الثلاثاء 10 رمضان 1445 هـ :: 19 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الورع وترك الشبهات


عناصر المادة
الخطبة الأولى
اتقاء الشبهات من أصول الدين
لا يعلمهن كثير من الناس
خطر الوقوع في الشبهات
ورع السلف
الخطبة الثانية
اصحب الورع كل حين
الورع الفاسد
في البلاء حكمة

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران:102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء:1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب:70-71،
أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

اتقاء الشبهات من أصول الدين

00:01:19

حديثنا عن أصل عظيم من أصول الدين، أصل فرط فيه الناس مع أنه من صميم هذه الشريعة، قال رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح المتفق عليه: إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب[رواه مسلم (2996)].

قال ﷺ: الحلال بين، والحرام بين جاءت هذه الشريعة بتبيين الأمور، وفصَّل الله لنا ما حرم علينا، وأباح لنا الطيبات، فالحلال بيِّن، الحلال المحض واضح لا شبهة فيه، مثل الشُّرب من ماء المطر الذي لا يملكه أحد، فهذا حلال محض لا شبهة فيه، ومثل أكل الزروع والثمار والطيبات إذا أُخذت بطريق حلال مثل شرائها بمال حلال، أو أن تأتيك هدية من تقي، حلال محض، ومثل لباس ما أباح الله من الصوف والقطن، وغيرها، والنكاح الطيب لا شك أن هذا من الحلال البيِّن.

وحرام بيِّن واضح لا لبس فيه، كأكل الميتة، وشرب الدم، وتناول لحم الخنزير، وشرب الخمر، وأكل الربا والميسر، والمسروق والمغصوب، كل هذا حرام واضح لا لبس فيه، وبين هذا وهذا أمور مشتبهات تطرأ على الخلق، تحدث بينهم معاملات جديدة.

والله من حكمته ورحمته أنه أمر العلماء بالاجتهاد في حكم الأشياء غير المنصوص عليها في القرآن والسنة، وذلك لأن حاجات الناس كثيرة، تتولد عندهم أمور كثيرة، فالقرآن والسنة فيهما أصول المسائل والقواعد التي تُبنى عليها الأحكام، ثم إن الله تعالى أمر العلماء بأن يبينوا للناس أحكام الأشياء المتولدة والجديدة، فيدخلوا هذا تحت هذا الأصل، ويستدلوا بهذا الدليل على حكم هذا الشيء الجديد من قياس واجتهاد، ونحو ذلك.

والعامة -عامة الناس- يحصل لديهم اشتباه في كثير من الأمور لا يدرون هي حلال أم حرام، يجب عليهم أن يسألوا أهل العلم، فإذا حصل عندهم شبهة كأن لم يستطع أن يسأل أحداً من أهل العلم في ذلك الوقت الحرج الذي تعرض للقضية مثلاً، أو لم يستطع الوصول إلى من يثق به من أهل العلم، كأن كان في بلد لا يصل فيه إلى عالم، ولا يستطيع الاتصال فيه بعالم -على سبيل المثال-، أو كان الأمر مما اختلف فيه العلماء، ولم يتبين للرجل وجه الحق فإن هذا الأمر من الشبهات التي ينبغي عليه تركها، ولذلك جاء في بعض أنواع الحيوانات كالتمساح مثلاً أوجه في حله وحرمته، وبعض أنواع الاكتساب مثل مسألة التورق أوجه في حلها وحرمتها -والتورق: أن يشتري الشيء بالتقسيط ويبيعه نقداً لشخص آخر غير البائع الذي اشتراه منه بطبيعة الحال؛ لأنه يكون حراماً لا شك فيه، لكن لو اشتراه من شخص بالأقساط، ثم باعه نقداً ليس قصده السلعة، قصده تحصيل الأموال، هذه مسألة التورق- تنازع فيها العلماء، فإذا تعرض لها الشخص، ولم يجد الكلام الواضح لعالم يستند إلى الأدلة مثلاً فإنه يتركه، يتركه؛ لأنه شُبهة.

والمسائل التي بين الحلال والحرام منها ما يقترب من الحلال جداً، ومنها ما يقترب من الحرام جداً، ومنها مسائل بين ذلك، فلو قلت مثلاً: ما حكم ارتداء ملابس كافر، الكفار لا يتحرزون من النجاسات، الشبهة في ملابس الكافر الخارجية أخف بكثير من الشبهة في ملابسة الداخلية مما يلي عورته.

ولذلك فإن الشبهة أحياناً تكاد تكون حراماً، وأحياناً تكون شيئاً ضئيلاً قد يتجاوز الإنسان فيه للحاجة، الناس أصحاب الأموال المختلطة الذين دخل في أموالهم الحرام واختلط بالحلال، بعضهم الحرام عنده كثير، والحلال ضئيل جداً، بحيث يكون الحكم وجوب ترك التعامل مع هذا الشخص، والأكل من طعامه، نظراً لأن أكسابه تقريباً محرمة، وبعض الناس أكثر كسبه حلال، لكن يدخل فيه شيء من الحرام، فهذا التعامل معه جائز؛ لأن الحلال غلب على الحرام، والأكل من طعامه جائز؛ لأن الغالب أن طعامه قد شُريَ بمال حلال، إلا إذا تيقنت أن هذا الشيء الذي أطعمك إياه هو حرام بعينه، مشترىً من مال حرام بعينه، فلا يجوز لك عند ذلك أكله.

لا يعلمهن كثير من الناس

00:09:04

وقوله ﷺ في الحديث هذا: لا يعلمهن كثير من الناس دليل على أن قليل من الناس يعلمونها، قال ﷺ: وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس معنى ذلك أن بعض الناس يعلمونها على الحقيقة هل هي حلال أم حرام؟ وهؤلاء أولهم العلماء ولا شك، فإن بعض العلماء قد يدري على الحقيقة بما أبان الله له ونوره هل هذا حلال أو حرام، بينما الناس لا يدرون، الناس عندهم المسألة شبهة، وبعض العلماء قد تخفى عليه المسألة، تخفى عليه ويقول: لا أدري، الله أعلم، المسألة مشتبهة علي، لم يتبين لي حكمه، ونحو ذلك، ثم قد يتبين الحكم لشخص ولا يتبين لآخر، والحكم تبع للعلم، فإذا كان عندك المسألة حكمها واضح من كلام العلماء مثلاً، أو عالم استبان له الحكم يعمل به ولا شك، والذي لم يتبين له، المسألة عنده لا تزال شبهة، فإذن مسألة الشبهات -معرفة حقيقتها حلال أم حرام- هي تختلف باختلاف الناس، وباختلاف ما أعطاهم الله من العلم، وبحسب ما أدركوه، ولنضرب مثلاً في مسألة للعامة هب أن شخصاً قال: ما حكم الأكل من تمر النخيل الذي في الشوارع؟ هذا النخل الآن الموجود في الشوارع، نخل البلدية، الآن قد أثمر وصفَّر وحمَّر، فما حكم أكله؟ بادئ ذي بدئ قد يقول إنسان: هذا ليس بملكي، ولا أعلم هل هو يستغل فيعطى للفقراء مثلاً، أو أن الجهة التي زرعته تحصده وتبيعه أو تعطيه لفقراء مثلاً، هل هو منصرف إلى جهة معينة للمسلمين؟ فلا يدري، فيتورع عن الأكل منه؛ لأنه بالنسبة له شبهة، ولكن من تحرى في الأمر مثلاً، وسأل الجهات التي قامت بزراعته، فقالوا له: خذه ليس عندنا له تصريف، بالعكس إذا أخذته فإنك تريحنا من مؤونة كناسة الأرض التي تتلوث بالتمر الساقط عليها، فيدعس عليه الناس مثلاً، ففي هذه الحالة تكون المسألة له حلال، واضحة قد تبينت له، فلو أكل منه فلا حرج عليه.

فإذن المسألة تتبع علمك بالشيء، فإذا كان علمك أنه حلال لا حرج عليك، وعلى شخص آخر المسألة مشتبهة لا يدري، لا يدري عن المسألة، فهو يتورع عنها إذن.

والناس -أيها الإخوة- على ثلاثة أصناف، فقسم لا يتورع عن الوقوع في الشبهات أبداً، وقسم يتورع عن الوقوع في الشبهات، وقسم علم الحكم فهو يبني على علمه، وهذا أفضل الأقسام، ومن هنا يأتي فضل العلم، ومكانة العلماء؛ لأن كثيراً من الشبهات التي عند الناس شبهات عندهم بينة هل هي حلال أو حرام، ولا شك أن الذي يتبين له الأمر أفضل من الذي لا يتبين له الأمر، لكن الذي لا يتبين له، فيتورع لا شك أنه خير، وأقرب إلى الله ممن لا يتورع.

وقوله ﷺ: استبرأ لدينه وعرضه، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ما معنى اسبترأ لدينه؟ يعني: صار أبعد من الحرام، أقرب إلى الله، يسلم له دينه، وعرضه: أي أن الناس لا يتكلمون فيه، بخلاف ما لو وقع في الشبهات، طالته ألسن الناس، وتكلموا فيه، وقدحوا، ولذلك صيانة العرض مطلب شرعي، صيانة العرض عن كلام الناس مطلب شرعي، فإذا نويت وجه الله في استبراء عرضك من كلام الناس، فتركت الشبه، وابتعدت عن مواطن التهم أنت تؤجر على ذلك.

قال بعض السلف: من عرَّض نفسه للتهم؛ فلا يلومن إلا نفسه.

فإذن الذي يقع الشبهات يتعرض لطعن الناس وكلامهم فيه، والذي يترك الشبهات يسلم له دينه أولاً، وعرضه من كلام الناس ثانياً.

خطر الوقوع في الشبهات

00:14:33

وقال ﷺ: فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كيف ذلك؟ مثاله: أنه إذا كان يرتكب الشبهات، ويقع فيها باستمرار؛ فإنه سيتدرج به الأمر، ويتسامح، ويؤدي به الأمر في النهاية إلى الوقوع في الحرام؛ لأن الذي لا يجعل بينه وبين الحرام حاجزاً -وهو ترك الشبهات- سيقع في الحرام يوماً من الأيام، سيقع في الحرام، وصورة أخرى: أن الذي يقع في الشبهة -والشبهة عند الله حكمها واحد إما حلال وإما حرام، الحق عند الله واحد، ليس هناك شيء عند الله حلال وحرام في نفس الوقت، عند الله المسألة حكمها واحد إما حلال وإما حرام، علمها من علمها، وجهلها من جهلها من الناس- فالذي يقع في الشبهات احتمال أنه يقع في حلال عند الله، واحتمال أنه يقع في حرام، فلو كانت حراماً عند الله فالذي وقع في الشبهات يكون قد وقع في الحرام إذن، فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام.

الذي يقع في الشبهات سيتدرج به الأمر ويتساهل؛ لأن الحاجز النفسي ضد الشبهات قد زال؛ لأنه يرتكب الشبهات، إذن الآن هو على وشك الوقوع في الحرام، بل إن أكثر الذين لا يتورعون عن الشبهات هم في الحقيقة عند النظر يتساهلون في الحرام المحض المعلوم حرمته في الكتاب والسنة، فمن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم واقع ما استبان له في النهاية، ويدل على ذلك هذا المثل الذي ضربه ﷺ، فقال: كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، فالذي يترك المستحبات هو سيترك واجباً يوماً من الدهر، والذي يفعل المكروهات سيفعل المحرمات يوماً من الدهر ذلك لأن النفس تسول له، وتجره شيئاً فشيئاً، فإذا تورعت عن الشبهات جعلت حاجزاً بينك وبين الحرام: كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، كان ملوك الجاهلية -كما قال العلماء في شرح الحديث- يضعون لهم حمى في أراضي خصبة يضعون عليها أسورة، ونحو ذلك من الحرس، ويحرمونها على الناس، ويقولون: هذه حمى ماشية رئيس القبيلة، ونحو ذلك، ألا وإن لكل ملك حمى كل ملك من ملوك الدنيا يحمي شيئاً له خاص، ولا يرضى للناس، ولا يسمح لهم بأن يقتربوا فيه، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ملك الملوك ، فالراعي الذي يأتي إلى هذه الأرض المحمية، ويرعى غنمه قريباً منها، ماذا سيحدث؟ إما أن تغريه الأرض بخصوبتها، فيدفع الغنم فيها، أو أنه يسهو عن بعض الغنم؛ فتدخل في هذه الأرض المحمية؛ لأنه بجانبها يرعى حولها، ثم يتعرض للعقوبة.

وأما الذي يواقع الشبهات حول حمى الله، على حدود حمى الله، على حدود المحرمات، إنه يوشك أن يدخل في المحرمات، وحمى الله محارمه -المحرمات التي حرمها-، فانظر إلى هذا المثل من النبي ﷺ ما أبلغه، وما أحسنه، وما أبينه، ﷺ.

ورع السلف

00:18:31

حمى الله محارمه، فمن اقترب من هذا الحمى يوشك أن يدخل فيه، وكان السلف رحمهم الله يتوقون الشبهات، يُطبقون الحديث، والنبي ﷺ على رأسهم، قال ﷺ: إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة؛ فألقيها[رواه البخاري (2253)]، كان تمر الصدقة يؤتى به للنبي ﷺ ليوزعه على الفقراء، يقضي فيه بما أمر الله، وجد تمرة في البيت لا يدري هل هي تمرة له، أو من تمر الصدقة، فيخشى أن تكون من تمر الصدقة، فيتركها لله ورعاً عن ذلك.

أبو بكر الصديق لما جاءه غلامه بطعام أكل منه، فقال له الغلام: هل تعلم من أين هذا الطعام؟ هذا طعام تكهنت لواحد في الجاهلية وأنا لا أحسن الكهانة، فخدعته -كهانة وخدعة-، وأعطاني مالاً، فاشتريت به طعاماً، فهذا هو، فوضع  أبو بكر أصبعه في فيه، فقاء كل ما في بطنه ، قاء كل ما في بطنه.

قال الحسن رحمه الله: ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام.

وقال ميمون بن مهران: لا يسلم للرجل الحلال حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزاً من الحلال، حاجزاً من الحلال بينه وبين الحرام.

نسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم من المتقين، وأن يجنبنا المحرمات والشبهات بحوله وقوته، إنه على كل شيء قدير.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:20:34

الحمد لله، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة وسلاماً تامين إلى يوم الدين.

اصحب الورع كل حين

00:20:54

أيها المسلمون: إن هذا الحديث العظيم الجدير بالتأمل ينبغي أن يكون صاحب المسلم وهو يتعامل في حياته اليومية، ينبغي أن يكون صاحبك وأنت تتعامل في حياتك اليومية هذا الحديث: الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، هذا الحديث قاعدة في سد الطرق التي تؤدي إلى المحرمات.

ألم تر أن الشريعة أمرت المرأة إذا أراد أن يباشرها زوجها وهي حائض أن تأتزر -أن تربط على نفسها شيئاً من جهة العورة- ثم يباشرها زوجها، ولا حرج عليه من وراء الثوب، تأتزر حتى لا يتساهلا، فيقع المحرم، وهو غشيانها وهي حائض.

والسلف كانوا يطبقون هذا الحديث، وكانوا يعملون بأحاديثه ﷺ، وقد جاء في المعنى أحاديث مثل: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك[رواه الترمذي (2442)]، اتق الشبهات، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، والحلال يطمئن إليه القلب، والشبهة يضطرب لها القلب، ويصبح الإنسان في صراع نفسي: هل ما يفعله حلال أم حرام؟ عند ذلك لا بد أن يسأل، فإذا خفيت عليه المسالة يترك هذا الشيء لله ، قال هشام ابن حسان: ترك محمد بن سيرين أربعين ألفاً فيما لا ترون به بأساً.

السلف كانوا إذا اشتروا الطعام من رجل يقولون له: هل الطعام مطلوب في البلد أو لا.

كتب خادم أحدهم إليه في بلده يقول: عندنا نقص في السكر؛ اشتر السكر الذي عندك، إذا صدرته إلينا بعناه ربحنا منه، ذهب واشترى السكر، وباعه في أيام قليلة كسب ثلاثين ألفاً، ثم لامته نفسه، فذهب إلى البائع، فقال: إن السكر الذي اشتريته منك مطلوب في البلدة الفلانية، مطلوب، عليه طلب، أقلني البيع، قال البائع: سامحتك، قال: أقلني البيع، فلم يزل به حتى أقاله.

السلف كانوا إذا اشتروا سلعة عليها طلب في السوق يقولون للبائع: عليها طلب، حتى يتبين للبائع الأمر، ويحدد السعر المناسب، أما اليوم فإن الناس يقولون للشخص: سلعتك كاسدة، ما أحد يشتريها منك، ما عليها طلب، أي ستذهب بها؟ تتلف، أحسن هاتها بالسعر الفلاني، والسلعة هو يعلم أن لها مجال تصريف، وأن عليها طلب، فهم يفعلون بخلاف ما يفعله السلف، ليتهم يسكتون، يقولون: كم تريد كذا، خذ، أنت راضي، بل يشترونها وهم يقللون من قيمة البضاعة، وهم يعلمون أن لها سوقاً رائجاً في المكان الفلاني، هذا فعل السلف في ورعهم، كانوا يفعلون ذلك.

واليوم -أيها الإخوة- نتعرض لكثير من الحالات التي فيها شبهات، كثير جداً نظراً؛ لأن المجتمعات بعدت عن شرع الله، وقوانين الناس في الاقتصاد وغيرها من غير الشريعة مأخوذة، والربا متفشي، والحرام متفشي.

كثير من الأمور المحرمة منتشرة بين الناس، فصار الحلال صعباً، والحرام كثير ومنتشر، وهنا تبرز أهمية هذا الحديث، تبرز أهمية الحديث، الآن العلم قل، والعلماء ندرة، والشبهات كثيرة والله المستعان.

لو وجدت في بيتك مالاً في مكان فيه زكاة وأموال لك، ولا تعلم المال هذا من الزكاة، أو من المال الخاص، من الأمانات، أو من مالك الخاص؟ فالورع أن لا تأخذه.

وكذلك الأحكام الفقهية التي هي خلاف بين أهل العلم، فلو قال قائل: خروج الدم ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء؟ الجواب: اختلف أهل العلم في ذلك، كل بما أدى إليه اجتهاده، بالنسبة لك ما هو الاحتياط؟ أن تتوضأ إلا إذا علمت علماً يقينياً، واستبانت لك الأمور أنه لا ينقض الوضوء فلا تتوضأ، لكن إذا اختلف العلماء، وليس عندك ما ترجح به، فعند ذلك تتوضأ احتياطاً، وكذلك كل مسألة تحتاط بها لدينك، إلا ما ورد الدليل بعدم الاحتياط فيه، مثل من حدثته نفسه في الصلاة أنه أحدث، شَعَرَ شُعُوراً، لا يخرج من الصلاة، لا يقول: أفعل الأحوط؛ أقطع الصلاة؛ لأن الشريعة جاءت بوجوب الاستمرار في الصلاة إلا إذا تيقنت، وسمعت صوتاً، أو شممت ريحاً، عند ذلك يجب عليك أن تخرج.

وكثير من المسائل التي يسأل عنها الناس اليوم، يقولون: فلان يدعونا لبيته، وعنده أموال محرمة ماذا نفعل؟ الورع عدم الأكل، وبالذات إذا كان مكسبه حراماً، فلا يجوز الأكل من طعامه.

يسأل الناس عن الساعات المطلية بالذهب، والأقلام والنظارات المطلية بالذهب، يقولون: هذا ليس ذهب، هذا غطاء رقيق جداً من الطلاء الكهربائي، طبقة رقيقة جداً، نقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

يقول الناس: صرف الريالات الورقية بالمعدن عشرة بتسعة معدن، وإن قال بعض أهل العلم بجوازه، لكن الشبهة فيه قوية جداً، قالوا بجواز اختلاف الجنسين، قالوا: هذا ورق، وهذا معدن، لكن عند النظر هذا كله ريالات، في الحقيقة كله ريالات، والريال الورقي ليست القيمة في نوعية الورق، ولا المعدني ليست القيمة في نوعية المعدن، لكن لما هو مكتوب عليه، ومعتمد، ومضمون، فلذلك صارت له قيمة، ولذلك تتورع، وتحتاط لدينك، ولا تتعامل بهذه الطريقة في هذه المعاملة.

الورع الفاسد

00:27:20

واعلموا -أيها الإخوة- أن بعض الناس عندهم ورع فاسد، ما مثال هذا الورع الفاسد؟

كأن يكون مرتكباً للمحرمات بأنواعها، ثم يأتي على تمرة يقول: أخشى أن تكون من الصدقة، قتلوا الحسين ابن بنت رسول الله ﷺ، ثم جاؤوا يسألون عبد الله بن عمر عن قتل البعوض في الإحرام: قتل البعوضة جائز أو غير جائز؟ قتلتم ابن بنت رسول الله ﷺ، وجئتم تسألون عن دم البعوض.

فبعض الناس عندهم تدقيقات لا أساس لها، وبعض الناس عندهم وسوسة ليست ورع، وإنما هي وسوسة لم يأت بها الدين، وبعض الناس يقولون: الآن الحرام في الأرض منتشر، إذن لا يجوز لنا أن نأخذ راتباً من أي جهة؛ لأنه بالتأكيد فيه حرام، فيضر ذلك بمصلحة أنفسهم وأهليهم، ويضيق عيشهم، يصبح نكداً، أو كذلك السؤال والتفتيش الذي يوقع الناس في الحرج، إذا لا يوجد هناك قرائن على أن فيه شبهة أو حرام لا تسأل، إذا وجدت القرائن تسأل، وجدت القرائن تسأل.

وكذلك فإن بعض الناس قد يترك صلاة الجماعة يقول: ربما الإمام فيه فسق، ربما يكون فيه بدعة، لا أدري، فيترك الجمعة والجماعة، هذا ورع فاسد، وهكذا.

إذن ينبغي أن نعلم -أيها المسلمون- حقيقة الدين، أن نتعلم هذا الدين حتى لا تشتبه علينا الأمور، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الورع، وترك الشبهات، وأن يجعلنا مطهرين طاهرين من كل الأدناس وسائر الأرجاس والمحرمات.

في البلاء حكمة

00:29:06

وإخواننا في أرجاء العالم لا زالت المصائب تنزل عليهم، ولا زال التقتيل والإبادة، حرب إبادة تُشن على أهل الإسلام، ولا معين ولا ناصر.

أيها الإخوة: إننا عندما ننظر في هذه الحال نقول: إن لله حكمة ولا شك، وإن لم نعلمها، لعل في تسليط السيف عليهم رحمة لهم، وشهادة لكثير منهم، ومقصرين منهم بسبب الظلم الذي وقع عليهم غفرت لهم ذنوبهم، أو أشياء كثيرة من ذنوبهم وهكذا، ثم عندما يتبين للناس، عندما يتبين للناس أنه لا حول لهم ولا قوة إلا بالله، وعندما يتبين لهم حقيقة العداوة.

النصارى إذا وقعت عليهم حرب من النصارى فزع البقية لهم، والمسلمون إذا وقعت عليهم حرب من النصارى لا معين، ولا مغيث، ولا يمد لهم إنسان يداً يدفع بها القوة عنهم أبداً، عند ذلك يتبين لهم، ويقطعون الأمل من الكفار، ويتبين أن الكفر ملة واحدة، وأنهم يتمالؤون على الإسلام، بعضهم بالفعل، وبعضهم بالسكوت، فيتبين الأعداء، تبين الأعداء مسألة مهمة، فلو لم يحصل إلا تَبيُّن الأعداء، وقطع الرجاء من الأعداء لكان ذلك كافياً.

وهؤلاء اليوم في البوسنة والهرسك تشن عليهم حملات الإبادة، إبادة! قرى بأكملها تدمر، وأناس يرحلون، ومع ذلك لا يحرك إنسان ساكناً لدفع الظلم عنهم، والمساعدات الغذائية يقولون: 80%  مما يصلنا لحم خنزير، من بلاد الكفار التي تُعطى لهم، يعطون المعونات لحم خنزير، وقوارير المشروبات الكحولية كثيرة جداً، ونحن نسأل الله أن يرفع الظلم عنهم، وأن يقيهم بأس الأعداء، وأن يرد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً.

اللهم ارفع الظلم عن المسلمين، اللهم إنا نسألك أن تكون معهم، اللهم إنا نسألك أن تجعل كيد الأعداء في نحورهم.

اللهم انصر إخواننا في أفغانستان من أهل السنة على أهل البدعة والمشركين والملحدين.

والحرب قائمة ضروس الآن بين أهل السنة في أفغانستان والمليشيات الشيوعية وغيرها من الملاحدة قائمة، ونحن ندعو الله أن ينصرهم على عدوهم، اللهم إنا نسألك أن تكون معهم، وأن تسدد رميتهم، اللهم اخذل أعداءهم يا رب العالمين.

أيها الإخوة، يا أصحاب الأعراس: لا بد أن تنتبهوا من قضية وصول أصوات النساء بمكبرات الصوت إلى الرجال، فإنه قد حصل من ذلك أمور يندى لها الجبين، وصار للناس إزعاج، وحصلت محرمات ومنكرات، فينبغي عليكم -يا أصحاب الأعراس- أن تقيموها لله، وأن تمنعوا الحرام، ولو ضغط النساء، فإنكم تكونون عقلاء ملتزمين بالشرع.

أقول قولي هذا، وأسأل الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن ينعم علينا وعليكم بنعمة الإسلام، وأن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه مسلم (2996)
2 - رواه البخاري (2253)
3 - رواه الترمذي (2442)