الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فالحمد لله الذي أنزل علينا شريعة العدل وألزمنا بها، ومن عدل هذه الشريعة أنها لا تفرق بين المتماثلات، ولكنها تفرق بين المختلفات، وهذا من الحكمة فيها، فهلم نتعرف على بعض الفروق الموجودة في هذه الشريعة، فمنها نتعلم شيئاً من أحكام ديننا، ومنها كذلك نتبين جانب العدل في شريعتنا، ونتبين عظمة هذه الشريعة في نفوس أتباعها، عندما يعلمون عدلها وإنصافها، وكيف وضعت الأمور في نصابها.
الفروق في الشريعة
فرقت الشريعة بين الماء الطهور والماء النجس بالتغير، فإذا حصل التغير بالنجاسة فذلك ماء نجس، وإذا لم يحصل تغير بالنجاسة فالماء طهور باقٍ على حاله.
وكذلك الفرق بين فرض الصلاة ونفلها، فالقيام في فرض الصلاة ركن على القادر، وفي النفل سنة، ويصح التنفل على الدابة والراحلة في السفر الطويل والقصير، وأما في الفرض فلا تصح الصلاة على الدابة إلا للضرورة، وكذلك فرقت الشريعة بين صيام الفرض وصيام النفل في النية، فصيام الفرض لا بد له من نية من الليل، وأما نفل الصيام فيصح بنية من النهار، فإن قال قائل: فما الفرق بين الذي صام صوم نفل وقد نوى من الليل، وبين الذي صام هذا اليوم نافلة لكنه نواه أثناء النهار؟
فالجواب: أن الثاني أجره يكتب من حيث نوى، بخلاف الأول فإن أجره كامل مكتوب من الفجر إلى المغرب.
وكذلك فرقت الشريعة فيما يظهر من الأحاديث الواردة في أحكام الصلاة مثلاً بين ترك المأمور به، وبين فعل المحظور، فأما المأمور به إذا تركه سهواً أو جهلاً فلا تبرأ الذمة، كمن ترك ركوعاً أو سجوداً مثلاً، أو ترك الطهارة جهلاً، فإن صلاته لا تصح ولا بد له أن يأتي بما ترك، ولا تبرأ الذمة بالجهل والنسيان في هذه الحالة، بخلاف من فعل محظوراً جاهلاً أو ناسياً، فمن نسي نجاسة في ثوبه، ثم تذكر بعد الصلاة فإن صلاته صحيحة، كما جاء ذلك في الدليل، كل من فعل محظوراً جاهلاً أو ناسياً وهو معذور لا حرج عليه ولا إثم ولا بدل.
وكذلك فرقت الشريعة بين الأب والأم في التملك في مال الولد، فالأب له أن يتملك من مال ولده ما شاء بلا ضرر على الولد، دون الأم، وكذلك فرقت بين العقود اللازمة والعقود الجائزة، فالعقود اللازمة ملزمة للطرفين، لا يحق لأحدهما الانسحاب، كالبيع والإجارة، ونحوهما لا يحق الانسحاب إلا برضا الطرف الآخر، أو وجود ما يوجب فسخ العقد.
وأما العقود الجائزة فيستطيع أحد الطرفين أو كلاهما الانسحاب في أي وقت شاء؛ كالوكالة، والشركة، ونحو ذلك.
وأيضاً فرقت الشريعة بين الذكر والأنثى تفريقاً واضحاً، فيجب على الذكر الجمعة والجماعة، والجهاد إذا صار قائماً واجباً.
وفرقت بين الذكر والأنثى في تنصيف الميراث والدية والعقيقة، وأن شهادة الرجل بشهادة امرأتين، وفرقت بينهما في الولاية، فلا يجوز للمرأة أن تتولى ولاية عامة كالخلافة، والإمرة، والقضاء، ونحو ذلك. رغماً عن أنف الذين يريدون أن يفرقوا بين الشريعة وبين المسلمين، ويقولون: العدل والمساواة بين الذكر والأنثى في الجميع، يريدون أن يبدلوا كلام الله، وهذا التفريق رغم أنف الذين يتابعونهم أيضاً من المسلمين المغترين بهم، أو المنهزمين الذين يريدون أن يسيروا وراء الكفرة تحت الضغوط بزعمهم.
وكذلك فإن الشريعة قد فرقت بين ما لا تصح فيه الوكالة وبين ما تصح، فمثلاً حقوق الله المتعين على العبد أن يفعلها، كالصلاة والصوم، لا يصح له أن يوكل فيها، وكذلك حقوق الآدميين المتعين عليه أن يفعلها لا يصح له أن يوكل فيها كالقسم بين الزوجات، وكالشهادة، فلا بد أن يأتي بنفسه ويشهد، ولا يوكل بالشهادة، ونرى الشريعة قد فرقت أيضاً بين اليمين والنذر، فاليمين مقصوده الحث والمنع، أو التصديق أو التكذيب، فهذا له الكفارة، وأما النذر: وهو إلزام العبد أن يعمل طاعة لله مطلقاً أو معلقاً إذا حصل شيء أو اندفعت نقمة ونحو ذلك، أو كان مطلقاً غير مرتبط بحدوث شيء، يتعين عليه الوفاء، ويجب عليه، ولا تفيد فيه الكفارة كما في حال اليمين، إلا في حالات كما إذا لم يستطع أن يفي بنذره فعليه كفارة اليمين.
وكذلك فرقت الشريعة بين لغو اليمين، التي لا إثم فيها ولا كفارة، كقول الرجل في عرض الكلام: بلى والله، إي والله، كلا والله، ونحو ذلك، وهو لا يقصد اليمين، وبين ما إذا كان قاصداً لليمين، فإذا كان قاصداً له فإنه يثبت في حقه أحكامه وتنعقد يمينه.
وفرقت بين اليمين التي من الخير أن يحنث فيها، فحلف على شيء فرأى غيره خيراً منه، فإنه يكفر عن يمينه ويأت الذي هو خير، ولكن إذا كان الذي حلف عليه من الخير شرعاً أن يبقى عليه فإن الله قال: وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْسورة المائدة89، فيحفظ يمينه ولا يحنث فيها.
وكذلك إذا نظرت إلى مسح الجبيرة ومسح الخفين، فإن الجبيرة لا تمسح إلا عند الضرورة، وتمسح كلها في الحدث الأكبر والأصغر، ويمسح عليها بغير مدة محددة، حتى يزول ما يدعو إلى بقائها، ولا يشترط لها الطهارة قبل أن يضع لها الجبيرة، بخلاف مسح الخفين، والعمامة التي على هيئة عمائم العرب المحنكة التي تربط على الرأس مروراً بالحنك، وكذلك خمار المرأة المشدود عليها، فيجوز المسح عليها للضرورة والسعة، وحتى لو لم يكن هنالك برد قارس ونحو ذلك من الأعذار، فيجوز المسح لكن بشروط منها: أن تتقدمه الطهارة، وأن يكون في الحدث الأصغر خاصة، وأن يكون يوماً وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر.
وفرقت الشريعة في مسألة النجاسات، وجعلتها أقساماً، فنجاسة مغلظة جداً كنجاسة الكلب لا يجزئ فيها إلا سبع غسلات إحداهن بالتراب، ونجاسة مخففة كبول الغلام الذي لم يأكل الطعام، وكذلك قيؤه، فيجزئ فيه أن ينضح ويرش بالماء، وكذلك يعفى عن القيح والصديد اليسير، فلا يجب غسله.
وهناك نجاسة ثالثة متوسطة وهي بقية النجاسات يكفي فيها على الصحيح إزالتها بأي طريقة.
وتأمل تفريق الشريعة في اللباس، فقسم حلال على الذكور والإناث، وهو في الأصل جميع أنواع الأكسية التي لم يرد فيها للشارع منع، وقسم حرام على الذكور والإناث، كالمغصوب والتشبه بالكفار ولباس الرجل لباس المرأة ولباس المرأة لباس الرجل.
وقسم حرام على الذكور دون الإناث، مثل لباس الذهب والفضة والحرير.
وكذلك جعلت الشريعة الحركة في الصلاة على أربعة أنواع، الحركة الكثيرة عرفاً المتوالية لغير حاجة وضرورة فهذه تبطل الصلاة، إذا لم تكن من جنس الصلاة طبعاً كالركوع والسجود، وقسم حركة يسيرة لغير حاجة فهي مكروهة، وقسم حركة مباحة كاليسيرة للحاجة، وقسم حركة مأمور بها كالتقدم والتأخر أثناء الصلاة في صلاة الخوف، وحركة تعديل الصف أو تنبيه المصلي إلى جانبه لما يلزمه أو يشرع له.
وفرقت بين المار في الصلاة على ثلاثة أنواع: مار يبطل الصلاة: وهو مرور الكلب الأسود البهيم، وكذلك المرأة البالغة، وكذا الحمار على الصحيح. ومار ينقص من أجرها ولا يبطلها وهو مرور من عدا المذكورات آنفاً بينك وبين سترتك، وأنت لا تمنع ولا تغير، ينقص الأجر ولا يبطل. وقسم لا بأس به مثل المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام عند زحمة الطائفين والمتعبدين واكتضاض الناس بحيث لا يجد المار طريقاً إلا أن يسير بين أيدي هؤلاء.
وكذلك فرقت الشريعة في مسألة الزكاة في العقارات كالبيوت والدكاكين بين ما لا زكاة فيه أصلاً كالمحتاج إلى السكنى والانتفاع، وبين ما يتخذ تجارة فتجب فيه الزكاة، وبين ما يزكى إيراده ولا يزكى أصله كالبيوت والدكاكين المعدة للإجارة مثلاً، وكذلك فرقت الشريعة بين من يعطى من الزكاة لحاجته، فلا بد أن يكون فقيراً، وبين من يعطى للحاجة إليه، كالمؤلفة قلوبهم والمجاهدين في سبيل الله، فيعطى ولو كان غنياً.
وكذلك جعلت الشريعة اللقطة على ثلاثة أقسام: قسم لا يجوز التقاطه مطلقاً، كالإبل ونحوها من الدواب التي تمتنع من صغار السباع وتعرف كيف تدافع عن نفسها، وقسم يجوز التقاطه وتملكه بلا تعريف، وهو ما لا تتبعه همة أوساط الناس ولا يلتفتون إليه، كالريال والرغيف، وقسم ثالث: بقية الأموال الملتقطة يجب تعريفها حولاً كاملاً، فإذا لم يعرف صاحبها جاز تملكها.
وانظر في النواحي الاجتماعية أيضاً كيف فرقت الشريعة عند انفصال الأبوين إلى أين يذهب الأولاد، فالطفل والطفلة قبل التمييز عند الأم، ما دامت صالحة للحضانة ولم تتزوج، وبعد التمييز يخير الولد الغلام الذكر بين أبيه وأمه، فأيهما اختار ذهب إليه، ومكث عنده ولا يحرم من رؤية الآخر، وأما بالنسبة للأنثى فإنها بعد التمييز تنتقل إلى أبيها مباشرة؛ لأنه سيلي بعد ذلك الخطبة والنكاح، وأما الغلام بعد البلوغ يستقل بنفسه، بينما تبقى الأنثى مهما بلغ عمرها عند أبيها حتى يتسلمها زوجها.
وكذلك فرقت الشريعة في البيع والإجارة في قضية المنافع، فجعلت البيع والأعيان، فجعلت البيع واقعاً على العين، والإجارة على المنفعة، فلا يجوز بيع الوقف، وأما تأجيره لمصلحة الوقف فنعم.
وكذلك فإن البيع يدخله الربا وقد فرق الله بين البيع والربا، وقد فرق الله بين البيع والربا، فقال: وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَاسورة البقرة 275، فالبيع يدخله الربا بنوعيه: ربا الفضل، وربا النسيئة، فلا يجوز ذهب بذهب مع دفع الفرق، ولا يجوز ذهب بذهب متفاضلاً في الوزن يزيد أو ينقص، لا بد أن يكون ذهب بذهب متماثل في الوزن.
وأما الإجارة فلا تدخل فيها الربا فيجوز مثلاً أن يؤجر الذهب ولو بثمن أو بمقابل يقبضه فيما بعد، أما بيع الذهب فلا بد أن يكون يداً بيد مقبوضاً في مجلس العقد.
وكذلك فرق العلماء في مسألة الأيمان بين ما ينفع فيه التأول وما لا ينفع، فإذا حلف وقد استعمل التورية في يمينه وكان مظلوماً نفعه يمينه ولا تلزمه الكفارة، وأما الظالم فلا فائدة من توريته ولا يستفيد منها بشيء.
اللهم إنا نسألك أن تفقهنا في ديننا، وأن تعلمنا ما ينفعنا، وأن تنفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، وإمام الناس صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة: إن هذه الشريعة المباركة قد جاءت بتفريقات لها آثار في حياة الناس، ولها أيضاً نفع عظيم لهم، جعلها الله بحكمته ورحمته وعدله وعلمه، ميزاناً عدلاً بين الناس، ومن تأملها ودرسها وفهمها وعرفها فإنه سيزداد يقيناً وإيماناً بعظمة الله تعالى ورحمته وحكمته، ولذلك كان العلماء أحق من يخشى الله.
وكذلك فرقت الشريعة بين سترة المصلي، وسترة المتخلي، وسترة الجوار، فسترة المصلي يكفي فيها العصا ونحو ذلك، أو الجدار والعمود والسارية، وأما سترة المتخلي فلا بد أن تستر أسافله عورته الفاحشة عند قضاء الحاجة، وأما سترة الجوار فلا بد أن تمنع المشارفة بين الجيران، هي نفقتها على من؟ على الأعلى من الجارين، عليه أن يستر ما يمكن أن يشرف منه على عورة جاره. فإن استويا ككثير من العمارات بالأطوال المتعارف عليها اليوم فإن استويا اشتركا في نفقة ما يمنع الإشراف ويكشف الجار على جاره.
وكذلك فرقت الشريعة في التصوير، بين تصوير ذوات الأرواح واستعمالها فهذا حرام لغير الضرورة والحاجة، وبين تصوير الأشجار وغيرها مما لا روح فيه فأباحته.
وكذلك جعلت استعمال الذهب والفضة على أنواع ثلاثة:
محرم: وهو استعمالها في الأواني ونحوها، لا يحل لا للذكور ولا للإناث. والمطلي بالذهب والفضة حكمه حكم أواني الذهب والفضة، ما دام الطلاء عاماً شاملاً أو كثيراً.
والثاني: استعماله في اللباس، يحل للنساء دون الرجال؛ ولذلك لا يوجد شيء في الإسلام اسمه ساعة ذهب رجالي، وحرام بيعها على من يستعملها من الرجال، وحرام لرجل أن يلبس ساعة ذهب في يده، ويعتبر ملعوناً متشبهاً بالنساء، كما ورد عن النبي ﷺ في جمرة النار يضعها الواحد في يده، فلا يجوز استعمال الذهب للرجال لا خاتم الدبلة والخطوبة والزواج، ولا غيره، سواءً رضيت المرأة أو سخطت، فإن رضا الله مقدم.
واستعمال الذهب في لباس الحرب وآلاته مما بين العلماء جوازه حتى للذكور.
وكذلك فإن الشريعة قسمت المهر إلى ثلاثة أقسام:
تارة يسقط كله إذا كانت الفرقة من قبل الزوجة قبل الدخول، أو فسخ لعيب فيها قبل الدخول.
وتارة يستقر كله في ذمة الزوج، يجب أن يوفيها إياه كاملاً، كما إذا حصل الدخول، أو حصلت الخلوة التي يتمكن بها من الوطء عند كثير من العلماء، أو الموت ولو لم يدخل بها، يصبح مأخوذاًً من تركته لها.
وكذلك يتنصف المهر إذا كانت الفرقة في الحياة قبل الدخول من قبل الزوج فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْسورة البقرة237، إلا أن يعفو الزوج عن النصف الثاني، أو تعفو الزوجة أو وليها عن النصف الأول، فلا يسلمه الزوج عن طيب نفس منهم.
وكذلك يكره الطلاق لغير حاجة، ويحرم في الحيض، ويحرم في طهر وطئها فيه، ينتظرها حتى تطهر، ويطلقها إذا أراد للحاجة، يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، ويحرم عليه كذلك أن يطلق بالثلاث.
ويجب الطلاق إذا أصرت على ترك الصلاة مثلاً، أو أبت العفة، وأصرت على سلوك سبيل الفحش والعهر، يجب أن يطلقها.
وكذلك يسن الطلاق إذا طلبت منه وتضررت بالمكث معه، ويباح عند الحاجة إليه، ثم تأمل في تقسيم الشريعة للزوجات إلى من تجب لها النفقة، وهي كل زوجة في عصمة زوجها، سلمت نفسها إليه وصارت عنده، أو طلقها طلاقاً رجعياً فنفقتها في أثناء عدة الطلاق الرجعي عليه. وكذلك إذا كانت حاملاً مطلقاً ينفق عليها؛ لأجل الولد أيضاً.
وأما المرأة الناشز والمرأة المطلقة البائن وليست بحامل، طلاق البينونة، وكذلك العاصية التي خرجت من بيت زوجها دون إذنه مثلاً أو الزوجة التي لم تسلم نفسها بعد لزوجها، فهي في بيت أبيها تنتظر زفافها، فليس على زوجها شيء من النفقة.
هذه أمثلة أيها الإخوة لما جاء في الشريعة من التفريقات، تبين بجلاء عدل هذه الشريعة، والحكمة فيها، وصلاح أمور العباد المبنية عليه، بنيت على صلاح أمور العباد في معاشهم ومعادهم، فالحمد لله الذي شرفنا بهذه الشريعة، ووالله إننا لنفتخر بها ونعتز، ونرى أن غيرها من شرائع الأمم في دساتيرهم وقوانينهم الوضعية، إنما هي زبالات أفكار، وحثالات أذهان، وضعها البشر الظلمة الجهال، إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًاسورة الأحزاب72، وضعوها لأنفسهم، ولا يزالون في تغيير وتبديل فيها، وأما هذه الشريعة فهي الباقية بحمد الله دون تغيير وتبديل، فما جاء منصوصاً عليه يلزم التزام ما جاء النص فيه، وكذلك ما أجمع العلماء، وأما كان فيه المجال للاجتهاد يتابع فيه الإمام المجتهد الثقة على ما يقول، وصارت أقوال العلماء المجتهدين مصدراً لتثرية هذه الحالات الكثيرة التي تمر بالناس، فالحمد لله الذي فتح باب الاجتهاد للعلماء، وجعل هذه الشريعة فيها من المرونة ما يواكب كل حادثة وكل عصر من العصور.
اللهم زدنا فيها يقيناً، وزدنا عملاً بها، وزدنا التزاماً لها، إنك أنت السميع العليم، انصر إخواننا المجاهدين في الشيشان والفلبين، وفي سائر الأرض يا رب العالمين، انصرهم في كشمير، وانصرهم في فلسطين، وانصرهم في أرجاء الأرض إنك على كل شيء قدير، اللهم اشد أزرهم، ووحد صفهم وسدد رميتهم، واجعل واجمع على التوحيد شملهم، إنك أنت السميع، إنك سميع الدعاء وأنت على كل شيء قدير.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.