الأحد 23 جمادى الأولى 1446 هـ :: 24 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

حصن المسلم من إبليس


عناصر المادة
الخطبة الأولى
رحمة الله بنا في مواجهة عدونا
الوسائل الشرعية في مواجهة إبليس والتحصن منه
الخطبة الثانية
الأماكن التي يكثر فيها وجود الشياطين
تابع الوسائل في التحصن من إبليس

الخطبة الأولى

00:00:00

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

رحمة الله بنا في مواجهة عدونا

00:00:23

فإن الله لما خلق عدونا إبليس، وخلق أبانا آدم، وقدر العداوة بينهما إلى يوم الدين، قد أعطانا أسلحة لمقاومة هذا العدو، ولم يتركنا نهباً للشيطان الرجيم، وإنما أخبرنا في كتابه وعلى لسان نبيه ﷺ كيف نأخذ العدة لتلك المواجهة، وكيف السلاح في منازلة هذا العدو الرجيم، وقد سبق ذكر بعض الأمور المتعلقة بذلك.

الوسائل الشرعية في مواجهة إبليس والتحصن منه

00:01:11

ولنعلم أيها الإخوة: أن الإخلاص لله أمضى سلاح في مقاومة هذا الشيطان؛ لأنه قال بنفسه: قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ۝ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَسورة الحجر39-40 أصحاب النية الصادقة، الذين يعملون العمل ابتغاء وجه الله ، ثم إن تحقيق العبودية أيضاً أقوى وسائل المواجهة: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَسورة الحجر42 العبودية بالخوف والرجاء والمحبة لله والتوكل عليه والرغبة إليه والرهبة له والخشوع والإنابة والاستعانة والخشية.. وغير ذلك من أنواع العبودية ومقاماتها، تحقيقها السلاح الفعال في المواجهة، والالتزام بالكتاب والسنة، وعدم الخروج عن الصراط المستقيم؛ لأن الله قال: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ سورة الأنعام153 تلك السبل على رأس كل واحد منها شيطان يدعو إليه، كما أخبر النبيﷺ.

ولزوم جماعة المسلمين كما قال ﷺ: يد الله مع الجماعة، فإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض [رواه النسائي4020]رواه النسائي وهو حديث صحيح، ما هي الجماعة؟ طاعة الله ، عرفها ابن مسعود فقال: "الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك"، وقال نعيم بن حماد: "إن الجماعة ما وافق طاعة الله ، وإذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة.

 لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم[رواه مسلم1920]هؤلاء هم الجماعة، وحتى لو كنت في السفر يا عبد الله فلا تذهب وحدك، فإن النبيﷺ قال: الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب[رواه الترمذي1674] فإذن الشيطان مع الوحدة، إذا كنت وحيداً في سفر، أو وحيداً في نوم فإن الشيطان إليك أقرب.

والمحافظة على صلاة الجماعة تحرر من هيمنة الشيطان، قال النبي ﷺ: ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيه الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية[رواه النسائي847] حديث صحيح، اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِسورة المجادلة19.

وكذلك فإن الاستغفار من أسلحتنا في مواجهة عدونا، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَسورة الأعراف201، فهؤلاء إذا أتوا بفعل محرم، أو تركوا واجباً، وصار للشيطان عليهم مدخل فزعوا إلى الاستغفار والتوبة إلى الله ، فيرد الله الشيطان خاسئاً وهو حسير.

وقد قال إبليس لربنا: وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال: أي: الله  وعزتي وجلالي لا أزال اغفر لهم ما استغفروني[رواه أحمد10974]حديث صحيح، فهذه حال العباد إذا أنابوا إلى الله، وأبونا لما مسه طائف من الشيطان هو وأمنا: قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَسورة الأعراف23.

وإن الاستعاذة بالله من أقوى الأسلحة، خصوصاً عندما يأتي الشيطان بوسوسته، فقد قال النبي ﷺ: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينتهوالاستعاذة معروفة، أما الانتهاء فهو الكف عن الاسترسال مع الشيطان في الوساوس، ومقاومة هذا العدو.

إن الاستعاذة بالله من أقوى الأسلحة، خصوصاً عندما يأتي الشيطان بوسوسته، فقد قال النبي ﷺ: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينتهوالاستعاذة معروفة، أما الانتهاء فهو الكف عن الاسترسال مع الشيطان في الوساوس، ومقاومة هذا العدو.

وكذلك فإن الشيطان إذا نام العبد عقد على مؤخرة رأسه ثلاث عقد وثبطه عن الصلاة، لا تنحل العقد إلا بذكر الله، قال النبي ﷺ: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقدأي: لكي يخذله عن قيام الليل، ويقول له: إن الليل طويل والفجر بعيد فازدد نوماً، قال ﷺ: فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان[رواه البخاري1142]، وقد ذكر عند النبي ﷺ رجل نام ليله حتى أصبح، قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه [رواه البخاري3270]رواه البخاري، ويحتمل أن المراد أنه نام عن قيام الليل، ويحتمل أن المراد أنه نام عن صلاة الفجر، ويؤيد الاحتمال الثاني في هذه الرواية رواية ابن حبان: "نام عن الفريضة"[رواه ابن حبان2562].

فهو إذن يكيد لنا حتى في نومنا، ويبيت على الخيشوم من أحدنا؛ ولذلك فإن العبد إذا قام من النوم فعليه أن يستنشق فإن الاستنشاق يذهب هذا الأثر، وكذلك الوضوء، وكذلك ذكر الله .

فإذا كبر العبد للصلاة فإن عليه أن يتخذ قبل ذلك سترة، فإن السترة مما يقيه كيد إبليس، قال ﷺ: إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته[رواه النسائي748]، قال ابن القيم رحمه الله: رجال إسناده رجال مسلم، لا يقطع الشيطان عليه صلاته أي: لا يفوت عليه حضورها بالوسوسة، فالحديث يدل إذن أن السترة تمنع استيلاء الشيطان على المصلي، وعدم السترة يمكن الشيطان من صرف المصلي عما هو بصدده من الخشوع والخضوع، فاجعل سترة بين يديك من جدار أو عمود أو غيره مما هو مرتفع عن الأرض.

والأذان مما يطرد الشيطان، فقد روى مسلم أن النبي ﷺ قال: إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي التأذين أقبل حتى إذا ثوب في الصلاة -يعني أقيمت- أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل -رجع مرة أخرى ليوسوس للمصلي- حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول له: اذكر كذا واذكر كذا لما لم يكن يذكر من قبل، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى [رواه البخاري608]، وقد اشتكى عثمان بن أبي العاص للنبي ﷺ هذا الأمر، فقال: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي -أي يشككني فيها ويمنعني من الخشوع- فقال رسول الله ﷺ: ذاك شيطان يقال له خنزب فالتخصص إذن في الشياطين موجود، والتمرس على أعمال معينة عندهم كذلك، قال ﷺ: فإذا أحسسته فتعوذ بالله منهوهذا في وسط الصلاة، واتفل على يسارك ثلاثاً إذن يدير رأسه إلى الشمال فيتفل عن شماله ثلاثاً ويتعوذ بالله من الشيطان ثلاثاً، قال الصحابي: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني.[رواه مسلم2203]وهذا ريق مع هواء يسير وليس بصقاً.

وقد شرع النبي ﷺ لنا عند دخول المسجد الاستعاذة بالله من الشيطان، فروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي ﷺ: أنه كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم[رواه أبو داود466]حديث صحيح.

وإياك يا عبد الله أن تترك فرجة في الصف بينك وبين صاحبك، فإن النبي ﷺ قال: أقيموا صفوفكم وتراصوا، فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشياطين بين صفوفكم كأنها غنم عفر[رواه أبو داود الطيالسي2222]يعني: بيض ليس بياضها بناصع، وقال: فوالذي نفس محمد بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف كأنها الحذف[رواه النسائي815 وأبو داود667] أي: غنم صغار سود، رواه النسائي وأبو داود وهو حديث صحيح، فهذه فائدة التراص في الصف والمقاربة والمحاذاة بالمناكب والأعناق وسد الفرج، فإن هذه من أعظم وسائل الوقاية من الشيطان في صلاة الجماعة.

وإن الشيطان ليشغل العبد عن الأذكار، ولما حدث النبي ﷺ أصحابه بحديث فيه فضل عظيم للذكر استغربوا من الذي لا يقدم عليه ولا يفعله، فقال ﷺ: خصلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة هما يسير ومن يعمل بهما قليل: يسبح في دبر كل صلاة عشراً، ويحمد عشراً، ويكبر عشراً وهذه إحدى كيفيات الأذكار بعد الصلاة، والكيفية الأشهر أن يسبح ثلاثاً وثلاثين من كل واحدة، قال في هذه الكيفية والصفة الثابتة الصحيحة أيضاً: فذلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان، ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثاً وثلاثين ويسبح ثلاثاً وثلاثين -وهذه من أذكار النوم- فذلك مائة باللسان وألف في الميزان، الحسنة بعشر أمثالها، قالوا: يا رسول الله! كيف هما يسير ومن يعمل بهما قليل؟ قال: يأتي أحدكم الشيطان في منامه فينومه قبل أن يقوله قبل أن يأتي بأذكار النوم، ويأتيه في صلاته فيذكره حاجة قبل أن يقولها[رواه أبو داود5065]حديث صحيح.

وإن كيد الشيطان ليصل إلينا في منامنا بعد النوم كما يكون عند النوم، فيريد أن يفزعنا بالأحلام المزعجة، وأن يرينا ما نحزن منه، إن من أغراضه إلقاء الحزن في نفوس الذين آمنوا، فقال ﷺ: الحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه فلينفث عن يساره حين يستيقظ ثلاث مرات ويتعوذ من شرها، فإنها لا تضره، قال أبو سلمة: وإن كنت لأرى الرؤيا أثقل عليَّ من الجبل فما هو إلا أن سمعت هذا الحديث فما أباليها.[رواه البخاري6986 ومسلم2261]رواه البخاري، فبعض الناس يرى المنام المزعج يتكدر له خاطره وتضيق لأجله نفسه، فيبقى طيلة الوقت مهموماً، والحل يسير النفث عن الشمال ثلاثاً عند الاستيقاظ والتعوذ بالله ثلاثاً من إبليس والتعوذ بالله من شر ما رأى ثلاثاً، فإذن نفث واستعاذة من الشيطان ومن شر ما رأى، ثلاثاً ثلاثاً ثلاثاً، تنجيه من ذلك الغم.

يحضر الشيطان أحدنا في كل شئونه: في طعامه وشرابه، حتى اللقمة إذا سقطت للشيطان فيها كيد، فقال ﷺ: إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه، أكل.. شرب.. لبس.. منام.. خروج.. دخول.. جماع.. كلام، كل شيء من شأنه، قال: حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة[رواه مسلم2033]رواه مسلم، إنه يشاركنا في مبيتنا وعشائنا فكيف النجاة؟ قال ﷺ: إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان يعني: لإخوانه وأتباعه وأعوانه لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء[رواه مسلم2018]،  إن الشيطان يستحل الطعام ألا يذكر اسم الله عليه[رواه مسلم2017]رواهما مسلم.

وإذا أسرف العبد في أثاث بيته ووضع من الفرش ما لا حاجة له إليه شاركه الشيطان فيه وبات عليه، قال ﷺ: فراش للرجل وفراش لامرأته والثالث للضيف والرابع للشيطان [رواه مسلم2084]رواه مسلم، فإذن ينام على الفرش التي لا حاجة إليها لا لصاحب ولا لأهله وأولاده وضيوفه وإنما اتخذها إسرافاً ومباهاة والتهاء بزينة الدنيا، ثق أن الشيطان يبيت عليها، كما قال ﷺ في هذا الحديث الصحيح.

إنه يسلك كل سبل الإغواء يا عباد الله، وعلى رأسها النساء فهن حبائل الشيطان، قال ﷺ: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء[رواه البخاري5096]،

وقال: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء[رواه مسلم2742]، وقال موضحاً كيف يعمل الشيطان عمله المتعلق بالمرأة: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان[رواه الترمذي1173]رواه الترمذي وهو حديث صحيح، المرأة عورة هذا دليل واضح على أن كل جسد المرأة عورة: الوجه والكفان والشعر والقدمان، المرأة عورة يعني: عند الرجل الأجنبي، المرأة عورة، فإذا خرجتيعني: من بيتها،استشرفها الشيطان يعني: زينها في نظر الرجال وإن كانت قبيحة زينها في نظر الرجال؛ ولذلك تجد بعض أصحاب الهمم الدنيئة تبع الواحد منهم امرأة، زوجته أجمل منها، لكن الشيطان يزين هذه في عينه، فربما زنا بها وهي قبيحة، وزوجته أجمل منها، لكن قال ﷺ: استشرفها الشيطان يعني: يزينها في نظر الرجال، وربما أمسكت زوجة الواحد من هؤلاء بصور له، أتى بها من الخارج أو من سفر إلى مكان الفسق والفجور فقالت له: هذه صديقتك؟ إنها والله ليست بأجمل مني، وهو لا يسعه أن ينكر في قرارة نفسه يعرف، وربما استغربت تلك المسكينة ما يفعله هذا الزوج الخائن مع هذه القبيحة أو التي هي أدنى جمالاً منها كيف يفعل ذلك؟ وكيف تعمد نفسه الدنيئة إلى هذه المرأة؟ الجواب: قوله ﷺ: استشرفها الشيطان يعني: زينها في نظر الرجال، لا يرى الرجل عيب هذه الأجنبية وإنما يرى مفاتن ومحاسن؛ لأن الشيطان يزينها والحديث واضح، زينها في نظر الرجال ليغويها ويغوي بها، فإذن المرأة يستقبح بروزها وظهورها؛ لأن الشيطان يفتن بها، فهذا حديث واضح عن فعل إبليس وكيده بالنسوة.

لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان[رواه الترمذي1171]في سيارة أجرة، في مصعد عمارة، في حجرة، في شقة، في بيت، لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان[رواه الترمذي1171]يهيج الشهوة حتى يلقيهما في الزنا.

وهو إذا حضر في الحرام فإنه يحضر في الحلال أيضاً؛ ولذلك قال ﷺ: أما إن أحدكم إذا أتى أهله وقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزقا ولداً[رواه البخاري5165] أي: من ذكر أو أنثى، فرزقا ولداً لم يضره الشيطان أبداً ببركة هذه التسمية، بل يكون من جملة العباد الذين قال الله فيهم: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌسورة الحجر42 قيل: المراد لا يستطيع أن يصرع هذا الولد في المستقبل، وقيل: لا يضره في بدنه، وقيل: لا يستطيع أن يشارك أباه في جماع أمه؛ لأن الشيطان يشاركنا في الأموال والأولاد كما أخبرنا الله، إذن الاستعاذة بالله قبل إتيان المرأة يحرم الشيطان من المشاركة.

وتعويذ الأطفال بالله من الشيطان أمر مهم، فقد روى البخاري: أن النبي ﷺ كان يعوذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق ما هي هذه الكلمات؟ أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة[رواه البخاري4737] فكل دابة لها أذى ولسع وذات سم، وكل عين تلم وتصيب، فإن النبي ﷺ كان يعوذ أحفاده بالله من هذه الأمور وعلى رأسها الشيطان.

وأوصانا بمنع أولادنا من الخروج بعد المغرب حتى يشتد الليل، فقال: إذا كان جنح الليلأي: إذا أقبل بظلامه، فكفوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فحلوهم[رواه البخاري5623] لأن الشياطين تخف عند ذاك، فإذن بعد الغروب مباشرة كفوا صبيانكم عن الخروج من البيوت للعب ونحوه في الشوارع؛ لأن للشياطين والجن انتشاراً وخطفة في هذا الوقت.

وقال ﷺ: وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله القربة التي يوضع فيها الماء يحكم غطاؤها ويذكر اسم الله،وخمروا آنيتكم يعني: غطوها، واذكروا اسم الله ولو تعرضوا عليها شيئاً فتضعوا عليها ولو عوداً بالعرض وتذكروا اسم الله لا يستطيع الشيطان أن يأكل منها شيئاً[رواه البخاري5623] نحن لا نرى الشيطان: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْسورة الأعراف27 ولذلك فإن الله رحيم علمنا كيف نتقي كيد إبليس ونحن لا نراه، حتى لو أراد أحدنا أن يضع ثيابه ويخلع ما عليه من الملابس إذا قال بسم الله لا يستطيع الشيطان أن ينظر إلى عورته، ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم بسم الله، فالحمد لله الذي علمنا ما نتقي به كيد عدونا.

اللهم جنبنا الشيطان ووسوسته، وأعذنا من إبليس ومكره وشره ونزغاته، إنك أنت السميع العليم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:28:06

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وأشهد أن الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى خلفائه وذريته وزوجاته والصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الأماكن التي يكثر فيها وجود الشياطين

00:28:32

عباد الله: إن من الأماكن التي يكثر فيها وجود الشياطين وهي من مراكزه الأساسية الأسواق، فقال رجل من أصحاب النبي ﷺ واسمه ميثم: "إن الملك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد فلا يزال فيها معه حتى يرجع فيدخل بها منزله، وإن الشيطان يغدو برايته إلى السوق مع أول من يغدو فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخلها منزله"

إن من الأماكن التي يكثر فيها وجود الشياطين وهي من مراكزه الأساسية الأسواق، فقال رجل من أصحاب النبي ﷺ واسمه ميثم: "إن الملك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد فلا يزال فيها معه حتى يرجع فيدخل بها منزله، وإن الشيطان يغدو برايته إلى السوق مع أول من يغدو فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخلها منزله"

قال الحافظ رحمه الله: موقوف صحيح السند، ومثل هذا لا يقال بالرأي فلا بد أن يكون له صلة بالوحي، الشيطان إذن مع الذين يذهبون إلى الأسواق، وإذا بكروا إليها كانت رايته معهم فيها.

وروى مسلم عن سلمان الفارسي قال: "لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته"[رواه مسلم2451] المعركة موضع القتال، والمقصود أن الشيطان في هذه السوق، معترك الحرام والغش والخداع والأيمان الخائنة والنجش والعقود الفاسدة، والبيع على بيع أخيه والشراء على شرائه والسوم على سومه، وبخس المكيال والميزان، وبيع المحرمات واختلاط الرجال بالنساء والمعاكسات.. وغير ذلك من أنواع التبرج، وما صار يقيمونه اليوم في الأسواق من عروض الأزياء للبنات الصغيرات وغداً الكبيرات وبعدها البالغات، وما يريدون فعله من أنواع المحرمات، هنالك ينصب الشيطان رايته عالية خفاقة في ذلك المكان، وبهذه المعركة يؤلب على الحرام، وتحدث الاتصالات المحرمة واللقاءات المحرمة والتبرج المحرم، يحدث ما يحدث من اللمس المحرم والمواعدة المحرمة والنظر المحرم والافتتان، هنالك راية الشيطان، ولو لم نرها فإن في هذه الأسواق رايات لإبليس منصوبة، فاحذروا عباد الله، فاحذروا منها، وقد قال نبيكم ﷺ: أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها[رواه مسلم671] فالأسواق أبغض مكان إلى الله في البلد، وهانحن نرى اليوم الانطباق العملي لهذه الأحاديث في الأسواق، لقد صارت تجمعاً للشر والفسق، ومكاناً للمقابلة بين الجنسين المقابلة المحرمة، لا تكاد تسلم المرأة بل لا يسلم الشاب الذي يدخل بعض هذه الأسواق من أنواع الحرام، إذن من أراد أن يذهب إلى مكان إبليس ومركز إبليس الرئيسي في البلد فليذهب إلى الأسواق، ومن أراد البعد عن إبليس فليذهب إلى المساجد، إنها موعظة من نبينا ﷺ فمن ذا الذي يتعظ.

تابع الوسائل في التحصن من إبليس

00:32:54

وعند البيع يحضر إبليس أيضاً، فقال ﷺ: يا معشر التجار إن البيع يحضره الشيطان والإثم والكذب واللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة[رواه أبو داود3326]رواه أبو داود وهو حديث صحيح، اخلطوه بالصدقة؛ لأن الصدقة تطفئ غضب الرب.

يا عبد الله: ربما تقع، أو تسقط أو تجرح أو تصدم، فماذا تقول في تلك اللحظة؟ عن أبي المليح عن رجل من أصحاب النبي ﷺ قال: كنت رديف النبي ﷺ فعثرت دابة فقلت: تعس الشيطان، تعثرت وسقطت فتأذى الراكب فوقها، فقال ﷺ: لا تقل: تعس الشيطان ليس لأن الشيطان لا يستحق التعاسة بل يستحق وأكثر، فلماذا إذن؟ قال: فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول: بقوتي أي: صرعته، فإذا سببت الشيطان لم تفعل شيئاً بل إنه يتعاظم وينتفخ حتى يكون مثل القصر ويقول مفتخراً: بقوتي صرعته، ولكن قل: بسم اللهعند السقطة والصدمة والحرقة والجرحة قل: بسم الله، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب[رواه أبو داود4982]رواه أبو داود وهو حديث صحيح.

وإذا تثاءب الإنسان ولم يضع يده على فيه دخل الشيطان عن طريق الفم، ويضحك من هذا المتثائب، وقد قال ﷺ: إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه فإن الشيطان يدخل[رواه مسلم2995]رواه مسلم، وقال: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، التثاؤب هو من الشيطان فليرده ما استطاع، فإذا قال هاه -أي المتثائب فتح فمه- ضحك منه الشيطان [رواه البخاري6226]والحديث في البخاري.

عباد الله: إن وجود الكلاب في البيوت تكون سبباً في حرمان صاحب البيت من دخول الملائكة ومن البركة، وتكون أيضاً لأجل ما يحضرها من الشياطين، والكلب الأسود البهيم شيطان، وأخبر النبي ﷺ: " أن من يتخذ هذه الكلاب في البيوت ينقص منه كل يوم قيراط من الأجر والحسنات"[انظر صحيح البخاري1574].

أما إذا صار في البيت مزمور الشيطان، والمعازف سماها أبو بكر الصديق مزمور الشيطان، إذا وجدت المعازف والأغاني في البيت فحدث عن وجود الشياطين فيه بأنواعها، فإن مزمور الشيطان هذا الذي يحبه الشيطان سماه أبو بكر كما في الحديث الصحيح مزامير الشيطان، ولم ينكر النبي ﷺ هذه التسمية، فعلمنا أن هذه الآلات الموسيقية والمعازف إذا اشتغلت وعلت أصواتها أن الشياطين معها، حتى الأجراس في أعناق الإبل، هذه لا تصحبها الملائكة، فإنها من مزامير الشيطان، وكان للعرب فيها اعتقادات.

عباد الله: إننا عندما نسمع ما أخبرنا به نبينا ﷺ من هذه الأمور فإننا نحب ربنا ورسولنا؛ لأنه علمنا كيف نفعل في مواجهة عدونا.

اللهم إنا نسألك العصمة من إبليس وكيده، اللهم إنا نعوذ بك من نزغاته ووسوسته، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من حزبك يا رب العالمين ولا تجعلنا من حزب الشيطان الرجيم، اللهم انصرنا على عدونا، وأصلح ذات بيننا، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم أهلك اليهود والصليبيين وأعداء الدين يا رب العالمين، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن المجرمين، اللهم إنا نسألك أن تعجل الفرج يا أرحم الراحمين، اللهم نفس كرب المكروبين وأذهب غم المغمومين، اللهم إنا نسألك أن تجعل نصرك العاجل لهذه الأمة يا رب العالمين، اللهم إن في بلاد المسلمين من البلاء ما لا نشكوه إلا إليك فعجل الفرج إنك على كل شيء قدير.

عباد الله: يقترب الطلاب من الاختبارات ويقترب المبتدعة من مواسم البدع وما يفعلونه في الموالد، فنحث إخواننا الطلاب على تقوى الله والاستعداد بالأمور المشروعة، ونحذر إخواننا المسلمين من أي مشاركة في تلك العبادات غير المشروعة.

ونسأل الله أن يجنبنا الحرام والبدع، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه النسائي4020
2 - رواه مسلم1920
3 - رواه الترمذي1674 
4 - رواه النسائي847 
5 - رواه أحمد10974
6 - رواه البخاري1142
7 - رواه البخاري3270
8 - رواه ابن حبان2562
9 - رواه النسائي748
10 - رواه البخاري608
11 - رواه مسلم2203
12 - رواه أبو داود466
13 - رواه أبو داود الطيالسي2222
14 - رواه النسائي815 وأبو داود667 
15 - رواه أبو داود5065
16 - رواه البخاري6986 ومسلم2261
17 - رواه مسلم2033
18 - رواه مسلم2018
19 - رواه مسلم2017
20 - رواه مسلم2084
21 - رواه البخاري5096
22 - رواه مسلم2742
23 - رواه الترمذي1173
24 - رواه الترمذي1171
25 - رواه الترمذي1171
26 - رواه البخاري5165 
27 - رواه البخاري4737 
28 - رواه البخاري5623 
29 - رواه البخاري5623 
30 - رواه مسلم2451 
31 - رواه مسلم671 
32 - رواه أبو داود3326
33 - رواه أبو داود4982
34 - رواه مسلم2995
35 - رواه البخاري6226
36 - انظر صحيح البخاري1574