الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: هذه عشركم المباركة العظيمة، التي يحب الله فيها العمل الصالح، ولا يوجد عشر في السنة أفضل منها أبداً، بل هي أفضل أيام العام، ولله شعائر وهي: المعالم البارزة الظاهرة، منها الزمانية: كعشر ذي الحجة، ومنها المكانية: كالبيت العتيق، وعرفة، ومزدلفة، وكذلك هذه الجمرات التي ترمى لذكر الله ، ونحوها من الأماكن التي أمر الله بإتيانها وهي أماكن محدودة.
معاني آيات حج بيت الله العتيق من سورة الحج
في عشرنا هذه تجتمع الشعائر الزمانية مع الشعائر المكانية في هذه العبادات العظيمة؛ ولذلك صارت هذه الأيام أفضل أيام السنة، قال تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَاأي: عينا وحددنا، أخبرنا إبراهيم وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ عيناه له، فمكان البيت عليه تدور الأحكام العظيمة، ليس بنيانه فقط، وإنما الأساس مكانه، فلو ارتفع البنيان لأي سبب طاف الناس بالمكان، حدود هذه الكعبة، وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ليبنيه على اسم الله وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا فقد بني على اسم الله، وبني على توحيد الله، بعيداً عن الشرك، لم يكن فيه شرك لأحد، وإنما خالصاً لله ، فهذا البيت للتوحيد، وعلى التوحيد بني، فليس له حظ للمشركين، ليس فيه نصيب لعباد الأوثان، وكل من يدعو أحداً من دون الله لا مكان له عند البيت، الذي يدعو نبياً، أو ولياً، أو جناً، أو كوكباً، أو صنماً، لا مكان له عند البيت؛ لأن البيت بني على التوحيد، وأسس على التوحيد، ومن أول يوم كانت القضية واضحة أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ طهره من الأنجاس والأرجاس، المعنوية والحسية، فأما النجاسات المعنوية فعلى رأسها الشرك إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ سورة التوبة 28. وكذلك طهره من النجاسات الحسية والأقذار، لماذا؟ لتكون العبادة فيه مستقيمة، ويكون الإكرام لهؤلاء الذين جاؤوا من أجل البيت؛ ولذلك فإن خدمتهم قربة إلى الله، وإن إعانتهم على العبادة عبادة، ولذلك قال الله : وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ الذين يطوفون به، لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ أي: العاكفين، فالقيام على الشيء هو عكوف عليه وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَالعاكفين على هذا البيت، الذين جاوروه للعبادة، أتوا للعبادة، استقروا حوله للعبادة، يستحقون الخدمة والإكرام، وتطهير البيت من أجل أعمالهم الصالحة التي يتقربون بها إلى الله وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ سورة الحـج 26. أي: الذين يصلون فيه، فمن طائف، ومعتكف، ومقيم ملازم مجاورٍ، ومصلٍ راكع وساجد؛ من أجل هذه الأعمال العظيمة تكون خدمة البيت، وتطهير هذا المكان المبارك، من أجل هذه العبادات التي هي توحيد لله وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ الأذان رفع الصوت، الإبلاغ، وأذن يا إبراهيم يا خليل الله وَأَذِّن فِي النَّاسِ في جميع أنحاء العالم بالحج، مَن كان معه عند البيت؟ لم يكن إلا نفر قليل، هم الذين سيسمعون لو نادى، فكيف سيسمع البقية وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ تعجب الخليل مَن الذي سيسمع ليأتي؟ ولكن الله على كل شيء قدير، يبلغ الصوت إلى أقصى المدى، لم يكن ثم أجهزة اتصال، ولا إرسال عند الخليل ، ولكن الله على كل شيء قدير، فقد بلغ صوت الخليل حتى قيل: سمعته الأجنة في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، وتواضعت الجبال فوصل صوت الخليل ما وراءها إلى أنحاء العالم، فلم يبق بشر في الأرض إلا وسمع، فهذا تبليغ الصوت إلى كل أحد، من المعجزات التي أكرم الله بها الخليل وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ سيستجيبون لهذا النداء، وليس في زمنه فقط، وإنما إلى قيام الساعة ستكون الاستجابة، ويأتي الناس أفواجاً لحج البيت العتيق من كل فج عميق.
يَأْتُوكَ رِجَالًا على أقدامهم يمشون، ما الذي يجعلهم يتحركون؟ ما الذي يجعلهم يجهدون ويتعبون؟ يَأْتُوكَ رِجَالًا جعل الله في قلوبهم الحنين إلى البيت العتيق، تهوي إليه الأفئدة من كل مكان، هذا الحنين للكعبة، وهذا الاشتياق للبيت شيء رباني، لا يمكن أن يزرع في الأفئدة، هذا شيء نفسي لا يقدر الأطباء ولا غيرهم على غرسه، وإنما هو شيء إلهي، جعله الله في قلوب المؤمنين، وفي نفوس الصالحين في أنحاء العالم، في كل زمان ومكان، الحنين إلى البيت العتيق، والاشتياق الذي يجعل هذا الباكستاني يمشي ستة آلاف كيلو متر من بلده حتى يصل إلى البيت العتيق، والذي يجعل بعض الحجاج أول ما يراه لا يقدر على الوقوف على قدميه فيخر، وبعضهم تفيض روحه فتكون شهادة بثياب الإحرام.
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا هذه حالة وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ على الرواحل التي ضُمّرت أي: صارت نحيلة بتقليل طعامها تدريجياً مع رياضتها؛ لتكون مستعدة لخوض غمار المسافات الطويلة وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَهذه الرواحل بما عليها مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ سورة الحـج 27.وقد قال بعض العلماء: بفضل الحج ماشياً؛ لأنه قدم رِجَالًا على ركبان، ولكن فعل النبي ﷺ هو الأفضل، وقد حج راكباً .
يا مسلم، يا عبد الله: تأمل كيف كان الحال من قبل، عندما كانوا يأتون مشاة على الأقدام، أو يأتون على هذه الرواحل من أماكن بعيدة، والزاد قد ينقطع، والطريق قد يقطع، ويخرج عليهم من يسلبهم، ويحصل ما يحصل في الطريق من السيول والمخاطر، وكثير لا يصلون، فيكون الخارج للحج مودعاً، والمستقبل كأنه مولود، من مخاطر تلك الرحلة الطويلة التي سهلها الله عليك الآن، فيأتي الناس من أنحاء العالم بهذه الطائرات، أفلا تستحق هذه النعمة الشكر؟ والله قد سهل، يأتين على متن هؤلاء الرحلات مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ منافع: عامة فتشمل منافع الدنيا، والدين لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ أولاً: بتوحيد الله، ثانياً: بهذا الأجر العظيم الذي يخرجون به من مغفرة الذنوب، كيوم ولدتهم أمهاتهم، وهذه الرحمة التي تغشاهم، وهذه المباهاة التي يحصلونها بوقوفهم شعثاً غبراً، وهذه الإسقاطات العظيمة للسيئات، نحرك هديك، كيف يكون الأجر وقد وقع الدم لله، على توحيد الله؟ رميك الجمار مدخور لك، حلقك رأسك لك بكل شعرة تسقط حسنة، طوافك بالبيت تخرج من الذنوب كيوم ولدتك أمك، والوقوف في عرفة مباهاة، وهكذا لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ دخول الجنة، الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة [رواه البخاري 1773 ومسلم 1349]. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ بلقاء إخوانهم والتعارف فيما بينهم لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ في هذه البيوع والإجارات، وليس عليهم جناح أن يبتغوا فضلاً من ربهم لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ في أمور كثيرة جداً، يمكن أن تكون سوقاً إسلامية لجميع بلدان المسلمين في العالم، وملتقىً سنوياً تبحث فيه كل مشكلات المسلمين في العالم، يكون هناك استثمار لهذا اللقاء؛ لأن الله قال: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ولا بد من تحقيق هذه المنافع وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ هي عشرنا هذه، المعلومات عشرنا هذه، أقسم الله بها في آية أخرى وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ سورة الفجر 1-2. فجمع بين ذكر الليالي والأيام؛ لبيان أن الفضل في الليل والنهار، فقال: أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ معلومات الفضل، ومعلومات محددات، يبدأن بدخول الشهر، وأفضلها آخرها يوم النحر، وفيها عرفة، وفيها اجتماع العبادات الزمانية والمكانية، وفيها أيضاً هذه الأيام العشر عبادات لا تجتمع في غيرها، هناك عبادة بدن، وعبادة مال، عبادة مالية، عبادة قلبية، عبادة بدنية، كلها تجتمع في هذه العشر اجتماعاً لا يحصل في غيرها، ولا حتى في رمضان؛ ولذلك كانت هذه الأيام عظيمة وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ذكر الله الآن في العشر توحيداً، تكبيراً، تهليلاً، تحميداً، وتسبيحاً، هذه الأيام العشر يذكر فيها الله على النعمة التي أنعم بها، من بهيمة الأنعام، من الإبل والبقر والغنم، منها الأضاحي، ومنها الهدايا، الهدي للبيت العتيق، ولا تخرج عنها، وأكثر اللحوم التي يأكلها الناس في العالم من بهيمة الأنعام، منّة عظيمة من الله، ولذلك أمر بالصدقة منها: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ سورة الحـج 28. فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ بإزالة الأوساخ والشعر والأظفار وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ سواءً كان قد نذر الحج نفسه، أو نذر طوافاً إضافياً بعد الحج يأتي بطوافات قد نذرها، أو نذر أي عبادة أخرى كإطعام المساكين في الحرم، ونحو ذلك وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ سورة الحـج 29. الطواف العظيم طواف الإفاضة، وقبله طواف قدوم، وبعده طواف وداع، هذا العتيق: الأصيل في التوحيد، العتيق: الذي بني قبل آلاف السنين، هذا العتيق: الذي كان قيامه قياماً للناس ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ الزمانية والمكانية، ولذلك لا بد أن نربي أولادنا على هذا التعظيم حتى يعرفوا قيمة العشر، حتى يتجهوا للعبادة فيها، وليس إلى المعصية في هذه العشر، تباً لمن يقوم بالعصيان، ويرتكب الكبائر، وينتهك حدود الله، ألا يعرف عظمة ربه؟ ألا يعرف قيمة هذه العشر؟ والله يقول: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ والحرم من الحرمات، فكيف يعصى الله في الحرم؟ كيف يعصى الله في الحرم؟ هذا الذي يعظم شعائر الله ويعظم حرمات الله، فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ سورة الحـج 30. عنده جنات وحسنات وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ، هذا هو الدين، وهذا ملخص الرسالة السماوية كلها، حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء وسقط، وهوى إلى قاع سحيق، فكيف يكون حاله وهو يهوي إلى قاع سحيق؟ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فيحصل له أحد احتمالين: فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ سورة الحـج 31. ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ سورة الحـج32. لأن تعظيمه لها دال على التقوى في قلبه، ولولا وجود التقوى في قلبه ما عظمها، وعلى قدر التقوى يكون التعظيم، فكلما كانت التقوى أكثر كان التعظيم أكثر لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ولذلك لو ركبت أي الهدى إلى الحرم جاز، وبعد ذلك سيكون ذبحها، الأجل المسمى، فيجوز الانتفاع بها دون إضرارٍ بها، ولذلك قال: لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وحتى المنافع هذه من الأكل منها، والشرب من لبنها، وكذلك إعطاء الناس منها، هذه المنافع، والركوب عليها إلى مدة الحياة التي نحياها، وستنتهي هذه الحياة، وهذه الرحلة، رحلة الحج أجل مسمى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ سورة الحـج 33. لأنها ستنحر هناك، وتوزع، وتقسم لله رب العالمين.
اللهم بارك لنا في هذه الشعائر يا أرحم الراحمين، واجعلنا من المقبلين على دينك وتلاوة كتابك يا رب العالمين، اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، دعا إلى الله ولم يشرك به أحداً، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك إمام الحنفاء المتقين، وقائد الغر المحجلين، والشافع المشفع يوم الدين، صاحب لواء الحمد، صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، والشافع المشفع يوم يقوم الشهود، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى ذريته الطيبين، وعلى آله وأزواجه وخلفائه الميامين، وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
ولكل أمة جعلنا منسكاً.
عباد الله: يقول ربنا: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا المنسك: هو الذبح، والنسيكة: هي الذبيحة، فهذا الذبح لله فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ سورة الكوثر 2. أي: وانحر لربك، على اسم الله، هذا الذبح ليس خاصاً بأمة، بل كان لكل أمة، عبادة عظيمة، عبادة عظيمة موجودة في كل شرعية أنزلها الله من السماء وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًالماذا؟ لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِولذلك أضحيتك يا مسلم تشكر بها ربك على نعمة الحياة، أنه أحياك لهذه السنة، تشكر بها ربك على بهيمة الأنعام التي سخرها لك، ولولا تسخيرها ما أكلت منها شيئاً، ولا قدرت عليها، ولا على ذبحها، ولا على الانتفاع منها، ولكن الله سخرها لك وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌفالتوحيد، والذبح له وحده، والمشركون يذبحون للإصنام، ويذبحون للأموات في المشاهد وتحت القباب، ويذهبون إلى الأضرحة لينحروا عندها لهذا الولي، ولهذا، ولهذا، ويتركوا رب العالمين، تباً لهم، ولكن المسلم يذبح لله لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا كل العبادات أسلموها، خلصوها لتكون له وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ سورة الحـج 34. وصفهم الله، وعرّف من هم هؤلاء أهل الإخبات الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ سورة الحـج 35. من تعظيمهم لربهم إذا سمعوا ذكر الله وجلت قلوبهم، لكن أهل الإعراض وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ سورة الزمر 45. أهل الإخبات: الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْهؤلاء عندهم وجل، وهؤلاء عندهم اشمئزاز، لا يريدون الله ولا شرعه، وهؤلاء عندهم إخبات، وتواضع، وخشوع، وذلة لله، إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ علمت عظمته، وعذابه، وعقابه، فخافت، وكذلك تحبه لأجل صفاته العظيمة، والمحامد، والنعم التي أنعم بها وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ صبر موجود، إقامة الصلاة موجود، إخراج المال لله -والمال محبوب- موجود، جمعوا هذه العبادات، والبدن: جمع بدنة من الإبل، ويقال: إن البقرة تدخل فيها أيضاً وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ في ركوب، وأكل، وشرب وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ سورة النحل 6-7. لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ الأجر والثواب الذي ينالكم بذبحها لله، أول شيء هذا الخير، وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ في الصدقات منها، وفي الأكل منها فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ عند نحرها وهي قائمة، الإبل تنحر معقولة اليد اليسرى، مربوطة اليد اليسرى، على ثلاث قوائم، فإذا نحرت سقطت، والله لو ما ذللها ما قدروا على نحرها، ولا استطاعوا الإمساك بها، ولكن هي قائمة أمامهم، والذباح يرفع السكين ليطعن بها في اللبة والنحر، وهي مستسلمة لما سخرها الله له، وكذلك الشاة عند إضجاعها لذبحها فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا وسقطت هذه البدنة، وذهب الحراك، وبردت بعد نحرها، يكون السلخ فيكون الأكل فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ المحتاج الذي يسأل، والمحتاج الذي لا يسأل كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ وإلا لما استطاعوا ركوبها ونفرت، وما استطاعوا الإمساك بها لذبحها أصلاً، لكن الله سخرها، الله ذللها، الله مكنكم منها كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ سورة الحـج 36.هل يوجد في المقابل شكر، شكر لساني، شكر قلبي، شكر بدني، شكر بالمال لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا هل ترى لحماً يصعد إلى السماء، وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ فهذا هو الذي يصعد إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ سورة فاطر 10. هذه التقوى كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ التكبير تعظيم، والهداية تعليم، ونعمة، ففي مقابل الهداية يجب أن يكون التعظيم، وعندما نكبر في هذه العشر نستحضر هذه الآية، لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ سورة الحـج 37.اللهم اجعلنا من أهل الإحسان يا رب العالمين.
أحكام الأضحية
عباد الله: شاة واحدة تكفي الرجل وأهل بيته، عني وعن آل بيتي، فيدخل فيهم الأحياء والأموات، ولا يصح الاشتراك في الشاة من أكثر من شخص، لكن يصح الاشتراك في البقرة والبدنة، والذي ما عنده قيمة أضحية تسقط عنه، ولا يلزم بالاقتراض، رحمة من رب العالمين، هذه الأضحية لأهل البلدان يشاركون بها حجاج بيت الله في بعض الأحكام، كالامتناع عن الأخذ من الشعر والأظفار؛ إكراماً لهم، فهم قاعدون ما ساروا إلى البيت العتيق، لكن أكرموا بالمشاركة في بعض الأحكام، وكما يذبح الحاج هديه يذبح هؤلاء أضاحيهم، تذبح في اليوم العاشر، ويجب أن يكون بعد صلاة العيد لا قبل ذلك، يذبحها الموحد لله، وفيها قربة أضحية، التقرب إلى الله، فإذا ذبحها يقيم شعائر الله في البلد حتى تكون شعائر الله واضحة، مثل الأذان، الأضحية مثل الأذان ينبغي أن تكون واضحة، هناك شعائر طلب الشرع أن تبرز، زكاة الفطر تبرز، لا تكون خفية، وهذه الأضحية التي تذبح في يوم الأضحى وما بعده ليلاً أو نهاراً إلى مغرب الثالث عشر آخر يوم للذبح، هذه الأضحية منها أكل، وشكر لله على النعمة، وفرح الأهل والأولاد، حتى إن العلماء قالوا: اليتيم لا يتصدق من ماله إلا الزكاة، لكن لو رأى وليه أن اليتيم ينكسر قلبه إذا ما كان عنده أضحية، والجيران والناس عندهم أضاحي، يجوز أن يذبح له من ماله، فهذه الأضحية فيها فرحة، وفيها توسعة، وفيها صدقة، والله أوصى بالبائس الفقير، وأوصى بالقانع والمعتر، أوصى بالمحتاج، ولذلك قال بعض العلماء: لو جعلها نصفاً له ونصفاً للفقراء فهو وجيه، أو تثلث الأثلاث الثلاثة، هذه الأضحية العبادة العظيمة، فها أنتم ترون أيام ذكر لله وتكبير، وصيام عرفة العظيم، وبعده الذبح العظيم، وبعده أيام التشريق أيام أكل وشرب لله، وتتوالى العبادات، ويعيش المسلم في جنة في الدنيا، من ذكر الله، والعبادات المتوالية التي يقوم بها، وهذا تكبير مطلق في كل وقت في هذه العشر، ومن فجر يوم التاسع يبدأ التكبير المقيد لأهل البلدان بعد الصلوات، ويجتمع التكبير المطلق والمقيد في التاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر.
نسأل الله أن يتقبل منا، وأن يتوب علينا، وأن يغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يستر عوراتنا، ويقضي ديوننا، ويهدي ضالنا، ويشفي مرضانا، ويرحم موتانا، ويجمع على الحق كلمتنا، ويغيث إخواننا المستضعفين في بورما وشامنا وسائر الأرض، يا أرحم الراحمين اكشف ما نزل بهم، ليس لها من دونك كاشفة، وأنت تكشف الضر فاكشف ما نزل بهم من ضر يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين، اللهم اجعل هذه البلاد آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين، آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، تقبل أعمالنا، ووفقنا لما تحب وترضى، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ولا تفرق هذا الجمع إلا بذنب مغفور، وعمل متقبل مبرور، يا شكور يا حليم يا غفور، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين اعتق رقابنا من النار، وأغننا من فضلك، وارزقنا دار الأبرار، أدخلنا الجنة مع الأبرار يا غفار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.