الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ليالي العشر في طريقها إلينا معشر الإخوة المسلمين: والمسألة تحتاج إلى زيادة اجتهاد، واستعداد، فإن مواسم الرب التي يتدارك فيها عباده كثيرة، وهو كريم ، ولكن القضية قضية العمل.
الدعاء هو العبادة
عباد الله: إن من أعظم العبادات التي تنتهز الفرصة في هذا الشهر الكريم لأجلها؛ هي عبادة الدعاء، ونريد أن نتعرف على شيء من آداب هذه العبادة، وشروطها، لعل الله أن يقبل دعائنا في هذا الشهر الكريم، وفي العشر الأواخر بالذات.
أيها الإخوة: إن الله قد أمر عباده بدعائه، وأخبر أن الذين يستكبرون عن دعائه وهي العبادة سيدخلون جهنم، ومن لم يسأل الله يغضب عليه، وحثهم على دعائه بإخبارهم بقربه منهم فقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِسورة البقرة186. هذه الآية أيها المسلمون: قد توسطت آيات الصيام وأحكامه، دلالة على أهمية الدعاء في وقت الصيام.
آداب الدعاء، وشروطه
إن للدعاء شروطاً وآداباً، فمن ذلك عدم الاعتداء، وقد حذر الله تعالى من الاعتداء عموماً في كل شيء، ونهى عن الاعتداء في الدعاء خصوصاً فقال: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ سورة الأعراف55. فالدعاء الذي يتضمن اعتداء لا يحبه الله ولا يرضاه، فهو إذن لا يستجيب له.
أنواع الاعتداء في الدعاء
ومن أوجه الاعتداء في الدعاء الشرك بالله ، فهو أعظم العدوان، وهو وضع العبادة في غير موضعها، ومن ذلك أن يدعو غير الله، أو أنه يدعو مع الله تعالى غيره، أو أن يجعل واسطة في دعائه فيسأل الله بنبي أو ولي ونحو ذلك، فمن فعل ذلك فقد تسبب في حرمان نفسه من الإجابة.
ومن الاعتداء الابتداع فيه، فالحذر الحذر من البدعة في الدين، ومنه كذلك سؤال الله ما لا يجوز له، مثل منازل الأنبياء، وقد جاء عن عبد الله بن مغفل أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء[رواه أحمد16796، وصححه الالباني في مشكاة المصابيح418]. فهؤلاء الموَسوَسون يعتدون في الطهور، وهؤلاء المبتدعون يعتدون في الدعاء، وإنما أنكر عبد الله بن مغفل على ابنه هذا الدعاء؛ لأنه طمع فيما لا يبلغه عمله حيث سأل منازل الأنبياء، وهذا فيه تجاوز للأدب، ويمكن أن يكون قد نهاه لكونه من تكثير الكلام بلا فائدة، اسأل الله الجنة.
ومن الاعتداء أن يسأل الله المعونة على الحرام، وقد قال النبي ﷺ: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجلرواه مسلم2735.
ويدخل في هذا أن يسأل ما فيه ظلم لغيره، ومن ذلك الاعتداء على المؤمنين باللعنة والخزي؛ لأن اللعنة دعاء أن يطرد الله فلاناً من رحمة الله، وكذلك الخزي، الدعاء بالخزي ونحو ذلك.
فمن اعتدى على مؤمن بدعاء فحري أن لا يستجاب له؛ لاعتدائه، وهذا الاعتداء مشروط بما إذا كان قصده بالدعاء على فلان غير صحيح، فإن كان صحيحاً، بأن كان في تقصير عمر فلان صلاح للإسلام والمسلمين، أو كان في أخذ فلان أو إصابته بشلل ونحو صلاح للإسلام والمسلمين، لكون المدعو عليه ظالم، أو ممن ينشر الفاحشة بين المؤمنين، فلا يكون هذا اعتداء.
ومن الاعتداء في الدعاء تحجير رحمة الله وتضييقها، كما قال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فأنكر عليه ﷺ بقوله: لقد تحجرت واسعاً[رواه أحمد7255، وصححه الالباني في صحيح الجامع5129].
ومن الاعتداء في الدعاء: الدعاء على النفس وعلى الأولاد، وعلى الأهل وعلى الأموال، وقد قال ﷺ: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم[رواه مسلم3009]. فيكون الاستجابة تكون من باب العقوبة، وليس من باب التكريم.
وكذلك فإن من الاعتداء أن يدعو بتعجيل العقوبة عليه في الدنيا؛ ولهذا لما عاد النبي ﷺ مريضاً صار كالفرخ من الضعف، سأله: هل كنت تدعو بشيء؟ قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، قال رسول الله ﷺ: سبحان الله، لا تطيقة، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار[رواه مسلم2688]. وهذا دعاء عظيم نافع جداً، ينبغي الإكثار منه أيها المسلمون.
ويدخل في الاعتداء الدعاء على النفس بالموت لضر نزل به، ولذلك نهينا عنه، فقال ﷺ: لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً[رواه مسلم2682]. حديث صحيح رواه مسلم.
وسؤال الله تعالى ما يناقض حكمته، أو الدعاء بمحال، أو الدعاء بما لا مطمع فيه كالخلود في الدنيا، أو الدعاء بما يناقض علمه تعالى كعدم إقامة الساعة، كل ذلك من الاعتداء في الدعاء.
ومن جملة الاعتداء في الدعاء: سوء الأدب في الخطاب مع الله، ومن ذلك رفع الصوت بالدعاء رفعاً يخل بالأدب، كما قال عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي رحمه الله: "من الاعتداء رفع الصوت والنداء في الدعاء والصياح"، وعدد من أئمة التراويح يفعلونه يصيحون صياحاً، وبعض الناس يزعق خلفهم بالتأمين، فليس هذا من آداب الدعاء في شيء.
وكذلك من سوء الأدب أن يدعو بغير تضرع، أن يدعو بما يشبه المستغني، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف هو معتدٍ.
ومن ذلك تكثير الكلام والتفصيل في الدعاء الذي لا حاجة له، فقد جاء عن ابن سعد بن أبي وقاص قال: سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها، وكذا وكذا، كان يقول: وأشجارها وأنهارها وحورها وجواهرها وحليها، ونحو ذلك، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، كان يقول: وزقومها وغسلينها وشوكها وعقاربها وأوديتها ونحو ذلك، فقال: يا بني إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: سيكون قوم يعتدون في الدعاء[رواه أحمد16796، وصححه الالباني في مشكاة المصابيح418]. فإياك أن تكون منهم، إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها من الخير، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر. حديث صحيح، رواه أبو داود وأحمد رحمهما الله تعالى.
وينبغي كذلك عدم تكلف السجع في الدعاء، كما قال ابن عباس موصياً مولاه عكرمة: "فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله ﷺ وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب". رواه البخاري.
والسجع المذموم هو المتكلف الذي يذهب بالخشوع، والخضوع، ويلهي عن الضراعة والافتقار، أما إذا حصل بلا تكلف، لكمال فصاحة ونحو ذلك فلا بأس، ويدل لذلك ما ورد من الأدعية مسجوعاً، نحو قوله ﷺ: اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع[رواه مسلم2722]. ومن ذلك: اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، هازم الأحزاب[رواه البخاري2933، مسلم1742]. ونحو ذلك، إنه دعاء بغير تكلف، وإنما أتت به الفصاحة وكمال البلاغة.
وعلى الإنسان أن ينتقي الألفاظ التي فيها الافتقار إلى الله، ويقدم ذلك على السجع، ويترك ما يصطنعه بعض الناس لا يأخذ به.
وكذلك بعض الناس يغنون في الأدعية، ويطربون بها، وربما شابه الدعاء الحال المغنين، قال ابن الهمام الحنفي رحمه الله: ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح، والاشتهار لتحريرات النغم إظهاراً للصناعة النغمية، لا لإقامة العبودية، لا إقامة للعبودية، فإنه لا يقتضي الإجابة، بل هو من مقتضيات الرد، فإن هذا الرفع والخفض والتطريب والترجيع كالتغني إنما ينسب إلى السخرية واللعب، والدعاء مقام طلب وحاجة وتضرع، وليس مقام تغنٍ ولا تطريب.
وكذلك قال الآلوسي رحمه الله: "وترى كثيراً من أهل زمانك يعتمدون الصراخ في الدعاء، خصوصاً في الجوامع، حتى يعظم اللغط ويشتد، وتستك المسامع وتستد، ولا يدرون أنهم جمعوا بين بدعتين: رفع الصوت في الدعاء، وكون ذلك في المسجد".
ومن أهم آداب الدعاء أن يكون الداعي مجتنباً للتلبس بالحرام أكلاً وشرباً ولبساً، فلهذا ينبغي أن يتحرى الحلال؛ لأن للحلال سر عجيب، فالحلال له سر عجيب في قبول الأعمال، كما أن للحرام منعاً وسداً وشؤماً.
قال النبي ﷺ: يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً[رواه مسلم1015]. ثم ذكر في آخر الحديث: الرجل يطيل السفر، والدعاء في السفر مستجاب، أشعث أغبر، قد جمع الافتقار إلى الله والذل، يمد يديه إلى السماء، وهذا من أسباب الإجابة، يا رب، يا رب، وهذا من الإلحاح وتكرير الدعاء، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك[رواه مسلم1015]. فرغم أنه جمع ما جمع من أسباب الإجابة إلا أن الله لا يستجيب له؛ بسبب أكله للحرام، فليراجع المسلم مكسبه من أي المال يأخذ، ما هو المصدر، فإن كان فيه ربا أو رشوة، أو غصب، سرقة، ونحو ذلك من مصادر المال الحرام، فليعلم أنه لا بد من التخلص منه إذا أراد أن يقبل دعاؤه.
أيها المسلمون: إن عدم الاستعجال أمر مهم؛ لأن الذي يستعجل الإجابة، يريدها عاجلاً فوراً، إنه إذا لم يؤت سؤله فوراً، يستبطئ الإجابة فيستحسر، ويقول: دعوت ولم يستجب لي، ويسأم، ويترك الدعاء، ولذلك لا بد أن لا يستعجل، فإنه لا يدري ما هو الخير، لا يدري، لا يدري عن سبب التأخير، والله تعالى هو الذي يعلم ذلك.
وليعلم العبد، وهذه مسألة مهمة جداً، أن الدعاء في ذاته عبادة عظيمة، العبودية في الدعاء من إظهار التذلل والخضوع من العبد للرب، أهم من إعطاء المطلوب، العبودية المتضمنة في الدعاء، عندما يرفع العبد يديه ويسأل ربه، العبادة هذه أهم من أن يعطى ما سأل، وأجرها عظيم، ولذلك لو لم يكن في الدعاء إلا سؤال الله واللجوء إلى الله، وإظهار الافتقار إلى الله لكان أمراً عظيماً، فالناس ينسون هذا السر في الدعاء وهو سر العبودية، وتتوجه الهمم كلها والتفكير إلى قضية هل جاءنا ما سألنا أو ما أعطينا، وهذا لعمر الله من الغفلة العظيمة عما يراد منا من الدعاء، يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي، قالوا: يا رسول الله ما الاستعجال، قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء[رواه مسلم2735].
أيها الإخوة: لعل الحكمة من التأخير أن يزداد العبد من الدعاء فيزداد أجراً، لعل الحكمة من التأخير أنه صرف عنك شراً أعظم مما طلبت صرفه وأنت لا تدري، لعله أعطاك خيراً أعظم مما طلبت وأنت لا تدري، لعله خبأها لك إلى الآخرة ليعطيك بها أجراً فتتمنى يومئذ أنه لم تستجب لك دعوة في الدنيا.
ليس الدعاء إذا استوفى شروطه ليس شراً أبداً، بل هو خير كله، ولو لم يستجب للعبد، ولو لم ير الاستجابة في الواقع، إن الاستعجال وترك الدعاء فيه اتهام للرب، وتبخيل للكريم والجواد؛ ولذلك فإنه لا يضجر العبد أبداً، ولا ييأس، وإنما يواصل الطلب، يكفيه الدعاء، يكفيه الأجر الذي في الدعاء، يكفيه إظهار العبودية.
وكذلك من آداب الدعاء عدم التعليق، لا يعلقه، ولا يتردد، بل عليه أن يعزم ويجد ويجتهد في الطلب من غير ضعف، لا يقول: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم أعطني إن شئت، لا يعلقه على المشيئة، وإنما يدعو دعاءً جازماً، فإن الله لا يعجزه شيء، إن الإنسان إذا أراد أن يطلب من شخص شيئاً وكان يخشى أن هذا الشخص لا يعطيه كل ما سأل فإنه يقول له: أعطني إذا أردت كذا، أو أنه يخفف المطلوب، لعلمه أو لغلبة ظنه بأن الشخص ربما لا يعطيه كل شيء، فلذلك يقول: أسأل بعضه، أما الله فإنه الغني الكريم الذي لا ينقص من خزائنه شيء إذا أعطى عباده كلهم، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي[رواه مسلم2577]. لا تنفذ خزائنه ، ما عندكم ينفد وما عند الله باق، ولذلك فإن الله لا مستكره له، ليس هناك شيء يمنعه من العطاء، بل هو يعطي متى شاء كيف يشاء، ولا تقل: ربما لو سألت كل هذا ما أعطاني فلأسال بعضه، فلماذا لا يعطي، إنه المعطي، يعطي بغير حساب، ويرزق من يشاء بغير حساب، ولذلك ليعزم المسألة، كما قال ﷺ، وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه، إن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه[رواه مسلم2679]. لقد أعطى الله إبليس لما قال: فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَسورة الأعراف14. واستجاب دعاء إبليس، فهل يعجزه، وهل يكثر عليه أن يستجيب دعاء المسلمين.
أيها المسلمون: إن إبراهيم الخليل قال: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْسورة البقرة129. وقد جاء الرسول بعد آلاف السنين من دعوة إبراهيم، وقال ﷺ: أنا دعوة أبي إبراهيم[رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق751، وصححه الالباني في صحيح الجامع1463]. إذن لا ندري أين الخير، والله قد يؤجل لحكمة يعلمها، وينبغي أن نجزم ولا نستعجل، أن نجزم في الدعاء ولا نستعجل.
نسأل الله بأسمائه الحسنى أن يجعلنا من عتقائه من النار، وأن يكتبنا في أهل الجنة، إنه سميع مجيب قريب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأشهد أن محمداً رسول الله الرحمة المهداة، سيد ولد آدم، إمام الأنبياء، صاحب المقام المحمود، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: إن الله لا يقبل دعاءً من قلب غافل لاهٍ، فينبغي أن لا يكون العبد في غفلة قلب تبطل قوة الدعاء، إن مثل الذي يدعو من قلب غافل لاهٍ كمثل القوس الرخوة، كيف يخرج السهم منها يا عباد الله! كيف يخرج السهم من القوس الرخوة! يخرج ضعيفاً لا يكاد يصيب، ولا يصل إلى الغرض، ولذلك أمرنا ﷺبقوله: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ [رواه الترمذي3479، وصححه الالباني في السلسلة الصحيحة594].
إن بعض الناس تراه يرفع يديه فيدعو ونظره يميناً وشمالاً، وفكره في أودية الدنيا، يرفع اليدين يردهما بسرعة إلى وجه ليمسح بهما، ويقوم، ويظن أنه قد دعا، وما درى المسكين أنه لم يفعل شيئاً.
آداب الدعاء الثبوتية
عباد الله: إن للدعاء آداباً ثبوتية، كما أن له آداباً عدمية، وقد تقدم الكلام في الآداب العدمية، أن لا يكون مستعجلاً، وأن لا يعتدي، وأن لا يكون في غفلة، وأن لا يكون في مال الحرام، ونحو ذلك.
وبقي للدعاء آداب ثبوتية، مثبتة، من الإخلاص، والتوبة، والتضرع، والإلحاح، والدعاء في الرخاء، وخفض الصوت، والتوسل بأسماء الله الحسنى، واختيار جوامع الكلم، واستقبال القبلة، والطهارة، والافتتاح بالثناء على الله، والصلاة على النبي ﷺ، ورفع اليدين، وتحري الأوقات الفاضلة، والأماكن الفاضلة، والأحوال الفاضلة، نأتي على ذكرها بمشيئة الله تعالى.
ونسأل الله أن يجعلنا ممن صام رمضان إيماناً واحتساباً، وأن يجعلنا ممن قاموا رمضان إيماناً واحتساباً، وهذه عشركم على الأبواب، فأتموا وسط رمضان بالعبودية والعبادة، واستعدوا وتجهزوا للعشر الأواخر، فإن النبي ﷺ كان يستعد له، يوقظ أهله، ويحيي ليله، يشد المئزر، اجتناباً للنساء في العشر، لا وجوباً، ولكن زيادة في الطاعة، انشغالاً بالعبادة، بحيث ينشغل بها عن نسائه.
وكان ﷺ يجتهد في هذه العشر ما لا يجتهد في غيرها، وكلما قربت النهاية، كلما قربت نهاية السباق، وكاد المتسابقون أن يصلوا إلى خط النهاية، أخرج كل واحد أقصى ما في جعبته، وأجرى كل واحد أقصى ما يستطيع في جواده، والمؤمن في مضمار السباق، والسباق يوشك على النهاية، ورمضان قد مضى منه أكثره، بهذه السرعة التي رأيناها، والذي سيأتي سيكون أسرع، وهو أقل وأقصر، ولذلك فلا بد أن نخرج أحسن ما عندنا، وأفضل ما عندنا فيما تبقى من شهرنا.
اللهم اجعله شهر نصر للإسلام والمسلمين، اللهم عجل فرج المسلمين، اللهم إنا نسألك أن تظهر السنة وأهلها على البدعة والمبتدعين، اللهم دمر اليهود والنصارى والكافرين، اللهم عليك بالمنافقين أهتك أستارهم، واكشف عوراتهم، حتى يحذر منهم عبادك يا رب العالمين، اللهم أخرج اليهود من بيت المقدس أذلة صاغرين، واكتب لنا النصر العاجل عليهم يا رب العالمين، انصر عبادك في سائر الأرض، في مشارقها ومغاربها، إنك ربها وأنت على كل شيء قدير.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءوَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.