباطن، وهو بكل شيء عليم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، السراج المنير، والداعي إلى الله بإذنه، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها .
أحكام الزكاة في البقر والغنم والإبل
أيها المسلمون: من كان عنده سائمة من الإبل، أو البقر والغنم؛ فإن كان يعدها للتجارة فيجب إخراج الزكاة في قيمتها؛ لأنها صارت من عروض التجارة، أما إن كانت عنده يعدها لاستعماله الشخصي، أو يذهب إليهابين حين وآخر فقط، ولم يعدها للبيع فإذا كانت ترعى من هذه الأعشاب في الأرض فتجب فيها الزكاة، كما جاء في الحديث: في كل أربعين شاة، وهكذا في الإبل في كل خمس إبل شاة، وهكذا في البقر إلى آخر الأنصبة.، وأما إن كان هو الذي يطعمها ويشتري لها شعيرا وهو الغالب في أمره أنه يشتري لها، فإنه لا زكاة فيها إلا إذا أعدت للتجارة ليبيع منها فتجب فيها الزكاة، ولوكان هو الذي يعلفها.
وكذلك فإننا نقول، ونعيد الكلام في الدين للحاجة إلى بيانه لكثرة المداينات التي تحصل بين الناس: إذا كان عندك نقود، وعليك دين أخرج الزكاة على المال الذي عندك إذا حال عليه الحول، ولو كان عليك دين إذا حال الحول، وإذا كان لك مال عند الناس فإذا قبضته أخذته، فإن كان الشخص الذي أسلفته غنياً -كأن يمكن تأخذ مالك في أي وقت -أخرج الزكاة عن كل سنة مضت والمال عنده، وإن كان على فقير أو مماطل ليس عليك إلا إخراج زكاة واحدة عند الاستلام.
وإذا مات إنسان قبل حلول الحول فلا زكاة في ماله؛ لأنه لم يكن حيا وقت الوجوب، وليس على الورثة كذلك الزكاة، فإذا صارت من نصيب الورثة بدأ الحول على الورثة،
وكذلك فإن الإنسان إذا كان عنده أموال يحول حولها في رمضان مثلاً، فاشترى بها في شعبان عروض تجارة، فالصحيح أنه إذا جاء رمضان وقت حلول الحول على المال السيولة الأصلية تجب الزكاة فيها؛ ولو حولها إلى عروض تجارة لأن هذا بعضه من بعض.
وكذلك فإننا لابد أن نتقي الله في إخراجها، فإن بعض الناس لا يضبطونها، وإنما يأخذ من عرض المال كمشة من المال يقول: هذه الزكاة، وقد تكون أكثر، فيجب عليه أن يحسب ويضبط، وإذا أراد إن يخرج زيادة فله الحمد لله له الأجر والمنة.
والمقاولون الذين عندهم رافعات، أو آلات، أو دركترات -كما يسمونها- أو قلابات، وشاحنات، فليس فيها زكاة إلا إذا أعدت للتجارة، وإنما الزكاة في المكاسب التي تأتي منها.
وكذلك فإن الفقير يعطى ما يكفيه لمدة سنة، فلو قال: إنسان كم أعطي الفقير أكثر ما أعطيه؟ نقول: يجوز لك أن تعطيه مصروف سنة من الزكاة.
ويجوز إعطاء الشاب الذي لا يستطيع الزواج من الزكاة إذا كان سيقع في الحرام لو لم يتزوج، إذا كان يخشى على نفسه العنت، وسيقع في الحرام لو لم يتزوج؛ فإنه يعان من الزكاة ليتزوج.
ولا يجوز محاباة الأقرباء بها، بعض الناس يعطون أقرباء وليسوا فقراء.
انتبهوا، يا أيها الناس، يا أيها المسلمون، بعض الناس يعطون عوائل كانت فقيرة منذ عشر سنوات، لكن تغير حالها، واشتغل الأولاد فيها، وصاروا أغنياء لا يجوز إعطائهم جرياً على العادات السابقة، وإنما يبحث عن المستحقين الحقيقيين الجدد.
وكذلك فإنه لا يجوز إسقاط الدين من الزكاة مقابل الزكاة على القول الصحيح، فلو أن لك دين ألف ريال عند فقير لا يستطيع إعطائك إياه وعليك زكاة ألف ريال، هل يجوز أن تقول -أيها الفقير- سمحتك في الألف ؟ خلاص ليس علي زكاة ؟ الصحيح لا، والسبب أن الزكاة أخذ وإعطاء، خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَاالتوبة: 103، وأنت لا أخذت ولا أعطيت، وإنما اسقطت شيء بشيء، وكذلك فإن هذا العمل نفعت به نفسك بتحصيل مال غير متحصل، ولا يصح الانتفاع من إخراج الزكاة بأي شيء من الدنيا، وكذلك لأن هذا المال دنيء غير المتحصل، فكيف تفدي به مالاً عزيزاً وهو مال الزكاة.
فإذاً يحرص على إخراج الزكاة بالطريقة الشرعية، ومن كان عنده بضاعة في المخازن استوردها وخزنها ومضى عليها السنة هو معدها للبيع فيها الزكاة، لكن لو قال: لا على ثمنها في السوق، لا أعلم كم ستأتي لي بثمن لا أعلم، نقول: انتظر حتى تبيع ثم أخرج الزكاة عن هذه السنة التي مضت.
أيها المسلمون: قال ﷺ: يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعاً أقرع، شجاع: يعني الحية الذكر، أقرع: الذي سقط شعره من كثرة سمه، يفر منه صاحبه، هذا الذي ما أدى الزكاة الذي منع الزكاة وكنز المال، وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَالتوبة: 34- 35، هذا مانع الزكاة يفر من ماله يوم القيامة، وماله يتحول إلى ثعبان عظيم سام، يفر منه صاحبه، فيطلبه هذا الثعبان، ويقول: أنا كنزك، قال: والله لا يزال يطلبه حتى يبسط يده حتى يحاصر الرجل ولا بد له من مواجهة الثعبان فيبسط يده فيلقمها، يجد نفسه مضطرّاً لبسط يده لفم الثعبان فيلقمها فاه.
وقال ﷺ: من آتاه الله مالاً فلم يؤدي زكاته، مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه -يعني بشدقيه-، يقول: أنا مالك، أنا كنزك ثم تلا ﷺ هذه الآية: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِآل عمران: 180،، سيجعل كنزهم الذي لم يخرجوا زكاته ثعبان يطوقهم يوم القيامة.
عن الأحنف بن قيس قال: قدمت المدينة فبينما أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم، فقال على الملأ: بشر الكانزين برضفحجارة محماة بالنار يحمى عليها في نار جهنم فتوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغضي كتفيه، هذا العظم الرقيق في أعلى الكتف يوضع في حلمة الثدي حتى يخرج من نغضي كتفيه، هذه الحجارة المحماة بالنار، ويوضع على نغض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزلمن الألم يتزلزل، قال: فوضع القوم رؤوسهم فما رأيت أحدا رجع إليه شيئا.
وعن الأحنف بن قيس قال: كنت في نفر من قريش فمر أبو ذر وهو يقول: بشر الكانزين والكانز الذي لا يخرج زكاة ماله بشر الكانزين بكيّ في ظهورهم يخرج من جنوبهم، وبكي من قبل أقفائهم من تحت يخرج من جباههم قال: ثم تنحى فقعد، قال: فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذر، قال: فقمت إليه، فقلت: ما شيء سمعتك تقول قبيل: قبل قليل؟ قال: ما قلت إلا شيئاً قد سمعته من نبيهم ﷺ .
هذا عقاب الذي لا يؤدي الزكاة، فأنت وشأنك -يا عبد الله- اتقي الله في مالك وأد الزكاة.
أيها الناس: لو أن المسلمون أخرجوا زكاة أموالهم الآن كما يرضي الله كم من المسلمين سيبقى فقيرا على وجه الأرض؟ ولكن لما عصت هذه الأمة سلط الله علينا ذلا، وهزيمة، وحروبا، وجوعا، وخوفا، ومصائب، لا يعلم بها إلا الله، ما طبقوا الشريعة لا في أنفسهم، ولا في مجتمعاتهم، صار أمرنا الآن إلى ما ترون من تلاعب أمم الكفر بنا.
أيها المسلمون: عوداً عوداً إلى الدين، وهذا شهر رمضان فليكن شهر عودة إلى الله، وليكن شهر توبة وإنابة وتصحيح الأوضاع، وتصحيح الأخطاء، واستدراك ما فات.
نسأل الله بأسمائه الحسنى أن يجعلنا وأياكم من المغفور لهم في هذا الشهر العظيم، اللهم اغفر لنا في يومنا هذا أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم كثرة ذنوبنا واسرافنا في أمرنا وتقصيرنا فاغفره لنا يا رب العالمين، وارزقنا التوبة والإخلاص، وعبادتك كما تحب وترضى، اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.