الثلاثاء 9 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 10 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الأمانة


عناصر المادة
الخطبة الأولى
وجوب القيام بالأمانة التي حُمّلناها
الأمانات بين الناس كثيرة منها ما يتعلق بالنكاح
من الأمانة أيضاً محافظة المسلم على زوجته وأهله
مراعاة الأمانة في البيع
الأمانة في العطية والوصية
الخطبة الثانية
 

الخطبة الأولى

00:00:07

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله:

وجوب القيام بالأمانة التي حُمّلناها

00:00:30

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًاسورة الأحزاب 72.

أمانات حُمّلناها يا عباد الله، يجب علينا القيام بها، نائت بها السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها فحُمّلناها فلا مناص لنا من القيام بها، إنها أمانات في العبادات، وأمانات في المعاملات، أمانات في العلاقة بين العبد وربه، وأمانات في العلاقة بين المخلوقين أنفسهم، فيجب علينا: أن نتحمل الأمانات في العبادات، كالمحافظة على الصلوات في أوقاتها جماعة في المساجد للرجال، وكذلك الصبيان الذين بلغوا سبعاً يؤمرون بصلاة الجماعة، ويؤدبون عليها بآداب الشريعة، ويلزمون بها عشراً كما يصلي الرجال في المساجد، أمانات في الطهارة، أمانات في ستر العورة، أمانة في الخشوع، أمانة في الطمأنينة، أمانة في إحسان الطهارة، أمانة في غسل المرفقين، أمانة في غسل العقبين، أمانة في أداء الزكاة، أمانة في حسابها، وأمانة في إيصالها إلى مستحقيها، وأمانة في الصيام، وأمانة في الحج، فإذا قدرت عليه وجب عليك، أمانات فيما بين العبد والرب، وأمانات فيما بين الخلق، وفي هذا نتحدث أيها الإخوة.

الأمانات بين الناس كثيرة منها ما يتعلق بالنكاح

00:02:52

والأمانات بين المخلوقين كثيرة ومن ذلك: ما يتعلق بالنكاح، والبيوع، وغيرها، فالمسلم يخاف الله فيسعى للنكاح، ولا يخفي أي من الطرفين ما يجب إخبار الطرف الآخر به، والمكر والخديعة في النار، فلا يجوز للخاطب أن يكتم مرضاً به، يؤثر على الاستمتاع والعلاقة الزوجية، كما لا يجوز للمخطوبة أن تفعل ذلك، فمن فعله فعليه التوبة، وطلب المسامحة من الطرف الآخر، ولا يمنع المسلم الخاطب الجاد من حقه في رؤية المخطوبة؛ لأجل عادات جاهلية، وأعراف خاطئة، وإنما يعطي الحق لأهله، ويُمكّن الطرفين من رؤية بعضهما بالحلال، والعجب كل العجب ممن يسمح لابنته أنت تخرج سافرة، تتمشى في الأسواق متبرجة، ويتغاضى عن هذا العمل المحرم، ثم إذا جاء الخاطب يريد أن يراها بشرع الله، قال: ليس من عاداتنا، وهذا عيب عندنا، ولا تراها إلا وقت الدخول، في أي دين، في الإسلام هذا؟ كلا يا عباد الله.

والمسلم يفي بالشروط في النكاح؛ لأن النبي ﷺ قال: المسلمون على شروطهم. وقال: إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج، والمسلم لا يغلي مهراً ليرهق الزوج، ولا يأخذ ما تحتاج إليه ابنته من الصداق: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّسورة النساء 4.

والمسلم يعاشر زوجته بالمعروف؛ -أمانة أيضاً- امتثالاً لأمر الله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ سورة النساء 19.ولو كره منها شيئاً فليصبر؛ لأن الله ندب إلى ذلك فقال:وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًاسورة النساء 19.وربما رزق منها ولداً فجعل الله فيه خيراً كثيراً، ويحافظ على زوجته ويصونها، وهذه أمانة، في حجابها، وخروجها، ولا يسافر بها إلى أماكن المعصية، ولا يرغمها على رؤية ما حرم الله، ويحفظها من أماكن المنكرات، ومن التشبه بالكفار.

إن بعض العبايات أيها الناس تحتاج إلى عبايات لسترها؛ لما فيها من الضيق والشفافية، وهذه من المصائب أن ترى النساء لا يلتزمن في حجابهن بالشريعة، والقائمون عليهن من أب أو زوج أو غير ذلك لا ينكرون، ولا يمنعونها من الخروج بهذه الطريقة المزرية.

من الأمانة أيضاً محافظة المسلم على زوجته وأهله

00:06:12

عباد الله: إن الزوج يحافظ على زوجته، فهو لا يطأها في حيضها، ولا يأتيها في دبرها، ويأمرها بالصلاة كما قال الله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَاسورة طـه 132ويأمرها بغسل الجنابة؛ لأجل إدراك الصلاة، ويوقظها لصلاة الفجر، وإيقاظك أهلك لصلاة الفجر وأولادك أهم من الجلوس بعد صلاة الفجر لذكر الله وصلاة الضحى؛ لأن ذاك واجب وهذا مستحب، فلا تضيع الواجب من أجل المستحب.

والزوج لا يظلم زوجته حقها في المبيت، ويرعى العدل بين الزوجات؛ لأن النبي ﷺ أخبر فيمن ظلم في هذا أنه يأتي يوم القيامة وشقه مائل، ولا يمنعها من صلة رحمها، ولا من رؤية أقاربها وزيارتهم.

والمسلم ينفق على أولاده، وعلى زوجته، ولا يترك الزوجة تسأل أهلها، وربما تسأل الجيران؛ لأنه لا يعطيها ما يكفيها، وأولاده ينظرون إلى ما في أيدي الأولاد الآخرين بحسرة؛ لأن أباهم لا يكفيهم.

ولا يلعب المسلم بطلاق، ولا يهزل فيه، فإنه أمر عظيم، ألا فليتق الله من يطلق بالثلاث دفعة واحدة، أو يطلق في حيض، أو يطلق في طهر أتى فيه زوجته، وأعظم من ذلك من يسكر ويطلق، ... ويسكر بالمخدرات ثم يطلق، ألا فليتق الله الرجل الذي كلما أراد أن يحلف، أو يلزم أحداً بشيء حلف بالطلاق، عليّ الطلاق تموت ذبيحته، وعليّ الطلاق أن تأكل عشاءك عندي، ونحو ذلك من الكلمات، لا تلعبوا بأحكام الله، وارعوا حق الله.

ولا يقولن مسلم لزوجته: أنت علي مثل أمي، ولا أنت محرمة علي كحرمة مكة على اليهود، وما شابه ذلك من الألفاظ المنكرة، والمسلم لا يمنع ابنته من الرجوع إلى زوجها إذا طلقها، إذا أرادا أن يتراجعها بالمعروف، في عدة الطلاق الرجعي؛ لأن ربه قال: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَسورة البقرة 228فإذا قال الله: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ فكيف تقف أنت أيها الأب أو الأخ عقبة أمام رجوع الزوجة إلى زوجها، إذا اصطلحا وتراضيا على الرجوع في العدة.

والمسلم لا ينزع الولد من حضانة أمه، ولا يمنعها من رضاعه، ولا ينتقم منها بأخذ ولدها لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا سورة البقرة 233. وينفق من سعته على أولاده، آلمني أنني سمعت مرة أيها الإخوة من رجل لما طلقت ابنته وردت إلى بيته قال لها: أتحسبين أنك ستجلسين في بيتي مجاناً، عليك أن تدفعي لي شهرياً ألفاً وخمسمائة، وبعضهم يجبر ابنته على العمل؛ لأخذ راتبها، وربما يرفض زواجها من الأكفاء؛ ليجعلها مصدر دخل له، أين المروءة؟ وأين الشهامة؟ وأين الرجولة؟ وأين الإنفاق الذي أمر الله به الرجال؟

مراعاة الأمانة في البيع

00:09:56

والمسلم يخاف الله تعالى، ويرعى الأمانة في البيع، وهو يعلم أن الله يقول: وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَاسورة البقرة 275. وأن البيع عن تراضٍ، فلا يبيع محرماً، ولا يبيع بيع جهالة وغرر، وإذا نادى المنادي لصلاة الجمعة امتثل أمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ سورة الجمعة 9. ولا يتشاغل إذا أقيمت الصلاة، إذا أقيمت الصلاة ترمي القلم، والدفتر، والورقة، والكتاب، وكل شيء في يدك، ولا يجوز أن تنشغل بمحادثة أحد إطلاقاً، وإنما إلى الصلاة، وأما السنة أن تبكر، فتأتي بيت الله على طهارة، ماشياً محتسباً بخطواتك التي تقرب ما بينها لزيادة الأجر، رفع درجات، وتكثير حسنات، وتكفير سيئات رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ سورة النــور 37. البيع الذي هو حلال بالأصل لا يلهيه عن المسجد، فكيف بالقنوات الفضائية؟ إذا كان الله يقول: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ مع أن التجارة كثيراً ما تكون حلالاً، والبيع مصدر كسب ومعيشة، لا يجوز أن يلهيه ذلك عن الصلاة، فكيف إذا ألهته أغنية، أو مسلسل، أو فلم، أو معصية عن ذكر الله، والصلاة يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ۝ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ سورة النــور 37- 38.

المسلم لا يبيع أمراً محرماً، ولا شيئاً يستعان به على معصية الله، كآلات اللهو، والموسيقى، وغير ذلك؛ لأن ربه قال: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِسورة المائدة 2. ولا يبيع بيع عينه، فلا يبيع سيارة بخمسين ألفاً مؤجلة، ثم يشتريها من المشتري نقداً بأقل، هذه حيلة فاسدة على الربا، والحقيقة أنه أعطاه أربعين ألفاً بخمسين، والسيارة خدعة، وهو في ذلك لا يذهب إلى جهة يقول لها: أريد أن اشتري سيارة في المعرض الفلاني، والوكالة الفلانية، فيعطونه شيكاً يسلمه للمعرض، ويأخذ السيارة من المعرضن ومن الوكالة، ثم يقسط القيمة بزيادة؛ لأن هذا حيلة على الربا وعمل محرم، أقرضوه الثمن ثم سدده إليهم بزيادة، ولكنه يشتري من صاحب المعرض، أو من الوكالة بالأجل، ما دامت السيارة في حوزتهم وقبضتهم، وهكذا من أي شخص تشتري منه شيئاً منقولاً، كالسيارة لا بد أن يكون قد قبضها، وحازها قبل عقد العقد، قبل أن ينعقد عقد البيع، وكثير من يخالف ذلك في هذا الأوان، والمسلم لا يسحب على المكشوف، لا بالفيزا، ولا بغير الفيزا بزيادة؛ لأنه يخاف الحرب من الله فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ سورة البقرة 279. والمسلم يعرف أن البيع أمانة، والشراء أمانة، فلا يغش، ولا يكذب، ولا يبيع بيعتين في بيعة، ولا يقول لشخص: أبيعك على أن تؤجرني، ولا أؤجرك على أن تشاركني، ولا آخذ منك قرضاً على أن تزوجني وهكذا، لا يربط العقدين ببعضهما؛ لأن النبي ﷺ نهى عن بيعتين في بيعة.

وكذلك فإن المسلم تفرض عليه الأمانة، أنه إذا وجد شيئاً ذا قيمة فالتقطه، أن يقوم بتعريفه، والإعلان عنه بكل وسيلة، فإذا لم يقدر على التعريف فلا يلتقطه أصلاً، لماذا يلتقطه ويأخذه؟ ثم يقول: أين أعرفه؟ وأين أعلق الإعلان؟ وأين ؟ وأين؟ فنقول: لماذا تأخذه أصلاً؟.

وكذلك فإن المسلم تفرض عليه الأمانة، أنه إذا وجد شيئاً ذا قيمة فالتقطه، أن يقوم بتعريفه، والإعلان عنه بكل وسيلة، فإذا لم يقدر على التعريف فلا يلتقطه أصلاً، لماذا يلتقطه ويأخذه؟ ثم يقول: أين أعرفه؟ وأين أعلق الإعلان؟ وأين ؟ وأين؟ فنقول: لماذا تأخذه أصلاً؟.

الأمانة في العطية والوصية

00:14:31

والمسلم إذا أعطى أحداً عطية ليس فيها معصية، فلا يجوز له الرجوع في عطيته؛ لأن النبي ﷺ شبه ذلك بأقبح الصور، وأشنعها فقال: العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه .وقال ﷺ: لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده . . رواه الخمسة وصححه الترمذي. فالوالد عليه أن يعدل في العطية بين أولاده، العطية التي ليس لها سبب يجوز فيه التفاوت، كالعيديات يجب أن يساوي بينهم: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ سورة النساء 11. فإن كان هناك سبب يدعو للتفاوت، كأن كان بأحد أولاده مرض يحتاج إلى نفقة علاج، أو دين ركبه، أو إعانة لزواج يحتاجه، أعطاه ما يعينه، فإذا قامت بالولد الآخر حاجة مثل حاجة الأول، أعطاه مثلما أعطى الأول، وإن مات قبل أن يزوج الصغار وقد زوج الكبار، فليس عليه مسؤولية ولا يؤاخذ عند الله؛ لأن نيته أن الصغار إذا كبروا فسيعينهم مثلما أعان الكبار إذا استطاع.

والمسلم لا يجور في الوصية فلا يزيد على الثلث، ولا يوصي لوارث، ولا يحرمه؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: غَيْرَ مُضَآرٍّسورة النساء 12.وقال ابن عباس : "الإضرار في الوصية من الكبائر" وإذا قام المسلم على وصية نفذها؛ لأنها أمانة، فيخرج حقوق الله من تركة الميت أولاً، من زكاة، أو كفارات، أو نذور لم تخرج، وحقوق الآدميين من ديون وغيرها، وينفذ ما أوصى به الميت إن كان أوصى بشيء، ولا يبخس إخوانه الصغار حقوقهم إذا قام على تركة أبيه، ولا يتعدى الذكر على الأنثى فيأخذ حقها، ولا يقسم التركة قسمة جاهلية، فيقول: السيولة في البنك للرجال، وذهب الأم للنساء، قسمة جاهلية، ما أنزل الله بها من سلطان.

ما الذي يحمل المسلم على تنفيذ الوصية، والعدل، والعمل كما أمر الموصي؟ إنه يخاف الله فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ سورة البقرة 181وانظر إلى الوعيد الذي ذكره الله بعد أن بيّن قسمة المواريث، قال وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُأي: في المواريث وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ والأنصبة التي حددها يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ سورة النساء 14.

اللهم إنا نسألك أن تفقهنا في ديننا، وأن تعيننا على القيام بحقوقك، وحقوق عبادك يا رب العالمين.

الخطبة الثانية

 

00:17:54

عباد الله: إن المسلم يعلم أمانة الرهن، فلا يبيع شيئاً مرهوناً إلا بموافقة المرتهن، ويعلم أمانة الكفالة، فلا يأخذ مقابلاً على كفالة؛ لأنها إحسان يبتغي به وجه الله، ويعلم أمانة الوكالة، فلا يتوكل إلا في أمر مباح، والمسلم يسعى في الصلح بين المسلمين يرجو ثواب الله: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا سورة النساء 114. وإذا عرض عليه صلح يقبله، ولا يتعنت، ولا يعاند، ولا يكابر، بل يتنازل كل طرف ليحصل الصلح؛ لأن الله ندب إليه، وأراده، وأمر به فقال: وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْسورة الأنفال 1. يتنازل هذا عن شيء من الدين، أو شيء من الدية، أو بعض حقوق الشراكة؛ لتصلح الأمور.

والمسلم إذا استعار شيئاً حفظه، وحافظ عليه، ورده إذا انتهت المدة، أو انتهت حاجته إليه؛ لأنه يعلم أمانة العارية، وأن الله قال في كتابه: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ۝ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ۝ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ۝ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ ۝ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَسورة الماعون1- 7الذي استعاروه لا يردوه.

وكذلك فإن المسلم يتق الله إذا استعار سيارة أخيه المسلم، يرعى حق العارية، ويستعير الشيء فيرده، كما هو وأحسن إذا استطاع، ولا يرده تالفاً، ولا مكسوراً، ولا ناقصاً، أو معطلاً، كيف يعمل بهذا العمل السيئ، والله قال في كتابه: هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ سورة الرحمن 60. فإذا أتلف المسلم شيئاً، أو أحد أولاده أتلف شيئاً للجيران مثلاً عوضه، أو طلب منه المسامحة فسامحه، وإذا استودع المسلم وديعة، وأمانة قام بحقها ابتغاء الأجر من الله، وأداها امتثالاً لأمر الله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَاسورة النساء 58. وإذا أعطي زكاة، أو صدقات لإيصالها لمستحقين، لم يتصرف فيها، ولم يقترض منها؛ لأنها أمانة، والأمانة لا يجوز لك أن تقترض منها، ولو على الراتب في آخر الشهر، أمانة تصان لا يتصرف فيها، تؤدى إلى صاحبها، أو من أمرك أن تؤديها إليه، وكذلك فإن المسلم لا يبخس الناس حقوقهم، ولا يغش، ولا يدلس، ولا يحلف على الكذب، ولا يخفي عيوب السلع، والمسلم إذا أقرض فإنما يبتغي بالقرض وجه الله، والدار الآخرة، والأجر، يريد الثواب لا جزاءً، ولا شكوراً في الدنيا ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة لو أقرضت عشرة آلاف ريال مرتين، فكأنك تصدقت بالعشرة آلاف، ومع أن المبلغ رجع إليك، ولو رجع إليك، والنبي ﷺ قد قال: من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة

والمصيبة أيها الإخوة: أن كثيراً من الناس يتلاعبون بالديون، مما أثر على الإقراض الخيري، فجعل الناس يقولون: لا يمكن أن نقرض، لقد أقرضنا فلاناً فلم يرد، أقرضنا فلاناً فماطل، أقرضنا فلاناً فرد نصف المبلغ، وهكذا، ولذلك كانت خطورة عدم الرد شديدة، وعندما يأخذ القرض وهو قد نوى مسبقاً أن لا يرده أتلفه الله، إذا أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله، إن رجلاً ممن كان قبلنا اقترض وعبر البحر وسعى في عمله، فلما جاء وقت رد المبلغ وهو بالساحل الآخر بعث عن سفينة فلم يجد، نقب جذعا،ً ووضع فيه المال، ورماه في الماء، وهو يدعو الله أن يصل إلى صاحبه، فلما علم الله ما في قلبه من الصدق، والحرص على أداء الأمانة، لم يجعل الله الجذع يغرق في الماء، ولا أن يتفرق المال، ولا الخشبة أن تضيع في الأمواج، ولا أن تذهب إلى ساحل آخر، ولا أن يلتقطها رجل آخر، ولا أن يلتهمها حوت، وإنما قدر الله أن تصل إلى صاحب المال، الذي أخذها في البداية حطباً لأهله، فلما نشرها وجد المبلغ، ورسالة من صاحبه، صدق في الأداء، صدق في المعاملة، صدق في الوفاء بالوعد، الوعد أمانة قطعتها على عنقك يجب أن تفي بها.

والمسلم إذا طلبت منه الشهادة، والحق سيضيع لو ما شهد، فإنه يجب عليه أن يشهد، يشهد بالحق وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا سورة يوسف 81وشهادة الزور مصيبة، وكبيرة، ومن أسباب دخول النار وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِسورة الطلاق 2وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْسورة البقرة 282وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ سورة البقرة 283.

أما هؤلاء الذين تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته، يشهدون على الكذب وهم يعلمون، ويقول: تسمح تعمل لي معروف، تذهب معي إلى المحكمة، وتشهد أنني أكفل أبويّ، وأبواه في بلد آخر، ليسا معه، ولا ينفق عليهما، ولا يعولهما، فيقول تعمل لي خدمة أخرج صك إعالة؛ لآخذ عليه من جهة العمل زيادة، فهذا يذهب يظن نفسه يعمل معروفاً بشهادة زور، كيف يشهد على هذا؟

أيها الإخوة: إن الحرام حرام، سواءً كان ريالاً، أو مليوناً، ولذلك فإن المسلم يعرف هذه الأمانات، ويلتزم حدود الله .

اللهم إنا نسألك أن ترزقنا فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم فقهنا في الدين، وجنبنا شرور أنفسنا يا رب العالمين، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين فنهلك، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، اللهم انصر المجاهدين، وأعل كلمة الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم أخز اليهود، وأعداء الدين، والمشركين، اللهم اهزمهم، انصر المسلمين عليهم، وأخرج اليهود من بيت المقدس أذلة صاغرين، اللهم اهتك أستار المنافقين، اللهم من أراد إشغال المسلمين عن دينك باللهو فامكر به يا رب العالمين، واجعل كيده في نحره، اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان، وطاعتك يا رحمن، اللهم آمنا فيا الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.