الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فريضة الصيام كتبها الله على المؤمنين ليحققوا التقوى
ما أسرع مرور الشهر، ما أشد انقضاء هذه الأيام المباركة، صدق ربنا لما قال: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍسورة البقرة 184. في تلك الآيات التي تخاطب نفوس المؤمنين يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواسورة البقرة 183.المخاطبة بالعبادات لا تصلح لغير أهل الإيمان؛ لأنه لا بد من قاعدة تبنى عليها العبادات، وهي قاعدة الإيمان، لن يستجيبوا بلا إيمان، لن يؤجروا بغير إيمان يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُسورة البقرة 183. والمؤمن يتلقى أوامر الله طواعية، بينما لو كان الإيمان ضعيفاً، أو لا يوجد إيمان ستكون النفس متمردة، ستكون النفس ضعيفة التقبل، لكن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُسورة البقرة 183. في هذا، وفي غيره، نفوس المؤمنين نشيطة، والمؤمنون سراع إلى قبول ما يفرضه ربهم عليهم كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُسورة البقرة 183. هذه الدقة عند العلماء في تعريف العبادات لما يقولون: التعبد لله بترك المفطّرات من الفجر إلى المغرب، ما قالوا: ترك المفطّرات، أو ترك الأكل، والشرب، والنكاح فقط؛ لأن الترك لا يشترط أن يكون تعبداً، قد يشغل الإنسان من الصباح إلى الليل ولا يأكل، لكن التعبد لله التقرب بهذا الترك، ومن هنا يظهر التكامل في نظام العبادة في الإسلام، فمنه فعل، ومنه ترك، فهذه عبادة تركية، لكن الترك ليس مجرد حرمان، الترك ليس مجرد تنطع ورهبنة، لا، تركٌ بنية، التعبد لله بترك المفطرات، والمفطرات أعم من الأكل والشرب والجماع، وقد يكون هناك حجامة، وقد يكون، التعبد لله بترك المفطرات من الفجر إلى المغرب، التعبد، كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْسورة البقرة 183. إذن: نحن نمشي في طريق قد مضى فيه غيرنا، قد يكون التفصيل مختلفاً، والكيفية ليست متطابقة، لكن الفرضية متطابقة، إذن: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْسورة البقرة 183.
تشبيه الفرضية بالفرضية، لا تشبيه الكيفية بالكيفية، لماذا فرض؟ لعلكم تصحون، لعلكم تجوعون، لعلكم ماذا؟ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَسورة البقرة 183. ولذلك عندما نقدم الصيام لغيرنا، وعندما نشرحه لأنفسنا يا عباد الله، نتذكر بأن القصد الإلهي الأساس من هذه العبادة هو التقوى، فلن نغرق في شرح الفوائد الصحية إلا لغير المسلمين؛ لتأليف قلوبهم، لكن نحن المسلمين بيننا وبين أنفسنا الهدف واضح، التقوى، إذن: حتى نصل إلى مرحلة نكون من المتقين، حتى نصل إلى هذه المرتبة مرتبة التقوى نحتاج إلى الصيام، فإذا صار الإنسان في مرتبة التقوى صار من أولياء الله، أوليائه المتقون، وصارت الجنة هي مأواه، أعدت للمتقين، وصار له من الفوائد العظيمة للغاية أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍسورة البقرة 184. فرض وخفف، كتب وواسى، فقال لعباده: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍسورة البقرة 184. يعني: سرعان ما تنقضي، سنتنا هذه أيامها في رمضان أطول الأيام على مر السنة كلها، ومن أشدها حرارة، لكن يا عباد الله هل كانت بطيئة جداً؟ كلا والله، الله يكلف ويعين، يفرض ويواسي، فقال لعباده: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍسورة البقرة 184. وفعلاً نحن نقترب الآن من الثلث الأخير من رمضان، لا نكاد نصدق سرعة مرور الأيام، بالرغم من الحرارة وبالرغم من طول اليوم أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍسورة البقرة 184. ليست قضية التخفيف مجرد كلمات، لكن في إجراءات حقيقية في التخفيف في المريض والمسافر، وقال: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍسورة البقرة 184.
التدرج في فرض الصيام وتيسير ذلك للناس
كان في البداية عند فرض الصيام من الحكمة الإلهية في التدرج في التشريع: أن الصيام ما كان إلزامياً للجميع، الذي لا يريد الصوم يخرج فدية، لكن الله قال: وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْسورة البقرة 184. ثم نزلت الفرضية العينية شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِسورة البقرة 185. يهديك، ويفرق لك بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، التلازم بين الصيام والقرآن، تخلل ذكر الصيام ذكراً آخر، تخلل ذكر الصيام ذكر القرآن: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُسورة البقرة 185. تلازم، وكانت هناك عبادة عظيمة بين الرسول الملكي والرسول البشري، عندما كان يدارسه القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، حاول أن تأخذ بهذه السنة يا عبد الله مع أخ في الله، تتدارس معه القرآن في أي ليلة من ليالي رمضان؛ عملاً بهذه السنة، ورمضان والقرآن قرينان، الصيام والتلاوة يشفعان للعبد يوم القيامة فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُسورة البقرة 185. صار إلزامياً، تدرجٌ في التشريع، أولاً: كان صيام عاشوراء فقط هو الفرض، ثم صار مشروعية صيام رمضان بدون إلزام، ثم الإلزام العيني: فَمَن شَهِدَ هذا الدليل على أنه لا بد من رؤية عينية شَهِدَ الشهر يطلق في اللغة على ما كان بين الهلالين، وسمي شهراً لأنه يشتهر، يعلن، ويذاع، ويعرف، ونعرف بدايته بالرؤية العينية، ونعرف نهايته بالرؤية العينية، فهذا شهرنا بين هلالين، هلال في أوله، وهلال في آخره، في مطلع الشهر الجديد يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُسورة البقرة 189. سواءً كانت الأمة مثقفة، غير مثقفة، متعلمة، غير متعلمة، من جهة علوم الدنيا، عندهم آية في السماء واضحة جداً، يعرفون فيها بداية عباداتهم ونهايتها، وآجال ديونهم، وعِدد نسائهم بالأهلة، ارتباط بين العبادات وبين الأهلة، في الصيام بدأً ونهايةً، وفي الحج، وغير ذلك من العبادات، وليس عند غيرنا، عندهم تقويم شمسي لا دليل عليه، أقول له: لماذا هذا ثلاثين؟ لا يعرفون، هذا واحد وثلاثين لماذا؟ لا يعرفون، فبراير ثمانية وعشرين لماذا؟ لا يعرفون، لكن نحن إذا قال واحد: ما هو الدليل على أن شهركم هذا ثلاثين؟ نعرف، ما هو الدليل على أن شهركم تسعاً وعشرين؟ نعرف الجواب، ونبرهن، وندلل على الجواب: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَسورة البقرة 185. رضي منهم في القضاء بالعدد المساوي، ولو قال واحد: ما الدليل على جواز قضاء أيام الصيف في الشتاء للمعذور؟ مريض، مسافر قضى أيام الصيف في الشتاء، نقول: الدليل قوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَسورة البقرة 185. ما اشترط علينا أن نقضي الحار في الحار، والبارد في البارد، قال: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَسورة البقرة 185. بالعدد فقط يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَسورة البقرة 185. ما فرضه علينا تجويعاً، وتعطيشاً، وتعذيباً، ما يفعل الله بتعطيشنا وتجويعنا، وتعذيبنا؟ ليست هذه حكمة من العبادة، تجويع العباد فقط، لا، لكن ليصلوا إلى درجة التقوى، ليتعبدهم بهذا الترك للمألوفات والمشتهيات؛ لأن العبادة يا عباد الله لا بد فيها من تكليف؛ لأنه لا يتميز أهل الجنة من أهل النار بدون أشياء فيها مشقة وتكليف، لكن من رحمة الله أن مشقات العبادة متحملة، يعني في حدود الطاقة والسعة، يعني لا تصل إلى درجة هلاك والحمد لله، ولذلك من كان الصيام يهلكه، أو يضره، ويمرضه، أو يؤخر برءه، فإنه لا يجوز له أن يصوم؛ لأن الله لا يأمر بعبادة مع الضرر، ولذلك قال: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَسورة البقرة 185. ما هي المسألة مسألة إعنات، الله غني عنا وعن صيامنا، وغني عنا وعن تجويعنا وتعطيشنا، لكن أمرٌ لمصلحتنا نحن وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَسورة البقرة 185. وهذه نعمة، فكم من واحد مات قبل رمضان يا عباد الله، وكم من واحد مات أثناء الشهر، وصل أهله اليوم، جاءتهم الأخبار بوفاته فرجعوا مرة أخرى، القصة قبل قليل، قصة من الواقع، جاؤوا فجاء الخبر بوفاة أبيهم، فلم يكمل الشهر، إذن إكمال العدة نعمة، وهذا يجعل المسلم الذي يعيش هذه الأيام يعيش نعمة يجب أن يقدرها حق قدرها.
مشروعية التكبير ليلة عيد الفطر
وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْسورة البقرة 185. أخذ منه العلماء مشروعية التكبير ليلة العيد، أول ما يعلن انتهاء رمضان، وغروب شمس آخر يوم من أيامه، ويأتي الخبر برؤية هلال شوال تنطلق ألسنة المؤمنين: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، قال: وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْسورة البقرة 185. إذن: الهداية لهذا تحتاج إلى تكبير، تكبير يشعر النفس بقدر النعمة، وعظمة المنعم، وحتى لا يداخل النفس كبر وغرور، صمنا ثلاثين يوما، وتسعة وعشرين، وفي الحر، وطول النهار، وفعلنا، وتلونا، وختمنا، وأطعمنا، وتصدقنا، حتى لا تصاب النفس بالغرور: وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْسورة البقرة 185. فتقول: الله أكبر فينطفئ الغرور، سبحان الله ينطفئ الغرور بالتكبير، وتُشكر النعمة بالتكبير: وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَسورة البقرة 185.
ذكر بعض العبادات مع الصيام للاعتناء بها والتفكرفيها
تخلل ذكر الصوم ذكر عبادة أخرى وهي القرآن، وتلاوة القرآن، وتدبر القرآن، وتفسير القرآن، ومعاني القرآن، ومدارسة القرآن، والعمل بالقرآن، وهنالك عبادة أخرى تتخلل آيات الصيام، وهذه التخللات مجال للتفكر والتدبر، إذا كان ذكرها في ثنايا الآيات معناها يريد منا أن نعتني بها، فقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَسورة البقرة 186. إذن هذا الدعاء له ارتباط وثيق بالصيام، أثناء النهار كله مجال لدعاء الصائم، دعوة الصائم مستجابة، وعند الإفطار كذلك الدعوة مستجابة، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِيسورة البقرة 186. عبادي هذا تكريم، عبادي تشريف وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّيسورة البقرة 186. أقريب فنناجيه، أم بعيد فنناديه، فأخبرهم: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌسورة البقرة 186. قريب برحمتي، قريب بإجابتي، قريب بعطيتي، قريب بعلمي، قريب بمعيتي لهم وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِسورة البقرة 186. والله إذا وعد لا يخلف، يجيب يعني يجيب، فإذا قال بعض الناس: دعونا فلم يستجب لنا، فماذا يمكن أن يكون السبب؟ هل الدعاء خرج من قلبٍ غافلٍ لاهٍ؟ هل كان في اعتداء في الدعاء؟ الله لا يحب المعتدين، هل في مانع من موانع الإجابة كأكل حرام؟ هل في خلل في صيغة الدعاء، أو نسيان لأمور مهمة في الدعاء، ورجاء الإجابة؟ ولذلك قال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِسورة البقرة 186. مخلصاً إِذَا دَعَانِ بشروط الدعاء إِذَا دَعَانِ حقاً وحقيقة، ولا بد أن يجيب، وكريم، لماذا لا يعطي؟ لكن هو إما أنه أخر ليسمع إلحاحك وتضرعك زيادة، وهو يحب أن يسمع التضرع والإلحاح، أو أنه أعطاك خيراً أعظم مما طلبت سيأتيك، أو أنه صرف عنك قضاءً نازلاً، وشراً مستطيراً، أنت ما أحسيت أنه نازل، ولا حسيت أنه صرف، لكن هذا كان نتيجة الدعاء، أو أنه سيعطيك يوم القيامة عوضاً عظيماً ربما تتمنى أن كل أدعيتك قد أجلت إلى الآخرة، لكن الإعطاء مؤكد، مؤكد فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَسورة البقرة 186.
اللهم تقبل منا صيامنا، ودعاءنا، وتلاوتنا، وعبادتنا، يا رب العالمين، اللهم اجعلنا لك ذاكرين، لك شاكرين، إليك منيبين، أواهين، تائبين، يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى سبيله ورضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته الطيبين، وخلفائه الميامين، وأزواجه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارض عن صحابة نبيك أجمعين، واحشرنا معهم يا رب العالمين.
التأمل في آيات الصيام وأهمها العلاقة بين الزوجين
عباد الله: آيات الصيام والله جديرة بالتأمل، وهذا وقتها، وإذا لم نتأملها الآن فمتى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْسورة البقرة 187. عطية من الله ومنة أخرى، كان في بداية فرض الصيام إذا نام الإنسان بعد العشاء لا يجوز له أن يأكل ولا يشرب ولا ينكح حتى لو استيقظ قبل الفجر، فغلبت شهواتٌ أصحابها، فقال الله: عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّسورة البقرة 187. يعني: طيلة الليل، تخلل ذكر الصيام، تخلل آيات الصيام قضية اجتماعية، ما هي؟ العلاقة بين الزوجين، العلاقة الزوجية المقدسة في الإسلام، هذا الرباط العظيم، هذه الحياة الشرعية التي تفرق بين الزنا وبين ما أحله الله، فذكّرك يا مسلم بعلاقتك بزوجتك، وكيف يجب أن تكون؟ في آيات الصيام قال لك: هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّسورة البقرة 187. الله أكبر، ماذا تحوي هذه من الوصف العظيم؟ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّسورة البقرة 187. ماذا يفعل اللباس لصاحبه؟ يقيه الحر، والبرد، والأذى، ويستره، ويواري عورته وكل ما يقبح أن يظهر، ويجمله، ويحسنه، أليس هذا ما يفعل اللباس بصاحبه؟ إذن: كل من الزوجين للآخر ستر، وغطاء، وتجميل، وتحسين، وكذلك وقاية، كما أن الثوب يقي صاحبه الحر والبرد، فكذلك الزوج يقي زوجته، والزوجة تقي زوجها، ماذا؟ الحرام، فتكون عفة هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّسورة البقرة 187. فارعَ النعمة، وتعامل معها كما يريد الله، وكما يصف ربنا فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ طيلة الليل وقتٌ للمباشرة: وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْسورة البقرة 187.
إذًا: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ، وهذا يشمل الجماع، ومقدمته، ويشمل الكلام الذي لا يمكن أن يقال في الخارج، رفث، لكن بين الزوجين لا حرج، قال تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ هذه فيها معاني وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ من الأجر، ولا تنسى الثواب والحسنات بهذا الإتيان، وأيضاً لا تغرق في اللذات وتنسى قيام الليل، وتنسى العبادات الأخرى، وكذلك ابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ قال ابن عباس: الولد، فإذا قال إنسان: ما هو الدليل على ذم الإجهاض، وذم تحديد النسل، وذم منع الحمل في الإسلام؟ هذا: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ ابتغ بهذه المباشرة الولد الصالح، ابتغ الولد، لا تضيعه، ابتغ الولد، لا تحرم نفسك من نعمته، ابتغ الولد، لا تجهضه، ابتغ الولد، ابتغ الولد: وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِسورة البقرة 187. ما نزلت مِنَ الْفَجْرِ في البداية لتحسم غموضاً صار عند بعض الناس في الموضع، ما هو الحبل؟ حبل أبيض، حبل أسود، خيط، الخيط هو الخيط المعروف! فنزل مِنَ الْفَجْرِ للتوضيح ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِسورة البقرة 187. يعني: من الفجر إلى المغرب، فلو قال قائل: ما هذه الخانة التي توضع في بعض التقاويم: إمساك احتياطي قبل الفجر بعشر دقائق؟ نقول: بدعة، والدليل هذا: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ما قال: احتاطوا قبلها، هذه بدعة، ولو قال: أنا أشك أنه طلع الفجر، ما عندي يقين، آكل وأشرب أم لا؟ نقول: كل واشرب؛ لأن الله قال: حَتَّى يَتَبَيَّنَ وفي المقابل إذا شككت في غروب الشمس ما تأكل وتشرب حتى تتأكد؛ لأنه قال: ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ والليل يبدأ بالغروب، فمن تأخر عمداً في الإفطار فهو مذموم؛ لأن الله جعل لهذا الصيام حداً، الليل يبدأ من المغرب، فانظر لاحتياط الشرع في المنع من الزيادة على العبادة في أولها وفي آخرها، المنع من الزيادة على العبادة؛ ولذلك تأخير السحور سنة، وتعجيل الإفطار سنة ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ولما أباح في الصيام إتيان النساء في الليل دون النهار ذكر عبادة رابعة في آيات الصيام لا يجوز فيها إتيان النساء لا بالليل ولا بالنهار، ما هي؟ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِسورة البقرة 187. عبادة عظيمة: لزوم المسجد لطاعة الله، تتفرغ من الدنيا تماماً، لا في أجهزة لوحية وكفية و..تماماً، شيء لا بد منه: اتصال، خروج لقضاء الحاجة، وإذا كان بيته قريباً فذهب مثلاً لغسل جنابة أو.. فلا يجوز له أن يأتي المرأة، وهو عاكف، خروج اضطراري، أو خروج للحاجة ويرجع وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ الاعتكاف يصلح في أي مسجد ما دام تقام فيه الجماعة تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَاسورة البقرة 187. كل ما ذكر سابقاً، حدود الله نوعان: حدود قال: فَلاَ تَعْتَدُوهَا وحدود قال: فَلاَ تَقْرَبُوهَافما هو الفرق؟ لا تعتدوها يا عباد الله هذا الخط الفاصل، خط حدود الواجبات لا تعتدوها يعني: لا تترك الواجب، وحدود الله التي قال: فَلاَ تَقْرَبُوهَا هي: المحرمات، لا تخترق الخط الفاصل، أنت في الخارج لا تدخل، الأولى: أنت في الداخل لا تخرج تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا لا تقرب أبلغ من لا تنتهك، لا تقرب أصلاً من بعيد، ولا مقدمات الحرام، ابتعد عنها كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَسورة البقرة 187. بدأ يتقون في آيات الصيام، وختم يتقون في آخر آيات الصوم، وذكر لنا في هذه العبادة العظيمة القرآن، والدعاء، والاعتكاف، عبادات عظيمة ينبغي أن نهتم بها في شأننا.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم إنا نسألك في يومنا هذا مغفرة تخرجنا بها من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا عيباً إلا سترته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مكروباً إلا نفست كربه، يا رب العالمين نفس كرب إخواننا المسلمين، اللهم ارفع الشدة عن المستضعفين، اللهم ارفع عنهم البأس في الشام، وسائر الأرض يا رب العالمين، اللهم طالت المحنة واشتدت الكربة وعظم الخطب وليس لها من دونك كاشف فاكشف ما نزل بهم من ضر، اللهم عجل فرجهم، اللهم عجل فرجهم، اللهم في شهرنا هذا، في صيامنا هذا، في ساعتنا هذه، في بيتك هذا، في يومك هذا العظيم، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك يا حي يا قيوم، يا من لا شريك له، يا أحد يا صمد أن تعجل فرج إخواننا يا رب العالمين، وأن تهزم أعداء الدين وأن تذلهم وأن تلقي الرعب في قلوبهم، وأن تقطع أوصالهم، وأن تشتت شملهم، وأن تجعل دائرة السوء عليهم، وأن تجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين، يا رب العالمين، اللهم احقن دماء إخواننا في مصر واجعلها أمناً وأمانا يا رب العالمين، اللهم اجعل بلاد المسلمين في أمن وأمان، اللهم اجعلهم قائمين بأمرك محكمين لشرعك، اللهم إنا نسألك لبلدنا هذا الأمن والإيمان والاطمئنان، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تدخلنا جنات النعيم، وأن تعتق رقابنا من النار يا رب العالمين، وأن تتقبل منا عملنا وأن تضاعف أجرنا، وأن ترفع درجاتنا، اللهم لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، اغفر ذنوبنا كلها، دقها وجلها، سرها وعلانيتها يا أرحم الراحمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.